اللهم استجب

سبحانك وبحمدك وأستغفرك أنت الله الشافي الكافي الرحمن الرحيم الغفار الغفور القادر القدير المقتدر الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر الخالق البارئ المصور... الواحد الأحد الواجد الماجد الملك المغيث لا إله إلا أنت وحدك لا شريك لك ..لك الملك ولك الحمد وأنت علي كل شيئ قدير ولا حول ولا قوة إلا بك وأستغفرك اللهم بحق أن لك هذه الأسماء وكل الأسماء الحسني وحق إسمك الأعظم الذي تعلمه ولا أعلمه أسألك أن تَشفني شفاءا لا يُغادر سقما وأن تَكفني كل همي وتفرج كل كربي وتكشف البأساء والضراء عني وأن تتولي أمري وتغفر لي ذنبي وأن تشرح لي صدري وأن تُيسر لي أمري وأن تحلل عُقْدَةً  من لساني يفقهوا قولي وأن تغنني بفضلك عمن سواك اللهم أصلحني: حالي وبالي وأعتقني في الدارين وخُذ بيدي يا ربي وأخرجني من الظلمات الي النور بفضلك  وأن ترحم وتغفر لوالديَّ ومن مات من اخوتي وان تغفر لهم أجمعين وكل من مات علي الايمان والتوبة اللهم آمين  //اللهم تقبل/ واستجب//https://download.tvquran.com/download/selections/315/5cca02c11a61a.mp3

المصحف

 تحميل المصحف

القرآن الكريم وورد word doc icon تحميل المصحف الشريف بصيغة pdf تحميل القرآن الكريم مكتوب بصيغة وورد تحميل سورة العاديات مكتوبة pdf

Translate

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الخميس، 29 سبتمبر 2022

أن أول من تنشق عنه الأرض يوم القيامة رسول الله ﷺ.وبعث الناس حفاة عراة غرلا، وذكر أول من يكسى يومئذ من الناس

 

 

 

ذكر أن أول من تنشق عنه الأرض يوم القيامة رسول الله ﷺ 

قال مسلم بن الحجاج: حدثني الحكم بن موسى أبو صالح، حدثنا هقل، يعني ابن زياد، عن الأوزاعي، حدثني أبو عمار، حدثني عبد الله بن فروخ، حدثني أبو هريرة قال: قال رسول الله ﷺ: «أنا سيد ولد آدم يوم القيامة، وأول من ينشق عنه القبر، وأول شافع، وأول مشفع».

 

وقال هشيم، عن علي بن زيد، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد، قال: قال رسول الله ﷺ «أنا سيد ولد آدم يوم القيامة ولا فخر، وأنا أول من تنشق عنه الأرض يوم القيامة ولا فخر».

 

وقال ابن أبي الدنيا: حدثنا أبو خيثمة، أخبرنا حجين بن المثنى، أخبرنا عبد العزيز بن عبد الله بن أبي سلمة، عن عبد الله بن الفضل الهاشمي، عن [ص:367] عبد الرحمن الأعرج، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله ﷺ: ( ينفخ في الصور فيصعق من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله، ثم ينفخ فيه أخرى فأكون أول من بعث، فإذا موسى آخذ بالعرش، فلا أدري أحوسب بصعقته يوم الطور، أو بعث قبلي ؟ ). وهو في الصحيح بقريب من هذا السياق.

 

والحديث في صحيح مسلم: «أنا أول من تنشق عنه الأرض، فأجد موسى باطشا بقائمة العرش، فلا أدري أفاق قبلي، أم جوزي بصعقة الطور».

 

فذكر موسى في هذا السياق فيه نظر، ولعله من بعض الرواة; دخل عليه حديث في حديث ; فإن الترديد هاهنا فيه لا يظهر، لا سيما قوله«أم جوزي بصعقة الطور».

 

وقال ابن أبي الدنيا أيضا: حدثنا إسحاق بن إسماعيل، أخبرنا سفيان، هو ابن عيينة، عن عمرو، هو ابن دينار، عن عطاء، وابن جدعان، عن سعيد بن المسيب، قال: كان بين أبي بكر وبين يهودي منازعة، فقال اليهودي: والذي اصطفي موسى على البشر. فلطمه أبو بكر، فأتى اليهودي رسول الله ﷺ، فقال: «يا يهودي، أنا أول من تنشق عنه الأرض، فأجد موسى متعلقا بالعرش، فلا أدري هل كان قبلي، أو جوزي بالصعقة».

 

وهذا مرسل من هذا الوجه، والحديث في الصحيحين من غير وجه [ص:368] بألفاظ مختلفة; وفي بعضها أن اللاطم لهذا اليهودي إنما هو رجل من الأنصار، لا الصديق. فالله أعلم.

 

ومن أحسنها سياقا: " إذا كان يوم القيامة، فإن الناس يصعقون، فأكون أول من يفيق، فأجد موسى باطشا بقائمة من قوائم العرش، فلا أدري أصعق فأفاق قبلي، أم جوزي بصعقة الطور ). وهذا كما سيأتي بيانه يقتضي أن هذا الصعق يكون في عرصات القيامة، وهو صعق آخر غير المذكور في القرآن، وكأن سبب هذا الصعق في هذا الحديث التجلي، يعني تجلي الرب سبحانه إذا جاء لفصل القضاء، فيصعق الناس كما خر موسى صعقا يوم الطور. والله أعلم

وقال أبو بكر بن أبي الدنيا: أخبرنا إسحاق بن إسماعيل، أخبرنا جرير، عن عطاء بن السائب، عن الحسن، قال: قال رسول الله ﷺ «كأني أراني أنفض رأسي من التراب، فألتفت، فلا أرى أحدا إلا موسى متعلقا بالعرش، فلا أدري أممن استثنى الله أن لا تصيبه النفخة، أم بعث قبلي».

 

وهذا مرسل أيضا، وهو أضعف.

 

وقال الحافظ أبو بكر البيهقي حدثنا أبو عبد الله الحافظ، وأبو سعيد بن أبي عمرو، قالا حدثنا أبو العباس: محمد بن يعقوب، حدثنا محمد بن إسحاق [ص:369] الصغاني، حدثنا عمرو بن محمد الناقد، حدثنا عمرو بن عثمان، حدثنا موسى بن أعين، عن معمر بن راشد، عن محمد بن عبد الله بن أبي يعقوب، عن بشر بن شغاف، عن عبد الله بن سلام، قال: قال رسول الله ﷺ «أنا سيد ولد آدم يوم القيامة ولا فخر، وأنا أول من تنشق عنه الأرض، وأنا أول شافع ومشفع، بيدي لواء الحمد تحتي آدم فمن دونه». لم يخرجوه، وإسناده لا بأس به.

 

وقال ابن أبي الدنيا: حدثنا أبو سلمة المخزومي، أنبأنا عبد الله بن نافع، عن عاصم بن عمر، عن أبي بكر بن عمر بن عبد الرحمن، عن سالم بن عبد الله، وقال غير أبي سلمة: عن ابن عمر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه سلم ( أنا أول من تنشق عنه الأرض، ثم أبو بكر، ثم عمر، ثم أذهب إلى أهل البقيع، فيحشرون معي، ثم أنتظر أهل مكة فيحشرون معي، فأحشر بين الحرمين ).

 

وقال أيضا: أخبرنا الحكم بن موسى، أخبرنا سعيد بن مسلمة، عن إسماعيل بن أمية، عن نافع، عن ابن عمر، قال: دخل رسول الله ﷺ المسجد، وأبو بكر عن يمينه، وعمر عن يساره، وهو متكئ عليهما، قال: ( هكذا نبعث يوم القيامة ).

 

وقال ابن أبي الدنيا: حدثني محمد بن الحسين، حدثنا قتيبة بن سعيد، [ص:370] أخبرنا الليث بن سعد، عن خالد بن يزيد، عن سعيد بن أبي هلال، عن نبيه بن وهب، أن كعب الأحبار قال: ما من فجر يطلع إلا نزل سبعون ألفا من الملائكة، حتى يحفوا بالقبر، يضربون بأجنحتهم، ويصلون على النبيﷺ، حتى إذا أمسوا عرجوا، وهبط مثلهم فصنعوا مثل ذلك، حتى إذا انشقت الأرض خرجﷺ في سبعين ألفا من الملائكة يوقرونهﷺ.

 

وأخبرنا هارون بن عمر القرشي، حدثنا الوليد بن مسلم، حدثنا مروان بن سالم، عن يونس بن سيف، قال: قال رسول الله ﷺ: «يحشر الناس رجالا، وأحشر راكبا على البراق، وبلال بين يدي، على ناقة حمراء، فإذا بلغنا مجمع الناس نادى بلال بالأذان، فإذا قال: أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمدا رسول الله صدقه الأولون والآخرون». وهذا مرسل من هذا الوجه.==========

ذكر بعث الناس حفاة عراة غرلا، وذكر أول من يكسى يومئذ من الناس

 

 

قال الإمام أحمد: حدثنا يزيد بن عبد ربه، حدثنا بقية، حدثنا الزبيدي، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة، أن رسول الله ﷺ قال: «يبعث الناس يوم القيامة حفاة عراة غرلا». قال: فقالت عائشة: يا رسول الله، فكيف [ص:371] بالعورات؟ فقال: لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه [عبس: 37] وأخرجاه في الصحيحين من حديث حاتم بن أبي صغيرة، عن عبد الله بن أبي مليكة، عن القاسم، عن عائشة، بنحوه.

 

وقال الإمام أحمد: حدثنا عفان، حدثنا شعبة، حدثنا المغيرة بن النعمان، شيخ من النخع، قال: سمعت سعيد بن جبير يحدث، قال: سمعت ابن عباس، قال: قام فينا رسول الله ﷺ بموعظة، فقال: " يا أيها الناس، إنكم محشورون إلى الله حفاة عراة غرلا كما بدأنا أول خلق نعيده وعدا علينا إنا كنا فاعلين [الأنبياء: 104]. ألا وإن أول الخلق يكسى يوم القيامة إبراهيم، وإنه سيجاء بأناس من أمتي فيؤخذ بهم ذات الشمال، فلأقولن: أصحابي. فليقالن لي: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك. فلأقولن كما قال العبد الصالح: وكنت عليهم شهيدا ما دمت فيهم فلما توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم وأنت على كل شيء شهيد إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم [المائدة: 117، 118] فيقال: إن هؤلاء لم يزالوا مرتدين على أعقابهم منذ فارقتهم ". أخرجاه في الصحيحين من حديث شعبة. ورواه الإمام أحمد، عن سفيان بن عيينة. وفي الصحيحين من حديثه، عن عمرو بن دينار، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، مرفوعا: ( إنكم محشورون [ص:372] إلى الله عز وجل، حفاة عراة غرلا ". ورواه البيهقي من حديث هلال بن خباب، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، عن النبي ﷺ قال: «تحشرون حفاة عراة غرلا»، فقالت زوجته: أينظر بعضنا إلى عورة بعض ؟ فقال: " يا فلانة، لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه [عبس 37].

 

وقال الحافظ أبو بكر البيهقي: أخبرنا أبو بكر أحمد بن الحسن القاضي، وأبو سعيد محمد بن موسى، قالا: حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب، حدثنا العباس بن محمد الدوري، حدثنا مالك بن إسماعيل، حدثنا عبد السلام بن حرب، عن أبي خالد الدالاني، عن المنهال بن عمرو، عن عبد الله بن الحارث، عن أبي هريرة، قال: يحشر الناس حفاة عراة غرلا قياما أربعين سنة، شاخصة أبصارهم إلى السماء، قال: فيلجمهم العرق من شدة الكرب، ثم يقال: اكسوا إبراهيم. فيكسى قبطيتين من قباطي الجنة. قال: ثم ينادى لمحمد ﷺ، فيفجر له الحوض، وهو ما بين أيلة إلى مكة. قال: فيشرب ويغتسل، وقد تقطعت أعناق الخلائق يومئذ من العطش. قال: ثم قال رسول الله ﷺ: «فأكسى من حلل الجنة، فأقوم عن - أو على - يمين الكرسي ليس أحد من الخلائق يقوم ذلك المقام يومئذ غيري، فيقال: سل تعط، واشفع تشفع». [ص:373] فقام رجل، فقال: أترجو لوالديك شيئا؟ فقال: ( إني شافع لهما، أعطيت أو منعت، ولا أرجو لهما شيئا ".

 

قال البيهقي: قد يكون هذا قبل نزول النهي عن الاستغفار للمشركين، والصلاة على المنافقين.

 

وقال القرطبي: وروى ابن المبارك، عن سفيان، عن عمرو بن قيس، عن المنهال بن عمرو، عن عبد الله بن الحارث، عن علي، قال: أول من يكسى الخليل قبطيتين، ثم محمد ﷺ حلة حبرة عن يمين العرش.

 

وقال أبو عبد الله القرطبي في كتاب " التذكرة ": وروى أبو نعيم الأصبهاني، من حديث الأسود، وعلقمة، وأبي وائل، عن عبد الله بن مسعود، أن رسول الله ﷺ قال: «أول من يكسى إبراهيم، عليه السلام، يقول الله تعالى: اكسوا خليلي. فيؤتى بريطتين بيضاوين، فيلبسهما، ثم يقعد مستقبل العرش، ثم أوتى بكسوتي، فألبسها، فأقوم عن يمينه قياما لا يقومه أحد غيري يغبطني فيه الأولون والآخرون».

 

قال القرطبي: وقال الحليمي في " منهاج الدين " له: وروى عباد بن كثير، عن أبي الزبير، عن جابر، قال: إن المؤذنين والملبين يخرجون يوم القيامة [ص:374] من قبورهم، يؤذن المؤذن، ويلبي الملبي، وأول من يكسى من حلل الجنة إبراهيم، ثم محمد ﷺ، ثم النبيون، ثم المؤذنون. وذكر تمامه.

 

ثم شرع القرطبي يذكر المناسبة في تقديم إبراهيم الخليل ﷺ، في الكسوة يومئذ، من ذلك أنه أول من لبس السراويل مبالغة في التستر، وأنه جرد يوم ألقي في النار، والله أعلم.

 

وروى البيهقي من حديث إسماعيل بن أبي أويس، حدثني أبي، عن محمد بن أبي عياش، عن عطاء بن يسار، عن سودة زوج النبي ﷺ قالت: قال النبي ﷺ: ( يبعث الناس حفاة عراة غرلا، قد ألجمهم العرق، فبلغ شحوم الآذان ". قلت: يا رسول الله، واسوأتاه، ينظر بعضنا إلى بعض؟! قال: " يشغل الناس عن ذلك، لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه [عبس: 37]. إسناده جيد، وليس هو في المسند ولا في الكتب.

 

وقال ابن أبي الدنيا: حدثنا سعيد بن سليمان، عن عبد الحميد بن سليمان، حدثني محمد بن أبي موسى، عن عطاء بن يسار، عن أم سلمة، قالت: سمعت النبي ﷺ يقول: «يحشر الناس حفاة عراة كما بدءوا». قالت [ص:375] أم سلمة: يا رسول الله، هل ينظر بعضنا إلى بعض؟! قال: «شغل الناس». قلت: وما شغلهم؟ قال: «نشر الصحف فيها مثاقيل الذر، ومثاقيل الخردل».

 

وقال الحافظ أبو بكر البزار: حدثنا عمر بن شبة، حدثنا الحسين بن حفص، حدثنا سفيان، يعني الثوري، عن زبيد، عن مرة، عن عبد الله، قال: قال رسول الله ﷺ: «إنكم محشورون حفاة عراة غرلا». قال البزار: أحسب أن عمر بن شبة غلط فيه، فدخل عليه متن حديث في إسناد حديث، وإنما هذا الحديث عن سفيان الثوري، عن مغيرة بن النعمان، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس. قال: وليس لسفيان الثوري عن زبيد، عن مرة، عن عبد الله بن مسعود حديث مسند. وهكذا رواه ابن أبي الدنيا، عن عمر بن شبة، به مثله، وزاد: «وأول من يكسى يوم القيامة إبراهيم، عليه الصلاة والسلام».

 

وقال ابن أبي الدنيا: حدثنا أبو عمار الحسين بن حريث، أخبرنا الفضل بن موسى، عن عائذ بن شريح، عن أنس، قال: سألت عائشة رسول الله ﷺ، فقالت: يا رسول الله، كيف يحشر الرجال؟ فقال: «حفاة عراة». ثم انتظرت ساعة، ثم قالت: يا رسول الله، كيف يحشر النساء؟ قال: [ص:376] " كذلك، حفاة عراة ". قالت: واسوأتاه من يوم القيامة. قال: «وعن أي ذلك تسألين؟ إنه قد نزلت علي آية لا يضرك كان عليك ثياب أم لا». قالت: أي آية يا رسول الله؟ قال: لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه [عبس: 37].

 

وقال الحافظ أبو يعلى الموصلي: حدثنا روح بن حاتم، حدثنا هشيم، عن الكوثر، وهو ابن حكيم، عن نافع، عن ابن عمر، قال: قال رسول الله ﷺ: «يحشر الناس كما ولدتهم أمهاتهم حفاة عراة غرلا». فقالت عائشة: والنساء بأبي أنت وأمي؟! فقال: «نعم». فقالت: واسوأتاه! فقال رسول الله ﷺ: «ومن أي شيء عجبت يا بنت أبي بكر؟» فقالت: عجبت من حديثك، يحشر الرجال والنساء حفاة عراة غرلا، ينظر بعضهم إلى بعض. قال: فضرب على منكبها، فقال: «يا بنت أبي قحافة، شغل الناس يومئذ عن النظر، وسموا بأبصارهم إلى السماء، موقوفون أربعين سنة لا يأكلون ولا يشربون، شاخصين بأبصارهم إلى السماء أربعين سنة، فمنهم من يبلغ العرق قدميه، ومنهم من يبلغ ساقيه، ومنهم من يبلغ بطنه، ومنهم من يلجمه العرق، من طول الوقوف، ثم يترحم الله من بعد ذلك على العباد، فيأمر الملائكة المقربين، فيحملون عرشه من السماوات إلى الأرض حتى يوضع عرشه في أرض بيضاء لم يسفك عليها دم، ولم يعمل فيها خطيئة، كأنها الفضة البيضاء، ثم تقوم الملائكة حافين من حول العرش، وذلك أول يوم نظرت فيه عين إلى الله تعالى، فيأمر مناديا فينادي بصوت يسمعه الثقلان الجن والإنس: أين فلان ابن فلان ؟ أين فلان ابن فلان ؟ فيشرئب الناس لذلك الصوت، ويخرج ذلك المنادى من الموقف، فيعرفه الله [ص:377] الناس، ثم يقال: تخرج معه حسناته. فيعرف الله أهل الموقف تلك الحسنات، فإذا وقف بين يدي رب العالمين، قيل: أين أصحاب المظالم؟ فيجيئون، رجلا رجلا، فيقال له: أظلمت فلانا كذا وكذا؟ فيقول: نعم يا رب. فذلك اليوم الذي تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون، فتؤخذ حسناته، فتدفع إلى من ظلمه يوم لا دينار ولا درهم، إلا أخذ من الحسنات، ورد من السيئات، فلا يزال أصحاب المظالم يستوفون من حسناته حتى لا يبقى له حسنة، ثم يقوم من بقي ممن لم يأخذ شيئا، فيقولون: ما بال غيرنا استوفى وبقينا؟ فيقال لهم: لا تعجلوا. فيؤخذ من سيئاتهم فترد عليه، حتى لا يبقى أحد ظلمه بمظلمة، فيعرف الله أهل الموقف أجمعين ذلك، فإذا فرغ من حسابه قيل: ارجع إلى أمك الهاوية، فإنه لا ظلم اليوم، إن الله سريع الحساب، ولا يبقى يومئذ ملك ولا نبي مرسل ولا صديق ولا شهيد ولا بشر، إلا ظن، لما رأى من شدة الحساب، أنه لا ينجو إلا من عصمه الله عز وجل».

 

هذا حديث غريب من هذا الوجه، ولبعضه شاهد في " الصحيح "، كما سيأتي بيانه قريبا إن شاء الله تعالى.

 

وقال الطبراني: ثنا الحسين بن إسحاق التستري، ثنا محمد بن أبان الواسطي، ثنا محمد بن الحسن المزني، عن سعيد بن المرزبان أبي سعد، عن [ص:378] عطاء بن أبي رباح، عن الحسن بن علي، قال: قال رسول الله ﷺ: «يحشر الناس يوم القيامة حفاة عراة». فقالت امرأة: يا رسول الله، فكيف يرى بعضنا بعضا قال: «إن الأبصار يومئذ شاخصة. ورفع رأسه إلى السماء، فقالت: يا رسول الله، ادع الله أن يستر عورتي. قال: «اللهم استر عورتها».

 

قال البيهقي: فأما الحديث الذي أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، أخبرنا أبو محمد عبد الله بن إسحاق ابن الخراساني المعدل، حدثنا محمد بن الهيثم القاضي، أخبرنا ابن أبي مريم، أخبرنا يحيى بن أيوب، عن ابن الهاد، عن محمد بن إبراهيم» عن أبي سلمة، عن أبي سعيد الخدري، أنه لما حضره الموت بثياب جدد، فلبسها، ثم قال: سمعت رسول الله يقول: «إن المسلم يبعث في ثيابه التي يموت فيها». فهذا حديث رواه أبو داود في كتاب " السنن "، عن الحسن بن علي، عن ابن أبي مريم.

 

ثم شرع البيهقي يجيب عن هذا لمعارضته الأحاديث المتقدمة في بعث الناس حفاة عراة غرلا، بثلاثة أجوبة:

 

أحدها: أنها تبلى بعد قيامهم من قبورهم، فإذا وافوا الموقف يكونون عراة، ثم يكسون من ثياب الجنة.

 

[ص:379] الثاني: أنه إذا كسي الأنبياء ثم الصديقون، ثم من بعدهم على مراتبهم، فتكون كسوة كل إنسان من جنس ما يموت فيه، ثم إذا دخلوا الجنة ألبسوا من ثياب الجنة.

 

الثالث: أن المراد بالثياب ههنا الأعمال، أي يبعث في أعماله التي مات فيها من خير أو شر، قال الله تعالى: لباسا يواري سوءاتكم وريشا [الأعراف: 26]. وقال: وثيابك فطهر [المدثر: 4]. قال قتادة: عملك فأخلصه.

 

ثم استشهد البيهقي على هذا الجواب الأخير بما رواه مسلم من حديث الأعمش، عن أبي سفيان، عن جابر، قال رسول الله ﷺ: «يبعث كل عبد على ما مات عليه». قال: وروينا عن فضالة بن عبيد، عن رسول الله ﷺ، أنه قال: «من مات على مرتبة من هذه المراتب بعث عليها يوم القيامة».

 

، وقد قال أبو بكر بن أبي الدنيا: أخبرنا أحمد بن إبراهيم بن كثير، حدثنا زيد بن الحباب، عن معاوية بن صالح، أخبرني سعيد بن هانئ، عن عمرو بن الأسود، قال: أوصاني معاذ بامرأته، وخرج، فماتت، فدفناها فجاءنا وقد رفعنا أيدينا من دفنها، فقال: في أي شيء كفنتموها؟ قلنا: في ثيابها. فأمر بها فنبشت، وكفنها في ثياب جدد، وقال: أحسنوا أكفان موتاكم؟ فإنهم يحشرون فيها.

 

[ص:380] وقال أيضا: حدثني محمد بن الحسين، حدثنا يحيى بن إسحاق، أخبرنا إسحاق بن سيار بن نصر، عن الوليد بن أبي مروان، عن ابن عباس، قال: يحشر الموتى في أكفانهم. وكذا روي عن أبي العالية.

 

وعن صالح المري، قال: بلغني أنهم يخرجون من قبورهم في أكفان دسمة، وأبدان بالية، متغيرة وجوههم، شعثة رءوسهم، نهكة أجسامهم، طائرة قلوبهم من صدورهم وحناجرهم، لا يدري القوم ما موئلهم إلا عند انصرافهم من الموقف، فمنصرف به إلى الجنة، ومنصرف به إلى النار، ثم صاح بأعلى صوته: يا سوء منصرفاه، إن أنت لم تغمدنا منك برحمة واسعة، لما قد ضاقت صدورنا من الذنوب العظام، والجرائم التي لا غافر لها غيرك.===============

ذكر شيء من أهوال يوم القيامة

 

 

 

 

قال الله تعالى: ﴿فَيَوْمَئِذٍ وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ وَانْشَقَّتِ السَّمَاءُ فَهِيَ يَوْمَئِذٍ وَاهِيَةٌ﴾ الآيات [الحاقة: 15، 16]. وقال تعالى ﴿وَاسْتَمِعْ يَوْمَ يُنَادِي الْمُنَادِي مِنْ مَكَانٍ قَرِيبٍ﴾ [ص:381] الآيات [ق: 41]. وقال تعالى: ﴿إِنَّ لَدَيْنَا أَنْكَالًا وَجَحِيمًا وَطَعَامًا ذَا غُصَّةٍ وَعَذَابًا أَلِيمًا﴾ إلى قوله:﴿فَكَيْفَ تَتَّقُونَ إِنْ كَفَرْتُمْ يَوْمًا يَجْعَلُ الْوِلْدَانَ شِيبًا السَّمَاءُ مُنْفَطِرٌ بِهِ كَانَ وَعْدُهُ مَفْعُولًا ﴾ [المزمل: 12 - 18].

 

وقال تعالى: ﴿وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ كَأَنْ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِنَ النَّهَارِ يَتَعَارَفُونَ بَيْنَهُمْ﴾ الآية [يونس: 45]. وقال تعالى: ﴿وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبَالَ وَتَرَى الْأَرْضَ بَارِزَةً وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدًا﴾ الآيات إلى قوله: ﴿وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا﴾ [الكهف: 47 - 49].

 

وقال تعالى: ﴿وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾ إلى آخر السورة [الزمر: 67 - 75]. وقال تعالى: ﴿فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلَا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءَلُونَ﴾ الآيات إلى قوله آخر السورة: إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بِمَا صَبَرُوا أَنَّهُمْ هُمُ الْفَائِزُونَ [المؤمنون: 110 - 111]. وقال تعالى: ﴿يَوْمَ تَكُونُ السَّمَاءُ كَالْمُهْلِ﴾ إلى قوله: ﴿وَجَمَعَ فَأَوْعَى﴾ [المعارج: 8 - 18]. وقال تعالى: ﴿فَإِذَا جَاءَتِ الصَّاخَّةُ﴾ إلى آخر السورة [عبس: 33 - 42]. وقال تعالى: ﴿فَإِذَا جَاءَتِ الطَّامَّةُ الْكُبْرَى﴾ إلى آخر السورة [النازعات: 34 - 46].

 

وقال تعالى: ﴿كَلَّا إِذَا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكًّا دَكًّا وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا﴾ الآيات إلى آخر السورة [الفجر: 21 - 30]. وقال تعالى: ﴿هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ﴾ الآيات إلى قوله: ﴿وَزَرَابِيُّ مَبْثُوثَةٌ﴾ [الغاشية: 1 - 16]. وقال تعالى: ﴿إِذَا وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ ﴾ إلى قوله: ﴿ هَذَا نُزُلُهُمْ يَوْمَ الدِّينِ﴾ [الواقعة: 1 - 56]. ذكر فيها سبحانه جزاء كل من هذه الأصناف الثلاثة، كما، ذكر ما [ص:382] يبشرون به عند موتهم واحتضارهم في آخرها، كأن الإنسان يشاهد ذلك مشاهدة.

 

وقال تعالى: {{قرآن|فَتَوَلَّ عَنْهُمْ يَوْمَ يَدْعُو الدَّاعِ إِلَى شَيْءٍ نُكُرٍ الآيات. وقال في آخرها: ﴿بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ﴾ إلى آخر السورة [القمر: 6 - 55].

 

وقال تعالى: ﴿ يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ﴾ إلى قوله: ﴿ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ﴾ [إبراهيم: 48 - 51].

 

وقال تعالى: ﴿ رَفِيعُ الدَّرَجَاتِ ذُو الْعَرْشِ يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ لِيُنْذِرَ يَوْمَ التَّلَاقِ يَوْمَ هُمْ بَارِزُونَ لَا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ﴾ إلى قوله: ﴿إن الله سريع الحساب وقال بعدها: وأنذرهم يوم الآزفة إذ القلوب لدى الحناجر كاظمين ما للظالمين من حميم ولا شفيع يطاع﴾ إلى قوله: ﴿والله يقضي بالحق﴾ [غافر: 15 - 20].

 

وقال تعالى: ﴿و وَقَدْ آتَيْنَاكَ مِنْ لَدُنَّا ذِكْرًا مَنْ أَعْرَضَ عَنْهُ فَإِنَّهُ يَحْمِلُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وِزْرًا خَالِدِينَ فِيهِ وَسَاءَ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حِمْلًا يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ وَنَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ زُرْقًا﴾ الآيات إلى قوله: ﴿فَلَا يَخَافُ ظُلْمًا وَلَا هَضْمًا﴾ [طه: 99 - 111]. وقال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خُلَّةٌ وَلَا شَفَاعَةٌ وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾ [البقرة: 254].

 

[ص:383] وقال تعالى: ﴿و وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 281]. وقال تعالى: ﴿ يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ﴾ الآية. [آل عمران: 106]. وقال تعالى: ﴿ وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ﴾ الآية [آل عمران: 161].

 

وقال تعالى: ﴿ وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ مَاذَا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ فَعَمِيَتْ عَلَيْهِمُ الْأَنْبَاءُ يَوْمَئِذٍ فَهُمْ لَا يَتَسَاءَلُونَ ﴾ [القصص: 65، 66].

 

وقال تعالى: ﴿ هَذَا يَوْمُ لَا يَنْطِقُونَ وَلَا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ﴾ [المرسلات: 35 - 37].

 

قال ابن عباس: أي لا ينطقون بحجة تنفعهم. والآيات في أهوال يوم القيامة كثيرة جدا في أكثر سور القرآن، وقد ذكرنا في كتابنا التفسير ما يتعلق بكل آية من الآيات الدالة على صفة يوم القيامة، ومن الأحاديث والآثار المفسرة ذلك.

 

فأما قوله: ثم لم تكن فتنتهم إلا أن قالوا والله ربنا ما كنا مشركين [الأنعام: 23]. وقوله: يوم يبعثهم الله جميعا فيحلفون له كما يحلفون لكم ويحسبون أنهم على شيء ألا إنهم هم الكاذبون [المجادلة: 18]. فهذا يكون في حال آخر، كما قال ابن عباس في جواب من سأله عن ذلك، كما ذكره البخاري عنه.

 

[ص:384] وكذلك قوله: وأقبل بعضهم على بعض يتساءلون قالوا إنكم كنتم تأتوننا عن اليمين الآيات إلى قوله: ﴿ولقد نادانا نوح فلنعم المجيبون﴾[الصافات: 27 - 75] والآيات في ذكر يوم القيامة وأهواله كثيرة جدا، مثل الآيات التي في آخر سورة " هود ": إن في ذلك لآية لمن خاف عذاب الآخرة ذلك يوم مجموع له الناس وذلك يوم مشهود إلى عطاء غير مجذوذ أي غير مقطوع [هود: 103 - 108]، وكذلك سورة عم يتساءلون، وسورة إذا الشمس كورت، وسورة إذا السماء انفطرت، وسورة إذا السماء انشقت، وسورة المطففين بكمالها، وسورة المرسلات، والنازعات، وسورة هل أتى على الإنسان وسورة والسماء ذات البروج، وإذا زلزلت، وآخر العاديات، والقارعة، وآخر ألهاكم التكاثر، والهمزة.

 

وقد قال الإمام أحمد: حدثنا عبد الرزاق، أخبرنا عبد الله بن بحير الصنعاني القاص، أن عبد الرحمن بن يزيد الصنعاني أخبره أنه سمع ابن عمر يقول: قال رسول الله ﷺ: «من سره أن ينظر إلى يوم القيامة كأنه رأي عين، فليقرأ إذا الشمس كورت. وإذا السماء انفطرت. وإذا السماء انشقت.» وأحسبه أنه قال: وسورة هود. وكذا رواه الترمذي، عن عباس العنبري، عن عبد الرزاق، به. ورواه أحمد، عن إبراهيم بن خالد، [ص:385] عن عبد الله بن بحير، عن عبد الرحمن بن يزيد، من أهل صنعاء، وكان أعلم بالحلال والحرام من وهب بن منبه، عن ابن عمر، فذكر نحوه. وفي الحديث الآخر في: «شيبتني هود وأخواتها».=============

ذكر الأحاديث والأثار الدالة على أهوال يوم القيامة، وما يكون في ذلك اليوم من الأمور الكبار والشدائد، وما فيه من المغفرة والرحمة والرضوان، والجنان والنيران

 

 

 

 

قال الإمام أحمد: حدثنا أحمد بن عبد الملك، حدثنا عبد الرحمن بن أبي الصهباء، حدثنا نافع أبو غالب الباهلي، حدثني أنس بن مالك، قال: قال رسول الله ﷺ: «يبعث الناس يوم القيامة والسماء تطش عليهم». تفرد به أحمد، وإسناده لا بأس به. وفي معنى قوله ﷺ: «تطش عليهم». احتمالان؟ أحدهما: أن يكون ذلك من المطر; أي تمطر عليهم، كما يقال: أصابهم طش من مطر. وهو الخفيف منه. والثاني: أن يكون ذلك من شدة الحر، وهو الأقرب، والله أعلم. وقد قال الله تعالى:﴿أَلَا يَظُنُّ أُولَٰئِكَ أَنَّهُم مَّبْعُوثُونَ (4) لِيَوْمٍ عَظِيمٍ (5) يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ (6)﴾ [المطففين: 4 - 6]. وقد ثبت في [ص:386] " الصحيح ": أنهم " يقومون في الرشح - أي في العرق - إلى أنصاف آذانهم ". وفي الحديث الآخر: أنهم يتفاوتون في ذلك بحسب أعمالهم كما تقدم، وفي حديث الشفاعة، كما سيأتي، أن الشمس تدنى من العباد يوم القيامة، فتكون منهم على مسافة ميل، فعند ذلك يعرقون بحسب أعمالهم.

 

وقال الإمام أحمد: حدثنا قتيبة، حدثنا عبد العزيز بن محمد، عن ثور، عن أبي الغيث، عن أبي هريرة، أن رسول الله ﷺ قال: «إن العرق يوم القيامة ليذهب في الأرض سبعين باعا، وإنه ليبلغ إلى أفواه الناس، أو إلى آذانهم». شك ثور أيهما قال. وكذا رواه مسلم، عن قتيبة. وأخرجه البخاري، عن عبد العزيز بن عبد الله، عن سليمان بن بلال، عن ثور بن زيد، عن سالم أبي الغيث، عن أبي هريرة، عن رسول الله ﷺ مثله.

 

[ص:387] وقال الإمام أحمد: حدثنا الضحاك بن مخلد، عن عبد الحميد بن جعفر، حدثني أبي، عن سعيد بن عمير الأنصاري، قال: جلست إلى عبد الله بن عمر، وأبي سعيد، فقال أحدهما لصاحبه: أي شيء سمعت رسول الله ﷺ يذكر أنه يبلغ العرق من الناس يوم القيامة فقال أحدهما: إلى شحمته. وقال الآخر: يلجمه. فخط ابن عمر، وأشار أبو عاصم بأصبعه، من شحمة أذنه إلى فيه، فقال: ما أرى ذلك إلا سواء. تفرد به أحمد، وإسناده جيد قوي.

 

وقال أبو بكر بن أبي الدنيا: حدثنا الحسن بن عيسى، أخبرنا ابن المبارك، أخبرنا عبد الرحمن بن يزيد بن جابر، حدثني سليم بن عامر، حدثني المقداد بن الأسود، سمعت رسول الله ﷺ يقول: «إذا كان يوم القيامة أدنيت الشمس من العباد، حتى تكون قيد ميل، أو ميلين». قال سليم: لا أدري أي الميلين أراد؟ أمسافة الأرض، أم الميل الذي تكحل به العين ؟ قال: «فتصهرهم الشمس، فيكونون في العرق بقدر أعمالهم، فمنهم من يأخذه العرق إلى عقبيه، ومنهم من يأخذه إلى ركبتيه، ومنهم من يأخذه إلى حقويه ومنهم من يلجمه إلجاما». قال: فرأيت رسول الله ﷺ يشير إلى فيه، قال: «يلجمه إلجاما». وكذا رواه [ص:388] الترمذي، عن سويد بن نصر، عن ابن المبارك، وقال: حسن صحيح.

 

وأخرجه مسلم، عن الحكم بن موسى، عن يحيى بن حمزة، عن ابن جابر، به نحوه.

 

وقال ابن المبارك، عن مالك بن مغول، عن عبيد الله بن العيزار، قال: إن الأقدام يوم القيامة مثل النبل في القرن، والسعيد الذي يجد لقدمه موضعا يضعهما فيه، وإن الشمس لتدنى من رءوسهم، حتى يكون بينها وبين رءوسهم - إما قال: ميلا. أو: ميلين - ويزاد في حرها تسعة وستين ضعفا. وقال الوليد بن مسلم، عن أبي بكر بن سعيد، عن مغيث بن سمي، قال: تركد الشمس فوق رءوسهم على أذرع، وتفتح أبواب جهنم، فتهب عليهم رياحها وسمومها ويخرج عليهم نفحاتها، حتى تجري الأنهار من عرقهم أنتن من الجيف، والصائمون في جناتهم في ظل العرش.

 

وقال الحافظ أبو بكر البزار: حدثنا محمد بن منصور الطوسي، [ص:389] حدثنا عبد الوهاب بن عطاء، حدثنا الفضل بن عيسى الرقاشي، حدثنا محمد بن المنكدر، عن جابر، قال: قال رسول الله ﷺ: «إن العرق ليلزم المرء في الموقف حتى يقول: يا رب، إرسالك بي إلى النار أهون علي مما أجد. وهو يعلم ما فيها من شدة العذاب». إسناده ضعيف.

 

وقد ثبت في " الصحيح " عن أبي هريرة، أن رسول الله ﷺ قال: «سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله - وفي رواية: إلا ظل عرشه - إمام عادل، وشاب نشأ في عبادة الله، ورجل قلبه معلق بالمسجد إذا خرج منه حتى يعود إليه، ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال: إني أخاف الله، ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه، ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما أنفقت يمينه، ورجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه».

 

وقال الإمام أحمد: حدثنا حسن، ويحيى بن إسحاق، قالا: حدثنا ابن لهيعة، قال: حدثنا خالد بن أبي عمران، عن القاسم، عن عائشة، عن رسول الله ﷺ أنه قال: «أتدرون من السابقون إلى ظل الله عز وجل، يوم القيامة ؟» قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: «الذين إذا أعطوا الحق قبلوه، وإذا سئلوه بذلوه، وحكموا للناس كحكمهم لأنفسهم». تفرد به أحمد، وإسناده مقارب، فيه ابن لهيعة وقد تكلموا فيه، وشيخه ليس بالمشهور.

 

هذا كله والناس موقوفون في مقام ضنك ضيق حرج شديد صعب، إلا [ص:390] على من يسره الله عليه، فنسأل الله العظيم رب العرش العظيم الحي القيوم أن يهون علينا ذلك المقام، وأن يجعله علينا يسيرا بردا وسلاما، ونعوذ بالله من ضيق يوم القيامة، اللهم اجعل لنا مخرجا من ذلك، ونسألك أن توسع علينا في الدنيا والآخرة، اللهم اجعلنا مع الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين، آمين.

 

وقال الإمام أحمد: حدثنا يزيد، أخبرنا الأصبغ، هو ابن زيد، عن ثور بن يزيد، عن خالد بن معدان، حدثني ربيعة، هو ابن عمرو الجرشي الشامي، قال: سألت عائشة فقلت: ما كان رسول الله ﷺ يقول إذا قام من الليل؟ وبم كان يفتتح الصلاة؟ قالت: كان يكبر عشرا، ويحمد عشرا، ويهلل عشرا، ويستغفر عشرا، ويقول: «اللهم اغفر لي، واهدني، وارزقني». عشرا، ويقول: «اللهم إني أعوذ بك من الضيق يوم الحساب». عشرا.

 

وكذا رواهالنسائي في " اليوم والليلة " عن أبي داود الحراني، عن يزيد بن هارون، بإسناده مثله، وعنده: «من ضيق المقام يوم القيامة».

 

[ص:391] وقال ابن أبي الدنيا: حدثني محمد بن قدامة، حدثني يعقوب بن سلمة الأحمر، سمعت ابن السماك يقول: سمعت أبا واعظ الزاهد يقول: يخرجون من قبورهم يتسكعون في الظلمات ألف عام، والأرض يومئذ نار كلها، وإن أسعد الناس يومئذ من وجد لقدمه موضعا.

 

وقال أيضا: حدثني هارون بن سفيان، أخبرنا ابن نفيل، عن النضر بن عربي قال: بلغني أن الناس إذا خرجوا من قبورهم كان شعارهم لا إله إلا الله، وكانت أول كلمة يقولها برهم وفاجرهم: ربنا ارحمنا.

 

وحدثني حمزة بن العباس، أخبرنا عبد الله بن عثمان، أخبرنا ابن المبارك، أخبرنا سفيان، عن سليمان، عن أبي صالح، قال: بلغني أن الناس يحشرون هكذا. ونكس رأسه، ووضع يده اليمنى على كوعه اليسرى.

 

وحدثني عصمة بن الفضل، حدثني يحيى بن يحيى، عن المعتمر بن سليمان، عن أبيه قال: سمعت سيارا الشامي قال: يخرجون من قبورهم وكلهم مذعورون، فيناديهم مناد: ياعباد لا خوف عليكم اليوم ولا أنتم تحزنون [الزخرف: 68]. فيطمع فيها الخلق فيتبعها: الذين آمنوا بآياتنا وكانوا مسلمين [ص:392] [الزخرف: 69]. فييأس منها الخلق غير أهل الإسلام.

 

وروى من حديث عبد الرحمن بن زيد بن أسلم، عن أبيه، عن ابن عمر، قال: قال رسول الله ﷺ: " ليس على أهل لا إله إلا الله وحشة في قبورهم، ولا يوم نشورهم، وكأني بأهل لا إله إلا الله ينفضون التراب عن رءوسهم، ويقولون: الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن [فاطر: 34].

 

قلت: وله شاهد من القرآن العظيم قال الله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَىٰ أُولَٰئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ﴾ الآيات إلى قوله: ﴿وَعْدًا عَلَيْنَا ۚ إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ﴾ [الأنبياء: 101 - 104].

 

وقال ابن أبي الدنيا: أخبرنا أبو حفص الصفار، حدثنا جعفر بن سليمان، حدثنا إبراهيم بن عيسى اليشكري، قال: بلغنا أن المؤمن إذا بعث من قبره تلقاه ملكان، مع أحدهما ديباجة فيها برد ومسك، ومع الآخر كوب من أكواب الجنة فيه شراب، فإذا خرج من قبره خلط الملك ذلك البرد بالمسك فرشه عليه، وصب له الآخر شربة فيناوله إياها، فيشربها فلا يظمأ بعدها أبدا حتى يدخل الجنة.

 

فأما الأشقياء - والعياذ بالله - فقال الله تعالى:﴿وَمَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ الرَّحْمَٰنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ (36) وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُم مُّهْتَدُونَ (37) حَتَّىٰ إِذَا جَاءَنَا قَالَ يَا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ (38) وَلَن يَنفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذ ظَّلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ (39)﴾ [ص:393] [الزخرف: 36 - 39].

 

وذكرنا في " التفسير " أن الكافر إذا قام من قبره أخذ بيده شيطانه، ويلزمه فلا يفارقه، حتى يرمى بهما في النار، وهكذا كل فاجر وفاسق غافل عن ذكر الله، مضيع لأمره. وقال تعالى: ﴿وَجَاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَّعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ﴾ [ق: 21]. أي: ملك يسوقه إلى المحشر، وآخر يشهد عليه بأعماله وهذا عام في الأبرار والفجار، وكل بحسبه لقد كنت في غفلة من هذا أي: أيها الإنسان الغافل عما خلق له﴿فَكَشَفْنَا عَنكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ﴾ [ق: 22]. أي: نافذ قوي حاد ﴿وَقَالَ قَرِينُهُ هَٰذَا مَا لَدَيَّ عَتِيدٌ﴾ [ق: 23]. أي: هذا الذي جئت به هو الذي وكلت به، فيقول الله تعالى عند ذلك للسائق والشهيد:﴿أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ (24) مَّنَّاعٍ لِّلْخَيْرِ مُعْتَدٍ مُّرِيبٍ (25)﴾ [ق: 24، 25]. أي: ليس فيه خير، ويمنع غيره من الخير، ومع ذلك هو مريب أي: هو في شك وريب. ثم انتقل إلى من هو متلبس بأعظم من ذلك، وقد تجتمع في العبد هذه الأربعة المذمومة المقبوحة، التي هي أقبح الخصال، وأعظمها، وأقبحها الشرك بالله، فقال تعالى: ﴿االَّذِي جَعَلَ مَعَ اللَّهِ إِلَٰهًا آخَرَ فَأَلْقِيَاهُ فِي الْعَذَابِ الشَّدِيدِ﴾ إلى قوله تعالى: ﴿يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلَأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِن مَّزِيدٍ﴾ [ق: 26 - 30]. وقال الإمام أحمد: حدثنا يحيى، هو ابن سعيد القطان، عن ابن [ص:394] عجلان، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، عن النبي ﷺ، قال: «يحشر المتكبرون يوم القيامة أمثال الذر في صور الناس، يعلوهم كل شيء، من الصغار، حتى يدخلوا سجنا في جهنم، يقال له: بولس. فتعلوهم نار الأنيار، فيسقون من طينة الخبال عصارة أهل النار. ورواه الترمذي، والنسائي جميعا عن سويد بن نصر، عن عبد الله بن المبارك، عن محمد بن عجلان، به، وقال الترمذي: حسن.

 

وقال الحافظ أبو بكر البزار: حدثنا محمد بن عثمان العقيلي، حدثنا محمد بن راشد، عن محمد بن عمر، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله ﷺ:» يحشر المتكبرون في صور الذر يوم القيامة ". ثم قال: تفرد به محمد بن عثمان، عن شيخه.

 

وقال أبو بكر بن أبي الدنيا في " أهوال القيامة ": حدثنا عبد الله بن عمر الجشمي، حدثنا يحيى بن سعيد، عن هشام، أنبا قتادة، عن الحسن، عن عمران بن حصين، أن رسول الله ﷺ كان في بعض أسفاره، وقد [ص:395] تفاوت بين أصحابه السير، فرفع بهاتين الآيتين صوته: يا أيها الناس اتقوا ربكم إن زلزلة الساعة شيء عظيم يوم ترونها تذهل كل مرضعة عما أرضعت وتضع كل ذات حمل حملها وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد الحج: 1، 2]. فلما سمع ذلك أصحابه حثوا المطي، وعلموا أنه عند قول يقوله، فلما تأشبوا حوله، قال: «أتدرون أي يوم ذاك ؟ ذاك يوم ينادى آدم يناديه ربه ؟ يقول: يا آدم، ابعث بعث النار. قال: يا رب، وما بعث النار؟ قال: من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعون إلى النار، وواحد إلى الجنة». قال: فأبلس أصحابه حتى ما أوضحوا بضاحكة، فلما رأى ذلك قال: «اعملوا، وأبشروا، فوالذي نفس محمد بيده إنكم لمع خليقتين ما كانتا مع شيء إلا كثرتاه، يأجوج ومأجوج، ومن هلك من بني آدم ومن بني إبليس». قال: فسري عنهم، ثم قال: «اعملوا، وأبشروا، فوالذي نفس محمد بيده ما أنتم في الناس إلا كالشامة في جنب البعير، أو كالرقمة في ذراع الدابة». وقد رواه الترمذي والنسائي جميعا عن محمد بن بشار بندار، عن يحيى بن سعيد القطان، به، وقال الترمذي،: حسن صحيح.===========

ذكر طول يوم القيامة، وما ورد في مقداره

 

 

 

 

قال الله سبحانه: ﴿وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ وَإِنَّ يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ﴾ [الحج: 47]. قال بعض المفسرين: هو يوم القيامة.

 

وقال تعالى: سأل سائل بعذاب واقع إلى قوله: فاصبر صبرا جميلا [المعارج: 1 - 5].

 

وقد ذكرنا في التفسير اختلاف السلف والخلف في معنى هذه الآية، فروى ليث بن أبي سليم وغيره، عن مجاهد، عن ابن عباس أنه قال: ذلك مقدار ما بين العرش إلى الأرض السابعة.

 

وقال ابن عباس في قوله: ﴿ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ﴾ [السجدة: 5]. يعني بذلك نزول الأمر من السماء إلى الأرض، ومن الأرض إلى السماء، لأن ما بين السماء والأرض مسيرة خمسمائة عام. رواه ابن أبي حاتم.

 

ورواه ابن جرير، عن مجاهد أيضا، وذهب إليه الفراء، وقاله أبو عبد الله الحليمي، فيما حكاه عنه الحافظ أبو بكر البيهقي في كتاب " البعث [ص:402] والنشور "، قال الحليمي: فالملك يقطع هذه المسافة في بعض يوم، ولو أنها مسافة يمكن البشر قطعها لم يتمكن أحد من قطعها إلا في مقدار خمسين ألف سنة. قال: وليس هذا من تقدير يوم القيامة بسبيل، بل هذا مقدار ما بين العرش إلى الأرض السابعة. ورجح الحليمي هذا بقوله تعالى:﴿ مِنَ اللَّهِ ذِي الْمَعَارِجِ تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ﴾ [المعارج: 3، 4] وذي المعارج: أي العلو والعظمة، كما قال تعالى: رفيع الدرجات ذو العرش [غافر: 15] ثم فسر ذلك بقوله: تعرج الملائكة والروح إليه أي في مسافة كان مقدارها خمسين ألف سنة، أي بعدها واتساعها هذه المدة.

 

فعلى هذا القول المراد بذلك: مسافة المكان. هذا قول. وقد حاول البيهقي الجمع بين هذه الآية وبين قوله: رفيع الدرجات بأن الملائكة تقطع هذه المسافة في الدنيا في ألف سنة، فإذا كان يوم القيامة لا تقطعها إلا في خمسين ألف سنة؟ لما يشاهدون من هول ذلك اليوم، وعظمته، وغضب الرب عز وجل، والله أعلم.

 

والقول الثاني: أن المراد بذلك مدة عمر الدنيا.

 

قال أبو محمد عبد الرحمن بن أبي حاتم في " تفسيره ": حدثنا أبو زرعة، حدثنا إبراهيم بن موسى، حدثنا ابن أبي زائدة، عن ابن جريج، عن مجاهد، في قوله تعالى: كان مقداره خمسين ألف سنة. قال: الدنيا عمرها خمسون [ص:403] ألف سنة، ذلك عمرها يوم سماها الله تعالى يوما: تعرج الملائكة والروح إليه قال: اليوم الدنيا.

 

وقال عبد الرزاق: أخبرنا معمر، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، وعن الحكم بن أبان، عن عكرمة: في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة قالا: الدنيا من أولها إلى آخرها خمسون ألف سنة، لا يدري أحد كم مضى، ولا كم بقي إلا الله، عز وجل. وذكره البيهقي من طريق محمد بن ثور، عن معمر، به. وهذا قول غريب جدا، لا يوجد في كثير من الكتب المشهورة، والله أعلم. القول الثالث: أن المراد بذلك فصل ما بين الدنيا ويوم القيامة. وهو مدة المقام في البرزخ. رواه ابن أبي حاتم، عن محمد بن كعب القرظي، وهو غريب أيضا.

 

القول الرابع: أن المراد بذلك مقدار الفصل بين العباد يوم القيامة. قال ابن أبي حاتم: حدثنا أحمد بن سنان الواسطي، حدثنا عبد الرحمن بن مهدي، عن إسرائيل، عن سماك، عن عكرمة، عن ابن عباس: في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة. قال: يوم القيامة. إسناده صحيح. ورواه الثوري، عن سماك، عن عكرمة من قوله، وبه قال الحسن، والضحاك، وابن زيد.

 

[ص:404] وقال ابن أبي الدنيا: حدثنا محمد بن إدريس، حدثنا الحسن بن واقع، حدثنا ضمرة، عن ابن شوذب، عن يزيد الرشك، قال: يقوم الناس يوم القيامة أربعين ألف سنة، ويقضى بينهم في مقدار عشرة آلاف سنة.

 

وقال علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قال: يوم القيامة جعله الله على الكافرين مقدار خمسين ألف سنة. وقال الكلبي في " تفسيره "، وهو يرويه عن أبي صالح، عن ابن عباس، قال: لو ولي محاسبة العباد غير الله تعالى لم يفرغ في خمسين ألف سنة.

 

وقال البيهقي: وفيما ذكر حماد بن زيد، عن أيوب، قال: قال الحسن: ما ظنك بيوم قام العباد فيه على أقدامهم مقدار خمسين ألف سنة، لم يأكلوا فيها أكلة، ولم يشربوا فيها شربة، حتى تقطعت أعناقهم عطشا، واحترقت أجوافهم جوعا، ثم انصرف بهم إلى النار، فسقوا من عين آنية، قد أنى حرها، واشتد نضجها. وقد ورد هذا في أحاديث متعددة، فالله أعلم.

 

قال الإمام أحمد: حدثنا الحسن بن موسى، حدثنا ابن لهيعة، حدثنا دراج، عن أبي الهيثم، عن أبي سعيد، قال: قيل لرسول الله ﷺ: يوم كان مقداره خمسين ألف سنة؟ ما أطول هذا اليوم ! فقال رسول الله ﷺ: " والذي نفسي بيده، إنه ليخفف على المؤمن، حتى يكون أخف عليه من صلاة مكتوبة [ص:405] يصليها في الدنيا ". ورواه ابن جرير في " تفسيره "، عن يونس بن عبد الأعلى، عن ابن وهب، عن عمرو بن الحارث، عن دراج، به. ودراج أبو السمح وشيخه أبو الهيثم سليمان بن عمرو العتواري، ضعيفان، على أنه قد رواه البيهقي بلفظ آخر، وقال: أخبرنا أبو بكر أحمد بن الحسن القاضي، وأبو سعيد بن أبي عمرو، قالا: حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب، حدثنا محمد بن إسحاق الصغاني، حدثنا أبو سلمة الخزاعي، حدثنا خلاد بن سليمان الحضرمي - وكان رجلا من الخائفين - قال: سمعت دراجا أبا السمح يخبر عمن حدثه، عن أبي سعيد الخدري، أنه أتى رسول الله ﷺ، فقال: أخبرني من يقوى على القيام يوم القيامة الذي قال الله تعالى: يوم يقوم الناس لرب العالمين المطففين: 6 فقال«يخفف على المؤمن حتى يكون كالصلاة المكتوبة».

 

وقال عبد الله بن عمرو بن العاص: إن للمؤمنين يوم القيامة كراسي من نور، يجلسون عليها، ويظلل عليهم الغمائم، ويكون يوم القيامة عليهم كساعة من نهار، أو كأحد طرفيه. رواه ابن أبي الدنيا في " الأهوال ".

 

وقال الإمام أحمد: حدثنا أبو كامل، حدثنا حماد، عن سهيل بن أبي صالح، عن أبيه، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله ﷺ: " ما من صاحب كنز لا يؤدي حقه إلا جعل كنزه صفائح يحمى عليها في نار جهنم، فتكوى بها [ص:406] جبهته، وجنبه، وظهره، حتى يحكم الله بين عباده، في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة مما تعدون، ثم يرى سبيله إما إلى الجنة، وإما إلى النار... ". وذكر بقية الحديث في مانع زكاة الغنم، والإبل، أنه يبطح لها بقاع قرقر، تطؤه بأخفافها وأظلافها، وتنطحه بقرونها، كلما مرت عليه أخراها أعيدت عليه أولاها، حتى يقضي الله بين العباد، في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة مما تعدون، ثم يرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار.

 

وهكذا رواه أبو داود الطيالسي في " مسنده ": أخبرنا وهيب بن خالد، وكان ثقة، حدثنا سهيل بن أبي صالح، عن أبيه، عن أبي هريرة، عن النبي ﷺ، فذكر نحوه. وأخرجه مسلم من حديث روح بن القاسم، وعبد العزيز بن المختار، كلاهما عن سهيل، به مثله. وأخرجه مسلم أيضا من حديث زيد بن أسلم، عن أبي صالح، عن أبي هريرة مرفوعا في الذهب، والفضة، والإبل، والبقر، والغنم.

 

وقد رواه الإمام أحمد، وأبو داود، من حديث شعبة، والنسائي من حديث سعيد بن أبي عروبة، كلاهما عن قتادة، عن أبي عمر الغداني، عن أبي هريرة، سمعت رسول الله ﷺ يقول: " من كانت له إبل لا يعطي حقها في [ص:407] نجدتها ورسلها - يعني في عسرها ويسرها - فإنها تأتي يوم القيامة كأغذ ما كانت وأكبره وأسمنه وآشره، حتى يبطح لها بقاع قرقر، فتطؤه بأخفافها، إذا جاوزته أخراها أعيدت عليه أولاها، في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة، حتى يقضى بين الناس، فيرى سبيله. وإذا كانت له بقر لا يعطي حقها في نجدتها ورسلها، فإنها تأتي يوم القيامة كأغذ ما كانت وأكبره وأسمنه وآشره، ثم يبطح لها بقاع قرقر، فتطؤه كل ذات ظلف بظلفها، وتنطحه كل ذات قرن بقرنها، ليس فيها عقصاء ولا عضباء، إذا جاوزته أخراها أعيدت عليه أولاها، في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة، حتى يقضى بين الناس، فيرى سبيله. وإذا كان له غنم لا يعطي حقها في نجدتها ورسلها، فإنها تأتي يوم القيامة كأغذ ما كانت وأكبره وأسمنه وآشره، حتى يبطح لها بقاع قرقر فتطؤه كل ذات ظلف بظلفها، وتنطحه كل ذات قرن بقرنها، ليس فيها عقصاء ولا عضباء، إذا جاوزته أخراها أعيدت عليه أولاها، في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة، حتى يقضى بين الناس، فيرى سبيله ".

 

قال البيهقي: وهذا لا يحتمل إلا تقدير ذلك اليوم بخمسين ألف سنة مما تعدون، والله أعلم، ثم لا يكون ذلك كذلك إلا على الذي لا يغفر له، فأما من غفر له ذنبه من المؤمنين، فقد أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، حدثنا الحسن بن [ص:408] محمد بن حليم، أخبرنا أبو الموجه، أخبرنا عبدان، أخبرنا عبد الله، هو ابن المبارك، عن معمر، عن قتادة، عن زرارة بن أوفى، عن أبي هريرة، قال: يوم القيامة على المؤمنين كقدر ما بين الظهر والعصر. ثم قال: هذا هو المحفوظ، وقد روي مرفوعا، أخبرناه أبو عبد الله الحافظ، حدثني عبد الله بن عمر بن علي الجوهري بمرو، حدثنا يحيى بن ساسويه بن عبد الكريم، حدثنا سويد بن نصر، حدثنا ابن المبارك، فذكره بإسناده مرفوعا.

 

وقال يعقوب بن سفيان: حدثنا حرملة بن يحيى، حدثنا ابن وهب، حدثني عبد الرحمن بن ميسرة، عن أبي هانئ، عن أبي عبد الرحمن الحبلي، عن عبد الله بن عمرو، قال: تلا رسول الله ﷺ هذه الآية: يوم يقوم الناس لرب العالمين [المطففين: 6]. قال«كيف بكم إذا جمعكم الله كما يجمع النبل في الكنانة خمسين ألف سنة لا ينظر إليكم».

 

وقال ابن أبي الدنيا: حدثنا حمزة بن العباس، حدثنا عبد الله بن عثمان، حدثنا ابن المبارك، حدثنا سفيان، عن ميسرة، عن المنهال بن عمرو، عن أبي عبيدة، عن عبد الله بن مسعود، قال: لا ينتصف النهار من يوم القيامة حتى يقيل هؤلاء وهؤلاء، ثم قرأ: ( ثم إن مقيلهم لإلى الجحيم ). قال ابن المبارك: هكذا هي في قراءة ابن مسعود.

 

[ص:409] ثم قال: حدثنا إسحاق بن إسماعيل، حدثنا وكيع، حدثنا سفيان، عن ميسرة النهدي، عن المنهال بن عمرو، عن أبي عبيدة، عن عبد الله بن مسعود في قوله: [الفرقان: 24]. قال: لا ينتصف النهار يوم القيامة حتى يقيل هؤلاء وهؤلاء.==========

ذكر المقام المحمود الذي خص به رسول الله ﷺ من بين سائر الأنبياء عليهم الصلاة والسلام

 

 

 

 

ومن ذلك الشفاعة العظمى في أهل الموقف، ليجيء الرب عز وجل، فيفصل بينهم، ويريح المؤمنين من ذلك الحال إلى حسن المآل.

 

قال الله تعالى: ﴿وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا﴾[الإسراء: 79].

 

قال البخاري: حدثنا علي بن عياش، حدثنا شعيب بن أبي حمزة، عن محمد بن المنكدر، عن جابر بن عبد الله، أن رسول الله ﷺ قال«من قال حين يسمع النداء: اللهم رب هذه الدعوة التامة، والصلاة القائمة، آت محمدا الوسيلة والفضيلة، وابعثه مقاما محمودا الذي وعدته حلت له شفاعتي يوم القيامة». انفرد به دون مسلم.

 

[ص:410] وقال الإمام أحمد: حدثنا وكيع، حدثنا داود، وهو ابن يزيد بن عبد الرحمن الزعافري، عن أبيه، عن أبي هريرة، عن النبي ﷺ عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا [الإسراء: 79]. قال«الشفاعة». إسناده حسن.

 

وثبت في الصحيحين، وغيرهما من حديث جابر، وغيره، عن رسول الله ﷺ أنه قال«أعطيت خمسا لم يعطهن أحد من الأنبياء قبلي ; نصرت بالرعب مسيرة شهر، وأحلت لي الغنائم، ولم تحل لأحد قبلي، وجعلت لي الأرض مسجدا وطهورا، فأيما رجل من أمتي أدركته الصلاة فليصل، وأعطيت الشفاعة، وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة، وبعثت إلى الناس كافة».

 

فقوله«وأعطيت الشفاعة». يعني بذلك الشفاعة التي تطلب من آدم، فيقول: لست بصاحب ذاكم، اذهبوا إلى نوح، فيقول لهم كذلك ويرشدهم إلى إبراهيم، فيرشدهم إلى موسى، فيرشدهم موسى إلى عيسى، فيرشدهم عيسى إلى محمد ﷺ، فيقول«أنا لها، أنا لها». وسيأتي ذلك مبسوطا في أحاديث الشفاعة، في إخراج العصاة من النار، وقد ذكرنا ذلك بطوله مبسوطا عن جماعة من الصحابة عند تفسير هذه الآية.

 

وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة، أن رسول الله ﷺ قال: «أنا سيد [ص:411] ولد آدم يوم القيامة، وأول من ينشق عنه القبر، وأول شافع، وأول مشفع». ولمسلم أيضا، عن أبي بن كعب; في حديث قراءة القرآن على سبعة أحرف، قال رسول الله ﷺ«فقلت: اللهم اغفر لأمتي، اللهم اغفر لأمتي، وأخرت الثالثة ليوم يرغب إلي فيه الخلق حتى إبراهيم».

 

وقال الإمام أحمد: حدثنا أبو عامر الأزدي، حدثنا زهير بن محمد، عن عبد الله بن محمد بن عقيل، عن الطفيل بن أبي بن كعب، عن أبيه، عن النبي ﷺ قال«إذا كان يوم القيامة كنت إمام الأنبياء وخطيبهم، وصاحب شفاعتهم غير فخر».

 

ورواه الترمذي، وابن ماجه، من حديث عبد الله بن محمد بن عقيل، وقال الترمذي: حسن صحيح.

 

وقال الإمام أحمد: حدثنا يزيد بن عبد ربه، حدثني محمد بن حرب، حدثنا الزبيدي، عن الزهري، عن عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك، عن كعب بن مالك، أن رسول الله ﷺ قال ؟ " يبعث الناس يوم القيامة، فأكون أنا وأمتي على تل، ويكسوني ربي عز وجل حلة خضراء، ثم يؤذن لي; فأقول ما شاء الله أن أقول، فذلك المقام المحمود ".

 

وقال الإمام أحمد: حدثنا حسن، حدثنا ابن لهيعة، حدثنا يزيد بن أبي [ص:412] حبيب، عن عبد الرحمن بن جبير، عن أبي الدرداء، قال: قال رسول الله ﷺ«أنا أول من يؤذن له بالسجود يوم القيامة، وأنا أول من يؤذن له برفع رأسه، فأنظر إلى بين يدي، فأعرف أمتي من بين الأمم، ومن خلفي مثل ذلك، وعن يميني مثل ذلك، وعن شمالي مثل ذلك». فقال رجل: يا رسول الله، كيف تعرف أمتك من بين الأمم فيما بين نوح إلى أمتك؟ قال«هم غر محجلون من أثر الوضوء، ليس أحد كذلك غيرهم، وأعرفهم أنهم يؤتون كتبهم بأيمانهم، وأعرفهم تسعى بين أيديهم ذريتهم».

 

وقال الإمام أحمد: حدثنا يونس بن محمد، حدثنا حرب بن ميمون; أبو الخطاب الأنصاري، عن النضر بن أنس، عن أنس، قال: حدثني نبي الله ﷺ، قال«إني لقائم، أنتظر أمتي حتى تعبر الصراط إذ جاءني عيسى ابن مريم عليه السلام، فقال: هذه الأنبياء قد جاءتك يا محمد يسألونك أو قال: يجتمعون إليك - يدعون الله عز وجل، أن يفرق بين جميع الأمم إلى حيث يشاء الله ; لغم ما هم فيه، فالخلق ملجمون بالعرق، فأما المؤمن فهو عليه كالزكمة، وأما الكافر فيغشاه الموت». فقال«انتظر حتى أرجع إليك». فذهب نبي الله ﷺ، «فقام تحت العرش، فيلقى ما لم يلق ملك [ص:413] مصطفى، ولا نبي مرسل. " فأوحى الله إلى جبريل أن اذهب إلى محمد، وقل له: ارفع رأسك، وسل تعط، واشفع تشفع. فشفعت في أمتي، فقال: أخرج من كل تسعة وتسعين إنسانا واحدا، فما زلت أتردد إلى ربي عز وجل، فلا أقوم منه مقاما إلا شفعت، حتى أعطاني الله عز وجل من ذلك أن قال: يا محمد، أدخل من خلق الله من أمتك من شهد أن لا إله إلا الله يوما واحدا مخلصا، ومات على ذلك».

 

وروى الإمام أحمد من حديث علي بن الحكم البناني، عن عثمان، عن إبراهيم، عن علقمة والأسود، عن ابن مسعود، فذكر حديثا طويلا، وفيه أن رسول الله ﷺ قال«وإني لأقوم المقام المحمود يوم القيامة». فقال رجل من الأنصار: يا رسول الله، وما ذلك المقام المحمود ؟ قال«ذاك إذا جيء بكم حفاة عراة غرلا، فيكون أول من يكسى إبراهيم، يقول الله عز وجل: اكسوا خليلي، فيؤتى بريطتين بيضاوين، فيلبسهما، ثم يقعد مستقبل العرش، ثم أوتى بكسوتي، فألبسها، فأقوم عن يمينه مقاما لا يقومه أحد، فيغبطني به الأولون والآخرون». قال«ويفتح نهر من الكوثر إلى الحوض». وذكر تمام الحديث في صفة الحوض كما سيأتي قريبا.

 

وذكرنا في " المسند الكبير " عن حيدة الصحابي، عن رسول الله ﷺ [ص:414] قال«تحشرون يوم القيامة حفاة عراة غرلا، وأول من يكسى إبراهيم الخليل، يقول الله تعالى: اكسوا خليلي. ليعلم الناس فضله، ثم يكسى الناس على قدر الأعمال».

 

وقال الإمام أحمد: حدثنا عفان، حدثنا حماد بن سلمة، حدثنا ثابت، عن أنس، أن رسول الله ﷺ قال:«يطول على الناس يوم القيامة، فيقول بعضهم لبعض: انطلقوا بنا إلى آدم أبي البشر، فليشفع لنا إلى ربنا، فليقض بيننا. فيأتون آدم، فيقولون: يا آدم، أنت الذي خلقك الله بيده، وأسكنك جنته، فاشفع لنا إلى ربك، فليقض بيننا. فيقول: إني لست هناكم، ولكن ائتوا نوحا رأس النبيين. فيأتونه، فيقولون: يا نوح، اشفع لنا إلى ربك، فليقض بيننا. فيقول: إني لست هناكم، ولكن ائتوا إبراهيم خليل الله». قال«فيأتونه، فيقولون: يا إبراهيم، اشفع لنا إلى ربك، فليقض بيننا. فيقول: إني لست هناكم، ولكن ائتوا موسى الذي اصطفاه الله برسالاته وبكلامه». قال: «فيأتونه، فيقولون: يا موسى، اشفع لنا إلى ربك، فليقض بيننا. فيقول: إني لست هناكم، ولكن ائتوا عيسى روح الله وكلمته. فيأتون عيسى، فيقولون: يا عيسى، اشفع لنا إلى ربك، فليقض بيننا، فيقول: إني لست هناكم، ولكن ائتوا محمدا ; فإنه خاتم النبيين، وإنه قد حضر اليوم وقد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر. ويقول عيسى: أرأيتم لو كان متاع في وعاء قد ختم عليه، هل كان [ص:415] يقدر على ما في ذلك الوعاء حتى يفض الخاتم ؟ فيقولون: لا. قال: فإن محمدا خاتم النبيين». قال رسول الله ﷺ«فيأتوني، فيقولون: يا محمد، اشفع لنا إلى ربك، فليقض بيننا. فأقول: نعم، فآتي باب الجنة، فآخذ بحلقة الباب، فأستفتح، فيقال: من أنت؟ فأقول: محمد، فيفتح لي، فأخر ساجدا، فأحمد ربي عز وجل، بمحامد لم يحمده بها أحد كان قبلي، ولا يحمده بها أحد كان بعدي، فيقول: ارفع رأسك، وقل يسمع منك، وسل تعطه، واشفع تشفع، فأقول: أي رب، أمتي أمتي، فيقال: أخرج من كان في قلبه مثقال شعيرة من إيمان». قال«فأخرجهم، ثم أخر ساجدا». فذكر مثل ذلك. {{حديث| فيقال: أخرج من كان في قلبه مثقال برة من إيمان، قال: فأخرجهم، ثم أخر ساجدا ". فذكر مثل ذلك. «فيقال: أخرج من كان في قلبه مثقال ذرة من إيمان، قال: فأخرجهم». وقد رواه البخاري ومسلم، من حديث سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن أنس، نحوه.

 

رواية أبي هريرة رضي الله عنه: قال الإمام أحمد: حدثنا يحيى بن سعيد، حدثنا أبو حبان، حدثنا أبو زرعة بن عمرو بن جرير، عن أبي هريرة، قال: أتي رسول الله ﷺ بلحم، فرفع إليه الذراع، وكانت تعجبه، [ص:416] فنهس منها نهسة، ثم قال: «أنا سيد الناس يوم القيامة، وهل تدرون مم ذلك ؟ يجمع الله الأولين والآخرين في صعيد واحد، يسمعهم الداعي، وينفذهم البصر، وتدنو الشمس، فيبلغ الناس من الغم والكرب ما لا يطيقون، ولا يحتملون، فيقول بعض الناس لبعض: ألا ترون ما أنتم فيه ؟ ألا ترون ما قد بلغكم ؟ ألا تنظرون من يشفع لكم إلى ربكم ؟ فيقول بعض الناس لبعض: أبوكم آدم. فيأتون آدم، فيقولون: يا آدم، أنت أبو البشر، خلقك الله بيده، ونفخ فيك من روحه، وأمر الملائكة، فسجدوا لك، فاشفع لنا إلى ربك، ألا ترى ما نحن فيه ؟ ألا ترى ما قد بلغنا؟ فيقول آدم: إن ربي قد غضب اليوم غضبا لم يغضب قبله مثله، ولن يغضب بعده مثله، وإنه نهاني عن الشجرة، فعصيت، نفسي نفسي نفسي، اذهبوا إلى غيري، اذهبوا إلى نوح. فيأتون نوحا، فيقولون: يا نوح، أنت أول الرسل إلى أهل الأرض، وسماك الله عبدا شكورا، فاشفع لنا إلى ربك، ألا ترى ما نحن فيه؟ ألا ترى ما قد بلغنا؟ فيقول نوح: إن ربي قد غضب اليوم غضبا لم يغضب قبله مثله، ولن يغضب بعده مثله، وإنه كانت لي دعوة على قومي، نفسي نفسي نفسي، اذهبوا إلى غيري، اذهبوا إلى إبراهيم. فيأتون إبراهيم، فيقولون: يا إبراهيم، أنت نبي الله وخليله من أهل الأرض، اشفع لنا إلى ربك، ألا ترى ما نحن فيه ؟ ألا ترى ما قد بلغنا ؟ فيقول: إن ربي قد [ص:417] غضب اليوم غضبا لم يغضب قبله مثله، ولن يغضب بعده مثله - وذكر كذباته - نفسي نفسي نفسي، اذهبوا إلى غيري، اذهبوا إلى موسى. فيأتون موسى فيقولون: يا موسى، أنت رسول الله، اصطفاك الله برسالاته، وبتكليمه على الناس، اشفع لنا إلى ربك، ألا ترى ما نحن فيه ؟ ألا ترى ما قد بلغنا ؟ فيقول لهم موسى: إن ربي قد غضب اليوم غضبا لم يغضب قبله مثله، ولن يغضب بعده مثله، وإني قتلت نفسا لم أومر بقتلها، نفسي نفسي نفسي، اذهبوا إلى غيري، اذهبوا إلى عيسى. فيأتون عيسى، فيقولون: يا عيسى، أنت رسول الله، وكلمته ألقاها إلى مريم، وروح منه - قال: هكذا هو - وكلمت الناس في المهد، فاشفع لنا إلى ربك، ألا ترى ما نحن فيه ؟ ألا ترى ما قد بلغنا ؟ فيقول لهم عيسى: إن ربي قد غضب اليوم غضبا لم يغضب قبله مثله، ولن يغضب بعده مثله - ولم يذكر ذنبا - اذهبوا إلى غيري، اذهبوا إلى محمد، فيأتوني، فيقولون: يا محمد، أنت رسول الله، وخاتم الأنبياء، وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر، فاشفع لنا إلى ربك، ألا ترى ما نحن فيه ؟ ألا ترى ما قد بلغنا ؟ فأقوم فآتي تحت العرش، فأتي ساجدا لربي عز وجل، ثم يفتح الله علي، ويلهمني من محامده، وحسن الثناء عليه ما لم يفتحه على أحد قبلي، فيقال: يا محمد، ارفع رأسك، وسل تعطه، واشفع تشفع. فأقول: رب، أمتي أمتي، يا رب، أمتي أمتي، يا رب، أمتي أمتي. فيقال: يا محمد، أدخل من أمتك [ص:418] من لا حساب عليه من الباب الأيمن من أبواب الجنة، وهم شركاء الناس فيما سواه من الأبواب». ثم قال«والذي نفس محمد بيده لما بين مصراعين من مصاريع الجنة كما بين مكة وهجر، أو كما بين مكة وبصرى». أخرجاه في الصحيحين، من حديث أبي حيان يحيى بن سعيد بن حيان، به.

 

ورواه ابن أبي الدنيا في " الأهوال "، عن أبي خيثمة، عن جرير، عن عمارة بن القعقاع، عن أبي زرعة، عن أبي هريرة، عن النبي ﷺ، فذكره بطوله، وزاد في السياق«وإني أخاف أن يطرحني في النار، انطلقوا إلى غيري». في قصة آدم، ونوح، وإبراهيم، وموسى، وعيسى، وهي زيادة غريبة جدا، ليست في الصحيحين، ولا في أحدهما، بل ولا في شيء من بقية " السنن "، وهي منكرة جدا، فالله أعلم.

 

وقال الإمام أحمد: حدثنا عفان، حدثنا حماد بن سلمة، عن علي بن زيد، عن أبي نضرة المنذر بن مالك بن قطعة، قال: خطبنا ابن عباس على منبر البصرة، فقال: قال رسول الله ﷺ: «إنه لم يكن نبي إلا له دعوة قد تنجزها في الدنيا، وإني اختبأت دعوتي شفاعة لأمتي، وأنا سيد ولد آدم يوم القيامة ولا [ص:419] فخر، وأنا أول من تنشق عنه الأرض ولا فخر، وبيدي لواء الحمد ولا فخر، آدم فمن دونه تحت لوائي ولا فخر، ويطول يوم القيامة على الناس، فيقول بعضهم لبعض: انطلقوا بنا إلى أبينا، فليشفع لنا إلى ربنا، فليقض بيننا. فيأتون آدم، فيقولون: يا آدم، أنت الذي خلقك الله بيده، وأسكنك جنته، وأسجد لك ملائكته، اشفع لنا إلى ربنا، فليقض بيننا. فيقول: إني لست هناكم، إني قد أخرجت من الجنة، وإنه لا يهمني اليوم إلا نفسي، ولكن ائتوا نوحا رأس النبيين». فذكر الحديث، كنحو ما تقدم إلى أن قال«فيأتوني، فيقولون: يا محمد، اشفع لنا إلى ربك، فليقض بيننا. فأقول: أنا لها، حتى يأذن الله لمن يشاء ويرضى، فإذا أراد الله أن يصدع بين خلقه، نادى مناد: أين أحمد وأمته؟ فنحن الآخرون الأولون; آخر الأمم، وأول من يحاسب، فتفرج لنا الأمم طريقا، فنمضي غرا محجلين من أثر الوضوء، فتقول الأم: كادت هذه الأمة أن تكون أنبياء كلها، فآتي باب الجنة». وذكر تمام الحديث في الشفاعة، في عصاة هذه الأمة.

 

وقد ورد هذا الحديث هكذا عن جماعة من الصحابة، منهم أبو بكر الصديق رضي الله عنه، من رواية حذيفة بن اليمان عنه، وسيأتي في أحاديث الشفاعة. والعجب كل العجب من إيراد الأئمة لهذا الحديث في أكثر طرقه، لا يذكرون أمر الشفاعة الأولى، في إتيان الرب لفصل القضاء، كما ورد هذا في حديث الصور، كما تقدم، وهو المقصود في هذا المقام.

 

[ص:420] ومقتضى سياق أول الحديث ; فإن الناس إنما يستشفعون إلى آدم فمن بعده من الأنبياء في أن يفصل الله عز وجل بين الناس ؟ ليستريحوا من مقامهم ذلك، كما دلت عليه سياقاته من سائر طرقه، فإذا وصلوا إلى المحز إنما يذكرون الشفاعة في عصاة الأمة وإخراجهم من النار، وكأن مقصود السلف في الاقتصار على هذا المقدار من الحديث هو الرد على الخوارج ومن تابعهم من المعتزلة، الذين ينكرون خروج أحد من النار بعد دخولها، فيذكرون هذا القدر من الحديث الذي فيه النص الصريح في الرد عليهم فيما ذهبوا إليه من البدعة المخالفة للأحاديث، وقد جاء التصريح بذلك في حديث الصور، كما تقدم أن الناس يذهبون إلى آدم، ثم إلى نوح، ثم إلى إبراهيم، ثم إلى موسى، ثم إلى عيسى، ثم يأتون رسول الله ﷺ، فيذهب، فيسجد لله تحت العرش في مكان يقال له: الفحص. إلى أن قال«فيقول: شفعتك. أنا آتيكم فأقضي بينكم». قال«فأرجع، فأقف مع الناس». إلى أن قال«فيضع الله كرسيه حيث شاء من أرضه». وذكر الحديث كما تقدم.

 

وقال عبد الرزاق: أنبا معمر، عن الزهري، عن علي بن الحسين زين العابدين، قال: قال رسول الله ﷺ«إذا كان يوم القيامة مد الله الأرض مد الأديم، حتى لا يكون لبشر من الناس إلا موضع قدميه». قال رسول الله ﷺ«فأكون أول من يدعى وجبريل عن يمين الرحمن عز وجل، والله ما رآه قبلها، فأقول: أي رب، إن هذا أخبرني أنك أرسلته إلي، فيقول الله: صدق. ثم أشفع، فأقول: يا رب، عبادك عبدوك في أطراف الأرض. فهو المقام المحمود».

 

[ص:421] هذا مرسل من هذا الوجه، وعندي أن معنى قوله«عبادك عبدوك في أطراف الأرض». أي وقوف في أطراف الأرض، أي الناس مجتمعون فى صعيد واحد، مؤمنهم وكافرهم، فيشفع عند الله ليأتي لفصل القضاء بين عباده، ويميز مؤمنهم من كافرهم في الموقف والمصير فى الحال، والمآل، ولهذا قال ابن جرير: قال أكثر أهل التأويل فى قوله تعالى: عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا. هو المقام الذي يقومه رسول الله ﷺ يوم القيامة للشفاعة للناس، ليريحهم ربهم من عظيم ما هم فيه من شدة ذلك اليوم.

 

وقال البخاري: حدثنا إسماعيل بن أبان، حدثنا أبو الأحوص، عن آدم بن علي، قال: سمعت ابن عمر قال: إن الناس يصيرون يوم القيامة جثا، كل أمة تتبع نبيها، يقولون: يا فلان، اشفع، يا فلان، اشفع، حتى تنتهي الشفاعة إلى النبي ﷺ، فذلك يوم يبعثه الله مقاما محمودا.

 

قال: ورواه حمزة بن عبد الله، عن أبيه، عن النبي ﷺ.

 

وقد أسند ما علقه ههنا في موضع آخر من " الصحيح "، فقال في كتاب الزكاة: حدثنا يحيى بن بكير، حدثنا الليث، عن عبيد الله بن أبي جعفر، [ص:422] سمعت حمزة بن عبد الله بن عمر، سمعت عبد الله بن عمر، قال: قال رسول الله ﷺ: ( لا يزال العبد يسأل الناس حتى يأتي يوم القيامة ليس في وجهه مزعة لحم ". وقال«إن الشمس تدنو يوم القيامة حتى يبلغ العرق نصف الأذن، فبينما هم كذلك إذ استغاثوا بآدم، ثم بموسى، ثم بمحمد ﷺ». زاد عبد الله بن صالح، حدثني الليث، عن ابن أبي جعفر«فيشفع ليقضي بين الخلق، فيمشي حتى يأخذ بحلقة الباب، فيومئذ يبعثه الله مقاما محمودا يحمده أهل الجمع كلهم».

 

وكذا رواه ابن جرير، عن محمد بن عبد الله بن عبد الحكم، عن شعيب بن الليث، عن أبيه، به، بنحوه.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

تابع أخبار مكة وما جاء فيها من الآثار

أخبار مكة وما جاء فيها من الآثار   ج1وج2. ج / 1 ص -3- بسم الله الرحمن الرحيم مقدمة التحقيق: لا نعرف عن بدايات التأليف في...