مجلد 6. جامع البيان في تأويل
القرآن
المؤلف : محمد بن جرير بن يزيد بن كثير بن غالب الآملي، أبو جعفر الطبري،
[ 224 - 310 هـ ]
وقال آخرون : هي أنفال
السرايا.
* ذكر من قال ذلك :
15638 - حدثني الحارث قال ، حدثنا عبد العزيز قال ، حدثنا علي بن صالح بن حي قال ،
بلغني في قوله : " يسألونك عن الأنفال " ، قال : السرايا.
* * *
وقال آخرون : " الأنفال " ، ما شذَّ من المشركين إلى المسلمين ، من
عَبْد أو دابة ، وما أشبه ذلك.
* ذكر من قال ذلك :
15639 - حدثنا أبو كريب قال ، حدثنا جابر بن نوح ، عن عبد الملك ، عن عطاء في قوله
: " يسألونك عن الأنفال قل الأنفال لله والرسول " ، قال : هو ما شذّ من
المشركين إلى المسلمين بغير قتال ، دابَّة أو عبدٌ أو متاعٌ ، ذلك للنبي صلى الله
عليه وسلم يصنع فيه ما شاء.
15640 - حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا ابن نمير ، عن عبد الملك ، عن عطاء : "
يسألونك عن الأنفال " ، قال : هي ما شذّ من المشركين إلى المسلمين بغير قتال
، من عبد أو أمة أو متاع أوثَقَل ، (1) فهو للنبي صلى الله عليه وسلم يصنع فيه ما
شاء.
15641 - . . . . قال ، حدثنا عبد الأعلى ، عن معمر ، عن الزهري : أن ابن عباس سئل
عن : " الأنفال " ، فقال : السَّلَب والفرس.
15642 - حدثني محمد بن سعد قال ، حدثني أبي قال ، حدثني عمي قال ، حدثني أبي ، عن
أبيه ، عن ابن عباس : ويقال " الأنفال " ، ما أخذ مما سقط من المتاع بعد
ما تُقَسَّم الغنائم ، فهي نفلٌ لله ولرسوله.
15643 - حدثني القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثني حجاج قال ، قال ابن جريج ،
أخبرني عثمان بن أبي سليمان ، عن محمد بن شهاب : أن رجلا قال لابن عباس : ما
" الأنفال " ؟ قال : الفرَس والدِّرع والرمحُ. (2)
__________
(1) في المطبوعة والمخطوطة : " أو نفل " ، والصواب ما أثبت . و "
الثقل " ( بفتحتين ) ، متاع المسافر وحشمه.
(2) الأثر : 15643 - " عثمان بن أبي سليمان بن جبير بن مطعم النوفلي " ،
ثقة ، كان قاضيًا على مكة . مترجم في التهذيب ، وابن سعد 5 : 357 ، وابن أبي حاتم
3 \ 1 \ 152 ، وهذا الخبر ، رواه أبو عبيد القاسم بن سلام في كتاب الأموال ص 304
رقم : 757 مطولا .
(13/363)
15644 - حدثني الحارث قال ،
حدثنا عبد العزيز قال ، حدثنا عبد الوارث بن سعيد قال ، قال ابن جريج ، قال عطاء :
" الأنفال : ، الفرس الشاذّ والدرع والثوب.
15645 - حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال ، حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن الزهري
، عن ابن عباس قال : كان ينفِّل الرجل سَلَب الرجل وفرسه. (1)
15646 - حدثني يونس قال ، أخبرنا ابن وهب قال ، أخبرني مالك بن أنس ، عن ابن شهاب
، عن القاسم بن محمد قال : سمعت رجلا سأل ابن عباس عن " الأنفال " ،
فقال ابن عباس : الفرس من النَّفَل ، والسلب من النفل. ثم عاد لمسألته ، فقال ابن
عباس ذلك أيضًا. ثم قال الرجل : " الأنفال " ، التي قال الله في كتابه ،
ما هي ؟ قال القاسم : فلم يزل يسأله حتى كاد يُحْرجه ، فقال ابن عباس : أتدرون ما
مثل هذا ، مَثَلُ صَبِيغ الذي ضربه عمر بن الخطاب رضي الله عنه ؟ (2)
15647 - حدثنا الحسن بن يحيى قال ، أخبرنا عبد الرزاق قال ، أخبرنا معمر ، عن
الزهري ، عن القاسم بن محمد قال ، قال ابن عباس : كان عمر رضي الله عنه إذا سئل عن
شيء قال : " لا آمرك ولا أنهاك " . ثم قال ابن عباس : والله ما بعث الله
نبيه عليه السلام إلا زاجرًا آمرًا ، محللا محرمًا قال القاسم : فسلِّط على ابن
عباس رجل يسأله عن : " الأنفال " ، فقال ابن عباس : كان الرجل ينفّل فرس
الرجل وسلاحه. فأعاد عليه الرجل ، فقال له مثل ذلك ، ثم أعاد عليه حتى أغضبه ،
فقال ابن عباس : أتدرون ما مَثَل هذا ، مثل صبيغ الذي ضربه عمر حتى سالت الدماء
على عقبيه أو على رجليه ؟ فقال الرجل : أمّا أنت فقد انتقم الله لعمر منك.
__________
(1) في المطبوعة والمخطوطة : " فرس الرجل وسلبه " ، ولكن في المخطوطة
فوق " فرس " و " سلبه " حرف " م " ، دلالة على
التقديم والتأخير ، ففعلت ذلك .
(2) الأثر : 15646 - رواه مالك في الموطأ ص : 455 ، بلفظه هذا .
" صبيغ " ، هو " صبيغ بن عسل بن سهل الحنظلي " ، ترجم له ابن
حجر في الإصابة ، في القسم الثالث ، وكان صبيغ وفد على عمر المدينة ، وجعل يسأل عن
متشابه القرآن ، فضربه عمر حتى دمي رأسه ، فقال : حسبك يا أمير المؤمنين ، قد ذهب
الذي كنت أجده في رأسي ! ونفاه عمر إلى البصرة ، وكتب إليهم أن لا يجالسوه ، فلم
يزل صبيغ وضيعًا في قومه ، بعد أن كان سيدًا فيهم .
(13/364)
15647 - حدثنا أحمد بن إسحاق
قال ، حدثنا أبو أحمد قال ، حدثنا ابن المبارك ، عن عبد الملك ، عن عطاء : "
يسألونك عن الأنفال " ، قال : يسألونك فيما شذ من المشركين إلى المسلمين في
غير قتال ، من دابة أو [عبد] ، (1) فهو نفل للنبي صلى الله عليه وسلم .
* * *
وقال آخرون : " النفل " ، الخمس الذي جعله الله لأهل الخُمُس.
* ذكر من قال ذلك :
15648 - حدثني الحارث قال ، حدثنا عبد العزيز قال ، حدثنا عبد الوارث بن سعيد ، عن
ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : " يسألونك عن الأنفال " ، قال : هو الخمس.
قال المهاجرون : لِمَ يُرْفع عنا هذا الخمس ، (2) لم يُخْرج منا ؟ فقال الله : هو
لله والرسول.
15649 - حدثنا أحمد بن إسحاق قال ، حدثنا أبو أحمد قال ، حدثنا عباد بن العوام ،
عن الحجاج ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : أنهم سألوا النبي صلى الله عليه وسلم عن
الخمس بعد الأربعة الأخماس ، فنزلت : " يسألونك عن الأنفال " .
* * *
قال أبو جعفر : وأولى هذه الأقوال بالصواب في معنى : " الأنفال " ، قولُ
من قال : هي زيادات يزيدها الإمام بعض الجيش أو جميعهم ، إما من سَهْمه على حقوقهم
من القسمة ، (3) وإما مما وصل إليه بالنفل ، أو ببعض أسبابه ، ترغيبًا
__________
(1) ما بين القوسين ، في المطبوعة وحدها ، مكانه في المخطوطة بياض .
(2) في المخطوطة : " لم يرفع هنا " ، والصواب ما في المطبوعة .
(3) في المطبوعة : " إما من سلبه على حقوقهم " ، وفي المخطوطة : "
إما سلمه على حقوقهم " ، وصواب قراءة المخطوطة ما أثبت ، والذي في المطبوعة
لا معنى له .
(13/365)
له ، وتحريضًا لمن معه من جيشه
على ما فيه صلاحهم وصلاح المسلمين ، أو صلاح أحد الفريقين. وقد يدخل في ذلك ما قال
ابن عباس من أنه الفرس والدرع ونحو ذلك ، ويدخل فيه ما قاله عطاء من أن ذلك ما عاد
من المشركين إلى المسلمين من عبد أو فرس ، لأن ذلك أمره إلى الإمام ، إذا لم يكن
ما وصلوا إليه بغلبة وقهر ، (1) يفعل ما فيه صلاح أهل الإسلام ، وقد يدخل فيه ما
غلب عليه الجيش بقَهر.
* * *
وإنما قلنا ذلك أولى الأقوال بالصواب ، لأن " النفل " في كلام العرب ،
إنما هو الزيادة على الشيء ، يقال منه : " نفَّلتك كذا " ، و "
أنفلتك " ، إذا زدتك.
و " الأنفال " ، جمع " نَفَل " ، ومنه قول لبيد بن ربيعة :
إِنَّ تَقْوَى رَبِّنا خَيْرُ نَفَلْ وَبِإِذْنِ اللهِ رَيْثِي وَعَجَلْ (2)
فإذ كان معناه ما ذكرنا ، فكل من زيد من مقاتلة الجيش على سهمه من الغنيمة إن كان
ذلك لبلاء أبلاه ، أو لغناء كان منه عن المسلمين بتنفيل الوالي ذلك إيّاه ، فيصير
حكم ذلك له كالسلب الذي يسلبه القاتل ، فهو منفل ما زيد من ذلك ، لأن الزيادة
نَفَلٌ ، [والنَّفَل] ، وإن كان مستوجِبَهُ في بعض الأحوال لحق ، ليس هو من
الغنيمة التي تقع فيها القسمة. (3) وكذلك كل ما رُضِخ لمن لا سهم له في الغنيمة ،
فهو " نفل " ، (4) لأنه وإن كان مغلوبًا عليه ، فليس مما وقعت عليه
القسمة.
__________
(1) في المطبوعة والمخطوطة : " لغلبة " ، وصواب قراءتها " بغلبة
" .
(2) ديوانه 2 : 11 ، ومجاز القرآن لأبي عبيدة 1 : 240 ، اللسان ( نفل ) ، وغيرها
كثير ، فاتحة قصيدة له طويلة .
(3) كانت هذه الجملة في المطبوعة هكذا : " لأن الزيادة وإن كانت مستوجبة في
بعض الأحوال بحق ، فليست من الغنيمة التي تقع فيها القسمة " ، غير ما كان في
المخطوطة كل التغيير ، والجملة في المخطوطة كما أثبتها ، إلا أن صدرها كان هكذا :
" لأن الزيادة أفضل وإن كان مستوجبة " غير منقوطة ، سيئة الكتابة ،
وظاهر أن صوابها ما أثبت ، مع زيادة ما زدت بين القوسين .
(4) " رضخ له من المال " ، أعطاه عطية مقاربة ، أي قليلة .
(13/366)
فالفصل إذ كان الأمر على ما
وصفنا بين " الغنيمة " و " النفل " ، أن " الغنيمة
" هي ما أفاء الله على المسلمين من أموال المشركين بغلبة وقهر ، نفَّل منه
منفِّل أو لم ينفل ، و " النفل " : هو ما أعطيه الرجل على البلاء
والغَنَاء عن الجيش على غير قسمة. (1)
* * *
وإذْ كان ذلك معنى " النفل " ، فتأويل الكلام : يسألك أصحابك ، يا محمد
، عن الفضل من المال الذي تقع فيه القسمة من غنيمة كفار قريش الذين قتلوا ببدر ،
لمن هو ؟ قل لهم يا محمد : هو لله ولرسوله دونكم ، يجعله حيث شاء.
* * *
واختلف في السبب الذي من أجله نزلت هذه الآية.
فقال بعضهم : نزلت في غنائم بدر ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان نفَّل أقوامًا
على بلاء ، فأبلى أقوام ، وتخلف آخرون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فاختلفوا
فيها بعد انقضاء الحرب ، فأنزل الله هذه الآية على رسوله ، يعلمهم أن ما فعل فيها
رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فماضٍ جائزٌ.
* ذكر من قال ذلك :
15650 - حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال ، حدثنا معتمر بن سليمان قال ، سمعت داود بن
أبي هند يحدث ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال :
" من أتى مكان كذا وكذا ، فله كذا وكذا ، أو فعل كذا وكذا ، فله كذا وكذا
" ، فتسارع إليه الشبان ، وبقي الشيوخ عند الرايات ، فلما فتح الله عليهم
جاءوا يطلبون ما جعل لهم النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال لهم الأشياخ : لا تذهبوا
به دوننا! فأنزل الله عليه الآية " فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم " .
(2)
__________
(1) في المطبوعة : " هو ما أعطيه الرجل " ، وأثبت ما في المخطوطة .
(2) الأثر : 15650 - خبر ابن عباس هذا ، يرويه أبو جعفر من أربعة طرق ، من رقم
15650 - 15653 ، إلا آخرها فهو غير مرفوع إلى ابن عباس . وهو خبر صحيح الإسناد .
فمن هذه الطريق الأول " معتمر بن سليمان عن داود ، ... " ، رواه الحاكم
في المستدرك 2 : 326 ، وقال : " هذا حديث صحيح الإسناد ، ولم يخرجاه "
ووافقه الذهبي ، والبيهقي في السنن الكبرى 6 : 315 ، وفيهما زيادة بعد " لا
تذهبوا به دوننا " : " فقد كنا ردءًا لكم " .
وخرجه ابن كثير في تفسيره 4 : 6 ، والسيوطي في الدر المنثور 3 : 159 .
(13/367)
15651 - حدثنا المثنى قال ،
حدثنا عبد الأعلى وحدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا عبد الأعلى قال ، حدثنا داود ، عن
عكرمة ، عن ابن عباس قال : لما كان يوم بدر ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
" من صنع كذا وكذا ، فله كذا وكذا " ، قال : فتسارع في ذلك شبان الرجال
، وبقيت الشيوخ تحت الرايات. فلما كان الغنائم ، (1) جاءوا يطلبون الذي جعُل لهم ،
فقالت الشيوخ : لا تستأثروا علينا ، فإنا كنا رِدْءًا لكم ، (2) وكنا تحت الرايات
، ولو انكشفتم انكشفتم إلينا! (3) فتنازعوا ، فأنزل الله : " يسألونك عن
الأنفال قل الأنفال لله والرسول فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم وأطيعوا الله
ورسوله إن كنتم مؤمنين " . (4)
15652 - حدثني إسحاق بن شاهين قال ، حدثنا خالد بن عبد الله ، عن داود ، عن عكرمة
، عن ابن عباس قال : لما كان يوم بدر ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "
من فعل كذا فله كذا وكذا من النفل " . قال : فتقدم الفتيان ، ولزم المشيخةُ
الراياتِ ، فلم يبرحوا. فلما فُتح عليهم ، قالت المشيخة : كنا ردءًا لكم ، فلو
انهزمتم انحزتم إلينا ، (5) لا تذهبوا بالمغنم دوننا! فأبى الفتيان وقالوا : جعله
رسول الله صلى الله عليه وسلم لنا! فأنزل الله : " يسألونك عن الأنفال قل
الأنفال
__________
(1) في المطبوعة : " فلما كانت الغنائم " ، وأثبت ما في المخطوطة .
(2) " الردء " ، العون ، ينصر المرء ويشد ظهره ، وهو له قوة وعماد .
(3) " انكشف القوم " ، انهزموا . وقوله : " انكشفتم إلينا " ،
أي رجعتم بعد الهزيمة إلينا ، وكان في المطبوعة : " لفئتم إلينا " ،
بمعنى رجعتم ، ولكني أثبت ما في المخطوطة .
(4) الأثر : 15651 - هذه هي الطريق الثانية لخبر ابن عباس السالف .
" عبد الأعلى " هو " عبد الأعلى بن عبد الأعلى القرشي السلمي
" ، ثقة ، أخرج له الجماعة . مضى برقم : 4751 ، 8282 .
(5) " انحاز إليه " ، انضم إليه .
(13/368)
لله والرسول " . قال :
فكان ذلك خيرًا لهم ، وكذلك أيضًا أطيعوني فإني أعلم. (1)
15653 - حدثنا محمد بن المثنى قال ، حدثنا عبد الوهاب قال ، حدثنا داود ، عن عكرمة
في هذه الآية : " يسألونك عن الأنفال قل الأنفال لله والرسول " ، قال :
لما كان يوم بدر ، قال النبي صلى الله عليه وسلم : " من صنع كذا فله من النفل
كذا " ! فخرج شبان من الرجال ، فجعلوا يصنعونه ، فلما كان عند القسمة ، قال
الشيوخ : نحن أصحاب الرايات ، وقد كنا رِدْءًا لكم! فأنزل الله في ذلك : " قل
الأنفال لله والرسول فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم وأطيعوا الله ورسوله إن كنتم
مؤمنين " . (2)
15654 - حدثني المثنى قال ، حدثنا إسحاق قال ، حدثنا يعقوب الزهري قال ، حدثني
المغيرة بن عبد الرحمن ، عن أبيه ، عن سليمان بن موسى ، عن مكحول مولى هذيل ، عن
أبي سلام ، عن أبي أمامة الباهلي ، عن عبادة بن الصامت قال ، أنزل الله حين اختلف
القوم في الغنائم يوم بدر : " يسألونك عن الأنفال " إلى قوله : "
إن كنتم مؤمنين " ، فقسمه رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهم ، عن بَوَاء.
(3)
__________
(1) الأثر : 15652 - " إسحاق بن شاهين الواسطي " ، شيخ الطبري ، مضى
مرارًا آخرها رقم : 11504.
" خالد بن عبد الله بن عبد الرحمن الواسطي الطحان " ، مضى مرارًا آخرها
رقم : 11504. وهذا الخبر بهذا الإسناد رواه أبو داود في سننه 3 : 102 رقم : 2737
مع خلاف يسير في لفظه. وآخره هناك : " فكذلك أيضًا فأطيعوني ، فإني أعلم
بعاقبة هذا منكم " . ورواه البيهقي في السنن 6 : 291 ، 292.
ورواه الحاكم في المستدرك 2 : 131 ، 132 وقال : " هذا حديث صحيح ، فقد احتج
البخاري بعكرمة ، وقد احتج مسلم بداود بن أبي هند ، ولم يخرجاه " ، وقال
الذهبي : " صحيح ، قلت هو على شرط البخاري " ، والزيادة فيها كما في سنن
أبي داود.
خرجه ابن كثير في تفسيره 4 : 6. وزاد نسبته إلى النسائي ، وابن مردويه (واللفظ
هناك له) ، وابن حبان.
(2) الأثر : 15653 - انظر التعليق على الآثار السالفة .
(3) الأثر : 15654 - خبر عبادة بن الصامت ، مروي هنا من طريقين ، هذه أولاهما.
إسحاق " ، هو " إسحاق بن الحجاج الطاحوني " ، مضى برقم : 230 ،
1614 ، 10314. و " يعقوب الزهري " ، هو " يعقوب بن محمد بن عيسى
الزهري " ، مختلف فيه ، وهو ثقة إن شاء الله ، مضى برقم : 2867 ، 8012. كان
في المطبوعة هنا " الزبيري " ، وهو في المخطوطة غير منقوط ، وأقرب
قراءته ما أثبت ، وهو الصواب بلا ريب ، فإن يعقوب بن محمد الزهري ، هو الذي يروي
عن المغيرة.
و " المغيرة بن عبد الرحمن بن الحارث بن عبد الله بن عياش بن أبي ربيعة
المخزومي " ، مختلف فيه ، ذكره ابن حبان في الثقات ووثقه ابن معين ، مترجم في
التهذيب ، والكبير 4 / 1 / 321 ، ابن أبي حاتم 4 / 1 / 225 ، لم يذكرا فيه جرحًا.
وأبوه : " عبد الرحمن بن الحارث بن عياش بن أبي ربيعة المخزومي " ، ثقة
، مترجم في التهذيب ، ابن أبي حاتم 2 / 2 / 224. روى عنه ابن إسحاق في سيرته في
مواضع. انظر 1 : 367.
و " سليمان بن موسى الأموي " الأشدق ، أبو هشام ، ثقة ، مضى برقم :
11382.
و " مكحول ، مولى هذيل " ، هو " مكحول الشامي ، أبو عبد الله
" ، الفقيه التابعي ، وكان من سبى كابل ، وكانت في لسانه لكنة ، جاء في حديثه
: " ما فعلت في تلك الهاجة " ، يريد " الحاجة " ، قلب الحاء
هاء. مترجم في التهذيب ، وابن سعد 7 / 2 / 160 ، والكبير 4 / 2 / 21 ، وابن أبي
حاتم 4 / 2 /407.
و " أبو سلام " ، هو الأسود الحبشي الأعرج ، واسمه " ممطور "
، في الطبقة الأولى من تابعي أهل الشام. مترجم في التهذيب ، والكبير 4 / 2 / 57 ،
وابن أبي حاتم 4 / 1 / 431.
و " أبو أمامة الباهلي " واسمه : " صدي بن عجلان " صاحب رسول
الله صلى الله عليه وسلم ، وروى عن رسول الله ، وعن جماعة من الصحابة ، .
وهذا الخبر ، رواه مكحول مرة من طريق أبي سلام عن أبي أمامة ، ورواه في الذي يليه
عن أبي أمامة بلا واسطة. فمن هذه الطريق الأولى رواه أحمد في المسند 5 : 323 ، 324
، مطولا ، وبغير هذا اللفظ من طريق معاوية بن عمرو ، عن أبي إسحاق ، عن عبد الرحمن
بن عياش بن أبي ربيعة عن سليمان ابن موسى ، عن أبي سلام ، عن أبي أمامة ، لا ذكر
فيها لمكحول.
ورواه البيهقي في السنن الكبرى 6 : 292 ، من طريق عبد الرحمن بن الحارث ، عن
سليمان الأشدق ، عن مكحول ، عن أبي سلام ، عن أبي أمامة ، مطولا ، كرواية أحمد.
ورواه الحاكم في المستدرك 2 : 135 ، بمثله.
وقوله " عن بَوَاء " ، كان في المطبوعة " عن بسواء " ، هنا ،
وفي الخبر التالي ، وهو خطأ محض ، وسيأتي تفسيره في سياق الخبر التالي.
(13/369)
15655 - حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا سلمة ، عن محمد قال ، حدثني عبد الرحمن بن الحارث وغيره من أصحابنا ، عن سليمان بن موسى الأشدق ، عن مكحول ، عن أبي أمامة الباهلي قال : سألت عبادة بن الصامت عن " الأنفال " ، فقال : فينا معشرَ أصحاب بدر نزلت ، حين اختلفنا في النَّفَل ، وساءت فيه أخلاقنا ،
(13/370)
فنزعه الله من أيدينا ، فجعله
إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقسمه رسول الله صلى الله عليه وسلم بين المسلمين
عن بَوَاء يقول : على السواء فكان في ذلك تقوى الله ، وطاعة رسوله صلى الله عليه
وسلم ، وصلاحُ ذاتِ البين . (1)
* * *
وقال آخرون : بل إنما أنزلت هذه الآية ، (2) لأن بعض أصحاب رسول الله صلى الله
عليه وسلم سأله من المغنم شيئًا قبل قسمتها ، فلم يعطه إياه ، إذ كان شِرْكًا بين
الجيش ، فجعل الله جميعَ ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم . (3)
* ذكر من قال ذلك :
__________
(1) الأثر : 15655 - " سليمان بن موسى الأشدق " ، مر في التعليق السالف.
وكان في المطبوعة " الأسدي " ، لم يحسن قراءة المخطوطة لأنها غير منقوطة.
وهذا الخبر من رواية " محمد بن إسحاق " ، مذكور في سيرة ابن هشام 2 :
295 ، 296 ، بإسناده هذا ، ثم في 2 : 322 ، بغير إسناد.
ورواه الطبري بإسناده هذا في التاريخ 2 : 285 ، 286.
ورواه أحمد في مسنده /5 : 322 من طريقين عن محمد بن إسحاق.
ورواه الحاكم في المستدرك 2 : 136 ، بالإحالة على لفظه الذي قبله.
ثم رواه الحاكم في المستدرك 2 : 326 ، من طريق وهب بن جرير بن حازم ، عن محمد ابن
اسحاق ، يقول حدثني الحارث بن عبد الرحمن ، عن مكحول ، عن أبي أمامة ، وقال :
" صحيح على شرط مسلم ، ولم يخرجاه " ، وقال الذهبي : على شرط مسلم. ولا
أدري كيف هذا ، فإن الثابت في سيرة ابن إسحاق ، من رواية ابن هشام أنه من روايته
عن " عبد الرحمن بن الحارث " ، لا عن " الحارث بن عبد الرحمن
" وهو خطأ. هذا فضلا عن أنه مروى بغير هذا اللفظ في سيرة ابن هشام ، وفي سائر
من رواه عن ابن إسحاق ، إلا يونس بن بكير.
فإن البيهقي في السنن الكبرى 6 : 292 رواه من طريق يونس بن بكير ، عن ابن إسحاق ،
عن " عبد الرحمن بن الحارث " ، بنحو لفظ الحاكم في المستدرك ثم قال :
" ورواه جرير بن حازم ، عن محمد بن إسحاق ، مع تقصير في إسناده " . و
" جرير بن حازم " الذي روى الحاكم الخبر من طريقه ، ثقة ثبت حافظ ، روى
له الجماعة. ولكن قال ابن حبان وغيره : " كان يخطئ ، لأن أكثر ما كان يحدث من
حفظه " ، فكأن هذا مما أوجب الحكم عليه بأنه يقصر أحيانًا ويخطيء ، والصواب
المحض ، هو ما أجمعت عليه الرواية عن ابن إسحاق " عبد الرحمن بن الحارث
" .وذكره بلفظه هنا ، الهيثمي في مجمع الزوائد 7 : 26 ، هو والخبر الذي قبله
، من الطريق المطولة ، ثم قال : " ورجال الطريقين ثقات " ، وخرجه ابن
كثير في تفسيره 6 : 5 ، والسيوطي في الدر المنثور 3 : 159.
(2) في المطبوعة ، حذف " بل " من صدر الكلام .
(3) في المطبوعة : " لرسول الله " ، وأثبت ما في المخطوطة .
(13/371)
15656 - حدثني إسماعيل بن موسى
السدي قال ، حدثنا أبو الأحوص ، عن عاصم ، عن مصعب بن سعد ، عن سعد قال : أتيت
النبي صلى الله عليه وسلم يوم بدر بسيف فقلت : يا رسول الله ، هذا السيف قد شَفَى
الله به من المشركين! فسألته إياه ، فقال : ليس هذا لي ولا لك! قال : فلما وليت ،
قلت : أخاف أن يعطيه من لم يُبْلِ بلائي! فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم خلفي
، قال فقلت : أخاف أن يكون نزل في شيء! قال : إن السيف قد صارَ لي! قال : فأعطانيه
، ونزلت : " يسئلونك عن الأنفال " . (1)
15657 - حدثنا أبو كريب قال ، حدثنا أبو بكر قال ، حدثنا عاصم ، عن مصعب بن سعد ،
عن سعد بن مالك قال : لما كان يوم بدر جئت بسيف. قال : فقلت : يا رسول الله ، إن
الله قد شفي صَدري من المشركين أو نحو هذا فهبْ لي هذا السيف! فقال لي : هذا ليس
لي ولا لك! فرجعت فقلت : عسى أن يعطي هذا من لم يُبْلِ بلائي! فجاءني الرسول ،
فقلت : حدث فِيَّ حدثٌ ! فلما انتهيت قال : يا سعد إنك ، سألتني السيف وليس لي ،
وإنه قد صار لي ، فهو لك! ونزلت : " يسئلونك عن الأنفال قل الأنفال لله
والرسول " . (2)
__________
(1) الأثر : 15656 - خبر " سعد بن مالك " ، وهو " سعد بن أبي وقاص
" ، رواه أبو جعفر من سبع طرق ، بألفاظ مختلفة ، إلا رقم : 15659 ، فهو منقطع
الإسناد . وهي من رقم 15656 - 15659 ثم من 15662 - 15664 .
رواه من طريق عاصم ، عن مصعب بن سعد برقم 15656 ، 15657 .
ومن طريق سماك بن حرب ، عن مصعب بن سعد برقم 15658 ، 15662 ، 15663 .
ومن طريق محمد بن عبيد الله ، أبي عون الثقفي ، عن مصعب بن سعد رقم : 15659 ،
منقطعًا . ومن طريق مجاهد ، عن سعد ابن أبي وقاص : 15664 .
وهذا تفسير إسناد الخبر الأول : " إسماعيل بن موسى السدي الفزاري شيخ الطبري
" ، مضى برقم : 849 ، 9682 .
و " أبو الأحوص " ، هو " سلام بن سليم الحنفي " ، الثقة
الحافظ ، مضى مرارًا كثيرة .
و " عاصم " ، هو " عاصم بن أبي النجود " ، مضى مرارًا .
و " مصعب بن سعد بن أبي وقاص الزهري " ، تابعي ثقة ، مضى برقم : 8941 ،
11450 .
وهو إسناد صحيح ، ولم أجده في موضع آخر من طريق أبي الأحوص عن مصعب .
(2) الأثر : 15657 - إسناد صحيح . ورواه من هذه الطريق أحمد في المسند رقم : 1538
، بنحوه ، مطولا .
ورواه أبو داود في سننه 3 : 103 رقم 2740 ، بنحوه مطولا .
رواه الحاكم في المستدرك 2 : 132 ، بنحوه مطولا ، وقال : " هذا حديث صحيح
الإسناد ، ولم يخرجاه " ، ووافقه الذهبي .
ورواه البيهقي في السنن 6 : 291 ، وخرجه ابن كثير في تفسيره 4 : 4 ، وقال : "
رواه أبو داود " والترمذي ، والنسائي من طرق ، عن أبي بكر بن عياش ، وقال
الترمذي : حسن صحيح " .
(13/372)
15658 - حدثنا ابن وكيع قال ،
حدثنا أبي ، عن إسرائيل ، عن سماك بن حرب ، عن مصعب بن سعد ، عن أبيه قال : أصبت
سيفًا يوم بدر فأعجبني ، فقلت : يا رسول الله ، هبه لي! فأنزل الله : "
يسئلونك عن الأنفال قل الأنفال لله والرسول " . (1)
15659 - حدثنا ابن المثنى وابن وكيع قال ابن المثنى : حدثني أبو معاوية وقال ابن
وكيع : حدثنا أبو معاوية قال : حدثنا الشيباني ، عن محمد بن عبيد الله ، عن سعد بن
أبي وقاص قال : فلما كان يوم بدر ، (2) قتل أخي عُمَيْر ، وقتلت سعيد بن العاص
وأخذت سيفه ، وكان يسمى " ذا الكتيفة " ، (3) فجئت به إلى النبي صلى
الله عليه وسلم ، فقال : اذهب فاطرحه في القبض! (4) فطرحته ورجعتُ ، وبي ما لا
يعلمه إلا الله من قتل أخي ، وأخذ سَلَبي! قال : فما جاوزت إلا قريبًا ، حتى نزلت
عليه " سورة الأنفال " ، فقال : اذهب فخذ سيفك! ولفظ الحديث لابن
المثنى. (5)
__________
(1) الأثر : 15658 - هو مختصر الحديث رقم : 15662 ، وهو إسناد صحيح ، وسأخرجه هناك
.
(2) في المطبوعة : " لما كان " ، حذف الفاء ، وأثبت ما في المخطوطة .
(3) " ذو الكتيفة " على وزن " عظيمة " ، و " الكتيفة
" : حديدة عريضة طويلة ، وربما كانت كأنها صحيفة ، وربما سموا السيف "
كتيفًا " .
(4) " القبض " ( بفتحتين ) قال أبو عبيد القاسم بن سلام : " القبض
، الذي تجمع عنده الغنائم " . وقال غيره : بمعنى المقبوض ، وهو ما جمع من
الغنيمة قبل أن تقسم .
(5) الأثر : 15659 - " أبو معاوية " ، هو الضرير ، " محمد بن خازم
التميمي السعدي " ثقة ، من شيوخ أحمد ، روى له الجماعة .
وكان في المطبوعة هنا : " قال ابن المثنى حدثني معاوية " ، حذف "
أبو " ، كأنه ظن أن ابن المثنى قال : " معاوية " ، وأن ابن وكيع
قال " أبو معاوية " ، وأن هذا هو وجه الاختلاف ! والصواب أن الاختلاف في
أن ابن المثنى قال : " حدثني " ، وأن ابن وكيع قال : " حدثنا
" . فهذا مبلغ الإساءة في التصرف !! .
و " الشيباني " ، هو " أبو إسحاق الشيباني " : " سليمان
بن أبي سليمان " الثقة الحجة ، مضى مرارًا كثيرة
و " محمد بن عبيد الله بن سعيد الثقفي " ، " أبو عون الثقفي "
، تابعي ثقة ولكنه لم يدرك سعد ابن أبي وقاص ، وروايته عن سعد مرسلة . ( انظر شرح
الإسناد في مسند أحمد ) . مضى برقم : 7595 ، 13965 .
وهذا الخبر ضعيف الإسناد ، لانقطاعه .
رواه أحمد في مسنده برقم : 1556 ،
ورواه أبو عبيد القاسم بن سلام في كتاب الأموال : 303 ، بمثله . وقال في خلال
الخبر " ... قتلت سعيد بن العاص وقال غيره : العاص بن سعيد . قال أبو عبيد :
هذا عندنا هو المحفوظ " . ثم قال تعقيبًا عليه " قال أبو عبيد : وقال
أهل العلم بالمغازي : قاتل العاص ، علي بن أبي طالب " . والذي قاله أبو عبيد
هو الصواب .
فالذي جاء في الخبر هنا " سعيد بن العاص " وهم ، فإن سعيد بن العاص بن
سعيد بن العاص ابن أمية الأموي ، متأخر ، قبض رسول الله عليه وله تسع سنين ، وهو
لم يشرك قط وقتل أبوه " العاص بن سعيد " يوم بدر كافرًا ، أما جده
" سعيد بن العاص بن أمية " ، فمات قبل بدر مشركًا . ويكون الصواب كما
قال ابن حجر في الإصابة في ترجمة " عمير بن أبي وقاص " : " العاص
بن سعيد بن العاص " ، ويكون الاختلاف إذن في الذي قتله : أهو علي بن أبي طالب
، أم سعد بن أبي وقاص ؟ وإن كنت لم أجد هذا الاختلاف . وهذا موضع يحتاج إلى فضل
تحقيق . وانظر التعليق على رقم : 15664 .
هذا ، وقد رأيت بعد في الروض الأنف 2 : 76 ، هذا الخبر عن أبي عبيد وفيه "
العاصي ابن سعيد بن العاصي " في صلب الخبر ، ورأيت ذكر هذا الاختلاف في الروض
الأنف 2 : 102 ، 103 .
(13/373)
15660 - حدثنا أبو كريب قال ،
حدثنا يونس بن بكير ، وحدثنا ابن حميد قال ، حدثنا سلمة جميعًا ، عن محمد بن إسحاق
قال ، حدثني عبد الله بن أبي بكر ، عن قيس بن ساعدة قال : سمعت أبا أسَيْد مالك بن
ربيعة يقول : أصبت سيف ابن عائد يوم بدر ، وكان السيف يدعى " المرْزُبان
" ، فلما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يردُّوا ما في أيديهم من النفل
، أقبلت به فألقيته في النفل ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يمنع شيئًا
يُسْأله ، فرآه الأرقم بن أبي الأرقم المخزومي ، فسأله رسول الله صلى الله عليه
وسلم ، فأعطاه إياه. (1)
__________
(1) الأثر : 15660 - " عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم الأنصاري
" ، ثقة روى له الجماعة ، مضى برقم : 4808 .
وأما قوله : " بعض بني ساعدة " ، فقد جعلها في المطبوعة " قيس بن
ساعدة " لا أدري لم غير ما في المخطوطة .
وأما " أبو أسيد مالك بن ربيعة الأنصاري " ، من بني ساعدة بن كعب بن
الخزرج ، فهو الصحابي المشهور ، فجعله في المطبوعة : " أبا أسيد بن مالك بن ربيعة
" ، زاد " بن " بلا مراجعة .
وأما " سيف بني عائذ " فجعلها " سيف بن عائذ " ، كما في الخبر
التالي ، وهي في المخطوطة سيئة الكتابة . والصواب من سيرة ابن هشام ، وفيها :
" سيف بني عائذ المخزوميين " .
و " عائذ " في المخطوطة غير منقوطة ، وفي المطبوعة : " عائد "
بالدال المهملة . والصواب ما في سيرة ابن هشام .وفي بني مخزوم : " بنو عائذ
بن عمران بن مخزوم " ( بالذال المعجمة ) رهط آل المسيب ، وفي بني مخزوم أيضًا
: " بنو عابد بن عبد الله بن عمر بن مخزوم " ( بالباء والدال المهملة )
، وهم رهط آل السائب . انظر الروض الأنف 2 : 76 ، ونسب قريش 333 ثم : 343 ، ولم
أجد ما أرجح به أحدهما على الآخر .
وهذا الخبر رواه ابن إسحاق في سيرته ، ابن هشام 2 : 296 ، بلفظه ، وانظر التعليق
على الخبر التالي .
(13/374)
- 15661 - حدثني يحيى بن جعفر
قال ، حدثنا أحمد بن أبي بكر ، عن يحيى بن عمران ، عن جده عثمان بن الأرقم وعن عمه
، عن جده قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر : ردُّوا ما كان من
الأنفال! فوضع أبو أسيد الساعديّ سيف ابن عائذ " المرزبان " ، فعرفه
الأرقم فقال : هبه لي ، يا رسول الله! قال : فأعطاه إياه. (1)
__________
(1) الأثر : 15661 - هذا مختصر الأثر السالف من طريق أخرى .
و " يحيى بن جعفر " ، هو " يحيى بن أبي طالب " ، و "
يحيى بن جعفر بن الزبير قال " ، شيخ الطبري . محدث مشهور ثقة . مضى برقم :
284 .
و " أحمد بن أبي بكر " هو " أحمد بن القاسم بن الحارث بن زرارة بن
مصعب بن عبد الرحمن ابن عوف الزهري " ، كنيته " أبو مصعب الزهري "
، ثقة ، روى له الجماعة . مترجم في التهذيب ، والكبير 1 \ 2 \ 6 ، وابن أبي حاتم 1
\ 1 \ 43 .
و " يحيى بن عمران بن عثمان بن الأرقم المخزومي " ، روى عن أبيه ، وعمه
" عبد الله ابن عثمان " . روى عنه عطاف بن خالد ، وأبو مصعب الزهري
" أحمد بن أبي بكر " ، وغيرهما ذكره ابن حبان في الثقات . مترجم في
تعجيل المنفعة : 446 ، والكبير 4 \ 2 \ 297 ، ولم يذكر فيه جرحًا ، وابن أبي حاتم
4 \ 2 \ 177 ، 178 ، وقال ابن أبي حاتم : " سألت أبي عنه فقال : شيخ مدني
مجهول "
وأما قوله : " وعن عمه ، عن جده " ، فكان في المطبوعة والمخطوطة "
عن عمه ، عن جده " بغير واو العطف ، وهو لا يستقيم ، بل هو خطأ محض . بل
الصواب أن " يحيى بن عمران " ، رواه عن جده مباشرة ، ورواه مرة أخرى عن
عمه " عبد الله بن عثمان " ، عن جده أيضًا .
و " عبد الله بن عثمان بن الأرقم " في المطبوعة ابن الأرقم مكررة "
المخزومي " ، مترجم في تعجيل المنفعة : 228 ، وابن أبي حاتم 2 \ 2 \ 113 ، لم
يذكروا فيه جرحًا .
وهذا الخبر ، مختصر الذي قبله ، ولم أجده في مكان آخر .
(13/375)
15662 - حدثنا محمد بن المثنى
قال ، حدثنا محمد بن جعفر قال ، حدثنا شعبة ، عن سماك بن حرب ، عن مصعب بن سعد ،
عن أبيه قال : أصبت سيفا قال : فأتى به رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا
رسول الله ، نفلنيه! فقال : ضعه! ثم قام فقال : يا رسول الله ، نفلنيه! قال : ضعه!
قال : ثم قام فقال : يا رسول ، الله نفلنيه! أجعل كمن لا غَنَاء له ؟ فقال النبي
صلى الله عليه وسلم : ضعه من حيث أخذته! فنزلت هذه الآية : يسئلونك عن الأنفال قل
الأنفال لله والرسول . (1)
15663 - حدثنا أحمد بن إسحاق قال ، حدثنا أبو أحمد قال ، حدثنا إسرائيل ، عن سماك
، عن مصعب بن سعد ، عن سعد قال : أخذت سيفًا من المغنم فقلت : يا رسول الله ، هب
لي هذا! فنزلت : " يسئلونك عن الأنفال " . (2)
15664 - حدثني الحارث قال ، حدثنا عبد العزيز قال ، حدثنا إسرائيل ، عن إبراهيم بن
مهاجر ، عن مجاهد في قوله : " يسئلونك عن الأنفال " ، قال : قال سعد :
كنت أخذت سيفَ سعيد بن العاص بن أمية ، فأتيت رسول الله
__________
(1) الأثر : 15662 - طريق أخرى لخبر سعد بن أبي وقاص ، كما بينه في رقم : 15656.
وهو خبر صحيح الإسناد ، من طريق سماك بن حرب ، عن مصعب بن سعد .
وبهذا الإسناد رواه أحمد في المسند رقم : 1567 ، 1614 في خبر طويل ، مضى بعضه في
شأن تحريم الخمر برقم : 12518 ، من تفسير الطبري . ورواه أبو داود الطيالسي في
مسنده ص : 28 رقم : 208 . ورواه مسلم في صحيحه 12 : 53 ، 54 ، ورواه البيهقي في
السنن الكبرى 6 : 291 ، وخرجه ابن كثير في تفسيره 4 : 5 . ورواه أبو جعفر النحاس
في الناسخ والمنسوخ : 150 ، من طريق زهير بن معاوية عن سماك بن حرب ، بغير هذا
اللفظ .
(2) الأثر : 15663 - مختصر الذي قبله .
(13/376)
صلى الله عليه وسلم ، فقلت :
أعطني هذا السيف يا رسول الله! فسكت ، فنزلت : " يسئلونك عن الأنفال " ،
إلى قوله : " إن كنتم مؤمنين " ، قال : فأعطانيه رسول الله صلى الله
عليه وسلم . (1)
* * *
وقال آخرون : بل نزلت : لأن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم سألوا قسمة
الغنيمة بينهم يوم بدر ، فأعلمهم الله أنّ ذلك لله ولرسوله دونهم ، ليس لهم فيه
شيء. وقالوا : معنى " عن " في هذا الموضع " من " ، (2) وإنما
معنى الكلام : يسألونك من الأنفال. وقالوا : قد كان ابن مسعود يقرؤه : "
يَسْأَلُونَكَ الأنْفَالَ " على هذا التأويل.
* ذكر من قال ذلك :
__________
(1) الأثر : 15664 - " إسرائيل " ، هو " إسرائيل بن يونس بن أبي
إسحاق السبيعي " مضى مرارًا كثيرة .
و " إبراهيم بن المهاجر بن جابر البجلي " ، ثقة ، متكلم فيه ، مضى برقم
: 1291 في نحو هذا الإسناد .
و " مجاهد " هو " مجاهد بن جبر المكي المخزومي " ، الإمام
الثقة ، روى عن سعد بن أبي وقاص وغيره من الصحابة .
فهذا خبر صحيح الإسناد من إسرائيل ، إلى مجاهد .
أما " الحارث " ، فهو " الحارث بن أبي أسامة " ، وهو ثقة ،
مضى برقم : 10295 ، وغيره .
وأما " عبد العزيز " ، فهو " عبد العزيز بن أبان الأموي " ،
من ولد " سعيد بن العاص ابن أمية " ، وهو كذاب خبيث يضع الأحاديث . مضى
برقم : 10295 ، وغيره ، راجع فهارس الرجال .
فمن هذا ضعف إسناده ، حتى أجد له رواية عن غير الكذاب ، كما قاله أهل الجرح
والتعديل . هذا ، وقد جاء في هذا الخبر ذكر " سعيد بن العاص بن أمية " ،
مبينًا ، وكنت قلت في التعليق على رقم : 15659 أن " سعيد بن العاص بن أمية
" مات مشركًا قبل يوم بدر ، فلذلك لم يصح عندنا قوله في ذلك الخبر "
قتلت سعيد بن العاص " . أما في هذا الخبر ، فإنه مستقيم ، لأنه قال : "
أخذت سيف سعيد بن العاص " ، فسيفه بلا ريب كان مشهورًا معروفًا عند سعد بن
أبي وقاص ، وكان عند ولده المقتول ببدر " العاص بن سعيد بن العاص " ،
وظاهر أنه كان معه يقاتل به يوم بدر فقتل وهو معه ، فأخذه سعد بن أبي وقاص . ومع
ذلك يظل أمر الاختلاف في قتل " العاص ابن سعيد بن العاص " قائمًا كما هو
، أقتله على بن أبي طالب ، كما قال أصحاب السير والمغازي ، أم قتله سعد بن أبي
وقاص ، كما دل عليه الخبر الصحيح عنه . راجع التعليق على رقم : 15659 . وانظر
الروض الأنف 2 : 102 ، 103 وذكر هذا الاختلاف .
(2) انظر " عن " بمعنى " من " فيما سلف 1 : 446 ، تعليق : 6 .
(13/377)
15665 - حدثنا ابن بشار قال ،
حدثنا مؤمل قال ، حدثنا سفيان ، عن الأعمش قال : كان أصحاب عبد الله يقرأونها :
" يَسْأَلُونَكَ الأنْفَالَ " .
15666 - حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا المحاربي ، عن جويبر ، عن الضحاك قال : هي في
قراءة ابن مسعود " يَسْأَلُونَكَ الأنْفَالَ " .
* * *
* ذكر من قال ذلك :
15667 - حدثني المثنى قال ، حدثنا أبو صالح قال ، حدثني معاوية ، عن علي ، عن ابن
عباس قوله : " يسألونك عن الأنفال قل الأنفال لله والرسول " ، قال :
" الأنفال " ، المغانم كانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم خالصة ، ليس
لأحد منها شيء ، ما أصاب سرايا المسلمين من شيء أتوه به ، فمن حبس منه إبرة أو
سِلْكًا فهو غُلول. (1) فسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعطيهم منها ، قال
الله : يسألونك عن الأنفال ، قل : الأنفال لي جعلتها لرسولي ، ليس لكم فيها شيء
" فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم وأطيعوا الله ورسوله إن كنتم مؤمنين "
، ثم أنزل الله : ( واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول ) [سورة
الأنفال : 41]. ثم قسم ذلك الخُمس لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولمن سمي في
الآية. (2)
15668 - حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثني حجاج ، عن ابن جريج : "
يسألونك عن الأنفال " ، قال : نزلت في المهاجرين والأنصار ممن شهد بدرًا. قال
: واختلفوا ، فكانوا أثلاثًا. قال : فنزلت : " يسألونك
__________
(1) في المخطوطة : " في حبسه منه " ، والصواب ما في المطبوعة ، وهو
مطابق لما في البيهقي . و " الغلول " ، هي الخيانة في المغنم ، والسرقة
من الغنيمة .
(2) الأثر : 15667 - هذا الإسناد ، سلف بيانه برقم : 1833 ، 8472 ، وأنه إسناد
منقطع ، لأن " على بن طلحة " لم يسمع من ابن عباس التفسير .
وهذا الخبر ، رواه البيهقي من هذه الطريق نفسها ، في السنن الكبرى 6 : 293 ، مطولا
.
(13/378)
عن الأنفال قل الأنفال لله
والرسول " ، وملَّكه الله رَسوله ، يقسمه كما أراه الله. (1)
15669 - حدثنا أحمد بن إسحاق قال ، حدثنا أبو أحمد قال ، حدثنا عباد بن العوام ،
عن الحجاج ، عن عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جده : أن الناس سألوا النبي صلى الله
عليه وسلم الغنائم يوم بدر ، فنزلت : " يسألونك عن الأنفال " . (2)
15670 - . . . . قال : حدثنا عباد بن العوّام ، عن جويبر ، عن الضحاك : "
يسئلونك عن الأنفال " ، قال : يسألونك أن تنفِّلهم.
15671 - حدثنا بشر بن معاذ قال ، حدثنا حماد بن زيد قال ، حدثنا أيوب ، عن عكرمة
في قوله : " يسألونك عن الأنفال " ، قال : يسألونك الأنفال.
* * *
قال أبو جعفر : وأولى الأقوال في ذلك بالصواب أن يقال : إن الله تعالى أخبرَ في
هذه الآية عن قوم سألوا رَسول الله صلى الله عليه وسلم الأنفال أن يُعطيهموها ،
فأخبرهم الله أنها لله ، وأنه جعلها لرسوله.
وإذا كان ذلك معناه ، جاز أن يكون نزولها كان من أجل اختلاف أصحاب رسول الله صلى
الله عليه وسلم فيها وجائز أن يكون كان من أجل مسألة من سأله
__________
(1) في المطبوعة : " فقسمه " ، وأثبت ما في المخطوطة .
(2) الأثر : 15669 - " عباد بن العوام الواسطي " ، ثقة ، من شيوخ أحمد .
مضى برقم : 5433 .
و " الحجاج " هو " الحجاج بن أرطاة النخعي " ، مضى برقم :
3299 ، 3960 ، 4246 ، 9631 ، 10138 ، وهو ثقة ، إلا أنه كان يدلس عن " عمرو
بن شعيب " ، و قال محمد بن نصر : " الغالب على حديثه الإرسال والتدليس
وتغيير الألفاظ " ، واشترطوا في حديثه التصريح بالسماع ، وهذا مما لم يصرح
فيه السماع .
فهذا خبر ضعيف ، لهذه العلة .
و " عمرو بن شعيب بن محمد بن عبد الله بن عمرو بن العاص " ، أنكروا عليه
كثرة روايته عن أبيه ، عن جده عبد الله بن عمرو ، قال أبو زرعة : " إنما سمع
أحاديث يسيرة ، وأخذ صحيفة كانت عنده فرواها " ، وهو ثقة في نفسه ، وأحاديثه
" عن أبيه عن جده " ، محتملة ، ولكنهم لم يدخلوها في صحاح ما خرجوا .
(13/379)
السيف الذي ذكرنا عن سعد أنه
سأله إياه وجائز أن يكون من أجل مسألة من سأله قسم ذلك بين الجيش.
* * *
واختلفوا فيها : أمنسوخة هي أم غير منسوخة ؟
فقال بعضهم : هي منسوخة. وقالوا : نسخها قوله : ( وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ
مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ ) الآية [سورة الأنفال : 41]
، .
* ذكر من قال ذلك :
15672 - حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا أبي ، عن جابر ، عن مجاهد وعكرمة قالا كانت
الأنفال لله وللرسول ، فنسختها : ( وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ
فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ )
15673 - حدثني محمد بن الحسين قال ، حدثنا أحمد بن المفضل قال ، حدثنا أسباط ، عن
السدي : " يسئلونك عن الأنفال " ، قال : أصاب سعد بن أبي وقاص يوم بدر
سيفًا ، فاختصم فيه وناسٌ معه ، فسألوا النبي صلى الله عليه وسلم ، فأخذه النبي
صلى الله عليه وسلم منهم ، فقال الله : " يسألونك عن الأنفال قل الأنفال لله
والرسول " ، الآية ، فكانت الغنائم يومئذ للنبي صلى الله عليه وسلم خاصة ،
فنسخها الله بالخُمس.
15674 - حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثني حجاج ، عن ابن جريج قال ،
أخبرني سليم مولى أم محمد ، عن مجاهد في قوله : " يسئلونك عن الأنفال "
، قال : نسختها : ( وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ
خُمُسَهُ ). (1)
__________
(1) الأثر : 15674 - " سليم مولى أم محمد " ، لم أجده ، والذي يروي عن
مجاهد ، ويروي عنه ابن جربج ، فهو " سليم ، أبو عبيد الله مولى أم علي "
، مضى برقم : 4305 ، وهو مترجم في التهذيب ، والكبير 2 \ 2 \ 127 ، وابن أبي حاتم
2 \ 1 \ 213 ، وهو من كبار أصحاب مجاهد ، ذكره ابن حبان في الثقات .
(13/380)
15675 - حدثنا أحمد بن إسحاق
قال ، حدثنا أبو أحمد قال ، حدثنا شريك ، عن جابر ، عن مجاهد وعكرمة أو : عكرمة
وعامر قالا نسخت الأنفال : ( وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ
لِلَّهِ خُمُسَهُ ).
* * *
وقال آخرون : هي محكمة ، وليست منسوخة. وإنما معنى ذلك : " قل الأنفال لله
" ، وهي لا شك لله مع الدنيا بما فيها والآخرة وللرسول ، يضعها في مواضعها
التي أمره الله بوضعها فيه.
* ذكر من قال ذلك :
15676 - حدثني يونس قال ، أخبرنا ابن وهب قال ، قال ابن زيد في قوله : "
يسألونك عن الأنفال " ، فقرأ حتى بلغ : " إن كنتم مؤمنين " ،
فسلَّموا لله ولرسوله يحكمان فيها بما شاءا ، ويضعانها حيث أرادا ، فقالوا : نعم!
ثم جاء بعد الأربعين : ( وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ
لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ ) الآية [سورة الأنفال : 41] ، ولكم أربعة أخماس.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم يوم خيبر : " وهذا الخمس مردود على فقرائكم
" ، يصنع الله ورسوله في ذلك الخمس ما أحبَّا ، ويضعانه حيث أحبَّا ، ثم
أخبرنا الله بالذي يجب من ذلك. ثم قرأ الآية : ( وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى
وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الأغْنِيَاءِ
مِنْكُمْ ) [سورة الحشر : 7] .
* * *
قال أبو جعفر : والصواب من القول في ذلك أن يقال : إن الله جل ثناؤه أخبر أنه جعل
الأنفال لنبيه صلى الله عليه وسلم ، يُنفِّل من شاء ، فنفّل القاتل السَّلَب ،
وجعل للجيش في البَدْأة الربع ، وفي الرجعة الثلث بعد الخمس. (1) ونفَّل
__________
(1) " البدأة " ، ابتداء سفر الغزو ، " الرجعة " القفول منه .
وكان إذا نهضت سرية من جملة العسكر المقبل على العدو ، فأوقعت بطانته من العدو ،
فما غنموا كان لهم الربع ، ويشركهم سائر العسكر في ثلاثة أرباع ما غنموا . وإذا
فعلت ذلك عند عود العسكر ، كان لهم من جميع ما غنموا الثلث ، لأن الكرة الثانية
أشق عليهم ، والخطر فيها أعظم . وذلك لقوة الظهر عند دخولهم ، وضعفه عند خروجهم .
وهم في الأول أنشط وأشهي للسير والإمعان في بلاد العدو ، وهم عند القفول أضعف
وأفتر وأشهي للرجوع إلى أوطانهم ، فزادهم لذلك .
(13/381)
قومًا بعد سُهْمَانهم بعيرًا
بعيرًا في بعض المغازي. فجعل الله تعالى ذكره حكم الأنفال إلى نبيه صلى الله عليه
وسلم ، ينفِّل على ما يرى مما فيه صلاحُ المسلمين ، وعلى من بعده من الأئمة أن
يستَنّوا بسُنته في ذلك.
وليس في الآية دليل على أن حكمها منسوخ ، لاحتمالها ما ذكرتُ من المعنى الذي وصفت.
وغير جائز أن يحكم بحكم قد نزل به القرآن أنه منسوخ ، إلا بحجة يجب التسليم لها ،
فقد دللنا في غير موضع من كتبنا على أن لا منسوخ إلا ما أبطل حكمه حادثُ حكمٍ
بخلافه ، ينفيه من كل معانيه ، أو يأتي خبرٌ يوجب الحجةَ أن أحدهما ناسخٌ الآخرَ.
(1)
* * *
وقد ذكر عن سعيد بن المسيب : أنه كان ينكر أن يكون التنفيل لأحد بعد رسول الله صلى
الله عليه وسلم ، تأويلا منه لقول الله تعالى : " قل الأنفال لله والرسول
" .
15677 - حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا عبدة بن سليمان ، عن محمد بن عمرو قال : أرسل
سعيد بن المسيب غلامه إلى قوم سألوه عن شيء ، فقال : إنكم أرسلتم إلي تسألوني عن
الأنفال ، فلا نَفَل بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم .
* * *
وقد بينا أن للأئمة أن يتأسَّوْا برسول الله صلى الله عليه وسلم في مغازيهم بفعله
، فينفِّلوا على نحو ما كان ينفل ، إذا كان التنفيل صلاحًا للمسلمين.
* * *
__________
(1) انظر مقالة أبي جعفر في " النسخ " فيما سلف في فهارس الموضوعات ،
وفهارس النحو والعربية وغيرهما .
(13/382)
القول في تأويل قوله : {
فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللَّهَ
وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (1) }
قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره : فخافوا الله أيها القوم ، واتقوه بطاعته واجتناب
معاصيه ، وأصلحوا الحال بينكم.
* * *
واختلف أهل التأويل في الذي عنى بقوله : " وأصلحوا ذات بينكم " .
فقال بعضهم : هو أمر من الله الذين غنموا الغنيمة يوم بدر ، وشهدوا الوقعة مع رسول
الله صلى الله عليه وسلم إذ اختلفوا في الغنيمة : أن يردَّ ما أصابوا منها بعضُهم
على بعض. (1)
* ذكر من قال ذلك :
15678 - حدثنا بشر بن معاذ قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد ، عن قتادة : "
فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم " ، قال : كان نبي الله ينفِّل الرجل من
المؤمنين سَلَب الرجل من الكفار إذا قتله ، ثم أنزل الله : " فاتقوا الله
وأصلحوا ذات بينكم " ، أمرهم أن يردَّ بعضهم على بعض.
15679 - حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثني حجاج ، عن ابن جريج قال :
بلغني أن النبي صلى الله عليه وسلم كان ينفّل الرجل على قدر جِدّه وغَنَائه على ما
رأى ، حتى إذا كان يوم بدر ، وملأ الناسُ أيديهم غنائم ، قال أهل الضعف من الناس :
ذهب أهل القوة بالغنائم! فذكروا ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم ، فنزلت : " قل
الأنفال لله والرسول فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم " ، ليردَّ أهل القوة على
أهل الضعف.
* * *
__________
(1) في المطبوعة : " أن يردوا " بالجمع ، وأثبت ما في المخطوطة ، وهو
الصواب .
(13/383)
وقال آخرون : هذا تحريج من
الله على القوم ، ونهيٌ لهم عن الاختلاف فيما اختلفوا فيه من أمر الغنيمة وغيره.
* ذكر من قال ذلك :
15680 - حدثني محمد بن عمارة قال ، حدثنا خالد بن يزيد وحدثنا أحمد بن إسحاق قال :
حدثنا أبو أحمد قالا حدثنا أبو إسرائيل ، عن فضيل ، عن مجاهد ، في قول الله :
" فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم " ، قال : حَرَّج عليهم.
15681 - حدثني الحارث قال ، حدثنا القاسم قال ، حدثنا عباد بن العوام ، عن سفيان
بن حسين ، عن مجاهد ، عن ابن عباس : " فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم "
، قال هذا تحريجٌ من الله على المؤمنين ، أن يتقوا ويصلحوا ذات بينهم قال عباد ،
قال سفيان : هذا حين اختلفوا في الغنائم يوم بدر.
15682 - حدثني محمد بن الحسين قال ، حدثنا أحمد بن المفضل قال ، حدثنا أسباط ، عن
السدي : " فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم " ، أي لا تَسْتَبُّوا.
* * *
واختلف أهل العربية في وجه تأنيث " البين " .
فقال بعض نحويي البصرة : أضاف " ذات " إلى " البين " وجعله
" ذاتًا " ، لأن بعضَ الأشياء يوضع عليه اسم مؤنث ، وبعضًا يذكر نحو
" الدار " و " الحائط " ، أنث " الدار " وذكر
" الحائط " .
* * *
وقال بعضهم : إنما أراد بقوله : " ذات بينكم " ، الحال التي للبين ،
فقال : وكذلك " ذات العشاء " ، يريد الساعة التي فيها العشاء ، قال :
ولم يضعوا مذكرًا لمؤنث ، ولا مؤنثًا لمذكر ، إلا لمعنى.
* * *
قال أبو جعفر : هذا القول أولى القولين بالصواب ، للعلة التي ذكرتها له.
* * *
(13/384)
إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آَيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (2)
وأما قوله : " وأطيعوا
الله ورسوله " ، فإن معناه : وانتهوا أيها القوم الطالبون الأنفال ، إلى أمر
الله وأمر رسوله فيما أفاء الله عليكم ، فقد بين لكم وجوهه وسبله " إن كنتم
مؤمنين " ، يقول : إن كنتم مصدقين رسول الله فيما آتاكم به من عند ربكم ، كما
: -
15683 - حدثني يونس قال ، أخبرنا ابن وهب قال ، قال ابن زيد : " فاتقوا الله
وأصلحوا ذات بينكم وأطيعوا الله ورسوله إن كنتم مؤمنين " ، فسلموا لله
ولرسوله ، يحكمان فيها بما شاءا ، ويضعانها حيث أرادا.
* * *
القول في تأويل قوله : { إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ
وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا
وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (2) }
قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره : ليس المؤمن بالذي يخالف الله ورسوله ، ويترك
اتباعَ ما أنزله إليه في كتابه من حدوده وفرائضه ، والانقياد لحكمه ، ولكن المؤمن
هو الذي إذا ذكر الله وَجِل قلبه ، وانقاد لأمره ، وخضع لذكره ، خوفًا منه ،
وفَرَقًا من عقابه ، وإذا قرئت عليه آيات كتابه صدّق بها ، (1) وأيقن أنها من عند
الله ، فازداد بتصديقه بذلك ، إلى تصديقه بما كان قد بلغه منه قبل ذلك ، تصديقًا.
وذلك هو زيادة ما تلى عليهم من آيات الله إيَّاهم إيمانًا (2) " وعلى ربهم
يتوكلون " ، يقول : وبالله يوقنون ، في أن قضاءه فيهم ماضٍ ، فلا يرجون غيره
، ولا يرهبون سواه. (3)
* * *
__________
(1) انظر تفسير " التلاوة " فيما سلف ص : 252 ، تعليق 2 ، والمراجع هناك
.
(2) انظر تفسير " زيادة الإيمان " فيما سلف 7 : 405 .
(3) انظر تفسير " الوكيل " فيما سلف 12 : 563 ، تعليق : 1 ، والمراجع
هناك .
(13/385)
وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل
التأويل.
* ذكر من قال ذلك :
15684 - حدثني المثنى قال ، حدثنا أبو صالح قال ، حدثني معاوية ، عن علي ، عن ابن
عباس قوله : " إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم " ، قال :
المنافقون ، لا يدخل قلوبهم شيء من ذكر الله عند أداء فرائضه ، ولا يؤمنون بشيء من
آيات الله ، ولا يتوكلون على الله ، ولا يصلّون إذا غابوا ، ولا يؤدُّون زكاة
أموالهم. فأخبر الله سبحانه أنهم ليسوا بمؤمنين ، ثم وصف المؤمنين فقال : "
إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم " ، فأدوا فرائضه " وإذا
تليت عليهم آياته زادتهم إيمانًا " ، يقول : تصديقًا " وعلى ربهم يتوكلون
" ، يقول : لا يرجون غيره.
15685 - حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا عبد الله ، عن ابن جريج ، عن عبد الله بن كثير
، عن مجاهد : " الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم " ، قال : فَرِقت.
15686 - . . . . قال ، حدثنا أبي ، عن سفيان ، عن السدي : " الذين إذا ذكر
الله وجلت قلوبهم " ، قال : إذا ذكر الله عند الشيء وجِلَ قلبه.
15687 - حدثني محمد بن الحسين قال ، حدثنا أحمد بن المفضل قال ، حدثنا أسباط ، عن
السدي : " إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم " ، يقول : إذا
ذكر الله وَجِل قلبه.
15688 - حدثني محمد بن عمرو قال ، حدثنا أبو عاصم قال ، حدثنا عيسى ، عن ابن أبي
نجيح ، عن مجاهد في قول الله : " وجلت قلوبهم " ، قال : فرقت.
15689 - حدثني المثنى قال ، حدثنا أبو حذيفة قال ، حدثنا شبل ، عن
(13/386)
ابن أبي نجيح ، عن مجاهد :
" وجلت قلوبهم " ، فرقت.
15690 - . . . . قال ، حدثنا سويد قال ، أخبرنا ابن المبارك ، عن سفيان قال : سمعت
السدي يقول في قوله : " إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم "
، قال : هو الرجل يريد أن يظلم أو قال : يهمّ بمعصية أحسبه قال : فينزع عنه.
15691 - حدثني الحارث قال ، حدثنا عبد العزيز قال ، حدثنا سفيان الثوري ، عن عبد
الله بن عثمان بن خثيم ، عن شهر بن حوشب ، عن أبي الدرداء في قوله : " إنما
المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم " ، قال : الوجل في القلب كإحراق
السَّعَفة ، (1) أما تجد له قشعريرة ؟ قال : بلى! قال : إذا وجدت ذلك في القلب
فادع الله ، فإن الدعاء يذهب بذلك.
15692 - حدثنا بشر قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد ، عن قتادة قوله : "
إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم " ، قال : فرقًا من الله تبارك
وتعالى ، ووَجلا من الله ، وخوفًا من الله تبارك وتعالى.
* * *
وأما قوله : " زادتهم إيمانًا " ، فقد ذكرت قول ابن عباس فيه. (2)
* * *
وقال غيره فيه ، ما : -
15693 - حدثني المثنى قال ، حدثنا إسحاق قال ، حدثنا عبد الله بن أبي جعفر ، عن
أبيه ، عن الربيع : " وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانًا " ، قال :
خشية.
15694 - حدثنا بشر قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد ، عن قتادة : " وإذا
تليت عليهم آياته زادتهم إيمانًا وعلى ربهم يتوكلون " ، قال : هذا نعت أهل
الإيمان ، فأثبت نَعْتهم ، ووصفهم فأثبت صِفَتهم.
* * *
__________
(1) " السعفة " ( بفتحتين ) ورق جريد النخل إذا يبس .
(2) يعني رقم : 15684 .
(13/387)
الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (3)
القول في تأويل قوله : {
الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (3) أُولَئِكَ
هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا }
قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره : الذين يؤدون الصلاة المفروضة بحدودها ، وينفقون مما
رزقهم الله من الأموال فيما أمرهم الله أن ينفقوها فيه ، من زكاة وجهاد وحج وعمرة
ونفقةٍ على من تجب عليهم نفقته ، فيؤدُّون حقوقهم " أولئك " ، يقول :
هؤلاء الذين يفعلون هذه الأفعال (1) " هم المؤمنون " ، لا الذين يقولون
بألسنتهم : " قد آمنا " وقلوبهم منطوية على خلافه نفاقًا ، لا يقيمون
صلاة ولا يؤدُّون زكاة.
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك :
15695 - حدثني المثنى قال ، حدثنا أبو صالح قال ، حدثني معاوية بن صالح ، عن علي ،
عن ابن عباس : " الذين يقيمون الصلاة " ، يقول : الصلوات الخمس "
ومما رزقناهم ينفقون " ، يقول : زكاة أموالهم (2) " أولئك هم المؤمنون
حقًّا " ، يقول : برئوا من الكفر. ثم وصف الله النفاق وأهله فقال : ( إِنَّ
الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ
اللَّهِ وَرُسُلِهِ ) : إلى قوله : ( أُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا ) [سورة
النساء : 150 - 151] فجعل الله المؤمن مؤمنًا حقًّا ، وجعل الكافر كافرًا حقًّا ،
وهو قوله : ( هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كَافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ )
[سورة التغابن : 2] .
__________
(1) انظر تفسير : " إقامة الصلاة " ، و " الرزق " ، و "
النفقة " فيما سلف من فهارس اللغة ( قوم ) ، ( رزق ) ، ( نفق ) .
(2) انظر تفسير " حقا " فيما سلف من فهارس اللغة ( حقق ) .
(13/388)
أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (4)
15696 - حدثنا بشر قال ، حدثنا
يزيد قال ، حدثنا سعيد ، عن قتادة : " أولئك هم المؤمنون حقًّا " ، قال
: استحقُّوا الإيمان بحق ، فأحقه الله لهم.
* * *
القول في تأويل قوله : { لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ
كَرِيمٌ (4) }
قال أبو جعفر : يعني جل ثناؤه بقوله : " لهم درجات " ، لهؤلاء المؤمنين
الذين وصف جل ثناؤه صفتهم " درجات " ، وهي مراتب رفيعة. (1)
* * *
ثم اختلف أهل التأويل في هذه " الدرجات " التي ذكر الله أنها لهم عنده ،
ما هي ؟
فقال بعضهم : هي أعمال رفيعة ، وفضائل قدّموها في أيام حياتهم.
* ذكر من قال ذلك :
15697 - حدثني أحمد بن إسحاق قال ، حدثنا أبو أحمد قال ، حدثنا إسرائيل ، عن أبي
يحيى القتات ، عن مجاهد : " لهم درجات عند ربهم " ، قال : أعمال رفيعة.
(2)
* * *
وقال آخرون : بل ذلك مراتب في الجنة.
* ذكر من قال ذلك :
15698 - حدثنا أحمد بن إسحاق قال ، حدثنا أبو أحمد قال ، حدثنا
__________
(1) انظر تفسير " الدرجة " فيما سلف 12 : 289 ، تعليق : 1 ، والمراجع
هناك .
(2) الأثر : 15697 - " أبو يحيى القتات " ، ضعيف ، مضى برقم : 12139 .
(13/389)
سفيان ، عن هشام عن جبلة ، عن
عطية ، عن ابن محيريز : " لهم درجات عند ربهم " ، قال : الدرجات سبعون
درجة ، كل درجة حُضْر الفرس الجواد المضمَّر سبعين سنة. (1)
* * *
وقوله : " ومغفرة " ، يقول : وعفو عن ذنوبهم ، وتغطية عليها (2) "
ورزق كريم " ، قيل : الجنة وهو عندي : ما أعد الله في الجنة لهم من مزيد
المآكل والمشارب وهنيء العيش. (3)
15699 - حدثني المثنى قال ، حدثنا إسحاق ، عن هشام ، عن عمرو ، عن سعيد ، عن قتادة
: " ومغفرة " ، قال : لذنوبهم " ورزق كريم " ، قال : الجنة.
* * *
__________
(1) الأثر : 15698 - " سفيان " هو ، الثوري .
و " هشام " هو : " هشام بن حسان القردوسي " ، مضى برقم : 2827
، 7287 ، 9837 ، 10258.
و " جبلة " هو " جبلة بن سحيم التيمي " ، مضى برقم : 3003 ،
10258 ، زكان في المطبوعة والمخطوطة : " هشام بن جبلة " ، وهو خطأ صرف .
وأما " عطية " ، فلا أعرف من يكون ، وأنا في شك منه .
و " ابن محيريز " ، هو : " عبد الله بن محيريز الجمحي " ، مضى
برقم : 8720 ، 10258 .
وهذا الخبر ، روى مثله في تفسير غير هذه الآية ، فيما سلف برقم : 10258 قال :
" حدثنا علي بن الحسين الأزدي ، قال حدثنا الأشجعي ، عن سفيان ، عن هشام بن
حسان ، عن جبلة ابن سحيم ، عن ابن محيريز " ، ليس فيه " ابن عطية "
هذا الذي هنا .
و " الحضر " ( بضم فسكون ) ، ارتفاع الفرس في عدوه .
و " المضمر " ، هو الذي أعد للسباق والركض .
(2) انظر تفسير " المغفرة " فيما سلف من فهارس اللغة ( غفر ) .
(3) انظر تفسير " كريم " فيما سلف 8 : 259 .
(13/390)
كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ (5) يُجَادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَمَا تَبَيَّنَ كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنْظُرُونَ (6)
القول في تأويل قوله : { كَمَا
أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنَ
الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ (5) يُجَادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَمَا تَبَيَّنَ
كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنْظُرُونَ (6) }
قال أبو جعفر : اختلف أهل التأويل في الجالب لهذه " الكاف " التي في
قوله : " كما أخرجك " ، وما الذي شُبِّه بإخراج الله نبيه صلى الله عليه
وسلم من بيته بالحق.
فقال بعضهم : شُبِّه به في الصلاح للمؤمنين ، اتقاؤهم ربهم ، وإصلاحهم ذات بينهم ،
وطاعتهم الله ورسوله. وقالوا : معنى ذلك : يقول الله : وأصلحوا ذات بينكم ، فإن
ذلك خير لكم ، كما أخرج الله محمدًا صلى الله عليه وسلم من بيته بالحقّ ، فكان
خيرًا له. (1)
* ذكر من قال ذلك :
15700 - حدثنا محمد بن المثنى قال ، حدثنا عبد الوهاب قال ، حدثنا داود ، عن عكرمة
: " فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم وأطيعوا الله ورسوله إن كنتم مؤمنين . كما
أخرجك ربك من بيتك بالحق " ، الآية ، أي : إن هذا خيرٌ لكم ، كما كان إخراجك
من بيتك بالحق خيرًا لك.
* * *
وقال آخرون : معنى ذلك : كما أخرجك ربك ، يا محمد ، من بيتك بالحق على كره من فريق
من المؤمنين ، كذلك هم يكرهون القتال ، فهم يجادلونك فيه بعد ما تبين لهم.
* ذكر من قال ذلك :
15701 - حدثني محمد بن عمرو قال ، حدثنا أبو عاصم قال ، حدثنا
__________
(1) في المطبوعة ، والمخطوطة : " كان خيرًا له " ، بغير فاء ، والصواب
ما أثبت ، وهي في المخطوطة سيئة الكتابة .
(13/391)
عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن
مجاهد : " كما أخرجك ربك من بيتك بالحق " ، قال : كذلك يجادلونك في
الحق.
15702 - حدثني المثنى قال ، حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح
، عن مجاهد : " كما أخرجك ربك من بيتك بالحق " ، كذلك يجادلونك في
الحقِّ ، القتالِ.
15703 - . . . . قال : حدثنا إسحاق قال ، حدثنا عبد الله بن أبي جعفر ، عن ورقاء ،
عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قوله : " كما أخرجك ربك من بيتك بالحق "
، قال : كذلك أخرجك ربك. (1)
15704 - حدثنا محمد بن الحسين قال ، حدثنا أحمد بن المفضل قال ، حدثنا أسباط ، عن
السدي قال : أنزل الله في خروجه يعني خروج النبي صلى الله عليه وسلم إلى بدر ،
ومجادلتهم إياه فقال : " كما أخرجك ربك من بيتك بالحق وإن فريقًا من المؤمنين
لكارهون " ، لطلب المشركين ، " يجادلونك في الحق بعد ما تبين " .
* * *
واختلف أهل العربية في ذلك.
فقال بعض نحويي الكوفيين : ذلك أمر من الله لرسوله صلى الله عليه وسلم أن يمضي
لأمره في الغنائم ، على كره من أصحابه ، كما مضى لأمره في خروجه من بيته لطلب
العِير وهم كارهون. (2)
* * *
وقال آخرون منهم : معنى ذلك : يسألونك عن الأنفال مجادلةً ، كما جادلوك يوم بدر
فقالوا : " أخرجتنا للعِير ، ولم تعلمنا قتالا فنستعدَّ له " .
__________
(1) هكذا في المخطوطة والمطبوعة ، ولعل الصواب : " قال : كذلك يجادلونك
" ، وهو ما تدل عليه الآثار السالفة عن مجاهد .
(2) انظر معاني القرآن للفراء 1 : 403
(13/392)
وقال بعض نحويي البصرة ، يجوز
أن يكون هذا " الكاف " في(كما أخرجك) ، على قوله : (أولئك هم المؤمنون
حقًّا) ، (كما أخرجك ربك من بيتك بالحق). وقال : " الكاف " بمعنى "
على " . (1)
* * *
وقال آخرون منهم (2) هي بمعنى القسم. قال : ومعنى الكلام : والذي أخرجك ربّك. (3)
* * *
قال أبو جعفر : وأولى هذه الأقوال عندي بالصواب ، قولُ من قال في ذلك بقول مجاهد ،
وقال : معناه : كما أخرجك ربك بالحقّ على كره من فريق من المؤمنين ، كذلك يجادلونك
في الحق بعد ما تبين لأن كلا الأمرين قد كان ، أعني خروج بعض من خرج من المدينة
كارهًا ، وجدالهم في لقاء العدو وعند دنوِّ القوم بعضهم من بعض ، فتشبيه بعض ذلك ببعض
، مع قرب أحدهما من الآخر ، أولى من تشبيهه بما بَعُد عنه.
* * *
وقال مجاهد في " الحق " الذي ذكر أنهم يجادلون فيه النبيّ صلى الله عليه
وسلم بعد ما تبينوه : هو القتال.
15705 - حدثني محمد بن عمرو قال ، حدثنا أبو عاصم قال ، حدثنا عيسى ، عن ابن أبي
نجيح ، عن مجاهد : (يجادلونك في الحق) ، قال : القتال.
15706 - حدثني المثنى قال ، حدثنا أبو حذيفة ، قال ، حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح
، عن مجاهد ، مثله.
__________
(1) في المطبوعة : " وقيل : الكاف ... " ، كأنه قول آخر ، والصواب ما في
المخطوطة . ولعل قائل هذا هو الأخفش ، لأنه الذي قال : " الكاف بمعنى : على
" ، وزعم أن من كلام العرب إذا قيل لأحدهم : " كيف أصبحت " ، أن
يقول : " كخير " ، والمعنى : على خير .
وانظر تفسير " كما " فيما سلف 3 : 209 ، في قوله تعالى : " كما
أرسلنا فيكم رسولا " [ سورة البقرة : 151 ] .
(2) في المطبوعة : " وقال آخرون " ، جمعًا ، وأثبت ما في المخطوطة ، وهو
الصواب ، وقائل ذلك هو أبو عبيدة معمر بن المثنى .
(3) انظر مجاز القرآن لأبي عبيدة 1 : 240 ، 241 .
(13/393)
15707 - حدثنا إسحاق قال ،
حدثنا عبد الله ، عن ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله.
* * *
وأما قوله : (من بيتك) ، فإن بعضهم قال : معناه : من المدينة.
* ذكر من قال ذلك :
15708 - حدثني المثنى قال ، حدثنا أبو حذيفة ، قال ، حدثنا شبل ، عن ابن أبي بزة :
(كما أخرجك ربك من بيتك) ، المدينة ، إلى بدر.
15709 - حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثني حجاج ، عن ابن جريج قال ،
أخبرني محمد بن عباد بن جعفر في قوله : (كما أخرجك ربك من بيتك بالحق) ، قال : من
المدينة إلى بدر.
* * *
وأما قوله : (وإن فريقًا من المؤمنين لكارهون) ، فإن كراهتهم كانت ، كما : -
15710 - حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق قال ، حدثني محمد بن مسلم
الزهري ، وعاصم بن عمر بن قتادة ، وعبد الله بن أبي بكر ، ويزيد بن رومان ، عن
عروة بن الزبير وغيرهم من علمائنا ، عن عبد الله بن عباس ، قالوا : لما سمع رَسول
الله صلى الله عليه وسلم بأبي سفيان مقبلا من الشأم ، ندب إليهم المسلمين ، (1)
وقال : هذه عير قريش فيها أموالهم ، (2) فاخرجوا إليها ، لعل الله أن ينفِّلكموها!
فانتدب الناس ، فخفّ بعضهم وثقُل بعضهم ، وذلك أنهم لم يظنوا أن رسول الله صلى
الله عليه وسلم يلقى حربًا. (3)
15711 - حدثني محمد بن الحسين قال ، حدثنا أحمد بن المفضل قال ، حدثنا أسباط ، عن
السدي : (وإن فريقًا من المؤمنين لكارهون) ، لطلب المشركين.
* * *
__________
(1) " ندب الناس إلى حرب أو معونة ، فانتدبوا " ، أي : دعاهم فاستجابوا
وأسرعوا إليه .
(2) " العير " ، ( بكسر العين ) : القافلة ، وكل ما امتاروا عليه من أبل
وحمير وبغال . وهي قافلة تجارة قريش إلى الشام .
(3) الأثر : 15710 - سيرة ابن هشام 2 : 257 ، 258.
(13/394)
ثم اختلف أهل التأويل في الذين
عنوا بقوله : (يجادلونك في الحق بعد ما تبين).
فقال بعضهم : عُني بذلك : أهلُ الإيمان من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ،
الذين كانوا معه حين توجَّه إلى بدر للقاء المشركين.
* ذكر من قال ذلك :
15712 - حدثني محمد بن سعد قال ، حدثني أبي قال ، حدثني عمي قال ، حدثني أبي ، عن
أبيه ، عن ابن عباس قال ، لما شاور النبي صلى الله عليه وسلم في لقاء القوم ، وقال
له سعد بن عبادة ما قال ، وذلك يوم بدر ، أمرَ الناس ، فتعبَّوْا للقتال ، (1)
وأمرهم بالشوكة ، وكره ذلك أهل الإيمان ، فأنزل الله : (كما أخرجك ربك من بيتك
بالحق وإن فريقًا من المؤمنين لكارهون يجادلونك في الحق بعد ما تبين كأنما يساقون
إلى الموت وهم ينظرون) .
15713 - حدثني ابن حميد قال ، حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق قال : ثم ذكر القومَ يعني
أصحابَ رسول الله صلى الله عليه وسلم ومسيرَهم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ،
حين عرف القوم أن قريشًا قد سارت إليهم ، وأنهم إنما خرجوا يريدون العيرَ طمعًا في
الغنيمة ، فقال : (كما أخرجك ربك من بيتك بالحق) ، إلى قوله : (لكارهون) ، أي
كراهيةً للقاء القوم ، وإنكارًا لمسير قريش حين ذُكِروا لهم. (2)
* * *
وقال آخرون : عُني بذلك المشركون.
* ذكر من قال ذلك :
15714 - حدثني يونس قال ، أخبرنا ابن وهب قال ، قال ابن زيد في
__________
(1) " عبى الجيش " و " عبأة " بالهمز ، واحد . و " تعبوا
للقتال " و " تعبأوا " ، تهيأوا له .
(2) الأثر : 15713 - سيرة ابن هشام 2 : 322 ، وهو تابع الأثر السالف رقم : 15655 .
(13/395)
قوله : (يجادلونك في الحق بعد
ما تبين كأنما يساقون إلى الموت وهم ينظرون) ، قال : هؤلاء المشركون ، جادلوه في الحق
(1) " كأنما يساقون إلى الموت " ، حين يدعون إلى الإسلام(وهم ينظرون) ،
قال : وليس هذا من صفة الآخرين ، هذه صفة مبتدأة لأهل الكفر.
15715 - حدثني المثنى قال ، حدثنا إسحاق قال ، حدثنا يعقوب بن محمد قال ، حدثني
عبد العزيز بن محمد ، عن ابن أخي الزهري ، عن عمه قال : كان رجل من أصحاب رسول
الله صلى الله عليه وسلم يفسر : (كأنما يساقون إلى الموت وهم ينظرون) ، خروجَ رسول
الله صلى الله عليه وسلم إلى العِير. (2)
* * *
قال أبو جعفر : والصواب من القول في ذلك ما قاله ابن عباس وابن إسحاق ، من أن ذلك
خبرٌ من الله عن فريق من المؤمنين أنهم كرهوا لقاء العدو ، وكان جدالهم نبيَّ الله
صلى الله عليه وسلم أن قالوا : " لم يُعلمنا أنا نلقى العدو فنستعد لقتالهم ،
وإنما خرجنا للعير " . ومما يدلّ على صحته قولُه (3) ( وَإِذْ يَعِدُكُمُ
اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ
ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ ) ، ففي ذلك الدليلُ الواضح لمن فهم عن الله ،
أن القوم قد كانوا للشوكة كارهين ، وأن جدالهم كان في القتال ، كما قال مجاهد ،
كراهيةً منهم له وأنْ لا معنى لما قال ابن زيد ، لأن الذي قبل قوله : (يجادلونك في
الحق) ، خبرٌ عن أهل الإيمان ، والذي يتلوه
__________
(1) في المطبوعة : " جادلوك " ، وأثبت الصواب الجيد من المخطوطة .
(2) الأثر : 15715 - " يعقوب بن محمد الزهري " ، مضى قريبًا برقم 15654
، وهو يروي عن ابن أخي الزهري مباشرة ، ولكنه روى عنه هنا بالواسطة .
و " عبد العزيز بن محمد بن عبيد بن أبي عبيد الدراوردي " ثقة ، روى له
الجماعة ، مضى برقم : 10676 .
و " ابن أخي الزهري " ، هو " محمد بن عبد الله بن مسلم الزهري
" ، ثقة ، متكلم فيه ، روى له الجماعة . يروي عن عمه " ابن شهاب الزهري
" .
(3) في المطبوعة والمخطوطة : " على صحة قوله " ، والصواب ما أثبت .
(13/396)
خبرٌ عنهم ، فأن يكون خبرًا
عنهم ، أولى منه بأن يكون خبرًا عمن لم يجرِ له ذكرٌ.
* * *
وأما قوله : (بعد ما تبين) ، فإن أهل التأويل اختلفوا في تأويله.
فقال بعضهم : معناه : بعد ما تبين لهم أنك لا تفعل إلا ما أمرك الله.
* ذكر من قال ذلك :
15816 - حدثنا محمد بن الحسين قال ، حدثنا أحمد بن مفضل قال ، حدثنا أسباط ، عن
السدي : بعد ما تبين أنك لا تصنع إلا ما أمرك الله به.
* * *
وقال آخرون : معناه : يجادلونك في القتال بعدما أمرت به.
* ذكر من قال ذلك :
15717 - رواه الكلبي ، عن أبي صالح ، عن ابن عباس. (1)
* * *
وأما قوله : (كأنما يساقون إلى الموت وهم ينظرون) ، فإن معناه : كأن هؤلاء الذين
يجادلونك في لقاء العدوّ ، من كراهتهم للقائهم إذا دعوا إلى لقائهم للقتال ،
" يساقون إلى الموت " .
* * *
وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك :
15718 - حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا سلمة قال ، قال ابن إسحاق : (كأنما يساقون إلى
الموت وهم ينظرون) ، أي كراهةً للقاء القوم ، وإنكارًا لمسير قريش حين ذكروا لهم.
(2)
* * *
__________
(1) الأثر : 15717 - هكذا جاء في المخطوطة والمطبوعة ، لم يذكر نصًا ، وكأن صواب
العبارة : " رواه الكلبي ... " .
(2) الأثر : 15718 - سيرة بن هشام 2 : 322 ، وهو جزء من الخبر السالف رقم : 15713
.
(13/397)
وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ (7)
القول في تأويل قوله : {
وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ
أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ }
قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره : واذكروا ، أيها القوم(إذ يعدكم الله إحدى
الطائفتين) ، يعني إحدى الفرقتين ، (1) فرقة أبي سفيان بن حرب والعير ، وفرقة
المشركين الذين نَفَروا من مكة لمنع عيرهم.
* * *
وقوله : (أنها لكم) ، يقول : إن ما معهم غنيمة لكم(وتودون أنّ غير ذات الشوكة تكون
لكم) ، يقول : وتحبون أن تكون تلك الطائفة التي ليست لها شوكة يقول : ليس لها حدٌّ
، (2) ولا فيها قتال أن تكون لكم. يقول : تودُّون أن تكون لكم العيرُ التي ليس
فيها قتال لكم ، دون جماعة قريش الذين جاءوا لمنع عيرهم ، الذين في لقائهم القتالُ
والحربُ.
* * *
وأصل " الشوكة " من " الشوك " .
* * *
وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك :
15719 - حدثنا علي بن نصر ، وعبد الوارث بن عبد الصمد قالا حدثنا عبد الصمد بن عبد
الوارث قال ، حدثنا أبان العطار قال ، حدثنا هشام بن عروة ، عن عروة : أن أبا
سفيان أقبل ومن معه من رُكبان قريش مقبلين من الشأم ، (3) فسلكوا طريق الساحل.
فلما سمع بهم النبي صلى الله عليه وسلم ، ندب أصحابه ، وحدّثهم بما معهم من
الأموال ، وبقلة عددهم. فخرجوا
__________
(1) انظر تفسير " الطائفة " فيما سلف 12 : 560 ، تعليق : 3 ، والمراجع
هناك .
(2) " الحد " ( بفتح الحاء ) هو : الحدة ( بكسر الحاء ) ، والبأس الشديد
، والنكاية .
(3) " الركبان " و " الركب " ، أصحاب الإبل في السفر ، وهو
اسم جمع لا واحد له .
(13/398)
لا يريدون إلا أبا سفيان
والركب معه ، لا يرونها إلا غنيمة لهم ، لا يظنون أن يكون كبيرُ قتالٍ إذا رأوهم.
وهي التي أنزل الله فيها (1) (وتودون أن غير ذات الشوكة تكون لكم) . (2)
15720 - حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا سلمة ، عن محمد بن إسحاق ، عن محمد بن مسلم
الزهري ، وعاصم بن عمر بن قتادة ، وعبد الله بن أبي بكر ، ويزيد بن رومان ، عن
عروة بن الزبير وغيرهم من علمائنا ، (3) عن عبد الله بن عباس ، كُلٌّ قد حدثني بعض
هذا الحديث ، فاجتمع حديثهم فيما سُقت من حديث بدر ، قالوا : لما سمع رسول الله
صلى الله عليه وسلم بأبي سفيان مقبلا من الشأم ، ندب المسلمين إليهم وقال : هذه
عير قريش ، فيها أموالهم ، فاخرجوا إليها لعل الله أن ينفِّلكموها! فانتدب الناس ،
فخف بعضهم وثقل بعض ، وذلك أنهم لم يظنوا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يلقى
حربًا. وكان أبو سفيان يستيقن حين دنا من الحجاز ويتحسس الأخبار ، (4) ويسأل من
لقي من الركبان ، تخوفًا على
__________
(1) في المطبوعة : " وهي ما أنزل الله " ، وفي المخطوطة : " وهي
أنزل الله " ، وأثبت ما في تاريخ الطبري .
(2) الأثر : 15719 - " علي بن نصر بن علي بن نصر بن علي الجهضي " ،
الثقة الحافظ ، شيخ الطبري ، روى عنه مسلم ، وأبو داود ، والترمذي ، والنسائي ،
وأبو زرعة ، وأبو حاتم ، والبخاري ، في غير الجامع الصحيح . مترجم في التهذيب ،
وابن أبي حاتم 3 \ 1 \ 207 .
و " عبد الوارث بن عبد الصمد بن عبد الوارث العنبري " ، شيخ الطبري .
ثقة ، مضى برقم : 2340 .
وأبوه : " عبد الصمد بن عبد الوارث بن سعيد العنبري " ، ثقة ، مضى
مرارًا كثيرة .
و " أبان العطار " ، هو " أبان بن يزيد العطار " ، ثقة ، مضى
برقم : 3832 ، 9656 .
وهذا الخبر رواه أبو جعفر ، بإسناده هذا في التاريخ 2 : 267 ، مطولا مفصلا ، وهو
كتاب من عروة بن الزبير إلى عبد الملك بن مروان . وكتاب عروة إلى عبد الملك بن
مروان كتاب طويل رواه الطبري مفرقًا في التاريخ ، وسأخرجه مجموعًا في تعليقي على
الأثر 16083 .
(3) القائل " من علمائنا ... " إلى آخر السياق ، هو محمد بن إسحاق .
(4) في المطبوعة ، وفي تاريخ الطبري ، وفي سيرة ابن هشام : " وكان أبو سفيان
حين دنا من الحجاز يتحسس " ، ليس فيها " يستقين " ، وليس فيها واو
العطف في " يتحسس " ، ولكن المخطوطة واضحة ، فأثبتها .
وكان في المطبوعة : " يتجسس " بالجيم ، وإنما هي بالحاء المهملة ، و
" تحسس الخبر " ، تسمعه بنفسه وتبحثه وتطلبه .
(13/399)
أموال الناس ، (1) حتى أصاب
خبرًا من بعض الركبان : " أن محمدًا قد استنفر أصحابه لك ولعِيرك " !
(2) فحذر عند ذلك ، واستأجر ضمضم بن عمرو الغِفاري ، فبعثه إلى مكة ، وأمره أن
يأتي قريشًا يستنفرهم إلى أموالهم ، ويخبرهم أن محمدًا قد عرض لها في أصحابه. فخرج
ضمضم بن عمرو سريعًا إلى مكة. (3) وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في أصحابه
حتى بلغ واديًا يقال له " ذَفِرَان " ، فخرج منه ، (4) حتى إذا كان
ببعضه ، نزل ، وأتاه الخبر عن قريش بمسيرهم ليمنعوا عِيرهم ، فاستشار النبي صلى
الله عليه وسلم الناسَ ، وأخبرهم عن قريش. فقام أبو بكر رضوان الله عليه ، فقال فأحسن.
ثم قام عمر رضي الله عنه ، فقال فأحسن. ثم قام المقداد بن عمرو فقال : يا رسول
الله ، امض إلى حيث أمرك الله ، فنحن معك ، والله ، لا نقول كما قالت بنو إسرائيل
لموسى : ( اذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ ) ،
[سورة المائدة : 24] ، ولكن اذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكما مقاتلون! فوالذي بعثك
بالحق ، لئن سرت بنا إلى بَرْك الغِمَاد يعني : مدينة الحبشة (5) لجالدنا معك مَن
دونه حتى تبلغه! فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم خيرًا ، ثم دعا له بخيرٍ ،
ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أشيروا عليّ أيها الناس! وإنما يريد
الأنصار ، وذلك أنهم كانوا عَدَدَ الناس ، وذلك أنهم حين بايعوه على العقبة قالوا
: " يا رسول الله ، إنا برآء من ذِمامك حتى تصل إلى ديارنا ، فإذا وصلت إلينا
فأنت في ذمتنا ، (6) نمنعك مما نمنع منه أبناءنا ونساءنا " ، فكأن رسول الله
صلى الله عليه وسلم يتخوف أن لا تكون الأنصار ترى عليها نُصرته إلا ممن دهمه
بالمدينة من عدوه ، (7) وأن ليس عليهم أن يسير بهم إلى عدوٍّ من بلادهم قال : فلما
قال ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال له سعد بن معاذ : لكأنك تريدنا يا
رسول الله ؟ قال : أجل! قال : فقد آمنا بك وصدَّقناك ، وشهدنا أن ما جئت به هو
الحق ، وأعطيناك على ذلك عهودنا ومواثيقنا على السمع والطاعة ، فامض يا رسول الله
لما أردت ، فوالذي بعثك بالحق إن استعرضتَ بنا هذا البحرَ فخضته لخُضناه معك ، (8)
ما تخلف منا رجل واحد ، وما نكره أن تلقى بنا عدونا غدًا ، (9) إنا لصُبُرٌ عند
الحرب ، صُدُقٌ عند اللقاء ، (10) لعلّ الله أن يريك منا ما تَقرُّ به عينك ، فسر
بنا على بركة الله! فسُرَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بقول سعد ، ونشطه ذلك ،
ثم قال : سيروا على بركة الله وأبشروا ، فإن الله قد وعدني إحدى الطائفتين ، (11)
والله لكأني أنظر الآن إلى مصارع القوم غدًا " . (12)
15721 - حدثني محمد بن الحسين قال ، حدثنا أحمد بن المفضل قال ، حدثنا أسباط ، عن
السدي : أن أبا سفيان أقبل في عير من الشأم فيها تجارة قريش ، وهي اللَّطيمة ،
(13) فبلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم أنها قد أقبلت ، فاستنفر الناس ، فخرجوا
معه ثلثمائة وبضعة عشر رجلا. فبعث عينًا له من جُهَينة ، حليفًا للأنصار ، يدعى
" ابن أريقط " ، (14) فأتاه بخبر القوم. وبلغ أبا سفيان خروج محمد صلى
الله عليه وسلم ، فبعث إلى أهل مكة يستعينهم ، فبعث رجلا من بني غِفار يدعى ضمضم
بن عمرو ، فخرج النبي صلى الله عليه وسلم ولا يشعر بخروج قريش ، فأخبره الله
بخروجهم ، فتخوف من الأنصار أن يخذلوه ويقولوا : " إنا عاهدنا أن نمنعك إن
أرادك أحد ببلدنا " ! فأقبل على أصحابه فاستشارهم في طلب العِير ، فقال له
أبو بكر رحمة الله عليه : إنّي قد سلكت هذا الطريق ، فأنا أعلم به ، وقد فارقهم
الرجل بمكان كذا وكذا ، فسكت النبي صلى الله عليه وسلم ، ثم عاد فشاورهم ، فجعلوا
يشيرون عليه بالعير. فلما أكثر المشورة ، تكلم سعد بن معاذ ، فقال : يا رسول الله
، أراك تشاور أصحابك فيشيرون عليك ، وتعود فتشاورهم ، فكأنك لا ترضى ما يشيرون
عليك ، وكأنك تتخوف أن تتخلف عنك الأنصار! أنت رسول الله ، وعليك أنزل الكتاب ،
وقد أمرك الله بالقتال ، ووعدك النصر ، والله لا يخلف الميعاد ، امض لما أمرت به ،
فوالذي بعثك بالحق لا يتخلف عنك رجل من الأنصار! ثم قام المقداد بن الأسود الكندي فقال
: يا رسول الله ، إنا لا نقول لك كما قال بنو إسرائيل لموسى : ( اذْهَبْ أَنْتَ
وَرَبُّكَ
__________
(1) في المطبوعة : " تخوفًا من الناس " ، وفي سيرة ابن هشام : "
تخوفًا على أمر الناس " ، وأثبت ما في تاريخ الطبري .
(2) " استنفر الناس " ، استنجدهم واستنصرهم ، وحثهم على الخروج للقتال .
(3) عند هذا الموضع انتهي ما في سيرة ابن هشام 2 : 257 ، 258 ، وسيصله بالآتي في
السيرة بعد 2 : 266 ، وعنده انتهي الخبر في تاريخ الطبري 2 : 270 ، وسيصله بالآتي
في التاريخ أيضًا 2 : 273 .
وانظر التخريج في آخر هذا الخبر .
(4) في السيرة وحدها " فجزع فيه " ، وهي أحق بهذا الموضع ، ولكني أثبت
ما في لمطبوعة والمخطوطة والتاريخ . و " جزع الوادي " ، قطعه عرضًا .
(5) " برك الغماد " ، " برك " ( بفتح الباء وكسرها ) ، و
" الغماد " ، ( بكسر الغين وضمها " . قال الهمداني : " برك
الغماد " ، في أقاصي اليمن ( معجم ما استعجم : 244 ) .
(6) " الذمام " و " الذمة " ، العهد والكفالة والحرمة .
(7) في المطبوعة " خاف أن لا تكون الأنصار " ، وأثبت ما في سيرة ابن
هشام ، وتاريخ الطبري . و " يتخوف " ساقطة من المخطوطة .
و " دهمه " ( بفتح الهاء وكسرها ) : إذا فاجأه على غير استعداد .
(8) " استعرض البحر ، أو الخطر " : أقبل عليه لا يبالي خطره . وهذا
تفسير للكلمة ، استخرجته ، لا تجده في المعاجم .
(9) في المطبوعة : " أن يلقانا عدونا غدًا " ، لم يحسن قراءة المخطوطة ،
وهذا هو الموافق لما في سيرة ابن هشام ، وتاريخ الطبري .
(10) " صدق " ( بضمتين ) جمع " صدوق " ، مجازه : أن يصدق في
قتاله أو عمله ، أي يجد فيه جدًا ، كالصدق في القول الذي لا يخالطه كذب ، أي ضعف .
(11) قوله في آخر الجملة الآتية " غدًا " ، ليست في سيرة ابن هشام ولا
في التاريخ ، ولكنها ثابتة في المخطوطة .
(12) الأثر : 15720 - هذا الخبر ، روى صدر منه فيما سلف : 15710 . وهو في سيرة ابن
هشام مفرق 2 : 257 ، 258 ، ثم 2 : 266 ، 267 .
وفي تاريخ الطبري 2 : 270 ثم 2 : 273 ، ثم تمامه أيضًا في : 273 .
(13) " اللطيمة " ، هو الطيب ، و " لطيمة المسك " ، وعاؤه ثم
سموا العير التي تحمل الطيب والعسجد ، ونفيس بز التجار : " اللطيمة " .
(14) في المطبوعة : " ابن الأريقط " ، وأثبت ما في المخطوطة .
(13/400)
فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا
قَاعِدُونَ ) ، [سورة المائدة : 24] ، ولكنا نقول : أقدم فقاتل ، إنا معك مقاتلون!
ففرح رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك ، وقال : إن ربي وعدني القوم ، وقد خرجوا
، فسيروا إليهم! فساروا.
15722 - حدثنا بشر بن معاذ قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد ، عن قتادة قوله :
(وإذ يعدكم الله إحدى الطائفتين أنها لكم وتودون أن غير ذات الشوكة تكون لكم) ،
قال : الطائفتان إحداهما أبو سفيان بن حرب إذ أقبل بالعير من الشأم ، والطائفة
الأخرى أبو جهل معه نفر من قريش. فكره المسلمون الشوكة والقتال ، وأحبوا أن يلقوا
العير ، وأراد الله ما أراد.
15723 - حدثني المثنى قال ، حدثنا عبد الله بن صالح قال ، حدثني معاوية ، عن علي
بن أبي طلحة ، عن ابن عباس قوله : (وإذ يعدكم الله إحدى الطائفتين) ، قال : أقبلت
عير أهل مكة يريد : من الشأم (1) فبلغ أهل المدينة ذلك ، فخرجوا ومعهم رسول الله
صلى الله عليه وسلم يريدون العير. فبلغ ذلك أهل مكة ، فسارعوا السير إليها ، لا
يغلب عليها النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه. فسبقت العير رسول الله صلى الله
عليه وسلم ، وكان الله وعدهم إحدى الطائفتين ، فكانوا أن يلقوا العير أحبَّ إليهم
، وأيسر شوكة ، وأحضر مغنمًا. فلما سبقت العير وفاتت رسول الله صلى الله عليه وسلم
، سار رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمسلمين يريد القوم ، فكره القوم مسيرهم
لشوكةٍ في القوم.
15724 - حدثني محمد بن سعد قال ، حدثني أبي قال ، حدثني عمي قال ، حدثني أبي ، عن
أبيه ، عن ابن عباس قوله : (وإذ يعدكم الله إحدى الطائفتين أنها لكم وتودون أن غير
ذات الشوكة تكون لكم) ، قال : أرادوا العير. قال : ودخل رسول الله صلى الله عليه
وسلم المدينة في شهر ربيع الأول ، فأغار
__________
(1) في المخطوطة : " يريد الشأم " ، وما في المطبوعة هو الصواب .
(13/403)
كُرْز بن جابر الفهري يريد
سَرْح المدينة حتى بلغ الصفراء ، (1) فبلغ النبي صلى الله عليه وسلم فركب في أثره
، فسبقه كرز بن جابر. فرجع النبي صلى الله عليه وسلم ، فأقام سنَتَه. ثم إن أبا
سفيان أقبل من الشأم في عير لقريش ، حتى إذا كان قريبًا من بدر ، نزل جبريل على
النبي صلى الله عليه وسلم فأوحى إليه : (وإذ يعدكم الله إحدى الطائفتين أنها لكم
وتودون أن غير ذات الشوكة تكون لكم) ، فنفر النبي صلى الله عليه وسلم بجميع
المسلمين ، وهم يومئذ ثلاثمئة وثلاثة عشر رجلا منهم سبعون ومئتان من الأنصار ،
وسائرهم من المهاجرين. وبلغ أبا سفيان الخبر وهو بالبطم ، (2) فبعث إلى جميع قريش
وهم بمكة ، فنفرت قريش وغضبت.
15725 - حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثني حجاج ، عن ابن جريج : (وإذ
يعدكم الله إحدى الطائفتين أنها لكم وتودون أن غير ذات الشوكة تكون لكم) ، قال :
كان جبريل عليه السلام قد نزل فأخبره بمسير قريش وهي تريد عيرها ، ووعده إما
العيرَ ، وإما قريشًا وذلك كان ببدر ، وأخذوا السُّقاة وسألوهم ، فأخبروهم ، فذلك
قوله : (وتودون أن غير ذات الشوكة تكون لكم) ، هم أهل مكة.
__________
(1) " السرح " ، المال يسام في المرعى ، من الأنعام والماشية ترعى . و
" الصفراء " قرية فويق ينبع ، كثيرة المزارع والنخل ، وهي من المدينة
على ست مراحل ، وكان يسكنها جهينة والأنصار ونهد .
(2) هكذا جاء في المطبوعة والمخطوطة ، ولم أجد مكانًا ولا شيئا يقال له "
البطم " ، وأكاد أقطع أنه تحريف محض ، وأن صوابه ( بِإضَمٍ ) . و " إضم
" واد بجبال تهامة ، وهو الوادي الذي فيه المدينة . يسمى عند المدينة "
قناة " ، ومن أعلى منها عند السد يسمى " الشظاة " ، ومن عند الشظاة
إلى أسفل يسمى " إضما " . وقال ابن السكيت : " إضم " ، واد
يشق الحجاز حتى يفرغ في البحر ، وأعلى إضم " القناة " التي تمر دوين
المدينة . و " إضم " من بلاد جهينة .
والمعروف في السير أن أبا سفيان في تلك الأيام ، نزل على ماء كان عليه مجدى بن
عمير الجهني ، فلما أحس بخبر المسلمين ، ضرب وجه عيره ، فساحل بها ، وترك بدرًا
بيسار . فهو إذن قد نزل بأرض جهينة ، و " إضم " من أرضهم ، وهو يفرغ إلى
البحر ، فكأن هذا هو الطريق الذي سلكه . ولم أجد الخبر في مكان حتى أحقق ذلك
تحقيقًا شافيًا .
(13/404)
15726 - حدثني يونس قال ،
أخبرنا ابن وهب قال ، قال ابن زيد في قوله : (وتودون أن غير ذات الشوكة تكون لكم)
، إلى آخر الآية ، خرج النبي صلى الله عليه وسلم إلى بدر وهم يريدون يعترضون
عِيرًا لقريش. قال : وخرج الشيطان في صورة سُرَاقة بن جعشم ، حتى أتى أهل مكة
فاستغواهم ، وقال : إنّ محمدًا وأصحابه قد عرضوا لعيركم! وقال : لا غالبَ لكم
اليوم من الناس من مثلكم ، وإنّي جار لكم أن تكونوا على ما يكره الله! فخرجوا
ونادوا أن لا يتخلف منا أحد إلا هدمنا داره واستبحناه! وأخذ رسول الله صلى الله
عليه وسلم وأصحابه بالروحاء عينًا للقوم ، فأخبره بهم ، فقال رسول الله صلى الله
عليه وسلم : إن الله قد وعدكم العير أو القوم! فكانت العير أحبّ إلى القوم من
القوم ، كان القتال في الشوكة ، والعير ليس فيها قتال ، وذلك قول الله عز وجل :
(وتودون أن غير ذات الشوكة تكون لكم) ، قال : " الشوكة " ، القتال ، و
" غير الشوكة " ، العير.
15727 - حدثني المثنى قال ، حدثنا إسحاق قال ، حدثنا يعقوب بن محمد الزهري قال ،
حدثنا عبد الله بن وهب ، عن ابن لهيعة ، عن ابن أبي حبيب ، عن أبي عمران ، عن أبي
أيوب قال : أنزل الله جل وعز : (وإذ يعدكم الله إحدى الطائفتين أنها لكم) ، فلما
وعدنا إحدى الطائفتين أنها لنا ، طابت أنفسنا : و " الطائفتان " ، عِير
أبي سفيان ، أو قريش. (1)
__________
(1) الأثر : 15727 - " يعقوب بن محمد الزهري " ، سلف قريبًا رقم : 15715
.
و " عبد الله بن وهب المصري " ، الثقة ، مضى برقم 6613 ، 10330 .
و " ابن لهيعة " ، مضى الكلام في توثيقه مرارًا .
و " ابن أبي حبيب " ، هو " يزيد بن أبي حبيب المصري " ، ثقة
مضى مرارًا كثيرة .
و " أبو عمران " هو : " أسلم أبو عمران " ، " أسلم بن
يزيد التجيبي " ، روى عن أبي أيوب ، تابعي ثقة ، وكان وجيهًا بمصر . مترجم في
التهذيب ، والكبير 1 \ 2 \ 25 ، وابن أبي حاتم 1 \ 1 \ 307 . وسيأتي في هذا الخبر
بإسناد آخر ، في الذي يليه .
ذكره الهيثمي في مجمع الزوائد 6 : 73 ، 74 مطولا ، وقال : " رواه الطبراني ،
وإسناده حسن " .
(13/405)
15728 - حدثني المثنى قال ،
حدثنا سويد بن نصر قال ، أخبرنا ابن المبارك ، عن ابن لهيعة ، عن يزيد بن أبي حبيب
، عن أسلم أبي عمران الأنصاري ، أحسبه قال : قال أبو أيوب : (وإذ يعدكم الله إحدى
الطائفتين أنها لكم وتودون أن غير ذات الشوكة تكون لكم) ، قالوا : " الشوكة
" القوم و " غير الشوكة " العير ، فلما وعدنا الله إحدى الطائفتين
، إما العير وإما القوم ، طابت أنفسنا. (1)
15729 - حدثني المثنى قال ، حدثنا إسحاق قال ، حدثني يعقوب بن محمد قال ، حدثني
غير واحد في قوله : (وتودون أن غير ذات الشوكة تكون لكم) ، إن " الشوكة
" ، قريش.
15730 - حدثت عن الحسين بن الفرج قال ، سمعت أبا معاذ قال ، حدثنا عبيد بن سليمان
قال ، سمعت الضحاك يقول في قوله : (وتودون أن غير ذات الشوكة تكون لكم) ، هي عير
أبي سفيان ، ودّ أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أن العير كانت لهم ، وأن
القتال صُرِف عنهم.
15731 - حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق : (وتودون أن غير ذات
الشوكة تكون لكم) ، أي الغنيمة دون الحرب. (2)
* * *
وأما قوله : (أنها لكم) ، ففتحت على تكرير " يعد " ، وذلك أن قوله :
(يعدكم الله) ، قد عمل في " إحدى الطائفتين " .
فتأويل الكلام : (وإذ يعدكم الله إحدى الطائفتين) ، يعدكم أن إحدى الطائفتين لكم ،
كما قال : ( هَلْ يَنْظُرُونَ إِلا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً ) .
[سورة محمد : 18]. (3)
* * *
__________
(1) الأثر : 15728 - " أسلم ، أبو عمران الأنصاري " ، هو الذي سلف في
الإسناد السابق ، وسلف تخريجه .
(2) الأثر : 15731 - سيرة ابن هشام 2 : 322 ، وهو تابع الأثريين السالفين ، رقم :
15713 ، 15718 .
(3) انظر معاني القرآن للفراء 1 : 404 ، وزاد " فأن ، في موضع نصب كما نصب
الساعة " .
(13/406)
قال : (وتودون أن غير ذات
الشوكة تكون لكم) ، فأنث " ذات " ، لأنه مراد بها الطائفة. (1) ومعنى
الكلام : وتودون أن الطائفة التي هي غير ذات الشوكة تكون لكم ، دون الطائفة ذات
الشوكة.
القول في تأويل قوله : { وَيُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ
وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ (7) }
* * *
قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره : ويريد الله أن يحق الإسلام ويعليه (2)
" بكلماته " ، يقول : بأمره إياكم ، أيها المؤمنون ، بقتال الكفار ،
وأنتم تريدون الغنيمة ، والمال (3) وقوله : (ويقطع دابر الكافرين) ، يقول : يريد
أن يَجُبَّ أصل الجاحدين توحيدَ الله.
* * *
وقد بينا فيما مضى معنى " دابر " ، وأنه المتأخر ، وأن معنى : "
قطعه " ، الإتيان على الجميع منهم. (4)
* * *
وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك :
15731 - حدثني يونس قال ، أخبرنا ابن وهب قال ، قال ابن زيد ، في قول الله :
(ويريد الله أن يحق الحق بكلماته) ، أن يقتل هؤلاء الذين أراد أن يقطع دابرهم ،
هذا خيرٌ لكم من العير.
__________
(1) انظر ما قاله آنفًا في " ذات بينكم " ص : 384 .
(2) انظر تفسير " حق " فيما سلف من فهارس اللغة ( حقق ) .
(3) انظر تفسير " كلمات الله " فيما سلف 11 : 335 ، وفهارس اللغة ( كلم
) .
(4) انظر تفسير " قطع الدابر " 11 : 363 ، 364 \ 12 : 523 ، 524 .
(13/407)
لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ (8)
15732 - حدثنا ابن حميد قال ،
حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق : (ويريد الله أن يحق الحق بكلماته ويقطع دابر
الكافرين) ، أي : الوقعة التي أوقع بصناديد قريش وقادتهم يوم بدر. (1)
* * *
القول في تأويل قوله : { لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ وَلَوْ كَرِهَ
الْمُجْرِمُونَ (8) }
قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره : ويريد الله أن يقطع دابر الكافرين ، كيما يحق
الحق ، كيما يُعبد الله وحده دون الآلهة والأصنام ، ويعزّ الإسلام ، وذلك هو
" تحقيق الحق " (ويبطل الباطل) ، يقول ويبطل عبادة الآلهة والأوثان
والكفر ، ولو كره ذلك الذين أجرموا فاكتسبوا المآثم والأوزار من الكفار. (2)
15733 - حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : (ليحق الحق
ويبطل الباطل ولو كره المجرمون) ، هم المشركون.
* * *
وقيل : إن " الحق " في هذا الموضع ، الله عز وجل.
* * *
__________
(1) الأثر : 15731 - سيرة ابن هشام 2 : 322 ، وهو تابع الأثر السالف رقم : 15730.
(2) انظر تفسير " المجرم " فيما سلف ص : 70 ، تعليق : 2 ، والمراجع هناك
.
(13/408)
إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ (9)
القول في تأويل قوله : { إِذْ
تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ
الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ (9) }
قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره : " ويبطل الباطل " ، حين تستغيثون ربكم
ف " إذْ " من صلة " يبطل " .
* * *
(13/408)
ومعنى قوله : (تستغيثون ربكم)
، تستجيرون به من عدوكم ، وتدعونه للنصر عليهم " فاستجاب لكم " فأجاب
دعاءكم ، (1) بأني ممدكم بألف من الملائكة يُرْدِف بعضهم بعضًا ، ويتلو بعضهم
بعضًا. (2)
* * *
وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل ، وجاءت الرواية عن أصحاب رسول الله صلى
الله عليه وسلم . * ذكر الأخبار بذلك :
15734 - حدثني محمد بن عبيد المحاربي قال ، حدثنا عبد الله بن المبارك ، عن عكرمة
بن عمار قال ، حدثني سماك الحنفي قال ، سمعت ابن عباس يقول : حدثني عمر بن الخطاب
رضي الله عنه قال : لما كان يوم بدر ، ونظرَ رَسول الله صلى الله عليه وسلم إلى
المشركين وعِدّتهم ، ونظر إلى أصحابه نَيِّفا على ثلاثمئة ، فاستقبل القبلة ، فجعل
يدعو يقول : " اللهم أنجز لي ما وعدتني! اللهم إن تهلك هذه العصابة من أهل
الإسلام لا تُعبد في الأرض! " ، فلم يزل كذلك حتى سقط رداؤه ، وأخذه أبو بكر
الصديق رضي الله عنه فوضع رداءه عليه ، ثم التزمه من ورائه ، (3) ثم قال : كفاك يا
نبي الله ، بأبي وأمي ، مناشدتَك ربك ، فإنه سينجز لك ما وعدك! فأنزل الله : (إذ
تستغيثون ربكم فاستجاب لكم أني ممدكم بألف من الملائكة مردفين) . (4)
__________
(1) انظر تفسير " استجاب " فيما سلف ص : 321 ، تعليق : 2 ، والمراجع
هناك .
(2) انظر تفسير " الإمداد " فيما سلف 1 : 307 ، 308 \ 7 : 181 .
(3) " التزمه " ، احتضنه أو اعتنقه .
(4) الأثر : 15734 - " عكرمة بن عمار اليمامي العجلي " ، ثقة ، مضى برقم
: 849 ، 2185 ، 8224 ، 13832 .
و " سماك الحنفي " ، هو " سماك بن الوليد الحنفي " ، "
أبو زميل " ، ثقة . مضى برقم : 13832 .
وهذا الخبر ، رواه مسلم في صحيحه 12 : 84 - 87 ، مطولا من طريق هناد بن السري ، عن
عبد الله بن المبارك ، عن عكرمة .
رواه أحمد في مسنده رقم : 208 ، 221 ، من طريق أبي نوح قراد ، عن عكرمة ابن عمار .
مطولا .
وروى بعضه أبو داود في سننه 3 : 82 .
ورواه الترمذي في كتاب التفسير ، مختصرًا ، من طريق محمد بن بشار ، عن عمر بن يونس
اليمامي ، عن عكرمة ، وقال " هذا حديث حسن صحيح غريب ، لا نعرفه من حديث عمر
، إلا من حديث عكرمة بن عمار ، عن أبي زميل " .
ورواه أبو جعفر الطبري في تاريخه ، من الطريق نفسها 2 : 280 .
(13/409)
15735 - حدثني المثنى قال ،
حدثنا أبو صالح قال ، حدثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس قال : لما اصطفَّ القوم
، قال أبو جهل : اللهم أولانا بالحق فانصره! ورفع رسول الله صلى الله عليه وسلم
يده فقال : يا رب ، إن تهلك هذه العصابة فلن تعبد في الأرض أبدا!
15736 - حدثني محمد بن سعد قال ، حدثني أبي قال ، حدثني عمي قال ، حدثني أبي ، عن
أبيه ، عن ابن عباس قال : قام النبي صلى الله عليه وسلم فقال : اللهم ربنا أنزلت
علي الكتاب ، وأمرتني بالقتال ، ووعدتني بالنصر ، ولا تخلف الميعاد! فأتاه جبريلُ
عليه السلام ، فأنزل الله : ( أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ
بِثَلاثَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُنْزِلِينَ بَلَى إِنْ تَصْبِرُوا
وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ
بِخَمْسَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُسَوِّمِينَ ) ، (1)
[سورة ال عمران : 124 - 125] .
15737 - حدثني أبو السائب قال ، حدثنا أبو معاوية ، عن الأعمش ، عن أبي إسحاق ، عن
زيد بن يُثَيْع قال : كان أبو بكر الصديق رضي الله عنه مع رسول الله صلى الله عليه
وسلم في العريش ، فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يدعو يقول : اللهم انصر هذه
العصابة ، فإنك إن لم تفعل لن تعبد في الأرض! قال : فقال أبو بكر : بعضَ مناشدتك
مُنْجِزَك ما وعدك. (2)
__________
(1) الأثر : 15736 - هذا الخبر لم يذكره أبو جعفر في تفسير آية سورة آل عمران 7 :
173 - 190 .
(2) الأثر : 15737 - " أبو إسحاق " ، هو الهمداني السبيعي ، وكان في
المطبوعة " ابن إسحاق " غير ما في المخطوطة ، فأساء .
و " زيد بن يثيع الهمداني " ، ويقال : " ... أثيع " و "
أثيل " . آخره لام . روى عن أبي بكر الصديق ، وعلي ، وحذيفة ، وأبي ذر ، وعنه
أبو إسحاق السبيعي فقط . ذكره ابن حبان في الثقات ، مترجم في التهذيب ، وابن سعد :
155 ، والكبير 2 \ 1 \ 373 ، وابن أبي حاتم 1 \ 2 \ 573 في " زيد بن نفيع
الهمداني " ، وهو خطأ ، والصواب ما أثبتناه ، ولكن العجب أنه كان هناك في
المطبوعة والمخطوطة ، " زيد بن نفيع " أيضًا .
و " يثيع " بالياء والثاء ، مصغرًا ، هكذا ضبط . وقال ابن دريد في كتاب
الاشتقاق : 249 : " يثيع " " يفعل " من " ثاع ، يثيع
" ، إذا اتسع وانبسط .
(13/410)
15738 - حدثني محمد بن الحسين
قال ، حدثنا أحمد بن المفضل قال ، حدثنا أسباط ، عن السدي قال : أقبل النبي صلى
الله عليه وسلم يدعو الله ويستغيثه ويستنصره ، فأنزل الله عليه الملائكة.
15739 - حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثني حجاج ، عن ابن جريج قوله :
(إذ تستغيثون ربكم) ، قال : دعاء النبي صلى الله عليه وسلم .
15740 - حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق : (إذ تستغيثون ربكم) ،
أي : بدعائكم ، حين نظروا إلى كثرة عدوهم وقلة عددهم " فاستجاب لكم " ،
بدعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم ودعائكم معه. (1)
15741 - حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثنا أبو بكر بن عياش ، عن أبي
حصين ، عن أبي صالح قال : لما كان يوم بدر جعل النبي صلى الله عليه وسلم يناشد ربه
أشد النِّشدة يدعو ، (2) فأتاه عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال : يا رسول الله ،
بعض نِشْدَتك ، فوالله ليفيَنَّ الله لك بما وعدك!
* * *
وأما قوله : (أني ممدكم بألف من الملائكة مردفين) ، فقد بينا معناه. (3)
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك :
__________
(1) الأثر : 15740 - سيرة ابن هشام 2 : 322 ، 323 ، وهو تابع الأثر السالف رقم :
15731 ، وليس في سيرة ابن هشام " معه " ، في آخر الخبر .
(2) " النشدة " ( بكسر فسكون ) مصدر : " نشدتك الله " ، أي
سألتك به واستحلفتك .
(3) انظر ما سلف ص : 409 .
(13/411)
15742 - حدثني محمد بن سعد قال
، حدثني أبي قال ، حدثني عمي قال ، حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس : (أني
ممدكم بألف من الملائكة مردفين) ، يقول : المزيد ، كما تقول : " ائت الرجل
فزده كذا وكذا " .
15743 - حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا أحمد بن بشير ، عن هارون بن عنترة [عن أبيه] ،
عن أبيه ، عن ابن عباس : (مردفين) ، قال : متتابعين. (1)
15744 - . . . . قال ، حدثني أبي ، عن سفيان ، عن هارون بن عنترة ، [عن أبيه] ، عن
ابن عباس ، مثله. (2)
15745 - حدثني سليمان بن عبد الجبار قال ، حدثنا محمد بن الصلت قال ، حدثنا أبو
كدينة ، عن قابوس ، عن أبيه ، عن ابن عباس : (ممدكم بألف من الملائكة مردفين) ،
قال : وراء كل ملك ملك. (3)
15746 - حدثني ابن وكيع قال ، حدثنا أبو أسامة ، عن أبي كدينة يحيى بن المهلب ، عن
قابوس ، عن أبيه ، عن ابن عباس : (مردفين) ، قال : متتابعين. (4)
15747 - . . . . قال ، حدثنا هانئ بن سعيد ، عن حجاج بن أرطأة ،
__________
(1) الأثر : 15743 - " أحمد بن بشير الكوفي " ، مضى برقم 7819 ، 11084 .
و " هارون بن عنترة بن عبد الرحمن " ، مضى مرارًا كثيرة آخرها : 11084 .
وأبوه " عنترة بن عبد الرحمن " ، مضى أيضًا ، انظر رقم 11084 .
(2) الأثر : 15744 . زيادة " عن أبيه " بين قوسين ، هو ما أرجح أنه
الصواب ، وأن إسقاطها من الناسخ . انظر الإسناد السالف .
(3) الأثر : 15745 - " سليمان بن عبد الجبار بن زريق الخياط " ، شيخ
الطبري ، مضى برقم : 5994 ، 9745 .
و " محمد بن الصلت بن الحجاج الأسدي " ، مضى برقم : 3002 ، 5994 ، 9745 .
و " أبو كدينة " ، " يحيى بن المهلب البجلي " ، مضى برقم :
4193 ، 5994 ، 9745 .
و " قابوس بن أبي ظبيان الجنبي " ، مضى برقم : 9745 ، 10683 .
وأبوه " أبو ظبيان " ، هو : " حصين بن جندب الجنبي " ، مضى
برقم : 9745 ، 10683 .
(4) الأثر : 15746 - انظر رجال الأثر السالف .
(13/412)
عن قابوس قال : سمعت أبا ظبيان
يقول : (مردفين) ، قال : الملائكة ، بعضهم على إثر بعض. (1)
15748 - . . . . قال ، حدثنا المحاربي ، عن جويبر ، عن الضحاك قال : (مردفين) ،
قال : بعضهم على إثر بعض.
15749 - حدثني المثنى قال ، حدثنا إسحاق قال ، حدثنا عبد الله ، عن ورقاء ، عن ابن
أبي نجيح ، عن مجاهد مثله.
15750 - حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن
مجاهد قوله : (مردفين) ، قال : ممدِّين قال ابن جريج ، عن عبد الله بن كثير قال :
(مردفين) ، " الإرداف " ، الإمداد بهم.
15751 - حدثني بشر بن معاذ قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد ، عن قتادة : (بألف
من الملائكة مردفين) ، أي متتابعين.
15752 - حدثنا [محمد بن عبد الأعلى قال ، حدثنا محمد بن ثور] قال ، حدثنا أحمد بن
المفضل قال ، حدثنا أسباط ، عن السدي : (بألف من الملائكة مردفين) ، يتبع بعضهم
بعضًا. (2)
__________
(1) الأثر : 15747 - " هانئ بن سعيد النخعي " ، شيخ ابن وكيع ، سلف برقم
: 13159 ، 13965 ، 14836 .
(2) الأثر : 15752 - صدر هذا الإسناد خطأ لا شك فيه . وهو كما وضعته بين القوسين ،
جاء في المطبوعة . أما المخطوطة ، فهو فيها هكذا : " حدثنا محمد بن عبد الله
قال ، حدثنا محمد ابن ثور قال ، حدثنا بن عبد الأعلى قال حدثنا أحمد بن المفضل ...
" ، وهو خلط لا ريب ، وهما إسنادان .
فالإسناد الأول ، هو : " حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال ، حدثنا محمد ثور ، عن
معمر ... " ، وهو إسناد دائر في التفسير .
والإسناد الثاني ، وهو هذا كما يجب أن يكون :
" حدثنا محمد بن الحسين قال ، حدثنا أحمد بن المفضل ... " ، وهو إسناد
دائر في التفسير ، أقربه رقم : 15738 .
وظاهر أنه قد سقط تمام إسناد " محمد بن عبد الأعلى " .
(13/413)
15753 - حدثنا يونس قال ،
أخبرنا ابن وهب قال ، قال ابن زيد في قوله : (مردفين) ، قال : " المردفين
" ، بعضهم على إثر بعض ، يتبع بعضهم بعضًا.
15754 - حدثت عن الحسين قال ، سمعت أبا معاذ قال ، حدثنا عبيد بن سليمان قال ،
سمعت الضحاك يقول في قوله : (بألف من الملائكة مردفين) ، يقول : متتابعين ، يوم
بدر.
* * *
واختلفت القرأة في قراءة ذلك.
فقرأته عامة قرأة أهل المدينة : " مُرْدَفِينَ " ، بنصب الدال.
* * *
وقرأه بعض المكيين وعامة قرأة الكوفيين والبصريين : (مُرْدِفِينَ) .
* * *
وكان أبو عمرو يقرؤه كذلك ، ويقول فيما ذكر عنه : هو من " أردف بعضهم بعضًا
" .
* * *
وأنكر هذا القول من قول أبي عمرو بعض أهل العلم بكلام العرب وقال : إنما "
الإرداف " ، أن يحمل الرجل صاحبه خلفه. قال : ولم يسمع هذا في نعت الملائكة
يوم بدر.
* * *
واختلف أهل العلم بكلام العرب في معنى ذلك إذا قرئ بفتح الدال أو بكسرها.
فقال بعض البصريين والكوفيين : معنى ذلك إذا قرئ بالكسر : أن الملائكة جاءت يتبع
بعضهم بعضًا ، على لغة من قال : " أردفته " . وقالوا : العرب تقول :
" أردفته " . و " رَدِفته " ، بمعنى " تبعته " و
" أتبعته " ، واستشهد لصحة قولهم ذلك بما قال الشاعر : (1)
__________
(1) هو : حزيمة بن نهد بن زيد بن ليث بن سود بن أسلم بن الحاف بن قضاعة ، من قدماء
الشعراء في الجاهلية . و " حزيمة " بالحاء المهملة المفتوحة ، وكسر
الزاي ، هكذا ضبطه في تاج العروس ، وقال : " وحزيمة بن نهد " في قضاعة .
وهو في كتب كثيرة " خزيمة بن نهد " ، أو " خزيمة بن مالك بن نهد
" ( اللسان : ردف ) . وقد قرأت في جمهرة الأنساب لابن حزم : 418 ، أن "
نهد بن زيد " ، ولد " خزيمة " و " حزيمة " ، فهذا يقتضي
التوقف والنظر في ضبطه ، وأيهما كان صاحب القصة والشعر . وإن كان الأرجح هو الأول
.
(13/414)
إِذَا الْجَوْزَاءُ أرْدَفَتِ
الثُّرَيَّا ظَنَنْتُ بِآلِ فَاطِمَةَ الظُّنُونَا (1)
قالوا : فقال الشاعر : " أردفت " ، وإنما أراد " ردفت " ،
جاءت بعدها ، لأن الجوزاء تجئ بعد الثريا.
وقالوا معناه إذا قرئ(مردَفين) ، أنه مفعول بهم ، كأن معناه : بألف من الملائكة
يُرْدِف الله بعضهم بعضًا. (2)
* * *
وقال آخرون : معنى ذلك ، إذا كسرت الدال : أردفت الملائكة بعضها بعضًا وإذا قرئ
بفتحها : أردف الله المسلمين بهم.
* * *
قال أبو جعفر : والصواب من القراءة في ذلك عندي ، قراءة من قرأ : ( بِأَلْفٍ مِنَ
الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ ) ، بكسر الدال ، لإجماع أهل التأويل على ما ذكرت من
تأويلهم ، أن معناه : يتبع بعضهم بعضًا ، ومتتابعين ففي إجماعهم على ذلك من
التأويل ، الدليلُ الواضح على أن الصحيح من القراءة ما اخترنا في ذلك من كسر الدال
، بمعنى : أردف بعض الملائكة بعضًا ، ومسموع من العرب : " جئت مُرْدِفًا
لفلان " ، أي : جئت بعده.
وأما قول من قال : معنى ذلك إذا قرئ " مردَفين " بفتح الدال : أن الله
أردفَ المسلمين بهم فقولٌ لا معنى له ، إذ الذكر الذي في " مردفين " من
الملائكة دون المؤمنين. وإنما معنى الكلام : أن يمدكم بألف من الملائكة يُرْدَف
بعضهم ببعض. ثم حذف ذكر الفاعل ، وأخرج الخبر غير مسمَّى فاعلُه ، فقيل :
(مردَفين) ، بمعنى : مردَفٌ بعض الملائكة ببعض.
ولو كان الأمر على ما قاله من ذكرنا قوله ، وجب أن يكون في " المردفين "
ذكر المسلمين ، لا ذكر الملائكة. وذلك خلاف ما دلّ عليه ظاهر القرآن.
__________
(1) الأغاني 13 : 78 ، معجم ما استعجم : 19 ، سمط اللآلئ : 100 ، شرح ديوان أبي
ذؤيب : 145 . المعارف لا بن قتيبة : 302 ، الأزمنة والأمكنة 2 : 130 ، جمهرة
الأمثال : 31 ، الأمثال للميداني 1 : 65 ، اللسان ( ردف ) ، ( قرظ ) .
وسبب هذا الشعر : أن حزيمة بن نهد كان مشئومًا فاسدًا متعرضًا للنساء ، فعلق فاطمة
بنت يذكر ابن عنزة بن أسد بن ربيعة بن نزار ، ( وهو أحد القارظين المضروب بهما
المثل ) ، فاجتمع قومه وقومها في مربع ، فلما انقضى الربيع ، ارتحلت إلى منازلها
فقيل له : يا حزيمة : لقد ارتحلت فاطمة ! قال : أما إذا كانت حية ففيها أطمع ! ثم
قال في ذلك : إِذَا الْجَوْزَاءُ أرْدَفَتِ الثُّرَيَّا ... ظَنَنْتُ بِآلِ
فَاطِمَةَ الظُّنُونَا
ظَنَنْتُ بِهَا ، وَظَنُّ المرء حُوبٌ ... وَإنْ أَوْفَى ، وَإِنْ سَكَنَ
الحَجُونا
وَحَالَتْ دُونَ ذَلِكَ مِنْ هُمُومِي ... هُمُومٌ تُخْرِيُج الشَّجَنَ الدَّفينَا
أَرَى ابْنَةَ يَذْكُرٍ ظَعَنَتْ فَحَلَّتْ ... جَنُوبَ الْحَزْنِ ، يا شَحَطًا
مُبِينَا !
فبلغ ذلك ربيعة ، فرصدوه ، حتى أخذوه فضربوه . فمكث زمانًا ، ثم أن حزيمة قال
ليذكر ابن عنزة : أحب أن تخرج حتى نأتي بقرظ . فمرا بقليب فاستقيا ، فسقطت الدلو ،
فنزل يذكر ليخرجها . فلما صار إلى البئر ، منعه حزيمة الرشاء ، وقال : زوجني فاطمة
! فقال : على هذه الحال ، اقتسارًا ! أخرجني أفعل ! قال : لا أخرجك ! فتركه حتى
مات فيها . فلما رجع وليس هو معه ، سأله عنه أهله ، فقال : فارقني ، فلست أدري أين
سلك ! فاتهمته ربيعة ، وكان بينهم وبين قومه قضاعة في ذلك شر ، ولم يتحقق أمر
فيؤخذ به ، حتى قال حزيمة : فَتَاةٌ كَأَنَّ رُضَابَ العَبِيرِ ... بِفِيهَا ،
يُعَلُّ بِهِ الزَّنْجَبِيلُ
قَتَلْتُ أَبَاهَا عَلَى حُبِّهَا ، ... فَتَبْخَلُ إنْ بَخِلَتْ أوْ تُنِيلُ
عندئذ ، ثارت الحرب بين قضاعة وربيعة .
قال أبو بكر بن السراج في معنى بيت الشاهد : " إن الجوزاء تردف الثريا في
اشتداد الحر ، فتتكبد السماء في آخر الليل ، وعند ذلك تنقطع المياه وتجف ، فيتفرق
الناس في طلب المياه ، فتغيب عنه محبوبته ، فلا يدري أين مضت ، ولا أين نزلت
" . وانظر أيضًا شرحه في الأزمنة والأمكنة 2 : 130 ، 131 .
(2) انظر معاني القرآن للفراء 1 : 404 ، ومجاز القرآن لأبي عبيدة 1 : 241 .
(13/415)
وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (10)
وقد ذكر في ذلك قراءة أخرى ،
وهي ما : -
15755 - حدثني المثنى قال ، حدثنا إسحاق قال ، قال عبد الله بن يزيد : "
مُرَدِّفِينَ " و " مُرِدِّفِينَ " و " مُرُدِّفِينَ " ،
مثقَّل (1) على معنى : " مُرْتَدِفين " .
15756 - حدثنا المثنى قال ، حدثنا إسحاق قال ، حدثنا يعقوب بن محمد الزهري قال ،
حدثني عبد العزيز بن عمران عن الزمعي ، عن أبي الحويرث ، عن محمد بن جبير ، عن علي
رضي الله عنه قال : نزل جبريل في ألف من الملائكة عن ميمنة النبي صلى الله عليه
وسلم وفيها أبو بكر رضي الله عنه ، ونزل ميكائيل عليه السلام في ألف من الملائكة
عن ميسرة النبي صلى الله عليه وسلم ، وأنا فيها. (2)
* * *
القول في تأويل قوله : { وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلا بُشْرَى وَلِتَطْمَئِنَّ
بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إِلا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ
حَكِيمٌ (10) }
قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره : لم يجعل الله إردافَ الملائكة بعضها بعضًا
وتتابعها بالمصير إليكم ، أيها المؤمنون ، مددًا لكم " إلا بشرى " لكم ،
أي : بشارة
__________
(1) ضبطها القرطبي في تفسيره 7 : 371 .
(2) الطبري : 15756 - " عبد العزيز بن عمران بن عبد العزيز بن عمر بن عبد
الرحمن ابن عوف الزهري " ، الأعرج ، يعرف " بابن أبي ثابت " ، كان
صاحب نسب وشعر ، ولم يكن صاحب حديث ، وكان يشتم الناس ويطعن في أحسابهم . قال
البخاري " منكر الحديث ، لا يكتب حديثه " ، وقال ابن أبي حاتم : "
منكر الحديث جدًا " . مضى برقم : 8012 .
و " الزمعي " ، هو " موسى بن يعقوب الزمعي القرشي " ، ثقة ،
متكلم فيه مضى برقم : 9923 ، زكان في المطبوعة هناك " الربعي " ، وهي في
المخطوطة غير منقوطة ، وهذا صوابه ، وهو الذي يروى عن أبي الحويرث .
و " أبو الحويرث " هو : " عبد الرحمن بن معاوية بن الحويرث
الأنصاري الزرقي " ، ثقة ، متكلم فيه حتى قالوا : " لا يحتج بحديثه ،
مترجم في التهذيب ، وابن أبي حاتم 2/2/284 ، و " محمد بن جبير بن مطعم "
، ثقة تابعي مضى برقم : 9269. وهو إسناد ضعيف جداً .
(13/417)
لكم ، تبشركم بنصر الله إياكم
على أعدائكم (1) " ولتطمئن به قلوبكم " ، يقول : ولتسكن قلوبكم بمجيئها
إليكم ، وتوقن بنصرة الله لكم (2) " وما النصر إلا من عند الله " ، يقول
: وما تنصرون على عدوكم ، أيها المؤمنون ، إلا أن ينصركم الله عليهم ، لا بشدة
بأسكم وقواكم ، بل بنصر الله لكم ، لأن ذلك بيده وإليه ، ينصر من يشاء من خلقه "
إن الله عزيز حكيم " يقول : إن الله الذي ينصركم ، وبيده نصرُ من يشاء من
خلقه " عزيز " ، لا يقهره شيء ، ولا يغلبه غالب ، بل يقهر كل شيء ويغلبه
، لأنه خلقه " حكيم " ، يقول : حكيم في تدبيره ونصره من نصر ، وخذلانه
من خذل من خلقه ، لا يدخل تدبيره وهن ولا خَلل. (3)
* * *
وروي عن عبد الله بن كثير عن مجاهد في ذلك ، ما : -
15757 - حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثني حجاج عن ابن جريج قال ،
أخبرني ابن كثير : انه سمع مجاهدًا يقول : ما مدّ النبي صلى الله عليه وسلم مما
ذكر الله غيرُ ألف من الملائكة مردفين ، وذكر " الثلاثة " و "
الخمسة " بشرى ، ما مدُّوا بأكثر من هذه الألف الذي ذكر الله عز وجل في
" الأنفال " ، وأما " الثلاثة " و " الخمسة " ،
فكانت بشرَى.
* * *
وقد أتينا على ذلك في " سورة آل عمران " ، بما فيه الكفاية. (4)
__________
(1) انظر تفسير " البشرى " فيما سلف ص : 303 ، تعليق : 2 ، المراجع هناك
.
(2) انظر تفسير " الاطمئنان " فيما سلف 5 : 492 \ 9 : 165 \ 11 : 224 .
(3) انظر تفسير " عزيز " و " حكيم " فيما سلف من فهارس اللغة
( عزز ) ، ( حكم ) .
(4) انظر ما سلف 7 : 173 - 192 .
(13/418)
إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدَامَ (11)
القول في تأويل قوله : { إِذْ
يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ
مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ
عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الأقْدَامَ (11) إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى
الْمَلائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا }
قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره : " ولتطمئن به قلوبكم " ، " إذ
يغشيكم النعاس " ، ويعني بقوله : (يغشيكم النعاس) ، يلقي عليكم النعاس (1)
(أمنة) يقول : أمانًا من الله لكم من عدوكم أن يغلبكم ، وكذلك النعاس في الحرب
أمنة من الله عز وجل.
* * *
15758 - حدثني المثنى قال ، حدثنا أبو نعيم قال ، حدثنا سفيان ، عن عاصم ، عن أبي
رزين ، عن عبد الله قال : النعاس في القتال ، أمنةٌ من الله عز وجل ، وفي الصلاة
من الشيطان. (2)
15759 - حدثني الحسن بن يحيى قال ، أخبرنا عبد الرزاق قال ، أخبرنا الثوري في قوله
: " يغشاكم النعاس أمنة منه " ، (3) عن عاصم ، عن أبي رزين ، عن عبد
الله ، بنحوه ، قال : قال عبد الله ، فذكر مثله.
15760 - حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا أبي ، عن سفيان ، عن عاصم ، عن أبي رزين ، عن
عبد الله بنحوه.
* * *
__________
(1) انظر تفسير " يغشى " فيما سلف 1 : 265 ، 266 \ 12 : 436 : 483 .
وتفسير " النعاس " فيما سلف 7 : 316 .
(2) الأثر : 15758 - انظر هذا الخبر بإسناد آخر فيما سلف رقم : 8083 .
(3) قوله : " يغشاكم النعاس " قراءة أخرى في الآية ، و سأثبتها كما جاءت
في المخطوطة بعد.
(13/419)
و " الأمنة " مصدر
من قول القائل : " أمنت من كذا أمَنَة ، وأمانًا ، وأمْنًا " وكل ذلك
بمعنى واحد. (1)
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك :
15761 - حدثني محمد بن عمرو قال ، حدثنا أبو عاصم قال ، حدثنا عيسى ، عن ابن أبي
نجيح ، عن مجاهد : (أمنة منه) ، أمانًا من الله عز وجل.
15762 - . . . . قال ، حدثنا إسحاق قال ، حدثنا عبد الله ، عن ورقاء ، عن ابن أبي
نجيح ، عن مجاهد : (أمنة) ، قال : أمنًا من الله.
15763 - حدثني يونس قال ، حدثنا ابن وهب قال ، قال ابن زيد قوله : (إذ يغشيكم
النعاس أمنة منه) ، قال : أنزل الله عز وجل النعاس أمنة من الخوف الذي أصابهم يوم
أحد. فقرأ : ( ثُمَّ أَنزلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُعَاسًا )
[سورة ال عمران : 154] .
* * *
واختلفت القرأة في قراءة قوله : " إذ يغشيكم النعاس أمنة منه " ،
فقرأ ذلك عامة قرأة أهل المدينة : " يُغْشِيكُمُ النُّعَاسَ " بضم الياء
وتخفيف الشين ، ونصب " النعاس " ، من : " أغشاهم الله النعاس فهو
يغشيهم " .
* * *
وقرأته عامة قرأة الكوفيين : (يُغَشِّيكُمُ) ، بضم الياء وتشديد الشين ، من :
" غشّاهم الله النعاس فهو يغشِّيهم " .
* * *
وقرأ ذلك بعض المكيين والبصريين : " يَغْشَاكُمُ النُّعَاسُ " ، بفتح
الياء ورفع " النعاس " ، بمعنى : " غشيهم النعاس فهو يغشاهم "
.
__________
(1) انظر تفسير " أمنة " فيما سلف 7 : 315 ، تعليق : 1 ، والمراجع هناك
.
(13/420)
واستشهد هؤلاء لصحة قراءتهم
كذلك بقوله في " آل عمران " : ( يَغْشَى طَائِفَةً ) [سورة ال عمران :
154] .
* * *
قال أبو جعفر : وأولى ذلك بالصواب : (إِذْ يُغَشِّيكُمْ) ، على ما ذكرت من قراءة
الكوفيين ، لإجماع جميع القراء على قراءة قوله : (وينزل عليكم من السماء ماء) ،
بتوجيه ذلك إلى أنه من فعل الله عز وجل ، فكذلك الواجب أن يكون كذلك(يغشيكم) ، إذ
كان قوله : (وينزل) ، عطفًا على " يغشي " ، ليكون الكلام متسقًا على نحو
واحد.
* * *
وأما قوله عز وجل : (وينزل عليكم من السماء ماء ليطهركم به) ، فإن ذلك مطرٌ أنزله
الله من السماء يوم بدر ليطهر به المؤمنين لصلاتهم ، لأنهم كانوا أصبحوا يومئذ
مُجْنبِين على غير ماء. فلما أنزل الله عليهم الماء اغتسلوا وتطهروا ، وكان
الشيطان قد وسوس إليهم بما حزنهم به من إصباحهم مجنبين على غير ماء ، فأذهب الله
ذلك من قلوبهم بالمطر. فذلك ربطه على قلوبهم ، وتقويته أسبابهم ، وتثبيته بذلك
المطر أقدامهم ، لأنهم كانوا التقوا مع عدوهم على رملة ميثثاء ، (1) فلبَّدها
المطر ، حتى صارت الأقدام عليها ثابتة لا تسوخ فيها ، توطئةً من الله عز وجل لنبيه
عليه السلام وأوليائه ، أسبابَ التمكن من عدوهم والظفر بهم.
* * *
وبمثل الذي قلنا تتابعت الأخبار عن [أصحاب] رسول الله صلى الله عليه وسلم وغيره من
أهل العلم. (2)
__________
(1) في المطبوعة : " على رملة هشاء " ، ولا أصل لذلك في اللغة ، كلام لا
يقال . وهو في المخطوطة سيء الكتابة قليلا ، صواب قراءته ما أثبت . و "
الرملة الميثاء " ، اللينة السهلة . قد تسوخ فيها الرجل قليلاً .
(2) هذه الزيادة بين القوسين لا بد منها ، والأخبار الآتية تدل عل صحة ذلك . وكان
في المخطوطة أمام هذا السطر حرف ( ط ) دلالة على الخطأ والشك .
(13/421)
* ذكر الأخبار الواردة بذلك :
15764 - حدثنا هارون بن إسحاق قال ، حدثنا مصعب بن المقدام قال ، حدثنا إسرائيل
قال ، حدثنا أبو إسحاق ، عن حارثة ، عن علي رضي الله عنه قال : أصابنا من الليل
طَشّ من المطر (1) يعني الليلة التي كانت في صبيحتها وقعة بدر فانطلقنا تحت الشجر
والحَجَف نستظل تحتها من المطر ، (2) وبات رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو ربه
: " اللهم إن تهلك هذه العصابة لا تعبد في الأرض! " فلما أن طلع الفجر ،
نادى : " الصلاة عبادَ الله! " ، فجاء الناس من تحت الشجر والحجف ، فصلى
بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وحرض على القتال. (3)
15765 - حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا حفص بن غياث وأبو خالد ، عن داود ، عن سعيد بن
المسيب : (ماء ليطهركم به) ، قال : طش يوم بدر.
15766 - حدثني الحسن بن يزيد قال ، حدثنا حفص ، عن داود ، عن سعيد ، بنحوه. (4)
__________
(1) " الطش " ، المطر القليل ، وهو فوق " الرذاذ " .
(2) في المطبوعة : " تحت الشجر " ، وأثبت ما في المخطوطة ، وهو صواب جيد
.
و " الحجف " ( بفتحتين ) جمع " جحفة " . وهي الترس ، يكون من
الجلود ليس فيه خشب ولا عقب ، وهو مثل " الدرقة " .
(3) الأثر : 15764 - " هارون بن إسحاق الهمداني " ، شيخ الطبري ، مضى
برقم : 3001 ، 10873 .
و " مصعب بن المقدام الخثمي " ، ثقة مضى برقم : 1291 ، 3001 ، 10873 ،
وغيرها .
و " إسرائيل " هو " إسرائيل بن يونس بن إسحاق السبيعي " ثقة
حافظ ، مضى مرارًا كثيرة .
و " حارثة " هو " حارثة بن مضرب العبدي " ، من ثقات التابعين
، مضى برقم : 2057 ، 8597 .
وهو خبر صحيح الإسناد ، خرجه السيوطي مختصرًا بغير هذا اللفظ ، ونسبة إلى ابن جرير
، وأبي الشيخ ، وابن مردويه . الدر المنثور 3 : 171 .
(4) الأثر : 15766 - " الحسن بن يزيد " ، لم أجد في شيوخ أبي جعفر ،
وفيمن روى عن حفص بن غياث ، من يقال له " الحسن بن يزيد " ، وأرجح أنه :
" الحسن بن عرفة بن يزيد العبدي " ، شيخ أبي جعفر ، نسبه إلى جده ، وقد
مضى برقم : 9373 ، 12581 .
(13/422)
15767 - حدثنا ابن وكيع قال ،
حدثنا محمد بن أبي عدي وعبد الأعلى ، عن داود ، عن الشعبي وسعيد بن المسيب ، قالا
طش يوم بدر.
15768 - حدثنا ابن المثنى قال ، حدثنا ابن أبي عدي ، عن داود ، عن الشعبي وسعيد بن
المسيب في هذه الآية : (ينزل عليكم من السماء ماء ليطهركم به ، ويذهب عنكم رجز
الشيطان) ، قالا طشٌّ كان يوم بدر ، فثبَّت الله به الأقدام.
15769 - حدثنا بشر بن معاذ قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد ، عن قتادة قوله :
" إذ يغشاكم النعاس أمنة منه " الآية ، ذكر لنا أنهم مُطِروا يومئذ حتى
سال الوادي ماءً ، واقتتلوا على كثيب أعفر ، (1) فلبَّده الله بالماء ، وشرب
المسلمون وتوضأوا وسقوْا ، وأذهب الله عنهم وسواس الشيطان.
15770 - حدثني المثنى قال ، حدثنا عبد الله قال ، حدثني معاوية ، عن علي ، عن ابن
عباس قال ، نزل النبي صلى الله عليه وسلم يعني : حين سار إلى بدر والمسلمون بينهم
وبين الماء رملة دَعْصَة ، (2) فأصاب المسلمين ضعف شديد ، وألقى الشيطان في قلوبهم
الغيظ ، فوسوس بينهم : تزعمون أنكم أولياء الله وفيكم رسوله ، وقد غلبكم المشركون
على الماء ، وأنتم تصلُّون مُجْنِبين! فأمطر الله عليهم مطرًا شديدًا ، فشرب
المسلمون وتطهروا ، وأذهب الله عنهم رجز الشيطان ، وثبت
__________
(1) " الأعفر " ، الرمل الأحمر .
(2) " رملة دعصة " ، هكذا جاء في التفسير ، في المخطوطة والمطبوعة ، وفي
ابن كثير ، وضبطته بفتح الدال ، لأني رجوت أن يكون صفة ، كقولهم : " الدعصاء
" ، وهي أرض سهلة فيها رملة تحمي عليها الشمس ، فتكون رمضاؤها أشد من غيرها ،
قال : وَالمُسْتَجِيرُ بِعَمْرٍو عِنْدَ كُرْبَتِهِ ... كَالمُسْتَجِيرِ مِنَ
الدَّعْصَاءِ بِالنَّارِ
ولكن كتب اللغة لم تذكر " دعصة " ، هذه . وفي بعض الأخبار الأخرى "
رملة دهسة " . و " الدهس " ، و " الدهاس " ، أرض سهلة
لينة يثقل فيها المشي .
(13/423)
الرمل حين أصابه المطر ، ومشى
الناس عليه والدوابّ ، فساروا إلى القوم ، وأمدّ الله نبيه بألف من الملائكة ،
فكان جبريل عليه السلام في خمسمائة من الملائكة مجنِّبةً ، وميكائيل في خمسمائة
مجنبةً. (1)
15771 - حدثني محمد بن سعد قال ، حدثني أبي قال ، حدثني عمي قال ، حدثني أبي ، عن
أبيه ، عن ابن عباس قوله : " إذ يغشاكم النعاس أمنة منه " إلى قوله :
(ويثبت به الأقدام) ، وذلك أن المشركين من قريش لما خرجوا لينصروا العير ويقاتلوا
عنها ، نزلوا على الماء يوم بدر ، فغلبوا المؤمنين عليه ، فأصاب المؤمنين الظمأ ،
فجعلوا يصلون مجنبين مُحْدِثين ، حتى تعاظم ذلك في صدور أصحاب رسول الله صلى الله
عليه وسلم ، فأنزل الله من السماء ماء حتى سال الوادي ، فشرب المسلمون ، وملئوا
الأسقية ، وسقوا الرِّكاب ، واغتسلوا من الجنابة ، فجعل الله في ذلك طهورًا ، وثبت
الأقدام. وذلك أنه كانت بينهم وبين القوم رَملة ، فبعث الله عليها المطر ، فضربها
حتى اشتدَّت ، وثبتت عليها الأقدام.
15772 - حدثني محمد بن الحسين قال ، حدثنا أحمد بن المفضل قال ، حدثنا أسباط ، عن
السدي قال : بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون ، فسبقهم المشركون إلى
ماء بدر فنزلوا عليه ، وانصرف أبو سفيان وأصحابه تِلْقاء البحر ، فانطلقوا. قال :
فنزلوا على أعلى الوادي ، ونزل محمد صلى الله عليه وسلم في أسفله. فكان الرجل من
أصحاب محمد عليه السلام يُجْنِب فلا يقدر على الماء ، فصلي جُنُبًا ، فألقى
الشيطان في قلوبهم فقال : كيف ترجون أن تظهروا عليهم ، وأحدكم يقوم إلى الصلاة
جنبًا على غير وضوء! ، قال : فأرسل الله عليهم المطر ، فاغتسلوا وتوضأوا وشربوا ،
واشتدّت لهم الأرض ، وكانت بطحاء تدخل فيها أرجلهم ، (2) فاشتدت لهم من المطر ،
واشتدُّوا عليها.
__________
(1) " المجنبة " ( بتشديد النون مكسورة ) ، هي الكتيبة التي تأخذ إحدى
ناحيتي الجيش ، " المجنبة اليمنى " ، و " المجنبة اليسرى " و
هي : " الميمنة " و " الميسرة " .
(2) " البطحاء " ، تراب لين جرته السيول ، وهو " الأبطح " ،
يكون في مسيل الوادي .
(13/424)
15773 - حدثنا القاسم قال ،
حدثنا الحسين قال ، حدثني حجاج ، عن ابن جريج قال ، قال ابن عباس : غلب المشركون
المسلمين في أول أمرهم على الماء ، فظمئ المسلمون وصلوا مجنبين محدثين ، وكانت
بينهم رمال ، فألقى الشيطان في قلوب المؤمنين الحَزَن ، فقال : تزعمون أن فيكم
نبيًّا ، وأنكم أولياء الله ، وقد غلبتم على الماء ، وتصلون مُجْنبين محدثين! قال
: فأنزل الله عز وجل ماء من السماء ، فسال كل وادٍ ، فشرب المسلمون وتطهروا ،
وثبتت أقدامهم ، وذهبت وسوسة الشيطان.
15774 - حدثني محمد بن عمرو قال ، حدثنا أبو عاصم قال ، حدثنا عيسى ، عن ابن أبي
نجيح ، عن مجاهد في قوله : (ماء ليطهركم به) ، قال : المطر ، أنزله عليهم قبل
النعاس(رجز الشيطان) ، قال : وسوسته. قال : فأطفأ بالمطر الغبار ، والتبدت به
الأرض ، (1) وطابت به أنفسهم ، وثبتت به أقدامهم.
15775 - حدثنا المثنى قال ، حدثنا أبو حذيفة قال ، حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ،
عن مجاهد : (ماء ليطهركم به) ، أنزله عليهم قبل النعاس ، طبَّق بالمطر الغبار ،
ولبّد به الأرض ، وطابت به أنفسهم ، وثبتت به الأقدام.
15776 - حدثني المثنى قال ، حدثنا أبو حذيفة قال ، حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ،
عن مجاهد : (ماء ليطهركم به) ، قال : القطر(ويذهب عنكم رجز الشيطان) ، وساوسه.
أطفأ بالمطر الغبار ، ولبد به الأرض ، (2) وطابت به أنفسهم ، وثبتت به أقدامهم.
15777 - حدثني المثنى قال ، حدثنا أبو حذيفة قال ، حدثنا شبل ، عن
__________
(1) في المخطوطة : " واصـ به " غير منقوطة ، كأنها " وأثبتت به
" ، بالبناء للمجهول ، والذي في المطبوعة جيد ، وقريب أن يكون قد حرفه الناسخ
.
(2) في المخطوطة : " تطفي بالمطر الغبار ، وبدت به الأرض " ، وهو محرف ،
والذي في المطبوعة أشبه بالصواب .
(13/425)
ابن أبي نجيح ، عن مجاهد :
" رجز الشيطان " ، وسوسته.
15778 - حدثني يونس قال ، أخبرنا ابن وهب قال ، قال ابن زيد في قوله : (وينزل
عليكم من السماء ماء ليطهركم به) ، قال : هذا يوم بدر أنزل عليهم القطر(وليذهب
عنكم رجز الشيطان) ، الذي ألقى في قلوبكم : ليس لكم بهؤلاء طاقة!(وليربط على
قلوبكم ويثبت به الأقدام) .
15779 - حدثت عن الحسين بن الفرج قال ، سمعت أبا معاذ يقول : حدثنا عبيد بن سليمان
قال ، سمعت الضحاك يقول في قوله : (إذ يغشاكم النعاس أمنة منه) ، إلى قوله :
(ويثبت به الأقدام) ، إن المشركين نزلوا بالماء يوم بدر ، وغلبوا المسلمين عليه ،
فأصاب المسلمين الظمأ ، وصلوا محدثين مجنبين ، فألقى الشيطان في قلوب المؤمنين
الحزَن ، ووسوس فيها : إنكم تزعمون أنكم أولياء الله ، وأن محمدًا نبي الله ، وقد
غلبتم على الماء ، وأنتم تصلون محدثين مجنبين! فأمطر الله السماء حتى سال كل واد ،
فشرب المسلمون وملأوا أسقيتهم ، (1) وسقوا دوابهم ، واغتسلوا من الجنابة ، وثبت
الله به الأقدام. وذلك أنهم كان بينهم وبين عدوهم رملة لا تجوزها الدواب ، ولا
يمشي فيها الماشي إلا بجَهد ، فضربها الله بالمطر حتى اشتدت ، وثبتت فيها الأقدام.
15780 - حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق : " إذ يغشاكم
النعاس أمنة منه " ، أي : أنزلت عليكم الأمنة حتى نمتم لا تخافون ، "
وينزل عليكم من السماء ماء " ، للمطر الذي أصابهم تلك الليلة ، (2) فحبس
المشركون أن يسبقوا إلى الماء ، وخلَّي سبيل المؤمنين إليه(ليطهركم به ويذهب عنكم
رجز الشيطان وليربط على قلوبكم ويثبت به الأقدام) ، ليذهب عنهم شك
__________
(1) في المخطوطة : " وبلوا أسقيتهم " . كأنها تقرأ " وبلوا "
، والذي في المطبوعة جيد ، قد مضى مثله في الأخبار .
(2) في المطبوعة : " ونزل عليكم من السماء المطر الذي أصابهم ... " ،
وفي المخطوطة : ونزلت عليكم من السماء المطر الذي أصابهم ... " ، وأثبت ما في
سيرة ابن هشام وهو الجيد .
(13/426)
الشيطان ، بتخويفه إياهم عدوهم
، واستجلاد الأرض لهم ، (1) حتى انتهوا إلى منزلهم الذي سبق إليه عدوهم. (2)
15781 - حدثني محمد بن الحسين قال ، حدثنا أحمد بن المفضل قال ، حدثنا أسباط ، عن
السدي قال : ثم ذكر ما ألقى الشيطان في قلوبهم من شأن الجنابة ، وقيامهم يصلون
بغير وضوء ، فقال : " إذ يغشيكم النعاسَ أمنة منه وينزل عليكم من السماء ماء
ليطهركم به ويذهب عنكم رجز الشيطان وليربط على قلوبكم ويثبت به الأقدام " ،
حتى تشتدون على الرمل ، وهو كهيئة الأرض.
15782 - حدثني يعقوب بن إبراهيم قال ، حدثنا ابن علية قال ، حدثنا داود بن أبي هند
قال : قال رجل عند سعيد بن المسيب وقال مرة : قرأ(وينزل عليكم من السماء ماء
ليطهِّركم به) ، (3) فقال سعيد : إنما هي : " وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ
السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ " . قال : وقال الشعبي : كان ذلك طشًا
يوم بدر.
* * *
وقد زعم بعض أهل العلم بالغريب من أهل البصرة ، أن مجاز قوله : (ويثبت به الأقدام)
، ويفرغ عليهم الصبر وينزله عليهم ، فيثبتون لعدوهم. (4)
__________
(1) " استجلاد الأرض " : من " الجلد " ( بفتحتين ) ، وهي
الأرض الصلبة ، يعني أنها صارت أرضًا صلبة غليظة ، بعد أن كانت رملة ميثاء لينة .
و " استجلدت الأرض " ، مما لم تذكره معاجم اللغة ، وهو عريق فصيح .
(2) الأثر : 15780 - سيرة ابن هشام 2 : 323 ، وهو تابع الأثر السالف رقم : 15740 .
وكان في المطبوعة : " الذي سبق " ، غير ما كان في المخطوطة ، وهو
المطابق لما في سيرة ابن هشام ، وهو الصواب .
(3) في المطبوعة كتب " ليطهركم بها " ، غير ما في المخطوطة ، ولا أدري
من أين جاء بها ، ولم أجد قراءة كهذه القراءة ، بل المعروف أن قراءة عامة القرأة
" ليطهركم به " بتشديد الهاء مكسورة ، من " طهر " مضعفًا ،
وأن سعيد بن المسيب ، قد انفرد بقراءة " ليطهركم " ، كما ضبطتها ، بضم
الياء ، وسكون الطاء وكسر الهاء . من " أطهر " ، وهي قراءة شاذة . انظر
شواذ القراءات لابن خالويه : 49 ، وتفسير أبي حيان 4 : 468
(4) هو أبو عبيدة في مجاز القرآن 1 : 242 .
(13/427)
وذلك قولٌ خِلافٌ لقول جميع
أهل التأويل من الصحابة والتابعين ، وحَسْبُ قولٍ خطًأ أن يكون خلافًا لقول من
ذكرنا ، وقد بينا أقوالهم فيه ، وأن معناه : ويثبت أقدام المؤمنين بتلبيد المطر
الرمل حتى لا تسوخ فيه أقدامهم وحوافر دوابِّهم. (1)
* * *
وأما قوله : (إذ يوحي ربك إلى الملائكة أني معكم) ، أنصركم (2) (فثبتوا الذين
آمنوا) ، يقول : قوُّوا عزمهم ، وصححوا نياتهم في قتال عدوهم من المشركين. (3)
* * *
وقد قيل : إن تثبيت الملائكة المؤمنين ، كان حضورهم حربهم معهم.
* * *
وقيل : كان ذلك معونتهم إياهم بقتال أعدائهم.
* * *
وقيل : كان ذلك بأن الملك يأتي الرجلَ من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يقول :
سمعت هؤلاء القوم يعني المشركين يقولون : والله لئن حملوا علينا لننكشفن! (4)
فيحدِّث المسلمون بعضهم بعضًا بذلك ، فتقوى أنفسهم. قالوا : وذلك كان وحي الله إلى
ملائكته.
* * *
وأما ابن إسحاق ، فإنه قال بما : -
15783 - حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق : (فثبتوا الذين آمنوا) ،
أي : فآزروا الذين آمنوا. (5)
* * *
__________
(1) انظر تفسير " تثبيت الأقدام " فيما سلف 5 : 354 \ 7 : 272 ، 273 . *
* *
هذا ، وقد أغفل أبو جعفر هنا إفراد تفسير " يذهب عنكم رجز الشيطان " و
" وليربط على قلوبكم "
وانظر تفسير " الرجز " فيما سلف : ص : 179 ، تعليق : 3 ، والمراجع هناك
.
(2) انظر تفسير " مع " فيما سلف 3 : 214 \ 5 : 353 .
(3) انظر تفسير " التثبيت " فيما سلف 5 : 354 \ 7 \ 272 ، 273 ، ومادة (
ثبت ) في فهارس اللغة .
(4) " الانكشاف " ، الانهزام .
(5) الأثر : 15783 - سيرة ابن هشام 2 : 323 ، وهو تابع الأثر السالف رقم : 15780 .
(13/428)
إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلَائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آَمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ (12)
القول في تأويل قوله : {
سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ
الأعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ (12) }
قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره : سَأرْعِبُ قلوب الذين كفروا بي ، أيها المؤمنون
، منكم ، وأملأها فرقًا حتى ينهزموا عنكم (1) " فاضربوا فوق الأعناق " .
* * *
واختلف أهل التأويل في تأويل قوله : (فوق الأعناق).
فقال بعضهم : معناه : فاضربوا الأعناق.
* ذكر من قال ذلك :
15784 - حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا ابن إدريس ، عن أبيه ، عن عطية : (فاضربوا فوق
الأعناق) ، قال : اضربوا الأعناق.
15785 - . . . . قال ، حدثنا أبي ، عن المسعودي ، عن القاسم ، قال : قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم : إني لم أبعث لأعذِّب بعذاب الله ، إنما بعثت لضرب الأعناق
وشدِّ الوَثَاق.
15786 - حدثت عن الحسين بن الفرج قال ، سمعت أبا معاذ قال ، حدثنا عبيد بن سليمان
قال ، سمعت الضحاك يقول في قوله : (فاضربوا فوق الأعناق) ، يقول : اضربوا الرقاب.
* * *
واحتج قائلو هذه المقالة بأن العرب تقول : " رأيت نفس فلان " ، بمعنى :
رأيته. قالوا : فكذلك قوله : (فاضربوا فوق الأعناق) ، إنما معناه : فاضربوا
الأعناق.
* * *
وقال آخرون : بل معنى ذلك ، فاضربوا الرؤوس.
__________
(1) انظر تفسير " إلقاء الرعب " فيما سلف 7 : 279 .
(13/429)
* ذكر من قال ذلك :
15787 - حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا يحيى بن واضح قال ، حدثنا الحسين ، عن يزيد ،
عن عكرمة : (فاضربوا فوق الأعناق) ، قال : الرؤوس.
* * *
واعتلّ قائلو هذه المقالة بأن الذي " فوق الأعناق " ، الرؤوس. قالوا :
وغير جائز أن تقول : " فوق الأعناق " ، فيكون معناه : " الأعناق
" . قالوا : ولو جاز ذلك ، جاز أن يقال (1) " تحت الأعناق " ،
فيكون معناه : " الأعناق " . قالوا : وذلك خلاف المعقول من الخطاب ،
وقلبٌ لمعاني الكلام. (2)
* * *
وقال آخرون : معنى ذلك : فاضربوا على الأعناق ، وقالوا : " على " و
" فوق " معناهما متقاربان ، فجاز أن يوضع أحدهما مكان الآخر. (3)
* * *
قال أبو جعفر : والصواب من القول في ذلك أن يقال : أن الله أمر المؤمنين ،
مُعَلِّمَهم كيفية قتل المشركين وضربهم بالسيف : أن يضربوا فوق الأعناق منهم
والأيدي والأرجل. وقوله : (فوق الأعناق) ، محتمل أن يكون مرادًا به الرؤوس ،
ومحتمل أن يكون مرادًا له : من فوق جلدة الأعناق ، (4) فيكون معناه : على الأعناق.
وإذا احتمل ذلك ، صح قول من قال ، معناه : الأعناق. وإذا كان الأمر محتملا ما
ذكرنا من التأويل ، لم يكن لنا أن نوجِّهه إلى بعض معانيه دون بعض ، إلا بحجة يجب
التسليم لها ، ولا حجة تدلّ على خصوصه ، فالواجب أن يقال : إن الله أمر بضرب رؤوس
المشركين وأعناقهم وأيديهم وأرجلهم ، أصحابَ نبيه صلى الله عليه وسلم الذين شهدوا
معه بدرًا.
* * *
__________
(1) في المطبوعة والمخطوطة : " ولو جاز ذلك كان أن يقال " ، وهو فاسد ،
صوابه ما أثبت .
(2) في المطبوعة والمخطوطة : " وقلب معاني الكلام " ، صواب السياق ما
أثبت .
(3) انظر مجاز القرآن لأبي عبيدة 1 : 242 .
(4) في المطبوعة حذف " من " ، وهي في المخطوطة سيئة الكتابة .
(13/430)
وأما قوله : (واضربوا منهم كل
بنان) ، فإن معناه : واضربوا ، أيها المؤمنون ، من عدوكم كل طَرَف ومَفْصِل من
أطراف أيديهم وأرجلهم.
* * *
و " البنان " : جمع " بنانة " ، وهي أطراف أصابع اليدين
والرجلين ، ومن ذلك قول الشاعر : (1)
أَلا لَيْتَنِي قَطَّعْتُ مِنِّي بَنَانَةً وَلاقَيْتُهُ فِي الْبَيْتِ يَقْظَانَ
حاذِرَا (2)
__________
(1) هو العباس بن مرداس السلمي .
(2) مجاز القرآن لأبي عبيدة 1 : 242 ، اللسان ( بنن ) ، ولم أجده في مكان آخر .
وقال أبو عبيدة بعد البيت : " يعني أبا ضب ، رجلاً من هذيل ، قتل هريم بن
مرداس وهو نائم ، وكان جاورهم بالربيع " .
وقد روى أبو الفرج الأصبهاني في الأغاني 13 : 66 ( ساسى ) ، عن أبي عبيدة أن هريم
بن مرداس كان مجاورًا في خزاعة ، في جوار رجل منهم يقال له عامر ، فقتله رجل من
خزاعة يقال له خويلد . فالذي قاله أبو عبيدة هنا مضطرب ، وهو زيادة بين قوسين في
النسخة المطبوعة ، فأخشى أن لا تكون من قول أبي عبيدة .
و أما " أبو ضب " الرجل من هذيل ، فهو شاعر معروف من بني لحيان ، من
هذيل ، له شعر في بقية أشعار الهذليين وأخبار ، انظر رقم : 13 ، 14 من الشعر .
وجاء أيضًا في البقية من شعر هذيل 43 ، ما نصه : " وقال عباس بن مرداس ،
وأخواله بنو لحيان " : لا تَأْمَنَنْ بالعَادِ والخِلْفِ بَعْدَهَا ...
جِوَارَ أُناسٍ يَبِتَنُونَ الحَصَائِرَاِ
ذكر " جوارًا " كان في بني لحيان ، فأجابه رجل من بني لحيان ، يذكر
عقوقه أخواله ، ويتهدده بالقتل . جَزَى الله عَبَّاسًا عَلَى نَأْي دَارِهِ ...
عُقُوقًا كَحَرِّ النَّارِ يأتِي المَعَاشِرَا
فَوَاللهِ لَوْلا أَنْ يُقال : ابْنُ أخْتِهِ ! ... لَفَقَّرْتُهُ ، إنِّي أُصِيبُ
المَفاقِرَا
فِدًي لأَبِي ضَبٍّ تِلادِي ، فإنَّنَا ... تَكَلْنَا عَلَيْهِ دَاخِلا
ومُجَاهِرَا
وَمَطْعَنَهُ بالسَّيْفِ أحْشَاءَ مالِكٍ ... بِما كانَ مَنَّي أوْرَدُوهُ
الجَرَائِرَا
فقد ذكر في هذا الشعر " أبا ضب " ، ومقتله " مالكا " . لم أقف
بعد على " مالك " هذا ، ولكني أظن أن شعر عباس هذا ، يدخل في خبر مقتل
" مالك " الذي قتله " أبو ضب " ، لا في خبر مقتل أخيه "
هريم بن مرداس " ، فذاك خبر معروف رجاله .
وقوله " حاذرا " ، أي : مستعدًا حذرًا متيقظًا .
وقال شمر : " الحاذر " ، المؤدي الشاك السلاح ، وفي شعر العباس بن مرداس
ما يشعر بذلك : وَإنِّي حاذِرٌ أَنْمِى سِلاحِي ... إلى أَوْصالِ ذَيَّالٍ مَنِيع
وكان في المطبوعة : " قطعت منه بنانة " ، فأفسد الشعر إفسادًا ، إذ غير
الصواب المحض الذي في المخطوطة ، متابًعًا خطأ الرواية المحرفة في لسان العرب .
(13/431)
يعني ب " البنانة "
واحدة " البنان " .
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك :
15788 - حدثنا أبو السائب قال ، حدثنا ابن إدريس ، عن أبيه ، عن عطية : (واضربوا
منهم كل بنان) ، قال : كل مفصِل.
15789 - حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا ابن إدريس ، عن أبيه ، عن عطية : (واضربوا
منهم كل بنان) ، قال : المفاصل.
15790 - . . . . قال : حدثنا المحاربي ، عن جويبر ، عن الضحاك : (واضربوا منهم كل
بنان) ، قال : كل مفصل.
15791 - حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا يحيى بن واضح قال ، حدثنا الحسين ، عن يزيد ،
عن عكرمة : (واضربوا منهم كل بنان) ، قال : الأطراف. ويقال : كل مفصل.
15792 - حدثني المثنى قال ، حدثنا أبو صالح قال ، حدثني معاوية ، عن علي ، عن ابن
عباس : (واضربوا منهم كل بنان) ، يعني : بالبنان ، الأطراف.
15793 - حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثني حجاج ، عن ابن جريج قوله :
(واضربوا منهم كل بنان) ، قال : الأطراف.
15794 - حدثت عن الحسين بن الفرج قال ، سمعت أبا معاذ قال ، حدثنا عبيد بن سليمان
قال ، سمعت الضحاك يقول في قوله : (واضربوا منهم كل بنان) ، يعني : الأطراف.
(13/432)
ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَمَنْ يُشَاقِقِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (13) ذَلِكُمْ فَذُوقُوهُ وَأَنَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابَ النَّارِ (14)
القول في تأويل قوله : {
ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَمَنْ يُشَاقِقِ اللَّهَ
وَرَسُولَهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (13) }
قال أبو جعفر : يعني تعالى ذكره بقوله : (ذلك بأنهم) ، هذا الفعل من ضرب هؤلاء
الكفرة فوق الأعناق وضرب كل بنان منهم ، جزاءٌ لهم بشقاقهم الله ورسوله ، وعقاب
لهم عليه.
* * *
ومعنى قوله : (شاقوا الله ورسوله) ، فارقوا أمرَ الله ورسوله وعصوهما ، وأطاعوا
أمرَ الشيطان. (1)
* * *
ومعنى قوله : (ومن يشاقق الله ورسوله) ، ومن يخالف أمرَ الله وأمر رسوله ففارق
طاعتهما (2) (فإن الله شديد العقاب) ، له. وشدة عقابه له : في الدنيا ، إحلالُه به
ما كان يحلّ بأعدائه من النقم ، وفي الآخرة ، الخلودُ في نار جهنم وحذف " له
" من الكلام ، لدلالة الكلام عليها.
* * *
القول في تأويل قوله : { ذَلِكُمْ فَذُوقُوهُ وَأَنَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابَ
النَّارِ (14) }
قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره : هذا العقابُ الذي عجلته لكم ، أيها الكافرون
المشاقون لله ورسوله ، في الدنيا ، من الضرب فوق الأعناق منكم ، وضرب
__________
(1) انظر تفسير " الشقاق " فيما سلف 3 : 115 ، 116 ، 336 \ 8 : 319 \ 9
: 204.
(2) في المخطوطة والمطبوعة : " وفارق " ، والسياق يقتضي ما أثبت .
(13/433)
كل بنان ، بأيدي أوليائي
المؤمنين ، فذوقوه عاجلا واعلموا أن لكم في الآجل والمعاد عذابَ النار. (1)
* * *
ولفتح " أن " من قوله : (وأن للكافرين) ، من الإعراب وجهان :
أحدهما الرفع ، والآخر : النصبُ.
فأما الرفع ، فبمعنى : ذلكم فذوقوه ، ذلكم وأن للكافرين عذاب النار بنية تكرير
" ذلكم " ، كأنه قيل : ذلكم الأمر ، وهذا.
وأما النصب : فمن وجهين : أحدهما : ذلكم فذوقوه ، واعلموا ، أو : وأيقنوا أن
للكافرين فيكون نصبه بنية فعل مضمر ، قال الشاعر :
وَرَأَيْتِ زَوْجَكِ فِي الوَغَى مُتَقَلِّدًا سَيْفًا وَرُمْحَا (2)
بمعنى : وحاملا رمحًا.
والآخر : بمعنى : ذلكم فذوقوه ، وبأن للكافرين عذاب النار ثم حذفت " الباء
" ، فنصبت. (3)
* * *
__________
(1) انظر تفسير " الذوق " فيما سلف 12 : 420 ، تعليق : 1 ، والمراجع
هناك .
(2) مضى البيت مرارًا وتخريجه ، انظر آخرها ما سلف 11 : 577 ، تعليق : 3 ،
والمراجع هناك .
(3) انظر معاني القرآن للفراء 1 : 405 ، 406 .
(13/434)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا فَلَا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبَارَ (15) وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (16)
القول في تأويل قوله : { يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا فَلا
تُوَلُّوهُمُ الأدْبَارَ (15) وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلا
مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ
مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (16) }
قال أبو جعفر : يعني تعالى ذكره : يا أيها الذين صدقوا الله ورسوله(إذا لقيتم
الذين كفروا) في القتال(زحفًا) ، يقول : متزاحفًا بعضكم إلى بعض و " التزاحف
" ، التداني والتقارب (1) " فلا تولوهم الأدبار " ، يقول : فلا
تولوهم ظهوركم فتنهزموا عنهم ، ولكن اثبتوا لهم ، فإن الله معكم عليهم (2) "
ومن يولهم يومئذ دبره " ، يقول : ومن يولهم منكم ظهره (إلا متحرفًا لقتال) ،
يقول : إلا مستطردًا لقتال عدوه ، يطلب عورةً له يمكنه إصابتها فيكرّ عليه (أو
متحيزًا إلى فئة) أو : إلا أن يوليهم ظهره متحيزًا إلى فئة ، يقول : صائرًا إلى
حَيِّز المؤمنين الذين يفيئون به معهم إليهم لقتالهم ، (3) ويرجعون به معهم إليهم.
(4)
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك :
15795 - حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا أبو خالد الأحمر ، عن جويبر ، عن الضحاك :
(إلا متحرفًا لقتال أو متحيزًا إلى فئة) ، قال : " المتحرف " ، المتقدم
من أصحابه ليرى غِرَّة من العدوّ فيصيبها. قال ، و " المتحيز " ، الفارّ
إلى
__________
(1) هذا الشرح لقوله : " التزاحف " ، لا تجده في معاجم اللغة ، فيقيد .
(2) انظر تفسير " التولي " فيما سلف من فهارس اللغة ( ولى ) .
وتفسير " الدبر " فيما سلف 7 : 109 ، 110 \ 10 : 170 .
(3) انظر تفسير " فئة " فيما سلف 9 : 7 ، تعليق : 1 ، والمراجع هناك .
(4) في المطبوعة : " يرجعون به معهم إليهم " ، وأثبت ما في المخطوطة .
(13/435)
النبي صلى الله عليه وسلم
وأصحابه. وكذلك من فرّ اليوم إلى أميره أو أصحابه. قال الضحاك : وإنما هذا وعيد من
الله لأصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ، أن لا يفروا. وإنما كان النبيُّ عليه
الصلاة والسلام و أصحابه فئتَهم. (1)
15796 - حدثني محمد بن الحسين قال ، حدثنا أحمد بن المفضل قال ، حدثنا أسباط ، عن
السدي : (ومن يولهم يومئذ دبره إلا متحرفًا لقتال أو متحيزًا إلى فئة) ، أما
" المتحرف " ، يقول : إلا مستطردًا ، يريد العودة(أو متحيزًا إلى فئة) ،
قال : " المتحيز " ، إلى الإمام وجنده إن هو كرّ فلم يكن له بهم طاقة ،
ولا يُعذَر الناس وإن كثروا أن يُوَلُّوا عن الإمام.
* * *
واختلف أهل العلم في حكم قول الله عز وجل : (ومن يولهم يومئذ دبره إلا متحرفًا
لقتال أو متحيزًا إلى فئة فقد باء بغضب من الله ومأواه جهنم) ، هل هو خاص في أهل
بدر ، أم هو في المؤمنين جميعًا ؟
فقال قوم : هو لأهل بدر خاصة ، لأنه لم يكن لهم أن يتركوا رسول الله صلى الله عليه
وسلم مع عدوه وينهزموا عنه ، فأما اليومَ فلهم الانهزام.
* ذكر من قال ذلك :
15797 - حدثنا محمد بن المثنى قال ، حدثنا عبد الأعلى قال ، حدثنا داود ، عن أبي
نضرة في قول الله عز وجل : (ومن يولهم يومئذ دبره) ، قال : ذاك يوم بدر ، ولم يكن
لهم أن ينحازوا ، ولو انحاز أحدٌ لم ينحز إلا إلي (2) قال أبو موسى : يعني : إلى
المشركين.
__________
(1) في المطبوعة : حذف " و أصحابه " ، تحكمًا .
(2) وقف على قوله : " إلى " ، كأنه يشير بيده إلى الفئة الأخرى ، والتي
فسرها أبو موسى ، وهو ابن المثنى ، بقوله : يعني : إلى المشركين .
(13/436)
15798 - حدثنا إسحاق بن شاهين
قال ، حدثنا خالد ، عن داود ، عن أبي نضرة ، عن أبي سعيد قوله عز وجل : (ومن يولهم
يومئذ دبره) ، ثم ذكر نحوه إلا أنه قال : ولو انحازوا انحازوا إلى المشركين ، ولم
يكن يومئذ مسلم في الأرض غيرهم.
15799 - حدثنا حميد بن مسعدة قال ، حدثنا بشر بن مفضل قال ، حدثنا داود ، عن أبي
نضرة ، عن أبي سعيد قال : نزلت في يوم بدر : (ومن يولهم يومئذ دبره) .
15800 - حدثني ابن المثنى ، وعلي بن مسلم الطوسي قال ابن المثنى : حدثني عبد الصمد
وقال علي : حدثنا عبد الصمد قال ، حدثنا شعبة ، عن داود ، يعني ابن أبي هند ، عن
أبي نضرة ، عن أبي سعيد : (ومن يولهم يومئذ دبره) ، قال : يوم بدر قال أبو موسى :
حدثت أن في كتاب غندر هذا الحديث : عن داود ، عن الشعبي ، عن أبي سعيد.
15801 - حدثنا أحمد بن محمد الطوسي قال ، حدثنا علي بن عاصم ، عن داود بن أبي هند
، عن أبي نضرة ، عن أبي سعيد الخدري قال : إنما كان ذلك يوم بدر ، لم يكن للمسلمين
فئة إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم. فأما بعد ذلك ، فإن المسلمين بعضهم فئة
لبعض. (1)
15802 - حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا عبد الأعلى قال ، حدثنا داود ، عن أبي نضرة :
(ومن يولهم يومئذ دبره) ، قال : هذه نزلت في أهل بدر.
15803 - حدثنا يعقوب قال ، حدثنا ابن علية ، عن ابن عون قال :
__________
(1) الآثار : 15797 - 15801 - " داود " هو " ابن أبي هند "
مضى مرارًا .
و " أبو نضرة " هو " المنذر بن مالك بن قطعة العبدي " ، ثقة ،
مضى مرارًا آخرها رقم : 14664 .
و " أبو سعيد " ، هو أبو سعيد الخدري ، صاحب رسول الله .
وهذا الخبر رواه الحاكم في المستدرك 2 : 327 ، من طريق شعبة ، عن داود بن أبي هند
، بمثله ، وقال : " هذا حديث صحيح على شرط مسلم ، ولم يخرجاه " ، ووافقه
الذهبي .
(13/437)
كتبت إلى نافع أسأله عن قوله :
(ومن يولهم يومئذ دبره) ، أكان ذلك اليوم ، أم هو بعد ؟ قال : وكتب إليّ : "
إنما كان ذلك يوم بدر " .
15804 - حدثنا علي بن سهل قال ، حدثنا زيد ، عن سفيان ، عن جويبر ، عن الضحاك قال
: إنما كان الفرار يوم بدر ، ولم يكن لهم ملجأ يلجأون إليه. فأما اليوم ، فليس
فرارً.
15805 - حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا أبي ، عن الربيع ، عن الحسن : (ومن يولهم
يومئذ دبره) ، قال : كانت هذه يوم بدر خاصة ، ليس الفرار من الزحف من الكبائر.
15806 - . . . . قال ، حدثنا أبي ، عن سفيان ، عن رجل ، عن الضحاك : (ومن يولهم
يومئذ دبره) ، قال : كانت هذه يوم بدر خاصة.
15807 - . . . . قال ، حدثنا روح بن عبادة ، عن حبيب بن الشهيد ، عن الحسن : (ومن
يولهم يومئذ دبره) ، قال : نزلت في أهل بدر.
15808 - حدثنا بشر بن معاذ قال ، حدثنا يزيد قال حدثنا سعيد ، عن قتادة : (ومن
يولهم يومئذ دبره) ، قال : ذلكم يوم بدر.
15809 - حدثني المثنى قال ، حدثنا سويد قال ، أخبرنا ابن المبارك. عن المبارك بن
فضالة ، عن الحسن : (ومن يولهم يومئذ دبره) ، قال : ذلك يوم بدر. فأما اليوم ، فإن
انحاز إلى فئة أو مصر أحسبه قال : فلا بأس به.
15810 - حدثني المثنى قال ، حدثنا قبيصة بن عقبة قال ، حدثنا سفيان ، عن ابن عون
قال : كتبت إلى نافع : (ومن يولهم يومئذ دبره) ، قال : إنما هذا يوم بدر.
15811 - حدثني المثنى قال ، حدثنا سويد بن نصر قال ، حدثنا ابن المبارك ، عن ابن
لهيعة قال ، حدثني يزيد بن أبي حبيب قال : أوجب الله لمن فرّ يوم بدر النارَ. قال
: (ومن يولهم يومئذ دبره إلا متحرفًا لقتال أو متحيزًا إلى
(13/438)
فئة فقد باء بغضب من الله) ،
فلما كان يوم أحد بعد ذلك قال : ( إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ
مَا كَسَبُوا وَلَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ ) [سورة ال عمران : 155] . ثم كان
حنين ، بعد ذلك بسبع سنين فقال : ( ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ ) [سورة التوبة
: 25] : ( ثُمَّ يَتُوبُ اللَّهُ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ عَلَى مَنْ يَشَاءُ ) [سورة
التوبة : 27] .
15812 - حدثني يعقوب قال ، حدثنا ابن علية قال ، حدثنا ابن عون ، عن محمد ، أن عمر
رحمة الله عليه بلغه قتل أبي عبيدٍ فقال : لو تحيز إليّ! إنْ كنتُ لَفِئَةً! (1)
15813 - حدثني المثنى قال ، حدثنا سويد قال ، حدثنا ابن المبارك ، عن جرير بن حازم
قال ، حدثني قيس بن سعد قال : سألت عطاء بن أبي رباح عن قوله : (ومن يولهم يومئذ
دبره) ، قال : هذه منسوخة بالآية التي في الأنفال : ( الآنَ خَفَّفَ اللَّهُ
عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ
صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ ) ، [سورة الأنفال : 66]. قال : وليس لقوم أن
يفرُّوا من مثلَيْهم. قال : ونسخت تلك إلا هذه العِدّة. (2)
15814 - حدثني المثنى قال ، حدثنا سويد قال ، أخبرنا ابن المبارك ، عن
__________
(1) الأثر : 15812 - " أبو عبيدة بن مسعود الثقفي " ، صحابي وهو صاحب
يوم الجسر المعروف بجسر أبي عبيد . وكان عمر ولى الخلافة ، عزل خالد بن الوليد عن
العراق والأعنة ، وولى أبا عبيد بن مسعود الثقفي سنة 13 . ولما وجه يزدجر جموعه
إلى جيش أبي عبيد ، عبر أبو عبيد الجسر في المضيق ، فاقتتلوا قتالا شديدًا ، وأنكى
أبو عبيد في الفرس : وضرب أبو عبيد مشفر الفيل ، فبرك عليه الفيل فقتله . واستشهد
من المسلمين يومئذ ألف وثمانمائة ، ويقال أربعة آلاف ، ما بين قتيل وغريق . انظر
الاستيعاب : 671 ، وتاريخ الطبري 4 : 67 - 70 . وانظر الأثر رقم : 15814 ، 15815 .
وفي كثير من الكتب " أبو عبيدة " في هذا الخبر ، وهو خطأ .
وكان في المطبوعة هنا : " لو تحيز إلى لكنت له فئة " ، غير ما في
المخطوطة بلا أمانة ولا معرفة .
(2) الأثر : 15813 - " قيس بن سعد المكي " ، ثقة ، مضى برقم : 2943 ،
9413 ، وكان في المخطوطة والمطبوعة : " قيس بن سعيد " ، وهو خطأ .
(13/439)
سليمان التيمي ، عن أبي عثمان
قال : لما قتل أبو عبيد ، جاء الخبر إلى عمر فقال : يا أيها الناس ، أنا فئتكم.
(1)
15815 - . . . . قال : ابن المبارك ، عن معمر وسفيان الثوري وابن عيينة ، عن ابن
أبي نجيح ، عن مجاهد قال : قال عمر رضي الله عنه : أنا فئة كل مسلم.
* * *
وقال آخرون : بل هذه الآية حكمها عام في كل من ولى الدبر عن العدو منهزمًا.
* ذكر من قال ذلك :
15816 - حدثني المثنى قال ، حدثنا عبد الله بن صالح قال ، حدثني معاوية ، عن علي
بن أبي طلحة ، عن ابن عباس قال : أكبر الكبائر الشرك بالله ، والفرار من الزحف ،
لأن الله عز وجل يقول : (ومن يولهم يومئذ دبره... فقد باء بغضب من الله ومأواه
جهنم وبئس المصير) .
* * *
قال أبو جعفر : وأولى التأويلين في هذه الآية بالصواب عندي قولُ من قال : حكمها
محكم ، وأنها نزلت في أهل بدر ، وحكمها ثابت في جميع المؤمنين ، وأن الله حرّم على
المؤمنين إذا لقوا العدو ، أن يولوهم الدبر منهزمين إلا لتحرفٍ القتال ، أو لتحيز
إلى فئة من المؤمنين حيث كانت من أرض الإسلام ، وأن من ولاهم الدبر بعد الزحف لقتالٍ
منهزمًا بغير نية إحدى الخلتين اللتين أباح الله التولية بهما ، فقد استوجب من
الله وعيده ، إلا أن يتفضل عليه بعفوه.
وإنما قلنا هي محكمة غير منسوخة ، لما قد بينا في غير موضع من كتابنا هذا
__________
(1) الأثر : 15814 - " أبو عثمان " ، مجهول ، روى عن أنس بن مالك ،
ومعقل بن يسار . روى عنه " سليمان التيمي " ، قال ابن المديني : "
لم يرو عنه غيره ، وهو مجهول " مترجم في التهذيب ، وابن أبي حاتم 4 \ 2 \ 408
.
(13/440)
وغيره : (1) أنه لا يجوز أن
يحكم لحكم آية بنسخ ، وله في غير النسخ وجه ، إلا بحجة يجب التسليم لها ، من خبر
يقطع العذر ، أو حجة عقل ، ولا حجة من هذين المعنيين تدل على نسخ حكم قول الله عز
وجل : (ومن يولهم يومئذ دبره إلا متحرفًا لقتال أو متحيزًا إلى فئة) .
* * *
وأما قوله : (فقد باء بغضب من الله) ، يقول : فقد رجع بغضب من الله (2) (ومأواه
جهنم) ، يقول : ومصيره الذي يصير إليه في معاده يوم القيامة جهنم (3) " وبئس
المصير " ، يقول : وبئس الموضع الذي يصير إليه ذلك المصير. (4)
* * *
__________
(1) انظر ما قاله في " النسخ " ، في فهارس الموضوعات ، وفي فهارس اللغة
والنحو وغيرها .
(2) انظر تفسير " باء " فيما سلف 10 : 216 ، تعليق : 2 ، والمراجع هناك
.
(3) انظر تفسير " مأوى " فيما سلف 10 : 481 ، تعليق : 3 ، والمراجع هناك
.
(4) انظر تفسير " المصير " فيما سلف 9 : 205 ، تعليق : 5 ، والمراجع
هناك .
(13/441)
فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلَاءً حَسَنًا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (17)
القول في تأويل قوله : {
فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ
وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلاءً حَسَنًا إِنَّ
اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (17) }
قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره للمؤمنين به وبرسوله ، ممن شهد بدرًا مع رسول الله
صلى الله عليه وسلم ، فقاتل أعداء دينه معه من كفار قريش : فلم تقتلوا المشركين ،
أيها المؤمنون ، أنتم ، ولكن الله قتلهم.
* * *
وأضاف جل ثناؤه قتلهم إلى نفسه ، ونفاه عن المؤمنين به الذين قاتلوا المشركين ، إذ
كان جل ثناؤه هو مسبِّب قتلهم ، وعن أمره كان قتالُ المؤمنين إياهم. ففي ذلك أدلُّ
الدليل على فساد قول المنكرين أن يكون لله في أفعال خلقه صُنْعٌ به وَصَلوا إليها.
(13/441)
وكذلك قوله لنبيه عليه السلام
: (وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى) ، فأضاف الرميَّ إلى نبي الله ، ثم نفاه عنه ،
وأخبر عن نفسه أنه هو الرامي ، إذ كان جل ثناؤه هو الموصل المرميَّ به إلى الذين
رُمُوا به من المشركين ، والمسبِّب الرمية لرسوله.
فيقال للمنكرين ما ذكرنا (1) قد علمتم إضافة الله رَمْيِ نبيه صلى الله عليه وسلم
المشركين إلى نفسه ، بعد وصفه نبيَّه به ، وإضافته إليه ، وذلك فعلٌ واحد ، (2)
كان من الله تسبيبه وتسديده ، (3) ومن رسول الله صلى الله عليه وسلم الحذفُ
والإرسال ، فما تنكرون أن يكون كذلك سائر أفعال الخلق المكتسبة : من الله الإنشاء
والإنجاز بالتسبيب ، ومن الخلق الاكتسابُ بالقُوى ؟ فلن يقولوا في أحدهما قولا إلا
ألزموا في الآخر مثله.
* * *
وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك :
15817 - حدثنا محمد بن عمرو قال ، حدثنا أبو عاصم قال ، حدثنا عيسى ، عن ابن أبي
نجيح ، عن مجاهد في قول الله : (فلم تقتلوهم) ، لأصحاب محمد صلى الله عليه وسلم
حين قال هذا : " قتلت " ، وهذا : " قتلت " (وما رميت إذ رميت)
، قال لمحمد حين حَصَب الكفار.
15818 - حدثني المثنى قال ، حدثنا أبو حذيفة قال ، حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ،
عن مجاهد ، بنحوه.
15819 - حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال ، حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر عن
__________
(1) في المطبوعة والمخطوطة : " للمسلمين ما ذكرنا " ، وهو خطأ صرف ،
وظاهر أن كاتب النسخة التي نقل عنها ناسخ المخطوطة ، قد وصل " راء "
المنكرين بالياء والنون ، ولم يضع شرطة الكاف كعادتهم ، فقرأها خطأ ، ونقلها خطأ .
(2) في المطبوعة والمخطوطة : " ذلك " بغير واو ، والكلام لا يستقيم
بغيرها .
(3) في المطبوعة والمخطوطة : " بتسبيبه " وهو خطأ من الناسخ ، صوابه ما
أثبت بغير باء في أوله ، كما يدل عليه السياق .
(13/442)
قتادة : (وما رميت إذ رميت
ولكن الله رمى) ، قال : رماهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحصباء يوم بدر.
15820 - حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال ، حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن أيوب ،
عن عكرمة قال : ما وقع منها شيء إلا في عين رجل.
15821 - حدثنا عبد الوارث بن عبد الصمد بن عبد الوارث قال ، حدثنا أبي قال ، حدثنا
أبان العطار قال ، حدثنا هشام بن عروة قال : لما ورد رسول الله صلى الله عليه وسلم
بدرًا قال : هذه مصارعهم! ووَجد المشركون النبيَّ صلى الله عليه وسلم قد سبقهم
إليه ونزل عليه ، فلما طلعوا عليه زعموا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "
هذه قريش قد جاءت بجَلَبتها وفخرها ، تحادُّك وتكذب رسولك ، اللهم إني أسألك ما
وعدتني! " . فلما أقبلوا استقبلهم ، فحثا في وجوههم ، فهزمهم الله عز وجل.
(1)
15822 - حدثنا أحمد بن منصور قال ، حدثنا يعقوب بن محمد قال ، حدثنا عبد العزيز بن
عمران قال ، حدثنا موسى بن يعقوب بن عبد الله بن زمعة ، عن يزيد بن عبد الله ، عن
أبي بكر بن سليمان بن أبي حثمة ، عن حكيم بن حزام قال : لما كان يوم بدر ، سمعنا
صوتًا وقع من السماء كأنه صوت حصاة وقعت في طَسْت ، ورمى رسول الله صلى الله عليه
وسلم تلك الرمية فانهزمنا. (2)
__________
(1) الأثر : 15821 - " أبان العطار " ، هو " أبان بن يزيد العطار
" ، ثقة ، مضى : 3832 ، 9656 ، 13518 ، 15719 .
وهذا الخبر رواه أبو جعفر في تاريخه 2 : 268 في أثناء خبر طويل ، قد مضى بعضه برقم
: 15719 ، وهو من كتاب عروة إلى عبد الملك بن مروان ، رواه أبو جعفر مفرقًا في
التاريخ ، سأخرجه مجموعًا في تخريج الأثر رقم : 16083 .
وكان في المطبوعة هنا : " قد جاءت بخيلائها وفخرها " ، وهو تصرف قبيح .
وأثبت ما في المخطوطة ، وهو مطابق لما في التاريخ .
و " الجلبة " ، هو اختلاط الناس إذ تجمعوا ، وصاح بعضهم ببعض يذمره
ويستحثه ، كالذي يكون في اجتماع الجيوش .
(2) الأثر : 15822 - " أحمد بن منصور بن سيار بن المعارك الرمادي " ،
شيخ الطبري ، ثقة . مضى برقم : 10260 ، 10521 .
و " يعقوب بن محمد الزهري " ، مختلف فيه ، وهو صدوق ، لكن لا يبالي عمن
حدث . مضى برقم : 2867 ، 8012 ، 15654 ، 15714 .
و " عبد العزيز بن عمران بن عبد العزيز الزهري " ، الأعرج ، يعرف بابن
أبي ثابت . ضعيف ، كان صاحب نسب ، لم يكن من أصحاب الحديث . مضى برقم : 8012 ،
15756 .
و " موسى بن يعقوب بن عبد الله بن وهيب بن زمعة الأسدي القرشي " ، ثقة ،
متكلم فيه ، وقال أحمد : " لا يعجبني حديثه " ، وقال أبو داود : "
له مشايخ مجهولون " . مضى برقم : 9923 ، 15756 .
و " يزيد بن عبد الله بن وهب بن زمعة الأسدي القرشي " ، روى عنه ابن
أخيه " موسى بن يعقوب " . مترجم في الكبير 4 \ 2 \ 346 ، وابن أبي حاتم
4 \ 2 \ 276 ، ولم يذكرا فيه جرحًا .
و " أبو بكر بن سليمان بن أبي حثمة العدوي " ، كان من علماء قريش . ثقة
. مترجم في التهذيب ، والكني البخاري : 13 ، وابن أبي حاتم 4 \ 2 \ 341 .
وهذا خبر ضعيف الإسناد ، لضعف " عبد العزيز بن عمران الزهري " ، وذكره
ابن كثير في تفسيره 4 : 32 ، وقال : " غريب من هذا الوجه " ، فقصر في
بيان إسناده .
بيد أن الهيثمي ذكره في مجمع الزائد 6 : 84 ، وقال : " رواه الطبراني في
الكبير والأوسط ، وإسناده حسن " ، فلعله إسناد غير هذا ، فإنه قد ضعف عبد
العزيز بن عمران في هذا الباب مرارًا كثيرة .
وخرجه السيوطي في الدر المنثور 3 : 174 ، وزاد نسبته إلى ابن أبي حاتم ، والطبراني
، وابن مردويه .
(13/443)
15823 - حدثني الحارث قال ،
حدثنا عبد العزيز قال ، حدثنا أبو معشر ، عن محمد بن قيس ، ومحمد بن كعب القرظي
قالا لما دنا القوم بعضهم من بعض ، أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم قبضة من تراب
فرمى بها في وجوه القوم ، وقال : " شاهت الوجوه! " ، فدخلت في أعينهم
كلهم ، وأقبل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يقتلونهم ويأسرونهم ، وكانت
هزيمتهم في رمية رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأنزل الله : (وما رميت إذ رميت
ولكن الله رمى) ، الآية ، إلى : (إن الله سميع عليم) .
15824 - حدثنا بشر بن معاذ قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد ، عن قتادة قوله :
(وما رميت إذ رميت) ، الآية ، ذكر لنا أن نبي الله صلى الله عليه وسلم أخذ يوم بدر
ثلاثة أحجار ورمى بها وجوه الكفار ، فهزموا عند الحجر الثالث.
(13/444)
15825 - حدثني محمد بن الحسين
قال ، حدثنا أحمد بن المفضل قال ، حدثنا أسباط ، عن السدي قال : قال رسول الله صلى
الله عليه وسلم حين التقى الجمعان يوم بدر لعلي : " أعطني حصًا من الأرض
" ، فناوله حصى عليه تراب ، فرمى به وجوه القوم ، فلم يبق مشرك إلا دخل في
عينيه من ذلك التراب شيء ، ثم رَدِفهم المؤمنون يقتلونهم ويأسرونهم ، (1) فذكر
رميةَ النبي صلى الله عليه وسلم فقال : (فلم تقتلوهم ولكن الله قتلهم وما رميت إذ
رميت ولكن الله رمى) .
15826 - حدثني يونس قال ، أخبرنا ابن وهب قال ، قال ابن زيد في قوله : (وما رميت
إذ رميت ولكن الله رمى) ، قال : هذا يوم بدر ، أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم
ثلاث حصيات ، فرمى بحصاة في ميمنة القوم ، وحصاة في ميسرة القوم ، وحصاة بين
أظهرهم ، وقال : " شاهت الوجوه! " ، وانهزموا ، فذلك قول الله عز وجل :
(وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى) .
15827 - حدثني المثنى قال ، حدثنا أبو صالح قال ، حدثني معاوية ، عن علي ، عن ابن
عباس قال : رفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده يوم بدر فقال : يا رب ، إن تهلك
هذه العصابة فلن تعبد في الأرض أبدًا! فقال له جبريل : خذ قبضة من التراب! فأخذ
قبضة من التراب ، فرمى بها في وجوههم ، فما من المشركين من أحد إلا أصابَ عينيه
ومنخريه وفمه تراب من تلك القبضة ، فولُّوا مدبرين.
15728 - حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق قال : قال الله عز وجل في
رمي رسول الله صلى الله عليه وسلم المشركين بالحصباء من يده حين رماهم : (وما رميت
إذ رميت ولكن الله رمى) ، أي : لم يكن ذلك برميتك ، لولا الذي جعل الله فيها من
نصرك ، وما ألقى في صدور عدوك منها حين هزمهم الله. (2)
* * *
__________
(1) " ردفه " ( بفتح فكسر ) : اتبعه ودهمه .
(2) الأثر : 15828 - سيرة ابن هشام 2 : 323 ، وهو تابع الأثر السالف رقم : 15783 .
وكان في المطبوعة والمخطوطة ، أغفل ذكر " وما رميت إذ رميت " ، وأتى
ببقية الآية . وكان في المخطوطة " حين هزمهم " ، بغير ذكر لفظ الجلالة ،
فغيرها في المطبوعة فقال : " فهزمتهم " . وأثبت ما في سيرة ابن هشام .
(13/445)
وروي عن الزهري في ذلك قول
خلاف هذه الأقوال ، وهو ما : -
15829 - حدثنا الحسن بن يحيى قال ، حدثنا عبد الرزاق قال ، أخبرنا معمر ، عن
الزهري : (وما رميت إذ رميت) ، قال : جاء أبي بن خلف الجمحي إلى النبي صلى الله
عليه وسلم بعظم حائل ، فقال : " آلله محيي هذا ، يا محمد ، وهو رميم ؟ "
، وهو يفتُّ العظم ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : يحييه الله ، ثم يميتك ، ثم
يدخلك النار! قال : فلما كان يوما أحد قال : والله لأقتلن محمدًا إذا رأيته! فبلغ
ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال : بل أنا أقتله إن شاء الله.
(13/446)
(1)
* * *
__________
(1) أخشى أن يكون في هذا الموضع من التفسير نقص ، فإني وجدت ابن كثير ( 4 : 32 )
قد ذكر في تفسير هذه الآية ما نسبه إلى ابن جرير ، وهذا نصه بترتيبه وتعليقه :
وههنا قولان آخران غريبان جدًّا :
أحدهما : قال ابن جرير : حدثني محمد بن عوف الطائي ، حدثنا أبو المغيرة ، حدثنا
صفوان بن عمرو ، حدثنا عبد الرحمن بن جبير : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم
ابن أبي الحقيق بخيبر ، دعَا بقوس ، فأتِىَ بقوسٍ طويلة ، وقال : جيئوني بقوس
غيرها . فجاؤوه بقوسٍ كَبْداء ، فرمى النبيّ صلى الله عليه وسلم الحصن ، فأقبل
السهم يهوي حتى قتل ابن أبي الحقيق ، وهو في فراشه ، فأنزل الله " وَمَا
رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى " .
وهذا غريب ، وإسناده جيد إلى عبد الرحمن بن جبير بن نفير ، ولعله اشتبه عليه ، أو
أنه أراد أن الآية تعم هذا كله ، وإلا فسياق الآية في سورة الأنفال في قصة بدرٍ لا
مَحالة ، وهذا مما لا يخفي على أئمة العلم ، والله أعلم .
والثاني : روى ابن جرير أيضًا ، والحاكم في مستدركه ، بإسناد صحيح إلى سعيد بن
المسيّب والزهري أنهما قالا : أنزلت في رمية النبي صلى الله عليه وسلم يوم أُحُدٍ
أُبَيَّ بن خلفٍ بالحربة في لأْمَته ، فخدشه في تَرْقُوَته ، فجعل يتدأدأ عن فرسه
مرارًا . حتى كانت وفاتُه بعد أيام قاسى فيها العذاب الأليمَ ، موصولا بعذابِ
البرزخ ، المتصل بعذاب الآخرة .
وهذا القول عن هذين الإمامين غريب أيضًا جدًّا ، ولعلهما أرادَا أن الآية تتناوله
بعمومها ، لا أنها نزلت فيه خاصة ، كما تقدم ، والله أعلم " .
قلت : والخبر الأول منهما ، رواه الواحدي في أسباب النزول : 174 من طريق "
صفوان بن عمرو ، عن عبد العزيز بن جبير " ، وقوله : " عبد العزيز "
، خطأ ، صوابه ما في تفسير ابن كثير .
ثم إن السيوطي في الدر المنثور 3 : 175 ، خرج هذين الخبرين منسوبين إلى ابن جرير
أيضًا ، وزاد نسبته الأول منهما إلى ابن أبي حاتم . وذكر الثاني وزاد نسبته إلى
ابن المنذر ، وابن أبي حاتم .
ثم زاد السيوطي في الدر المنثور ، وهذان الخبران أنقلهما أيضًا بنصهما منه :
الأول : " أخرج عبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن أبي حاتم ، عن سعيد بن
المسيّب قال : لما كان يوم أُحُد ، أخذ أبيُّ بن خلفٍ يركض فرسه حتى دنا من رسول
الله صلى الله عليه وسلم ، واعترض رجالٌ من المسلمين لأبيّ بن خلف ليقتلوه . فقال
لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم : استأخروا ! استأخرُوا ، فأخذ رسول الله صلى
الله عليه وسلم حربته في يده فرمى بها أبيّ بن خلف ، وكسر ضِلْعًا من أضلاعه ،
فرجع أبيّ بن خلف إلى أصحابه ثقيلا ، فاحتملوه حين وَلَّوا قافلين ، فطفقوا يقولون
: لا بأس ! فقال أبيّ حين قالوا ذلك : والله لو كانت بالناس لقتلتهم ! ألم يقلْ :
إنِّي أقتلك إن شاء الله ؟ فانطلق به أصحابه يَنْعَشونه حتى مات ببعض الطريق ،
فدفنوه .
قال ابن المسيب : وفي ذلك أنزل الله تعالى : " وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ
وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى الآية " .
الثاني : " وأخرج ابن جرير وابن المنذر ، عن الزهري في قوله : وَمَا رَمَيْتَ
إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى . قال : حيث رمَى أبيَّ بنَ خلف يوم أُحُدٍ
بحربته ، فهذا كله ، يوشك أن يرجح سقوط شيء من أخبار أبي جعفر في هذا الموضع . إلا
أن تكون هذه الأخبار ستأتي فيما بعد في غير هذا الموضع . أما فيما سلف ، فإن خبر
" أبي بن خلف " قد مضى في حديث السدى رقم : 7943 ( ج 7 : 255 )
والخبر الأول رواه الحاكم في المستدرك 2 : 327 ، من طريق محمد بن فليح ، عن موسى
بن عقبة ، عن ابن شهاب ، عن سعيد بن المسيب ، وقال : هذا حديث صحيح على شرط
الشيخين ولم يخرجاه ، ووافقه الذهبي .
(13/447)
وأما قوله : (وليبلي المؤمنين
منه بلاء حسنًا) ، فإنّ معناه : وكي ينعم على المؤمنين بالله ورسوله بالظفر
بأعدائهم ، (1) ويغنّمهم ما معهم ، ويكتبت لهم أجور أعمالهم وجهادهم مع رسول الله
صلى الله عليه وسلم . (2)
* * *
وذلك " البلاء الحسن " ، رمي الله هؤلاء المشركين ، ويعني ب "
البلاء الحسن " ، النعمة الحسنة الجميلة ، وهي ما وصفت وما في معناه. (3)
15830 - حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق قال في قوله : (وليبلي
المؤمنين منه بلاء حسنًا) ، أي ليعرِّف المؤمنين من نعمه عليهم ، في إظهارهم على
عدوهم مع كثرة عددهم وقلة عددهم ، ليعرفوا بذلك حقه ، وليشكروا بذلك نعمته. (4)
* * *
وقوله : (إن الله سميع عليم) ، يعني : إن الله سميع ، أيها المؤمنون ، لدعاء النبي
صلى الله عليه وسلم ، ومناشدته ربه ، ومسألته إياه إهلاكَ عدوه وعدوكم ، فقيل له :
إنْ يَكُ إلا جّحْش! قال : أليسَ قال : أنا أقتلك ؟ والله لو قالها لجميع الخلق
لماتوا! "
__________
(1) في المطبوعة : " ولينعم " ، وأثبت ما في المخطوطة .
(2) في المطبوعة : " ويثبت لهم أجور أعمالهم " ، وهو لا معنى له ، ولم
يحسن قراءة المخطوطة ، لخطأ في نقطها .
(3) انظر تفسير " البلاء " فيما سلف ص : 85 ، تعليق : 5 ، والمراجع هناك
.
(4) الأثر : 15830 - سيرة ابن هشام 2 : 323 ، 324 ، وهو تابع الأثر السالف رقم :
15828 . وفي السيرة سقط من السياق قوله : " مع كثرة عددهم " ، فيصحح
هناك .
(13/448)
ذَلِكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ مُوهِنُ كَيْدِ الْكَافِرِينَ (18)
ولقِيلكم وقيل جميع خلقه
" عليم " ، بذلك كله ، وبما فيه صلاحكم وصلاح عباده ، وغير ذلك من
الأشياء ، محيط به ، فاتقوه وأطيعوا أمرَه وأمر رسوله. (1)
القول في تأويل قوله : { ذَلِكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ مُوهِنُ كَيْدِ الْكَافِرِينَ
(18) }
قال أبو جعفر : يعني جل ثناؤه بقوله : (ذلكم) ، هذا الفعل من قتل المشركين ورميهم
حتى انهزموا ، وابتلاء المؤمنين البلاء الحسن بالظفر بهم ، وإمكانهم من قتلهم
وأسرهم فعلنا الذي فعلنا(وأنّ الله موهن كيد الكافرين) ، يقول : واعلموا أن الله
مع ذلك مُضْعِف (2) " كيد الكافرين " ، يعنى : مكرهم ، (3) حتى
يَذِلُّوا وينقادوا للحق ، أو يُهْلَكوا. (4)
* * *
وفى فتح " أن " من الوجوه ما في قوله : ( ذَلِكُمْ فَذُوقُوهُ وَأَنَّ
لِلْكَافِرِينَ ) ، [سورة الأنفال : 14] ، وقد بينته هنالك. (5)
* * *
وقد اختلفت القرأة في قراءة قوله : (موهن) .
فقرأته عامة قرأة أهل المدينة وبعض المكيين والبصريين : " مُوَهِّنُ "
بالتشديد ، من : " وهَّنت الشيء " ، ضعَّفته.
* * *
__________
(1) انظر تفسير " سميع " و " عليم " فيما سلف من فهارس اللغة
( سمع ) ، ( علم ) .
(2) انظر تفسير " الوهن " فيما سلف 7 : 234 ، 269 \ 9 : 170 .
(3) انظر تفسير " الكيد " فيما سلف ص : 322 ، تعليق : 2 ، والمراجع هناك
.
(4) في المخطوطة : " ويهلكوا " ، وصواب السياق ما أثبت .
(5) انظر ما سلف ص : 434 .
(13/449)
إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جَاءَكُمُ الْفَتْحُ وَإِنْ تَنْتَهُوا فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَإِنْ تَعُودُوا نَعُدْ وَلَنْ تُغْنِيَ عَنْكُمْ فِئَتُكُمْ شَيْئًا وَلَوْ كَثُرَتْ وَأَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ (19)
وقرأ ذلك عامة قرأة الكوفيين :
(مُوهِنُ) ، من أوهنته فأنا موهنه " ، بمعنى : أضعفته.
* * *
قال أبو جعفر : والتشديد في ذلك أعجبُ إليّ ، لأن الله تعالى كان ينقض ما يبرمه
المشركون لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه ، عقدًا بعد عَقْدٍ ، وشيئًا بعد
شيء ، وإن كان الآخرُ وجهًا صحيحًا.
* * *
القول في تأويل قوله : { إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جَاءَكُمُ الْفَتْحُ وَإِنْ تَنْتَهُوا
فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَإِنْ تَعُودُوا نَعُدْ وَلَنْ تُغْنِيَ عَنْكُمْ
فِئَتُكُمْ شَيْئًا وَلَوْ كَثُرَتْ وَأَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ (19) }
قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره للمشركين الذين حاربوا رسول الله صلى الله عليه
وسلم ببدر : (إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح) ، يعني : إن تستحكموا الله على أقطع
الحزبين للرحم ، وأظلم الفئتين ، وتستنصروه عليه ، فقد جاءكم حكم الله ، ونصرُه
المظلوم على الظالم ، والمحق على المبطل. (1)
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك :
15831 - حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا المحاربي ، عن جويبر ، عن الضحاك : (إن
تستفتحوا فقد جاءكم الفتح) ، قال : إن تستقضوا فقد جاءكم القضاء.
__________
(1) انظر تفسير " الاستفتاح " و " الفتح " فيما سلف 2 : 254 \
10 : 405 ، 406 \ 12 : 563 .
(13/450)
15832 - . . . . قال : حدثنا
سويد بن عمرو الكلبي ، عن حماد بن زيد ، عن أيوب ، عن عكرمة : (إن تستفتحوا فقد
جاءكم الفتح) ، قال : إن تستقضوا فقد جاءكم القضاء.
15833 - حدثنا ابن المثنى قال ، حدثنا عبد الله بن صالح قال ، حدثني معاوية ، عن
علي ، عن ابن عباس قوله : (إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح) ، يعني بذلك المشركين :
إن تستنصروا فقد جاءكم المدد.
15834 - حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثني حجاج ، عن ابن جريج قال ،
أخبرني عبد الله بن كثير ، عن ابن عباس قوله : (إن تستفتحوا) ، قال : إن تستقضوا
القضاء وإنه كان يقول : (وإن تنتهوا فهو خير لكم وإن تعودوا نعد ولن تغني عنكم
فئتكم شيئًا) ، قلت : للمشركين ؟ قال : لا نعلمه إلا ذلك (1)
15835 - حدثني محمد بن عمرو قال ، حدثنا أبو عاصم قال ، حدثنا عيسى ، عن ابن أبي
نجيح ، عن مجاهد قوله : (إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح) ، قال : كفار قريش في قولهم
: " ربنا افتح بيننا وبين محمد وأصحابه " ! ففُتح بينهم يوم بدر.
15836 - حدثني المثنى قال ، حدثنا أبو حذيفة قال ، حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ،
عن مجاهد ، نحوه.
15837 - حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال ، حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن الزهري
: (إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح) ، قال : استفتح أبو جهل فقال : اللهم يعني محمدًا
ونفسه " أيُّنا كان أفجرَ لك ، اللهم وأقطعَ للرحم ، فأحِنْه اليوم " !
(2) قال الله : (إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح) .
15838 - حدثنا الحسن بن يحيى قال ، أخبرنا عبد الرزاق قال ، أخبرنا معمر ، عن
الزهري في قوله : (إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح) ، قال : استفتح
__________
(1) في المطبوعة والمخطوطة ، " لا نعلم " ، والجيد ما أثبت .
(2) يقال : " أحانه الله " ، أهلكه . و " الحين " ( بفتح
فسكون ) : الهلاك ، أو هو أجل الهلاك على التحقيق .
(13/451)
أبو جهل بن هشام فقال : "
اللهم أيُّنا كان أفجر لك وأقطعَ للرحم ، فأحنه اليوم! " يعني محمدًا عليه
الصلاة والسلام ونفسه. قال الله عز وجل : (إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح) ، فضربه
ابنا عفراء : عوف ومعوِّذ ، وأجهزَ عليه ابن مسعود.
15839 - حدثني المثنى قال ، حدثنا أبو صالح قال ، حدثني الليث قال ، حدثنى عقيل ،
عن ابن شهاب قال ، أخبرني عبد الله بن ثعلبة بن صُعَير العدوي ، حليف بني زهرة ،
أن المستفتح يومئذ أبو جهل ، وأنه قال حين التقى القوم : " أينا أقطعُ للرحم
، وآتانا بما لا يُعرف ، فأحِنْه الغداة " ! فكان ذلك استفتاحه ، فأنزل الله
في ذلك : (إن إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح) ، الآية. (1)
15840 - حدثنا بشر قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد ، عن قتادة قوله : (إن
تستفتحوا فقد جاءكم الفتح) ، الآية ، يقول : قد كانت بدرٌ قضاءً وعِبْرةً لمن
اعتبر.
__________
(1) الأثر : 15839 - " عبد الله بن ثعلبة بن صعير العدوي " ، مسح رسول
الله صلى الله عليه وسلم وجهه ورأسه زمن الفتح ، ودعا له . وقال أبو حاتم : "
رأى النبي صلى الله عليه وسلم وهو صغير " ، وقال البخاري في التاريخ : "
عبد الله بن ثعلية ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، مرسل ، إلا أن يكون عن أبيه ،
وهو أشبه " . مترجم في الإصابة ، والتهذيب ، وأسد الغابة ، والاستيعاب : 341
، وابن أبي حاتم 2 \ 2 \ 19 .
وهذا الخبر سيأتي من طريق ابن إسحاق ، عن الزهري ، برقم : 15846 ، 15848 ، ومن
طريق صالح بن كيسان ، عن الزهري ، رقم : 15847 .
ورواه أحمد في مسنده 5 : 431 ، 4 من طريق يزيد بن هارون ، عن ابن إسحاق ، عن
الزهري ، وص : 431 ، 432 ، من طريق يعقوب بن إبراهيم بن سعد ، عن أبيه ، عن ابن
إسحاق ، عن الزهري .
ورواه الحاكم في المستدرك 2 : 328 من طريق يزيد بن هارون ، عن محمد بن إسحاق ، عن
الزهري ثم من طريق عبد الله بن أحمد بن حنبل ، عن أبيه ، عن يعقوب بن إبراهيم بن
سعد ، عن أبيه ، عن صالح بن كيسان ، عن الزهري ، وقال : " هذا حديث صحيح على
شرط الشيخين ، ولم يخرجاه " ، ووافقه الذهبي .
وهذا الإسناد الثاني الذي ذكره الحاكم ، لم أجده في المسند ، و " إبراهيم بن
سعد " يروي عن " صالح بن كيسان " ، وعن " الزهري " ، عن
" ابن إسحاق " .
(13/452)
15841 - حدثني محمد بن الحسين
قال ، حدثنا أحمد بن المفضل قال ، حدثنا أسباط ، عن السدي قال : كان المشركون حين
خرجوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم من مكة ، أخذوا بأستار الكعبة واستنصروا الله
وقالوا : " اللهم انصر أعز الجندين ، وأكرم الفئتين ، وخير القبيلتين "
! فقال الله : (إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح) ، يقول : نصرت ما قلتم ، وهو محمد
صلى الله عليه وسلم .
15842 - حدثنا عن الحسين بن الفرج قال ، سمعت أبا معاذ يقول ، حدثنا عبيد بن
سليمان قال ، سمعت الضحاك يقول في قوله : (إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح) إلى قوله
: (وأن الله مع المؤمنين) ، وذلك حين خرج المشركون ينظرون عِيرَهم ، وإن أهلَ
العير ، أبا سفيان وأصحابه ، أرسلوا إلى المشركين بمكة يستنصرونهم ، فقال أبو جهل
: " أينا كان خيرًا عندك فانصره " ! وهو قوله : (إن تستفتحوا) ، يقول :
تستنصروا.
15843 - حدثني يونس قال ، أخبرنا ابن وهب قال ، قال ابن زيد في قوله : (إن
تستفتحوا فقد جاءكم الفتح) ، قال : إن تستفتحوا العذاب ، فعُذِّبوا يوم بدر. قال :
وكان استفتاحهم بمكة ، قالوا : ( اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ
عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ
أَلِيمٍ ) ، [سورة الأنفال : 32]. قال : فجاءهم العذاب يوم بدر. وأخبر عن يوم أحد
: (وإن تعودوا نعد ولن نغني عنكم فئتكم شيئًا ولو كثرت وأن الله مع المؤمنين) .
15844 - حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا ابن فضيل ، عن مطرف ، عن عطية قال : قال أبو
جهل يوم بدر : " اللهم انصر أهدى الفئتين ، وخير الفئتين وأفضل " فنزلت
: (إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح) .
15845 - . . . . قال ، حدثنا عبد الأعلى ، عن معمر ، عن الزهري : أن أبا جهل هو
الذي استفتح يوم بدر وقال : " اللهم أينا كان أفجر وأقطع لرحمه ، فأحِنْه
اليوم " ! فأنزل الله : (إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح) .
15846 - . . . . قال ، حدثنا يزيد بن هارون ، عن ابن إسحاق ،
(13/453)
عن الزهري ، عن عبد الله بن
ثعلبة بن صعير : أن أبا جهل ، قال يوم بدر : اللهمّ أقطعنا لرحمه ، وآتانا بما لا
نعرف ، فأحنه الغداة! " . وكان ذلك استفتاحًا منه ، فنزلت : (إن تستفتحوا فقد
جاءكم الفتح) ، الآية. (1)
15847 - . . . . قال ، حدثنا يحيى بن آدم ، عن إبراهيم بن سعد ، عن صالح بن كيسان
، عن الزهري ، عن عبد الله بن ثعلبة بن صعير قال : كان المستفتح يوم بدر أبا جهل ،
قال : " اللهم أقطعنا للرحم ، وآتانا بما لا نعرف ، فأحنه الغداة! " ،
فأنزل الله : (إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح) . (2)
15848 - حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق قال ، حدثني محمد بن مسلم
الزهري ، عن عبد الله بن ثعلبة بن صعير ، حليف بني زهرة قال : لما التقى الناس ،
ودنا بعضهم من بعض ، قال أبو جهل : " اللهم أقطعنا للرحم ، وآتانا بما لا
نعرف ، فأحنه الغداة! " ، فكان هو المستفتح على نفسه (3) قال ابن إسحاق :
فقال الله : (إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح) ، لقول أبي جهل : " اللهم أقطعنا
للرحم ، وآتانا بما لا نعرف ، فأحنه للغداة! " قال : " الاستفتاح "
، الإنصاف في الدعاء. (4)
15849 - حدثني الحارث قال ، حدثنا عبد العزيز قال ، حدثنا أبو معشر ، عن يزيد بن
رومان وغيره : قال أبو جهل يوم بدر : " اللهم انصر أحب الدينين إليك ، دينَنا
العتيق ، أم دينهم الحديث " ! فأنزل الله : (إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح) ،
إلى قوله : (وأن الله مع المؤمنين) .
* * *
__________
(1) الأثر : 15846 - انظر تخريج الأثر رقم : 15839 ، والخبرين التاليين .
(2) الأثر : 15847 - انظر تخريج الآثار السالفة ، والذي سيليه .
(3) قول : " على نفسه " ، ليست في سيرة ابن هشام 2 : 280 . وانظر تخريج
الخبر ، بعد .
(4) الأثر : 15848 - هما خبران ، أولهما إلى قوله : " المستفتح على نفسه
" ، رواه ابن هشام في سيرته 2 : 280 ، وسائر الخبر ، رواه في سيرته 2 : 324 ،
وهو تابع الأثر : 15830 .
وانظر تخريج الأثر رقم : 15839 .
(13/454)
وأما قوله : (وإن تنتهوا فهو
خير لكم) ، فإنه يقول : " وإن تنتهوا " ، يا معشر قريش ، وجماعة الكفار
، عن الكفر بالله ورسوله ، وقتال نبيه صلى الله عليه وسلم والمؤمنين به " فهو
خير لكم " ، في دنياكم وآخرتكم (1) (وإن تعودوا نعد) ، يقول : وإن تعودوا
لحربه وقتاله وقتال اتباعه المؤمنين " نعد " ، أي : بمثل الواقعة التي
أوقعت بكم يوم بدر.
* * *
وقوله : (ولن تغني عنكم فئتكم شيئًا ولو كثرت) ، يقول : وإن تعودوا نعد لهلاككم
بأيدي أوليائي وهزيمتكم ، ولن تغني عنكم عند عودي لقتلكم بأيديهم وسَبْيكم وهزمكم
(2) " فئتكم شيئًا ولو كثرت " ، يعني : جندهم وجماعتهم من المشركين ،
(3) كما لم يغنوا عنهم يوم بدر مع كثرة عددهم وقلة عدد المؤمنين شيئًا(وأن الله مع
المؤمنين) ، يقول جل ذكره : وأن الله مع من آمن به من عباده على من كفر به منهم ،
ينصرهم عليهم ، أو يظهرهم كما أظهرهم يوم بدر على المشركين. (4)
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك :
15850 - حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق في قوله : (وإن تنتهوا
فهو خير لكم) ، قال : يقول لقريش " وإن تعودوا نعد " ، لمثل الواقعة
التي أصابتكم يوم بدر(ولئن تغني عنكم فئتكم شيئًا ولو كثرت وأن الله مع المؤمنين)
، أي : وإن كثر عددكم في أنفسكم لن يغني عنكم شيئًا. وإني مع المؤمنين ، أنصرهم
على من خالفهم. (5)
* * *
__________
(1) انظر تفسير " الانتهاء " فيما سلف 20 : 566 ، تعليق : 1 والمراجع
هناك .
(2) انظر تفسير " أغنى " فيما سلف 7 : 133 .
(3) انظر تفسير " فئة " فيما سلف ص : 435 ، تعليق : 3 ، والمراجع هناك .
(4) انظر تفسير " مع " فيما سلف ص : 428 ، تعليق : 2 ، والمراجع هناك .
(5) الأثر : 15850 - سيرة ابن هشام 2 : 324 ، وهو تابع الأثر السالف رقم : 15848 ،
في القسم الثاني منه .
وكان في المطبوعة و " إن الله مع المؤمنين ينصرهم " ، وفي المخطوطة مثله
إلا أن فيها " أنصرهم " ، وأثبت نص ما في سيرة ابن هشام ، والذي في
المخطوطة بعضه سهو من الناسخ وعجلة .
(13/455)
وقد قيل : إن معنى قوله : (وإن
تعودوا نعد) ، وإن تعودوا للاستفتاح ، نعد لفتح محمد صلى الله عليه وسلم .
وهذا القول لا معنى له ، لأن الله تعالى قد كان ضمن لنبيه عليه السلام حين أذن له
في حرب أعدائه إظهارَ دينه وإعلاءَ كلمته ، من قبل أن يستفتح أبو جهل وحزبه ، فلا
وجه لأن يقال والأمر كذلك : " إن تنتهوا عن الاستفتاح فهو خير لكم ، وإن
تعودوا نعد " ، لأن الله قد كان وعد نبيه صلى الله عليه وسلم الفتح بقوله : (
أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى
نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ ) ، [سورة الحج : 39] ، استفتح المشركون أو لم يستفتحوا.
* ذكر من قال ذلك :
15851 - حدثنا محمد بن الحسين قال ، حدثنا أحمد بن المفضل قال ، حدثنا أسباط ، عن
السدي : (وإن تعودوا نعد) ، إن تستفتحوا الثانية نفتح لمحمد صلى الله عليه وسلم
(ولن نغني عنكم فئتكم شيئًا ولو كثرت وإن الله مع المؤمنين) ، محمد وأصحابه.
* * *
واختلفت القرأة في قراءة قوله : (وإن الله مع المؤمنين).
ففتحها عامة قرأة أهل المدينة بمعنى : ولن تغني عنكم فئتكم شيئًا ولو كثرت وإن
الله لمع المؤمنين (1) فعطف ب " أن " على موضع " ولو كثرت " ،
كأنه قال : لكثرتها ، ولأن الله مع المؤمنين. ويكون موضع " أن " حينئذ
نصبًا على هذا القول. (2)
* * *
وكان بعض أهل العربية يزعم أن فتحها إذا فتحت ، على : (وأنّ الله موهن كيد
الكافرين) ، (وأن الله مع المؤمنين) ، عطفًا بالأخرى على الأولى.
* * *
__________
(1) في المطبوعة : " مع المؤمنين " بغير لام ، وأثبت ما في المخطوطة ،
وأنا في شك منه .
(2) انظر معاني القرآن للفراء 1 : 407 .
(13/456)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ (20)
وقرأ ذلك عامة قرأة الكوفيين
والبصريين : " وَإِنَّ اللهَ " ، بكسر الألف على الابتداء ، واعتلوا
بأنها في قراءة عبد الله : " وإنَّ اللهَ لَمَعَ الْمُؤْمِنِينَ " .
* * *
قال أبو جعفر : وأولى القراءتين بالصواب ، قراءة من كسر " إن " للابتداء
، لتقضِّي الخبر قبل ذلك عما يقتضي قوله : (وأن الله مع المؤمنين) . (1)
* * *
القول في تأويل قوله : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ
وَرَسُولَهُ وَلا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ (20) }
قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره : يا أيها الذين صدقوا الله ورسوله(أطيعوا الله
ورسوله) ، فيما أمركم به وفيما نهاكم عنه(ولا تولوا عنه) ، يقول : ولا تدبروا عن
رسول الله صلى الله عليه وسلم مخالفين أمره ونهيه (2) " وأنتم تسمعون "
أمرَه إياكم ونهيه ، وأنتم به مؤمنون ، كما : -
15852 - حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق : (يا أيها الذين آمنوا
أطيعوا الله ورسوله ولا تولوا وأنتم تسمعون) ، أي : لا تخالفوا أمره ، وأنتم
تسمعون لقوله ، وتزعمون أنكم منه. (3)
* * *
__________
(1) في المطبوعة : " عما يقضي قوله " ، والصواب ما في المخطوطة .
(2) انظر تفسير " التولي " فيما سلف من فارس اللغة ( ولي ) .
(3) الأثر : 15852 - سيرة ابن هشام 2 : 324 ، وهو تابع الأثر السالف رقم : 15850.
وكان في المطبوعة هنا " وتزعمون أنكم مؤمنون " ، وأثبت ما في المخطوطة ،
وهو المطابق لما في سيرة ابن هشام .
(13/457)
وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ (21)
القول في تأويل قوله : { وَلا
تَكُونُوا كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لا يَسْمَعُونَ (21) }
قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره للمؤمنين بالله ورسوله من أصحاب نبي الله صلى الله
عليه وسلم : لا تكونوا ، أيها المؤمنون ، في مخالفة رسول الله صلى الله عليه وسلم
، كالمشركين الذين إذا سمعوا كتاب الله يتلى عليهم قالوا : " قد سمعنا "
، بآذاننا " وهم لا يسمعون " ، يقول : وهم لا يعتبرون ما يسمعون بآذانهم
ولا ينتفعون به ، لإعراضهم عنه ، وتركهم أن يُوعُوه قلوبهم ويتدبروه. فجعلهم الله
، إذ لم ينتفعوا بمواعظ القرآن وإن كانوا قد سمعوها بأذانهم ، (1) بمنزلة من لم
يسمعها. يقول جل ثناؤه لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا تكونوا أنتم في
الإعراض عن أمر رسول الله ، وترك الانتهاء إليه وأنتم تسمعونه بآذانكم ، كهؤلاء
المشركين الذين يسمعون مواعظ كتاب الله بآذانهم ، ويقولون : " قد سمعنا "
، وهم عن الاستماع لها والاتعاظ بها معرضون كمن لا يسمَعُها. (2)
* * *
وكان ابن إسحاق يقول في ذلك ما : -
15853 - حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق : (ولا تكونوا كالذين
قالوا سمعنا وهم لا يسمعون) ، أي : كالمنافقين الذين يظهرون له الطاعة ، ويُسِرُّون
المعصية. (3)
15854 - حدثني محمد بن عمرو قال ، حدثنا أبو عاصم قال ، حدثنا
__________
(1) في المطبوعة : " فجعلهم الله لما لم ينتفعوا " ، وأثبت ما في
المخطوطة .
(2) في المخطوطة : " وهم لاستعمالها والاتعاظ بها " ، والصواب ما في
المطبوعة ، وإنما هو إسقاط من الناسخ في كتابته . وكان في المطبوعة : " كمن
لم يسمعها " ، وأثبت ما في المخطوطة .
(3) الأثر : 15853 - سيرة ابن هشام 2 : 324 ، وهو تابع الأثر السالف رقم : 15852.
(13/458)
إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ (22)
عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن
مجاهد في قول الله : (وهم لا يسمعون) ، قال : عاصون.
15855 - حدثني المثنى قال ، حدثنا عبد الله ، عن ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن
مجاهد مثله.
* * *
قال أبو جعفر : وللذي قال ابن إسحاق وجه ، ولكن قوله : (ولا تكونوا كالذين قالوا
سمعنا وهم لا يسمعون) ، في سياق قَصَص المشركين ، ويتلوه الخبر عنهم بذمّهم ، وهو
قوله : ( إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لا
يَعْقِلُونَ ) ، فلأن يكون ما بينهما خبرًا عنهم ، أولى من أن يكون خبرًا عن
غيرهم.
* * *
القول في تأويل قوله : { إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ
الْبُكْمُ الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ (22) }
قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره : إنّ شر ما دبَّ على الأرض من خلق الله عند الله
، (1) الذين يصمون عن الحق لئلا يستمعوه ، (2) فيعتبروا به ويتعظوا به ، وينكُصون
عنه إن نطقوا به ، (3) الذين لا يعقلون عن الله أمره ونهيه ، فيستعملوا بهما
أبدانهم.
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك :
__________
(1) انظر تفسير " دابة " فيما سلف 3 : 275 \ 11 : 344 .
(2) انظر تفسير " الصمم " 1 : 328 - 331 \ 3 : 315 \ 10 : 478 \ 11 :
350 .
(3) انظر تفسير " البكم " فيما سلف 1 : 328 - 331 \3 : 315 \ 11 : 350 .
(13/459)
15856 - حدثني يونس قال ،
أخبرنا ابن وهب قال ، قال ابن زيد في قوله : (إن شر الدواب عند الله) ، قال :
" الدواب " ، الخلق.
15857 - حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثني حجاج قال ، قال ابن جريج ،
عن عكرمة قال : وكانوا يقولون : " إنا صم بكم عما يدعو إليه محمد ، لا نسمعه
منه ، ولا نجيبه به بتصديق! " فقتلوا جميعًا بأحد ، وكانوا أصحاب اللواء.
15858 - حدثني محمد بن عمرو قال ، حدثنا أبو عاصم قال ، حدثنا عيسى ، عن ابن أبي
نجيح ، عن مجاهد : " الصم البكم الذين لا يعقلون " ، قال : الذين لا
يتّبعون الحق.
15859 - حدثني يونس قال ، أخبرنا ابن وهب قال ، قال ابن زيد في قوله : (إن شر
الدوابّ عند الله الصم البكم الذين لا يعقلون) ، وليس بالأصم في الدنيا ولا
بالأبكم ، ولكن صمّ القلوب وبُكمها وعُميها! وقرأ : ( فَإِنَّهَا لا تَعْمَى
الأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ ) [سورة الحج :
46] .
* * *
واختلف فيمن عني بهذه الآية.
فقال بعضهم : عُني بها نفرٌ من المشركين.
* ذكر من قال ذلك :
15860 - حدثني المثنى قال ، حدثنا أبو حذيفة قال ، حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ،
عن مجاهد قال ، قال ابن عباس : " الصم البكم الذين لا يعقلون " ، نفرٌ
من بني عبد الدار ، لا يتبعون الحق.
15861 - . . . . قال ، حدثنا إسحاق قال ، حدثنا عبد الله ، عن ورقاء ، عن ابن أبي
نجيح ، عن مجاهد ، قوله : (الصم البكم الذين لا ينقلون) ، قال : لا يتبعون الحق
قال ، قال ابن عباس : هم نَفرٌ من بني عبد الدار.
15861 - حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثني حجاج ، عن
(13/460)
ابن جريج ، عن مجاهد ، نحوه.
* * *
وقال آخرون : عُني بها المنافقون.
* ذكر من قال ذلك :
15862 - حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق : (إن شرّ الدواب عند
الله الصم البكم الذين لا يعقلون) ، [أي المنافقون الذين نهيتكم أن تكونوا مثلهم ،
بُكمٌ عن الخير ، صم عن الحق ، لا يعقلون] ، لا يعرفون ما عليهم في ذلك من النقمة
والتِّباعة. (1)
* * *
قال أبو جعفر : وأولى القولين في ذلك بالصواب ، قولُ من قال بقول ابن عباس : وأنه
عُني بهذه الآية مشركو قريش ، لأنها في سياق الخبر عنهم.
* * *
__________
(1) الأثر : 15862 - سيرة ابن هشام 2 : 324 ، وهو تابع الأثر السالف رقم : 15853 .
والذي بين القوسين سقط من ناسخ المخطوطة بلا شك ، لأن إسقاطه يجعل الخبر غير مطابق
للترجمة ، لأنه عندئذ لا ذكر فيه للمنافقين . هذا فضلا عن أن أبا جعفر ينقل تفسير
ابن إسحاق في سيرته بنصه في كل ما مضى ، فلا معنى لاختصاره هنا اختصارًا مخلا ،
فثبت أن ذلك من الناسخ فزدته من السيرة .
أما الجملة التي أثبتها الناسخ ، وهي الخارجة عن القوسين . فكانت في المخطوطة :
" ... من النعمة والساعة " ، الأولى خطأ ، وصوابها ما أثبت .
فجاء الناشر ، ولم يفهم معنى الكلام ، فجعله هكذا : " ... من النعمة والسعة
" ، فصار خلطًا لا خير فيه ، ولا معنى له . ورددته إلى الصواب والحمد لله .
و " التباعة " ، ( بكسر التاء ) ، مثل " التبعة " ( بفتح
التاء وكسر الباء ) : ما فيه إثم يتبع به صاحبه . يقال : " ما عليه من الله
في هذا تبعة ولا تباعة " ، أي : مطالبة يطلب بإثمها .
(13/461)
وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ (23)
القول في تأويل قوله : {
وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ
لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ (23) }
قال أبو جعفر : اختلف أهل التأويل فيمن عني بهذه الآية ، وفي معناها.
فقال بعضهم : عني بها المشركون. وقال : معناه : أنهم لو رزقهم الله الفهم لما
أنزله على نبيه صلى الله عليه وسلم ، لم يؤمنوا به ، لأن الله قد حكم عليهم أنهم
لا يؤمنون.
* ذكر من قال ذلك :
15863 - حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثنى حجاج قال ، قال ابن جريج
قوله : (ولو علم الله فيهم خيرًا لأسمعهم ولو اسمعهم) ، لقالوا : ( ائْتِ
بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَذَا ) ، [سورة يونس : 15] ، ولقالوا : ( لَوْلا اجْتَبَيْتَهَا
) [سورة الأعراف : 203] ، ولو جاءهم بقرآن غيره(لتولوا وهم معرضون).
15864 - حدثني يونس قال ، أخبرنا ابن وهب قال ، قال ابن زيد في قوله : (ولو أسمعهم
لتولوا وهم معرضون) ، قال : لو أسمعهم بعد أن يعلم أن لا خير فيهم ، ما انتفعوا
بذلك ، ولتولوا وهم معرضون.
15865 - وحدثني به مرة أخرى فقال : " لو علم الله فيهم خيرًا لأسمعهم ولو
أسمعهم " ، بعد أن يعلم أن لا خير فيهم ، ما نفعهم بعد أن نفذ علمه بأنهم لا
ينتفعون به.
* * *
وقال آخرون : بل عني بها المنافقون. قالوا : ومعناه ما : -
15866 - حدثنا به ابن حميد قال ، حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق : (ولو علم الله فيهم
خيرًا لأسمعهم) ، لأنفذ لهم قولهم الذي قالوه بألسنتهم ، (1) ولكن
__________
(1) في المطبوعة : " الذي قالوه " ، وأثبت ما في المخطوطة ، مطابقًا لما
في السيرة .
(13/462)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (24)
القلوب خالفت ذلك منهم ، ولو
خرجوا معكم لتولوا وهم معرضون ، (1) ما وفَوا لكم بشيء مما خرجوا عليه. (2)
* * *
قال أبو جعفر : وأولى القول في تأويل ذلك بالصواب عندي ما قاله ابن جريج وابن زيد
، لما قد ذكرنا قبل من العلة ، وأن ذلك ليس من صفة المنافقين. (3)
* * *
قال أبو جعفر : فتأويل الآية إذًا : ولو علم الله في هؤلاء القائلين خيرًا ،
لأسمعهم مواعظ القرآن وعِبَره ، حتى يعقلوا عن الله عز وجل حججه منه ، ولكنه قد
علم أنه لا خير فيهم ، وأنهم ممن كتب لهم الشقاء فهم لا يؤمنون. ولو أفهمهم ذلك
حتى يعلموا ويفهموا ، لتولوا عن الله وعن رسوله ، (4) وهم معرضون عن الإيمان بما
دلَّهم على صحته مواعظُ الله وعبره وحججه ، (5) معاندون للحق بعد العلم به. (6)
* * *
القول في تأويل قوله : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ
وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ }
قال أبو جعفر : اختلف أهل التأويل في تأويل قوله : (إذا دعاكم لما يحييكم).
فقال بعضهم : معناه : استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم للإيمان.
__________
(1) كانت هذه الجملة الآتية في المخطوطة والمطبوعة هكذا : " فأوفوا لكم بشر
مما خرجوا عليه " ، وهو لا معنى له . وصوابها ما أثبت من سيرة ابن هشام .
(2) الأثر : 15866 - سيرة ابن هشام 2 : 324 ، وهو تابع الأثر السالف رقم : 15862 .
(3) انظر ص : 461 .
(4) انظر تفسير " التولي " فيما سلف 12 : 571 ، تعليق : 1 ، والمراجع
هناك .
(5) في المطبوعة : " ... دلهم على حقيقة " ، وفي المخطوطة : " ...
دلهم على حجته " ، وهذا صواب قراءتها .
(6) انظر تفسير " الإعراض " فيما سلف ص : 332 تعليق : 1 ، والمراجع هناك
.
(13/463)
* ذكر من قال ذلك :
15867 - حدثني محمد بن الحسين قال ، حدثنا أحمد بن المفضل قال ، حدثنا أسباط عن
السدي : (يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم) ، قال :
أمّا " ما يحييكم " ، (1) فهو الإسلام ، أحياهم بعد موتهم ، بعد كفرهم.
* * *
وقال آخرون : للحق.
* ذكر من قال ذلك :
15868 - حدثنا محمد بن عمرو قال ، حدثنا أبو عاصم قال ، حدثنا عيسى ، عن ابن أبي
نحيح ، عن مجاهد في قول الله : (لما يحييكم) ، قال : الحق.
15869 - حدثني المثنى قال ، حدثنا أبو حذيفة قال ، حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ،
عن مجاهد ، مثله.
15870 - حدثني المثنى قال ، حدثنا إسحاق قال ، حدثنا عبد الله ، عن ورقاء ، عن ابن
أبي نجيح ، عن مجاهد قوله : (إذا دعاكم لما يحييكم) ، قال : الحق.
15871 - حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا حكام قال ، حدثنا عنبسة ، عن محمد بن عبد
الرحمن ، عن القاسم بن أبي بزة ، عن مجاهد في قوله : (استجيبوا لله وللرسول إذا
دعاكم لما يحييكم) ، قال : للحق.
* * *
وقال آخرون : معناه : إذا دعاكم إلى ما في القرآن.
* ذكر من قال ذلك :
15872 - حدثنا بشر قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد ، عن قتادة
__________
(1) في المطبوعة والمخطوطة : " أما يحييكم " ، بإسقاط " ما "
والجيد إثباتها .
(13/464)
قوله : (يا أيها الذين آمنوا
استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم) ، قال : هو هذا القرآن ، فيه الحياة
والثقة والنجاة والعصمة في الدنيا والآخرة. (1)
* * *
وقال آخرون : معناه : إذا دعاكم إلى الحرب وجهاد العدو.
* ذكر من قال ذلك :
15873 - حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق : (يا أيها الذين آمنوا
استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم) ، أي : للحرب الذي أعزكم الله بها بعد
الذل ، وقوّاكم بعد الضعف ، ومنعكم بها من عدوكم بعد القهر منهم لكم. (2)
* * *
قال أبو جعفر : وأولى الأقوال في ذلك بالصواب ، قولُ من قال : معناه : استجيبوا
لله وللرسول بالطاعة ، إذا دعاكم الرسول لما يحييكم من الحق. وذلك أن ذلك إذا كان
معناه ، كان داخلا فيه الأمر بإجابتهم لقتال العدو والجهاد ، والإجابة إذا دعاكم
إلى حكم القرآن ، وفي الإجابة إلى كل ذلك حياة المجيب. أما في الدنيا ، فبقاء
الذكر الجميل ، (3) وذلك له فيه حياة. وأما في الآخرة ، فحياة الأبد في الجنان
والخلود فيها. (4)
* * *
وأما قول من قال : معناه الإسلام ، فقول لا معنى له. لأن الله قد وصفهم بالإيمان
بقوله : (يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم) ، فلا
وجه لأن يقال للمؤمن : استجب لله وللرسول إذا دعا إلى الإسلام والإيمان. (5)
* * *
__________
(1) في المطبوعة : " الحياة والعفة " ، وهي في المخطوطة كما أثبتها غير
منقوطة " الثاء " ، ثم زاد ناشرها أيضًا فأسقط من الكلام " والنجاة
" ، وهذا من أسوأ العبث وأقبحه .
(2) الأثر : 15873 - سيرة ابن هشام 2 : 324 ، وهو تابع الأثر السالف رقم : 15866.
(3) في المطبوعة والمخطوطة : " فيقال الذكر الجميل " ، وهو لا معنى له .
صوابه ما أثبت .
(4) انظر تفسير " الاستجابة " فيما سلف ص : 409 ، تعليق 1 ، والمراجع
هناك .
(5) في المطبوعة : " إذا دعاك " ، وأثبت ما في المخطوطة .
(13/465)
وبَعْدُ ، ففيما : -
15874 - حدثنا أحمد بن المقدام العجلي قال ، حدثنا يزيد بن زريع قال ، حدثنا روح
بن القاسم ، عن العلاء بن عبد الرحمن ، عن أبيه ، عن أبي هريرة قال : خرج رسول
الله صلى الله عليه وسلم على أبيٍّ وهو يصلي ، فدعاه : أيْ أُبَيّّ! فالتفت إليه
أبيّ ولم يجبه. ثم إن أبيًّا خفف الصلاة ، ثم انصرف إلى النبي صلى الله عليه وسلم
فقال : السلام عليك ، أي رسول الله! قال : وعليك ، ما منعك إذ دعوتك أن تجيبني ؟ قال
: يا رسول الله ، كنت أصلي! قال : أفلم تجد فيما أوحي إليّ : " استجيبوا لله
وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم " ؟ قال : بلى ، يا رسول الله! لا أعود. (1)
__________
(1) الأثر : : 15874 - سيأتي من طريق أخرى في الذي يليه .
" أحمد بن المقدام بن سليمان العجلي " ، شيخ الطبري ، ثقة ، مضى برقم :
12861 .
و " يزيد بن زريع العيشي " ، ثقة حافظ مضى مرارًا . برقم : 1769 ، 2533
، 5429 ، 5438 ، غيرها .
و " روح بن القاسم التميمي الطبري " ، ثقة ، مضى برقم 6613 .
و " العلاء بن عبد الرحمن بن يعقوب ، مولى الحرقة " ، تابعي ثقة ، مضى برقم
: 221 ، 14210 .
وأبوه : " عبد الرحمن بن يعقوب ، مولى الحرقة " ، تابعي ثقة . مضى برقم
: 14210 .
وهذا الخبر رواه أحمد في مسنده 2 : 412 ، 413 ، من طريق عبد الرحمن بن إبراهيم ،
عن العلاء بن عبد الرحمن . عن أبيه ، بنحوه ، مطولا .
ورواه الترمذي في " فضائل القرآن ، باب ما جاء في فضل الفاتحة " ، من
طريق عبد العزيز بن محمد الدراوردي ، عن العلاء ، بنحوه مطولا ، وقال : " هذا
حديث حسن صحيح " . وفي الباب عن أنس بن مالك " .
وخرجه ابن كثير في تفسيره 1 : 22 ، 23 .
ثم انظر حديث البخاري ( الفتح 8 : 119 ، 231 ) ، وهو حديث أبي سعيد بن المعلى ،
بنحو هذه القصة عن أبي بن كعب . وقد فصل الحافظ ابن حجر هناك الكلام فيه ، وخرج
حديث أبي بن كعب . وانظر أيضًا الموطأ : 83 ، خبر مالك عن العلاء بن عبد الرحمن بن
يعقوب : أن أبا سعيد مولى عامر بن كريز ، أخبره : " أن رسول الله صلى الله
عليه وسلم نادى أبي بن كعب وهو يصلي ... " بغير هذا السياق ، وما قاله فيه
الحافظ ابن حجر ، وابن كثير في تفسيره ، حيث أشرنا إلى موضعه .
(13/466)
15875 - حدثنا أبو كريب قال ،
حدثنا خالد بن مخلد ، عن محمد بن جعفر ، عن العلاء ، عن أبيه ، عن أبي هريرة قال :
مرّ رسول الله صلى الله عليه وسلم على أبيّ وهو قائم يصلي ، فصرخ به [فلم يجبه ،
ثم جاء] ، (1) فقال : يا أبيّ ، ما منعك أن تجيبني إذ دعوتك ؟ أليس الله يقول :
(يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم) ؟ قال أبيّ : لا
جَرَم يا رسول الله ، لا تدعوني إلا أجبتُ وإن كنت أصلي! (2)
* * *
ما يُبِين عن أن المعنيَّ بالآية ، هم الذين يدعوهم رسول الله صلى الله عليه وسلم
إلى ما فيه حياتهم بإجابتهم إليه من الحق بعد إسلامهم ، لأن أبَيًّا لا شك أنه كان
مسلمًا في الوقت الذي قال له النبي صلى الله عليه وسلم ما ذكرنا في هذين الخبرين.
* * *
القول في تأويل قوله : { وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ
وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (24) }
قال أبو جعفر : اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك.
فقال بعضهم : معناه : يحول بين الكافر والإيمان ، وبين المؤمن والكفر.
* ذكر من قال ذلك :
__________
(1) هذا الذي بين القوسين ، ليس في المخطوطة ، زاده ناشر المطبوعة ، لا أدري من
أين ؟ وفي الخبر سقط لا شك فيه ، ولكني لم أجد الخبر بنصه هذا .
(2) الأثر : 15875 - إسناد آخر للخبر السالف . وقد خرجته هناك .
" خالد بن مخلد القطواني " ، ثقة من شيوخ البخاري ، وأخرج له مسلم
" مضى مرارًا ، برقم : 2206 ، 4577 ، 8166 ، 8397 ، وغيرها .
و " محمد بن جعفر بن أبي كثير الزرقي " ، ثقة معروف ، مضى برقم : 2206 ،
8397 .
(13/467)
15876 - حدثنا محمد بن بشار
قال ، حدثنا محمد بن جعفر قال ، حدثنا عبد الرحمن قال ، حدثنا سفيان ، عن الأعمش
عن عبد الله بن عبد الله الرازي ، عن سعيد بن جبير : (يحول بين المرء وقلبه) ، قال
: بين الكافر أن يؤمن ، وبين المؤمن أن يكفر. (1)
15877 - حدثنا ابن بشار قال ، حدثنا وكيع وحدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا أبو أحمد
قالا حدثنا سفيان وحدثنا الحسن بن يحيى قال ، أخبرنا عبد الرزاق قال ، حدثنا
الثوري ، عن الأعمش ، عن عبد الله بن عبد الله الرازي ، عن سعيد بن جبير ، بنحوه.
15878 - حدثني أبو زائدة زكريا بن أبي زائدة قال ، حدثنا أبو عاصم ، عن سفيان ، عن
الأعمش ، عن عبد الله بن عبد الله ، عن سعيد بن جبير ، مثله.
15879 - حدثني أبو السائب وابن وكيع قالا حدثنا أبو معاوية ، عن المنهال ، عن سعيد
بن جبير : (يحول بين المرء وقلبه) ، قال : يحول بين المؤمن وبين الكفر ، وبين
الكافر وبين الإيمان.
15880 - حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا محمد بن فضيل ، عن الأعمش ، عن عبد الله بن
عبد الله الرازي ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس : (يحول بين المرء وقلبه) ، يحول
بين الكافر والإيمان وطاعة الله.
15881 - . . . . قال ، حدثنا حفص ، عن الأعمش ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس :
(يحول بين المرء وقلبه) ، قال : يحول بين المؤمن والكفر ، وبين الكافر والإيمان.
15882 - حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا يحيى بن واضح قال ، حدثنا عبيد بن سليمان ،
وعبد العزيز بن أبي رواد ، عن الضحاك في قوله : (يحول بين المرء
__________
(1) الأثر : 15876 - " عبد الله بن عبد الله الرازي " ، " أبو جعفر
الرازي " ، قاضي الري ، ثقة ، لا بأس . مترجم في التهذيب ، وابن أبي حاتم 2 \
2 \ 92 .
وهو غير " أبي جعفر الرازي التميمي " ، " عيسى بن ماهان " .
(13/468)
وقلبه) ، قال : يحول بين
الكافر وطاعته ، وبين المؤمن ومعصيته.
15883 - حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا أبو أسامة ، عن أبى روق ، عن الضحاك بن مزاحم
، بنحوه.
15884 - . . . . قال ، حدثنا المحاربي ، عن جويبر ، عن الضحاك قال : يحول بين
المرء وبين أن يكفر ، (1) وبين الكافر وبين أن يؤمن.
15885 - حدثنا الحسن بن يحيى قال ، أخبرنا عبد الرزاق قال ، حدثنا عبد العزيز بن
أبي رواد ، عن الضحاك بن مزاحم : (يحول بين المرء وقلبه) ، قال : يحول بين الكافر
وبين طاعة الله ، وبين المؤمن ومعصية الله.
15886 - حدثنا أحمد بن إسحاق قال ، حدثنا أبو أحمد الزبيري قال ، حدثنا بن أبي
رواد ، عن الضحاك ، نحوه.
15887 - وحدثت عن الحسين بن الفرج قال ، سمعت أبا معاذ يقول ، حدثنا عبيد بن
سليمان قال ، سمعت الضحاك بن مزاحم يقول ، فذكر نحوه.
15888 - حدثني المثنى قال ، حدثنا الحجاج بن منهال قال ، حدثنا المعتمر بن سليمان
قال ، سمعت عبد العزيز بن أبي رواد يحدث ، عن الضحاك بن مزاحم في قوله : (يحول بين
المرء وقلبه) ، قال : يحول بين المؤمن ومعصيته.
15889 - حدثني المثنى قال ، حدثنا أبو صالح قال ، حدثني معاوية ، عن علي ، عن ابن
عباس : (واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه) ، يقول : يحول بين المؤمن وبين
الكفر ، ويحول بين الكافر وبين الإيمان.
15890 - حدثني محمد بن سعد قال ، حدثني أبي قال ، حدثني عمي قال ، حدثني أبي ، عن
أبيه ، عن ابن عباس : (واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه) ، يقول : يحول بين
الكافر وبين طاعته ، ويحول بين المؤمن وبين معصيته.
__________
(1) هكذا في المخطوطة والمطبوعة : " يحول بين المرء " ، ولو ظننت أنها :
" يحول بين المؤمن " ، لكان في الذي سلف ما يرجحه .
(13/469)
15891 - حدثنا ابن وكيع قال ،
حدثنا المحاربي ، عن ليث ، عن مجاهد : (يحول بين المرء وقلبه) ، قال : يحول بين
المؤمن وبين الكفر ، وبين الكافر وبين الإيمان.
15892 - . . . . قال ، حدثنا أبي ، عن ابن أبي رواد ، عن الضحاك : (يحول بين المرء
وقلبه) ، يقول : يحول بين الكافر وبين طاعته ، وبين المؤمن وبين معصيته.
15893 - . . . . قال ، حدثنا إسحاق بن إسماعيل ، عن يعقوب القمي ، عن جعفر ، عن
سعيد بن جبير : (يحول بين المرء وقلبه) ، يحول بين المؤمن والمعاصي ، وبين الكافر
والإيمان.
15894 - . . . . قال ، حدثنا عبيدة ، عن إسماعيل ، عن أبي صالح : (يحول بين المرء
وقلبه) ، قال : يحول بينه وبين المعاصي.
* * *
وقال آخرون : بل معنى ذلك : يحول بين المرء وعقله ، فلا يدري ما يَعمل.
* ذكر من قال ذلك :
15895 - حدثنا عبيد الله بن محمد الفريابي قال ، حدثنا عبد المجيد ، عن ابن جريج ،
عن مجاهد قوله : (يحول بين المرء وقلبه) ، قال : يحول بين المرء وعقله.
15896 - حدثنا محمد بن عمرو قال ، حدثنا أبو عاصم قال ، حدثنا عيسى ، عن ابن أبي
نجيح ، عن مجاهد : (يحول بين المرء وقلبه) ، حتى تركه لا يعقل.
15897 - حدثنا المثنى قال ، حدثنا أبو حذيفة قال ، حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ،
عن مجاهد ، مثله.
15898 - حدثني المثنى قال ، حدثنا إسحاق قال ، حدثنا عبد الله ، عن ورقاء ، عن ابن
أبي نجيح ، عن مجاهد في قوله : (يحول بين المرء وقلبه) ، قال :
(13/470)
هو كقوله " حال " ،
حتى تركه لا يعقل. (1)
15899 - حدثنا أحمد بن إسحاق قال ، حدثنا أبو أحمد قال ، حدثنا معقل بن عبيد الله
، عن حميد ، عن مجاهد : (يحول بين المرء وقلبه) ، قال : إذا حال بينك وبين قلبك ،
كيف تعمل.
15900 - قال : حدثنا أبو أحمد قال ، حدثنا شريك ، عن خصيف ، عن مجاهد : (يحول بين
المرء وقلبه) ، قال : يحول بين قلب الكافر ، وأن يعمل خيرًا.
* * *
وقال آخرون : معناه : يحول بين المرء وقلبه ، أن يقدر على إيمان أو كفر إلا بإذنه.
* ذكر من قال ذلك :
15901 - حدثني محمد بن الحسين قال ، حدثنا أحمد بن مفضل قال ، حدثنا أسباط ، عن
السدي : (واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه) ، قال : يحول بين الإنسان وقلبه ،
فلا يستطيع أن يؤمن ولا يكفر إلا بإذنه.
* * *
وقال آخرون : معنى ذلك : أنه قريب من قلبه ، لا يخفى عليه شيء أظهره أو أسره.
* ذكر من قال ذلك :
15902 - حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال ، حدثنا محمد بن ثور قال ، حدثنا معمر ، عن
قتادة في قوله : (يحول بين المرء وقلبه) ، قال : هي كقوله : ( أَقْرَبُ إِلَيْهِ
مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ ) ، [سورة ق : 16] .
* * *
قال أبو جعفر : وأولى الأقوال بالصواب عندي في ذلك أن يقال : إن ذلك
__________
(1) في المطبوعة : " قال : هي يحول بين المرء وقلبه حتى يتركه لا يعقل "
، غير ما في المخطوطة كل التغيير ، لأنه لم يفهمه ، وهذا من أسوأ التصرف وأقبحه
وأبعده من الأمانة . وإنما أراد أن " يحول " مضارعًا ، بمعنى " حال
" ماضيًا ، ولذلك قال " حتى تركه لا يعقل " . فانظر أي فساد أدخله
الناشر بلا ورع ! .
(13/471)
خبرٌ من الله عز وجل أنه أملك
لقلوب عباده منهم ، وأنه يحول بينهم وبينها إذا شاء ، حتى لا يقدر ذو قلب أن يُدرك
به شيئًا من إيمان أو كفر ، أو أن يَعِي به شيئًا ، أو أن يفهم ، إلا بإذنه
ومشيئته. وذلك أن " الحول بين الشيء والشيء " ، إنما هو الحجز بينهما ،
وإذا حجز جل ثناؤه بين عبد وقلبه في شيء أن يدركه أو يفهمه ، (1) لم يكن للعبد إلى
إدراك ما قد منع الله قلبَه إدراكَه سبيلٌ.
وإذا كان ذلك معناه ، دخل في ذلك قول من قال : " يحول بين المؤمن والكفر ،
وبين الكافر والإيمان " ، وقول من قال : " يحول بينه وبين عقله " ،
وقول من قال : " يحول بينه وبين قلبه حتى لا يستطيع أن يؤمن ولا يكفر إلا
بإذنه " ، لأن الله عز وجل إذا حال بين عبد وقلبه ، لم يفهم العبد بقلبه الذي
قد حيل بينه وبينه ما مُنِع إدراكه به على ما بيَّنتُ.
غير أنه ينبغي أن يقال : إن الله عم بقوله : (ولعلموا أن الله يحول بين المرء
وقلبه) ، الخبرَ عن أنه يحول بين العبد وقلبه ، ولم يخصص من المعاني التي ذكرنا
شيئًا دون شيء ، والكلام محتمل كل هذه المعاني ، فالخبر على العموم حتى يخصه ما
يجب التسليم له.
* * *
وأما قوله : (وأنه إليه تحشرون) ، فإن معناه : واعلموا ، أيها المؤمنون ، أيضًا ،
مع العلم بأن الله يحول بين المرء وقلبه : أنّ الله الذي يقدر على قلوبكم ، وهو
أملك بها منكم ، إليه مصيركم ومرجعكم في القيامة ، (2) فيوفّيكم جزاء أعمالكم ،
المحسنَ منكم بإحسانه ، والمسيءَ بإساءته ، فاتقوه وراقبوه فيما أمركم ونهاكم هو
ورسوله أن تضيعوه ، وأن لا تستجيبوا لرسوله إذا دعاكم لما يحييكم ، فيوجب ذلك
سَخَطَه ، وتستحقوا به أليم عذابه حين تحشرون إليه.
* * *
__________
(1) انظر تفسير " المرء " فيما سلف 2 : 446 \ 9 : 430 .
(2) انظر تفسير " الحشر " فيما سلف ص 23 ، تعليق : 1 ، والمراجع هناك .
(13/472)
وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (25)
القول في تأويل قوله : {
وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً
وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (25) }
قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره للمؤمنين به وبرسوله : " اتقوا " ، أيها
المؤمنون " فتنة " ، يقول : اختبارًا من الله يختبركم ، وبلاء يبتليكم
(1) " لا تصيبن " ، هذه الفتنة التي حذرتكموها (2) " الذين ظلموا
" ، وهم الذين فعلوا ما ليس لهم فعله ، إما إجْرام أصابوها ، وذنوب بينهم
وبين الله ركبوها. يحذرهم جل ثناؤه أن يركبوا له معصية ، أو يأتوا مأثمًا يستحقون
بذلك منه عقوبة. (3)
* * *
وقيل : إن هذه الآية نزلت في قوم من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهم
الذين عُنوا بها.
* ذكر من قال ذلك :
15903 - حدثنا محمد بن المثنى قال ، حدثنا محمد بن إبراهيم قال ، حدثنا الحسن بن
أبي جعفر قال ، حدثنا داود بن أبي هند ، عن الحسن في قوله : (واتقوا فتنة لا تصيبن
الذين ظلموا منكم خاصة) ، قال : نزلت في علي ، وعثمان ، وطلحة ، والزبير ، رحمة
الله عليهم.
15904 - حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال ، حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر : (واتقوا
فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة) ، قال قتادة : قال الزبير بن العوام : لقد
نزلت وما نرى أحدًا منا يقع بها. ثم خُلِّفْنا في إصابتنا خاصة. (4)
__________
(1) انظر تفسير " الفتنة " فيما سلف ص : 151 ، تعليق : 1 ، والمراجع
هناك .
(2) انظر تفسير " الإصابة " فيما سلف 2 : 96 ، تعليق : 3 ، والمراجع
هناك .
(3) انظر تفسير " الخصوص " فيما سلف 2 : 471 \ 6 : 517 .
(4) في المطبوعة : " ثم خصتنا في إصابتنا خاصة " ، وأثبت ما في المخطوطة
، وهو فيها غير منقوط ، وظننت أن صواب نقطها ما أثبت . يعني : أنهم بقوا بعد الذين
مضوا ، فإذا هي في إصابتهم خاصة .
(13/473)
15905 - حدثني المثنى قال ،
حدثنا زيد بن عوف أبو ربيعة قال ، حدثنا حماد ، عن حميد ، عن الحسن : أن الزبير بن
العوام قال : نزلت هذه الآية : (واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة) ،
وما نظننا أهلها ، ونحن عُنِينا بها. (1)
15906 - . . . . قال ، حدثنا قبيصة ، عن سفيان ، عن الصلت بن دينار ، عن ابن صبهان
قال : سمعت الزبير بن العوام يقول : قرأت هذه الآية زمانًا ، وما أرانا من أهلها ،
فإذا نحن المعنيون بها : (واتقوا فتنه لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة واعلموا أن
الله شديد العقاب). (2)
15907 - حدثني محمد بن الحسين قال ، حدثنا أحمد بن مفضل قال ، حدثنا أسباط ، عن
السدي : (واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصه) ، قال : هذه نزلت في أهل
بدر خاصة ، وأصابتهم يوم الجمل ، فاقتتلوا.
15908 - حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا أبي ، عن ابن أبي خالد ، عن السدي : (واتقوا
فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة واعلموا أن الله شديد العقاب) ، قال : أصحاب
الجمل.
15909 - حدثني المثنى قال ، حدثنا أبو صالح قال ، حدثنا معاوية ، عن علي ، عن ابن
عباس : (واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منعم خاصة) ، قال : أمر الله المؤمنين
أن لا يقرُّوا المنكر بين أظهرهم ، فيعمَّهم الله بالعذاب.
__________
(1) الأثر : 15905 - " زيد بن عوف القطعي " ، " أبو ربيعة " .
ولقبه " فهد " ، متكلم فيه ، ضعيف ، مضى برقم : 5623 ، 14215 ، 14218 .
(2) الأثر : 15906 - " الصلت بن دينار الأزدي " " أبو شعيب "
، " المجنون " . متروك لا يحتج بحديثه . مترجم في التهذيب . والكبير 2 /
2 / 305 ، وابن أبي حاتم 2 / 1 / 437 . وميزان الاعتدال 1 : 468 .
وابن صهبان " هو " عقبة بن صهبان الحداني الأزدي " تابعي ثقة ،
مترجم في التهذيب ، وابن أبي حاتم 113/ 312 ، ولم أجدهم ذكروا له رواية عن الزبير
بن العوام ، ولكنه روى عن عثمان ، وعياض بن حمار ، وعبد الله بن مغفل ، وأبي بكرة
الثقفي وعائشة .
(13/474)
15910 - . . . . قال ، حدثنا
أبو حذيفة قال ، حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : (واتقوا فتنة لا تصيبن
الذين ظلموا منكم خاصة) ، قال : هى أيضًا لكم.
15911 - حدثني يونس قال ، أخبرنا ابن وهب قال ، قال ابن زيد في قوله : (واتقوا
فتنه لا تصيبن الذين ظلموا منعم خاصة) ، قال : " الفتنة " ، الضلالة.
15912 - حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا أبي ، عن المسعودي ، عن القاسم قال : قال عبد
الله : ما منكم من أحد إلا وهو مشتمل على فتنة ، إن الله يقول : ( إِنَّمَا
أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ ) [سورة الأنفال : 28] ، فليستعذ بالله من
مُضِلات الفتن. (1)
15913 - حدثني الحارث قال ، حدثنا عبد العزيز قال ، حدثنا مبارك بن فضالة ، عن
الحسن قال : قال الزبير : لقد خُوِّفنا بها يعني قوله : (واتقوا فتنة لا تصيبن
الذين ظلموا منكم خاصة) .
* * *
واختلف أهل العربية في تأويل ذلك.
فقال بعض نحويي البصرة : (اتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا) ، قوله : " لا
تصيبن " ، ليس بجواب ، ولكنه نهي بعد أمر ، ولو كان جوابًا ما دخلت "
النون " .
* * *
وقال بعض نحويي الكوفة قوله : (واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا) ، أمرهم ثم
نهاهم. وفيه طرَفٌ من الجزاء ، (2) وإن كان نهيًا. قال : ومثله قوله :
__________
(1) الأثر : 15912 - انظر الأثر التالي رقم : 15934 ، ونصه : " فمن استعاذ
منكم ، فليستعذ ... " ، وكأنه الصواب .
(2) في المطبوعة : " ومنكم ظرف من الجزاء " ، فجاء الناشر بكلام غث لا
معنى له وفي المخطوطة : " ومنه طرف " ، وصواب قراءته ما أثبت ، مطابقًا
لما في معاني القرآن للفراء .
(13/475)
( يَا أَيُّهَا النَّمْلُ
ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ ) ، [سورة النمل : 18] ،
أمرهم ثم نهاهم ، وفيه تأويل الجزاء. (1)
وكأن معنى الكلام عنده : اتقوا فتنة ، إن لم تتقوها أصابتكم.
* * *
وأما قوله : (واعلموا أن الله شديد العقاب) ، فإنه تحذير من الله ، ووعيد لمن واقع
الفتنة التي حذره إياها بقوله : (واتقوا فتنة) ، يقول : اعلموا ، أيها المؤمنون ،
أن ربكم شديد عقابه لمن افتُتن بظلم نفسه ، وخالف أمره ، فأثم به. (2)
* * *
__________
(1) هذه مقالة الفراء في معاني القرآن 1 : 407 .
(2) انظر تفسير " شديد العقاب " فيما سلف من فهارس اللغة ( شدد ) ، (
عقب ) .
(13/476)
وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ تَخَافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآَوَاكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (26)
القول في تأويل قوله : {
وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الأرْضِ تَخَافُونَ أَنْ
يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُمْ مِنَ
الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (26) }
قال أبو جعفر : وهذا تذكيرٌ من الله عز وجل أصحابَ رسول الله صلى الله عليه وسلم ،
ومناصحة. يقول : أطيعوا الله ورسوله ، أيها المؤمنون ، واستجيبوا له إذا دعاكم لما
يحييكم ، ولا تخالفوا أمرَه وإن أمركم بما فيه عليكم المشقة والشدة ، فإن الله
يهوِّنه عليكم بطاعتكم إياه ، ويعجِّل لكم منه ما تحبون ، كما فعل بكم إذ آمنتم به
واتبعتموه وأنتم قليلٌ يستضعفكم الكفار فيفتنونكم عن دينكم ، (1) وينالونكم
بالمكروه في أنفسكم وأعراضكم ، (2) تخافون منهم أن يتخطفوكم فيقتلوكم ويصطلموا
__________
(1) انظر تفسير " القليل " فيما سلف 1 : 329 \ 8 : 439 ، 577 \ 9 : 331
.
(2) انظر تفسير " المستضعف " فيما سلف 12 : 542 \ 13 : 76 ، 131 .
(13/476)
جميعكم (1) (فآواكم) ، يقول :
فجعل لكم مأوى تأوون إليه منهم (2) (وأيدكم بنصره) ، يقول : وقواكم بنصره عليهم
حتى قتلتم منهم من قتلتم ببدر (3) (ورزقكم من الطيبات) ، يقول : وأطعمكم غنيمتهم
حلالا طيبًا (4) (لعلكم تشكرون) ، يقول : لكي تشكروه على ما رزقكم وأنعم به عليكم
من ذلك وغيره من نعمه عندكم. (5)
* * *
واختلف أهل التأويل في " الناس " الذين عنوا بقوله : (أن يتخطفكم
الناس).
فقال بعضهم : كفار قريش.
* ذكر من قال ذلك.
15914 - حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن
عكرمة قوله : (واذكروا إذ أنتم قليل مستضعفون في الأرض تخافون أن يتخطفكم الناس) ،
قال : يعني بمكة ، مع النبي صلى الله عليه وسلم ومن تبعه من قريش وحلفائها
ومواليها قبل الهجرة.
15915 - حدثنا ابن عبد الأعلى قال ، حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن الكلبي أو
قتادة أو كلاهما (6) (واذكروا إذ أنتم قليل مستضعفون) أنها نزلت في يوم بدر ،
كانوا يومئذ يخافون أن يتخطفهم الناس ، فآواهم الله وأيدهم بنصره.
__________
(1) انظر تفسير " الخطف " فيما سلف 1 : 357 .
(2) وانظر تفسير " المأوى " فيما سلف ص : 441 ، تعليق : 3 ، والمراجع
هناك .
(3) انظر تفسير " أيد " فيما سلف 2 : 319 ، 320 \ 5 : 379 \ 6 : 242 \
11 : 213 ، 214 .
(4) انظر تفسير " الرزق " فيما سلف من فهارس اللغة ( رزق ) .
و " الطيبات " فيما سلف منها ( طيب ) .
(5) في المطبوعة : " لكي تشكروا " ، وفي المخطوطة : " لكي تشكرون
" ، ورجحت ما أثبت .
(6) هكذا في المخطوطة والمطبوعة : " أو كلاهما " ، وهو جائز .
(13/477)
15916 - حدثني المثنى قال ،
حدثنا إسحاق قال ، حدثنا عبد الرزاق ، عن معمر ، عن قتادة ، بنحوه.
* * *
وقال آخرون : بل عُني به غيرُ قريش.
* ذكر من قال ذلك.
15917 - حدثني المثنى قال ، حدثنا إسحاق قال ، حدثنا عبد الرزاق قال ، أخبرني أبي
قال ، سمعت وهب بن منبه يقول في قوله عز وجل : (تخافون أن يتخطفكم الناس) ، قال :
فارس.
15918 - . . . . قال ، حدثنا إسحاق قال ، حدثنا إسماعيل بن عبد الكريم قال ، حدثني
عبد الصمد : أنه سمع وهب بن منبه يقول ، وقرأ : (واذكروا إن أنتم قليل مستضعفون في
الأرض تخافون أن يتخطفكم الناس) ، و " الناس " إذ ذاك ، فارس والروم.
15919 - . . . . قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد ، عن قتادة قوله : (واذكروا إذ
أنتم قليل مستضعفون في الأرض) ، قال : كان هذا الحي من العرب أذلَّ الناس ذلا
وأشقاهُ عيشًا ، وأجوعَه بطونًا ، (1) وأعراه جلودًا ، وأبينَه ضلالا [مكعومين ،
على رأس حجر ، بين الأسدين فارس والروم ، ولا والله ما في بلادهم يومئذ من شيء
يحسدون عليه]. (2) من عاش منهم عاش شقيًّا ، ومن مات منهم رُدِّي في النار ،
يوكلون ولا يأكلون ، والله ما نعلم قبيلا من حاضر أهل الأرض يومئذ كانوا أشرَّ
منهم منزلا (3) حتى جاء الله بالإسلام ،
__________
(1) في المطبوعة : " بطونًا " وأثبت ما في المخطوطة .
(2) هذه الجملة بين القوسين لا بد منها ، فإن الترجمة أن فارس والروم هما المعنيان
بهذا. وقد أثبتها من رواية الطبري قبل ، كما سيأتي في التخريج . وإغفال ذكرها في
الخبر ، يوقع في اللبس والغموض .
(3) قوله : " أشر منهم منزلا " لم ترد في الخبر الماضي ، وكان مكانها :
" والله ما نعلم قبيلا يومئذ من حاضر الأرض كانوا أصغر حظًا ، وأدق فيها
شأنًا ، منهم " .
(13/478)
فمكن به في البلاد ، ووسَّع به
في الرزق ، وجعلكم به ملوكًا على رقاب الناس. فبالإسلام أعطى الله ما رأيتم ،
فاشكروا الله على نعمه ، فإن ربكم منعمٌ يحب الشكر ، وأهل الشكر في مزيد من الله
تبارك وتعالى. (1)
* * *
قال أبو جعفر : وأولى القولين في ذلك عندي بالصواب ، قولُ من قال : " عُني
بذلك مشركو قريش " ، لأن المسلمين لم يكونوا يخافون على أنفسهم قبل الهجرة من
غيرهم ، لأنهم كانوا أدنى الكفار منهم إليهم ، وأشدَّهم عليهم يومئذ ، مع كثرة
عددهم ، وقلة عدد المسلمين.
* * *
وأما قوله : (فآواكم) ، فإنه يعني : آواكم المدينة ،
وكذلك قوله : (وأيدكم بنصره) ، بالأنصار.
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك :
15920 - حدثني محمد بن الحسين قال ، حدثنا أحمد بن مفضل قال ، حدثنا أسباط ، عن
السدي : (فآواكم) ، قال : إلى الأنصار بالمدينة(وأيدكم بنصره) ، وهؤلاء أصحابُ
محمد صلى الله عليه وسلم ، أيدهم بنصره يوم بدر.
15921 - حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن
عكرمة : (فآواكم وأيدكم بنصره ورزقكم من الطيبات) ، يعني بالمدينة.
__________
(1) الأثر : 15919 - مضى هذا الخبر بإسناده مطولا فيما سلف رقم : 7591 ، ومنه
اجتلبت الزيادة والتصحيح .
(13/479)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (27)
القول في تأويل قوله : { يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا
أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (27) }
قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره للمؤمنين بالله ورسوله من أصحاب نبيه صلى الله
عليه وسلم : يا أيها الذين صدقوا الله ورسوله(لا تخونوا الله) ، وخيانتهم الله
ورسوله ، كانت بإظهار من أظهر منهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين
الإيمانَ في الظاهر والنصيحةَ ، وهو يستسرُّ الكفر والغش لهم في الباطن ، يدلُّون
المشركين على عورتهم ، ويخبرونهم بما خفى عنهم من خبرهم. (1)
* * *
وقد اختلف أهل التأويل فيمن نزلت هذه الآية ، وفي السبب الذي نزلت فيه.
فقال بعضهم : نزلت في منافق كتب إلى أبي سفيان يطلعه على سرِّ المسلمين.
* ذكر من قال ذلك.
15922 - حدثنا القاسم بن بشر بن معروف قال ، حدثنا شبابة بن سوار قال ، حدثنا محمد
بن المُحْرِم قال ، لقيت عطاء بن أبي رباح فحدثني قال ، حدثني جابر بن عبد الله :
أن أبا سفيان خرج من مكة ، فأتى جبريلُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم فقال : إن أبا
سفيان في مكان كذا وكذا! فقال النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه : إن أبا سفيان في
مكان كذا وكذا ، فاخرجوا إليه واكتموا! " قال : فكتب رجل من المنافقين إلى
أبي سفيان : " إن محمدًا يريدكم ، فخذوا حذركم " ! فأنزل الله عز وحل :
(لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم). (2)
__________
(1) انظر تفسير " الخيانة " فيما سلف 9 : 190 .
(2) الأثر : 15922 - " القاسم بن بشر بن معروف " ، شيخ الطبري ، مضى
برقم 10509 ، 10531 .
و " شبابة بن سوار الفزاري " ، ثقة ، مضى مرارًا : 37 ، 6701 ، 10051 ،
وغيرها .
و " محمد المحرم " ، هو : " محمد بن عمر المحرم " ، وقد ترجم
صاحب لسان الميزان لثلاثة : " محمد بن عبد الله بن عبيد بن عمير المكي "
( ج 5 : 216 ) ، و " محمد بن عمر المحرم " ج ( 5 : 320 ، ) و "
محمد المحرم " ( ج 5 : 439 ) ، وقال هم واحد ، وأن " محمد بن عمر "
صوابه : " محمد ابن عمير " منسوبًا إلى جده . و " محمد بن عبد الله
بن عبيد بن عمير الليثي " ، مضى برقم : 7484 .
وترجم البخاري في الكبير 1 \ 1 \ 142 " محمد بن عبد الله بن عبيد بن عمير
الليثي المكي " ، عن عطاء ، وليس بذاك الثقة . ولم يذكر أنه " محمد
المحرم " .
ثم ترجم أيضًا في الكبير 1 \ 1 \ 248 " محمد المحرم " ، عن عطاء والحسن
، منكر الحديث . فكأنهما عنده رجلان .
وترجم ابن أبي حاتم 3 \ 2 \ 300 " محمد بن عبد الله بن عبيد بن عمير الليثي
" ، وضعفه ، ولم يذكر أنه " محمد المحرم " .
ثم ترجم " محمد بن عمر المحرم " ، روى عن عطاء ، روى عنه شبابة ، وقال :
" ضعيف الحديث ، واهي الحديث " ، ولم يذكر أنه الذي قبله .
وترجم الذهبي في ميزان الاعتدال 3 : 77 " محمد بن عبد الله بن عبيد بن عمير
الليثي " ، ويقال له : " محمد المحرم " .
ثم ترجم في الميزان 3 : 113 " محمد بن عمر المحرم " عن عطاء ، وعنه
شبابة ، وضعفه ، ولم يذكر أنه الذي قبله .
وترجم عبد الغني بن سعيد في والمؤتلف والمختلف : 117 ، " محمد بن عبيد بن
عمير المحرم " ، عن : " عطاء بن أبي رباح " .
والظاهر أن الذي قاله الحافظ في لسان الميزان ، من أن هؤلاء جميعًا واحد ، هو
الصواب إن شاء الله ، من أنهم جميعًا رجل واحد .
وكان في المطبوعة : " محمد بن المحرم " ، غير ما كان في المخطوطة بزيادة
" بن " بينهما .
وهذا خبر ضعيف جدًا ، لضعف " محمد المحرم " ، وهو متروك الحديث . وقد
ذكر الخبر ابن كثير في تفسيره 4 : 43 ، 44 ، ثم قال : " هذا الحديث غريب جدًا
، وفي سنده وسياقه نظر " .
(13/480)
وقال آخرون : بل نزلت في أبي
لبابة ، في الذي كان من أمره وأمر بنى قريظة. (1)
* ذكر من قال ذلك.
15923 - حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثني أبو سفيان ، عن معمر ، عن
الزهري ، قوله : " لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم " ، قال :
نزلت في أبي لبابة ، بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأشار إلى حلقه : إنه
الذَّبح قال الزهري : فقال ، أبو لبابة : لا والله ، لا أذوق طعامًا ولا شرابًا
حتى أموتَ
__________
(1) في المطبوعة والمخطوطة : " في أبي لبابة ، الذي كان من أمره " ،
والسياق يقتضي زيادة " في " كما أثبتها .
(13/481)
أو يتوب الله عليَّ! فمكث سبعة
أيام لا يذوق طعامًا ولا شرابًا حتى خر مغشيًّا عليه ، ثم تاب الله عليه. فقيل له
: يا أبا لبابة ، قد تِيبَ عليك! قال : والله لا أحُلُّ نفسي حتى يكون رسول الله
صلى الله عليه وسلم هو الذي يَحُلّني. فجاءه فحله بيده. ثم قال أبو لبابة : إن من
توبتي أن أهجر دار قومي التي أصبت بها الذنب ، وأن أنخلع من مالي! قال : "
يجزيك الثلث أن تصدَّق به. (1)
15924 - حدثني المثنى قال ، حدثنا إسحاق قال ، حدثنا عبد الله بن الزبير ، عن ابن
عيينة قال ، حدثنا إسماعيل بن أبي خالد قال : سمعت عبد الله بن أبي قتادة يقول :
نزلت : " يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم وأنتم
تعلمون " في أبي لبابة. (2)
* * *
وقال آخرون : بل نزلت في شأن عثمان رحمة الله عليه.
* ذكر من قال ذلك.
15925 - حدثني الحارث قال ، حدثنا عبد العزيز قال ، حدثنا يونس بن الحارث الطائفي
(3) قال ، حدثنا محمد بن عبيد الله بن عون الثقفي ، عن المغيرة بن شعبة قال : نزلت
هذه الآية في قتل عثمان رحمة الله عليه : " يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا
الله والرسول " الآية.
* * *
__________
(1) الأثر : 15923 - خبر أبي لبابة بن عبد المنذر الأنصاري ، حين فعل ذلك يوم بنى
قريظة ، وعرف أنه خان الله ورسوله ، في سيرة ابن هشام 3 : 247 ، 248 ، وفي غيره .
ثم إنه لما عرف ذلك ارتبط في سارية المسجد ، وقال : " لا أبرح مكاني هذا حتى
يتوب الله علي مما صنعت " .
ورواه الواحدي في أسباب النزول : 175 ، وروى بعضه مالك في الموطأ : 481 .
(2) الأثر : 15924 - " عبد الله بن أبي قتادة الأنصاري " . تابعي ثقة ،
روى له الجماعة ، مترجم في التهذيب .
(3) الأثر : 15925 - " يونس بن الحارث الطائفي الثقفي " ، ضعيف ، إلا
أنه لا يتهم بالكذب ، وقال ابن معين : " كنا نضعفه ضعفًا شديدًا " .
وقال أحمد : " أحاديثه مضطربة " .
مترجم في التهذيب ، والكبير 4 \ 2 \ 409 ، ولم يذكر فيه جرحًا ، وابن أبي حاتم 4 \
2 \ 237 ، وضعفه .
و " محمد بن عبيد الله بن سعيد " ، " أبو عون الثقفي " ثقة ،
مضى برقم : 7595 ، 13965 ، 15659 .
وكان في المطبوعة : " محمد بن عبد الله بن عون الثقفي " ، ومثله في
المخطوطة . إلا أنه قد يقرأ " محمد بن عبيد الله " ، والصواب ما أثبت ،
لأن يونس بن الحارث الطائفي ، يروي عن أبي عون الثقفي ، و " أبو عون "
اسم جده " سعيد " لا " عون " .
و " أبو عون الثقفي " ، لا أظنه روى عن المغيرة بن شعبة ، فالمغيرة مات
سنة خمسين ، ويقال قبلها . والمذكور في ترجمته أنه يروي عن " عفان بن المغيرة
بن شعبة " ، فهذا إسناد منقطع على الأرجح عندي .
وقوله : " نزلت في قتل عثمان " ، يعني أن حكمها يشمل فعل عثمان رضي الله
عنه ، فإنه قتل خيانة لله ولرسوله ، وخيانة للأمانة ، إذ نقض القتلة بيعة له في
أعناقهم ، رحم الله عثمان وغفر له .
(13/482)
قال أبو جعفر : وأولى الأقوال
في ذلك بالصواب أن يقال : إن الله نهى المؤمنين عن خيانته وخيانة رسوله ، وخيانة
أمانته وجائز أن تكون نزلت في أبي لبابة وجائز أن تكون نزلت في غيره ، ولا خبر
عندنا بأيِّ ذلك كان يجب التسليم له بصحته.
فمعنى الآية وتأويلها ما قدمنا ذكره.
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك :
15926 - حدثني يونس قال ، أخبرنا ابن وهب قال ، قال ابن زيد ، في قوله : " يا
أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول " قال : نهاكم أن تخونوا الله
والرسول ، كما صنع المنافقون.
15927 - حدثني محمد بن الحسين قال ، حدثنا أحمد بن مفضل قال ، حدثنا أسباط. عن
السدي : " لا تخونوا الله والرسول " الآية ، قال : كانوا يسمعون من
النبي صلى الله عليه وسلم الحديث فيفشونه حتى يبلغ المشركين.
* * *
واختلفوا في تأويل قوله : " وتخونوا أماناتكم وأنتم تعلمون " .
فقال بعضهم : لا تخونوا الله والرسول ، فإن ذلك خيانة لأمانتكم وهلاك لها.
(13/483)
* ذكر من قال ذلك.
15928 - حدثني محمد بن الحسين قال ، حدثنا أحمد بن مفضل قال ، حدثنا أسباط ، عن
السدي : " يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم
" ، فإنهم إذا خانوا الله والرسول فقد خانوا أماناتهم.
15929 - حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق : " يا أيها الذين
آمنوا لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم وأنتم تعلمون " ، أي لا
تظهروا لله من الحق ما يرضى به منكم ، ثم تخالفوه في السرِّ إلى غيره ، فإن ذلك
هلاك لأماناتكم ، وخيانة لأنفسكم. (1)
* * *
قال أبو جعفر : فعلى هذا التأويل قوله : " وتخونوا أماناتكم " ، في موضع
نصب على الصرف (2)
كما قال الشاعر : (3)
لا تَنْهَ عَنْ خُلُقٍ وَتَأْتِيَ مِثْلَهُ عارٌ عَلَيْكَ إِذَا فَعَلْتَ عَظِيمُ
(4)
ويروى : " وتأتي مثله " . (5)
* * *
وقال آخرون : معناه : لا تخونوا الله والرسول ، ولا تخونوا أماناتكم وأنتم تعلمون.
* ذكر من قال ذلك.
15930 - حدثني المثنى قال ، حدثنا أبو صالح قال ، حدثني معاوية ،
__________
(1) الأثر : 15929 - سيرة ابن هشام 2 : 325 ، وهو تابع الأثر السالف رقم : 15873.
(2) في المطبوعة : " على الظرف " ، وفي المخطوطة : " على الطرف
" ، والصواب ما أثبت . وانظر معنى " الصرف " فيما سلف من فهارس
المصطلحات .
وانظر معاني القرآن للفراء 1 : 408 .
(3) هو المتوكل الليثي ، وينسب لغيره .
(4) سلف البيت ، وتخريجه 1 : 569 \ 3 : 552 .
(5) يعني على غير النصب .
(13/484)
عن علي ، عن ابن عباس قوله :
" يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم " ،
يقول : " لا تخونوا " : يعني لا تنقصُوها.
* * *
قال أبو جعفر : فعلى هذا التأويلُ : لا تخونوا الله والرسول ، ولا تخونوا
أماناتكم.
واختلف أهل التأويل في معنى : الأمانة ، التي ذكرها الله في قوله : " وتخونوا
أماناتكم " .
فقال بعضهم : هي ما يخفى عن أعين الناس من فرائض الله.
* ذكر من قال ذلك.
15931 - حدثني المثنى قال ، حدثنا أبو صالح قال ، حدثني معاوية ، عن علي ، عن ابن
عباس ، قوله : " وتخونوا أماناتكم " ، و " الأمانة " :
الأعمال التي أمِن الله عليها العباد يعني : الفريضة. يقول : " لا تخونوا
" ، يعني : لا تنقصوها.
15932 - حدثنا علي بن داود قال ، حدثنا أبو صالح قال ، حدثني معاوية ، عن علي ، عن
ابن عباس ، قوله : " يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله " ، يقول :
بترك فرائضه " والرسول " ، يقول : بترك سننه ، وارتكاب معصيته قال :
وقال مرة أخرى : " لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم " ،
والأمانة : الأعمال ، ثم ذكر نحو حديث المثنى.
* * *
وقال آخرون : معنى " الأمانات " ، ههنا ، الدِّين.
* ذكر من قال ذلك.
15933 - حدثني يونس قال ، أخبرنا ابن وهب قال ، قال ابن زيد ، في قوله : "
وتخونوا أماناتكم " دينكم " وأنتم تعلمون " ، قال : قد فعل ذلك
(13/485)
وَاعْلَمُوا أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ (28)
المنافقون ، وهم يعلمون أنهم
كفار ، يظهرون الإيمان. وقرأ : وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى
[سورة النساء : 142]. قال : هؤلاء المنافقون ، أمنهم الله ورسوله على دينه ،
فخانوا ، أظهروا الإيمان وأسرُّوا الكفر.
* * *
قال أبو جعفر : فتأويل الكلام إذن : يا أيها الذين آمنوا ، لا تنقصوا الله حقوقه
عليكم من فرائضه ، ولا رسوله من واجب طاعته عليكم ، ولكن أطيعوهما فيما أمراكم به
ونهياكم عنه ، لا تنقصوهما " وتخونوا أماناتكم " ، وتنقصوا أديانكم ،
وواجب أعمالكم ، ولازمَها لكم " وأنتم تعلمون " ، أنها لازمة عليكم ،
وواجبة بالحجج التي قد ثبتت لله عليكم.
* * *
القول في تأويل قوله : { وَاعْلَمُوا أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ
فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ (28) }
قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره للمؤمنين : واعلموا ، أيها المؤمنون ، أنما
أموالكم التي خوَّلكموها الله ، وأولادكم التي وهبها الله لكم ، اختبارٌ وبلاء ،
أعطاكموها ليختبركم بها ويبتليكم ، لينظر كيف أنتم عاملون من أداء حق الله عليكم
فيها ، والانتهاء إلى أمره ونهيه فيها. (1) " وأن الله عنده أجر عظيم "
، يقول : واعلموا أن الله عنده خيرٌ وثواب عظيم ، على طاعتكم إياه فيما أمركم
ونهاكم ، في أمولكم وأولادكم التي اختبركم بها في الدنيا . وأطيعوا الله فيما كلفكم
فيها ، تنالوا به الجزيل من ثوابه في معادكم. (2)
15934 - حدثني الحارث قال ، حدثنا عبد العزيز قال ، حدثنا المسعودي ،
__________
(1) انظر تفسير " الفتنة " فيما سلف ص : 486 ، تعليق : 1 ، والمراجع
هناك .
(2) انظر تفسير " الأجر " فيما سلف من فهارس اللغة ( أجر ) .
(13/486)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (29)
عن القاسم ، عن عبد الرحمن ،
عن ابن مسعود ، في قوله : " إنما أموالكم وأولادكم فتنة " ، قال : ما
منكم من أحد إلا وهو مشتمل على فتنة ، فمن استعاذ منكم فليستعذ بالله من مُضِلات
الفتن. (1)
15935 - حدثني يونس قال ، أخبرنا ابن وهب قال ، قال ابن زيد ، في قوله : "
واعلموا إنما أموالكم وأولادكم فتنة " ، قال : " فتنة " ، الاختبار
، اختبارُهم. وقرأ : ( وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا
تُرْجَعُونَ ) [سورة الأنبياء : 35] .
* * *
القول في تأويل قوله : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ
يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ
لَكُمْ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (29) }
قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره : يا أيها الذين صدّقوا الله ورسوله ، إن تتقوا
الله بطاعته وأداء فرائضه ، واجتناب معاصيه ، وترك خيانته وخيانة رسوله وخيانة
أماناتكم يجعل لكم فرقانًا " ، يقول : يجعل لكم فصلا وفرْقا بين حقكم وباطل
من يبغيكم السوء من أعدائكم المشركين ، بنصره إياكم عليهم ، وإعطائكم الظفر بهم
(2) " ويكفر عنكم سيئاتكم " ، يقول : ويمحو عنكم ما سلف من ذنوبكم بينكم
وبينه (3) " ويغفر لكم " ، يقول : ويغطيها فيسترها عليكم ، فلا يؤاخذكم
بها (4) " والله ذو الفضل العظيم " ، يقول : والله الذي يفعل ذلك بكم ،
له
__________
(1) الأثر : 15934 - انظر الأثر السالف رقم : 15912 ، والتعليق عليه .
(2) انظر تفسير " الفرقان " فيما سلف 1 : 98 ، 99 \ 3 : 448 \ 6 : 162 ،
163 .
(3) انظر تفسير " التكفير " فيما سلف من فهارس اللغة ( كفر ) .
وتفسير " السيئات " فيما سلف من فهارس ( سوأ ) .
(4) انظر تفسير " المغفرة " فيما سلف من فهارس اللغة ( غفر ) .
(13/487)
الفضل العظيم عليكم وعلى غيركم
من خلقه بفعله ذلك وفعل أمثاله. وإنّ فعله جزاءٌ منه لعبده على طاعته إياه ، لأنه
الموفق عبده لطاعته التي اكتسبها ، حتى استحقّ من ربه الجزاء الذي وعدَه عليها.
(1)
* * *
وقد اختلف أهل التأويل في العبارة عن تأويل قوله : " يجعل لكم فرقانا "
.
فقال بعضهم : مخرجًا.
* * *
وقال بعضهم : نجاة.
* * *
وقال بعضهم : فصلا.
* * *
وكل ذلك متقارب المعنى ، وإن اختلف العبارات عنها ، وقد بينت صحة ذلك فيما مضى قبل
بما أغنى عن إعادته. (2)
* * *
ذكر من قال : معناه : المخرج.
15936 - حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا جرير ، عن منصور ، عن مجاهد : " إن تتقوا
الله يجعل لكم فرقانًا " قال : مخرجًا.
15937 - ......... قال ، حدثنا أبي ، عن سفيان ، عن منصور ، عن مجاهد : " إن
تتقوا الله يجعل لكم فرقانًا " ، قال : مخرجًا.
15938 - حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا حكام عن عنبسة ، عن جابر ، عن مجاهد : "
فرقانا " ، مخرجًا.
15939 - حدثني محمد بن عمرو قال ، حدثنا أبو عاصم قال ، حدثنا عيسى ، عن ابن أبي
نجيح ، عن مجاهد " فرقانا " ، قال : مخرجًا في الدنيا والآخرة.
__________
(1) انظر تفسير " الفضل " ، فيما سلف فهارس اللغة ( فصل ) .
(2) يعني ما سلف 1 : 98 ، 99 .
(13/488)
15940 - حدثني المثنى قال ،
حدثنا أبو حذيفة قال ، حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله.
15941 - حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا هانئ بن سعيد ، عن حجاج ، عن ابن أبي نجيح ،
عن مجاهد : " فرقانًا " ، قال : " الفرقان " المخرج.
15942 - حدثني المثنى قال ، حدثنا أبو صالح قال ، حدثني معاوية ، عن علي ، عن ابن
عباس ، قوله : " فرقانا " ، يقول : مخرجًا.
15943 - حدثنا الحسن بن يحيى قال ، أخبرنا عبد الرزاق قال ، أخبرنا الثوري ، عن
منصور ، عن مجاهد : " فرقانا " ، مخرجًا.
15944 - حدثني المثنى قال ، حدثنا عبد الله بن رجاء البصري قال ، حدثنا زائدة ، عن
منصور ، عن مجاهد ، مثله.
15945 - حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا المحاربي ، عن جويبر ، عن الضحاك : "
فرقانا " ، قال : مخرجًا.
15946 - حدثت عن الحسين بن الفرج قال ، سمعت أبا معاذ قال ، سمعت عبيدا يقول ،
سمعت الضحاك يقول : " فرقانًا " ، مخرجًا.
15947 - حدثنا أحمد بن إسحاق قال ، حدثنا أبو أحمد قال ، حدثنا سفيان ، عن منصور ،
عن مجاهد ، مثله.
15948 - حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا حميد ، عن زهير ، عن جابر ، عن عكرمة ، قال :
" الفرقان " ، المخرج.
* * *
* ذكر من قال : معناه النجاة.
15949 - حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا حكام ، عن عنبسة ، عن جابر ، عن عكرمة :
" إن تتقوا الله يجعل لكم فرقانًا " ، قال : نجاة.
15950 - حدثني الحارث قال ، حدثنا عبد العزيز قال ، حدثنا إسرائيل ،
(13/489)
عن رجل ، عن عكرمة ومجاهد ، في
قوله : " يجعل لكم فرقانًا " ، قال عكرمة : المخرج وقال مجاهد : النجاة.
15951 - حدثني محمد بن الحسين قال ، حدثنا أحمد بن مفضل قال ، حدثنا أسباط ، عن
السدي : " يجعل لكم فرقانًا " ، قال : نجاة.
15952 - حدثني محمد بن سعد قال ، حدثني أبي قال ، حدثني عمي قال ، حدثني أبي ، عن
أبيه ، عن ابن عباس : " يجعل لكم فرقانًا " ، يقول : يجعل لكم نجاة.
15953 - حدثنا بشر قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد ، عن قتادة : " يجعل
لكم فرقانًا " ، أي : نجاة.
* * *
* ذكر من قال فصلا.
15954 - ...................................... " يا أيها الذين آمنوا إذ
تتقوا الله يجعل لكم فرقانًا " ، قال : فرقان يفرق في قلوبهم بين الحق
والباطل ، حتى يعرفوه ويهتدوا بذلك الفرقان. (1)
15955 - حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق : " يا أيها الذين
آمنوا إن تتقوا الله يجعل لكم فرقانًا " ، أي : فصلا بين الحق والباطل ،
ليظهر به حقكم ، ويخفي به باطل من خالفكم. (2)
__________
(1) الأثر : 15954 - إسناد هذا الخبر ساقط في المخطوطة ، جعل مكانه بياضًا نحوًا
من سطر ونصف ، فجاء ناشر المطبوعة ووصل الكلام دون أن يشير إلى ذلك البياض . وظاهر
أنه خبر قائم برأسه ، كما وضعته .
(2) الأثر : 15955 - سيرة ابن هشام 2 : 325 ، وهو تابع الأثر السالف رقم : 15929 .
وكان في المطبوعة : " يظهر " بغير لام ، وهي في المخطوطة تقرأ هكذا
وهكذا ، وأثبت نص ما في السيرة ، باللام في أولها .
(13/490)
وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ (30)
و " الفرقان " في
كلام العرب ، مصدرٌ من قولهم : " فرقت بين الشيء والشيء أفرُق بينهما فَرْقًا
وفُرْقانًا. (1)
* * *
القول في تأويل قوله : { وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ
أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ
خَيْرُ الْمَاكِرِينَ (30) }
قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم ، مذكِّرَه نعمه
عليه : واذكر ، يا محمد ، إذ يمكر بك الذين كفروا من مشركي قومك كي يثبتوك. (2)
* * *
واختلف أهل التأويل في تأويل قوله : " ليثبتوك " .
فقال بعضهم : معناه ليقيِّدوك.
* ذكر من قال ذلك :
15956 - حدثني المثنى قال ، حدثنا عبد الله بن صالح قال ، حدثني معاوية ، عن علي ،
عن ابن عباس ، قوله : " وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك " ، يعني :
ليوثقوك.
15957 - ............ قال ، حدثنا أبو حذيفة قال ، حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ،
عن مجاهد : " ليثبتوك " ، ليوثِقوك.
15958 - حدثنا بشر بن معاذ قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله :
" وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك " ، الآية ، يقول : ليشدُّوك
__________
(1) انظر ما سلف 1 : 98 ، 99 \ 3 : 448 \ 6 : 162 ، 163 .
(2) انظر تفسير " المكر " فيما سلف 12 : 95 ، 97 ، 579 \ 13 : 33
(13/491)
وَثاقًا. وأرادوا بذلك نبيَّ
الله صلى الله عليه وسلم وهو يومئذ بمكة.
15959 - حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال ، حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة
ومقسم قالا قالوا : " أوثقوه بالوثاق " .
15960 - حدثني محمد بن الحسين قال ، حدثنا أحمد بن المفضل قال ، حدثنا أسباط ، عن
السدي : " ليثبتوك " ، قال : الإثبات ، هو الحبس والوَثَاق.
* * *
وقال آخرون : بل معناه الحبس.
* ذكر من قال ذلك.
15961 - حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثني حجاج ، عن ابن جريج قال ،
سألت عطاء عن قوله : " ليثبتوك " ، قال : يسجنوك وقالها عبد الله بن
كثير.
15962 - حدثني يونس قال ، أخبرنا ابن وهب قال ، قال ابن زيد : قالوا : "
اسجنوه " .
* * *
وقال آخرون : بل معناه : ليسحروك.
* ذكر من قال ذلك.
15963 - حدثني محمد بن إسماعيل البصري المعروف بالوساوسي قال ، حدثنا عبد المجيد
بن أبي روّاد ، عن ابن جريج ، عن عطاء ، عن عبيد بن عمير ، عن المطلب بن أبي
وَداعة : أن أبا طالب قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم : ما يأتمر به قومك ؟ قال
: يريدون أن يسحروني ويقتلوني ويخرجوني! فقال : من أخبرك بهذا ؟ قال : ربي! قال :
نعم الرب ربك ، فاستوص به خيرًا! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أنا أستوصي
به! بل هو يستوصي بي خيرًا " ! فنزلت : " وإذ يمكر بك الذين كفروا
ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك " ، الآية. (1)
__________
(1) الأثر : 15963 - " محمد بن إسماعيل البصري " ، المعروف ب "
الوساوسي " شيخ الطبري ، لم أجد النص على أنه " الوساوسي " ، والذي
يروى عنه أبو جعفر في تاريخه ، في مواضع " محمد بن إسماعيل الضراري " ،
وهو " محمد بن إسماعيل بن أبي ضرار الرازي " ، صدوق . مترجم في التهذيب
، وابن أبي حاتم 3 \ 2 \ 190 ، وذكر في التهذيب أن أبا جعفر محمد بن جرير الطبري ،
روى عنه ، ولم يذكر أنه يعرف بالوساوسي .
وترجم ابن أبي حاتم لأخيه : " أحمد بن إسماعيل بن أبي ضرار الرازي " ، 1
\ 1 \ 41 ، فوجدت في لباب الأنساب 2 : 273 : " الوساوسي ، عرف بها " أحمد
بن إسماعيل الوساوسي البصري " ، فدل هذا على ترجيح أن يكون " محمد بن
إسماعيل بن أبي ضرار " يقال له " الوساوسي " أيضًا .
و " عبد المجيد بن أبي رواد " ، هو " عبد المجيد بن عبد العزيز بن
أبي رواد الأزدي " ، روى عن ابن جريح وغيره . وثقه أحمد وابن معين . وغيرهما
. وضعفه أبو حاتم وابن سعد . ومنهم من قال هو ثبت في حديثه عن ابن جريج ، ومنهم من
قال : روى عن ابن جريج أحاديث لا يتابع عليها . مترجم في التهذيب ، وابن أبي حاتم
3 \ 1 \ 64 .
" وعبيد بن عمير بن قتادة الليثي " ثقة ، مضى برقم : 9180 ، 9181 ، 9189
، 15621 .
وكان في المخطوطة والمطبوعة : " عبيد بن عمير بن المطلب بن أبي وداعة "
، وهو خطأ لا شك فيه .
و " المطلب بن أبي وداعة السهمي القرشي " ، له صحبة - مترجم في التهذيب
، والكبير 4 \ 2 \ 7 ، وابن أبي حاتم 4 \ 1 \ 385 ، ولم يذكر لعبيد بن عمير رواية
عنه .
وهذا الخبر رواه ابن كثير في تفسيره 4 : 46 ، 47 ، وقال : " وذكر أبي طالب في
هذا ، غريب جدًا ، بل منكر لأن هذه الآية مدنية . ثم إن هذه القصة ، واجتماع قريش
على هذا الائتمار والمشاورة على الإثبات أو النفي أو القتل ، إنما كانت ليلة
الهجرة سواء . وكان ذلك بعد موت أبي طالب بنحو من ثلاث سنين ، لما تمكنوا منه
واجترأوا عليه بسبب موت عمه أبي طالب ، الذي كان يحوطه وينصره ويقوم بأعبائه
" .
فلو صح ما قاله ابن كثير ، كان هذا الخبر من الأخبار التي دعتهم إلى أن يقولوا في
" عبد المجيد ابن أبي رواد " أنه روى عن ابن جريج أحاديث لا يتابع عليها
. ومع ذلك فإن حجاجًا قد روى عنه مثل رواية عبد المجيد . انظر التعليق على الأثر
التالي ، فإني اذهب مذهبًا غير مذهب ابن كثير في الخبر . وانظر أيضًا رقم : 15976
، فإن ابن جريج سيقول : إن هذه الآية مكية ، لا مدنية .
(13/492)
15964 - حدثنا القاسم قال ، حدثنا
الحسين قال ، حدثني حجاج قال ، قال ابن جريج قال عطاء : سمعت عبيد بن عمير يقول :
لما ائتمروا بالنبي صلى الله عليه وسلم ليقتلوه أو يثبتوه أو يخرجوه ، قال له أبو
طالب : هل تدري ما ائتمروا بك ؟ قال : نعم! قال : فأخبره ، قال : من أخبرك ؟ قال :
ربي! قال : نعم الرب ربك ، استوص به خيرًا! قال : " أنا أستوصي به ، أو هو
يستوصي بي ؟ (1)
__________
(1) الأثر : 15964 - انظر التعليق على الأثر السالف . سلف ما قاله ابن كثير في نقد
هذا الخبر . والذي دفعه أن يقول ما قال ، من انه كان ليلة الهجرة ، ما رواه ابن
جرير في الأثر الذي يليه ، والذي ترجم له بقوله : " وكأن معنى مكر قوم رسول
الله صلى الله عليه وسلم به ليثبتوه ، كما حدثني ... " وساق خبر ائتمارهم به
ليلة الهجرة .
ولكن جائز أن يكون الخبران الأولان ، في شأن آخر ، وليلة أخرى ، بل أكاد أقطع أن
الخبر الذي رواه ابن جريج ، لا علاقة له بأمر الهجرة ، وأن ابن كثير تابع للطبري
فيما ظنه ظنًا وذلك أن ابن إسحاق وغيره ، رووا أن أشراف قريش اجتمعوا يوما في
الحجر ، فذكروا رسول الله ، وزعموا أنهم صبروا منه على أمر عظيم . فبينا هم في ذلك
إذ طلع عليهم رسول الله ، فأقبل يمشي حتى استلم الركن ، ثم مر بهم طائفًا بالبيت ،
فغمزوه ببعض القول . فعرف الغضب في وجهه صلى الله عليه وسلم . فلما مر بهم الثانية
، غمزوه بمثلها ، ثم مر الثالثة ، ففعلوا فعلتهم ، فوقف ثم قال : " أتسمعون
يا معشر قريش ، أما والذي نفسي بيده ، لقد جئتكم بالذبح " . فاستكانوا ورفأوه
بأحسن القول رهبة ورغبة . فلما كان الغد ، اجتمعوا في الحجر فقال بعضهم لبعض :
" ذكرتم ما بلغ منكم وما بلغكم عنه ، حتى إذا باداكم بما تكرهون تركتموه
" . فبينا هم كذلك ، طلع عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فوثبوا إليه
رجل واحد ، وأحاطوا به يقولون : " أنت الذي تقول كذا وكذا ؟ " ، لما كان
من عيب آلهتهم ، فيقول : " نعم ، أنا الذي أقول ذلك " ، فأخذ بعضهم
بمجمع ردائه ، فقام أبو بكر دونه وهو يبكي ويقول : " أتقتلون رجلا أن يقول
ربي الله " ! ( سيرة ابن هشام 1 : 309 ، 310 ) ، وانظر الخبر التالي رقم :
15974 ، والتعليق عليه .
وكان هذا قبل الهجرة بزمان طويل ، في حياة أبي طالب . فكأن هذا الخبر ، هو الذي
قال عبيد بن عمير في روايته عن المطلب بن أبي وداعة أنه ائتمار قومه به . فإذا صح
ذلك ، لم يكن لما قال ابن كثير وجه ، ولصح هذا الخبر لصحة إسناده .
(13/493)
وكأنّ معنى مكر قوم رسول الله
صلى الله عليه وسلم به ليثبتوه ، كما : -
15965 - حدثنا سعيد بن يحيى الأموي قال ، حدثني أبي قال ، حدثنا محمد بن إسحاق ،
عن عبد الله بن أبي نجيح ، عن مجاهد ، عن ابن عباس قال وحدثني الكلبي ، عن زاذان
مولى أم هانئ ، عن ابن عباس : أن نفرًا من قريش من أشراف كل قبيلة ، اجتمعوا
ليدخلوا دار الندوة ، فاعترضهم إبليس في صورة شيخ جليل ، (1) فلما رأوه قالوا : من
أنت ؟ قال شيخ من نجد ، سمعت أنكم اجتمعتم ، فأردت أن أحضركم ، ولن يعدمكم مني
رأيٌ ونصحٌ. (2) قالوا : أجل ، ادخل! فدخل معهم ، فقال : انظروا إلى شأن هذا الرجل
، (3) والله
__________
(1) في المخطوطة : " في صورة جليل " ، وفوق " جليل " حرف ( ط
) دليلا على الخطأ ، والصواب ما في المطبوعة ، مطابقًا لما في سيرة ابن هشام .
(2) " لن يعدمكم " ، أي : لا يعدوكم ويخطئكم مني رأي ونصح .
(3) في المطبوعة : " في شأن " ، وأثبت ما في المخطوطة .
(13/494)
ليوشكن أن يُواثبكم في أموركم
بأمره. (1) قال : فقال قائل : احبسوه في وَثاق ، ثم تربصوا به ريبَ المنون ، حتى
يهلك كما هلك من كان قبله من الشعراء ، زهير والنابغة ، إنما هو كأحدهم! قال :
فصرخ عدوُّ الله الشيخ النجدي فقال : والله ، ما هذا لكم برأي ! (2) والله ليخرجنه
ربه من محبسه إلى أصحابه ، فليوشكن أن يثبوا عليه حتى يأخذوه من أيديكم فيمنعوه
منكم ، فما آمن عليكم أن يخرجوكم من بلادكم! قالوا : فانظروا في غير هذا. قال :
فقال قائل : أخرجوه من بين أظهركم تستريحوا منه ، فإنه إذا خرج لن يضركم ما صنع
وأين وقع ، إذا غاب عنكم أذاه واسترحتم ، وكان أمره في غيركم. فقال الشيخ النجدي :
والله ما هذا لكم برأي ، ألم تروا حلاوة قوله ، وطلاقة لسانه ، وأخذَ القلوب ما
تسمع من حديثه ؟ والله لئن فعلتم ، ثم استعرَض العرب ، لتجتمعن عليكم ، ثم ليأتين
إليكم حتى يخرجكم من بلادكم ويقتل أشرافكم! قالوا : صدق والله! فانظروا رأيًا غير
هذا ! قال : فقال أبو جهل : والله لأشيرن عليكم برأي ما أراكم أبصرتموه بعد ، ما
أرى غيره! قالوا : وما هو ؟ قال : نأخذ من كل قبيلة غلامًا وَسيطا شابًّا نَهْدًا
، (3) ثم يعطى كل غلام منهم سيفًا صارمًا ، ثم يضربوه ضربة رجل واحد ، فإذا قتلوه
تفرق دمه في القبائل كلها ، فلا أظن هذا الحي من بني هاشم يقدرون على حرب قريش
كلها ، فإنهم إذا رأوا ذلك قبلوا العقل ، (4) واسترحنا وقطعنا عنا أذاه. فقال
الشيخ النجدي : هذا والله الرأي ، القولُ ما قال الفتى ، لا أرى غيره! قال :
فتفرقوا على ذلك وهم مُجْمعون له ، قال : فأتى جبريل النبيَّ صلى الله عليه وسلم
فأمره أن لا يبيت في مضجعه الذي كان يبيت فيه تلك الليلة ، وأذِن الله له عند ذلك
بالخروج ، وأنزل عليه بعد قدومه المدينة " الأنفال " ، يذكره نعمه عليه
، وبلاءه عنده : " وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك
ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين " ، وأنزل في قولهم : " تربصوا
به ريبَ المنون " حتى يهلك كما هلك من كان قبله من الشعراء " : أَمْ
يَقُولُونَ شَاعِرٌ نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ ، [ سورة الطور : 30].
وكان يسمى ذلك اليوم : " يوم الزحمة " للذي اجتمعوا عليه من الرأي. (5)
15966 - حدثنا محمد بن عبد الأعلى (6) قال ، حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن
قتادة ومقسم ، في قوله : " وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك " قالا
تشاوروا فيه ليلة وهم بمكة ، فقال بعضهم : إذا أصبع فأوثقوه بالوثاق. وقال بعضهم :
بل اقتلوه. وقال بعضهم : بل اخرجوه. فلما أصبحوا رأوا عليًّا رحمة الله عليه ،
فردَّ الله مكرهم.
15967 - حدثنا الحسن بن يحيى قال ، أخبرنا عيد الرزاق قال ، أخبرني أبي ، عن عكرمة
قال : لما خرج النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر إلى الغار ، أمر عليَّ بن أبي
طالب ، فنام في مضجعه ، فبات المشركون يحرسونه ، فإذا رأوه نائمًا حسبوا أنه النبي
صلى الله عليه وسلم فتركوه. فلما أصبحوا ثاروا إليه وهم يحسبون أنه النبي صلى الله
عليه وسلم ، فإذا هم بعليّ ، فقالوا : أين صاحبك ؟ قال :
__________
(1) في المطبوعة : " أن يواتيكم في أموركم " ، وهو لا معنى له ، وأثبت
ما في المخطوطة ، وهي غير منقوطة ، وصواب قراءتها ما أثبت .
(2) في المطبوعة : " رأي " بغير باء ، والصواب من المخطوطة .
(3) " الوسيط " : حسيبًا في قومه ، من أكرمهم حسبًا ونسبًا ومجدًا .
وكان في المطبوعة " وسطا ً " ، والصواب ما في المخطوطة . و " غلام
نهد " : كريم ، ينهض إلى معالي الأمور. واصل " النهد " : المرتفع .
(4) " العقل " ، الدية .
(5) الأثر : 15965 - سيرة ابن هشام 2 : 124 - 128 ، وإسناد هناك " قال ابن
إسحاق ، فحدثني من لا أتهم من أصحابنا ، عن عبد الله بن أبي نجيح ، عن مجاهد بن
جبير أبي الحجاج ، وغيره ممن لا أتهم ، عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما "
، ثم ساق الخبر بغير هذا اللفظ .
ومما اعترض به على هذا الخبر أن آية " سورة الطور " ، آية مكية ، نزلت
قبل الهجرة بزمان ، وسياق ابن إسحاق للآية بعد الخبر ، يوهم أنها نزلت ليلة الهجرة
، أو بعد الهجرة ، وهذا لا يكاد يصح .
(6) سقط من المطبوعة : " محمد " وكتب " بن عبد الأعلى " ، وهي
ثابتة في المخطوطة .
(13/495)
لا أدري! قال : فركبوا الصعب
والذَّلول في طلبه. (1)
15968 - حدثني المثنى قال ، حدثنا إسحاق قال ، حدثنا عبد الرزاق ، عن معمر قال ،
أخبرني عثمان الجزريّ : أن مقسمًا مولى ابن عباس أخبره ، عن ابن عباس في قوله :
" وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك " ، قال : تشاورت قريش ليلة بمكة ،
فقال بعضهم : إذا أصبح فأثبتوه بالوثاق يريدون النبي صلى الله عليه وسلم. وقال
بعضهم : بل اقتلوه. وقال بعضهم : بل أخرجوه. فأطلع الله نبيه على ذلك ، فبات على
رحمه الله على فراش النبي صلى الله عليه وسلم تلك الليلة ، (2) وخرج النبي صلى
الله عليه وسلم حتى لحق بالغار ، وبات المشركون يحرسون عليًّا يحسبون أنه النبي صلى
الله عليه وسلم . فلما أصبحوا ثاروا إليه ، فلما رأوا عليًّا رحمة الله عليه ، ردّ
الله مكرهم ، فقالوا : أين صاحبك ؟ قال : لا أدري! فاقتصُّوا أثره ، فلما بلغوا
الجبل ومرُّوا بالغار ، رأوا على بابه نسج العنكبوت ، قالوا : لو دخل ههنا لم يكن
نَسْجٌ على بابه! فمكث فيه ثلاثا. (3)
__________
(1) " الصعب " من الإبل ، هو الذي لم يركب قط ، لأنه لا ينقاد لراكبه ،
ونقيضه " الذلول " ، وهو السهل المنقاد . مثل لركوب كل مركب في طلب ما
يريده المرء ، سهل المركب أو صعب .
(2) في المخطوطة ، سقط من الناسخ " الليلة " ، وزادتها المطبوعة .
(3) الأثر : 15968 - " عثمان الجزري " ، يقال له : " عثمان المشاهد
" . روى عن مقسم ، روى عنه معمر ، والنعمان بن راشد . قال أبو حاتم : "
لا أعلم روى عنه غير معمر ، والنعمان " . وسئل عنه أحمد فقال : " روى
أحاديث مناكير ، زعموا أنه ذهب كتابه " . مترجم في ابن أبي حاتم 3 \ 1 \ 174
.
وكان في المطبوعة : " عثمان الجريري " ، والمخطوطة ، كما أثبتها ، غير
أنه غير منقوط .
وهذا الخبر رواه أحمد في مسنده برقم : 3251 ، وقال أخي : " في إسناده نظر ،
من أجل عثمان الجزري ، كالإسناد 2562 " ، وقد استظهر هناك أن " عثمان الجزري
" هو " عثمان بن ساج " ، ولكن ما قاله ابن أبي حاتم ، يرجح أن
" عثمان الجزري " ، غير " عثمان بن ساج " .
وقد وجدت بعد في مجمع الزوائد 7 : 27 ، هذا الخبر ، بنحوه ثم قال : " رواه
أحمد والطبراني ، وفيه " عثمان بن عمرو الجزري " ، وثقه ابن حبان ،
وضعفه غيره ، وبقية رجاله رجال الصحيح " .
ولا أزال أشك في أن " عثمان الجزري " ، غير " عثمان بن عمرو بن ساج
"
(13/497)
15969 - حدثني محمد بن الحسين
قال ، حدثنا أحمد بن مفضل قال ، حدثنا أسباط ، عن السدي : " وإذ يمكر بك
الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين
" ، قال : اجتمعت مشيخة قريش يتشاورون في النبيّ صلى الله عليه وسلم بعد ما
أسلمت الأنصار ، وفَرِقوا أن يتعالى أمره إذا وجد ملجأ لجأ إليه. (1) فجاء إبليس
في صورة رجل من أهل نجد ، فدخل معهم في دار الندوة ، فلما أنكروه قالوا : من أنت ؟
فوالله ما كل قومنا أعلمناهم مجلسنا هذا! قال : أنا رجل من أهل نجد ، أسمع من
حديثكم وأشير عليكم! فاستحيَوْا ، فخلَّوا عنه. فقال بعضهم : خذوا محمدًا إذا
اضطجع على فراشه ، (2) فاجعلوه في بيت نتربص به ريبَ المنون و " الريب "
، هو الموت ، و " المنون " ، هو الدهر قال إبليس : بئسما قلت! تجعلونه
في بيت ، فيأتي أصحابه فيخرجونه ، فيكون بينكم قتال! قالوا : صدق الشيخ! قال :
أخرجوه من قريتكم! قال إبليس : بئسما قلت! تخرجونه من قريتكم ، وقد أفسد سفهاءكم ،
فيأتي قرية أخرى فيفسد سفهاءهم ، فيأتيكم بالخيل والرجال! قالوا : صدق الشيخ! قال
أبو جهل وكان أولاهم بطاعة إبليس : بل نعمد إلى كل بطن من بطون قريش ، فنخرج منهم
رجلا فنعطيهم السلاح ، فيشدُّون على محمد جميعًا فيضربونه ضربة رجل واحد ، فلا
يستطيع بنو عبد المطلب أن يقتلوا قريشًا ، فليس لهم إلا الدية! قال إبليس : صدق ،
وهذا الفتى هو أجودكم رأيًا! فقاموا على ذلك. وأخبر الله رسوله صلى الله عليه وسلم
، فنام على الفراش ، وجعلوا عليه العيون. فلما كان في بعض الليل ، انطلق هو وأبو
بكر إلى الغار ، ونام علي بن أبي طالب على الفراش ، فذلك حين يقول الله : "
ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك " و " الإثبات " ، : هو الحبس والوثاق
وهو قوله : وَإِنْ كَادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الأرْضِ لِيُخْرِجُوكَ
__________
(1) " فرقوا " ، خافوا وفزعوا .
(2) في المطبوعة : " إذا اصطبح على فراشه " ، لا أدري من أين جاء بها !
.
(13/498)
مِنْهَا وَإِذًا لا يَلْبَثُونَ
خِلافَكَ إِلا قَلِيلا [ سورة الإسراء : 76] ، يقول : يهلكهم.
فلما هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة ، لقيه عمر فقال له : ما فعل
القوم ؟ وهو يرى أنهم قد أهلكوا حين خرج النبي صلى الله عليه وسلم من بين أظهرهم ،
وكذلك كان يُصنع بالأمم ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " أخِّروا بالقتال
" .
15970 - حدثني محمد بن عمرو قال ، حدثنا أبو عاصم قال ، حدثنا عيسى ، عن ابن أبي
نجيح ، عن مجاهد : " ليثبتوك أو يقتلوك " ، قال : كفار قريش ، أرادوا
ذلك بمحمد صلى الله عليه وسلم قبل أن يخرج من مكة.
15971 - حدثني المثنى قال ، حدثنا أبو حذيفة قال ، حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ،
عن مجاهد نحوه.
15972 - حدثني ابن وكيع قال : حدثنا هانئ بن سعيد ، عن حجاج ، عن ابن أبي نجيح ،
عن مجاهد نحوه; إلا أنه قال : فعلوا ذلك بمحمد.
15973 - حدثني محمد بن سعد قال ، حدثني أبي قال ، حدثني عمي قال ، حدثني أبي عن
أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : " وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك
" ، الآية ، هو النبي صلى الله عليه وسلم ، مكروا به وهو بمكة.
15974 - حدثني يونس قال ، أخبرنا ابن وهب قال ، قال ابن زيد ، في قوله : "
وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك " ، إلى آخر الآية ، قال : اجتمعوا فتشاوروا
في رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقالوا : اقتلوا هذا الرجل. فقال بعضهم : لا
يقتله رجل إلا قُتل به! قالوا : خذوه فاسجنوه ، واجعلوا عليه حديدًا. قالوا : فلا
يدعكم أهل بيته! قالوا : أخرجوه. قالوا : إذًا يستغوي الناس عليكم. (1)
__________
(1) " يستغوي الناس " ، أي : يدعوهم إلى التجمع . يقال : " تغاووا
عليه حتى قتلوه " ، إذا تجمعوا وتعاونوا في الشر . والأجود عندي : "
يستعوى " ( بالعين المهملة ) . يقال : " استعوى فلان جماعة " ، إذا
نعق بهم على الفتنة . ويقال : " تعاوى بنو فلان على فلان " و "
تغاووا " ( بالغين المعجمة ) ، إذا تجمعوا عليه . و " استعوى القوم
" ، استغاث بهم . وأصله من " العواء " ، عواء الكلب ، فتجاوبه كلاب
الحي .
(13/499)
قال : وإبليس معهم في صورة رجل
من أهل نجد ، واجتمع رأيهم أنه إذا جاء يطوف البيت ويستلم ، أن يجتمعوا عليه
فيغمُّوه ويقتلوه ، (1) فإنه لا يدري أهله من قتله ، فيرضون بالعقل ، فنقتله
ونستريح ونعقِله! فلما أن جاء يطوف بالبيت ، اجتمعوا عليه فغمُّوه ، فأتى أبو بكر
فقيل له ذاك ، فأتى فلم يجد مدخلا. فلما أن لم يجد مدخلا قال : أَتَقْتُلُونَ رَجُلا
أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءَكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ مِنْ رَبِّكُمْ ،
[سورة غافر : 28]. قال : ثم فرَّجها الله عنه. فلما أن حطّ الليل ، (2) أتاه جبريل
عليه السلام فقال ، من أصحابك ؟ فقال : فلان وفلان وفلان. فقال : لا نحن أعلم بهم
منك ، (3) يا محمد ، هو ناموس ليل! (4) قال : وأخِذ أولئك من مضاجعهم وهم نيام ،
فأتى بهم النبي صلى الله عليه وسلم ، فقدِّم أحدهم إلى جبريل ، فكحَله ثم أرسله ،
فقال : ما صورته يا جبريل ؟ قال : كُفِيتَه يا نبي الله!
__________
(1) في المطبوعة والمخطوطة : " فيعموه " بالعين المهملة ، ولها وجه ضعيف
عندي ، وصوابها بالغين المعجمة . يقال : " غم الشيء يغمه " ، إذا علاه
وغطاه وستره حتى لا فرجة فيه ، ومنه قول النمر بن تولب ، يصف اجتماع المقاتلة
العرب في الحرب : زَبَنَتْكَ أَرْكَانُ العَدُوِّ فأَصْبَحتْ ... أَجَأ وَحَيَّة مِنْ
قَرَارِ ديارها
وَكأَنَّهَا دَقَرَى ، تَخَايَلَ نَبْتُها ... أُنُفٌ يَغُمُّ الضَّالَ نَبْتُ
بِحَارِهَا
ومنه قيل للغمة " غمة " ، وقيل : " سحاب أغم " ، لا فرجة فيه
. وانظر بعد ذلك صفة اجتماعهم عليه صلى الله عليه وسلم بأبي هو وأمي ، وأن أبا بكر
لم يجد مدخلا ، وقوله أيضًا : " ثم فرجها الله عنه " . فكل هذا يدل على
صواب قراءتها كما أثبتها . وهذه الصفحة من المخطوطة ، يكاد أكثرها يكون غير منقوط
.
(2) في المطبوعة : " فلما أن كان الليل " ، غير ما في المخطوطة ، وكان
فيها " فلما أن حبط " وصواب قراءتها إن شاء الله ما أثبت. و " حط
الليل " ، نزل وأطبق.
(3) في المخطوطة : " فقال : فلان وفلان وفلان ، فقال لا . فقال جبريل عليه
السلام : نحن أعلم بهم منك ... " ، أخشى أن يكون سقط من الكلام شيء ، والذي
في المطبوعة اجتهاد من الناشر ، تركه على حاله .
(4) في المطبوعة والمخطوطة : " هو ناموس ليل " ، والسياق يقتضي ما أثبت
.
و " الناموس " دويبة أغبر ، كهنة الذرة ، تلكع الناس وتلسعهم . وقولهم :
" هم ناموس ليل " ، يعني حقارتهم وقلة شأنهم .
(13/500)
ثم قدِّم آخر ، فنقر فوق رأسه.
بعصًا نقرة ثم أرسله ، فقال : ما صورته يا جبريل ؟ فقال : كُفِيته يا نبي الله! ثم
أتي بآخر فنقر في ركبته ، فقال : ما صورته يا جبريل ؟ قال : كفيته! ثم أتي بآخر
فسقاه مَذْقة ، (1) فقال : ما صورته يا جبريل ؟ قال : كفيته يا نبي الله! وأتي
بالخامس ، (2) فلما غدا من بيته ، مرّ بنبّال فتعلق مِشْقَص بردائه ، (3) فالتوى ،
فقطع الأكحل من رجله. (4) وأما الذي كحلت عيناه ، فأصبح وقد عمي. وأما الذي سقي
مَذْقةً ، فأصبح وقد استسقى بطنه. وأما الذي نقر فوق رأسه ، فأخذته النقبة و
" النقبة " ، قرحة عظيمة (5)
أخذته في رأسه. وأما الذي طعن في ركبته ، فأصبح وقد أقعد. فذلك قول الله : "
وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك ويمكرون ويمكر الله والله
خير الماكرين " .
15975 - حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، قوله : " ويمكرون
ويمكر الله والله خير الماكرين " ، أي : فمكرت لهم بكيدي المتين ، حتى خلّصك
منهم. (6)
__________
(1) " المذقة " ، الطائفة من اللبن الممزوج بالماء .
(2) لم يذكر ما فعل جبريل عليه السلام بالخامس ، وإن كان ذكر ما آل إليه أمره ،
فأخشى أن يكون سقط من الكلام شيء .
(3) في المطبوعة " مر " حذف الفاء ، وهو صواب ، فأثبتها من المخطوطة . و
" المشقص " ، نصل السهم إذا كان طويلا غير عريض .
(4) " الأكحل " ، عرق الحياة ، ويقال له : " نهر البدن " ،
وهو عرق في اليد ووسط الذراع ، وفي كل عضو منه شعبة ، لها اسم على حدة ، إذا قطع
لم يرقأ الدم .
(5) في المطبوعة : " النقدة " ، في الموضعين . وأما المخطوطة ، فالأولى
، يوشك أن يكتبها " النقبة " إلا أنه يزيد في رأس الباء ، ثم كتب بعد
" النقدة " ولم أجد في القروح ما يقال له : " نقدة " .
و " النقبة " ( بضم فسكون ) أول بدء الجرب ، ترى الرقعة مثل الكف بجنب
البعير أو وركه أو بمشفرة ، ثم تتمشى فيه تشريه كله ، أي تملؤه كله . فلعل هذه هي
المرادة هنا .
(6) الأثر : 15975 - سيرة ابن هشام 1 : 325 ، وهو تابع الأثر السالف رقم : 15955 .
وكان في المطبوعة والمخطوطة : " فمكرت لهم " ، وأثبت ما في سيرة ابن
هشام ، وهي أجود .
(13/501)
وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آَيَاتُنَا قَالُوا قَدْ سَمِعْنَا لَوْ نَشَاءُ لَقُلْنَا مِثْلَ هَذَا إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ (31)
15976 - حدثنا القاسم قال ،
حدثنا الحسين قال ، حدثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن عكرمة ، قوله : " وإذ يمكر
بك الذين كفروا " ، قال : هذه مكية قال : ابن جريج ، قال مجاهد : هذه مكية.
(1)
قال أبو جعفر : فتأويل الكلام إذًا : واذكر ، يا محمد ، نعمتي عندك ، بمكري بمن
حاول المكرَ بك من مشركي قومك ، بإثباتك أو قتلك أو إخراجك من وطنك ، حتى استنقذتك
منهم وأهلكتهم ، فامض لأمري في حرب من حاربك من المشركين ، وتولى عن إجابة ما
أرسلتك به من الدين القيم ، ولا يَرْعَبَنَّك كثرة عددهم ، فإن ربّك خيرُ الماكرين
بمن كفر به ، وعبد غيره ، وخالف أمره ونهيه.
* * *
وقد بينا معنى " المكر " فيما مضى ، بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع.
(2)
القول في تأويل قوله : { وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا قَالُوا قَدْ
سَمِعْنَا لَوْ نَشَاءُ لَقُلْنَا مِثْلَ هَذَا إِنْ هَذَا إِلا أَسَاطِيرُ
الأوَّلِينَ (31) }
قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره : واذا تتلى على هؤلاء الذين كفروا آياتِ كتاب
الله الواضحةَ لمن شرح الله صدره لفهمه (3) ، قالوا جهلا منهم ، وعنادًا للحق ،
وهم يعلمون أنهم كاذبون في قيلهم " لو نشاء لقلنا مثل هذا " ،
__________
(1) الأثر : 15976 - انظر التعليق على الأثر السالف رقم : 15964 . كأنه يعني أن
هذه الآية ، معنى بها أمر من أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بمكة . والقطع
بأن هذه الآية أو اللواتي تليها آيات نزلت بمكة ، أمر صعب ، لا يكاد المرء يطمئن
إلى صوابه ، والاعتراض على ذلك له وجوه كثيرة لا محل لذكرها هنا .
(2) انظر تفسير " المكر " فيما سلف 12 : 95 ، 97 ، 579 \ 13 : 33 ، 491
.
(3) انظر تفسير " التلاوة " فيما سلف ص : 385 ، تعليق : 1 ، والمراجع
هناك .
(13/502)
الذي تُلِي علينا " إن
هذا إلا أساطير الأولين " ، يعني : أنهم يقولون : ما هذا القرآن الذي يتلى
عليهم إلا أساطير الأولين.
و " الأساطير " جمع " أسطر " ، وهو جمع الجمع ، لأن واحد
" الأسطر " " سطر " ، ثم يجمع " السطر " ، "
أسطر " و " سطور " ، ثم يجمع " الأسطر " " أساطير "
و " أساطر " . (1)
وقد كان بعضُ أهل العربية يقول : واحد " الأساطير " ، " أسطورة
" .
* * *
وإنما عنى المشركون بقولهم : " إن هذا إلا أساطير الآولين " ، إنْ هذا
القرآن الذي تتلوه علينا ، يا محمد ، إلا ما سطَّره الأولون وكتبوه من أخبار
الأمم! كأنهم أضافوه إلى أنه أخذ عن بني آدم ، وأنه لم يوحِه الله إليه.
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك :
15977 - حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثني حجاج قال ، قال ابن جريج
قوله : " وإذا تتلى عليهم آياتنا قالوا قد سمعنا لو نشاء لقلنا مثل هذا
" ، قال : كان النضر بن الحارث يختلف تاجرًا إلى فارس ، فيمرّ بالعِباد وهم
يقرأون الإنجيل ويركعون ويسجدون. (2) فجاء مكة ، فوجد محمدًا صلى الله عليه وسلم
قد أنزل عليه وهو يركع ويسجد ، فقال النضر : " قد سمعنا لو نشاء لقلنا مثل
هذا! " ، للذي سَمِع من العباد. فنزلت : " وإذا تتلى عليهم آياتنا قالوا
قد
__________
(1) انظر تفسير " الأساطير " فيما سلف 11 : 308 - 310 .
(2) " العباد " ، قوم من قبائل شتى من بطون العرب ، اجتمعوا على
النصرانية قبل الإسلام ، فأنفوا أن يسموا بالعبيد ، فقالوا : " نحن العباد
" ، ونزلوا بالحيرة . فنسب إلى " العباد " ، ومنهم عدى بن يزيد
العبادي الشاعر .
(13/503)
سمعنا لو نشاء لقلنا مثل هذا
" ، قال : فقص ربُّنا ما كانوا قالوا بمكة ، وقص قولهم : إذ قالوا : "
اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك " ، الآية.
15978 - حدثني محمد بن الحسين قال ، حدثنا أحمد بن المفضل قال ، حدثنا أسباط ، عن
السدي قال : كان النضر بن الحارث بن علقمة ، أخو بني عبد الدار ، يختلف إلى الحيرة
، فيسمع سَجْع أهلها وكلامهم. فلما قدم مكة ، سمع كلام النبي صلى الله عليه وسلم
والقرآن ، فقال : " قد سمعنا لو نشاء لقلنا مثل هذا إنْ هذا إلا أساطير
الأولين " ، يقول : أساجيع أهل الحيرة. (1)
15979 - حدثنا محمد بن بشار قال ، حدثنا محمد بن جعفر قال ، حدثنا شعبة ، عن أبي
بشر ، عن سعيد بن جبير قال : قتل النبيُّ من يوم بدر صبرًا : عقبةَ بن أبي معيط ،
وطعيمة بن عدي ، والنضر بن الحارث. وكان المقداد أسر النضر ، فلما أمر بقتله ، قال
المقداد : يا رسول الله ، أسيري! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إنه كان
يقول في كتاب الله ما يقول! فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتله ، فقال المقداد :
أسيري! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : واللهم اغْنِ المقداد من فضلك! "
فقال المقداد : هذا الذي أردت! وفيه نزلت هذه الآية : " وإذا تتلى عليهم
آياتنا " ، الآية.
15980 - حدثني يعقوب قال ، حدثنا هشيم قال ، أخبرنا أبو بشر ، عن سعيد بن جبير :
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قَتل يوم بدر ثلاثة رهط من قريش صبرًا : المطعم
بن عديّ ، والنضر بن الحارث ، وعقبة بن أبي معيط. قال : فلما أمر بقتل النضر ، قال
المقداد بن الأسود : أسيري ، يا رسول الله! قال : إنه كان يقول في كتاب الله وفي
رسوله ما كان يقول! قال : فقال ذلك مرتين أو ثلاثًا ، فقال رسول الله صلى الله
عليه وسلم : " اللهم اغْن المقداد من فضلك! وكان المقداد أسر النضر. (2)
__________
(1) " الأساجيع " جمع " أسجوعة " ، ما سجع به الكاهن وغيره .
وانظر ما سلف رقم : 13157 .
(2) الأثر : 15980 - هكذا جاء في رواية هذا الخبر " المطعم بن عدي " ،
مكان " طعيمة بن عدى " ، وكأنه ليس خطأ من الناسخ ، لأن ابن كثير في
تفسيره 4 : 51 ، قال : " وهكذا رواه هشيم ، عن أبي بشر جعفر بن أبي وحشية ،
عن سعيد بن جبير أنه قال : المطعم بن عدي ، بدل طعيمة . وهو غلط ، لأن المطعم بن
عدي لم يكن حيًا يوم بدر ، ولهذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ : لو كان
المطعم بن عدي حيًا ، ثم سألني في هؤلاء النتنى ، لوهبتهم له ! يعني الأسارى ،
لأنه كان قد أجار رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم رجع من الطائف " . وانظر
التعليق على رقم : 15981 .
(13/504)
وَإِذْ قَالُوا اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (32)
القول في تأويل قوله : {
وَإِذْ قَالُوا اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ
فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ
(32) }
قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره : واذكر ، يا محمد ، أيضًا ما حلّ بمن قال :
" اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا
بعذاب أليم " ، إذ مكرت بهم ، فأتيتهم بعذاب أليم (1) وكان ذلك العذاب ،
قتلُهم بالسيف يوم بدر.
* * *
وهذه الآية أيضًا ذكر أنها نزلت في النضر بن الحارث.
* ذكر من قال ذلك.
15981 - حدثني يعقوب قال ، حدثنا هشيم قال ، حدثنا أبو بشر ، عن سعيد بن جبير ، في
قوله : " وإذ قالوا اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من
السماء " ، قال : نزلت في النضر بن الحارث. (2)
15982 - حدثني محمد بن عمرو قال ، حدثنا أبو عاصم قال ، حدثنا
__________
(1) في المطبوعة والمخطوطة : " مكرت لهم " ، وليست بشيء .
(2) الأثر : 15981 - " أبو بشر " ، هو " جعفر بن إياس " ،
" جعفر بن أبي وحشية " ، مضى مرارًا كثيرة . وكان في تعليق ابن كثير ، الذي
نقلته في التعليق على الخبر السالف " جعفر بن أبي دحية " ، وهو خطأ محض
.
(13/505)
عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن
مجاهد قوله : " إن كان هذا هو الحق من عندك " ، قال : قول النضر بن
الحارث (1) أو : ابن الحارث بن كَلَدة.
15983 - حدثني المثنى قال ، حدثنا أبو حذيفة قال ، حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ،
عن مجاهد : " اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك " ، قول النضر بن الحارث
بن علقمة بن كلدة ، من بني عبد الدار.
15984 - ......قال ، أخبرنا إسحاق قال ، أخبرنا عبد الله ، عن ورقاء ، عن ابن أبي
نجيح ، عن مجاهد في قوله : " إن كان هذا هو الحق من عندك " ، قال : هو
النضر بن الحارث بن كلدة.
15985 - حدثنا أحمد بن إسحاق قال ، حدثنا أبو أحمد قال ، حدثنا طلحة بن عمرو ، عن
عطاء قال : قال رجل من بني عبد الدار ، يقال له النضر بن كلدة : " اللهم إن
كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم "
، فقال الله : (( وَقَالُوا رَبَّنَا عَجِّلْ لَنَا قِطَّنَا قَبْلَ يَوْمِ
الْحِسَابِ )) [سورة ص : 16] ، وقال : (( وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا
خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ )) [سورة الأنعام : 94] ، وقال : (( سَأَلَ سَائِلٌ
بِعَذَابٍ وَاقِعٍ لِلْكَافِرينَ )) [سورة المعارج : 1 - 2]. قال عطاء : لقد نزل
فيه بضعَ عشرة آية من كتاب الله.
15986 - حدثني محمد بن الحسين قال ، حدثنا أحمد بن المفضل قال ، حدثنا أسباط ، عن
السدي قال : فقال يعني النضر بن الحارث : اللهم إن كان ما يقول محمد هو الحق من
عندك ، فأمطر علينا حجارة من السماء أو
__________
(1) الأثر : 15982 - في المطبوعة : " النضر بن الحارث بن علقمة بن كلدة
" .
والصواب ما في المخطوطة ، لأن الاختلاف في نسبة هكذا : " النضر بن الحارث بن
كلدة بن علقمة بن عبد مناف بن عبد الدار " أو : " النضر بن الحارث بن
علقمة بن كلدة بن عبد مناف بن عبد الدار " انظر سيرة ابن هشام 2 : 320 ، 321
. وقد غير ما في المخطوطة بلا حرج ولا ورع .
(13/506)
ائتنا بعذاب أليم! قال الله :
(( سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ لِلْكَافِرينَ )) .
15987 - حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا حكام ، عن عنبسة ، عن ليث ، عن مجاهد في قوله
: " إن كان هذا هو الحق من عندك " الآية ، قال : (( سَأَلَ سَائِلٌ
بِعَذَابٍ وَاقِعٍ لِلْكَافِرينَ )) .
15988 - حدثنا بشر قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد ، عن قتادة قوله : "
وإذ قالوا اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك " ، الآية قال : قال ذلك سُفَّهُ
هذه الأمة وجهلتها ، (1) فعاد الله بعائدته ورحمته على سَفَهة هذه الأمة وجهلتها.
(2)
15989 - حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق قال : ثم ذكر غِرَّة قريش
واستفتاحهم على أنفسهم ، إذ قالوا : " اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك
" ، أي : ما جاء به محمد " فأمطر علينا حجارة من السماء " ، كما
أمطرتها على قوم لوط " أو ائتنا بعذاب أليم " ، أي : ببعض ما عذبت به
الأمم قبلنا. (3)
* * *
واختلف أهل العربية في وجه دخول " هو " في الكلام.
فقال بعض البصريين : نصب " الحق " ، لأن " هو " والله أعلم ،
حُوِّلت
__________
(1) في المطبوعة : " سفهة هذه الأمة " ، غير ما في المخطوطة ، طرح
الصواب المحض يقال : " سفيه " ، والجمع " سفهاء " "
وسفاه " ( بكسر السين ) و " سفه " ، بضم السين وتشديد الفاء
المفتوحة . والذي في كتب اللغة أن " سفاه " و " سفه " ، و
" سفائه " جمع " سفيهة " . وسيأتي في المخطوطة بعد قليل
" سفهه " ، وكأنها جائزة أيضًا .
(2) هكذا في المخطوطة أيضًا " سفهة " ، فتركتها على حالها . انظر
التعليق السالف . وكأنه إتباع لقوله " جهلة " ، وهذا من خصائص العربية .
(3) الأثر : 15989 - سيرة ابن هشام 2 : 325 ، وهو تبع الأثر السالف رقم : 15975 .
وكان في المطبوعة : " ثم ذكر غيرة قريش " ، وهو لا معنى له ، صوابه من
المخطوطة وابن هشام . يعني : اغترارهم بأمرهم ، وغفلتهم عن الحق .
(13/507)
زائدة في الكلام صلةَ توكيدٍ ،
كزيادة " ما " ، ولا تزاد إلا في كل فعل لا يستغني عن خبر ، وليس هو
بصفة ، ل " هذا " ، لأنك لو قلت : " رأيت هذا هو " ، لم يكن
كلامًا. ولا تكون هذه المضمرة من صفة الظاهرة ، ولكنها تكون من صفة المضمرة ، نحو
قوله : (( وَلَكِنْ كَانُوا هُمُ الظَّالِمِينَ )) [سورة الزخرف : 76] و(( خَيْرٍ
تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا )) [سورة المزمل : 20].
لأنك تقول : " وجدته هو وإياي " ، فتكون " هو " صفة. (1)
وقد تكون في هذا المعنى أيضا غير صفة ، ولكنها تكون زائدة ، كما كان في الأول. وقد
تجري في جميع هذا مجرى الاسم ، فيرفع ما بعدها ، إن كان بعدها ظاهرًا أو مضمرًا في
لغة بني تميم ، يقولون في قوله : " إن كان هذا هو الحق من عندك " ،
" ولكن كانوا هم الظالمون " ، (2) و " تجدوه عند الله هو خيرٌ
وأعظم أجرًا " (3) كما تقول : " كانوا آباؤهم الظالمون " ، جعلوا
هذا المضمر نحو " هو " و " هما " و " أنت " زائدًا
في هذا المكان ، ولم تجعل مواضع الصفة ، لأنه فصْلٌ أراد أن يبين به أنه ليس ما
بعده صفةً لما قبله ، ولم يحتج إلى هذا في الموضع الذي لا يكون له خبر.
* * *
وكان بعض الكوفيين يقول : لم تدخل " هو " التي هى عماد في الكلام ، (4)
إلا لمعنى صحيح. وقال : كأنه قال : " زيد قائم " ، فقلت أنت : " بل
عمرو هو القائم " ف " هو " لمعهود الاسم ، و " الألف واللام
" لمعهود الفعل ، (5) [ " والألف واللام " ] التي هي صلة في الكلام
، (6) مخالفة لمعنى " هو " ، لأن دخولها وخروجها واحد
__________
(1) " الصفة " ، هو " ضمير الفصل " ، وانظر التعليق التالي
رقم : 4 .
(2) في المطبوعة : " هم الظالمين " ، خالف المخطوطة وأساء .
(3) في المطبوعة والمخطوطة : " هو خيرًا " ، ولا شاهد فيه ، وصوابه ما
أثبت .
(4) " العماد " ، اصطلاح الكوفيين ، والبصريون يقولون : " ضمير
الفصل " ، ويقال له أيضًا : " دعامة " و " صفة " . انظر
ما سلف 2 : 312 ، تعليق 2 ، ثم ص 313 ، 374 \ ثم 7 : 429 ، تعليق : 2 .
(5) " الفعل " ، يعني الخبر .
(6) ما بين القوسين ، مكانه بياض في المخطوطة ، ولكن ناشر المطبوعة ضم الكلام بعضه
إلى بعض . وأثبت ما بين القوسين استظهارًا ، وكأنه الصواب إن شاء الله . وقوله :
" صلة " ، أي : زيادة ، انظر تفسير ذلك فيما سلف 1 : 190 ، 405 ، 406 ،
548 \ 4 : 282 \ 5 : 460 ، 462 \ 7 : 340 ، 341 .
(13/508)
وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (33)
في الكلام. وليست كذلك "
هو " . وأما التي تدخل صلة في الكلام ، فتوكيدٌ شبيه بقولهم : " وجدته
نفسَه " ، تقول ذلك ، وليست بصفة " كالظريف " و " العاقل
" . (1)
* * *
القول في تأويل قوله : { وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ
وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (33) }
__________
(1) انظر مبحث ضمير " العماد " في معاني القرآن للفراء 1 : 50 - 52 ،
104 ، 248 ، 249 ، 409 ، 410 .
وما سلف من التفسير 2 : 312 ، 313 \ 7 : 429 ، 430 ، وغيرها في فهارس مباحث
العربية والنحو وغيرهما .
(13/509)
وَمَا لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَمَا كَانُوا أَوْلِيَاءَهُ إِنْ أَوْلِيَاؤُهُ إِلَّا الْمُتَّقُونَ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (34)
القول في تأويل قوله : { وَمَا
لَهُمْ أَلا يُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ
}
قال أبو جعفر : اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك.
فقال بعضهم : تأويله : " وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم " ، أي : وأنت
مقيم بين أظهرهم. قال : وأنزلت هذه على النبي صلى الله عليه وسلم وهو مقيم بمكة.
قال : ثم خرجَ النبي صلى الله عليه وسلم من بين أظهرهم ، فاستغفر من بها من
المسلمين ، فأنزل بعد خروجه عليه ، حين استغفر أولئك بها : " وما كان الله
معذِّبهم وهم يستغفرون " . قال : ثم خرج أولئك البقية من المسلمين من بينهم ،
فعذّب الكفار.
* ذكر من قال ذلك.
15990 - حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا يعقوب ، عن جعفر بن أبي المغيرة ، عن ابن أبزى
قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم بمكة ، فأنزل الله عليه :
(13/509)
" وما كان الله ليعذبهم
وأنت فيهم " ، قال : فخرج النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة ، فأنزل الله
: " وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون " . قال : فكان أولئك البقية من
المسلمين الذين بقوا فيها يستغفرون يعني بمكة فلما خرجوا أنزل الله عليه : "
وما لهم ألا يعذبهم الله وهم يصدون عن المسجد الحرام وما كانوا أولياء " .
قال : فأذن الله له في فتح مكة ، فهو العذاب الذي وعدهم.
15991 - حدثني يعقوب قال ، حدثنا هشيم قال ، أخبرنا حصين ، عن أبي مالك ، في قوله
: " وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم " ، يعني النبي صلى الله عليه وسلم
" وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون " ، يعني : من بها من المسلمين
" وما لهم ألا يعذبهم الله " ، يعني مكة ، وفيهم الكفار. (1)
15992 - حدثني المثنى قال ، حدثنا عمرو بن عون قال ، أخبرنا هشيم ، عن حصين ، عن
أبي مالك ، في قول الله : " وما كان الله ليعذبهم " ، يعني : أهل مكة
" وما كان الله معذبهم " ، وفيهم المؤمنون ، يستغفرون ، يُغفر لمن فيهم
من المسلمين.
15993 - حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا إسحاق بن إسماعيل الرازي ، وأبو داود الحفري ،
عن يعقوب ، عن جعفر ، عن ابن أبزى : " وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون
" ، قال : بقية من بقي من المسلمين منهم. فلما خرجوا قال : " وما لهم
ألا يعذبهم الله " . (2)
15994 - ....... قال ، حدثنا عمران بن عيينة ، عن حصين ، عن أبي مالك : " وما
كان الله ليعذبهم وأنت فيهم " ، قال : أهل مكة.
__________
(1) في المطبوعة : " وفيها الكفار " ، أما المخطوطة فتقرأ : " بغير
مكة ، وفيهم الكفار " ، ولعل ما في المطبوعة أولى بالإثبات .
(2) الأثر : 15993 - " إسحاق بن إسماعيل الرازي " هو : " حبويه ،
أبو يزيد " سلف مرارًا ، آخرها رقم : 15311 .
(13/510)
15995 - ......وأخبرنا أبي ،
عن سلمة بن نبيط ، عن الضحاك : " وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون " ،
قال : المؤمنون من أهل مكة " وما لهم ألا يعذبهم الله وهم يصدون عن المسجد
الحرام " ، قال : المشركون من أهل مكة.
15996 - ......قال : حدثنا أبو خالد ، عن جويبر ، عن الضحاك : " وما كان الله
معذبهم وهم يستغفرون " قال : المؤمنون يستغفرون بين ظهرانَيْهم.
15997 - حدثني محمد بن سعد قال ، حدثني أبي قال ، حدثني عمي قال ، حدثني أبي ، عن
أبيه ، عن ابن عباس قوله : " وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون " ، يقول
: الذين آمنوا معك يستغفرون بمكة ، حتى أخرجك والذين آمنوا معك.
15998 - حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثني حجاج قال ، قال ابن جريج قال
: ابن عباس : لم يعذب قريةً حتى يخرج النبي منها والذين آمنوا معه ، ويلحقه بحيث
أُمِر " وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون " ، يعني المؤمنين. ثم أعاد
إلى المشركين فقال : " وما لهم ألا يعذبهم الله " .
15999 - حدثني يونس قال ، أخبرنا ابن وهب قال ، قال ابن زيد ، في قوله : وما كان
الله ليعذبهم وأنت فيهم " ، قال : يعني أهل مكة.
* * *
وقال آخرون : بل معنى ذلك : وما كان الله ليعذب هؤلاء المشركين من قريش بمكة وأنت
فيهم ، يا محمد ، حتى أخرجك من بينهم " وما كان الله معذبهم " ، وهؤلاء
المشركون ، يقولون : " يا رب غفرانك! " ، وما أشبه ذلك من معاني
الاستغفار بالقول. قالوا : وقوله : " وما لهم ألا يعذبهم الله " ، في
الآخرة.
* ذكر من قال ذلك.
16000 - حدثنا أحمد بن منصور الرمادي قال ، حدثنا أبو حذيفة قال ، حدثنا عكرمة ،
عن أبي زميل ، عن ابن عباس : إن المشركين كانوا يطوفون
(13/511)
بالبيت يقولون : " لبيك ،
لبَّيك ، لا شريك لك " ، (1) فيقول النبي صلى الله عليه وسلم : " قَدْ
قَدْ! " (2) فيقولون : " إلا شريك هو لك ، تملكه وما ملك " ، (3)
ويقولون : " غفرانك ، غفرانك! " ، فأنزل الله : " وما كان الله
ليعذبهم وأنت فيهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون " . فقال ابن عباس : كان
فيهم أمانان : نبيّ الله ، والاستغفار. قال : فذهب النبي صلى الله عليه وسلم وبقي
الاستغفار " وما لهم ألا يعذبهم الله وهم يصدون عن المسجد الحرام وما كانوا
أولياءه إن أولياؤه إلا المتقون " ، قال : فهذا عذاب الآخرة. قال : وذاك عذاب
الدنيا. (4)
16001 - حدثني الحارث قال ، حدثنا عبد العزيز قال ، حدثنا أبو معشر ، عن يزيد بن
رومان ، ومحمد بن قيس قالا قالت قريش بعضها لبعض : محمد أكرمه الله من بيننا :
" اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك ، فأمطر علينا " الآية. فلما أمسوا
ندموا على ما قالوا ، فقالوا : " غفرانك اللهم! " ، فأنزل الله : "
وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون " إلى قوله : " لا يعلمون " .
16002 - حدثني ابن حميد قال ، حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق قال : كانوا يقولون يعني
المشركين : والله إن الله لا يعذبنا ونحن نستغفر ، ولا يعذِّب أمة ونبيها معها حتى
يخرجه عنها! وذلك من قولهم ، ورسولُ لله صلى الله عليه وسلم بين أظهرهم. فقال الله
لنبيه صلى الله عليه وسلم ، يذكر له جَهالتهم وغِرَّتهم واستفتاحهم على أنفسهم ،
إذ قالوا : " اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء
" ، كما أمطرتها على قوم لوط. وقال حين نَعى
__________
(1) في المطبوعة : " لبيك ، لا شريك لك لبيك " ، غير ما في المخطوطة .
(2) " قد ، قد " ، أي حسبكم ، لا تزيدوا . يقال : " قدك " ،
أي حسبك ، يراد بها الردع والزجر .
(3) في المطبوعة ، زاد زيادة بلا طائل ، كتب : " فيقولون : لا شريك لك ، إلا
شريك هو لك " .
(4) الأثر : 16000 - " أبو زميل " هو : " سماك بن الوليد الحنفي
اليمامي " ، مضى برقم : 13832 ، 15734 .
(13/512)
عليهم سوء أعمالهم : "
وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون " ، أي :
لقولهم : [ " إنا نستغفر ومحمد بين أظهرنا " " وما لهم ألا يعذبهم
الله " ، وإن كنت بين أظهرهم] ، وإن كانوا يستغفرون كما يقولون (1) "
وهم يصدون عن المسجد الحرام " ، أي : من آمن بالله وعبده ، أي : أنت ومن
تبعك. (2)
16003 - حدثنا الحسن بن الصباح البزار..................... قال ، حدثنا أبو بردة
، عن أبي موسى قال : إنه كان قبلُ أمانان ، قوله : " وما كان الله ليعذبهم
وأنت فيهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون " قال : أما النبي صلى الله عليه
وسلم فقد مضى ، وأما الاستغفار فهو دائر فيكم إلى يوم القيامة. (3)
16004 - حدثني الحارث قال ، حدثنا عبد العزيز قال ، حدثنا يونس
__________
(1) كانت هذه الجملة هكذا في المخطوطة والمطبوعة : " أي بقولهم ، وإن كانوا
يستغفرون كما قال وهم يصدون ... " ، أسقط من الكلام ما لا بد منه وحرف .
فأثبت الصواب بين الأقواس ، وفي سائر العبارة ، من سيرة ابن هشام .
(2) الأثر : 16003 - سيرة بن هشام 2 : 325 ، وهو تابع الأثر السالف رقم : 15989 .
(3) الأثر : 16004 - " الحسن بن الصباح البزار " ، شيخ الطبري ، مضى
برقم : 4442 ، 9857 .
وهذا الإسناد قد سقط منه رواة كثيرون ، وكان في المخطوطة " بردة "
فجعلها الناشر " أبو بردة " ، وأصاب وهو لا يدري .
وهذا الخبر روى مثله مرفوعًا الترمذي في سننه في تفسير هذه السورة ، وهذا إسناده :
" حدثنا سفيان بن وكيع ، حدثنا ابن نمير ، عن إسماعيل بن إبراهيم بن مهاجر ،
عن عباد بن يوسف ، عن أبي بردة بن أبي موسى ، عن أبيه قال ، قال رسول الله صلى لله
عليه وسلم : أنزل الله علي أمانين لأمتي : " وما كان ليعذبهم وأنت فيهم وما
كان الله معذبهم وهم يستغفرون " ، فإذا مضيت تركت فيهم الاستغفار إلى يوم
القيامة .
ثم قال الترمذي : " هذا حديث غريب ، وإسماعيل بن إبراهيم يضعف في الحديث
" .
أما خبر الطبري ، فلا شك أنه خبر موقوف على أبي موسى الأشعري .
وكان في المطبوعة : " إنه كان فيكم أمانان " ، غير ما في المخطوطة ،
وصواب قراءته ما أثبت .
(13/513)
بن أبي إسحاق ، عن عامر أبي
الخطاب الثوري قال : سمعت أبا العلاء يقول : كان لأمة محمد صلى الله عليه وسلم
أمَنَتَان : فذهبت إحداهما وبقيت الأخرى : " وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم
" ، الآية. (1)
* * *
وقال آخرون : معنى ذلك : " وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم " ، يا محمد
، وما كان الله معذب المشركين وهم يستغفرون أي : لو استغفروا. (2) قالوا : ولم
يكونوا يستغفرون ، فقال جل ثناؤه إذ لم يكونوا يستغفرون : " ومالهم ألا
يعذبهم الله وهم يصدون عن المسجد الحرام " .
* ذكر من قال ذلك.
16005 - حدثنا بشر بن معاذ قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد ، عن قتادة : "
وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون " ، قال :
إن القوم لم يكونوا يستغفرون ، ولو كانوا يستغفرون ما عُذِّبوا. وكان بعض أهل
العلم يقول : هما أمانان أنزلهما الله : فأما أحدهما فمضى ، نبيُّ الله. وأما
الآخر فأبقاه الله رحمة بين أظهركم ، الاستغفارُ والتوبةُ.
16006 - حدثني محمد بن الحسين قال ، حدثنا أحمد بن المفضل قال ، حدثنا أسباط ، عن
السدي قال : قال الله لرسوله : " وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم وما كان
الله معذبهم وهم يستغفرون " ، يقول : ما كنت أعذبهم وهم يستغفرون ، ولو
استغفروا وأقرُّوا بالذنوب لكانوا مؤمنين ، وكيف لا أعذبهم وهم لا يستغفرون ؟ وما لهم
ألا يعذبهم الله وهم يصدون عن محمد وعن المسجد الحرام ؟
16007 - حدثني يونس قال ، أخبرنا ابن وهب قال ، قال ابن زيد ، في قوله : "
وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون " ، قال
يقول : لو استغفروا لم أعذبهم.
__________
(1) الأثر : 16005 - " عامر ، أبي الخطاب الثوري " ، لم أجد له ذكر ،
وأخشى أن يكون في اسمه تحريف .
(2) في المخطوطة والمطبوعة : " أن لو استغفروا " ، وكأن الصواب ما أثبت
.
(13/514)
وقال آخرون : معنى ذلك : وما
كان الله ليعذبهم وهم يُسلمون. قالوا : و " استغفارهم " ، كان في هذا
الموضع ، إسلامَهم.
* ذكر من قال ذلك.
16008 - حدثنا سوّار بن عبد الله قال ، حدثنا عبد الملك بن الصباح قال ، حدثنا
عمران بن حدير ، عن عكرمة ، في قوله : " وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم وما
كان الله معذبهم وهم يستغفرون " ، قال : سألوا العذاب ، فقال : لم يكن
ليعذبهم وأنت فيهم ، ولم يكن ليعذبهم وهم يدخلون في الإسلام.
16009 - حدثني محمد بن عمرو قال ، حدثنا أبو عاصم قال ، حدثنا عيسى ، عن ابن أبي
نجيح ، عن مجاهد قوله : " وأنت فيهم " ، قال : بين أظهرهم وقوله :
" وهم يستغفرون " ، قال : يُسلمون.
16010 - حدثني المثنى قال ، حدثنا أبو حذيفة قال ، حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ،
عن مجاهد : " وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم " ، بين أظهرهم " وما
كان الله معذبهم وهم يستغفرون " ، قال : وهم يسلمون (1) " وما لهم ألا
يعذبهم الله وهم يصدون " ، قريش ، " عن المسجد الحرام " . (2)
16011 - حدثني الحارث قال ، حدثنا عبد العزيز قال ، حدثنا محمد بن عبيد الله ، عن
ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : " وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم " ، قال :
بين أظهرهم " وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون " ، قال : دخولهم في
الإسلام.
* * *
وقال آخرون : بل معنى ذلك : وفيهم من قد سبق له من الله الدخول في الإسلام.
__________
(1) في المخطوطة : " وهم مسلمون " ، والصواب ما في المطبوعة .
(2) ( 2) كان في المطبوعة : سياق الآية بلا فصل ، وهو قوله : " قريش " ،
التي أثبتها من المخطوطة . وكان في المخطوطة : " وهم مسلمون يعذبهم الله
" ، بياض بين الكلامين وفي الهامش حرف ( ط ) دلالة على الخطأ .
(13/515)
* ذكر من قال ذلك.
16012 - حدثني المثنى قال ، حدثنا أبو صالح قال ، حدثني معاوية ، عن علي ، عن ابن
عباس ، قوله : " وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم " ، يقول : ما كان الله
سبحانه يعذب قوما وأنبياؤهم بين أظهرهم حتى يخرجهم. ثم قال : " وما كان الله
معذبهم وهم يستغفرون " ، يقول : ومنهم من قد سبق له من الله الدخول في
الإيمان ، وهو الاستغفار. ثم قال : " ومالهم ألا يعذبهم الله " ، فعذبهم
يوم بدر بالسيف.
* * *
وقال آخرون : بل معناه : وما كان الله معذبهم وهم يصلُّون.
* ذكر من قال ذلك.
16013 - حدثني المثنى قال ، حدثنا عبد الله بن صالح قال ، حدثني معاوية ، عن علي ،
عن ابن عباس ، قوله : " وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون " ، يعني :
يصلُّون ، يعني بهذا أهل مكة.
16014 - حدثني موسى بن عبد الرحمن المسروقي قال ، حدثنا حسين الجعفي ، عن زائدة ،
عن منصور ، عن مجاهد في قول الله : " وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم وما كان
الله معذبهم وهم يستغفرون " ، قال : يصلون.
16015 - حدثت عن الحسين بن الفرج قال ، سمعت أبا معاذ قال ، حدثنا عبيد بن سليمان
قال ، سمعت الضحاك بن مزاحم يقول في قوله : " وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم
" ، يعني : أهل مكة. يقول : لم أكن لأعذبكم وفيكم محمد. ثم قال : " وما
كان الله معذبهم وهم يستغفرون " ، يعني : يؤمنون ويصلون.
16016 - حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا جرير ، عن منصور ، عن مجاهد ، في قوله :
" وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون " ، قال : وهم يصلون.
* * *
وقال آخرون : بل معنى ذلك : وما كان الله ليعذب المشركين وهم يستغفرون.
(13/516)
قالوا : ثم نسخ ذلك بقوله :
" ومالهم ألا يعذبهم الله وهم يصدون عن المسجد الحرام " .
* ذكر من قال ذلك.
16017 - حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا يحيى بن واضح ، عن الحسين بن واقد ، عن يزيد
النحوي ، عن عكرمة والحسن البصري قالا قال في " الأنفال " : " وما
كان الله ليعذبهم وأنت فيهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون " ، فنسختها
الآية التي تليها : " وما لهم ألا يعذبهم الله " ، إلى قوله : "
فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون " ، فقوتلوا بمكة ، وأصابهم فيها الجوع
والحَصْر.
* * *
قال أبو جعفر : وأولى هذه الأقوال عندي في ذلك بالصواب ، قولُ من قال : تأويله :
" وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم " ، يا محمد ، وبين أظهرهم مقيم ، حتى
أخرجك من بين أظهرهم ، لأنّي لا أهلك قرية وفيها نبيها وما كان الله معذبهم وهم
يستغفرون " ، من ذنوبهم وكفرهم ، ولكنهم لا يستغفرون من ذلك ، بل هم مصرُّون
عليه ، فهم للعذاب مستحقون كما يقال : " ما كنت لأحسن إليك وأنت تسيء إليّ
" ، يراد بذلك : لا أحسن إليك ، إذا أسأت إليّ ، ولو أسأت إليّ لم أحسن إليك
، ولكن أحسن إليك لأنك لا تسيء إليّ. وكذلك ذلك ثم قيل : " ومالهم ألا يعذبهم
الله وهم يصدون عن المسجد الحرام " ، بمعنى : وما شأنهم ، وما يمنعهم أن
يعذبهم الله وهم لا يستغفرون الله من كفرهم فيؤمنوا به ، (1) وهم يصدون المؤمنين
بالله ورسوله عن المسجد الحرام ؟
وإنما قلنا : " هذا القول أولى الأقوال في ذلك بالصواب " ، لأن القوم
أعني مشركي مكة كانوا استعجلوا العذاب ، فقالوا : " اللهم إن كان ما جاء به
محمد هو الحق ، فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم " فقال الله
لنبيه : " ما كنت لأعذبهم وأنت فيهم ، وما كنت لأعذبهم لو استغفروا ،
__________
(1) انظر تفسير " مالك " فيما سلف 5 : 301 ، 302 \ 9 : 7 .
(13/517)
وكيف لا أعذبهم بعد إخراجك
منهم ، وهم يصدون عن المسجد الحرام ؟ " . فأعلمه جل ثناؤه أن الذي استعجلوا
العذاب حائق بهم ونازل ، (1) وأعلمهم حال نزوله بهم ، وذلك بعد إخراجه إياه من بين
أظهرهم. ولا وجه لإيعادهم العذابَ في الآخرة ، وهم مستعجلوه في العاجل ، ولا شك
أنهم في الآخرة إلى العذاب صائرون. بل في تعجيل الله لهم ذلك يوم بدر ، الدليلُ
الواضحُ على أن القول في ذلك ما قلنا. وكذلك لا وجه لقول من وجَّه قوله : "
وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون " ، إلى أنه عُنى به المؤمنين ، وهو في
سياق الخبر عنهم ، وعما الله فاعل بهم. ولا دليل على أن الخبر عنهم قد تقضَّى ،
وعلى ذلك [كُنِي] به عنهم ، (2) وأن لا خلاف في تأويله من أهله موجودٌ.
وكذلك أيضًا لا وجه لقول من قال : ذلك منسوخ بقوله : " وما لهم ألا يعذبهم
الله وهم يصدون عن المسجد الحرام " ، الآية ، لأن قوله جل ثناؤه : " وما
كان الله معذبهم وهم يستغفرون " خبرٌ ، والخبر لا يجوز أن يكون فيه نسخ ،
وإنما يكون النسخ للأمر والنهي.
* * *
__________
(1) في المطبوعة : " أن الذين استعجلوا العذاب حائق بهم " ، وفي
المخطوطة كما أثبته إلا أنه كتب مكان " حائق " " حاق " ، وهو
سهو .
(2) في المطبوعة : " وعلى أن ذلك به عنوا ، ولا خلاف في تأويله " ، وفي
المخطوطة ، كما أثبته ، إلا أنه سقط منه [ كني ] كما أثبته بين القوسين . وإن كنت
أظن في الكلام سقطًا .
هذا وقد ذكر أبو جعفر النحاس في الناسخ والمنسوخ : 154 ، هذا الرأي ، ثم قال :
" جعل الضميرين مختلفين ، وهو قول حسن ، وإن كان محمد بن جرير قد أنكره ،
لأنه زعم أنه لم يتقدم للمؤمنين ذكر ، فيكنى عنهم . وهذا غلط ، لأنه قد تقدم ذكر
المؤمنين في غير موضع من السورة .
فإن قيل : لم يتقدم ذكرهم في هذا الموضع .
فالجواب : أن في المعنى دليلا على ذكرهم في هذا الموضع . وذلك أن من قال من الكفار
: " اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء " ،
إنما قال ذلك مستهزئًا ومتعنتًا . ولو قصد الحق لقال : اللهم إن كان هذا هو الحق
من عندك فاهدنا له ولكنه كفر وأنكر أن يكون الله يبعث رسولا بوحي من الله ، أي :
اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك ، فأهلك الجماعة من الكفار والمسلمين . فهذا
معنى ذكر المسلمين ، فيكون المعنى : كيف يهلك الله المسلمين ؟ فهذا المعنى : "
ما كان الله معذبهم وهم يستغفرون " يعني المؤمنين " وما لهم ألا يعذبهم
الله " ، يعني الكافرين " .
(13/518)
واختلف أهل العربية في وجه
دخول " أن " في قوله : " وما لهم ألا يعذبهم الله " .
فقال بعض نحويي البصرة : هي زائدة ههنا ، وقد عملت كما عملت " لا " وهي
زائدة ، وجاء في الشعر : (1)
لَوْ لَمْ تَكنْ غَطَفَانُ لا ذُنُوبَ لَهَا إلَيَّ ، لامَ ذَوُو أحْسَابِهَا
عُمَرَا (2)
وقد أنكر ذلك من قوله بعض أهل العربية وقال : لم تدخل " أن " إلا لمعنى
صحيح ، لأن معنى : " وما لهم " ، ما يمنعهم من أن يعذبوا. قال : فدخلت
" أن " لهذا المعنى ، وأخرج ب " لا " ، ليعلم أنه بمعنى الجحد
، لأن المنع جحد. قال : و " لا " في البيت صحيح معناها ، لأن الجحد إذا
وقع عليه جحد صار خبرًا. (3)
وقال : ألا ترى إلى قولك : " ما زيد ليس قائما " ، فقد أوجبت القيام ؟
قال : وكذلك " لا " في هذا البيت. (4)
* * *
القول في تأويل قوله : { وَمَا كَانُوا أَوْلِيَاءَهُ إِنْ أَوْلِيَاؤُهُ إِلا
الْمُتَّقُونَ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ (34) }
قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره : وما لهؤلاء المشركين إلا يعذبهم الله وهم يصدون
عن المسجد الحرام ، ولم يكونوا أولياء الله " إن أولياؤه " ، (5) يقول :
ما
__________
(1) هو الفرزدق .
(2) سلف البيت وتخريجه 5 : 302 ، 303 ، وروايته هناك : " إذن للام ذود
أحسابها " ، وقد فسرته هناك ، وزعمت أن " الذنوب " بفتح الذال
بمعنى : الحظ والنصيب عن الشرف والحسب والمروءة .
أمَّا رواية البيت كما جاءت هنا ، وفي الديوان ، توجب أن تكون " الذنوب
" جمع " ذنب " .فهذا فرق ما بين الروايتين والمعنيين .
(3) يعني بقوله : " خبرًا " ، أي : إثباتًا .
(4) انظر معاني القرآن للفراء 1 : 163 - 166 ، وما سلف من التفسير 5 : 300 - 305 .
(5) انظر تفسير " ولي " فيما سلف من فهارس اللغة ( ولي ) .
(13/519)
أولياء الله " إلا
المتقون " ، يعني : الذين يتقون الله بأداء فرائضه ، واجتناب معاصيه. (1)
" ولكن أكثرهم لا يعلمون " يقول : ولكن أكثر المشركين لا يعلمون أن
أولياء الله المتقون ، بل يحسبون أنهم أولياء الله .
* * *
وبنحو ما قلنا قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك :
16018 - حدثني محمد بن الحسين قال ، حدثنا أحمد بن المفضل قال ، حدثنا أسباط ، عن
السدي : " وما كانوا أولياءه إن أولياؤه إلا المتقون " ، هم أصحاب رسول
الله صلى الله عليه وسلم .
16019 - حدثني محمد بن عمرو قال ، حدثنا أبو عاصم قال ، حدثنا عيسى ، عن ابن أبي
نجيح ، عن مجاهد ، في قول الله : " إن أولياؤه إلا المتقون " ، مَن
كانوا ، وحيث كانوا.
16020 - حدثني المثنى قال ، حدثنا أبو حذيفة قال ، حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ،
عن مجاهد ، مثله.
16021 - حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق : " وما كانوا
أولياءه إن أولياؤه إلا المتقون " ، الذين يحرمون حرمته ، (2) ويقيمون الصلاة
عنده ، أي : أنت يعني النبي صلى الله عليه وسلم ومن آمن بك يقول : " ولكن
أكثرهم لا يعلمون " . (3)
* * *
__________
(1) وتفسير " التقوى " فيما سلف من فهارس اللغة ( وقى ) .
(2) في المطبوعة والمخطوطة مكان : " يحرمون حرمنه " ، " يخرجون منه
" ، وهذا من عجائب التحريف من طريق الاختصار !! ، والصواب من سيرة ابن هشام .
(3) الأثر : 16021 - سيرة ابن هشام 2 : 325 ، 326 ، وهو تابع الأثر السالف رقم :
16003 .
(13/520)
وَمَا كَانَ صَلَاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلَّا مُكَاءً وَتَصْدِيَةً فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ (35)
القول في تأويل قوله : { وَمَا
كَانَ صَلاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلا مُكَاءً وَتَصْدِيَةً فَذُوقُوا
الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ (35) }
قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره : وما لهؤلاء المشركين إلا يعذبهم الله ، وهم
يصدون عن المسجد الحرام الذي يصلون لله فيه ويعبدونه ، ولم يكونوا لله أولياء ، بل
أولياؤه الذين يصدونهم عن المسجد الحرام ، وهم لا يصلون في المسجد الحرام "
وما كان صلاتهم عند البيت " ، يعني : بيت الله العتيق " إلا مُكاء
" ، وهو الصفير.
يقال منه : " مكا يمكو مَكوًا ومُكاءً " وقد قيل : إن " المكو
" : أن يجمع الرجل يديه ، ثم يدخلهما في فيه ، ثم يصيح. ويقال منه : "
مَكت است الدابة مُكاء " ، إذا نفخت بالريح. ويقال : " إنه لا يمكو إلا
استٌ مكشوفة " ، ولذلك قيل للاست " المَكْوة " ، سميت بذلك ، (1)
ومن ذلك قول عنترة :
وَحَلِيلِ غَانِيَةٍ تَرَكْتُ مُجَدَّلا تَمْكُو فَرِيصَتُهُ كَشِدْقِ الأعْلَمِ
(2)
وقول الطِّرِمَّاح :
__________
(1) وتمام سياقه أن يقول : " سميت بذلك لصفيرها " .
(2) من معلقته المشهورة الغالية . سيرة بن هشام 2 : 326 ، والمعاني الكبير : 981 ،
واللسان ( مكا ) وبعد البيت . سَبَقَتْ يَدَايَ لَهُ بِعَاجِلِ طَعْنَةٍ ...
وَرَشَاشِ نَافِذَةٍ كَلَونِ العَنْدَمِ
" الحليل " ، الزوج ، و " الغانية " : البارعة الحسن والجمال
، استغنت بجمالها عن التجمل . " مجدلا " ، صريعًا على الجدالة ، وهي
الأرض . و " الفريصة " ، لحمة عند نغض الكتف ، في وسط الجنب ، عند منبض
القلب ، وهما فريصتان ، وهي التي ترعد عند الفزع ، فيقال للفزع : " أرعدت
فرائصه " ، وإصابة الفريصة مقتل . و " الأعلم " ، الجمل المشقوق
الشفة العليا. خرج إليه هذا القتيل ، مدلا بقوته وشبابه ، يحفزه أن ينال إعجاب
صاحبته الغانية الجميلة به إذا قتل عنترة ، فلم يكد حتى عاجله بالطعنة التي وصف ما
وصف من اتساعها كشدق البعير الأعلم .
(13/521)
فَنَحَا لأُِولاَها بِطَعْنَةِ
مُحْفَظٍ تَمْكُو جَوَانِبُهَا مِنَ الإنْهَارِ (1)
بمعنى : تصوِّت.
وأما " التصدية " ، فإنها التصفيق ، يقال منه : " صدَّى يصدِّي
تصديةً " ، و " صفَّق " ، و " صفّح " ، بمعنى واحد.
* * *
وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك :
16022 - حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا أبى ، عن موسى بن قيس ، عن حجر بن عنبس :
" إلا مكاء وتصدية " ، قال : " المكاء " ، التصفير و "
التصدية " ، التصفيق. (2)
16023 - حدثني المثنى قال ، حدثنا عبد الله بن صالح قال ، حدثني معاوية ، عن علي ،
عن ابن عباس قوله : " وما كان صلاتهم عند البيت إلا مكاء وتصدية " ،
" المكاء " ، التصفير و " التصدية " ، التصفيق.
16024 - حدثني محمد بن سعد قال ، حدثني أبي قال ، حدثني عمي
__________
(1) ديوانه 149 ، والمعاني الكبير : 983 ، وهو بيت من قصيدة مدح بها خالد بن عبد
الله القسري ، ولكن هذا البيت ، مفرد وحده لا صلة له بما قبله ، وهي قصيدة ناقصة
بلا شك . وشرحه ابن قتيبة فقال : " نحا " انحرف ، و " المحفظ
" ، المغضب . و " تمكو " ، تصفر ، وذلك عند سيلانها . و "
الإنهار " ، سعة الطعنة ، ومنه قول قيس بن الخطيم ، يصف طعنة : طَعَنْتُ ابنَ
عَبْدِ الْقَيْسِ طَعْنَةَ ثَائِرٍ ... لَهَا نَفَذٌ لَوْلا الشُّعَاعُ أَضَاءَهَا
... مَلَكْتُ بها كَفِّى فَأَنْهَرْتُ فَتْقَهَا يَرَى قَائِمٌ مِنْ دُونِهَا مَا
وَرَاءَهَا
(2) الأثر : 16022 - " موسى بن قيس الحضرمي " ، " عصفور الجنة
" ، مضى برقم : 16022 .
و " حجر بن عنبس الحضرمي " ، " أبو العنبس " ، ويقال : "
أبو السكن " ، قال ابن معين : " شيخ كوفي ثقة مشهور " ، تابعي ،
وكان شرب الدم في الجاهلية ، شهد مع علي الجمل وصفين مترجم في التهذيب ، والكبير
12 \ 68 ، وابن أبي حاتم 1 \ 2 \ 266 .
(13/522)
قال ، حدثني أبي ، عن أبيه ،
عن ابن عباس قوله : " وما كان صلاتهم عند البيت إلا مكاء وتصدية " ،
يقول : كانت صلاة المشركين عند البيت " مكاء " يعني الصفير و "
تصدية " ، يقول : التصفيق.
16025 - حدثني محمد بن عمارة الأسدي قال ، حدثنا عبيد الله بن موسى قال ، أخبرنا
فضيل ، عن عطية : " وما كان صلاتهم عند البيت إلا مكاء وتصدية " ، قال :
التصفيق والصفير.
16026 - حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا أبي ، عن قرة بن خالد ، عن عطية ، عن ابن عمر
قال : " المكاء " ، التصفيق ، و " التصدية " ، الصفير. قال :
وأمال ابن عمر خدّه إلى جانب.
16027 - حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثنا وكيع ، عن قرة بن خالد ، عن
عطية ، عن ابن عمر : " وما كان صلاتهم عند البيت إلا مكاء وتصدية " ،
قال : " المكاء " و " التصدية " ، الصفير والتصفيق.
16028 - حدثني الحارث قال ، حدثنا القاسم قال ، سمعت محمد بن الحسين يحدث ، عن قرة
بن خالد ، عن عطية العوفي ، عن ابن عمر قال : " المكاء " ، الصفير ، و
" التصدية " : التصفيق.
16029 - حدثنا ابن بشار قال ، حدثنا أبو عامر قال ، حدثنا قرة ، عن عطية ، عن ابن
عمر في قوله : " وما كان صلاتهم عند البيت إلا مكاء وتصدية " ، قال ،
" المكاء " الصفير ، و " التصدية " ، التصفيق وقال قرة : وحكى
لنا عطية فعل ابن عمر ، فصفر ، وأمال خده ، وصفق بيديه.
16030 - حدثني يونس قال ، أخبرنا ابن وهب قال ، أخبرني بكر بن مضر ، عن جعفر بن
ربيعة قال : سمعت أبا سلمة بن عبد الرحمن بن عوف يقول في قول الله : " وما
كان صلاتهم عند البيت إلا مكاء وتصدية " قال بكر : فجمع لي جعفر كفيه ، ثم
نفخ فيهما صفيرًا ، كما قال له أبو سلمة.
(13/523)
16031 - حدثنا أحمد بن إسحاق
قال ، حدثنا أبو أحمد قال ، حدثنا إسرائيل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، عن ابن
عباس قال : " المكاء " ، الصفير ، و " التصدية " ، التصفيق.
16032 - ... قال ، حدثنا أبو أحمد قال ، حدثنا سلمة بن سابور ، عن عطية ، عن ابن
عمر : " وما كان صلاتهم عند البيت إلا مكاء وتصدية " ، قال : تصفير
وتصفيق. (1)
16033 - ... قال ، حدثنا أبو أحمد قال ، حدثنا فضيل بن مرزوق ، عن عطية ، عن ابن
عمر ، مثله.
16034 - حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا حبويه أبو يزيد ، عن يعقوب ، عن جعفر ، عن
سعيد بن جبير ، عن ابن عباس قال : كانت قريش يطوفون بالبيت وهم عراة يصفّرون
ويصفقون ، فأنزل الله : (( قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ
لِعِبَادِهِ )) [سورة الأعراف : 32] ، فأمروا بالثياب.
16035 - حدثني المثنى قال ، حدثنا الحماني قال ، حدثنا شريك ، عن سالم ، عن سعيد
قال : كانت قريش يعارضون النبي صلى الله عليه وسلم في الطواف يستهزئون به ، يصفرون
به ويصفقون ، فنزلت : " وما كان صلاتهم عند البيت إلا مكاء وتصدية " .
16036 - حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا أبي ، عن سفيان ، عن منصور ، عن مجاهد :
" إلا مكاء " ، قال : كانوا ينفخون في أيديهم ، و " التصدية "
، التصفيق.
__________
(1) الأثر : 16032 - " سلمة بن سابور " ، روى عن عطية العوفي ، وعبد
الوارث مولى . روى عنه أبو نعيم ، والفضل بن موسى ، وغيرهما . ضعفه ابن معين ،
وثقه ابن حبان وقال : " كان يحيى القطان يتكلم فيه ، ومن المحال أن يلحق
بسلمة ما جنت يدا عطية " . أما البخاري فاقتصر على قوله : " كان يحيى
يتكلم في عطية " ، كأنه لا يريد استضعافه . مترجم في لسان الميزان 3 : 68 ،
والكبير 2 \ 2 \ 84 ، وابن أبي حاتم 2 \ 1 \ 163 ، وضعفه ، وميزان الاعتدال 1 :
406 ، واقتصر فقال : " جرحوه " .
(13/524)
16037 - حدثني محمد بن عمرو
قال ، حدثنا أبو عاصم قال ، حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : " إلا
مكاء وتصدية " ، قال : " المكاء " ، إدخال أصابعهم في أفواههم ، و "
التصدية " التصفيق ، يخلِطون بذلك على محمد صلى الله عليه وسلم صلاتَه.
16038 - حدثنا المثنى قال ، حدثنا إسحاق قال ، حدثنا عبد الله ، عن ورقاء ، عن ابن
أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله إلا أنه لم يقل : " صلاته " .
16039 - حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن
مجاهد قال : " المكاء " ، إدخال أصابعهم في أفواههم ، و " التصدية
" ، التصفيق. قال نفرٌ من بني عبد الدار ، كانوا يخلطون بذلك كله على محمد
صلاتَه.
16040 - حدثنا أحمد بن إسحاق قال ، حدثنا أبو أحمد قال ، حدثنا طلحة بن عمرو ، عن
سعيد بن جبير : " وما كان صلاتهم عند البيت إلا مكاء وتصدية " ، قال :
من بين الأصابع قال أحمد : سقط عليَّ حرف ، وما أراه إلا الخَذْف (1) والنفخ
والصفير منها ، وأراني سعيد بن جبير حيث كانوا يَمْكون من ناحية أبي قُبَيس. (2)
16041 - حدثني المثنى قال ، حدثنا إسحاق بن سليمان قال ، أخبرنا طلحة بن عمرو ، عن
سعيد بن جبير في قوله : " وما كان صلاتهم عند البيت إلا مكاء وتصدية " ،
قال : " المكاء " ، كانوا يشبِّكون بين أصابعهم ويصفرون بها ، فذلك
" المكاء " . قال : وأراني سعيد بن جبير المكان الذي كانوا يمكون فيه
نحو أبي قُبَيس.
16042 - حدثني المثنى قال ، حدثنا إسحاق قال ، حدثنا محمد بن حرب
__________
(1) " الخذف " رميك بحصاة أو نواة تأخذها بين سبابتيك ، وقد نهى رسول
الله صلى الله عليه وسلم عن " الخذف " وقال : " إنه يفقأ عينًا ،
ولا ينكي العدو ، ولا يحرز صيدًا " .
(2) " أبو قبيس " ، اسم الجبل المشرف على بطن مكة .
(13/525)
قال ، حدثنا ابن لهيعة ، عن
جعفر بن ربيعة ، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن في قوله : " مكاء وتصدية " ،
قال : " المكاء " النفخ وأشار بكفه قِبَل فيه و " التصدية " ،
التصفيق.
16043 - حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا المحاربي ، عن جويبر ، عن الضحاك قال : "
المكاء " ، الصفير ، و " التصدية " ، التصفيق.
16044 - حدثني المثنى قال ، حدثنا عمرو بن عون قال ، أخبرنا هشيم ، عن جويبر ، عن
الضحاك ، مثله.
16045 - حدثنا بشر قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد ، عن قتادة قوله : "
وما كان صلاتهم عند البيت إلا مكاء وتصدية " ، قال : كنا نُحَدَّث أن "
المكاء " ، التصفيق بالأيدي ، و " التصدية " ، صياح كانوا يعارضون
به القرآن.
16046 - حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال ، حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة :
" مكاء وتصدية " ، قال : " المكاء " ، التصفير ، و "
التصدية " ، التصفيق.
16047 - حدثني محمد بن الحسين قال ، حدثنا أحمد بن المفضل قال ، حدثنا أسباط ، عن
السدي : " وما كان صلاتهم عند البيت إلا مكاء وتصدية " ، و "
المكاء " ، الصفير ، على نحو طير أبيض يقال له " المكَّاء " ، يكون
بأرض الحجاز ، (1) و " التصدية " ، التصفيق.
16048 - حدثني يونس قال ، أخبرنا ابن وهب قال ، قال ابن زيد في قوله : " وما
كان صلاتهم عند البيت إلا مكاء وتصدية " ، قال : " المكاء " ، صفير
كان أهل الجاهلية يُعلنون به. قال : وقال في " المكاء " ، أيضًا : صفير
في أيديهم ولعب.
* * *
__________
(1) " المكاء " ( بضم الميم وتشديد الكاف ) ، وجمعه " مكاكي "
طائر نحو القنبرة ، إلا أن في جناحيه بلقًا . سمى بذلك ، لأنه يجمع يديه ، ثم يصفر
فيهما صفيرًا حسنًا .
(13/526)
وقد قيل في " التصدية
" : إنها " الصد عن بيت الله الحرام " . وذلك قول لا وجه له ، لأن
" التصدية " ، مصدر من قول القائل : " صدّيت تصدية " . وأما
" الصدّ " فلا يقال منه : " صدَّيت " ، إنما يقال منه "
صدَدْت " ، فإن شدَّدت منها الدال على معنى تكرير الفعل قيل : "
صدَّدْتَ تصديدًا " . (1) إلا أن يكون صاحب هذا القول وجَّه " التصدية
" إلى أنه من " صَدَّدت " ، ثم قلبت إحدى داليه ياء ، كما يقال :
" تظنَّيْتُ " من " ظننت " ، وكما قال الراجز : (2)
تَقَضِّيَ البَازِي إذَا البَازِي كَسَرْ (3)
يعني : تقضُّض البازي ، فقلب إحدى ضاديه ياء ، فيكون ذلك وجهًا يوجَّه إليه.
* ذكر من قال ما ذكرنا في تأويل " التصدية " .
16049 - حدثني أحمد بن إسحاق قال ، حدثنا أبو أحمد قال ، حدثنا طلحة بن عمرو ، عن
سعيد بن جبير : " وما كان صلاتهم عند البيت إلا مكاء وتصدية " ، صدهم عن
بيت الله الحرام.
16050 - حدثني المثنى قال ، حدثنا إسحاق بن سليمان قال ، أخبرنا طلحة بن عمرو ، عن
سعيد بن جبير : " وتصدية " قال : " التصدية " ، صدّهم الناس
عن البيت الحرام.
16051 - حدثني يونس قال ، أخبرنا ابن وهب قال ، قال ابن زيد ، في قوله : "
وتصدية " ، قال : التصديد ، عن سبيل الله ، (4) وصدّهم عن الصلاة وعن دين
الله.
__________
(1) في المطبوعة والمخطوطة : " صددت تصدية " ، وهو خطأ ظاهر ، صوابه ما
أثبت .
(2) هو العجاج .
(3) سلف البيت وتخريجه وشرحه 2 : 157 ، وسيأتي في التفسير 30 : 135 ( بولاق ) .
(4) في المطبوعة : " التصدية " ، وفي المخطوطة توشك أن تقرأ هكذا وهكذا
، ورأيت الأرجح أن تكون " التصديد " ، فأثبتها .
(13/527)
16052 - حدثنا ابن حميد قال ،
حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق : " وما كان صلاتهم عند البيت إلا مكاء وتصدية
" ، قال : ما كان صلاتهم التي يزعمون أنها يُدْرَأ بها عنهم " إلا مكاء
وتصدية " ، وذلك ما لا يرضى الله ولا يحبّ ، ولا ما افترض عليهم ، ولا ما أمرهم
به. (1)
* * *
وأما قوله : " فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون " ، فإنه يعني العذابَ
الذي وعدهم به بالسيف يوم بدر. يقول للمشركين الذين قالوا : " اللهم إن كان
هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء " الآية ، حين أتاهم بما
استعجلوه من العذاب " ذوقوا " ، أي اطعموا ، وليس بذوق بفم ، ولكنه ذوق
بالحسِّ ، ووجود طعم ألمه بالقلوب. (2) يقول لهم : فذوقوا العذابَ بما كنتم تجحدون
أن الله معذبكم به على جحودكم توحيدَ ربكم ، ورسالةَ نبيكم صلى الله عليه وسلم .
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك :
16053 - حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق : " فذوقوا العذاب
بما كنتم تكفرون " ، أي : ما أوقع الله بهم يوم بدر من القتل. (3)
16054 - حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثني حجاج ، عن ابن جريج : "
فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون " ، قال : هؤلاء أهل بدر ، يوم عذبهم الله.
16055 - حدثت عن الحسين بن الفرج قال ، سمعت أبا معاذ قال ، حدثنا عبيد بن سليمان
قال ، سمعت الضحاك يقول في قوله : " فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون " ،
يعني أهل بدر ، عذبهم الله يوم بدر بالقتل والأسر.
* * *
__________
(1) الأثر : 16052 - سيرة ابن هشام 2 : 326 ، وهو تابع الأثر السالف رقم : 16021
(2) انظر تفسير " الذوق " فيما سلف ص 434 ، تعليق : 1 ، والمراجع هناك .
(3) الأثر : 16053 - سيرة ابن هشام 2 : 326 ، وهو تابع الأثر السالف رقم : 1605.
(13/528)
إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ (36)
القول في تأويل قوله : { إِنَّ
الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ
فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ
وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ (36) }
قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره : إن الذين كفروا بالله ورسوله ينفقون أموالهم ،
(1) فيعطونها أمثالهم من المشركين ليتقوَّوا بها على قتال رسول الله صلى الله عليه
وسلم والمؤمنين به ، ليصدّوا المؤمنين بالله ورسوله عن الإيمان بالله ورسوله ، (2)
فسينفقون أموالهم في ذلك ، ثم تكون نفقتهم تلك عليهم " حسرة " ، يقول :
تصير ندامة عليهم ، (3) لأن أموالهم تذهب ، ولا يظفرون بما يأملون ويطمعون فيه من
إطفاء نور الله ، وإعلاء كلمة الكفر على كلمة الله ، لأن الله مُعْلي كلمته ،
وجاعل كلمة الكفر السفلى ، ثم يغلبهم المؤمنون ، ويحشر الله الذين كفروا به
وبرسوله إلى جهنم ، فيعذبون فيها ، (4) فأعظم بها حسرة وندامة لمن عاش منهم ومن
هلك! أما الحيّ ، فحُرِب ماله وذهبَ باطلا في غير دَرَك نفع ، ورجع مغلوبًا
مقهورًا محروبًا مسلوبًا. (5) وأما الهالك ، فقتل وسُلب ، وعُجِّل به إلى نار الله
يخلُد فيها ، نعوذ بالله من غضبه.
وكان الذي تولَّى النفقةَ التي ذكرها الله في هذه الآية فيما ذُكر ، أبا سفيان.
* ذكر من قال ذلك :
__________
(1) انظر تفسير " الإنفاق " فيما سلف من فهارس اللغة ( نفق ) .
(2) انظر تفسير " الصد " فيما سلف 12 : 559 تعليق : 2 ، والمراجع هناك .
(3) انظر تفسير " الحسرة " فيما سلف 3 : 295 \ 7 : 335 \ 11 : 325 .
(4) انظر تفسير " الحشر " فيما سلف ص : 472 تعليق : 2 ، والمراجع هناك .
(5) في المطبوعة : " محزونًا مسلوبًا " ، والسياق يتقضى ما أثبت .
" محروب " ، مسلوب المال .
(13/529)
16056 - حدثنا ابن حميد قال ،
حدثنا يعقوب القمي ، عن جعفر ، عن سعيد بن جبير في قوله : " إن الذين كفروا
ينفقون أموالهم " الآية ، " والذين كفروا إلى جهنم يحشرون " ، قال
: نزلت في أبي سفيان بن حرب. استأجر يوم أحد ألفين من الأحابيش من بني كنانة ، (1)
فقاتل بهم النبيَّ صلى الله عليه وسلم ، وهم الذين يقول فيهم كعب بن مالك :
وَجِئْنَا إلَى مَوْجٍ مِنَ البَحْرِ وَسْطَه أَحَابِيشُ ، مِنْهُمْ حَاسِرٌ
وَمُقَنَّعُ (2)
ثَلاثَةُ آلافٍ ، ونَحْنُ نَصِيَّةٌ ثَلاثُ مِئِينَ إن كَثُرْنَ ، فَأرْبَعُ (3)
16057 - حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا إسحاق بن إسماعيل ، عن يعقوب القمي ، عن جعفر
، عن ابن أبزى : " إن الذين كفروا ينفقون أموالهم ليصدوا عن سبيل الله "
، قال : نزلت في أبي سفيان ، استأجر يوم أحد ألفين ليقاتل بهم رسولَ الله صلى الله
عليه وسلم ، سوى من استجاش من العرب. (4)
__________
(1) " الأحابيش " ، هم بنو الحارث بن عبد مناة بن كنانة ، وعضل ، والديش
، من بني الهون بن خزيمة ، والمطلق ، والحيا ، من خزاعة . وسميت " الأحابش
" ، لاجتماعها وانضمامها محالفة قريش ، في قتال بني ليث بن بكر بن عبد مناة
بن كنانة . ( انظر المحبر : 246 ، 267 ) و ( نسب قريش : 9 ) .
(2) سيرة ابن هشام 3 : 141 ، طبقات فحول الشعراء : 183 ، نسب قريش : 9 وغيرها.
ويعني بقوله : " فجئنا إلى موج " ، جيش الكفار يوم أحد ، يموج موجه .
وكان عدة المشركين بأحد ثلاثة آلاف . و " الحاسر " ، الذي لا درع له ،
ولا بيضة على رأسه . و " المقنع " ، الدارع الذي ليس لبس سلاحه ، ووضع
البيضة على رأسه .
(3) " نصية " ، أي : خيار أشراف ، أهل جلد وقتال . يقال : " انتصى
الشيء " ، اختار ناصيته ، أي أكرم ما فيه . وكان في المطبوعة : " ونحن
نظنه " ، وهو خطأ صرف ، وهي في المخطوطة ، كما كتبتها غير منقوطة .
وهكذا جاء الرواية في المخطوطة : " إن كثرن فأربع " ، كأنه يعني أنهم
كانوا ثلاثمئة ، فإن كثروا فأربعمئة . وهو لا يصح ، لأن عدة المسلمين يوم أحد كانت
سبعمئة . فصواب الرواية ما أنشده ابن إسحاق وابن سلام .
" إنْ كَثُرْنَا وَأَرْبَعُ "
(4) " استجاش " ، طلب منه الجيش وجمعه على عدوه .
(13/530)
16058 - ......قال ، أخبرنا
أبي عن خطاب بن عثمان العصفري ، عن الحكم بن عتيبة : " إن الذين كفروا ينفقون
أموالهم ليصدوا عن سبيل الله " ، قال : نزلت في أبي سفيان. أنفق على المشركين
يوم أحد أربعين أوقية من ذهب ، وكانت الأوقية يومئذ اثنين وأربعين مثقالا. (1)
16059 - حدثنا بشر قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : "
إن الذين كفروا ينفقون أموالهم ليصدوا عن سبيل الله " ، الآية ، قال : لما
قدم أبو سفيان بالعير إلى مكة أشَّبَ الناس ودعاهم إلى القتال ، (2) حتى غزا نبيَّ
الله من العام المقبل. وكانت بدر في رمضان يوم الجمعة صبيحة سابع عشرة من شهر
رمضان. وكانت أحد في شوال يوم السبت لإحدى عشرة خلت منه في العام الرابع.
16060 - حدثني محمد بن الحسين قال ، حدثنا أحمد بن المفضل قال ، حدثنا أسباط ، عن
السدي قال : قال الله فيما كان المشركون ، ومنهم أبو سفيان ، يستأجرون الرجال
يقاتلون محمدًا بهم : " إن الذين كفروا ينفقون أموالهم ليصدوا عن سبيل الله
" ، وهو محمد صلى الله عليه وسلم " فسينفقونها ثم تكون عليهم حسرة
" ، يقول : ندامة يوم القيامة وويلٌ (3) " ثم يغلبون " .
16061 - حدثني محمد بن عمرو قال ، حدثنا أبو عاصم قال ، حدثنا عيسى ، عن ابن أبي
نجيح ، عن مجاهد في قول الله : " ينفقون أموالهم ليصدوا
__________
(1) الأثر : 16058 - " خطاب بن عثمان العصفري " ، لم أجد له ترجمة في
غير ابن أبي حاتم 1 \ 2 \ 286 ، وقال : " خطاب العصفري " روى عن الشعبي
، روى عنه وكيع ، ومحمد بن ربيعة ، وأبو نعيم . سمعت أبي يقول ذلك .
وسألته عنه فقال : " شيخ " . ولم يذكر أن اسم أبيه " عثمان "
.
(2) في المطبوعة : " أنشد الناس " ، وهو لا معنى له . وفي المخطوطة :
" أنسب " ، غير منقوطة ، وصواب قراءتها ما أثبت . و " التأشيب
" ، التحريش بين القوم ، و " التأشيب " ، التجميع ، يقال : "
تأشب به أصحابه " ، أي : اجتمعوا إليه وطافوا به . أراد أنه جمعهم وحرضهم على
القتال .
(3) في المطبوعة : " وويلا " ، وأثبت ما في المخطوطة ، وهو صواب أيضًا .
(13/531)
عن سبيل الله " ، الآية
حتى قوله : " أولئك هم الخاسرون " ، قال : في نفقة أبي سفيان على الكفار
يوم أحد.
16062 - حدثني المثنى قال ، حدثنا أبو حذيفة قال ، حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ،
عن مجاهد ، مثله.
16063 - حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق قال ، حدثنا محمد بن مسلم
بن عبيد الله بن شهاب الزهري ، ومحمد بن يحيى بن حبان ، وعاصم بن عمر بن قتادة ،
والحصين بن عبد الرحمن بن عمرو بن سعد بن معاذ ، (1) [وغيرهم من علمائنا ، كلهم قد
حدث بعض الحديث عن يوم أحد. وقد اجتمع حديثهم كله فيما سقت من الحديث عن يوم أحد ،
قالوا : أو من قاله منهم : لما أصيب] يوم بدر من كفار قريش من أصحاب القليب ، (2)
ورجع فَلُّهم إلى مكة ، (3) ورجع أبو سفيان بعِيره ، مشى عبد الله بن أبي ربيعة ،
(4) وعكرمة بن أبي جهل وصفوان بن أمية ، في رجال من قريش أصيب آباؤهم وأبناؤهم
وإخوانهم ببدر ، فكلموا أبا سفيان بن حرب ومن كان له في تلك العير من قريش تجارة ،
فقالوا : يا معشر قريش ، إن محمدًا قد وَتَرَكم وقتل خيارَكم ، (5) فأعينونا
__________
(1) في المطبوعة والمخطوطة : " الحصين بن عبد الرحمن وعمرو بن سعد بن معاذ
" ، وهو خطأ ، فقد مضى مرارًا مثله . وصوابه من سيرة ابن هشام .
(2) هذه الزيادة بين القوسين من سيرة ابن هشام ، وإنما فعلت ذلك ، لأن المطبوعة
خالفت المخطوطة لخطأ فيها ، فكتب في لمطبوعة : " قالوا : أما أصابت المسلمين
يوم بدر ... " ، وكان في المخطوطة : " قالوا : لما أصيبت قريش ، أو من
قاله منهم ، يوم بدر " ، وهو غير مستقيم ، فرجح قوله : " أو من قال منهم
" ، أن الناسخ قد عجل في نقل بقية الإسناد ، وخلط الكلام فاضطرب . فلذلك
أثبته بنصه من السيرة .
(3) " الفل " ( بفتح الفاء ) : المنهزمون ، الراجعون من جيش قد هزم .
(4) في المطبوعة : " عبد الله بن ربيعة " ، خطأ محض .
(5) " وتر القوم " ، أدرك فيهم مكروهًا بقتل أو غيره . و " الموتور
" الذي قتل له قتيل فلم يدرك بدمه .
(13/532)
بهذا المال على حربه ، لعلنا
أن ندرك منه ثأرًا بمن أصيب منا! ففعلوا. قال : ففيهم ، كما ذكر عن ابن عباس ، (1)
أنزل الله : " إن الذين كفروا ينفقون أموالهم " إلى قوله : "
والذين كفروا إلى جهنم يحشرون " . (2)
16064 - حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق : " إن الذين كفروا
ينفقون أموالهم ليصدوا عن سبيل الله " ، إلى قوله : " يحشرون " ،
يعني النفرَ الذين مشوا إلى أبي سفيان ، وإلى من كان له مال من قريش في تلك
التجارة ، فسألوهم أن يُقَوُّوهم على حرب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، (3) ففعلوا.
(4)
16065 - حدثني يونس قال ، أخبرنا ابن وهب قال ، أخبرني سعيد بن أبي أيوب ، عن عطاء
بن دينار في قول الله : " إن الذين كفروا ينفقون أموالهم " ، الآية ،
نزلت في أبي سفيان بن حرب. (5)
* * *
وقال بعضهم : عني بذلك المشركون من أهل بدر.
* ذكر من قال ذلك :
16066 - حدثت عن الحسين بن الفرج قال ، سمعت أبا معاذ قال ، حدثنا عبيد بن سليمان
قال ، سمعت الضحاك يقول في قوله : " إن الذين كفروا ينفقون أموالهم ليصدوا عن
سبيل الله " الآية ، قال : هم أهل بدر.
* * *
__________
(1) الذي في سيرة ابن هشام : " قال ابن إسحاق ، ففيهم ، كما ذكر لي بعض أهل
العلم " ، ولم يسند الكلام إلى ابن عباس .
(2) الأثر : 16063 - سيرة ابن هشام 3 : 64 .
(3) في المطبوعة : " أن يعينوهم " ، وفي سيرة ابن هشام : " يقووهم
بها " ، بزيادة .
(4) الأثر : 16064 سيرة ابن هشام 2 : 327 ، وهو تابع الأثر السالف رقم : 16053 .
(5) الأثر : 16065 - " سعيد بن أبي أيوب مقلاص المصري " ، مضى مرارًا
آخرها رقم : 13178 . وكان في المخطوطة : " سعيد بن أيوب " ، وصححه ناشر
المطبوعة .
و " عطاء بن دينار الهذلي المصري " ، مضى أيضًا برقم : 160 ، 13178 ،
بمثل هذا الإسناد .
(13/533)
لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلَى بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعًا فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (37)
قال أبو جعفر : والصواب من
القول في ذلك عندي ما قلنا ، وهو أن يقال : إن الله أخبرَ عن الذين كفروا به من
مشركي قريش ، أنهم ينفقون أموالهم ليصدُّوا عن سبيل الله. لم يخبرنا بأيّ أولئك
عَنى ، غير أنه عم بالخبر " الذين كفروا " . وجائز أن يكون عَنَى
المنفقين أموالهم لقتال رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه بأحد وجائز أن يكون
عنى المنفقين منهم ذلك ببدر وجائز أن يكون عنى الفريقين. وإذا كان ذلك كذلك ،
فالصواب في ذلك أن يعمّ كما عم جل ثناؤه الذين كفروا من قريش.
* * *
القول في تأويل قوله : { لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَيَجْعَلَ
الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلَى بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعًا فَيَجْعَلَهُ فِي
جَهَنَّمَ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (37) }
قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره : يحشر الله هؤلاء الذين كفروا بربهم ، وينفقون
أموالهم للصدّ عن سبيل الله ، إلى جهنم ، ليفرق بينهم وهم أهل الخبث ، كما قال
وسماهم " الخبيث " وبين المؤمنين بالله وبرسوله ، وهم " الطيبون
" ، كما سماهم جل ثناؤه. فميَّز جل ثناؤه بينهم بأن أسكن أهل الإيمان به
وبرسوله جناته ، وأنزل أهل الكفر نارَه. (1)
* * *
وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك :
16067 - حدثني المثنى قال ، حدثنا أبو صالح قال ، حدثني معاوية ،
__________
(1) انظر تفسير " الخبيث " فيما سلف ص : 165 ، تعليق : 3 ، 4 ، والمراجع
هناك .
وتفسير " الطيب " فيما سلف من فهارس اللغة ( طيب ) .
(13/534)
عن علي ، عن ابن عباس قوله :
" ليميز الله الخبيث من الطيب " فميَّز أهل السعادة من أهل الشقاوة.
16068 - حدثني محمد بن الحسين قال ، حدثنا أحمد بن المفضل قال ، حدثنا أسباط ، عن
السدي قال : ثم ذكر المشركين ، وما يصنع بهم يوم القيامة ، فقال : " ليميز
الله الخبيث من الطيب " ، يقول : يميز المؤمن من الكاف ، فيجعل الخبيث بعضه
على بعض .
* * *
ويعني جل ثناؤه بقوله : " فيجعل الخبيث بعضه على بعض " ، فيحمل الكفار
بعضهم فوق بعض " فيركمه جميعا " ، يقول : فيجعلهم ركامًا ، وهو أن يجمع
بعضهم إلى بعض حتى يكثروا ، كما قال جل ثناؤه في صفة السحاب : (( ثُمَّ يُؤَلِّفُ
بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَامًا)) [سورة النور : 43] ، أي مجتمعًا كثيفًا ، وكما
: -
16069 - حدثني يونس قال ، أخبرنا ابن وهب قال ، قال ابن زيد ، في قوله : "
فيركمه جميعًا " ، قال : فيجمعه جميعًا بعضه على بعض.
* * *
وقوله : " فيجعله في جهنم " يقول : فيجعل الخبيث جميعًا في جهنم فوحَّد
الخبر عنهم لتوحيد قوله : " ليميز الله الخبيث " ، ثم قال : "
أولئك هم الخاسرون " ، فجمع ، ولم يقل : " ذلك هو الخاسر " ،
فردَّه إلى أول الخبر.
ويعني ب " أولئك " ، الذين كفروا ، وتأويله : هؤلاء الذين ينفقون
أموالهم ليصدوا عن سبيل الله " هم الخاسرون " ، ويعني بقوله : "
الخاسرون " الذين غُبنت صفقتهم ، وخسرت تجارتهم. (1) وذلك أنهم شَرَوْا
بأموالهم عذابَ الله في الآخرة ، وتعجَّلوا بإنفاقهم إياها فيما أنفقوا من قتال
نبيّ الله والمؤمنين به ، الخزيَ والذلَّ.
* * *
__________
(1) انظر تفسير " خسر " فيما سلف 12 : 579 ، تعليق : 2 ، المراجع هناك .
(13/535)
قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ وَإِنْ يَعُودُوا فَقَدْ مَضَتْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ (38)
القول في تأويل قوله : { قُلْ
لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ وَإِنْ
يَعُودُوا فَقَدْ مَضَتْ سُنَّةُ الأوَّلِينَ (38) }
قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : " قل "
، يا محمد ، " للذين كفروا " ، من مشركي قومك " إن ينتهوا " ،
عما هم عليه مقيمون من كفرهم بالله ورسوله ، وقتالك وقتال المؤمنين ، فينيبوا إلى
الإيمان (1) يغفر الله لهم ما قد خلا ومضى من ذنوبهم قبل إيمانهم وإنابتهم إلى
طاعة الله وطاعة رسوله بإيمانهم وتوبتهم (2) " وإن يعودوا " ، يقول :
وإن يعد هؤلاء المشركون لقتالك بعد الوقعة التي أوقعتها بهم يوم بدر فقد مضت سنتي
في الأولين منهم ببدر ، ومن غيرهم من القرون الخالية ، (3) إذ طغوا وكذبوا رسلي
ولم يقبلوا نصحهم ، من إحلال عاجل النِّقَم بهم ، فأحلّ بهؤلاء إن عادوا لحربك
وقتالك ، مثل الذي أحللت بهم. (4)
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك :
16070 - حدثني محمد بن عمرو قال ، حدثنا أبو عاصم قال ، حدثنا عيسى ، عن ابن أبي
نجيح ، عن مجاهد قوله : " فقد مضت سنة الأولين " ، في قريش يوم بدر ،
وغيرها من الأمم قبل ذلك.
16071 - حدثني المثنى قال ، حدثنا أبو حذيفة قال ، حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ،
عن مجاهد مثله.
__________
(1) انظر تفسير " الانتهاء " فيما سلف : 455 ، تعليق : 1 والمراجع هناك
.
(2) انظر تفسير " سلف " فيما سلف 6 : 14 \ 8 : 138 ، 150 \ 11 : 48 .
(3) انظر تفسير " سنة " فيما سلف 7 : 228 \ 8 : 209 .
(4) في المطبوعة : " اللذين أحلت بهم " ، وفي المخطوطة سيئة الكتابة ،
صوابها ما أثبت .
(13/536)
وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (39)
16072 - حدثني المثنى قال ،
حدثنا عبد الله ، عن ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله.
16073 - حدثني ابن وكيع قال ، (1) حدثنا ابن نمير ، عن ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ،
عن مجاهد : " فقد مضت سنة الأولين " ، قال : في قريش وغيرها من الأمم
قبل ذلك.
16074 - حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق قال في قوله : " قل
للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف وإن يعودوا " لحربك " فقد مضت
سنة الأولين " ، أي : من قُتل منهم يوم بدر. (2)
16075 - حدثني محمد بن الحسين قال ، حدثنا أحمد بن المفضل قال ، حدثنا أسباط ، عن
السدي : " وإن يعودوا " ، لقتالك " فقد مضت سنة الأولين " ،
من أهل بدر.
* * *
القول في تأويل قوله : { وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ
الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ
بَصِيرٌ (39) }
قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره للمؤمنين به وبرسوله : وإن يعد هؤلاء لحربك ، فقد
رأيتم سنتي فيمن قاتلكم منهم يوم بدر ، وأنا عائد بمثلها فيمن حاربكم منهم ،
فقاتلوهم حتى لا يكون شرك ، ولا يعبد إلا الله وحده لا شريك له ، فيرتفع البلاء عن
عباد الله من الأرض وهو " الفتنة " (3) " ويكون الدين
__________
(1) في المطبوعة : " حدثنا المثنى قال ، حدثنا ابن وكيع ... " ، وهو خطأ
ظاهر ، وصوابه من المخطوطة.
(2) الأثر : 16074 - سيرة ابن هشام 2 : 327 ، وهو تابع الأثر السالف رقم : 16064 .
(3) انظر تفسير " الفتنة " فيما سلف : 486 ، تعليق : 1 ، والمراجع هناك
.
(13/537)
كله لله " ، يقول : حتى
تكون الطاعة والعبادة كلها لله خالصةً دون غيره. (1)
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك :
16076 - حدثني المثنى قال ، حدثنا أبو صالح قال ، حدثني معاوية ، عن علي ، عن ابن
عباس قوله : " وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة " ، يعني : حتى لا يكون شرك.
16077 - حدثني المثنى قال ، حدثنا عمرو بن عون قال ، أخبرنا هشيم ، عن يونس ، عن
الحسن في قوله : " وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة " ، قال : " الفتنة
" ، الشرك.
16078 - حدثنا بشر قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد ، عن قتادة قوله : "
وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة " ، يقول : قاتلوهم حتى لا يكون شرك " ويكون
الدين كله لله " ، حتى يقال : " لا إله إلا الله " ، عليها قاتل
نبي الله صلى الله عليه وسلم ، وإليها دَعا.
16079 - حدثني محمد بن الحسين قال ، حدثنا أحمد بن المفضل قال ، حدثنا أسباط ، عن
السدي : " وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة " ، قال : حتى لا يكون شرك.
16080 - حدثني الحارث قال ، حدثنا عبد العزيز قال ، حدثنا مبارك بن فضالة ، عن
الحسن في قوله : " وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة " ، قال : حتى لا يكون
بلاء.
__________
(1) وتفسير " الدين " فيما سلف 1 : 155 ، 156 \ 6 : 273 - 275 ، وغيرها
في فهارس اللغة ( دين ) .
(13/538)
16081 - حدثنا القاسم قال ،
حدثنا الحسين قال ، حدثني حجاج قال ، قال ابن جريج : " وقاتلوهم حتى لا تكون
فتنة ويكون الدين كله لله " ، أي : لا يفتن مؤمن عن دينه ، ويكون التوحيد لله
خالصًا ليس فيه شرك ، ويُخلع ما دونه من الأنداد. (1)
16082 - حدثني يونس قال ، أخبرنا ابن وهب قال ، قال ابن زيد ، في قوله : "
وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة " ، قال : حتى لا يكون كفر " ويكون الدين كله
لله " ، لا يكون مع دينكم كفر.
16083 - حدثني عبد الوارث بن عبد الصمد قال ، حدثنا أبي قال ، حدثنا أبان العطار
قال ، حدثنا هشام بن عروة ، عن أبيه : أن عبد الملك بن مروان كتبَ إليه يسأله عن
أشياء ، فكتب إليه عروة : " سلام عليك ، فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا
هو. أما بعد ، فإنك كتبت إليّ تسألني عن مخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة
، وسأخبرك به ، ولا حول ولا قوة إلا بالله. كان من شأن خروج رسول الله صلى الله
عليه وسلم من مكة ، أن الله أعطاه النبوة ، فنعم النبيُّ ! ونعم السيد! ونعم
العشيرة! فجزاه الله خيرًا ، وعرّفنا وجهه في الجنة ، وأحيانَا على ملته ، وأماتنا
عليها ، وبعثنا عليها. وإنه لما دعا قومه لما بعثه الله له من الهدى والنور الذي
أنزل عليه ، لم يَبْعُدوا منه أوّلَ ما دعاهم إليه ، (2) وكادوا
__________
(1) الأثر : 16081 - هذا نص ابن هشام في سيرته ، من روايته عن ابن إسحاق ، فأنا
أكاد أقطع أن هذا الخبر ملفق من خبرين :
أولهما هذا الإسناد الأول ، سقط نص خبره .
والآخر إسناد أبي جعفر إلى ابن إسحاق ، وهو هذا ، حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا
سلمة ، عن ابن إسحاق في قوله : .. " ، ثم هذا السياق الذي هنا ، وهو نص ما في
ابن هشام .
انظر سيرة ابن هشام 2 : 327 ، وهو تابع الأثر السالف رقم : 12074 .
(2) في المطبوعة : " لم ينفروا منه " غير ما في المخطوطة ، وهو مطابق
لما في التاريخ .
(13/539)
يسمعون له ، (1) حتى ذكر
طواغيتهم. وقدم ناس من الطائف من قريش ، لهم أموال ، أنكر ذلك ناسٌ ، واشتدّوا
عليه ، (2) وكرهوا ما قال ، وأغروا به من أطاعهم ، فانصفق عنه عامة الناس فتركوه ،
(3) إلا من حفظه الله منهم ، وهم قليل. فمكث بذلك ما قدّر الله أن يمكث ، ثم
ائتمرت رؤوسهم بأن يفتنوا من اتبعه عن دين الله من أبنائهم وإخوانهم وقبائلهم ،
فكانت فتنةً شديدة الزلزال (4) ، فافتتن من افتتن ، وعصم الله من شاء منهم. فلما
فُعِل ذلك بالمسلمين ، أمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يخرجوا إلى أرض
الحبشة. وكان بالحبشة ملك صالح يقال له " النجاشي " ، لا يُظلم أحد
بأرضه ، (5) وكان يُثْنَى عليه مع ذلك [صلاح] ، (6) وكانت أرض الحبشة متجرًا لقريش
، يَتْجَرون فيها ، ومساكن لتِجَارهم (7) يجدون فيها رَفاغًا من الرزق وأمنًا
ومَتْجَرًا حسنًا ، (8) فأمرهم بها النبي صلى الله عليه وسلم ، فذهب إليها عامتهم
لما قُهِروا بمكة ، وخاف عليهم الفتن. (9) ومكث هو فلم يبرح. فمكث ذلك سنوات
يشتدُّون على من أسلم منهم. (10) ثم إنه فشا الإسلام فيها ، ودخل فيه رجال من
أشرافهم ومَنَعتهم. (11) فلما رأوا ذلك ، استرخوْا استرخاءة عن رسول الله صلى الله
عليه وسلم وعن أصحابه. (12) وكانت الفتنة الأولى هي أخرجت من خرج من أصحاب رسول
الله صلى الله عليه وسلم قِبَل أرض الحبشة ، مخافتَها ، وفرارًا مما كانوا فيه من
الفتن والزلزال. فلما استُرْخي عنهم ، ودخل في الإسلام من دخل منهم ، تُحُدِّث
باسترخائهم عنهم. (13) فبلغ ذلك من كان بأرض الحبشة من أصحاب رسول الله صلى الله
عليه وسلم : أنه قد استُرْخِيَ عمن كان منهم بمكة ، وأنهم لا يفتنون. فرجعوا إلى
مكة ، وكادوا يأمنون بها ، (14) وجعلوا يزدادون ، ويكثرون. وأنه أسلم من الأنصار
بالمدينة ناس كثير ، وفشا بالمدينة الإسلام ، وطفق أهل المدينة يأتون رسول الله
صلى الله عليه وسلم بمكة. فلما رأت ذلك قريش ذلك ، تذامرَتْ على أن يفتنوهم
ويشتدّوا عليهم ، (15) فأخذوهم ، وحرصوا على أن يفتنوهم ، فأصابهم جَهْدٌ شديد.
وكانت الفتنة الآخرة. فكانت ثنتين : فتنة أخرجت من خرج منهم إلى أرض الحبشة ، حين
أمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بها ، وأذن لهم في الخروج إليها وفتنة لما
رجعوا ورأوا من يأتيهم من أهل المدينة. ثم إنه جاء رسولَ الله صلى الله عليه وسلم
من المدينة سبعون نقيبًا ، (16) رؤوس الذين أسلموا ، فوافوه بالحج ، فبايعوه
بالعقبة ، وأعطوه عهودهم على أنّا منك وأنت منا ، (17) وعلى أن من جاء من أصحابك
أو جئتنا ، فإنا نمنعك مما نمنع منه أنفسنا. فاشتدت عليهم قريش عند ذلك. فأمر رسول
الله صلى الله عليه وسلم أصحابه أن يخرجوا إلى المدينة ، وهي الفتنة الآخرة التي
أخرج فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه ، وخرج هو ، وهي التي أنزل الله
فيها : " وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله " . (18)
16084 - حدثني يونس قال ، أخبرنا ابن وهب قال ، أخبرني عبد الرحمن بن أبي الزناد ،
عن أبيه ، عن عروة بن الزبير : أنه كتب إلى الوليد : " أما بعد ، فإنك كتبتَ
إليّ تسألني عن مخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة ، وعندي ،
__________
(1) في المطبوعة : " وكانوا يسمعون " ، غير ما في المخطوطة ، وهو مطابق
للتاريخ .
(2) في المطبوعة : " أنكر ذلك عليه ناس " ، زاد " عليه " ،
وفي التاريخ : " أنكروا ذلك عليه " ، ليس فيه " ناس " .
(3) في المطبوعة : " فانعطف عنه " ، غير ما في المخطوطة عبثًا ، وهو
مطابق لما في التاريخ و " انصفق عنه الناس " ، رجعوا وانصرفوا . و
" انصفقوا عليه " : أطبقوا واجتمعوا ، أصله من " الصفقة " ،
وهو الاجتماع على الشيء . وإنما غير المعنى استعمال الحرف ، في الأول " عنه
" ، وفي الأخرى " عليه " . وهذا من محاسن العربية .
(4) في المخطوطة : " شدودة الزلزال " ، وهو سهو من الناسخ .
(5) في المخطوطة : " لا يظلم بأرضه " ، وصححها لناشر وتصحيحه مطابق لما
في التاريخ .
(6) الزيادة بين القوسين من تاريخ الطبري .
(7) قوله : " ومساكن لتجارهم " ، ليست في التاريخ ، وفي المطبوعة :
" لتجارتهم " ، وهو خطأ ، صوابه من المخطوطة ، وابن كثير .
(8) في المطبوعة : " رتاعًا من الرزق " ، خالف المخطوطة ، لأنها غير
منقوطة ، وهي مطابقة لما في التاريخ . و " الرفاغ " مصدر " رفغ
" ( بفتح فضم ) ، وهو قياس العربية ، والذي في المعاجم " رفاغة " .
يقال : " إنه لفي رفاغة من العيش " ، و " رفاغية " ( على وزن
: ثمانية ) : سعة من العيش وطيب وخصب . و " عيش رافغ " .
(9) في المطبوعة والمخطوطة : " وخافوا عليهم الفتن " ، والجيد ما أثبته
من التاريخ .
(10) في التاريخ : " فمكث بذلك سنوات " ، وهي أجود .
(11) إلى هذا الموضع ، انتهي ما رواه أبو جعفر في تاريخه 2 : 220 ، 221 ، إلا أنه
لم يذكر في ختام الجملة " ومنعتهم " .
وقوله : " ومنعتهم " ( بفتحات ) ، جمع " مانع " ، مثل "
كافر " و " كفرة " ، وهم الذين يمنعون من يرديهم بسوء .
وانظر تخريج الخبر في آخر هذا الأثر .
(12) " الاسترخاء " ، السعة والسهولة . " استرخوا عنهم " ،
أرخوا عنهم شدة العذاب والفتنة .
(13) في المطبوعة : " تحدث بهذا الاسترخاء عنهم " ، وفي المخطوطة هكذا :
" تحددوا استرخائهم عنهم " ، وأثبت الصواب من تفسير ابن كثير .
(14) من أول قوله : " فلما رأوا ذلك استرخوا ... " ، إلى هذا الموضع ،
لم يذكره أبو جعفر في تاريخه ، ثم يروي ما بعده ، كما سأبينه بعد في التعليق .
(15) في المطبوعة والمخطوطة : " توامرت على أن يفتنوهم " ، وأثبت ما في
التاريخ . أما ابن كثير في تفسيره فنقل : " توامروا على أن يفتنوهم " .
وفي المطبوعة وحدها : " ويشدوا عليهم " ، وأثبت ما في التاريخ وابن كثير
.
و " تذامر القوم " ، حرض بعضهم بعضًا وحثه على قتال أو غيره . و "
ذمر حزبه تذميرًا " ، شجعه وحثه ، مع لوم و استبطاء .
(16) في المطبوعة : " سبعون نفسًا " ، وفي المخطوطة ؛ " سبعين
نفسًا " ، غير منقوطة ، والصواب ما أثبته من تاريخ الطبري ، وتفسير ابن كثير
.
(17) في المطبوعة والمخطوطة : " وأعطوه على أنا منك .. " ، سقط من
الكلام " عهودهم " ، أثبتها من التاريخ ، وفي تفسير ابن كثير "
وأعطوه عهودهم ومواثيقهم " .
(18) الأثر : 16083 - " أبان العطار " ، هو " أبان بن يزيد العطار
" ، وقد سلف شرح هذا الإسناد : 15719 ، 15821 ، وغيرهما إسناد صحيح .
وكتاب عروة إلى عبد الملك بن مروان قد رواه أبو جعفر مفرقًا في تفسيره ، وفي
تاريخه ، فما رواه في تفسيره آنفًا رقم : 15719 ، 15821 أما في تاريخه ، فقد رواه
مفرقًا في مواضع ، هذه هي 2 : 220 ، 221 ، 240 ، 241 ، 245 ، 267 - 269 \ ثم 3 :
117 ، 125 ، 132 ، وعسى أن أستطيع أن ألم شتات هذا الكتاب من التفسير والتاريخ ،
حتى أخرج منه كتاب عروة إلى عبد الملك كاملا ، فهو من أوائل الكتب التي كتبت عن
سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم .
وهذا الخبر نفسه ، مفرق في موضعين من التاريخ 2 : 220 ، 221 كما أشرت إليه في ص :
443 تعليق : 1 \ ثم 2 : 240 ، 241.
ونقله ابن كثير عن هذا الموضع من التفسير في تفسيره 4 : 61 ، 62 .
ثم انظر التعليق على الأثر التالي .
(13/540)
بحمد الله ، من ذلك علم بكل ما
كتبتَ تسألني عنه ، وسأخبرك إن شاء الله ، ولا حول ولا قوة إلا بالله ، ثم ذكر
نحوه. (1)
16085 - حدثنا أحمد بن إسحاق قال ، حدثنا أبو أحمد قال ، حدثنا قيس ، عن الأعمش ،
عن مجاهد : " وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة " ، قال : " يَسَاف "
و " نائلة " ، صنمان كانا يعبدان. (2)
* * *
وأما قوله : " فإن انتهوا " ، فإن معناه : فإن انتهوا عن الفتنة ، وهي
الشرك بالله ، وصارُوا إلى الدين الحق معكم (3) " فإن الله بما يعملون بصير
" ، يقول : فإن الله لا يخفى عليه ما يعملون من ترك الكفر والدخول في دين
الإسلام ، (4) لأنه يبصركم ويبصر أعمالكم ، (5) والأشياء كلها متجلية له ، لا تغيب
عنه ، ولا
__________
(1) الأثر : 16084 - " عبد الرحمن بن أبي الزناد " ، هو " عبد
الرحمن بن عبد الله ابن ذكوان " ، مضى برقم : 1695 ، 9225 ، وقال أخي السيد
أحمد أنه ثقة ، تكلم فيه بعض الأئمة . ثم قال : وقد وثقه الترمذي وصحح عدة من
أحاديثه ، بل قال في السنن 3 : 59 : " هو ثقة حافظ " .
وممن ضعف " عبد الرحمن بن أبي الزناد " ابن معين قال : " ليس ممن
يحتج به أصحاب الحديث ، ليس بشيء " . وقال أحمد : " مضطرب الحديث "
، وقال ابن المديني " كان عند أصحابنا ضعيفًا " ، وقال ابن المديني :
" ما حدث به بالمدينة فهو صحيح ، وما حدث ببغداد أفسده البغداديون " .
وقال ابن سعد : " كان كثير الحديث ، وكان يضعف لروايته عن أبيه " .
وأبوه " عبد الله بن ذكوان " ، أبو الزناد ، ثقة ، روى له الجماعة.
وقد روى " عبد الرحمن بن أبي الزناد " ، أن الذي كتب إليه عروة ، هو
" الوليد بن عبد الملك ابن مروان " ، والإسناد السالف أصح واوثق ، أنه
كتب إلى " عبد الملك بن مروان " ، فأنا أخشى أن يكون هذا الخبر مما
اضطربت فيه رواية " ابن أبي الزناد " ، عن أبيه .
(2) " إساف " ( بكسر اللف وفتحها ) و " يساف " ( بكسر الياء
وفتحها ) ، واحد . وقد مضى ذلك في الخبر : 10433 ، والتعليق عليه 9 : 208 ، تعليق
: 1 .
وكان في المخطوطة هنا : " ساف ونافلة " ، وهو خطأ محض .
(3) انظر تفسير " الانتهاء " فيما سلف ص : 536 ، تعليق : 1 ، والمراجع
هناك .
(4) انظر تفسير " بصير " فيما سلف من فهارس اللغة ( بصر ) .
(5) في المطبوعة : " يبصركم " ، والصواب من المخطوطة .
(13/543)
وَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَوْلَاكُمْ نِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ (40)
يعزب عنه مثقال ذرة في السموات
ولا في الأرض ، ولا أصغر من ذلك ولا أكبر إلا في كتاب مبين.
* * *
وقد قال بعضهم : معنى ذلك ، فإن انتهوا عن القتال.
* * *
قال أبو جعفر : والذي قلنا في ذلك أولى بالصواب ، لأن المشركين وإن انتهوا عن
القتال ، فإنه كان فرضًا على المؤمنين قتالهم حتى يسلموا.
القول في تأويل قوله : { وَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَوْلاكُمْ
نِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ (40) }
قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره : وإن أدبر هؤلاء المشركون عما دعوتموهم إليه ،
أيها المؤمنون من الإيمان بالله ورسوله ، وترك قتالكم على كفرهم ، فأبوا إلا
الإصرار على الكفر وقتالكم ، فقاتلوهم ، وأيقنوا أنّ الله معينكم عليهم وناصركم
(1) " نعم المولى " ، هو لكم ، يقول : نعم المعين لكم ولأوليائه (2)
" ونعم النصير " ، وهو الناصر. (3)
* * *
16086 - حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق : " وإن تولوا
" ، عن أمرك إلى ما هم عليه من كفرهم ، فإن الله هو مولاكم الذي أعزكم
__________
(1) انظر تفسير " التولي " فيما سلف ( 9 : 141 ) تعليق : ... ، والمراجع
هناك .
(2) انظر تفسير " المولى " فيما سلف من فهارس اللغة ( ولي ) .
(3) انظر تفسير " النصير " فيما سلف 10 : 481 ، تعليق : 5 ، والمراجع
هناك .
(13/544)
ونصركم عليهم يوم بدر ، في
كثرة عددهم وقلة عددكم " نعم المولى ونعم النصير " . (1)
* * *
__________
(1) الأثر : 18086 - سيرة ابن هشام 2 : 327 ، مع اختلاف يسير في سياقه ، وهو تابع
الأثريين السالفين : 16074 ، 16081 ، وانظر التعليق على هذا الأثر الأخير ، وما
استظهرته هناك .
(13/545)
وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِنْ كُنْتُمْ آَمَنْتُمْ بِاللَّهِ وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (41)
القول في تأويل قوله : {
وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ }
قال أبو جعفر : وهذا تعليم من الله عز وجل المؤمنين قَسْمَ غنائمهم إذا غنموها.
يقول تعالى ذكره : واعلموا ، أيها المؤمنون ، أن ما غنمتم من غنيمة.
* * *
واختلف أهل العلم في معنى " الغنيمة " و " الفيء " .
فقال بعضهم : فيهما معنيان ، كل واحد منهما غير صاحبه.
* ذكر من قال ذلك :
16087 - حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا حميد بن عبد الرحمن ، عن الحسن بن صالح قال :
سألت عطاء بن السائب عن هذه الآية : " واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله
خمسه " ، وهذه الآية : (( مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ )) [سورة
الحشر : 7] ، قال قلت : ما " الفيء " ، وما " الغنيمة " ؟ قال
: إذا ظهر المسلمون على المشركين وعلى أرضهم ، وأخذوهم عنوةً ، فما أخذوا من مال
ظهروا عليه فهو " غنيمة " ، وأما الأرض فهو في سوادنا هذا " فيء
" . (1)
* * *
وقال آخرون : " الغنيمة " ، ما أخذ عنوة ، و " الفيء " ، ما
كان عن صلح.
* ذكر من قال ذلك :
16088 - حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا أبي ، عن سفيان الثوري قال :
__________
(1) في المطبوعة : " فهي في سوادنا " ، وأثبت ما في المخطوطة ، وهو
مستقيم .
(13/545)
" الغنيمة " ، ما
أصاب المسلمون عنوة بقتال ، فيه الخمس ، وأربعة أخماسه لمن شهدها. و " الفيء
" ، ما صولحوا عليه بغير قتال ، وليس فيه خمس ، هو لمن سمَّى الله.
* * *
وقال آخرون : " الغنيمة " و " الفيء " ، بمعنى واحد. وقالوا :
هذه الآية التي في " الأنفال " ، ناسخة قوله : (( مَا أَفَاءَ اللَّهُ
عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ )) الآية ، [سورة
الحشر : 7].
* ذكر من قال ذلك :
16089 - حدثنا ابن بشار قال ، حدثنا عبد الأعلى قال ، حدثنا سعيد ، عن قتادة في
قوله : ( ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى فلله وللرسول ولذي القربى واليتامى
والمساكين وابن السبيل) ، قال : كان الفيء في هؤلاء ، ثم نسخ ذلك في " سورة
الأنفال " ، فقال : " واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول
ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل " ، فنسخت هذه ما كان قبلها في
" سورة الأنفال " ، (1) وجعل الخمس لمن كان له الفيء في " سورة
الحشر " ، وسائر ذلك لمن قاتل عليه. (2)
* * *
وقد بينا فيما مضى " الغنيمة " ، وأنها المال يوصل إليه من مال من خوّل
الله مالَه أهلَ دينه ، بغلبة عليه وقهرٍ بقتال. (3)
* * *
فأما " الفيء " ، فإنه ما أفاء الله على المسلمين من أموال أهل الشرك ،
وهو
__________
(1) في المطبوعة والمخطوطة : " ما كان قبلها في سورة الحشر " ، وسيأتي
على الصواب كما أثبته في تفسير " سورة الحشر " 28 : 25 ( بولاق ) ،
ويعني بذلك أنها نسخت قوله في أول سورة الأنفال : " يسألونك عن الأنفال
" .
(2) الأثر : 16089 - سيأتي هذا الخبر مطولا في تفسير " سورة الحشر " 28
: 25 ، 26 ( بولاق ) .
(3) انظر تفسير " الغنيمة " فيما سلف في تفسير " النفل " ص :
361 - 385 .
(13/546)
ما ردّه عليهم منها بصلح ، من
غير إيجاف خيل ولا ركاب. وقد يجوز أن يسمى ما ردّته عليهم منها سيوفهم ورماحهم
وغير ذلك من سلاحهم " فيئًا " ، لأن " الفيء " ، إنما هو مصدر
من قول القائل : " فاء الشيء يفيء فيئًا " ، إذا رجع و " أفاءه
الله " ، إذا ردّه. (1)
غير أن الذي ردّ حكم الله فيه من الفيء بحكمه في " سورة الحشر " ، (2)
إنما هو ما وصفت صفته من الفيء ، دون ما أوجف عليه منه بالخيل والركاب ، لعلل قد
بينتها في كتاب : (كتاب لطيف القول ، في أحكام شرائع الدين) ، وسنبينه أيضًا في
تفسير " سورة الحشر " ، إذا انتهينا إليه إن شاء الله تعالى. (3)
* * *
وأما قول من قال : الآية التي في " سورة الأنفال " ، ناسخةٌ الآيةَ التي
في " سورة الحشر " ، فلا معنى له ، إذ كان لا معنى في إحدى الآيتين ينفي
حكم الأخرى. وقد بينا معنى " النسخ " ، وهو نفي حكم قد ثبت بحكمٍ خلافه
، في غير موضع ، بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع. (4)
* * *
وأما قوله : " من شيء " ، فإنه مرادٌ به : كل ما وقع عليه اسم "
شيء " ، مما خوّله الله المؤمنين من أموال من غلبوا على ماله من المشركين ،
مما وقع فيه القَسْم ، حتى الخيط والمِخْيط ، (5) كما : -
16090 - حدثنا محمد بن بشار قال ، حدثنا عبد الرحمن قال ، حدثنا
__________
(1) انظر تفسير " فاء " فيما سلف 4 : 465 ، 466 .
(2) في المطبوعة : " ... الذي ورد حكم الله فيه من الفيء يحكيه في سورة الحشر
" ، غير ما في المخطوطة ، فأفسد الكلام إفسادًا تامًا .
(3) انظر ما سيأتي 28 : 24 - 27 ( بولاق ) .
(4) انظر مقالته في " النسخ " في فهارس النحو والعربية وغيرهما ، وفي
مواضع فيها مراجع ذلك كله في كتابه هذا .
(5) " المخيط " ، الإبرة ، وهو ما خيط به .
(13/547)
سفيان ، عن ليث ، عن مجاهد
قوله : " واعلموا أنما غنمتم من شيء " ، قال : المخيط من " الشيء
" .
16091 - حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا أبي ، عن سفيان ، عن ليث ، عن مجاهد بمثله.
16092 - حدثني المثنى قال ، حدثنا أبو نعيم الفضل قال ، حدثنا سفيان ، عن ليث ، عن
مجاهد ، مثله.
* * *
القول في تأويل قوله : { فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي
الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ }
قال أبو جعفر : اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك.
فقال بعضهم قوله : " فأن لله خمسه " ، مفتاحُ كلامٍ ، (1) ولله الدنيا
والآخرة وما فيهما ، وإنما معنى الكلام : فإن للرسول خمسه.
* ذكر من قال ذلك :
16093 - حدثنا ابن بشار قال ، حدثنا عبد الرحمن قال ، حدثنا سفيان ، عن قيس بن
مسلم قال : سألت الحسن عن قول الله : " واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله
خمسه وللرسول " ، قال : هذا مفتاح كلامٍ ، لله الدنيا والآخرة.
16094 - حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا أبي ، عن سفيان ، عن قيس بن مسلم قال : سألت
الحسن بن محمد عن قوله : " واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه " ،
قال : هذا مفتاح كلامٍ ، لله الدنيا والآخرة. (2)
__________
(1) يعني أنه افتتاح بذكر الله تعالى ذكره ، وانظر ما سلف 6 : 272 ، تعليق : 5 .
(2) الأثران : 16093 ، 16094 - " الحسن بن محمد " ، هو " الحسن بن
محمد بن علي بن أبي طالب " ، وهو " الحسن بن محمد بن الحنيفة " ،
وهو الذي يروي عنه " قيس بن مسلم " ، لا يعني " الحسن البصري
" .
وهذا الخبر رواه أبو عبيد القاسم بن سلام في كتاب الأموال : 14 ، 326 ، 330 ، رقم
: 39 ، 836 ، 846 وسيأتي مطولا برقم : 16121 .
(13/548)
16095 - حدثنا أبو كريب قال ،
حدثنا أحمد بن يونس قال ، حدثنا أبو شهاب ، عن ورقاء ، عن نهشل ، عن الضحاك ، عن
ابن عباس قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا بعث سرية فغنموا ، خمَّس
الغنيمة ، فضرب ذلك الخمس في خمسة. ثم قرأ : " واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن
لله خمسه وللرسول " . قال : وقوله : " فأن لله خمسه " ، مفتاح كلام
، لله ما في السموات وما في الأرض ، فجعل الله سهم الله وسهم الرسول واحدًا. (1)
16096 - حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا جرير ، عن مغيرة ، عن إبراهيم : " فأن
لله خمسه " ، قال : لله كل شيء.
16097 - حدثنا المثنى قال ، حدثنا عمرو بن عون قال ، أخبرنا هشيم ، عن مغيرة ، عن
إبراهيم في قوله : " واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه " ، قال :
لله كل شيء ، وخُمس لله ورسوله ، ويقسم ما سوى ذلك على أربعة أسهم.
16098 - حدثنا ابن بشار قال ، حدثنا عبد الأعلى قال ، حدثنا سعيد ، عن قتادة قال :
كانت الغنيمة تقسم خمسة أخماس ، فأربعة أخماس لمن قاتل
__________
(1) الأثر : 16095 - " أحمد بن يونس " ، هو " أحمد بن عبد الله بن
يونس التميمي " ، مضى برقم : 2144 ، 2362 ، 5080 .
و " أبو شهاب " ، هو " عبد ربه بن نافع الكناني " ، الحناط ،
ثقة ، مترجم في التهذيب ، وابن أبي حاتم 3 \ 1 \ 42 .
و " ورقاء " ، هو " ورقاء بن عمرو اليشكري " ، مضى برقم :
6534 .
و " نهشل " ، هو " نهشل بن سعيد بن وردان النيسابوري " ، ليس
بثقة ، وقال أبو حاتم : " ليس بقوي ، متروك الحديث ، ضعيف الحديث " ،
وقال ابن حبان : " يروي عن الثقات ما ليس من أحاديثهم ، لا يحل كتب حديثه إلا
على التعجب " .
وقال البخاري : " أحاديثه مناكير ، قال إسحاق بن إبراهيم : ككان نهشل كذابًا
" . مترجم في التهذيب ، والكبير 4 \ 2 \ 115 ، وابن أبي حاتم 4 \ 1 \ 496 ،
وميزان الاعتدال 3 : 243 .
وانظر الخبر رقم : 16120 .
وكان في المطبوعة : " فجعل سهم الله " ، غير ما في المخطوطة وحذف ،
فأثبت ما في المخطوطة .
(13/549)
عليها ، ويقسم الخمس الباقي
على خمسة أخماس ، فخمس لله والرسول.
16099 - حدثنا عمران بن موسى قال ، حدثنا عبد الوارث قال ، حدثنا أبان ، عن الحسن
قال : أوصى أبو بكر رحمه الله بالخمس من ماله ، وقال : ألا أرضى من مالي بما رضي
الله لنفسه.
16100 - حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا محمد بن فضيل ، عن عبد الملك ، عن عطاء :
" واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول " ، قال : خمس الله
وخمس رسوله واحد. كان النبي صلى الله عليه وسلم يحمل منه ويضع فيه ما شاء. (1)
16101 - حدثني المثنى قال ، حدثنا الحجاج قال ، حدثنا أبو عوانة ، عن المغيرة ، عن
أصحابه ، عن إبراهيم : " واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه " ،
قال : كل شيء لله ، الخمس للرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل.
* * *
وقال آخرون : معنى ذلك : فإن لبيت الله خمسه وللرسول.
* ذكر من قال ذلك :
16102 - حدثنا أبو كريب قال ، حدثنا وكيع بن الجراح ، عن أبي جعفر الرازي ، عن
الربيع بن أنس ، عن أبي العالية الرياحي قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ،
يؤتَى بالغنيمة ، فيقسمها على خمسة ، تكون أربعة أخماس لمن شهدها ، ثم يأخذ الخمس
فيضرب بيده فيه ، فيأخذ منه الذي قبض كفه ، فيجعله للكعبة ، وهو سهم الله. ثم يقسم
ما بقي على خمسة أسهم ، فيكون سهم
__________
(1) في المطبوعة : " ويصنع فيه " ، وأثبت ما في المخطوطة . وقد قرأت في
كتاب الأموال لأبي عبيد القاسم بن سلام ، في خبر آخر : " يحمل منه ويعطي ،
ويضعه حيث شاء ، ويصنع به ما شاء " ص 14 ، 326 ، رقم : 40 ، 837 .
(13/550)
للرسول ، وسهم لذي القربى ،
وسهم لليتامى ، وسهم للمساكين ، وسهم لابن السبيل.
16103 - حدثنا أحمد بن إسحاق قال ، حدثنا أبو جعفر الرازي عن الربيع بن أنس ، عن
أبي العالية : " واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه " ، إلى آخر
الآية ، قال : فكان يُجَاء بالغنيمة فتوضع ، فيقسمها رسول الله صلى الله عليه وسلم
خمسة أسهم ، فيجعل أربعة بين الناس ، ويأخذ سهمًا ، ثم يضرب بيده في جميع ذلك
السهم ، فما قَبَضَ عليه من شيء جعله للكعبة ، فهو الذي سُمِّي لله ، ويقول :
" لا تجعلوا لله نصيبًا ، فإن لله الدنيا والآخرة ، ثم يقسم بقيته على خمسة
أسهم : سهم للنبي صلى الله عليه وسلم ، وسهم لذوي القربى ، وسهم لليتامى ، وسهم
للمساكين ، وسهم لابن السبيل. (1)
* * *
وقال آخرون : ما سُمِّي لرسول الله صلى الله عليه وسلم من ذلك ، فإنما هو مرادٌ به
قرابته ، وليس لله ولا لرسوله منه شيء.
* ذكر من قال ذلك :
16104 - حدثني المثنى قال ، حدثنا أبو صالح قال ، حدثنا معاوية ، عن علي ، عن ابن
عباس قال : كانت الغنيمة تقسم على خمسة أخماس ، فأربعة منها لمن قاتل عليها ، وخمس
واحد يقسم على أربعة : فربع لله والرسول ولذي القربى يعني قرابة النبي صلى الله
عليه وسلم فما كان لله والرسول فهو لقرابة النبي صلى الله عليه وسلم ، ولم يأخذ
النبي صلى الله عليه وسلم من الخمس شيئًا. والربع الثاني لليتامى ، والربع الثالث
للمساكين ، والربع الرابع لابن السبيل. (2)
* * *
__________
(1) الأثران : 16102 ، 16013 - رواه أبو عبيد القاسم بن سلام في كتاب الأموال ، من
طريق حجاج ، عن أبي جعفر الرازي ، بمثل لفظ الأول . كتاب الأموال : 14 ، 325 ، رقم
400 ، 835 .
(2) الأثر : 16104 - رواه أبو عبيد القاسم بن سلام ، بهذا الإسناد نفسه ، وبلفظه ،
في كتاب الأموال ص : 13 ، 325 ، رقم : 37 ، 834 ، وفي آخره تفسير " ابن
السبيل " ، قال : " وهو الضعيف الفقير الذي ينزل بالمسلمين " .
وانظر ما سيأتي رقم : 16124 ، 16129 .
(13/551)
قال أبو جعفر : وأولى الأقوال
في ذلك بالصواب ، قولُ من قال : قوله : " فأن لله خمسه " ، "
افتتاح كلام " ، وذلك لإجماع الحجة على أنّ الخمس غير جائز قسمه على ستة أسهم
، ولو كان لله فيه سهم ، كما قال أبو العالية ، لوجب أن يكون خمس الغنيمة مقسومًا
على ستة أسهم. وإنما اختلف أهل العلم في قسمه على خمسة فما دونها ، فأما على أكثر
من ذلك ، فما لا نعلم قائلا قاله غير الذي ذكرنا من الخبر عن أبي العالية. وفي
إجماع من ذكرت ، الدلالةُ الواضحةُ على صحة ما اخترنا.
* * *
فأما من قال : " سهم الرسول لذوي القربى " ، فقد أوجب للرسول سهمًا ،
وإن كان صلى الله عليه وسلم صرفه إلى ذوي قرابته ، فلم يخرج من أن يكون القسم كان
على خمسة أسهم ، وقد : -
16105 - حدثنا بشر بن معاذ قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد ، عن قتادة قوله :
" واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه " ، الآية ، قال : كان نبي
الله صلى الله عليه وسلم إذا غنم غنيمة جعلت أخماسًا ، فكان خمس لله ولرسوله ،
ويقسم المسلمون ما بقي. وكان الخمس الذي جُعل لله ولرسوله ، لرسوله ولذوي القربى
واليتامى وللمساكين وابن السبيل (1) فكان هذا الخمس خمسة أخماس : خمس لله ورسوله ،
وخمس لذوي القربى. وخمس لليتامى ، وخمس للمساكين. وخمس لابن السبيل.
__________
(1) في المخطوطة خطأ ، أسقط " لرسوله " الثانية ، والكلام يقتضيها كما
في المطبوعة ، وعلى هامش المخطوطة حرف " أ " عليها ثلاث نقط ، دلالة على
موضع السقط .
(13/552)
16106 - حدثنا ابن بشار قال ،
حدثنا عبد الرحمن قال ، حدثنا سفيان ، عن موسى بن أبي عائشة قال : سألت يحيى بن
الجزار عن سهم النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال : هو خُمْس الخمس. (1)
16107 - حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا ابن عيينة ، وجرير عن موسى بن أبي عائشة ، عن
يحيى بن الجزار ، مثله.
16108 - حدثنا أحمد بن إسحاق قال ، حدثنا أبو أحمد قال ، حدثنا سفيان ، عن موسى بن
أبي عائشة ، عن يحيى بن الجزار ، مثله.
16109 - حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثني حجاج ، عن ابن جريج : "
فأن لله خمسه " ، قال : أربعة أخماس لمن حضر البأس ، والخمس الباقي لله
والرسول ، خمسه يضعه حيث رأى ، وخمسه لذوي القربى ، وخمسه لليتامى ، وخمسة
للمساكين ، ولابن السبيل خمسه.
* * *
وأما قوله : " ولذي القربى " ، فإن أهل التأويل اختلفوا فيهم.
فقال بعضهم : هم قرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم من بني هاشم.
* ذكر من قال ذلك :
16110 - حدثنا ابن وكيع قال ، حدثني أبي ، عن شريك ، عن خصيف ، عن مجاهد قال : كان
آل محمد صلى الله عليه وسلم لا تحلّ لهم الصدقة ، فجعل لهم خمس الخمس.
16111 - حدثنا أحمد بن إسحاق قال ، حدثنا أبو أحمد قال ، حدثنا شريك ، عن خصيف ،
عن مجاهد قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم وأهلُ
__________
(1) الأثر : 16106 - " موسى بن أبي عائشة المخزومي " ، روى له الجماعة ،
مضى برقم : 11408 .
و " يحيى بن الجزار العرفي " ، ثقة ، مضى برقم : 5425 .
وكان في المخطوطة : " يحيى الجزار " ، والصواب ما في المطبوعة ، ولكنه
يأتي في الذي يليه في المخطوطة على الصواب .
ورواه أبو عبيد في الأموال ص : 13 ، رقم : 34 ، 35 ، وص : 324 ، رقم : 831 ، 832.
(13/553)
بيته لا يأكلون الصدقة ، فجعل
لهم خمس الخمس.
16112 - حدثنا أحمد قال ، حدثنا أبو أحمد قال ، حدثنا عبد السلام ، عن خصيف ، عن
مجاهد قال : قد علم الله أنّ في بني هاشم الفقراء ، فجعل لهم الخمس مكانَ الصدقة.
16113 - حدثني محمد بن عمارة قال ، حدثنا إسماعيل بن أبان قال ، حدثنا الصباح بن
يحيى المزني ، عن السدي ، عن أبي الديلم قال ، قال علي بن الحسين ، رحمة الله عليه
، لرجل من أهل الشأم : أما قرأت في " الأنفال " : " واعلموا أنما
غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول " الآية ؟ قال : نعم! قال : فإنكم لأنتم
هم ؟ قال : نعم! (1)
16114 - حدثنا الحارث قال ، حدثنا عبد العزيز قال ، حدثنا إسرائيل ، عن خصيف ، عن
مجاهد قال : هؤلاء قرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين لا تحل لهم الصدقة.
16115 - حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثنا أبو معاوية ، عن حجاج ، عن
عطاء ، عن ابن عباس : أن نَجْدة كتب إليه يسأله عن ذوي القربى ، فكتب إليه كتابًا
: " نزعم أنا نحن هم ، فأبى ذلك علينا قومنا " . (2)
__________
(1) الأثر : 16113 - " إسماعيل بن أبان الوراق الأزدي " ، ثقة ، صدوق في
الرواية ، قال البزار : " إنما كان عيبه شدة تشيعه ، لا أنه غير عليه في
السماع " ، وإما " إسماعيل بن أبان الغنوي " ، فهو كذاب ، ومضى
إسماعيل الوراق برقم : 14550 .
وأمَّا " صباح بن يحيى المزني " ، فهو شيعي أيضُا ، متروك ، بل متهم ،
هكذا قال الحافظ ابن حجر والذهبي . وذكره البخاري ، فقال : " فيه نظر "
، وقال أبو حاتم : " شيخ " . مترجم في لسان الميزان 3 : 160 ، والكبير 2
\ 2 \ 315 ، وابن أبي حاتم 2 \ 1 \ 442 ، وميزان الاعتدال 1 : 462 .
وأمَّا " أبو الديلم " ، فلم أعرف من يكون ، وهكذا أثبته من المخطوطة ،
وهو في لمطبوعة : " عن ابن الديلمي " ، يعني " عبد الله بن فيروز
الديلمي " ، التابعي الثقة ، ولا أظن أنه يروي عن علي بن الحسين بن علي بن
أبي طالب .
وهذا إسناد هالك كما ترى .
(2) الأثر : 16115 - " نجدة ابن عويمر الحروري " ، من رؤوس الخوارج .
وكتاب ابن عباس إلى نجدة ، رواه أبو عبيدة في كتاب الأموال من طرق ص : 332 - 335 ،
رقم : 850 - 852 ، وانظر ما سيأتي رقم : 16117 .
(13/554)
16116 - ...قال : حدثنا الحسين
قال ، حدثني حجاج ، عن ابن جريج : " فأن لله خمسه " ، قال : أربعة أخماس
لمن حضر البأس ، والخمس الباقي لله ، وللرسول ، خمسه يضعه حيث رأى ، وخمسٌ لذوي
القربى ، وخمس لليتامى ، وخمس للمساكين ، ولابن السبيل خمسه.
* * *
وقال آخرون : بل هم قريش كلها.
* ذكر من قال ذلك :
16117 - حدثني يونس بن عبد الأعلى قال ، أخبرني عبد الله بن نافع ، عن أبي معشر ،
عن سعيد المقبري قال : كتب نجدة إلى ابن عباس يسأله عن ذي القربى قال : فكتب إليه
ابن عباس : " قد كنا نقول : إنّا هم ، فأبى ذلك علينا قومنا ، وقالوا : قريش
كلها ذوو قربى " . (1)
* * *
وقال آخرون : سهم ذي القربى كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم صار من بعده
لوليّ الأمر من بعده.
* ذكر من قال ذلك :
16118 - حدثنا ابن بشار قال ، حدثنا عبد الأعلى قال ، حدثنا سعيد ، عن قتادة : أنه
سئل عن سهم ذي القربى فقال : كان طُعْمة لرسول الله صلى الله عليه وسلم ما كان
حيًّا ، (2) فلما توفي جُعل لوليّ الأمر من بعده.
* * *
وقال آخرون : بل سهم ذي القربى كان لبني هاشم وبني المطلب خاصةً.
__________
(1) الأثر : 11617 - انظر التعليق السالف ، من طريق أبي معشر ، رواه أبو عبيد رقم
: 850 ، مطولا ، بنحوه .
(2) " الطعمة " ( بضم الطاء ) : الرزق والمأكلة ، يعني به الفيء .
(13/555)
وممن قال ذلك الشافعي ، وكانت
علته في ذلك ما :
16119 - حدثنا أبو كريب قال ، حدثنا يونس بن بكير قال ، حدثنا محمد بن إسحاق قال ،
حدثني الزهري ، عن سعيد بن المسيب ، عن جبير بن مطعم قال : لما قَسَمَ رسول الله
صلى الله عليه وسلم سهم ذي القربى من خيبر على بني هاشم وبني المطلب ، مشيت أنا
وعثمان بن عفان رحمة الله عليه ، فقلنا : يا رسول الله ، هؤلاء إخوتك بنو هاشم ،
لا ننكر فضلهم ، لمكانك الذي جعلك الله به منهم ، أرأيت إخواننا بني المطلب ،
أعطيتهم وتركتنا ، وإنما نحن وهم منك بمنزلة واحدة ؟ فقال : إنهم لم يفارقونا في
جاهلية ولا إسلام ، إنما بنو هاشم وبنو المطلب شيء واحد! ثم شبَّك رسول الله صلى
الله عليه وسلم يديه إحداهما بالأخرى. (1)
* * *
قال أبو جعفر : وأولى الأقوال في ذلك بالصواب عندي ، قولُ من قال : " سهم ذي
القربى ، كان لقرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم من بني هاشم وحلفائهم من بني
المطلب " ، لأنّ حليف القوم منهم ، ولصحة الخبر الذي ذكرناه بذلك عن رسول الله
صلى الله عليه وسلم .
* * *
واختلف أهل العلم في حكم هذين السهمين أعني سهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ،
وسهم ذي القربى بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم .
فقال بعضهم : يُصرفان في معونة الإسلام وأهله.
* ذكر من قال ذلك :
16120 - حدثنا أبو كريب قال ، حدثنا أحمد بن يونس قال ، حدثنا أبو شهاب ، عن ورقاء
، عن نهشل ، عن الضحاك ، عن ابن عباس قال : جُعل
__________
(1) الأثر : 16119 - رواه الشافعي في الأم من طرق ، منها طريق محمد بن إسحاق ،
انظر الأم : 4 : 71 ، ورواه أبو داود في سننه 3 : 201 ، رقم : 2980 ، وأبو عبيد
القاسم ابن سلام في الأموال : 331 ، رقم : 842 .
(13/556)
سهم الله وسهم الرسول واحدًا ،
ولذي القربى ، فجعل هذان السهمان في الخيل والسلاح. وجعل سهم اليتامى والمساكين
وابن السبيل ، لا يُعْطَى غيرَهم. (1)
16121 - حدثنا ابن بشار قال ، حدثنا عبد الرحمن قال ، حدثنا سفيان ، عن قيس بن
مسلم قال : سألت الحسن عن قول الله : " واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله
خمسه وللرسول ولذي القربى " ، قال : هذا مفتاح كلامٍ ، لله الدنيا والآخرة.
ثم اختلف الناس في هذين السهمين بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم . فقال قائلون
: سهم النبي صلى الله عليه وسلم ، لقرابة النبي صلى الله عليه وسلم وقال قائلون :
سهم القرابة لقرابة الخليفة واجتمع رأيهم أن يجعلوا هذين السهمين في الخيل والعدّة
في سبيل الله ، فكانا على ذلك في خلافة أبي بكر وعمر رضي الله عنهما.
16122 - حدثنا أحمد بن إسحاق قال ، حدثنا أبو أحمد قال ، حدثنا سفيان ، عن قيس بن
مسلم قال : سألت الحسن بن محمد ، فذكر نحوه. (2)
16123 - حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا عمر بن عبيد ، عن الأعمش ، عن إبراهيم قال :
كان أبو بكر وعمر رضي الله عنهما يجعلان سهم النبي صلى الله عليه وسلم في الكُرَاع
والسلاح. (3) فقلت لإبراهيم : ما كان علي رضي الله عنه يقول فيه ؟ قال : كان عليٌّ
أشدَّهم فيه.
16124 - حدثني المثنى قال ، حدثنا عبد الله بن صالح قال ، حدثني معاوية ، عن علي ،
عن ابن عباس قوله : " واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول ولذي
القربى واليتامى والمساكين " الآية ، قال ابن عباس : فكانت
__________
(1) الأثر : 16120 - هذا مطول الأثر السالف ومختصره رقم : 16095 ، وقد شرحت إسناده
هناك .
(2) الأثران : 16121 ، 16122 - " الحسن بن محمد بن الحنفية " ، وقد سلف
شرح إسناد هذا الخبر ، كما سلف مختصرًا برقم : 16093 ، 16094 .
(3) " الكراع " ( بضم الكاف ) . اسم يجمع الخيل والسلاح .
(13/557)
الغنيمة تقسم على خمسة أخماس :
أربعة بين من قاتل عليها ، وخمس واحد يقسم على أربعة : لله وللرسول ولذي القربى
يعني : قرابة النبي صلى الله عليه وسلم فما كان لله وللرسول فهو لقرابة النبي صلى
الله عليه وسلم ، ولم يأخذ النبي صلى الله عليه وسلم من الخمس شيئًا. فلما قبض
الله رسوله صلى الله عليه وسلم ردّ أبو بكر رضي الله عنه نصيبَ القرابة في
المسلمين ، فجعل يحمل به في سبيل الله ، لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :
لا نورث ، ما تركنا صدقا. (1)
16125 - حدثنا ابن بشار قال ، حدثنا عبد الأعلى قال ، حدثنا سعيد ، عن قتادة : أنه
سئل عن سهم ذي القربى فقال : كان طعمة لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلما
تُوُفي ، حمل عليه أبو بكر وعمر في سبيل الله ، صدقةً على رسول الله صلى الله عليه
وسلم . (2)
* * *
وقال آخرون : سهم ذوي القربى من بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم مع سهم رسول
الله صلى الله عليه وسلم ، إلى ولي أمر المسلمين.
* ذكر من قال ذلك :
16126 - حدثنا أحمد بن إسحاق قال ، حدثنا أبو أحمد قال ، حدثنا عمرو بن ثابت ، عن
عمران بن ظبيان ، عن حُكَيم بن سعد ، عن علي رضي الله عنه قال : يعطى كل إنسان
نصيبه من الخمس ، ويلي الإمام سهم الله ورسوله. (3)
__________
(1) الأثر : 16124 - مضى قبل صدره برقم : 16104 ، ومضى تخريجه هناك ، وانظر أيضًا
من تمامه رقم : 16129 .
(2) الأثر : 16125 - انظر ما سلف رقم : 16118 ، وما سيأتي 16127 .
(3) الأثر : 16126 - " عمران بن ظبيان الحنفي " ، فيه نظر ، كان يميل
إلى التشيع ، وضعفه العقيلي ، وابن عدي ، مترجم في التهذيب ، وابن أبي حاتم 3 \ 1
\ 300 ، مضى برقم : 12100.
و " حكيم بن سعد الحنفي " ، " أبو تحيى " ، محله الصدق .
مترجم في التهذيب ، والكبير 2 \ 1 \ 87 ، وابن أبي حاتم 1 \ 2 \ 286 .
و " حكيم " ، بضم الحاء ، مصغرًا . و " تحيي " بكسر التاء .
(13/558)
16127 - حدثنا ابن بشار قال ،
حدثنا عبد الأعلى قال ، حدثنا سعيد ، عن قتادة : أنه سئل عن سهم ذوي القربى فقال :
كان طعمة لرسول الله صلى الله عليه وسلم ما كان حيًّا ، فلما توفي جعل لولي الأمر
من بعده. (1)
* * *
وقال آخرون : سهم رسول الله صلى الله عليه وسلم مردود في الخمس ، والخمس مقسوم على
ثلاثة أسهم : على اليتامى ، والمساكين ، وابن السبيل. وذلك قول جماعة من أهل
العراق.
وقال آخرون : الخمس كله لقرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم .
* ذكر من قال ذلك :
16128 - حدثني الحارث قال ، حدثنا عبد العزيز قال ، حدثنا عبد الغفار قال ، حدثنا
المنهال بن عمرو قال : سألت عبد الله بن محمد بن علي ، وعلي بن الحسين عن الخمس
فقالا هو لنا. فقلت لعلي : إن الله يقول : " واليتامى والمساكين وابن السبيل
" ، فقالا يتامانَا ومساكيننا.
* * *
قال أبو جعفر : والصواب من القول في ذلك عندنا ، أن سهم رسول الله صلى الله عليه
وسلم مردودٌ في الخمس ، والخمس مقسوم على أربعة أسهم ، على ما روي عن ابن عباس :
للقرابة سهم ، ولليتامى سهم ، وللمساكين سهم ، ولابن السبيل سهم ، لأن الله أوجبَ
الخمس لأقوام موصوفين بصفات ، كما أوجب الأربعة الأخماس الآخرين. وقد أجمعوا أنّ
حق الأربعة الأخماس لن يستحقه غيرهم ، فكذلك حق أهل الخمس لن يستحقه غيرهم. فغير
جائز أن يخرج عنهم إلى غيرهم ، كما غير جائز أن تخرج بعض السهمان التي جعلها الله
لمن سماه في كتابه بفقد بعض من يستحقه ، إلى غير أهل السهمان الأخَر.
* * *
__________
(1) الأثر : 16127 - مضى بلفظه ، برقم : 16118 ، وانظر ما سلف : 16125 .
(13/559)
وأما " اليتامى " ،
فهم أطفال المسلمين الذين قد هلك آباؤهم. (1)
و " المساكين " ، هم أهل الفاقة والحاجة من المسلمين. (2)
و " ابن السبيل " ، المجتاز سفرًا قد انقُطِع به ، (3) كما : -
16129 - حدثني المثنى قال ، حدثنا عبد الله بن صالح قال ، حدثني معاوية ، عن علي ،
عن ابن عباس قال : الخمس الرابع لابن السبيل ، وهو الضيف الفقير الذي ينزل
بالمسلمين. (4)
* * *
القول في تأويل قوله : { إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ وَمَا أَنزلْنَا عَلَى
عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ وَاللَّهُ عَلَى
كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (41) }
قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره : أيقنوا أيها المؤمنون ، أنما غنمتم من شيء
فمقسوم القسم الذي بينته ، وصدِّقوا به إن كنتم أقررتم بوحدانية الله وبما أنزل
الله على عبده محمد صلى الله عليه وسلم يوم فَرَق بين الحق والباطل ببدر ، (5)
فأبان فَلَج المؤمنين وظهورَهم على عدوهم ، وذلك " يوم التقى الجمعان "
، جمعُ المؤمنين وجمعُ المشركين ، والله على إهلاك أهل الكفر وإذلالهم بأيدي
المؤمنين ، وعلى غير ذلك مما يشاء " قدير " ، لا يمتنع عليه شيء أراده.
(6)
* * *
__________
(1) انظر تفسير " اليتامى " فيما سلف 7 : 541 ، تعليق : 2 ، والمراجع
هناك .
(2) انظر تفسير " المساكين " فيما سلف 10 : 544 ، تعليق : 2 ، والمراجع
هناك .
(3) انظر تفسير " ابن السبيل " فيما سلف 8 : 346 ، 347 ، تعليق : 1 ،
والمراجع هناك .
وقوله : " انقطع به " بالبناء للمجهول ، وهو إذا عجز عن سفره من نفقة
ذهبت ، أو عطبت راحلته ، أو فنى زاده .
(4) الأثر : 16129 - انظر ما سلف رقم : 16104 ، 16124 ، والتعليق عليهما .
(5) انظر تفسير " الفرقان " فيما سلف ص : 487 ، تعليق : 2 ، والمراجع
هناك .
(6) انظر تفسير " قدير " فيما سلف من فهارس اللغة ( قدر ) .
(13/560)
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال
أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك :
16130 - حدثني المثنى قال ، حدثنا أبو صالح قال ، حدثني معاوية ، عن علي ، عن ابن
عباس قوله : " يوم الفرقان " ، يعني : ب " الفرقان " ، يوم
بدر ، فرَق الله فيه بين الحق والباطل.
16131 - حدثنا محمد بن عمرو قال ، حدثنا أبو عاصم قال ، حدثنا عيسى ، عن ابن أبي
نجيح ، عن مجاهد ، مثله. (1)
16132 - حدثني المثنى قال ، حدثنا أبو صالح قال ، حدثني الليث قال ، حدثني عقيل ،
عن ابن شهاب ، عن عروة بن الزبير وإسحاق قال ، حدثنا عبد الرزاق ، عن معمر ، عن
الزهري ، عن عروة بن الزبير يزيد أحدهما على صاحبه في قوله : " يوم الفرقان
" ، يوم فرق الله بين الحق والباطل ، وهو يوم بدر ، وهو أوّل مشهد شهده رسول
الله صلى الله عليه وسلم . وكان رأسَ المشركين عُتبةُ بن ربيعة ، فالتقوا يوم
الجمعة لتسع عشرة ليلة مضت من شهر رمضان ، وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم
ثلاثمئة وبضعة عشر رجلا والمشركون ما بين الألف والتسعمئة. فهزم الله يومئذ
المشركين ، وقتل منهم زيادة على سبعين ، وأسر منهم مثل ذلك.
16132م - حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال ، حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن مقسم :
" يوم الفرقان " ، قال : يوم بدر ، فرق الله بين الحق والباطل.
16133 - حدثنا الحسن بن يحيى قال ، أخبرنا عبد الرزاق قال ، أخبرنا معمر ، عن
عثمان الجزري ، عن مقسم في قوله : " يوم الفرقان " ، قال : يوم
__________
(1) الأثر : 16131 - انظر هذا الخبر بنصه فيما سلف رقم : 125 .
(13/561)
بدر ، فرق الله بين الحق
والباطل. (1)
16134 - حدثني محمد بن سعد قال ، حدثني أبي قال ، حدثني عمي قال ، حدثني أبي ، عن
أبيه ، عن ابن عباس قوله : " يوم الفرقان يوم التقى الجمعان " يوم بدر ،
و " بدر " ، بين المدينة ومكة.
16135 - حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا يحيى بن واضح قال ، حدثني يحيى بن يعقوب أبو
طالب ، عن أبي عون محمد بن عبيد الله الثقفي ، عن أبي عبد الرحمن السلمي ، عبد
الله بن حبيب قال : قال الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنه : كانت ليلة "
الفرقان يوم التقى الجمعان " ، لسبع عشرة من شهر رمضان. (2)
16136 - حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن
مجاهد : " يوم التقى الجمعان " ، قال ابن جريج ، قال ابن كثير : يوم
بدر.
16137 - حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق : " وما أنزلنا على
عبدنا يوم الفرقان يوم التقى الجمعان " ، أي : يوم فرقت بين الحق والباطل
بقدرتي ، (3) يوم التقى الجمعان منكم ومنهم. (4)
__________
(1) ( 1 ) الأثر : 16133 " عثمان الجزري " ، مضى برقم : 15968 ، وأنه
غير " عثمان ابن عمرو بن ساج " . وأحاديثه مناكير .
(2) الأثر : 16135 - " يحيى بن يعقوب بن مدرك الأنصاري " ، أبو طالب
القاص ، مترجم في الكبير 4 \ 2 \ 312 ، وابن أبي حاتم 4 \ 2 \ 198 ، ولسان الميزان
6 : 282 ، وميزان الاعتدال 3 : 306 ، قال البخاري : " منكر الحديث " ،
وقال أبو حاتم : " محله الصدق ، لم يرو شيئا منكرًا ، وهو ثقة في الحديث ،
أدخله البخاري في كتاب الضعفاء " ، قال ابن أبي حاتم : " فسمعت أبي يقول
: يحول من هناك " .
و " أبو عون " ، " محمد بن عبيد الله الثقفي " ، مضى مرارًا
آخرها رقم : 15925 ، وكان في المطبوعة : " عن ابن عون ، عن محمد بن عبد الله
الثقفي " ، فأفسد الإسناد كل الإفساد ، وكان في المخطوطة : " عن ابن عون
، محمد بن عبيد الله الثقفي " ، وهو خطأ هين ، صوابه ما أثبت .
(3) في المطبوعة : " أي : يوم فرق بين الحق والباطل ببدر ، أي : يوم التقى
الجمعان " ، لعب بما في المخطوطة لعبًا ، فأساء وجانب الأمانة . ولم يكن في
المخطوطة من خطأ إلا أنه كتب " فرق " مكان " فرقت " . والذي
أثبته نص المخطوطة ، وسيرة ابن هشام .
(4) الأثر : 16137 - سيرة ابن هشام 2 : 328 ، وهو تابع الأثر السالف رقم : 16086 .
(13/562)
إِذْ أَنْتُمْ بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيَا وَهُمْ بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوَى وَالرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَلَوْ تَوَاعَدْتُمْ لَاخْتَلَفْتُمْ فِي الْمِيعَادِ وَلَكِنْ لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ وَإِنَّ اللَّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ (42)
16138 - حدثنا بشر قال ، حدثنا
يزيد قال ، حدثنا سعيد ، عن قتادة : " وما أنزلنا على عبدنا يوم الفرقان
" ، وذاكم يوم بدر ، يوم فرق الله بين الحق والباطل.
* * *
القول في تأويل قوله : { إِذْ أَنْتُمْ بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيَا وَهُمْ
بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوَى وَالرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنْكُمْ }
قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره : أيقنوا ، أيها المؤمنون ، واعلموا أن قسم
الغنيمة على ما بيَّنه لكم ربكم ، إن كنتم آمنتم بالله وما أنزل على عبده يوم بدر
، إذ فرق بين الحق والباطل من نصر رسوله " إذ أنتم " ، حينئذ ، "
بالعدوة الدنيا " ، يقول : بشفير الوادي الأدنى إلى المدينة (1) " وهم
بالعدوة القصوى " ، يقول : وعدوكم من المشركين نزولٌ بشَفير الوادي الأقصى
إلى مكة " والركب أسفل منكم " ، يقول : والعير فيه أبو سفيان وأصحابه في
موضع أسفل منكم إلى ساحل البحر.
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك :
16139 - حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال ، حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة :
" إذ أنتم بالعدوة الدنيا " ، قال : شفير الوادي الأدنى ، وهم بشفير
الوادي الأقصى " والركب أسفل منكم " ، قال : أبو سفيان وأصحابه ، أسفلَ
منهم.
__________
(1) " شفير الوادي " : ناحية من أعلاه ، وهو حده وحرفه .
(13/563)
16140 - حدثنا بشر قال ، حدثنا
يزيد قال ، حدثنا سعيد ، عن قتادة قوله : " إذ أنتم بالعدوة الدنيا وهم
بالعدوة القصوى " ، وهما شفير الوادي. كان نبيُّ الله بأعلى الوادي ،
والمشركون أسفلَه " والركب أسفل منكم " ، يعني : أبا سفيان ، [انحدر
بالعير على حوزته] ، (1) حتى قدم بها مكة.
16141 - حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق : " إذ أنتم بالعدوة
الدنيا وهم بالعدوة القصوى " ، من الوادي إلى مكة " والركب أسفل منكم
" ، أي : عير أبي سفيان التي خرجتم لتأخذوها وخرجوا ليمنعوها ، عن غير ميعاد
منكم ولا منهم. (2)
16142 - حدثني محمد بن عمرو قال ، حدثنا أبو عاصم قال ، حدثنا عيسى ، عن ابن أبي
نجيح ، عن مجاهد قوله : " والركب أسفل منكم " ، قال : أبو سفيان وأصحابه
، مقبلون من الشأم تجارًا ، لم يشعروا بأصحاب بدر ، ولم يشعر محمد صلى الله عليه
وسلم بكفار قريش ، ولا كفار قريش بمحمد وأصحابه ، حتى التقى على ماء بدر من يسقي
لهم كلهم. (3) فاقتتلوا ، (4) فغلبهم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم فأسروهم.
16143 - حدثني المثنى قال ، حدثنا أبو حذيفة قال ، حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ،
عن مجاهد ، بنحوه.
16144 - حدثني المثنى قال ، حدثنا إسحاق قال ، حدثنا عبد الله ، عن ورقاء ، عن ابن
أبي نجيح ، عن مجاهد مثله.
__________
(1) هكذا كتب هذه الجملة بين القوسين ناشر المطبوعة ، ولا أدري ما هو . والذي في
المخطوطة : " انخدم بالعير على حورمة " هكذا ، ولم أستطع أن أجد
لقراءتها وجهًا اطمئن غليه ، ولم أجد الخبر في مكان آخر .
(2) الأثر : 16141 - سيرة ابن هشام 2 : 328 ، وهو تابع الأثر السالف رقم : 16137.
(3) ( 3 ) في المطبوعة : " حتى التقيا " ، وأثبت ما في المخطوطة .
(4) " فاقتتلوا " ، مكررة في المخطوطة مرتين ، وأنا في ريب من هذه
الجملة كلها .
(13/564)
16145 - حدثني محمد بن الحسين
قال ، حدثنا أحمد بن المفضل قال ، حدثنا أسباط ، عن السدي قال : ذكر منازل القوم
والعير فقال : " إذ أنتم بالعدوة الدنيا وهم بالعدوة القصوى " ، والركب
: هو أبو سفيان (1) " أسفل منكم " ، على شاطئ البحر.
* * *
واختلفت القرأة في قراءة قوله : " إذ أنتم بالعدوة " .
فقرأ ذلك عامة قرأة المدنيين والكوفيين : ( بِالعُدْوَةِ ) ، بضم العين.
* * *
وقرأه بعض المكيين والبصريين : ( بِالعِدْوَةِ) ، بكسر العين.
* * *
قال أبو جعفر : وهما لغتان مشهورتان بمعنى واحد ، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيبٌ ،
يُنْشَد بيت الراعي :
وَعَيْنَانِ حُمْرٌ مَآقِيهِمَا كَمَا نَظَرَ العِدْوَةَ الجُؤْذَرُ (2)
بكسر العين من " العدوة " ، وكذلك ينشد بيت أوس بن حجر :
وَفَارِس لَوْ تَحُلُّ الخَيْلُ عِدْوَتَهُ وَلَّوْا سِرَاعًا ، وَمَا هَمُّوا
بِإقْبَالِ (3)
* * *
القول في تأويل قوله : { وَلَوْ تَوَاعَدْتُمْ لاخْتَلَفْتُمْ فِي الْمِيعَادِ
وَلَكِنْ لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولا }
قال أبو جعفر : يعنى تعالى ذكره : ولو كان اجتماعكم في الموضع الذي اجتمعتم فيه ،
أنتم أيها المؤمنون وعدوكم من المشركين ، عن ميعاد منكم ومنهم ، " لاختلفتم
في الميعاد " ، لكثرة عدد عدوكم ، وقلة عددكم ، ولكن الله جمعكم
__________
(1) في المطبوعة : " أبو سفيان وعيره " ، زاد ما ليس في المخطوطة .
(2) لم أجد البيت في مكان آخر ، وللراعي أبيات كثيرة مفرقة على هذا الوزن ، كأنه
منها .
(3) من قصيدته في رثاء فضالة بن كلدة الأسدي ، والبيت في منتهى الطلب ، وليس في
ديوانه ، يقول قبله : أمْ مَلِعَادِيَةٍ تردِي مُلَمْلَمَةٍ ... كأنَّهَا عَارِضٌ
في هَضْبِ أوْعالِ
لَهَا لَمَّا رأوك عَلَى نَهْدٍ مَرَاكِلُهُ ... يَسْعَى بِبزِّ كَمِيٍّ غَيْرِ
مِعْزَالِ
وَفَارِسٍ لا يَحُلُّ القَوْمُ عُدْوَتَهُ ... . . . . . . . . . . . . . . . . .
. .
وهذه أجود من روايته " لو تحل " ، فالنفي هنا حق الكلام .
(13/565)
على غير ميعاد بينكم وبينهم
(1) " ليقضي الله أمرًا كان مفعولا " ، وذلك القضاء من الله ، (2) كان
نصره أولياءه من المؤمنين بالله ورسوله ، وهلاك أعدائه وأعدائهم ببدر بالقتل
والأسر ، كما : -
16146 - حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق : " ولو تواعدتم
لاختلفتم في الميعاد " ، ولو كان ذلك عن ميعاد منكم ومنهم ، ثم بلغكم كثرة
عددهم وقلة عددكم ، ما لقيتموهم " ولكن ليقضي الله أمرًا كان مفعولا " ،
أي : ليقضي الله ما أراد بقدرته ، من إعزاز الإسلام وأهله ، وإذلال الشرك وأهله ،
عن غير مَلأ منكم ، (3) ففعل ما أراد من ذلك بلطفه. (4)
16147 - حدثني يونس قال ، أخبرنا ابن وهب قال ، قال ابن زيد : ، أخبرني يونس بن
شهاب قال ، أخبرني عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك : أن عبد الله بن كعب
قال : سمعت كعب بن مالك يقول في غزوة بدر : إنما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم
والمسلمون يريدون عِيَر قريش ،
__________
(1) انظر تفسير " الميعاد " فيما سلف 6 : 222
(2) انظر تفسير " القضاء " فيما سلف 11 : 267 ، تعليق : 1 ، والمراجع
هناك .
(3) في المطبوعة : " عن غير بلاء " ، وفي سيرة ابن هشام ، في أصل
المطبوعة مثله ، وهو كلام فاسد جدًا . وفي مخطوطة الطبري ، ومخطوطات ابن هشام
ومطبوعة أوربا ، : " عن غير ملأ " ، كما أثبتها .
يقال : " ما كان هذا الأمر عن ملأ منا " ، أي : عن تشاور واجتماع . وفي
حديث عمر حين طعن : " أكان هذا عن ملأ منكم ؟ " ، أي : عن مشاورة من
أشرافكم وجماعتكم .
ثم غير ناشر المطبوعة الكلمة التي بعدها ، كتب " فعل " ، مكان "
ففعل " . وكل هذا عبث وذهاب ورع .
(4) الأثر : 16146 - سيرة ابن هشام 2 : 328 ، وهو تابع الأثر السالف رقم : 16141.
(13/566)
حتى جمع الله بينهم وبين عدوهم
على غير ميعاد. (1)
16148 - حدثني يعقوب قال ، حدثنا ابن علية ، عن ابن عون ، عن عمير بن إسحاق قال :
أقبل أبو سفيان في الركب من الشام ، وخرج أبو جهل ليمنعه من رسول الله صلى الله
عليه وسلم وأصحابه ، فالتقوا ببدر ، ولا يشعر هؤلاء بهؤلاء ، ولا هؤلاء بهؤلاء ،
حتى التقت السُّقَاة. قال : ونَهَدَ الناسُ بعضهم لبعض. (2)
* * *
__________
(1) الأثر : 16147 - " " عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك
الأنصاري " ، ثقة ، روى عن أبيه . وروى عنه الزهري . كان أعلم قومه وأوعاهم .
مترجم في التهذيب ، وابن أبي حاتم 2 \ 2 \ 249 .
و " عبد الله بن كعب بن مالك الأنصاري " ، ثقة ، كان قائد أبيه حين عمى
، روى عن أبيه . روى . روى عنه ابنه عبد الرحمن ، وروى عنه الزهري . مترجم في
التهذيب ، وابن أبي حاتم 2 \ 2 \ 142 .
وكان في المخطوطة : " إنما يخرج رسول الله " ، وهو جيد عربي . ولكنه في
المراجع " إنما خرج " ، فأثبته كما في المطبوعة .
وهذا الخبر جزء من خبر كعب بن مالك ، الطويل في امر غزوة تبوك ، وما كان من تخلفه
حتى تاب الله عليه .
ورواه أحمد في مسنده 3 : 456 ، 457 ، 459 \ 6 : 387 .
ورواه البخاري في صحيحه ( الفتح 8 : 86 ) .
ورواه مسلم في صحيحه من هذه الطريق 17 : 87 .
(2) الأثر : 16148 - " ابن عون " ، هو " عبد الله بن عون المزني
" ، مضى مرارًا .
و " عمير بن إسحاق القرشي " ، لم يرو عنه غير ابن عون ، متكلم فيه . مضى
برقم : 7776 .
وكان في المطبوعة : " عمر بن إسحاق " ، لم يحسن قراءة المخطوطة .
وقوله : " نهد الناس بعضهم لبعض " ، نهضوا إلى القتال . يقال : "
نهد القوم إلى عدوهم ، ولعدوهم " ، أي : صمدوا له وشرعوا في قتاله . و "
نهدوا يسألونه " ، أي : شرعوا ونهضوا .
وكأن ناشر المطبوعة لم يفهمها أو لم يحسن قراءتها ، فكتب مكان " نهد " :
" نظر الناس ... " ، وهذا من طول عبثه بهذا النص الجليل ، حتى ألف العبث
واستمر عليه واستمرأه .
(13/567)
القول في تأويل قوله : {
لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَا مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ
وَإِنَّ اللَّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ (42) }
قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره : ولكن الله جمعهم هنالك ، ليقضي أمرًا كان مفعولا
" ليهلك من هلك عن بينة " .
* * *
وهذه اللام في قوله : " ليهلك " مكررة على " اللام " في قوله
: " ليقضي " ، كأنه قال : ولكن ليهلك من هلك عن بينة ، جَمَعكم.
* * *
ويعني بقوله : " ليهلك من هلك عن بينة " ، ليموت من مات من خلقه ، (1)
عن حجة لله قد أثبتت له وقطعت عذره ، وعبرة قد عاينها ورآها (2) " ويحيا من
حي عن بينة " ، يقول : وليعيش من عاش منهم عن حجة لله قد أُثبتت له وظهرت
لعينه فعلمها ، جمعنا بينكم وبين عدوكم هنالك.
* * *
وقال ابن إسحاق في ذلك بما : -
16149 - حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق : " ليهلك من هلك عن
بينة " ، [ أي ليكفر من كفر بعد الحجة] ، (3) لما رأى من الآية والعبرة ، (4)
ويؤمن من آمن على مثل ذلك. (5)
* * *
__________
(1) انظر تفسير " هلك " فيما سلف ص : 149 ، تعليق : 1 ، والمراجع هناك .
(2) انظر تفسير " بينة " فيما سلف من فهارس اللغة ( بين ) .
(3) هذه الزيادة بين القوسين لا بد منها ، أضفتها من سيرة ابن هشام .
(4) في المطبوعة : " من الآيات والعبر " ، وفي المخطوطة : " من
الآيات والعبرة " ، وأثبت الصواب من سيرة ابن هشام .
(5) الأثر : 16149 - سيرة ابن هشام 2 : 328 ، وهو تابع الأثر السالف رقم : 16146 .
(13/568)
إِذْ يُرِيكَهُمُ اللَّهُ فِي مَنَامِكَ قَلِيلًا وَلَوْ أَرَاكَهُمْ كَثِيرًا لَفَشِلْتُمْ وَلَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَلَكِنَّ اللَّهَ سَلَّمَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (43)
وأما قوله : " وإن الله
لسميع عليم " ، فإن معناه : " وإن الله " ، أيها المؤمنون ، "
لسميع " ، لقولكم وقول غيركم ، حين يُري الله نبيه في منامه ويريكم ، عدوكم
في أعينكم قليلا وهم كثير ، ويراكم عدوكم في أعينهم قليلا " عليم " ،
بما تضمره نفوسكم ، وتنطوي عليه قلوبكم ، حينئذ وفي كل حال. (1)
يقول جل ثناؤه لهم ولعباده : فاتقوا ربكم ، (2) أيها الناس ، في منطقكم : أن
تنطقوا بغير حق ، وفي قلوبكم : أن تعتقدوا فيها غيرَ الرُّشد ، فإن الله لا يخفى
عليه خافية من ظاهر أو باطن.
* * *
القول في تأويل قوله : { إِذْ يُرِيكَهُمُ اللَّهُ فِي مَنَامِكَ قَلِيلا وَلَوْ
أَرَاكَهُمْ كَثِيرًا لَفَشِلْتُمْ وَلَتَنَازَعْتُمْ فِي الأمْرِ وَلَكِنَّ
اللَّهَ سَلَّمَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (43) }
قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره : وإن الله ، يا محمد ، سميع لما يقول أصحابك ،
عليم بما يضمرونه ، إذ يريك الله عدوك وعدوهم " في منامك قليلا " ، يقول
: يريكهم في نومك قليلا فتخبرهم بذلك ، حتى قويت قلوبهم ، واجترأوا على حرب عدوهم
ولو أراك ربك عدوك وعدوهم كثيرًا ، لفشل أصحابك ، فجبنوا وخاموا ، (3) ولم يقدروا
على حرب القوم ، (4) ولتنازعوا في ذلك ، (5) ولكن الله
__________
(1) انظر تفسير " سميع " و " عليم " فيما سلف من فهارس اللغة
( سمع ) ، ( علم ) .
(2) في المطبوعة والمخطوطة : " واتقوا " بالواو ، و " والفاء
" ، هنا حق الكلام .
(3) في المطبوعة : " فجبنوا وخافوا " ، غير ما في المخطوطة . يقال :
" خام في القتال " ، إذا جبن ، فنكل ونكص وتراجع .
(4) انظر تفسير " فشل " فيما سلف 7 : 168 ، 289 .
(5) انظر تفسير " التنازع " فيما سلف 7 : 289 \ 8 : 504 .
(13/569)
سلمهم من ذلك بما أراك في
منامك من الرؤيا ، إنه عليم بما تُجنُّه الصدور ، (1) لا يخفى عليه شيء مما تضمره
القلوب. (2)
* * *
وقد زعم بعضهم أن معنى قوله : " إذ يريكهم الله في منامك قليلا " ، أي :
في عينك التي تنام بها فصيّر " المنام " ، هو العين ، كأنه أراد : إذ
يريكهم الله في عينك قليلا. (3)
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك :
16150 - حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال ، حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن ابن أبي
نجيح ، عن مجاهد : " إذ يريكهم الله في منامك قليلا " ، قال : أراه الله
إياهم في منامه قليلا فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه بذلك ، فكان تثبيتًا
لهم.
16151 - حدثني المثنى قال ، حدثنا أبو حذيفة قال ، حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ،
عن مجاهد ، بنحوه.
16152 - ....وقال ، حدثنا إسحاق قال ، حدثنا عبد الله ، عن ورقاء ، عن ابن أبي
نجيح ، عن مجاهد ، مثله.
16153 - حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق : " إذ يريكهم الله
في منامك قليلا " ، الآية ، فكان أول ما أراه من ذلك نعمةً من نعمه عليهم ،
شجعهم بها على عدوهم ، وكفَّ بها ما تُخُوِّف عليهم من
__________
(1) في المطبوعة : " بما تخفيه الصدور " ، غير ما في المخطوطة بلا طائل
، وهما بمعنى .
(2) انظر تفسير " ذات الصدور " فيما سلف 7 : 155 ، 325 \ 10 : 94 .
(3) هو أبو عبيدة في مجاز القرآن 1 : 247 .
(13/570)
ضعفهم ، (1) لعلمه بما فيهم.
(2)
* * *
واختلف أهل التأويل في تأويل قوله : " ولكن الله سلم " .
فقال بعضهم : معناه : ولكن الله سلم للمؤمنين أمرهم ، حتى أظهرهم على عدوهم.
* ذكر من قال ذلك :
16154 - حدثني محمد بن سعد قال ، حدثني أبي قال ، حدثني عمي قال ، حدثني أبي ، عن
أبيه ، عن ابن عباس قوله : " ولكن الله سلم " ، يقول : سلم الله لهم
أمرهم حتى أظهرهم على عدوهم.
* * *
وقال آخرون : بل معنى ذلك : ولكن الله سلم أمره فيهم.
* ذكر من قال ذلك :
16155 - حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال ، حدثنا محمد بن ثور قال ، حدثنا معمر ، عن
قتادة : " ولكن الله سلم " ، قال : سلم أمره فيهم.
* * *
قال أبو جعفر : وأولى القولين في ذلك بالصواب عندي ما قاله ابن عباس ، وهو أن الله
سلم القومَ بما أرى نبيه صلى الله عليه وسلم في منامه من الفشل
__________
(1) في المطبوعة : و " كفاهم بها ما تخوف ... " ، وفي المخطوطة : "
وكعها عنهم ما تخوف " ، وصل الكلام ، وأثبت نص ابن هشام . وضبطه الخشني
بالبناء للمجهول .
وفي السيرة ، بعد تمام الكلام ، : " قال ابن هشام : ( تخوف ) ، مبدلة من كلمة
ذكرها ابن إسحاق ، ولم أذكرها " . فجاء أبو ذر الخشني في تعليقه على السيرة
فقال : " يقال الكلمة : ( تخوف ) ، بفتح التاء والخاء والواو ، وقيل : كانت (
تخوفت ) وأصلح ذلك ابن هشام ، لشناعة اللفظ في حق الله عز وجل " .
وهذا لا يقال ، لأن ابن هشام يصرح بأنه نسيها ولم يذكرها ، فأبدل منها غيرها ، فهو
لم يغير ذلك إلا علة النسيان .
(2) الأثر : 16153 - سيرة ابن هشام 2 : 328 ، وهو تابع الأثر السالف رقم : 16149.
(13/571)
وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ الْتَقَيْتُمْ فِي أَعْيُنِكُمْ قَلِيلًا وَيُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ (44)
والتنازع ، حتى قويت قلوبهم ،
واجترأوا على حرب عدوهم. وذلك أن قوله : " ولكن الله سلم " عَقِيب قوله
: " ولو أراكهم كثيرًا لفشلتم ولتنازعتم في الأمر " ، فالذي هو أولى
بالخبر عنه ، أنه سلمهم منه جل ثناؤه ، ما كان مخوفًا منه لو لم يُرِ نبيه صلى
الله عليه وسلم من قلة القوم في منامه.
* * *
القول في تأويل قوله : { وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ الْتَقَيْتُمْ فِي أَعْيُنِكُمْ
قَلِيلا وَيُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ
مَفْعُولا وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الأمُورُ (44) }
قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره : " وإن الله لسميع عليم " إذ يري الله
نبيه في منامه المشركين قليلا وإذ يريهم الله المؤمنين إذ لقوهم في أعينهم قليلا
وهم كثير عددهم ، ويقلل المؤمنين في أعينهم ، ليتركوا الاستعداد لهم ، فتهون على
المؤمنين شوكتهم ، كما : -
16156 - حدثني ابن بزيع البغدادي قال ، حدثنا إسحاق بن منصور ، عن إسرائيل ، عن
أبي إسحاق ، عن أبي عبيدة ، عن عبد الله قال : لقد قلِّلوا في أعيننا يوم بدر ،
حتى قلت لرجل إلى جنبي : تراهم سبعين ؟ قال : أراهم مئة قال : فأسرنا رجلا منهم
فقلنا : كم هم ؟ قال : ألفًا. (1)
16157 - حدثنا أحمد بن إسحاق قال ، حدثنا أبو أحمد قال ، حدثنا إسرائيل ، عن أبى
إسحاق ، عن أبي عبيدة ، عن عبد الله بنحوه.
__________
(1) الأثر : 16156 - " ابن بزيع البغدادي " ، هو " محمد بن عبد
الله بن بزيع البغدادي " ، من شيوخ مسلم ، مضى برقم : 2451 ، 3130 ، 10239 .
وكان في المطبوعة : " كنا ألفًا " ، زاد " كنا " ، وأثبت ما
في المخطوطة ، وهو صواب محض .
(13/572)
16158 - حدثنا القاسم قال ،
حدثنا الحسين قال ، حدثني حجاج ، عن ابن جريج قوله : " وإذ يريكموهم إذ
التقيتم في أعينكم قليلا " ، قال ابن مسعود : قللوا في أعيننا ، حتى قلت لرجل
: أتُرَاهم يكونون مئة ؟
16159 - حدثني محمد بن الحسين قال ، حدثنا أحمد بن المفضل قال ، حدثنا أسباط ، عن
السدي قال : قال ناس من المشركين : إن العيرَ قد انصرفت فارجعوا. فقال أبو جهل :
الآن إذ برز لكم محمد وأصحابه! فلا ترجعوا حتى تستأصلوهم. وقال : يا قوم لا
تقتلوهم بالسلاح ، ولكن خذوهم أخذًا ، فاربطوهم بالحبال! يقوله من القدرة في نفسه.
* * *
وقوله : " ليقضي الله أمرًا كان مفعولا " ، يقول جل ثناؤه : قلّلتكم
أيها المؤمنون ، في أعين المشركين ، وأريتكموهم في أعينكم قليلا حتى يقضي الله
بينكم ما قضى من قتال بعضكم بعضًا ، وإظهاركم ، أيها المؤمنون ، على أعدائكم من
المشركين والظفر بهم ، لتكون كلمة الله هي العليا ، وكلمة الذين كفروا السفلى.
وذلك أمرٌ كان الله فاعلَه وبالغًا فيه أمرَه ، كما : -
16160 - حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق : " ليقضي الله أمرا
كان مفعولا " ، أي : ليؤلف بينهم على الحرب ، للنقمة ممن أراد الانتقام منه ،
والإنعام على من أراد إتمام النعمة عليه من أهل ولايته. (1)
* * *
" وإلى الله ترجع الأمور " ، يقول جل ثناؤه : مصير الأمور كلها إليه في
الآخرة ، فيجازي أهلها على قدر استحقاقهم المحسنَ بإحسانه ، والمسيءَ بإساءته.
* * *
__________
(1) الأثر : 16160 - سيرة ابن هشام 2 : 328 ، وهو تابع الأثر السالف رقم : 16153 .
(13/573)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (45)
القول في تأويل قوله : { يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا
اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (45) }
قال أبو جعفر : وهذا تعريفٌ من الله جل ثناؤه أهل الإيمان به ، السيرةَ في حرب
أعدائه من أهل الكفر به ، والأفعالَ التي يُرْجَى لهم باستعمالها عند لقائهم
النصرة عليهم والظفر بهم. ثم يقول لهم جل ثناؤه : " يا أيها الذين آمنوا
" ، صدقوا الله ورسوله إذا لقيتم جماعة من أهل الكفر بالله للحرب والقتال ،
(1) فاثبتوا لقتالهم ، ولا تنهزموا عنهم ولا تولوهم الأدبار هاربين ، إلا متحرفًا
لقتال أو متحيزًا إلى فئة منكم " واذكروا الله كثيرًا " ، يقول : وادعوا
الله بالنصر عليهم والظفر بهم ، وأشعروا قلوبكم وألسنتكم ذكره " لعلكم تفلحون
" ، يقول : كيما تنجحوا فتظفروا بعدوكم ، ويرزقكم الله النصرَ والظفر عليهم ،
(2) كما : -
16161 - حدثنا بشر بن معاذ قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد ، عن قتادة قوله :
" يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئة فاثبتوا واذكروا الله كثيرا لعلكم
تفلحون " ، افترضَ الله ذكره عند أشغل ما تكونون ، عند الضِّراب بالسيوف.
16162 - حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا سلمة عن ابن إسحاق : " يا أيها الذين
آمنوا إذا لقيتم فئة " ، يقاتلونكم في سبيل الله " فاثبتوا واذكروا الله
كثيرًا " ، اذكروا الله الذي بذلتم له أنفسكم والوفاء بما أعطيتموه من بيعتكم
" لعلكم تفلحون " . (3)
* * *
__________
(1) انظر تفسير " فئة " فيما سلف ص : 455 ، تعليق : 2 ، والمراجع هناك .
(2) انظر تفسير " الفلاح " فيما سلف ص : 169 ، تعليق 2 ، والمراجع هناك .
(3) الأثر : 16162 - سيرة ابن هشام 2 : 329 ، وهو تابع الأثر السالف رقم : 1616 .
(13/574)
وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ (46)
القول في تأويل قوله : { وَأَطِيعُوا
اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ
وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ (46) }
قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره للمؤمنين به : أطيعوا ، أيها المؤمنون ، ربَّكم
ورسوله فيما أمركم به ونهاكم عنه ، ولا تخالفوهما في شيء " ولا تنازعوا
فتفشلوا " ، يقول : ولا تختلفوا فتفرقوا وتختلف قلوبكم (1) " فتفشلوا
" ، يقول : فتضعفوا وتجبنوا ، (2) " وتذهب ريحكم " .
* * *
وهذا مثلٌ. يقال للرجل إذا كان مقبلا ما يحبه ويُسَرّ به (3) " الريح مقبلةٌ
عليه " ، يعني بذلك : ما يحبه ، ومن ذلك قول عبيد بن الأبرص :
كَمَا حَمَيْنَاكَ يَوْمَ النَّعْفِ مِنْ شَطَبٍ وَالفَضْلُ لِلقَوْمِ مِنْ رِيحٍ
وَمِنْ عَدَدِ (4)
__________
(1) انظر تفسير " التنازع " فيما سلف ص : 569 ، تعليق : 5 ، والمراجع
هناك .
(2) انظر تفسير " الفشل " ص : 569 ، تعليق : 4 ، والمراجع هناك .
(3) في المطبوعة : " مقبلا عليه ما يحبه " ، زاد " عليه " ،
وليست في المخطوطة .
(4) ديوانه : 49 ، من أبيات قبله ، يقول : دَعَا مَعَاشِرَ فَاسْتَكَّتْ
مَسَامِعُهُمْ ... يَا لَهْفَ نَفْسِي لَوْ تَدْعُو بَني أَسَدٍ
لا يَدَّعُونَ إذَا خَامَ الكُمَاةُ ولا ... إذَا السُّيُوفُ بِأَيْدِي القَوْمِ
كالْوَقْدِ
لَوْ هُمْ حُمَاتُكَ بالمحْمَى حَمَوْكَ وَلَمْ ... تُتْرَكْ لِيَوْمٍ أقَامَ
النَّاسَ في كَبَدِ
كَمَا حَمَيْنَاكَ . . . . . . . . . . ... . . . . . . . . . . . . . . .. . . .
.
والبيت الثاني من هذه الأبيات جاء في مخطوطة الديوان : " لا يدَّعوا إذا حام
الكماة ولا إذا .. " ، فصححه الناشر المستشرق " تدعوا إذن حامي الكماة
لا كسلا " ، فجاء بالغثاثة كلها في شطر واحد . فيصحح كما أثبته . ويعني بقوله
: " لا يدعون إذا خام الكماة " ، أي : لا يتنادون بترك الفرار ، و
" خام " نكص ، كما قال الآخر : تَنَادَوْا : يَا آلَ عَمْروٍ لا
تَفِرُّوا! ... فَقُلْنَا : لا فِرَارَ ولا صُدُودَا
و " النعف " ، ما انحدر من حزونة الجبل . و " شطب " جبل في
ديار بني أسد .
(13/575)
يعني : من البأس والكثرة. (1)
* * *
وإنما يراد به في هذا الموضع : وتذهب قوتكم وبأسكم ، فتضعفوا ويدخلكم الوهن
والخلل.
* * *
" واصبروا " ، يقول : اصبروا مع نبيّ الله صلى الله عليه وسلم عند لقاء
عدوكم ، ولا تنهزموا عنه وتتركوه " إن الله مع الصابرين " ، يقول :
اصبروا فإني معكم. (2)
وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك :
16163 - حدثني محمد بن عمرو قال ، حدثنا أبو عاصم قال ، حدثنا عيسى ، عن ابن أبي
نجيح ، عن مجاهد قوله : " وتذهب ريحكم " ، قال : نصركم. قال : وذهبت
ريحُ أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ، (3) حين نازعوه يوم أحد.
16164 - حدثنا ابن نمير ، عن ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : " وتذهب
ريحكم " ، فذكر نحوه.
16165 - حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن
مجاهد ، نحوه إلا أنه قال : ريح أصحاب محمد حين تركوه يوم أحد.
16166 - حدثني محمد بن الحسين قال ، حدثنا أحمد بن المفضل قال ، حدثنا أسباط ، عن
السدي : " ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم " ، قال :
__________
(1) في المخطوطة : " من الناس " ، والصواب ما في المطبوعة .
(2) انظر تفسير " مع " فيما سلف ص : 455 ، تعليق : 4 ، المراجع هناك .
(3) في المطبوعة : " أصحاب رسول الله " ، وأثبت ما في المخطوطة .
(13/576)
حَدُّكم وجِدُّكم. (1)
16167 - حدثنا بشر قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد ، عن قتادة : " وتذهب
ريحكم " ، قال : ريح الحرب.
16168 - حدثني يونس قال ، أخبرنا ابن وهب قال ، قال ابن زيد في قوله : "
وتذهب ريحكم " ، قال : " الريح " ، النصر ، لم يكن نصر قط إلا بريح
يبعثها الله تضرب وجوه العدو ، فإذا كان ذلك لم يكن لهم قِوَام.
16169 - حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق : " ولا تنازعوا
فتفشلوا " ، أي : لا تختلفوا فيتفرق أمركم " وتذهب ريحكم " ، فيذهب
حَدُّكم (2) " واصبروا إن الله مع الصابرين " ، أي : إني معكم إذا فعلتم
ذلك. (3)
16170 - حدثني يونس قال ، أخبرنا ابن وهب قال ، قال ابن زيد ، في قوله : "
ولا تنازعوا فتفشلوا " ، قال : الفشل ، الضعف عن جهاد عدوه والانكسار لهم ،
فذلك " الفشل " .
__________
(1) في المطبوعة : " حربكم وجدكم " ، وهي في المخطوطة توشك أن تقرأ كما
قرأها ، ولكن الكتابة تدل على أنه أراد " حدكم " ، و " الحد "
بأس الرجل ونفاذه في نجدته . يقال : " فلان ذو حد " ، أي بأس ونجدة .
ولو قرئت : " وحدتكم " ، كان صوابًا ، " الحد " ، و "
الحدة " ( بكسر الحاء ) ، واحد . وانظر التعليق التالي .
(2) في المطبوعة : " جدكم " ، بالجيم ، والصواب ما في سيرة ابن هشام ،
وفيها " حدتكم " ، وفي مخطوطاتها " حدكم " ، وهما بمعنى ، كما
أسلفت في التعليق قبله .
(3) الأثر : 16169 - سيرة ابن هشام 2 : 329 ، وهو تابع الأثر السالف رقم : 16162.
(13/577)
وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بَطَرًا وَرِئَاءَ النَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَاللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ (47)
* * *
القول في تأويل قوله : { وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ
بَطَرًا وَرِئَاءَ النَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَاللَّهُ بِمَا
يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ (47) }
قال أبو جعفر : وهذا تقدُّمٌ من الله جل ثناؤه إلى المؤمنين به وبرسوله ، أن لا
يعملوا عملا إلا لله خاصة ، وطلب ما عنده ، لا رئاء الناس ، كما فعل القوم من
المشركين في مسيرهم إلى بدر طلبَ رئاء الناس. وذلك أنهم أخبروا بفَوْت العِير
رسولَ الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه ، (1) وقيل لهم : " انصرفوا فقد سلمت
العير التي جئتم لنصرتها! " ، فأبوا وقالوا : " نأتي بدرًا فنشرب بها
الخمر ، وتعزف علينا القِيان ، وتتحدث بنا العرب فيها " ، (2) فَسُقوا مكان
الخمر كؤوس المنايا ، كما -
16171 - حدثنا عبد الوارث بن عبد الصمد قال ، حدثني أبي قال ، حدثنا أبان قال ،
حدثنا هشام بن عروة ، عن عروة قال : كانت قريش قبل أن يلقاهم النبي صلى الله عليه
وسلم يوم بدر ، قد جاءهم راكب من أبي سفيان والركب الذين معه : إنا قد أجزنا القوم
، وأن ارجعوا. (3) فجاء الركب الذين بعثهم أبو سفيان الذين يأمرون قريشًا بالرجعة
بالجُحفة ، فقالوا : " والله لا نرجع حتى ننزل بدرًا ، فنقيم فيه ثلاث ليالٍ
، ويرانا من غَشِينا من أهل الحجاز ، فإنه لن يرانا أحد من العرب وما جمعنا فيقاتلنا
" . وهم الذين قال الله : " الذين خرجوا من ديارهم بطرًا ورئاء الناس
" ، والتقوا هم والنبيّ صلى الله عليه وسلم ، ففتح الله على رسوله ، وأخزى
أئمة الكفر ،
__________
(1) في المخطوطة : " بقرب العير " ، والصواب ما في المطبوعة .
(2) في المطبوعة : " وتتحدث بنا العرب لمكاننا فيها " ، زاد ما ليس في
المخطوطة .
(3) في المطبوعة : " فارجعوا " ، وأثبت ما في المخطوطة ، وهو مطابق لما
في التاريخ.
(13/578)
وشفى صدور المؤمنين منهم. (1)
16172 - حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا سلمة قال ، حدثني ابن إسحاق في حديث ذكره قال
، حدثني محمد بن مسلم ، وعاصم بن عمر ، (2) وعبد الله بن أبي بكر ، ويزيد بن رومان
، عن عروة بن الزبير وغيره من علمائنا ، عن ابن عباس قال : لما رأى أبو سفيان أنه
أحرز عِيره ، أرسل إلى قريش : إنكم إنما خرجتم لتمنعوا عيركم ورجالكم وأموالكم ،
فقد نجاها الله ، فارجعوا! فقال أبو جهل بن هشام : والله لا نرجع حتى نرد بدرًا
وكان " بدر " موسمًا من مواسم العرب ، يجتمع لهم بها سوق كل عام فنقيم
عليه ثلاثًا ، وننحر الجُزُر ، ونطعم الطعام ، ونسقي الخمور ، وتعزف علينا القيان
، وتسمع بنا العرب ، فلا يزالون يهابوننا أبدًا ، فامضوا. (3)
16173 - قال ابن حميد حدثنا سلمة قال ، قال ابن إسحاق : " ولا تكونوا كالذين
خرجوا من ديارهم بطرًا ورئاء الناس " ، أي : لا تكونوا كأبي جهل وأصحابه
الذين قالوا : " لا نرجع حتى نأتي بدرًا ، وننحر الجزر ، ونسقي بها الخمر ،
وتعزف علينا القيان ، وتسمع بنا العرب ، فلا يزالون يهابوننا " ، أي : لا
يكونن أمركم رياءً ولا سمعة ، ولا التماس ما عند الناسَ ، وأخلصوا لله النية
والحِسْبة في نصر دينكم ، وموازرة نبيكم ، أي : لا تعملوا إلا لله ، ولا تطلبوا
غيره. (4)
16174 - حدثني محمد بن عمارة الأسدي قال ، حدثنا عبيد الله بن موسى قال ، أخبرنا
إسرائيل وحدثنا أحمد بن إسحاق قال ، حدثنا أبو أحمد قال ،
__________
(1) الأثر : 16171 - هذا من كتاب عروة بن الزبير إلى عبد الملك بن مروان ، الذي
خرجته آنفًا من تاريخ الطبري مجموعًا برقم : 16083 . وهذا القسم في تاريخ الطبري 2
: 269 .
(2) في المطبوعة والمخطوطة : " عاصم بن عمرو " ، وهو خطأ ، إنما هو
" عاصم بن عمر بن قتادة ) ، سلف مرارًا ، وانظر سيرة ابن هشام 2 : 257 .
(3) الأثر : 16172 - سيرة ابن هشام 2 : 270 ، وتاريخ الطبري 2 : 276 ، من أثر طويل
.
(4) الأثر : 16173 - سيرة ابن هشام 2 : 329 ، وهو تابع الأثر السالف رقم : 16169 .
وفي لفظه اختلاف يسير .
(13/579)
حدثنا إسرائيل عن ابن أبي نجيح
، عن مجاهد : " الذين خرجوا من ديارهم بطرًا ورئاء الناس " ، قال :
أصحاب بدر.
16175 - حدثني محمد بن عمرو قال ، حدثنا أبو عاصم قال ، حدثنا عيسى ، عن ابن أبي
نجيح ، عن مجاهد قوله : " بطرًا ورئاء الناس " ، قال : أبو جهل وأصحابه
يوم بدر.
16176 - حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن
مجاهد مثله قال ابن جريج ، وقال عبد الله بن كثير : هم مشركو قريش ، وذلك خروجهم
إلى بدر.
16177 - حدثني محمد بن سعد قال ، حدثني أبي قال ، حدثني عمي قال ، حدثني أبي ، عن
أبيه ، عن ابن عباس : " ولا تكونوا كالذين خرجوا من ديارهم بطرًا ورئاء الناس
" ، يعني : المشركين الذي قاتلوا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر.
16178 - حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال ، حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة :
" خرجوا من ديارهم بطرًا ورئاء الناس " ، قال : هم قريش وأبو جهل
وأصحابه ، الذين خرجوا يوم بدر.
16179 - حدثنا بشر قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد ، عن قتادة : " ولا
تكونوا كالذين خرجوا من ديارهم بطرًا ورئاء الناس ويصدون عن سبيل الله والله بما
يعملون محيط " ، قال : كان مشركو قريش الذين قاتلوا نبي الله يوم بدر ، خرجوا
ولهم بَغْي وفخر. وقد قيل لهم يومئذ : " ارجعوا ، فقد انطلقت عيركم ، وقد
ظفرتم " . قالوا : " لا والله ، حتى يتحدث أهل الحجاز بمسيرنا وعددنا!
" . قال : وذكر لنا أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال يومئذ : " اللهم
إنّ قريشًا أقبلت بفخرها وخيلائها لتحادَّك ورسولك " !
16180 - حدثني محمد بن الحسين قال ، حدثنا أحمد بن المفضل قال ،
(13/580)
حدثنا أسباط ، عن السدي قال :
ذكر المشركين وما يُطعِمُون على المياه فقال : " ولا تكونوا كالذين خرجوا من
ديارهم بطرا ورئاء الناس ويصدون عن سبيل الله " .
16181 - حدثت عن الحسين بن الفرج قال ، سمعت أبا معاذ الفضل بن خالد قال ، حدثنا
عبيد بن سليمان قال ، سمعت الضحاك يقول في قوله : " الذين خرجوا من ديارهم
بطرًا " ، قال : هم المشركون ، خرجوا إلى بدر أشرًا وبطرًا.
16182 - حدثني الحارث قال ، حدثنا عبد العزيز قال ، حدثنا أبو معشر ، عن محمد بن
كعب القرظي قال : لما خرجت قريش من مكة إلى بدر ، خرجوا بالقيان والدفوف ، فأنزل
الله : " ولا تكونوا كالذين خرجوا من ديارهم بطرًا ورئاء الناس ويصدون عن
سبيل الله والله بما يعملون محيط " .
* * *
قال أبو جعفر : فتأويل الكلام إذًا : ولا تكونوا ، أيها المؤمنون بالله ورسوله ،
في العمل بالرياء والسمعة ، وترك إخلاص العمل لله ، واحتساب الأجر فيه ، كالجيش من
أهل الكفر بالله ورسوله الذين خرجوا من منازلهم بطرًا ومراءاة الناس بزّيهم
وأموالهم وكثرة عددهم وشدة بطانتهم (1) " ويصدون عن سبيل الله " ، يقول
: ويمنعون الناس من دين الله والدخول في الإسلام ، بقتالهم إياهم ، وتعذيبهم من
قدروا عليه من أهل الإيمان بالله (2) " والله بما يعملون " ، من الرياء
والصدِّ عن سبيل الله ، وغير ذلك من أفعالهم " محيط " ، يقول : عالم
بجميع ذلك ، لا يخفى عليه منه شيء ، وذلك أن الأشياء كلها له متجلّية ، لا يعزب
عنه منها شيء ، فهو لهم بها معاقب ، وعليها معذِّب. (3)
__________
(1) انظر تفسير " الرئاء " فيما سلف 5 : 521 ، 522 8 : 356 / 9 : 331.
(2) انظر تفسير " الصد " فيما سلف ص : 529 ، تعليق 2 ، والمراجع هناك .
وتفسير " سبيل الله " فيما سلف من فهارس اللغة ( سبل ) .
(3) انظر تفسير " محيط " فيما سلف 9 : 252 ، تعليق : 3 ، والمراجع هناك
.
(13/581)
وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ وَقَالَ لَا غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَكُمْ فَلَمَّا تَرَاءَتِ الْفِئَتَانِ نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ وَقَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ إِنِّي أَرَى مَا لَا تَرَوْنَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ (48)
القول في تأويل قوله : {
وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ وَقَالَ لا غَالِبَ لَكُمُ
الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَكُمْ فَلَمَّا تَرَاءَتِ الْفِئَتَانِ
نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ وَقَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ إِنِّي أَرَى مَا لا
تَرَوْنَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ (48) }
قال أبو جعفر : يعني تعالى ذكره بقوله : (وإذ زين لهم الشيطان أعمالهم) ، وحين زين
لهم الشيطان أعمالهم ، وكان تزيينه ذلك لهم ، (1) كما : -
16183 - حدثني المثنى قال ، حدثنا عبد الله بن صالح قال ، حدثني معاوية ، عن علي
بن أبي طلحة ، عن ابن عباس ، قال : جاء إبليس يوم بدر في جُنْد من الشياطين ، معه
رايته ، في صورة رجل من بني مُدلج ، والشيطان في صورة سراقة بن مالك بن جعشم ، (2)
فقال الشيطان للمشركين : ( لا غالب لكم اليوم من الناس وإني جار لكم ). فلما اصطف
الناس ، أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم قبضةً من التراب فرمى بها في وجوه
المشركين ، فولَّوا مدبرين. وأقبل جبريل إلى إبليس ، فلما رآه ، وكانت يده في يد
رجل من المشركين ، انتزع. إبليس يده فولَّى مدبرًا هو وشيعته ، فقال الرجل : يا
سراقة ، تزعم أنك لنا جار ؟ قال : ( إني أرى ما لا ترون إني أخاف الله والله شديد
العقاب) ، وذلك حين رأى الملائكة.
__________
(1) انظر تفسير " زين " فيما سلف 12 : 136 ، تعليق : 1 ، والمراجع هناك
.
(2) في المطبوعة ، حذف قوله : " والشيطان " ، وساق الكلام سياقًا واحدًا
.
(13/7)
16184 - حدثني محمد بن الحسين
قال ، حدثنا ، أحمد بن المفضل قال : حدثنا أسباط ، عن السدي قال : أتى المشركين
إبليس في صورة سراقة بن مالك بن جعشم الكنانيّ الشاعر ، ثم المدلجي ، فجاء على فرس
، فقال للمشركين : (لا غالب لكم اليوم من الناس) ! فقالوا : ومن أنت ؟ قال : أنا
جاركم سراقة ، وهؤلاء كنانة قد أتوكم!
16185 - حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة قال ، قال ابن إسحاق ، حدثني يزيد بن
رومان ، عن عروة بن الزبير قال : لما أجمعت قريش المسير ، ذكرت الذي بينها وبين
بني بكر يعني من الحرب فكاد ذلك أن يثنيهم ، (1) فتبدّى لهم إبليس في صورة سراقة
[بن مالك] بن جعشم المدلجيّ ، وكان من أشراف بني كنانة ، فقال : " أنا جار
لكم من أن تأتيكم كنانة [من خلفكم بشيء] تكرهونه " ! فخرجوا سراعا. (2)
16186 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا سلمة قال ، قال ابن إسحاق في قوله : (وإذ زين
لهم الشيطان أعمالهم وقال لا غالب لكم اليوم من الناس وإني جار لكم) ، فذكر
استدراج إبليس إياهم ، وتشبهه بسراقة بن مالك بن جعشم لهم ، (3) حين ذكروا ما
بينهم وبين بني بكر بن عبد مناة بن كنانة في الحرب التي كانت بينهم ، (4) يقول
الله : (فلما تراءت الفئتان) ، ونظر عدوّ الله إلى جنود الله من الملائكة قد أيَّد
الله بهم رسوله والمؤمنين على عدوهم (نكص على عقبيه وقال إني بريء منكم إني أرى ما
لا ترون) ، وصدق عدوّ الله ، إنه رأى ما لا يرون وقال : (إني أخاف الله والله شديد
العقاب) ، فأوردهم ثم أسلمهم.
__________
(1) في المطبوعة : " أن يثبطهم " ، غير ما في المخطوطة ، وهو مطابق لما
في السيرة .
(2) الأثر : 16185 - سيرة ابن هشام 2 : 263 ، والزيادة بين الأقواس منها .
(3) في المطبوعة ، حذف " لهم " ، وهي ثابتة في المخطوطة وسيرة ابن هشام
.
(4) في المطبوعة : " من الحرب " ، غير ما في المخطوطة ، وهو مطابق لما
في سيرة ابن هشام . والناشر كما تعلم وترى ، كثير العبث بكلام أهل العلم .
(13/8)
قال : فذكر لي أنهم كانوا
يرونه في كل منزل في صورة سراقة بن مالك بن جعشم لا ينكرونه. حتى إذا كان يوم بدر
والتقى الجمعان ، كان الذي رآه حين نكص : " الحارث بن هشام " أو :
" عمير بن وهب الجمحي " ، فذُكر أحدهما ، فقال : أينَ ، أيْ سُرَاقَ!
" ، (1) ومثَل عدوُّ الله فذهب. (2)
16187 - حدثنا بشر بن معاذ قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة قوله :
(وإذ زين لهم الشيطان أعمالهم) ، إلى قوله : (شديد العقاب) ، قال : ذُكر لنا أنه
رأى جبريل تنزل معه الملائكة ، فزعم عدو الله أنه لا يَدَيْ له بالملائكة ، وقال :
(إني أرى ما لا ترون إني أخاف الله) ، وكذب والله عدو الله ، ما به مخافة الله ،
ولكن علم أن لا قوة له ولا منعة له ، وتلك عادة عدو الله لمن أطاعه واستقاد له ،
(3) حتى إذا التقى الحق والباطل أسلمهم شر مُسْلَم ، (4) وتبرأ منهم عند ذلك.
16188 - حدثني القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثني حجاج ، عن ابن جريج قال ،
قال ابن عباس : (وإذ زين لهم الشيطان أعمالهم) الآية ، قال : لما كان يوم بدر ،
سار إبليس برايته وجنوده مع المشركين ، وألقى في قلوب المشركين : أنّ أحدًا لن
يغلبكم ، وإني جار لكم! فلما التقوا ، ونظر الشيطان إلى أمداد الملائكة ، نكص على
عقبيه قال : رجع مدبرًا وقال : (إني أرى ما لا ترون) ، الآية.
16189 - حدثنا أحمد بن الفرج قال ، حدثنا عبد الملك بن عبد العزيز
__________
(1) هذه الجملة والتي تليها غيرها الناشر كل التغير ، فكتب : " فقال : أين
سراقة ! أسلمنا عدو الله وذهب " . والذي في المخطوطة مطابق لما في سيرة ابن
هشام " . وقوله : " مثل " ، أي : انتصب ونهض .
(2) الأثر : 16186 - سيرة ابن هشام 2 : 318 ، 319 ، وأخر صدر الخبر فجعله في آخره
. وهذا الخبر لم يروه ابن هشام في سياق تفسير هذه الآيات في سيرته 2 : 329 ،
تابعًا للأثر السالف رقم : 16173 ، بل ذكر الآية ثم قال : " وقد مضى تفسير
هذه الآية " .
(3) في المطبوعة : " واستعاذ به " ، غير ما في المخطوطة بسوء أمانته
ورأيه . و " استقاد له " ، انقاد له وأطاعه .
(4) " مسلم " ( بضم فسكون ففتح ) مصدر ميمي ، بمعنى " الإسلام
" .
(13/9)
بن الماجشون قال ، حدثنا مالك
، عن إبراهيم بن أبي عبلة ، عن طلحة بن عبيد الله بن كريز : أنّ رسول الله صلى
الله عليه وسلم قال : ما رؤي إبليس يومًا هو فيه أصغرُ ، ولا أحقرُ ، ولا أدحرُ ،
ولا أغيظُ من يوم عرفة ، وذلك مما يرى من تنزيل الرحمة والعفو عن الذنوب ، إلا ما
رأى يوم بدر! قالوا : يا رسول الله ، وما رأى يوم بدر ؟ قال : " أما إنه رأى
جبريل يَزَعُ الملائكة. (1)
16190 - حدثنا محمد بن بشار قال ، حدثنا عبد الرحمن قال : حدثنا سليمان بن المغيرة
، عن حميد بن هلال ، عن الحسن في قوله : (إني أرى ما لا ترون) قال : رأى جبريل
معتجرًا ببُرْدٍ ، (2) يمشي بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم ، وفي يده اللجام ،
ما رَكبَ.
16191 - حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا هاشم بن القاسم قال ، حدثنا سليمان بن المغيرة
، عن حميد بن هلال قال : قال الحسن ، وتلا هذه الآية : (وإذ زين لهم الشيطان
أعمالهم) الآية ، قال : سار إبليس مع المشركين ببدر برايته وجنوده ، وألقى في قلوب
المشركين أن أحدًا لن يغلبكم وأنتم تقاتلون على دين
__________
(1) الأثر : 16189 - رواه مالك في الموطأ : 422 ، بنحو هذا اللفظ ، وانظر التقصي
لابن عبد البر : 12 ، 13 .
" أحمد بن الفرج بن سليمان الحمصي " ، شيخ الطبري ، مضى برقم : 6899 ،
15377 . و " عبد الملك بن عبد العزيز بن الماجشون التيمي " ، فقيه
المدينة ومفتيها في زمانه ، وهو فقيه ابن فقيه ، وهو ضعيف الحديث . مترجم في
التهذيب ، وابن أبي حاتم 2 \ 2 \ 358 .
و " إبراهيم بن أبي عبلة الرملي " ، مضى برقم : 11014 .
و " طلحة بن عبيد الله بن كريز بن جابر الكعبي " ، كان قليل الحديث ،
مضى برقم : 15585 .
هذا خبر مرسل .
وقوله : " يزع الملائكة " ، أي : يرتبهم ويسويهم ، ويصفهم للحرب ، فكأنه
يكفهم عن التفرق والانتشار ، و " الوازع " ، هو المقدم على الجيش ،
الموكل بالصفوف وتدبير أمرهم ، وترتيبهم في قتال العدو . من قولهم : " وزعه
" ، أي : كفه وحبسه عن فعل أو غيره .
(2) " الاعتجار " ، هو لف العمامة على استدارة الرأس ، من غير إدارة تحت
الحنك . وإدارتها تحت الحنك هو " التلحي " ( بتشديد الحاء ) .
(13/10)
آبائكم ، (1) ولن تغلبوا
كثرةً! فلما التقوا نكص على عقبيه يقول : رجع مدبرًا وقال : (إني بريء منكم إني
أرى ما لا ترون) ، يعني الملائكة.
16192 - حدثني الحارث قال ، حدثنا عبد العزيز قال ، حدثنا أبو معشر ، عن محمد بن
كعب قال : لما أجمعت قريش على السير قالوا : إنما نتخوف من بني بكر! فقال لهم
إبليس ، في صورة سراقة بن مالك بن جعشم : أنا جار لكم من بني بكر ، ولا غالب لكم
اليوم من الناس.
* * *
قال أبو جعفر : فتأويل الكلام : (وإن الله لسميع عليم) ، في هذه الأحوال وحين زين
لهم الشيطان خروجهم إليكم ، أيها المؤمنون ، لحربكم وقتالكم وحسَّن ذلك لهم وحثهم
عليكم ، وقال لهم : لا غالب لكم اليوم من بني آدم ، فاطمئنوا وأبشروا (وإني جار
لكم) ، من كنانة أن تأتيكم من ورائكم فمعيذكم ، (2) أجيركم وأمنعكم منهم ، فلا
تخافوهم ، واجعلوا حدَّكم وبأسكم على محمد وأصحابه (3) (فلما تراءت الفئتان) ،
يقول : فلما تزاحفت جنود الله من المؤمنين وجنود الشيطان من المشركين ، ونظر بعضهم
إلى بعض(نكص على عقبيه) ، يقول : رجع القهقري على قفاه هاربًا. (4)
* * *
يقال منه : " نكص ينكُص وينكِص نكوصًا " ، ومنه قول زهير :
هُمْ يَضْرِبُونَ حَبِيكَ البَيْضِ إِذْ لَحِقُوا لا يَنْكُصُون ، إِذَا مَا
اسْتُلْحِمُوا وَحَمُوا (5)
__________
(1) في المطبوعة : " لن يغلبكم " ، وأثبت ما في المخطوطة .
(2) في المطبوعة : " فيغيركم " ، ومثلها في المخطوطة غير منقوطة ، وهذا
صواب قراءتها بعد إصلاح فسادها .
(3) في المطبوعة : " جدكم " بالجيم ، وانظر ما سلف ج 13 ص : 577 ، تعليق
: 1 .
(4) انظر تفسير " العقب " فيما سلف 3 : 163 \ 11 : 450 .
(5) ديوانه : 159 ، من قصيدته في هرم بن سنان ، وهي من جياد شعره . و " حبيك
البيض " ، طرائق حديده . و " البيض " جمع " بيضة " ، هي
الخوذة من سلاح المحارب ، على شكل بيضة النعام ، يلبسها الفارس على رأسه لتقيه ضرب
السيوف والرماح . و " استلحم الرجل " ( بالبناء للمجهول ) : إذا نشب في
ملحمة القتال ، فلم يجد مخلصًا . وقوله : " وحموا " ، من قولهم : "
حمى من الشيء حمية ومحمية " ، إذا فارت نفسه وغلت ، وأنف أن يقبل ما يراد به
من ضيم ، ومنه : " أنف حمى " .
(13/11)
إِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ غَرَّ هَؤُلَاءِ دِينُهُمْ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (49)
وقال للمشركين : (إني بريء منكم إني أرى ما لا ترون) ، يعني أنه يرى الملائكة الذين بعثهم الله مددًا للمؤمني