الـدرر الـبـهـيـة فـي المـسـائـل الـفـقـهـيـة للإمام الْمُتَفَنِّن العلامة / محمدِ بنِ عليٍّ الشوكانيّ
المتوفَّى سنة 1250 الهجرية، رحمه الله تعالى
------
بسم الله الرحمن الرحيم
أحمَد من أمرنا بالتَّفَقُّه في الدِّين. وأشكر من أرشدنا إلى اتباع سيد المرسلين. وأصلي وأسلم على الرسول الأمين، وآله والطاهرين، وأصحابه الأكرمين.
كتاب الطهارة
بابٌ الْمِياهُ:
الماء طاهر ومطهِّر.
لا يخرجه عن الوصفين إلا ما غيّر ريحه أو لونه أو طعمه من النجاسات، والثاني ما أخرجه عن اسم الماء المطلق من المغيرات الطاهرة.
ولا فرق بين قليلٍ وكثيرٍ، وما فوق القُلَّتين وما دونهما، ومتحركٍ وساكنٍ، ومستعملٍ وغيرِ مستعمل.
بابٌ النجاساتُ:
والنجاسات هي غائط الإنسان مطلقاً، وبوله إلا الذكرَ الرضيعَ، ولُعاب الكلب، ورَوْث، ودمُ حَيض، ولحم خنزير.
وفيما عدا ذلك خلاف.
والأصل الطهارة، فلا ينقل عنها إلا ناقل صحيح لم يعارضه ما يساويه أو يُقدَّم عليه.
بابٌ تطهير النجاسات:
ويَطهُر ما يتنجس بغسله حتى لا يبقى لها عين ولا لون ولا ريح ولا طعم، والنعلُ بالمسح.
والاستحالة مطهِّرة، لعدم وجود الوصف المحكوم عليه.
وما لا يمكن غسله فتطهيره بالصَّبِّ عليه، أو النَّزْح منه، حتى لا يبقى للنجاسة أثر.
والماء هو الأصل في التطهير، فلا يقوم غيره مَقامه إلا بإذن من الشارع.
بابٌ قضاءُ الحاجة:
على الْمُتخَلِّي الاستتار حتى يدنوَ من الأرض، والبعدُ أو دخولُ الكَنِيف، وترك الكلام والملابسةِ لما له حرمة، وتجنبُ الأمكنة التي مَنع التخليَ فيها شرعٌ أو عرفٌ، وعدم الاستقبال والاستدبار للقبلة.
وعليه الاستجمار بثلاثة أحجار طاهرة، أو ما يقوم مَقامها.
وتُندب الاستعاذةُ عند الشروع، والاستغفارُ والحمدُ بعد الفراغ.
بابٌ الوُضوءُ:
يجب على كل مكلّف أن يسميَ إذا ذَكَر، ويتمضمضَ ويستنشقَ، ثم يغسلَ جميع وجهه، ثم يديه مع مرفقيه، ثم يمسحَ رأسه مع أُذُنيه، ويجزئ مسح بعضه والمسح على العمامة، ثم يغسلَ رجليه مع الكعبين، وله المسح على الخفين.
ولا يكون وضوءاً شرعياً إلا بالنية لاستباحة الصلاة.
فصل:
يستحب التثليث في غير الرأس، وإطالةُ الغُرّة، والتحجيل، وتقديم السواك، وغسل اليدين إلى الرسغين ثلاثاً قبل الشروع في غسل الأعضاء المتقدمة.
بابٌ نواقضُ الوضوء:
وينتقض الوضوء بما خرج من الفرجين من عين أو ريح، وبما يوجب الغُسلَ، ونومِ المضطجع، وأكلِ لحم الإبل، والقيءِ ونحوِه، ومسِّ الذَّكَر.
بابٌ الغُسلُ:
يجب بخروج المنِيِّ بشهوةٍ ولو بتفكّر، وبالتقاء الختانين، وبانقطاع الحيض والنفاس، وبالاحتلام مع وجود بلل، وبالموت، وبالإسلام.
فصل:
والغُسل الواجب هو أن يُفيضَ الماء على جميع بدنه أو ينغمسَ فيه، مع المضمضة والاستنشاق، والدلكِ لما يمكن دلكه.
ولا يكون شرعياً إلا بالنية لرفع موجِبه.
ونُدب تقديم غسل أعضاء الوضوء إلا القدمين، ثم التيامنُ.
فصل:
ويشرع لصلاة الجمعة، وللعيدين، ولمن غسّل ميتاً، وللإحرام، ولدخول مكةَ.
بابٌ التيممُ:
يستباح به ما يستباح بالوضوء والغسل، لمن لا يجد الماء أو خشي الضرر من استعماله.
وأعضاؤه الوجه ثم الكفّان؛ يمسحهما مرّةً واحدةً بضربةٍ واحدةٍ ناوياً مسمّياً.
ونواقضه نواقض الوضوء.
بابٌ الحيضُ:
لم يأت في تقدير أقله وأكثره ما تقوم به الحجة، وكذلك الطُّهر.
فذات العادة المتقرِّرةِ تعمل عليها.
وغيرُها ترجع إلى القرائن، فدمُ الحيض يتميز عن غيره. فتكون حائضاً إذا رأت دمَ الحيض، ومستحاضةً إذا رأت غيرَه.
وهي كالطاهرة، وتغسل أثر الدمِ وتتوضأ لكل صلاة.
والحائض لا تصلي ولا تصوم ولا تُوطَأ حتى تغتسل بعد الطُّهر، وتقضي الصيام.
فصل:
والنفاس أكثره أربعون يوماً، ولا حدَّ لأقله.
وهو كالحيض.
كتاب الصلاة
بابٌ المواقيتُ:
أول وقت الظهر الزوال، وآخره مصير ظلّ الشيء مثلَه، سوى فَيْء الزوال.
وهو أول وقت العصر، وآخره ما دامت الشمس بيضاءَ نقيةً.
وأول وقت المغرب غروب الشمس، وآخره ذهاب الشفق الأحمر.
وهو أول وقت العشاء، وآخره نصف الليل.
وأول وقت الفجر إذا انشق الفجر، وآخره طلوع الشمس.
ومن نام عن صلاة أو سها عنها فوقتها حين يذكرها.
ومن كان معذوراً وأدرك ركعةً فقد أدركها.
والتوقيت واجب.
والجمع لعذرٍ جائزٌ.
والمتيمم وناقص الصلاة أو الطهارةِ يصلون كغيرهم من غير تأخير.
وأوقات الكراهة في غير مكةَ: بعد الفجر حتى ترتفعَ الشمس، وعند الزوال في غير يوم الجمعة، وبعد العصر حتى تغرب.
بابٌ الأذانُ:
يُشرع لأهل كل بلد أن يتخذوا مؤذناً ينادي بألفاظ الأذان المشروعة عند دخول وقت الصلاة.
ويُشرع للسامع أن يتابع المؤذن.
ثم تُشرع الإقامة على الصفة الواردة.
بابٌ شروطُ الصلاة:
ويجب على المصلي تطهير ثوبه وبدنه ومكانه من النجاسة، وسَتر عورته.
ولا يشتملُ الصَّمَّاءَ، ولا يُسدِلُ، ولا يُسبلُ، ولا يَكفِتُ.
ولا يصلي في ثوب حرير، ولا ثوب شهرة، ولا مغصوبٍ.
وعليه استقبال عين الكعبة إن كان مشاهداً لها أو في حكم المشاهد. وغير المشاهد يستقبل الجهة بعد التحري.
بابٌ كيفيةُ الصلاة:
لا تكون شرعيةً إلا بالنية.
وأركانها كلّها مفترضة، إلا قعودَ التشهدِ الأوسطِ والاستراحةَ.
ولا يجب من أذكارها إلا التكبيرُ، والفاتحةُ في كل ركعةٍ ولو كان مُؤتَماً، والتشهدُ الأخير، والتسليمُ.
وما عدا ذلك فسنن. وهي الرفع في المواضع الأربعة، والضمُّ، والتوجه بعد التكبيرة، والتعوّذ، والتأمين، وقراءة غير الفاتحة معها، والتشهد الأوسط، والأذكار الواردة في كل ركن، والاستكثار من الدعاء بخيريِ الدنيا والآخرة بما ورد وبما لم يردْ.
بابٌ مبطلاتُ الصلاة:
وتبطل الصلاة بالكلام، وبالاشتغال بما ليس منها، وبترك شرط أو ركن عمداً.
بابٌ على من تجب، وصلاةُ المريض:
ولا تجب على غير مكلف.
وتسقط عمّن عجز عن الإشارة أو أغمي عليه حتى خرج وقتُها.
ويصلي المريض قائماً ثم قاعداً ثم على جَنْب.
بابٌ صلاةُ التطوع:
هي أربع قبل الظهر وأربع بعده، وأربع قبل العصر، وركعتان بعد المغرب، وركعتان بعد العشاء، وركعتان قبل الفجر، وصلاةُ الضحى، وصلاةُ الليل وأكثرها ثلاثَ عشرةَ ركعةً يوتر في آخرها بركعةٍ، وتحية المسجد، والاستخارة، وركعتان بين كل أذان وإقامة.
بابٌ صلاةُ الجماعة:
هي آكد من السنن.
وتنعقد باثنين. وإذا كثُر الجمع كان الثواب أكثرَ.
وتصح بعد المفضول. والأولى أن يكون الإمام من الْخِيار.
ويؤم الرجل بالنساء، لا العكس؛ والمفترضُ بالمتنفل، والعكس.
وتجب المتابعة في غير مبطل.
ولا يؤم الرجل قوماً هم له كارهون. ويصلي بهم صلاةَ أخفهم.
ويقدَّم السلطانُ وربُّ المنزل، والأقرأ ثم العالم، ثم الأسنّ.
وإذا اختلت صلاة الإمام كان ذلك عليه لا على المأمومين.
وموقفهم خلفَه، إلا الواحدَ فعن يمينه. وإمامةُ النساء وسَطَ الصفّ.
وتقدم صفوف الرجال ثم الصبيان ثم النساء.
والأحق بالصف الأول أولو الأحلام والنُّهى.
وعلى الجماعة أن يُسَوُّوا صفوفهم، وأن يَسُدّوا الخلل، وأن يُتِمّوا الصفّ الأولَ ثم الذي يليه ثم كذلك.
بابٌ سجودُ السهو:
وهو سجدتان قبل التسليم، أو بعده وبإحرام وتشهد وتحليل.
ويشرع لترك مسنون، وللزيادة ولو ركعةً سهواً، وللشكّ في العدد.
وإذا سجد الإمام تابعه المؤتم.
بابٌ القضاءُ للفوائت:
إن كان الترك عمداً لا لعذر فدَيْن الله أحقّ أن يُقضَى.
وإن كان لعذر فليس بقضاءٍ، بل أداء في وقت زوال العذر، إلا صلاةَ العيدين ففي ثانيهِ.
بابٌ صلاةُ الجمعة:
تجب على كل مكلف إلا المرأةَ والعبدَ والمسافرَ والمريضَ.
وهي كسائر الصلوات لا تخالفها إلا في مشروعية الخطبتين قبلَها.
ووقتها وقت الظهر.
وعلى من حضرها أن لا يتخطى رقاب الناس، وأن يُنصتَ حالَ الخطبتين.
ونُدب له التبكير، والتطيب والتجمل، والدنُوُّ من الإمام.
ومن أدرك ركعةً منها فقد أدركها.
وهي في يوم العيد رخصة.
بابٌ صلاةُ العيدين:
هي ركعتان، في الأولى سبع تكبيرات قبلَ القراءة، وفي الثانية خمسٌ كذلك.
ويخطُب بعدها.
ويستحب التجمل، والخروج إلى خارج البلد، ومخالفة الطريق، والأكل قبل الخروج في الفطر دون الأضحى.
ووقتها بعد ارتفاع الشمس قدرَ رمح إلى الزوال.
ولا أذان فيها، ولا إقامة.
بابٌ صلاةُ الخوف:
قد صلاها رسول الله صلى الله وسلم على صفات مختلفةٍ، وكلها مجزئة.
وإذا اشتد الخوف والتَحَمَ القتال صلاها الراجل والراكب، ولو إلى غير القبلة، ولو بالإيماء.
بابٌ صلاةُ السفر:
يجب القصر على من خرج من بلده قاصداً للسفر، وإن كان دون بَرِيد.
وإذا أقام ببلد متردداً قصر إلى عشرين يوماً. وإذا عزم على إقامة أربعٍ أتَمَّ بعدها.
وله الجمع تقديماً وتأخيراً، بأذان وإقامتين.
بابٌ صلاةُ الكسوفين:
هي سنة.
وأصحّ ما ورد في صفتها ركعتان في كل ركعة ركوعان، وورد ثلاثة وأربعة وخمسة، يقرأ بين كل ركوعين، وورد في كل ركعة ركوع.
ونُدب الدعاء والتكبير والتصدق والاستغفار.
بابٌ صلاةُ الاستسقاء:
تُسن عند الْجَدْب ركعتان، بعدهما خطبة تتضمن الذكر والترغيب في الطاعة والزجرَ عن المعصية.
ويستكثر الإمام ومن معه من الاستغفار والدعاء برفع الْجَدْب، ويُحَوِّلون جميعاً أرديتَهم.
كتاب الجنائز
بابٌ عيادةُ المريض:
من السنة عيادة المريض، وتلقينُ المحتضَر الشهادتين، وتوجيهُه وتغميضُه إذا مات، وقراءةُ ياسينَ عليه، والمبادرةُ بتجهيزه إلا لتجويز حياته، والقضاءُ لدَينه، وتسجيتُه.
ويجوز تقبيله.
وعلى المريض أن يحسنَ الظنّ بربه، ويتوبَ إليه، ويتخلصَ من كلّ ما عليه.
فصل:
ويجب غسل الميت المسلم على الأحياء، والقريب أولى بالقريب إذا كان من جنسه، وأحد الزوجين بالآخر.
ويكون الغَسل ثلاثاً أو خمساً أو أكثر بماء وسِدر، وفي الآخِرة كافورٌ. وتُقدَّم الميامن.
ولا يُغسل الشهيد.
فصل:
ويجب تكفينه بما يستره، ولو لم يملِكْ غيره.
ولا بأس بالزيادة مع التمكن، من غير مغالاة.
ويُكفّن الشهيد في ثيابه التي قتل فيها.
ونُدب تطييب بدن الميت وكفنه.
فصل:
وتجب الصلاة على الميت.
ويقوم الإمام حِذاءَ رأس الرجل ووسَطِ المرأة.
ويكبر أربعاً أو خمساً، ويقرأ بعد التكبيرة الأولى الفاتحةَ وسورةً، ويدعو بين التكبيرات بالأدعية المأثورة.
ولا يُصلَّى على الغالِّ، وقاتل نفسه، والكافر، والشهيد.
ويُصلَّى على القبر، وعلى الغائب.
فصل:
ويكون المشي بالجنازة سريعاً.
والمشي معها والحمل لها سنةٌ.
والمتقدّم عليها والمتأخّر عنها سواءٌ.
ويُكره الرُّكوب.
ويحرم النعي، والنياحة، واتباعها بنار، وشقّ الجيب، والدعاء بالويل والثُّبور.
ولا يقعد المتبع لها حتى توضعَ.
والقيام لها منسوخ.
فصل:
ويجب دفن الميت في حفرةٍ تمنعه من السباع.
ولا بأس بالضرح، واللحد أولى.
ويُدخَل الميتُ من مؤخَّر القبر، ويوضع على جنبه الأيمن مستقبِلاً.
ويستحب حثْوُ التراب لكل من حضر ثلاثَ حَثَيَات.
ولا يُرْفَع القبر زيادةً على شبر.
والزيارة للموتى مشروعةٌ، ويقف الزائر مستقبلاً للقبلة.
ويحرم اتخاذ القبور مساجدَ، وزخرفتُها، وتسريجها، والقعودُ عليها، وسبُّ الأموات.
والتعزية مشروعةٌ، وكذلك إهداء الطعام لأهل الميت.
كتاب الزكاة
تجب في الأموال التي ستأتي، إذا كان المالك مكلفاً.
بابٌ زكاةُ الحيوان:
إنما تجب منه في النَّعَم، وهي الإبل والبقر والغنم.
فصلٌ زكاةُ الإبل:
إذا بلغتِ الإبل خمساً ففيها شاة.
ثم في كل خمسٍ شاةٌ.
فإذا بلغت خمساً وعشرين ففيها ابنةُ مَخاض أو ابنُ لَبون.
وفي ستٍّ وثلاثين ابنةُ لَبون.
وفي ستٍّ وأربعين حِقَّة.
وفي إحدى وستين جَذَعة.
وفي ستٍّ وسبعين بنتا لَبون.
وفي إحدى وتسعين حِقَّتان، إلى مِئة وعشرين.
فإذا زادت ففي كل أربعين ابنةُ لَبون، وفي كل خمسين حِقَّة.
فصلٌ زكاةُ البقر:
ويجب في ثلاثين من البقر تَبِيع أو تَبِيعة.
وفي أربعين مُسِنَّة.
ثم كذلك.
فصلٌ زكاةُ الغنم:
ويجب في أربعين من الغنم شاة، إلى مِئة وإحدى وعشرين، وفيها شاتان، إلى مِئتين وواحدة، وفيها ثلاث شِياهٍ، إلى ثلاث مِئَة وواحدة، وفيها أربعٌ.
ثم في كل مِئةٍ شاةٌ.
فصل في الْخُلْطَة:
ولا يُجمع بين مُفْتَرِق من الأنعام ولا يُفرق بين مُجتمِع خشيةَ الصدقة.
فصل:
ولا شيءَ في ما دون الفريضة، ولا في الأَوْقاص.
وما كان من خليطين فيتراجعان بالسَّوِيَّة.
ولا تُؤخذ هَرِمة، ولا ذاتُ عَوارٍ ولا عيبٍ، ولا صغيرةٌ، ولا أَكُولة، ولا رُبَّى، ولا ماخِض، ولا فَحْل غنم.
بابٌ زكاةُ الذهب والفضة:
هي إذا حال على أحدهما الحول ربع العُشْر.
ونصاب الذهب عشرون ديناراً. ونصاب الفضة مِئَتا درهم. ولا شيء فيما دون ذلك.
ولا زكاةَ في غيرهما من الجواهر، وأموالِ التجارة والْمُسْتَغَلاّت.
بابٌ زكاةُ النبات:
يجب العُشْر في الْحِنطة والشعير والذرة والتمر والزَّبيب.
وما كان يُسقى بالْمُسَنَّى منها ففيه نصف العُشْر.
ونصابها خمسة أَوْسُقٍ.
ولا شيءَ فيما عدا ذلك، كالخضروات وغيرها.
ويجب في العسل العُشْر.
ويجوز تعجيل الزكاة.
وعلى الإمام أن يَردَّ صدقاتِ أغنياء كلّ مَحَلّ في فقرائهم.
ويبرأ ربُّ المال بدفعها إلى السلطان، وإن كان جائراً.
بابٌ مصارفُ الزكاة:
هي ثمانية كما في الآية.
وتحرم على بني هاشم ومواليهم، وعلى الأغنياء، والأقوياء الْمُكتَسِبين.
بابٌ صدقةُ الفطر:
هي صاع من القوت المعتاد عن كل فرد.
والوجوب على سيد العبد، ومنفق الصغير ونحوه.
ويكون إخراجها قبل صلاة العيد.
ومن لم يجد زيادةً على قوت يومه وليلته فلا فِطْرَةَ عليه.
ومصرِفها مصرِف الزكاة.
بابٌ الْخُمْس:
يجب فيما يُغنم في القتال، وفي الركاز. ولا يجب فيما عدا ذلك.
ومصرِفه في قوله تعالى: ( واعلموا أنَّما غنمتم من شيء ) الآية.
كتاب الصيام
يجب صيام رمضانَ لرؤية هلاله من عدل، أو إكمال عدة شعبانَ.
ويصوم ثلاثين يوماً ما لم يظهر هلال شوالٍ قبل إكمالها.
وإذا رآه أهل بلد لزِم على سائر البلاد الموافقة.
وعلى الصائم النية قبل الفجر.
بابٌ مبطلاتُ الصيام:
ويبطل بالأكل، والشرب، والجماع، والقيء عمداً.
ويحرم الوِصال.
وعلى من أفطر عمداً كفارة ككفارة الظِّهار.
ويُندب تعجيل الفطر وتأخير السُّحور.
فصل:
ويجب على من أفطر لعذر شرعيّ أن يقضيَ.
والفطر للمسافر ونحوِه رخصة، إلا إن خشي التلف أو الضعف عن القتال فعزيمة.
ومن مات وعليه صوم صام عنه وليّه.
والكبير العاجز عن الأداء والقضاء يُكَفّر عن كل يوم بإطعام مسكين.
والصائم المتطوع أمير نفسه؛ لا قضاءٌ عليه ولا كفارةٌ.
بابٌ صومُ التطوع:
يُستحب صيام سِتّ من شوّال، وتِسعِ ذي الحجة، ومحرمٍ، وشعبانَ، والإثنين والخميس، وأيامِ البيض.
وأفضل التطوع صوم يوم وإفطار يوم.
ويُكره صوم الدهر، وإفرادُ يوم الجمعة ويوم السبت.
ويحرم صوم العيدين، وأيام التشريق، واستقبال رمضانَ بيوم أو يومين.
بابٌ الاعتكافُ:
يُشرع.
ويصحّ في كل وقت في المساجد. وهو في رمضانَ آكدُ، لا سيَّما في العشر الأواخر منه.
ويستحب اجتهادٌ في العمل فيها، وقيام ليالي القدْر.
ولا يخرج المعتكف إلا لحاجة.
كتاب الحج
يجب على كل مكلفٍ مستطيعٍ فوراً. وكذلك العمرة.
وما زاد فهو نافلة.
الإحرام:
يجب تعيين نوع الحج بالنية، من تمتع أو قِران أو إفراد. والأول أفضلها.
ويكون الإحرام من المواقيت المعروفة. ومن كان دونها فمَهَلُّه من أهله، حتى أهلُ مكةَ منها.
محظورات الإحرام:
ولا يلبس المحرم القميص ولا العمامةَ ولا البُرْنُسَ ولا السراويلَ، ولا ثوباً مسَّه وَرْس ولا زعفرانٌ، ولا الخفين إلا أن لا يجد نعلين فيقطعهما حتى يكونا أسفلَ من الكعبين.
ولا تنتقبُ المرأة ولا تلبس القُفّازين وما مسه الوَرْس والزعفرانُ.
ولا يتطيب ابتداءً. ولا يأخذ من شعره وبَشَره إلا لعذر.
ولا يرفُث ولا يفسُق ولا يجادل.
ولا يَنكِح ولا يُنكِح ولا يخطُب.
ولا يقتل صيداًَ. ومن قتله فعليه جزاءٌ مثلُ ما قتل من النَّعَم يحكم به ذوا عدل.
ولا يأكل ما صاده غيره، إلا إذا كان الصائد حلالاً ولم يصده لأجله.
ولا يَعضِد من شجر الحرم، إلا الإِذْخِرَ.
ويجوز قتل الفواسق الخمس.
وصيد حرم المدينة وشجرُه كحرم مكةَ، إلا أن من قطع شجره أو خبطه كان سَلْبه حلالاً لمن وجده.
ويَحرم صيد وَجٍّ وشجرُه.
أعمال الحج:
وعند قدوم الحاج مكةَ يطوف للقدوم سبعةَ أشواط، يَرمُل في الثلاثة الأُوَل، ويمشي فيما بقِيَ. ويقبل الحجر الأسود، أو يستلمه بِمِحْجَن، ويقبل الْمِحْجَن ونحوَه. ويستلم الركن اليمانِيَّ.
ويكفي القارنَ طواف واحد وسعي واحد.
ويكون حالةَ الطواف متوضئاً ساتراً لعورته.
والحائض تفعل ما يفعل الحاج غير أن لا تطوف بالبيت.
ويُندب الذكر حالَ الطواف بالمأثور.
وبعد فراغه يصلي ركعتين في مقام إبراهيمَ، ثم يعود إلى الركن فيستلمه.
فصل:
ويسعى بين الصفا والمروة سبعةَ أشواطٍ، داعياً بالمأثور.
وإذا كان متمتعاً صار بعد السعي حلالاً. حتى إذا كان يومَ التَّرْوِيَة أهلَّ بالحج، وتوجه إلى مِنَى وصلّى بها الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر.
فصل:
ثم يأتي عرفةَ صبحَ يوم عرفةَ ملبياً مكبراً.
ويجمع العصرين فيها ويخطُب.
ثم يُفِيض من عرفةَ بعد الغروب.
ويأتي المزدلفةَ، ويجمع فيها بين العشاءين، ويبيت بها. ثم يصلي الفجر، ويأتي الْمَشعرَ الحرلم فيذكرُ الله عندَه، ويقف به إلى قبل طلوع الشمس.
ثم يدفع حتى يأتِيَ بطن مُحَسِّرَ.
ثم يسلُكُ الطريق الوسطى إلى الجمرة التي عند الشجرة، وهي جمرة العقبة، فيرميها بسبع حصيات يكبّر مع كل حصاة، مثلِ حصى الْخَذْف.
ولا يرميها إلا بعد طلوع الشمس، إلا النساءَ والصبيانَ، فيجوز لهم قبلَ ذلك.
ويحلق رأسه أو يقصره، فيحل له كلّ شيء إلا النساءَ.
ومن حلق أو ذبح أو أفاض إلى البيت قبل أن يرميَ، فلا حرج.
ثم يرجع إلى مِنَى، فيبيت بها ليالِيَ التشريق.
ويرمي في كل يوم من أيام التشريق الجمراتِ الثلاثَ، بسبع حصياتٍ، مبتدئاً بالجمرة الدنيا ثم الوسطى ثم جمرةِ العقبة.
ويستحب لمن يَحُجّ بالناس أن يخطُبَهم يومَ النحر، وفي وسَط أيام التشريق.
ويطوف الحاجّ طوافَ الإفاضة - وهو طواف الزيارة - يومَ النحر.
وإذا فرغ من أعمال الحج وأراد الرجوع طاف للوداع وجوباً، إلا أنه خُفّف عن الحائض.
بابٌ الهديُ:
والهدي أفضله البَدَنَة ثم البقرة ثم الشاة.
وتجزئ البَدَنَة والبقرة عن سبعة.
ويجوز للمُهدِي أن يأكلَ من لحم هديه، ويركبَ عليه.
ويُندب إشعاره وتقليده.
ومن بعث بهدي لم يحرم عليه شيء مما يحرم على المحرم.
بابٌ العمرةُ المفردة:
يُحرم لها من الميقات. ومن كان في مكةَ خرج إلى الْحِلِّ.
ثم يطوف، ويسعى، ويحلق أو يقصر.
وهي مشروعة في جميع السَّنة.
كتاب النكاح
يُشرع لمن استطاع الباءة. ويجب على من خشي الوقوع في المعصية.
والتَّبَتُّل غير جائز، إلا لعجز عن القيام بما لا بدَّ منه.
وينبغي أن تكون المرأة ودوداً ولوداً بكراً ذاتَ جمال وحسَب ومال ودين.
وتُخطب الكبيرة إلى نفسها، والمعتبَر حصول الرضا منها، لمن كان كفُؤاً. والصغيرة تُخطب إلى وليها، ورضى البكر صمتها.
وتحرم الْخِطبة في العِدة، وعلى الْخِطبة.
ويستحب النظر إلى المخطوبة.
ولا نكاح إلا بولي وشاهدين، إلا أن يكون عاضلاً أو غيرَ مسْلم.
ويجوز لكل واحد من الزوجين أن يوكل لعقد النكاح، ولو واحداً.
فصل:
نكاح المتعة منسوخ. والتحليل حرام، وكذلك الشِّغار.
ويجب على الزوج الوفاء بشرط المرأة، إلا أن يُحلّ حراماً أو يحرّم حلالاً.
بابٌ الْمُحَرَّماتُ في النكاح:
ويحرم على الرجل أن ينكح زانيةً أو مشركةً والعكس، ومن صرح القرآن بتحريمه، والرَّضاع كالنسب، والجمع بين المرأة وعمتها أو خالتها، وما زاد على العدد المباح للحر والعبد.
وإذا تزوج العبد بغير إذن سيده فنكاحه باطل.
وإذا عَتقت الأمَة ملكت أمر نفسها، وخُيّرت في زوجها.
بابٌ العيوبُ وأنكحةُ الكفار:
ويجوز فسخ النكاح بالعيب.
ويُقرّ من أنكحة الكفار إذا أسلموا ما يوافق الشرع.
وإذا أسلم أحد الزوجين انفسخ النكاح، وتجب العِدة. فإن أسلم ولم تتزوج المرأة كانا على نكاحهما الأول، ولو طالتِ المدة، إذا اختارا ذلك.
بابٌ الْمَهر والعِشْرة:
الْمَهر واجب. وتكره المغالاة فيه. ويصح ولو خاتماً من حديد، أو تعليمَ القرآن.
ومن تزوج امرأة ولم يسمِّ لها صَداقاً، فلها مَهر نسائها إذا دخل بها.
ويُستحب تقديم شيء من الْمَهر قبل الدخول.
وعليه إحسان العِشْرة، وعليها الطاعة.
ومن كانت له زوجتان فصاعداً عدل بينهنَّ في القِسمة وما تدعو الحاجة إليه.
وإذا سافر أقرع بينهنَّ.
وللمرأة أن تهب نَوبَتها، أو تُصالح الزوج على إسقاطها.
ويقيم عند الجديدة البكر سبعاً، والثيبِ ثلاثاً.
ولا يجوز العزل، ولا إتيان المرأة في دبرها.
فصل:
الولد للفِرَاش، ولا عبرة لشَبَهِهِ بغير صاحبه.
وإذا اشترك ثلاثة في وَطء أمَة في طهر مَلَكَها كل واحد منهم فيه، فجاءت بولد وادَّعَوْه جميعاً، فيُقرَع بينهم، ومن استحقه بالقرعة فعليه للآخرَيْن ثُلُثا الدِّيَة.
كتاب الطلاق
هو جائز من مكلّف مختار، ولو هازلاً، لمن كانت في طُهر لم يمسَّها فيه ولا طلقها في الْحَيْضة التي قبله، أو في حمل قد استبان.
ويحرم إيقاعه على غير هذه الصفة.
وفي وقوعه، ووقوعِ ما فوق الواحدة من دون تَخَلُّل رَجْعَة خلافٌ، والراجح عدم الوقوع.
فصل:
ويقع بالكناية مع النية، وبالتخيير إذا اختارت الفُرْقَة.
وإذا جعله الزوج إلى غيره وقع منه.
ولا يقع بالتحريم.
والرجل أحق بامرأته في عِدّة طلاقه؛ يراجعها متى شاء إذا كان الطلاق رجعياً.
ولا تحل له بعد الثلاثة حتى تنكحَ زوجاً غيره.
بابٌ الْخُلْع:
إذا خالع الرجل امرأته كان أمرُها إليها؛ لا ترجع إليه بمجرد الرَّجْعَة.
ويجوز بالقليل والكثير، ما لم يجاوز ما صار إليها منه.
ولا بد من التراضي بين الزوجين على الْخُلْع، أو إلزامُ الحاكم مع الشِّقاق بينهما.
وهو فَسخ.
وعِدّته حَيْضة.
بابٌ الإيلاءُ:
هو أن يحلف الزوج على جميع نسائه أو بعضهنَّ: لا أقربُهنَّ.
فإن وقَّت بدون أربعة أشهر، اعتزل حتى ينقضيَ ما وقَّت به.
وإن لم يوقِّت شيئاً أو وقَّت بأكثرَ منها، خيّر بعد مُضِيِّها بين أن يفيءَ أو يطلقَ.
بابٌ الظِّهارُ:
وهو قول الرجل لامرأته: أنت علي كظهر أمّي، أو: ظاهرتك، أو نحوَ ذلك.
فيجب عليه قبل أن يَمَسَّها أن يُكفِّر بعَتق رقبة، فإن لم يجد فليطعمْ ستين مسكيناً، فإن لم يجد فليصمْ شهرين متتابعين.
ويجوز للإمام أن يُعينه من صدقات المسلمين إذا كان فقيراً لا يقدر على الصوم. وله أن يصرف منها لنفسه وعياله.
وإذا كان الظهار موقَّتاً فلا يرفعه إلا انقضاء الوقت.
وإذا وطِئ قبل انقضاء الوقت أو قبل التكفير، كفَّ حتى يكفّر في الْمُطلَق، أو ينقضيَ وقت الْمُوقِّت.
بابٌ اللِّعانُ:
إذا رمى الرجل امرأته بالزنا ولم تقرَّ بذلك ولا رجع عن رميه، لاعنها؛ فيشهد الرجل أربعَ شهاداتٍ بالله إنه لمن الصادقين والخامسةَ أنّ لعنةَ الله عليه إن كان من الكاذبين، ثم تشهد المرأة أربع شهاداتٍ بالله إنه لمن الكاذبين والخامسةَ أن غضب الله عليها إن كان من الصادقين.
وإذا كانت حاملاً أو كانت قد وضعت، أُدخِل نفيُ الولد في أَيْمانه.
ويفرق الحاكم بينهما. وتحرم عليه أبداً.
ويُلحَق الولد بأمه فقط. ومن رماها به فهو قاذف.
بابٌ العِدةُ:
هي للطلاق من الحامل بالوضع، ومن الحائض بثلاث حِيَض، ومن غيرهما بثلاثة أشهر.
وللوفاة بأربعة أشهر وعشر، وإن كانت حاملاً فبالوضع.
ولا عِدة على غير مدخولة.
والأمة كالحرة.
وعلى المعتدة للوفاة ترك التزين، والمكثُ في البيت الذي كانت فيه عند موت زوجها أو بلوغ خبره.
وامرأة المفقود تَرَبَّصُ أربعَ سنين، ثم تعتد عِدة الوفاة. وهي امرأته ما لم تتزوج.
بابٌ استبراءُ الإماء:
يجب استبراء الأمَة الْمَسْبِيَّة والْمُشْتَراة ونحوهما بِحَيْضَة إن كانت حائضاً، والحاملِ بوضع الحمل، ومنقطعةِ الحيض حتى يتبين عدم حملها.
ولا تستبرأ بِكر ولا صغيرة مطلقاً.
ولا يلزم الاستبراء على البائع ونحوه.
بابٌ النفقةُ:
تجب على الزوج للزوجة، والمطلَّقةِ رَجْعِيّاً؛ لا بائناً ولا في عِدة الوفاة، فلا نفقة ولا سُكنى إلا أن تكونا حاملتين.
وتجب على الوالد الْمُوسِر لولده الْمُعْسِر، والعكسُ، وعلى السيد لمن يملكه.
ولا تجب على القريب لقريبه، إلا من باب صلة الرَّحِم.
ومن وجبت نفقته وجبت كُسوته وسُكْناه.
بابٌ الرَّضَاعُ:
إنما يثبت حكمه بخمس رَضَعَاتٍ، مع تيقّن وجود اللبن وكون الرضيع قبل الفِطام.
ويحرم به ما يحرم بالنسب.
ويُقبل قول المرضِعة.
ويجوز إرضاع الكبير - ولو كان ذا لحية - لتجويز النظر.
بابٌ الحضانةُ:
الأَوْلى بالطفل أمُّه ما لم تنكِحْ، ثم الخالة، ثم الأبُ، ثم يعيّن الحاكم من القرابة من رأى فيه صلاحاً.
وبعد بلوغ سن الاستقلال يخيّر الصبي بين أبيه وأمه.
فإن لم يوجد أكفله من كان له في كفالته مصلحة.
كتاب البيع
المعتبر فيه مجرد التراضي، ولو بإشارة من قادر على النطق.
ولا يجوز بيع الخمر، والميتة، والخنزير، والأصنام، والكلب، والسِّـنَّوْر، والدمِ، وعَسْب الفحل، وكلِّ حرام، وفضل الماء، وما فيه غَرَر كالسمك في الماء، وحَبْل الْحَبَلَة، والمنابذة، والملامسة، وما في الضرع، والعبد الآبِق، والمغانم حتى تقسّمَ، والثمر حتى يَصلُحَ، والصوف في الظهر، والسمن في اللبن، والْمُحاقَلَة، والْمُزابَنَة، والْمُعَاوَمَة، والْمُخَاضَرَة، والعُرْبون، والعصير إلى من يتخذه خمراً، والكالئ بالكالئ، وما اشتراه قبل القبض، والطعام حتى يجريَ في الصاعان.
ولا يصح الاستثناء في البيع إلا إذا كان معلوماً. ومنه استثناء ظهر المبيع.
ولا يجوز التفريق بين المحارم، ولا أن يبيعَ حاضر لبادٍ، والتناجُش، والبيع على البيع، وتَلَقِّي الرُّكْبان، والاحتكارُ، والتسعير.
ويجب وضع الجوائح.
ولا يحل سلف وبيع، ولا شَرْطانِ في بيع، ولا بيعتان في بيعة، وربح ما لم يضمن، وبيع ما ليس عند البائع.
ويجوز شرط عدم الخداع.
والخيار في المجلس ثابت ما لم يتفرقا.
بابٌ الربا:
يحرم بيع الذهب بالذهب، والفضة بالفضة، والبُر بالبُر، والشعير بالشعير، والتمر بالتمر، والملح بالملح، إلا مثلاً بمثل يداً بيد.
وفي إلحاق غيرها بها خلافٌ.
فإن اختلف الأجناس جاز التفاضل إذا كان يداً بيد.
ولا يجوز بيع الجنس بجنسه مع عدم العلم بالتساوي وإن صحبه غيره، ولا بيع الرُّطَب بما كان يابساً إلا لأهل العَرَايَا، ولابيع اللحم بالحيوان.
ويجوز بيع الحيوان باثنين أو أكثر من جنسه.
ولا يجوز بيع العِينَة.
بابٌ الْخِيَارات:
يجب على من باع ذا عيب أن يبيّنه، وإلا ثبت للمشتري الْخِيَار.
والْخَراج بالضَّمان.
وللمشتري الردّ بالغرر. ومنه الْمُصَرَّاة، فيردّها وصاعاً من تمر أو ما تراضيا عليه.
ويثبت الْخِيَار لمن خُدع، أو وباع قبل وصول السوق.
ولكل من المتبايعين بيعاً منهياً عنه الردُّ.
ومن اشترى شيئاً لم يره، له ردّه إذا رآه، وله ردّ ما اشتراه بِخِيَار.
وإذا اختلف البَـيِّعان فالقول ما يقوله البائع.
بابٌ السَّلَم:
وهو أن يسلّم رأس المال في مجلس العقد، على أن يعطيَه ما يتراضيان عليه، معلوماً إلى أجل معلوم.
ولا يأخذ إلا ما سماه، أو رأسَ ماله.
ولا يتصرف فيه قبل قبضه.
بابٌ القرضُ:
يجب إرجاع مثلِه.
ويجوز أن يكون أفضلَ أو أكثرَ، إذا لم يكن مشروطاً.
ولا يجوز أن يجرّ القرض نفعاً للمقرِض.
كتاب الشُّفْعَة
سببها الاشتراك في شيء، ولو منقولاً.
وإذا وقعت القسمة فلا شُفْعَةَ.
ولايحل للشريك أن يبيع حتى يُؤذِن شريكَه.
ولا تبطل بالتراخي.
كتاب الإجارة
يجوز على كلّ عمل لم يمنع منه مانع شرعي.
وتكون الأجرة معلومةً عند الاستئجار. فإن لم تكن كذلك استحق الأجير مقدار عمله عند أهل ذلك العمل.
وقد ورد النهي عن كسب الْحَجّام، ومهر البَغِيّ، وحُلوان الكاهن، وعَسْب الفحل، وأجرة المؤذّن، وقَفيز الطحان.
ويجوز الاستئجار على تلاوة القرآن، لا على تعليمه، وأن يَكْريَ العين مدةً معلومةً بأجرةٍ معلومةٍ. ومن ذلك كِراء الأرض لا بشطر ما يخرج منها.
ومن أفسد ما استؤجر عليه، أو أتلف ما استأجره، ضمِن.
بابٌ الإحياءُ والإقطاعُ:
من سبق إلى إحياء أرض لم يَسبق إليها غيرُه، فهو أحق بها. وتكون مِلكاً له.
ويجوز للإمام أن يُقْطِع مَن في إقطاعه مصلحةٌ شيئاً من الأرض الميْتة أو المعادن أو المياه.
كتاب الشَّرِكة
الناس شركاءٌ في الماء والنار والكلإ.
وإذا تشاجر المستحقون للماء، كان الأحق به الأعلى فالأعلى، يمسكه إلى الكعبين ثم يرسله إلى مَن تحتَه.
ولا يجوز منع فضل الماء ليمنع به الكلأ.
وللإمام أن يحمي بعض المواضع لرعي دوابّ المسلمين في وقت الحاجة.
ويجوز الاشتراك في النقود والتجارات، ويقسّم الربح على ما تراضيا عليه.
ويجوز المضاربة ما لم يشتمل على ما لا يحلّ.
وإذا تشاجر الشركاء في عُرض الطريق كان سبعةَ أذرع.
ولا يمنع جارٌ جاره أن يغرز خشبة في جداره.
ولا ضررَ ولا ضِرارَ بين الشركاء.
ومن ضارَّ شريكه جاز للإمام عقوبتُه بقلع شجره أو بيع داره.
كتاب الرهن
يجوز رهن ما يملكه الراهن في دَيْنٍ عليه.
والظهر يُركب واللبن يُشرب بنفقة المرهون.
ولا يَغلَق الرهن بما فيه.
كتاب الوديعة والعارِيَّة
يجب على الوديع والمستعير تأديةُ الأمانة إلى منِ ائتمنه.
ولا يخن من خانه.
ولا ضمانَ عليه إذا تلفت بدون جناية وخيانة.
ولا يجوز منع الماعون كالدَّلْوِ والقِدْر، وإطراقِ الفحل، وحلبِ المواشي لمن يحتاج ذلك، والحملِ عليها في سبيل الله.
كتاب الغصب
يأثم الغاصب. ويجب عليه ردّ ما أخذ.
ولا يحلّ مال امرِئٍ مسلم إلا بطيبة من نفسه.
وليس لعَرَق ظالم حقٌّ.
ومن زرع في أرض قوم بغير إذنهم فليس له من الزرع شيء، وله نفقته.
ومن غرس في أرض غيره غرساً رفعه.
ولا يحل الانتفاع بالمغصوب.
ومن أتلفه فعليه مثلُه أو قيمتُه.
كتاب العَتق
أفضل الرقاب أَنْفَسُها.
ويجوز العَتق بشرط الخدمة ونحوها.
ومن ملك رَحِمَه عَتَقَ عليه.
ومن مَثَّل بمملوكه فعليه أن يُعتقَه، وإلا أعتقه الإمام أو الحاكم.
ومن أعتق شِركاً له في عبد ضمن لشركائه نصيبهم بعد التقويم، وإلا عَتَقَ نصيبُه فقط واستُسْعِيَ العبد.
ولا يصح شرط الوَلاء لغير من أعتق.
ويجوز التدبير؛ فيَعتِق بموت مالكه، وإذا احتاج المالك جاز له بيعه.
ويجوز مكاتبة المملوك على مال يؤدّيه فيصير عند الوفاء حرّاً. ويَعتِق منه بقدر ما سلّم. وإذا عجز عن تسليم مال الكتابة عاد في الرِّقِّ.
ومن استولد أمَته لم يحلَّ له بيعها، وعَتَقت بموته أو بتنجيزه لعَتقها.
كتاب الوقف
من حَبَّس مِلكَه في سبيل الله صار مُحبَّساً.
وله أن يجعل غَلاّته لأي مصرِف شاء مما فيه قربةٌ.
وللمتولي عليه أن يأكل منه بالمعروف.
وللواقف أن يجعل نفسه في وقفه كسائر المسلمين.
ومن وقَف شيئاً مُضارَّةً لوارثه كان وقفه باطلاً.
ومن وضع مالاً في مسجد أو مشهد لا ينتفع به أحد جاز صرفه في أهل الحاجات ومصالح المسلمين. ومن ذلك ما يوضع في الكعبة أو مسجد النبي صلى الله عليه وسلم.
والوقف على القبور لرفع سَمْكها أو تزيينها أو فعل ما يجلب على زائرها فتنةً، باطلٌ.
كتاب الهدية
يُشرع قَبولها، ومكافأة فاعلها.
وتجوز بين المسلم والكافر.
ويحرم الرجوع فيها.
ويجب التسوية بين الأولاد.
والردّ لغير مانع شرعي مكروه.
كتاب الهبة
إن كانت بغير عِوَض فلها حكم الهدية في جميع ما سلف.
وإن كانت بعِوَض فهي بيع، ولها حكمه.
والعُمْرَى والرُّقْبى توجبان الْمِلك للمُعْمَر والْمُرْقَب، ولعَقِبه من بعده، لا رجوعَ فيهما.
كتاب الأيمان
الْحَلْف إنما يكون باسم الله أو صفة له من صفات ذاته.
ويحرم بغير ذلك.
ومن حلف فقال: إن شاء الله، فقد استثنى، ولا حِنث عليه.
ومن حلف على شيء فرأى غيرَه خيراً منه، فلْيأتِ الذي هو خير، وليكفّر عن يمينه.
ومن أُكره على اليمين فهي غير لازمة، ولا يأثم بالْحِنث فيها.
واليمين الغَمُوس هي التي يعلم الحالف كذِبَها.
ولا مؤاخذة باللغْوِ.
ومِن حق المسلم على المسلم إبرار قَسَمه.
وكفارة اليمين هي ماذكره الله في كتابه العزيز.
كتاب النذر
إنما يصح إذا ابتُغيَ به وجه الله. فلا بد أن يكون قربةً، ولا نذر في معصيةٍ.
ومن النذر في المعصية ما فيه مخالفة للتسوية بين الأولاد، أو مفاضلةٌ بين الورثة مخالِفةٌ لما شرعه الله. ومنه النذر على القبور، وعلى ما لم يأذن به الله.
ومن أوجب على نفسه فعلاً لم يشرعْه الله، لم يجب عليه. وكذلك إن كان مما شرعه الله وهو لا يُطيقه.
ومن نذر نذراً لم يُسَمِّهِ أو كان معصيةً أو لا يُطيقه، فعليه كفارة يمين.
ومن نذر بقربة وهو مشرك ثم أسلم لزمه الوفاء.
ولا يَنفُذ النذر إلا من الثُّلُث.
وإذا مات الناذر بقربة ففعلها عنه ولده، أجزأه ذلك.
كتاب الأطعمة
الأصل في كل شيء الْحِلّ. ولا يحرم إلا ما حرمه الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، وما سكتا عنه فهو عَفْوٌ.
فيحرم ما في الكتاب العزيز، وكل ذي ناب من السباع، وكل ذي مِخْلَب من الطير، والْحُمُر الإِنسِيّة، والْجَلاّلَة قبل الاستِحالة، والكلاب، والْهِرّ، وما كان مستخبثاً.
وما عدا ذلك فهو حلال.
بابٌ الصيدُ:
ما صِيد بالسلاح الجارح والجوارح كان حلالاً إذا ذُكر عليه اسم الله عليه. وما صِيد بغير ذلك فلا بد من التذكية.
وإذا شارك الكلبَ الْمُعَلَّمَ كلبٌ آخرُ لم يحلَّ صيدهما.
وإذا أكل الكلب الْمُعَلَّم ونحوُه من الصيد لم يحلَّ، فإنما أمسك على نفسه.
وإذا وُجد الصيد بعد وقوع الرَّمِيَّة فيه ميتاً - ولو بعد أيام - في غير ماء، كان حلالاً، ما لم يُنْتِن أو يعلمْ أن الذي قتله غيرُ سهمه.
بابٌ الذبحُ:
هو ما أَنْهَر الدَّمَ، وفَرَى الأوداج، وذُكر اسم الله عليه. ولو بحجر أو نحوه، مالم يكن سناً أو ظُفْراً.
ويحرم تعذيب الذبيحة، والْمُثْلَة بها، وذبحها لغير الله.
وإذا تعذر الذبح لوجهٍ جاز الطعن والرمي، وكان ذلك كالذبح.
وذكاة الجنين ذكاة أمه.
وما أُبِين من الحي فهو ميتة.
وتحل ميتتان ودمان: السمك والجراد، والكَبِد والطِّحال.
وتحل الميتة للمضطر.
بابٌ الضيافةُ:
يجب على من وجد ما يَقْرِي به من نزل من الضيوف، أن يفعل ذلك.
وحدّ الضيافة إلى ثلاثة أيام. وما كان وراء ذلك فصدقة.
ولا يحلّ للضيف أن يثويَ عنده حتى يُحرجَه.
وإذا لم يفعلِ القادر على الضيافة ما يجب عليه، كان للضيف أن يأخذ من ماله بقدر قِرَاه.
ويحرم أكل طعام الغير بغير إذنه.
ومن ذلك حلب ماشيته وأخذ ثمرته وزرعه، لا يجوز إلا بإذنه، إلا أن يكون محتاجاً إلى ذلك، فلينادِ صاحب الإبل أو الحائط، فإن أجابه، وإلا فليشربْ وليأكلْ غيرَ متّخِذٍ خُبْنَةً.
بابٌ آدابُ الأكل:
يُشرع للآكل التسمية، والأكل باليمين، ومن حافّتَيِ الطعام لا من وَسَطه، ومما يليه، ويلعقَ أصابعه والصَّحْفَةَ، والحمدُ عند الفراغ والدعاءُ.
ولا يأكل متكئاً.
كتاب الأشربة
كل مُسكر حرام. وكل مُفَتِّر حرام. وما أسكر كثيره فقليله حرام.
ويجوز الانتباذ في جميع الآنية.
ولا يجوز انتباذ جنسين مختلطين.
ويحرم تخليل الخمر.
ويجوز شرب العصير والنبيذ قبل غليانه. ومَظِنّة ذلك ما زاد على ثلاثة أيام.
وآداب الشرب أن يكون ثلاثةَ أنفاس، وباليمين، ومن قعود، وتقديمُ الأيمن فالأيمن، ويكونَ الساقي آخرَهم شرباً، ويسمِّيَ في أوله، ويحمَدَ في آخره.
ويُكره التنفس في السِّقاء، والنفخ فيه، والشرب من فمه.
وإذا وقعتِ النجاسة في شيء من المائعات لم يحلَّ شربه، وإن كان جامداً أُلقيَتْ وما حولها.
ويحرم الأكل والشرب في آنية الذهب والفضة.
كتاب اللباس
ستر العورة واجب في الملإ والخلاء.
ولا يلبس الرجلُ الخالصَ من الحرير إذا كان فوق أربع أصابعَ، إلا للتداوي، ولا يفترشه، ولا المصبوغَ بالمعصفر، ولا ثوبَ شُهْرة، ولا ما يختص بالنساء، ولا العكسُ.
ويحرم على الرجال التَّحَلِّي بالذهب، لا بغيره.
كتاب الأضحية
تشرع لأهل كل بيت.
وأقلها شاة.
ووقتها بعد صلاة عيد النحر إلى آخر أيام التشريق.
وأفضلها أسمنها.
ولا يجزئ ما دون الْجَذَع من الضأن، ولا الثَّنِيِّ من الْمَعْز، ولا الأعورُ، والمريض، والأعرج، والأعجف، وأعضَب القرن والأذن.
ويتصدق منها ويأكل ويدَّخر.
والذبح في المصلَّى أفضل.
ولا يأخذ مَن له أضحيَة من شعره وظُفْره بعد دخول عشر ذي الحجة حتى يضحيَ.
بابٌ الوليمةُ:
هي مشروعة.
وتجب الإجابة إليها.
ويُقدَّم السابق، ثم الأقرب باباً.
ولا يجوز حضورها إذا اشتملت على معصية.
فصل:
والعقيقة مستحبة.
وهي شاتان عن الذكر، وشاة عن الأنثى، يومَ سابعِ المولود.
وفيه يسمَّى، ويُحلق رأسه ويُتصدّق بوزنه ذهباً أو فضة.
كتاب الطبّ
يجوز التداوي.
والتفويض أفضل لمن يقدر على الصبر.
ويحرم بالمحرَّمات.
ويكره الاكتواء.
ولا بأس بالحجامة، وبالرُّقية بما يجوز من العين وغيرها.
كتاب الوِكالة
يجوز لجائزِ التصرفِ أن يوكّل غيره في كل شيء، ما لم يمنع منه مانع.
وإذا باع الوكيل بزيادة على ما رسمه موكِّله كانت الزيادة للموكِّل.
وإذا خالفه إلى ما هو أنفعُ أو إلى غيره ورضيَ به صحَّ.
كتاب الضَّمانة
يجب على من ضمِن على حيّ أو ميت تسليمُ مالٍ أن يغرمَه عند الطلب، ويرجع على المضمون عنه إن كان مأموراً من جهته.
ومن ضمِن بإحضار شخص وجب عليه إحضاره، وإلا غرِم ما عليه.
كتاب الصلح
هو جائز بين المسلمين، إلا صلحاً أحلَّ حراماً أو حرّم حلالاً.
ويجوز عن المعلوم والمجهول بمعلوم ومجهول، وعن الدمِ بالمال بأقلَّ من الديَة أو أكثرَ، ولو عن إنكار.
كتاب الْحَوالة
من أحيل على مَليءٍ فلْيحتلْ.
وإذا مَطَل الْمُحال عليه أو أفلس، كان للمُحال أن يطالب الْمُحِيل بدينه.
كتاب المفلس
يجوز لأهل الدَّين أن يأخذوا جميع ما يجدونه معه، إلا ما كان لا يستغني عنه، وهو المنزل وستر العورة وما يقيه البرد ويسد رمقه ومن يعول.
ومن وجد ماله عنده بعينه، فهو أحق به.
وإذا نقص مال المفلس عن الوفاء بجميع دَيْنه، كان الموجود أُسْوةَ الغُرَماء.
وإذا تبين إفلاسه، فلا يجوز حبسه.
ولَيُّ الواجد ظلم يُحلّ عِرضه وعقوبته.
ويجوز للحاكم أن يحجُره عن التصرف في ماله، ويبيعَه لقضاء دَيْنه.
وكذلك يجوز له الحجر على المبذِّر، ومن لا يحسن التصرف.
ولا يُمَكَّن اليتيم من التصرف في ماله حتى يُؤنس منه الرُّشْد.
ويجوز لوليه أن يأكل من ماله بالمعروف.
كتاب اللُّقَطَة
من وجد لُقَطَة فلْيَعرِف عِفاصها ووِكَاءها، فإن جاء صاحبها دفعها إليه، وإلا عَرَّفها حولاً، وبعد ذلك يجوز له صرفها ولو في نفسه، ويضمنُ مع مجيء صاحبها.
ولُقَطَة مكةَ أشدّ تعريفاً من غيرها.
ولا بأس بأن ينتفع الملتقِط بالشيء الحقير، كالعصا والسَّوط ونحوِهما، بعد التعريف به ثلاثاً.
وتلتقط ضالة الدوابّ إلا الإبلَ.
كتاب القضاء
إنما يصحّ قضاء من كان مجتهداً، متورعاً عن أموال الناس، عادلاً في القضية، حاكماً بالسَّوِيَّة.
ويحرم عليه الحرص على القضاء وطلبه. ولا يحل للإمام تولية من كان كذلك.
ومن كان متأهلاً للقضاء فهو على خطر عظيم.
وله مع الإصابة أجران ومع الخطإ أجر، إن لم يَأْلُ جهداً في البحث.
وتحرم عليه الرِّشْوَة، والهديةُ التي أهديت إليه لأجل كونه قاضياً.
ولا يجوز له الحكم حالَ الغضب.
وعليه التسوية بين الخصمين، إلا إذا كان أحدهما كافراً، والسماع منهما قبل القضاء، وتسهيل الْحِجاب بحسَب الإمكان.
ويجوز له اتخاذ الأعوان مع الحاجة، والشفاعةُ، والاستيضاع، والإرشاد إلى الصُّلح.
وحكمه ينفُذ ظاهراً فقط. فمن قُضي له بشيء فلا يَحلّ له، إلا إذا كان الحكم مطابقاً للواقع.
كتاب الخصومة
على المدعي البيّنة، وعلى المنكر اليمين.
ويحكم الحاكم بالإقرار، وبشهادة رجلين، أو رجلٍ وامرأتين، أو رجلٍ ويمين المدعي، وبيمين المنكر، وبيمين الرّدّ، وبعلمه.
ولا تُقبل شهادة من ليس بعدل، ولا الخائنِ، ولا ذي العداوة، والْمُتَّهَم، والقانِع لأهل البيت، والقاذفِ، ولا بَدَوِيٍّ على صاحب قرية.
وتجوز شهادة من يشهد على تقرير فعله أو قوله، إذا انتفتِ التُّهْمة.
وشهادة الزُّور من أكبر الكبائر.
وإذا تعارض البينتان ولم يوجد وجهُ الترجيح قُسِّم الْمُدَّعَى.
وإذا لم يكن للمدعي بيّنة فليس له إلا يمينُ صاحبه، ولو كان فاجراً، ولا تُقبل البيّنة بعد اليمين.
ومن أقر بشيء عاقلاً، بالغاً، غيرَ هازل، ولا بمحالٍ عقلاً أو عادةً، لزمه ما أقرّ به كائناً ما كان.
ويكفي مرةً واحدةً، من غير فرق بين موجِبات الحدود وغيرها كما سيأتي.
كتاب الحدود
بابٌ حدُّ الزاني:
إن كان بكراً حراً جُلد مِئَةَ جلدةٍ، وبعد الجلد يُغَرَّب عاماً.
وإن كان ثَيِّباً جُلد كما يجلد البكر، ثم رُجم حتى يموتَ.
ويكفي إقراره مرةً. وما ورد من التَّكرار في وقائع الأعيان فلقصد الاستثبات.
وأما الشهادة فلا بد من أربعة، ولا بد أن يتضمن الإقرار والشهادة التصريحَ بإيلاج الفرج في الفرج.
ويسقط بالشبهات المحتمَلة، وبالرجوع عن الإقرار، وبكون المرأةِ عذراءَ أو رَتْقاءَ، وبكون الرجلِ مجبوباً أو عِنِّيناً.
وتحرم الشفاعة في الحدود.
ويحفر للمرجوم إلى الصدر.
ولا ترجم الْحُبلى حتى تضع وترضع ولدها إن لم يوجد من يرضعُه.
ويجوز الجلد حال المرض، ولو بعِثْكال ونحوِه.
ومن لاط بذكر قُتل، ولو كان بكراً، وكذلك المفعول به إذا كان مختاراً.
ويُعَزَّر من نكح بهيمة.
ويجلد المملوك نصفَ جلد الحر. ويَحُدّه سيده أو الإمام.
بابٌ السرقة:
من سرق مكلَّفاً مختاراً من حِرْزٍ رُبْعَ دينار فصاعداً، قُطت كفُّه اليمنى.
ويكفي الإقرار مرةً واحدةً، أو شهادة عدلين.
ويُندب تلقين الْمُسقَط.
ويُحسم موضع القطع، وتعلق اليد في عنق السارق.
ويسقط بعفو المسروق عليه قبل البلوغ إلى السلطان، لا بعده فقد وجب.
ولا قطع في ثَمَر ولا كَثَر ما لم يُؤوِه الْجَرِين، إذا أكل ولم يتخد خُبْنَةً، وإلا كان عليه ثمن ما حمله مرتين وضربُ نَكَالٍ.
وليس على الخائن والْمُنْتَهِب والْمُخْتَلِس قطع.
وقد ثبت القطع في جحد العارِيَّة.
بابٌ حدُّ القذف:
من قذف غيره بالزنا وجب عليه حدّ القذف؛ ثمانين جلدةً إن كان حراً، وأربعين إن كان مملوكاً.
ويثبت ذلك بإقراره مرةً، أو بشهادة عدلين.
وإذا لم يتبْ لم تُقبل شهادته أبداً.
فإن جاء بعد القذف بأربعة شهود سقط عنه الحدّ. وهكذا إذا أقر المقذوف بالزنا.
بابٌ حدُّ الشرب:
من شرب مسكِراً مكلّفاً مختاراً جُلد على ما يراه الإمام؛ إما أربعين جلدةً أو أقلَّ أو أكثرَ، ولو بالنعال.
ويكفي إقراره مرةً، أو شهادة عدلين ولو على القَيْء.
وقتله في الرابعة منسوخ.
فصل:
والتعزير في المعاصي التي لا توجب حدّاً ثابتٌ بحبس أو ضرب أو نحوِهما.
ولا يجاوز عشَرَةَ أسواط.
بابٌ حدُّ المحارب:
وهو أحد الأنواع المذكورة في القرآن: القتل، أو الصلب، أو قطع اليد والرجل من خلاف، أو النفي من الأرض.
يفعل الإمام منها ما رأى فيه صلاحاً، لكل من قطع طريقاً - ولو في المصر - إذا كان قد سعى في الأرض فساداً.
فإن تاب قَبل القدرة عليه سقط عنه ذلك.
بابٌ من يستحق القتل حداً:
هو الْحَربِيّ، والمرتد، والساحر، والكاهن، والسابُّ لله أو لرسوله صلى الله عليه وسلم أو للإسلام أو للكتاب أو للسنة والطاعنُ في الدين والزنديقُ بعد استِتَابتهم، والزاني الْمُحصَن واللُّوطِيّ مطلقاً، والمحارب.
كتاب القِصاص
يجب على المكلّف المختار العامد، إن اختار ذلك الورثة، وإلا فلهم طلب الديَة.
وتقتل المرأة بالرجل، والعكس؛ والعبد بالحر، والكافر بالمسلم، والفرع بالأصل، لا العكس.
ويثبت القصاص في الأعضاء ونحوها، والجروح مع الإمكان.
ويسقط بإبراء أحد الورثة، ويُلْزَم نصيبُ الآخرين من الديَة.
فإذا كان فيهم صغير يُنتَظِر في القصاص بلوغُه.
ويَهدُر ما سببه من الْمَجْنِيِّ عليه.
وإذا أَمسك رجلٌ وقَتل آخرٌ، قُتل القاتلُ وحُبس الممسِكُ.
وفي قتل الخطإ الديَة والكفارة. وهو ما ليس بعمد، أو من صبي، أو مجنون.
وهي على العاقلة، وهم العَصَبَة.
كتاب الديَات
دِيَة الرجل المسلم مِئة من الإبل، أو مِئَتا بقرة، أو ألفا شاةٍ، أو ألف دينار، أو اثنا عشر ألفِ درهم، أو مِئَتا حُلَّة.
وتغلظ ديَة العمد وشِبْهِهِ، بأن يكون الْمِئَة من الإبل في بطون أربعين منها أولادُها.
ودِيَّة الذِّمِّيّ نصف دِيَة المسلم. ودِيَة المرأة نصف دِيَّة الرجل. والأطراف وغيرها كذلك، في الزائد على الثُّلُث.
وتجب الديَة كاملة في العينين والشفتين واليدين والرجلين والبيضتين، وفي الواحدة منها نصفها.
وكذلك تجب كاملةً في الأنف واللسان والذَّكَر والصُّلْب.
وأَرْش الْمَأمُومَة والجْائِفة ثُلُث دِيَة الْمَجنِيّ عليه.
وفي الْمُنَقِّلَة عُشْر الديَة ونصف عشرها.
وفي الهاشمة عشرها.
وفي كل سِنٍّ نصف عشرها. وكذا في الْمُوضِحَة.
وما عدا هذه المسماةِ فيكون أَرْشه بمقدار نسبته إلى أحدها تقريباً.
وفي الجنين إذا خرج ميْتاً الغُرَّة.
وفي العبد قيمته، وأُرُشه بحسَبها.
بابٌ القَسامة:
إذا كان القاتل من جماعةٍ محصورين ثبتت.
وهي خمسون يميناً، يختارهم ولِيّ القتيل.
والديَة إن نكلوا عليهم. وإن حلفوا سقطت. وإن التبس الأمر كانت من بيت المال.
كتاب الوصية
تجب على من له ما يوصي فيه.
ولا تصحّ ضِراراً، ولا لوارث، ولا في معصيةٍ.
وهي في القُرَبِ من الثُّلُث.
ويجب تقديم قضاء الدَّيْن.
ومن لم يترك ما يقضي دَيْنه قضاه السلطان من بيت المال.
كتاب المواريث
هي مُفَصَّلَة في الكتاب العزيز.
ويجب الابتداءُ بذوي الفروض الْمُقَدَّرَة. وما بقي فلِلعَصَبَة.
والأخَوَات مع البنات عَصَبَة.
ولبنت الابن مع البنت السُّدُس تكمِلةَ الثُّلُثين. وكذا الأخت لأبٍ مع الأخت لأبوين.
وللجدة أو الجدات السُّدُس، مع عدم الأم. وهو للجَدّ مع من لا يُسقِطه.
ولا ميراثَ للإخوة والأخوات مطلقاً مع الابن أو ابن الابن أو الأبِ. وفي ميراثهم مع الجدّ خلاف. ويرثون مع البنات إلا الإخوةَ لأمّ. ويسقط الأخُ لأبٍ مع الأخِ لأبوين.
وأولو الأرحام يتوارثون. وهم أقدم من بيت المال.
فإن تزاحمتِ الفروض، فالعَوْل.
ولا يرث ولد الملاعِنة والزانيةِ إلا من أمّه وقرابتها. والعكسُ.
ولا يرث المولود إلا إذا استهلّ.
وميراث العتيق لِمُعتِقه. ويسقط بالعَصَبات. وله الباقي بعد ذوي السهام.
ويحرم بيع الولاء وهبته.
ولا توارثَ بين أهل مِلَّتين.
ولا يرث القاتل المقتول.
كتاب الجهاد والسِّيَر
الجهاد فرض كفايةٍ، مع كل بَرّ وفاجر، إذا أَذِن الأبوان.
وهو مع إخلاص النية يُكفِّر الخطايا، إلا الدَّيْنَ، ويُلحَق به حقوق الآدميّين.
ولا يستعان فيه بالمشركين، إلا لضرورةٍ.
وتجب على الجيش طاعة أميرهم، إلا في معصية الله.
وعليه مشاورتهم، والرفق بهم، وكفّهم عن الحرام.
ويشرع للإمام إذا أراد غزواً أن يُوَرِّيَ بغير ما يريده، وأن يُذْكيَ العيون، ويستطلعَ الأخبار، ويرتبَ الجيوش، ويتخذَ الراياتِ والألويةَ.
وتجب الدعوة قبل القتال إلى إحدى ثلاث خصال: إما الإسلامُ أو الْجِزيةُ أو السيفُ.
ويحرم قتل النساء والأطفال والشيوخ إلا لضرورةٍ، والْمُثْلَةُ، والإحراق بالنار، والفِرار من الزحف إلا إلى فئة.
ويجوز تَبْيِيت الكفار، والكذب في الحرب، والْخِداع.
فصل:
وما غنمه الجيش كان لهم أربعةُ أخماسه، وخمسُه يَصرفه الإمام في مصارفه.
فيأخذ الفارس من الغنيمة ثلاثَ أسهم، والراجلُ سهماً. ويستوي في ذلك القويّ والضعيف، ومن قاتل ومن لم يقاتلْ.
ويجوز تَنْفِيل الإمامِ بعضَ الجيش.
وللإمام الصَّفِيّ. وسهمه كأحد الجيش.
ويَرْضَخ من الغنيمة لمن حضر.
ويُؤثر المؤَلَّفين إن رأى في ذلك صلاحاً.
وإذا رجع ما أخذه الكفار من المسلمين، كان لمالكه.
ويحرم الانتفاع بشيء من الغنيمة قبلَ القِسمة، إلا الطعامَ والعلَفَ.
ويحرم الغُلُول.
ومن جملة الغنيمة الأسرى، ويجوز القتل أو الفِداء أو الْمَنّ.
فصل:
ويجوز استرقاق العرب، وقتل الجاسوس.
وإذا أسلم الحربي قبل القدرة عليه أَحْرَز أموالَه.
وإذا أسلم عبدٌ لكافرٍ صار حُراً.
والأرض المغنومة أمرها إلى الإمام، فيفعل الأصلح من قِسمتها، أو تركها مشترَكةً بين الغانمين، أو بين جميع المسلمين.
ومن أمَّنَه أحدُ المسلمين صار آمناً. والرسول كالْمُؤَمَّن.
وتجوز مهادنة الكفار، ولو بشرط، وإلى أجلٍ أكثرُه عَشْرُ سنين. ويجوز تأبيد المهادنة بالْجِزية.
ويُمنع المشركون وأهل الذمة من السكون في جزيرة العرب.
فصل:
ويجب قتال البُغاة حتى يرجعوا إلى الحق.
ولا يُقتل أسيرهم، ولا يُتَّبَع مُدْبِرُهم، ولا يُجاز على جريحهم، ولا تُغنم أموالهم.
فصل:
وطاعة الأئمة واجبة إلا في معصية الله.
ولا يجوز الخروج عليهم ما أقاموا الصلاة ولم يظهروا كفراً بَوَاحاً. ويجب الصبر على جَوْرهم، وبذلُ النصيحة لهم.
وعليهمُ الذَّبّ عن المسلمين، وكفُّ يدِ الظالم، وحفظُ ثغورهم، وتدبيرُهم بالشرع في الأبدان والأديان والأموال، وتفريقُ أموال الله في مصارفها، وعدمُ الاستئثار بما فوق الكفاية بالمعروف، والمبالغةُ في إصلاح السيرة والسَّرِيرَة.
تم الكتاب بعون الله وتوفيقه
والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات
=
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق