اللهم استجب

سبحانك وبحمدك وأستغفرك أنت الله الشافي الكافي الرحمن الرحيم الغفار الغفور القادر القدير المقتدر الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر الخالق البارئ المصور... الواحد الأحد الواجد الماجد الملك المغيث لا إله إلا أنت وحدك لا شريك لك ..لك الملك ولك الحمد وأنت علي كل شيئ قدير ولا حول ولا قوة إلا بك وأستغفرك اللهم بحق أن لك هذه الأسماء وكل الأسماء الحسني وحق إسمك الأعظم الذي تعلمه ولا أعلمه أسألك أن تَشفني شفاءا لا يُغادر سقما وأن تَكفني كل همي وتفرج كل كربي وتكشف البأساء والضراء عني وأن تتولي أمري وتغفر لي ذنبي وأن تشرح لي صدري وأن تُيسر لي أمري وأن تحلل عُقْدَةً  من لساني يفقهوا قولي وأن تغنني بفضلك عمن سواك اللهم أصلحني: حالي وبالي وأعتقني في الدارين وخُذ بيدي يا ربي وأخرجني من الظلمات الي النور بفضلك  وأن ترحم وتغفر لوالديَّ ومن مات من اخوتي وان تغفر لهم أجمعين وكل من مات علي الايمان والتوبة اللهم آمين  //اللهم تقبل/ واستجب//https://download.tvquran.com/download/selections/315/5cca02c11a61a.mp3

المصحف

 تحميل المصحف

القرآن الكريم وورد word doc icon تحميل المصحف الشريف بصيغة pdf تحميل القرآن الكريم مكتوب بصيغة وورد تحميل سورة العاديات مكتوبة pdf

Translate

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الخميس، 26 مايو 2022

مجلد 1.و2. من كتاب : البيان والتبيين المؤلف : أبي عثمان عمرو بن بحر الجاحظ

 

مجلد 1. من كتاب : البيان والتبيين
المؤلف : أبي عثمان عمرو بن بحر الجاحظ

بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله على سيدنا محمد النبي الكريم وسلم عونك اللهم وتيسيرك

اللهم إنا نعوذ بك من فتنة القول كما نعوذ بك من فتنة العمل ونعوذ بك من التكلف لما لا نحسن كما نعوذ بك من العجب بما نحسن ونعوذ بك من السلاطة والهذر كما نعوذ بك من العي والحصر وقديما تعوذوا بالله من شرهما وتضرعوا الى الله في السلامة منهما
وقد قال النمر بن تولب
( أعذني رب من حصر وعي ... ومن نفس أعالجها علاجا )
وقال الهذلي
( ولا حصر بخطبته ... اذا ما عزت الخطب )
وقال مكي بن سوادة
( حصر مسهب جري جبان ... خير عي الرجال عي سكوت )
وقال الاخر
( مليء ببهر والتفات وسعلة ... ومسحة عثنون وفتل الأصابع )
ومما ذموا به العي قوله
( وما بي من عي ولا أنطق الخنا ... إذا جمع الأقوام في الخطب محفل )
وقال الراجز وهو يمتدح بدلوه
( علقت يا حارث عند الورد ... بجابىء لا رفل التردي )
( ولا عيي بابتناء المجد ... )
وهذا كقول بشار الاعمى
( وعي الفعال كعي المقال ... وفي الصمت عي كعي الكلم )
وهذا المذهب شبيه بما ذهب اليه شتيم بن خويلد في قوله

( ولا يشعبون الصدع بعد تفاقم ... وفي رفق أيديكم لذي الصدع شاعب )
وهذا كقول زبان بن سيار
( ولسنا كأقوام أجدوا رياسة ... يرى مالها أولا يحس فعالها )
( يريغون في الخصب الأمور ونفعهم ... قليل إذ الأموال طال هزالها )
( وقلنا بلا عي وسسنا بطاقة ... إذ النار نار الحرب طال اشتعالها )
لانهم يجعلون العجز والعي من الخرق كانا في الجوارح أو في الألسنة وقال ابن أحمر الباهلي
( لو كنت ذا علم علمت وكيف لي ... بالعلم بعد تدبر الأمر )
وقالوا في الصمت كقولهم في النطق قال أحيحة بن الجلاح
( والصمت أحسن بالفتى ... ما لم يكن عي يشينه )
( والقول ذو خطل اذا ... ما لم يكن لب يعينه )
وقال محرز بن علقمة
( لقد وارى المقابر من شريك ... كثير تحلم وقليل عاب )
( صموتا في المجالس غير عي ... جديرا حين ينطق بالصواب )
وقال مكي بن سوادة
( تسلم بالسكوت من العيوب ... فكان السكت أجلب للعيوب )
( ويرتجل الكلام وليس فيه ... سوى الهذيان من حشد الخطيب )
وقال آخر
( جمعت صنوف العي من كل وجهة ... وكنت حريا بالبلاغة من كثب )
( أبوك معم في الكلام ومخول ... وخالك وثاب الجراثيم في الخطب )
وقال حميد بن ثور الهلالي
( أتانا ولم يعدله سحبان وائل ... بيانا وعلما بالذي هو قائل )
( فما زال عنه اللقم حتى كأنه ... من العي لما أن تكلم باقل )
سحبان مثل في البيان وباقل مثل في العي ولهما أخبار وقال آخر
( ماذا رزئنا منك أم الأسود ... من رحب الصدر وعقل متلد )
( وهي صناع باللسان واليد ... )
وقال اخر

( لو صحبت شهرين دأبا لم تمل ... وجعلت تكثر قول لا و بل )
( حبك للباطل قدما قد شغل ... كسبك عن عيالنا قلت أجل )
( تضجرا مني وعيا بالحيل ... )
قال وقيل لبزرجمهر بن البختكان الفارسي أي شيء أستر للعي قال عقل يجمله قالوا فان لم يكن له عقل قال فمال يستره قالوا فان لم يكن له مال قال فاخوان يعبرون عنه قالوا فان لم يكن له اخوان يعبرون عنه قال فيكون ذا صمت قالوا فان لم يكن ذا صمت قال فموت وحي خير له من ان يكون في دار الحياة
وسأل الله موسى ( ص ) حين بعثه الى فرعون بابلاغ رسالته والابانه عن حجته والافصاح عن أدلته فقال حين ذكر العقدة التي كانت في لسانه والحبسة التي كانت في بيانه ( واحلل عقدة من لساني يفقهوا قولي ) وأنبأنا الله تبارك وتعالى عن تعلق فرعون بكل سبب واستراحته الى كل شغب ونبهنا بذلك على مذهب كل جاحد معاند وعلى كل مختال مكايد حين خبرنا بقوله ( أم أنا خير من هذا الذي هو مهين ولا يكاد يبين ) وقال موسى عليه السلام ( وأخي هارون هو أفصح مني لسانا فارسله معي رداء يصدقني ) وقال ( ويضيق صدري ولا ينطلق لساني ) رغبة منه في غاية الافصاح بالحجة والمبالغة في وضوح الدلالة لتكون الاعناق اليه أسرع وان كان قد يأتى من وراء الحاجة ويبلغ افهامهم على بعض المشقة ولله عز و جل ان يمتحن عباده بما يشاء من التخفيف والتثقيل ويبلو أخبارهم كيف أحب من المكروه والمحبوب ولكل زمان ضرب من المصلحة ونوع من المحنة وشكل من العبادة ومن الدليل على ان الله عز و جل حل تلك العقدة وأطلق ذلك التعقيد والحبسة قوله ( رب اشرح لي صدري ويسر لي أمري واحلل عقدة من لساني يفقهوا قولي واجعل لي وزيرا من أهلي هرون أخي اشدد به أزري وأشركه في أمري ) الى قوله ( قد أوتيت سؤالك يا موسى ) فلم تقع الاستجابة على شيء من دعائه دون شيء لعموم الخبر
وذكر الله تعالى جميل بلائه في تعليم البيان وعظيم نعمته في تقويم اللسان فقال ( الرحمن علم القران خلق الانسان علمه البيان ) وقال ( هذا بيان

للناس ) ومدح القرآن بالبيان والافصاح وبحسن التفصيل والايضاح وبجودة الافهام وحكمة الابلاغ وسماه فرقانا وقال ( عربي مبين ) وقال ( وكذلك أنزلناه قرآنا عربيا ) وقال ( ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء ) وقال ( وكل شيء فصلناه تفصيلا )
وذكر الله تعالى لنبيه حال قريش في بلاغة المنطق ورجاحة الأحلام وصحة العقول وذكر العرب وما فيها من الدهاء والنكراء والمكر ومن بلاغة الالسنة واللدد عند الخصومة فقال ( اذا ذهب الخوف سلقوكم بألسنة حداد ) وقال ( لتنذر به قوما لدا ) وقال ( ويشهد الله على ما في قلبه وهو ألد الخصام ) وقال ( أالهتنا خير أم هو ما ضربوه لك إلا جدلا بل هم قوم خصمون ) ثم ذكر خلابة ألسنتهم واستمالتهم الاسماع بحسن منطقهم فقال ( وإن يقولوا تسمع لقولهم ) ثم قال ( ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ) مع قوله ( وإذا تولى سعى في الارض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل ) وقال الشاعر في قوم يحسنون في القول ويسيئون في العمل قال ابو حفص أنشدني الاصمعي للمكعبر الضبي
( كسالى اذا لاقيتهم غير منطق ... يلهى به المحروب وهو عناء )
وقيل لذوهمان ما تقول في خزاعة قال جوع وأحاديث وفي شبيه بهذا المعنى قال أفنون بن صريم التغلبي
( لو أنني كنت من عاد ومن إرم ... غذي قيل ولقمان وذي جدن )
( لما وقوا بأخيهم من مهولة ... أخا السكون ولا حادوا عن السنن )
( أنى جزوا عامرا سوءا بفعلهم ... أم كيف يجزونني السوأى من الحسن )
( أم كيف ينفع ما تعطي العلوق به ... رئمان أنف أذا ما ضن باللبن )
ورئمان أصله الرقة والرحمة والرؤم أرق من الرؤف فقال رئمان أنف كأنها تبر ولدها بأنفها وتمنعه اللبن
ولأن العرب تجعل الحديث والبسط والتأنيس والتلقي بالبشر من حقوق القرى ومن تمام الأكرام وقالوا تمام الضيافة الطلاقة عند أول وهلة واطالة الحديث عند المؤاكلة وقال شاعرهم وهو حاتم الطائي
( سلي الجائع الغرثان يا أم منذر ... اذا ما أتاني بين ناري ومجزري )

( هل ابسط وجهي انه أول القرى ... وأبذل معروفي له دون منكري )
وقال الاخر
( إنك يا ابن جعفر خير فتى ... وخيرهم لطارق اذا أتى )
( ورب نضو طرق الحي سرى ... صادف زادا وحديثا ما اشتهى )
( إن الحديث جانب من القرى ... )
وقال الآخر
( لحافي لحاف الضيف والبيت بيته ... ولم يلهني عنه غزال مقنع )
( أحدثه ان الحديث من القرى ... وتعلم نفسي انه سوف يهجع )
ولذلك قال عمرو بن الاهتم
( فقلت له أهلا وسهلا ومرحبا ... فهذا مبيت صالح وصديق )
وقال الاخر
( أضاحك ضيفي قبل إنزال رحله ... ويخصب عندي والمحل جديب )
( و ما الخصب للأضياف ان يكثر القرى ... ولكنما وجه الكريم خصيب )
ثم قال الله تبارك وتعالى في باب اخر من صفة قريش والعرب ( أم تأمرهم أحلامهم بهذا ) وقال ( فاعتبروا يا أولي الالباب ) وقال ( أنظر كيف ضربوا لك الأمثال ) وقال ( وان كان مكرهم لتزول منه الجبال ) وعلى هذا المذهب قال ( وان يكادوا الذين كفروا ليزلقونك بأبصارهم ) وقد قال الشاعر
( يتقارضون اذا التقوا في موقف ... نظرا يزيل مواقع الأقدام )
وقال تبارك وتعالى ( وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبين لهم ) لان مدار الامر على البيان والتبيين وعلى الافهام والتفهيم وكلما كان اللسان أبين كان أحمد كما انه كلما كان القلب أشد استبانة كان أحمد والمفهم لك والمتفهم عنك شريكان في الفضل إلا أن المفهم افضل من المتفهم وكذلك المعلم والمتعلم
هكذا ظاهر هذه القضية وجمهور هذه الحكومة إلا في الخاص الذي لا يذكر والقليل الذي لا يشهر
وضرب الله مثلا لعي اللسان ورداءة البيان حين شبه أهله بالنساء والولدان

وقال تعالى ( أو من ينشؤ في الحلية وهو في الخصام غير مبين ) ولذلك قال النمر بن تولب
( وكل خليل عليه الرعاث ... والحبلات ضعيف ملق )
وليس حفظك الله مضرة سلاطة اللسان عند المنازعة وسقطات الخطل يوم اطالة الخطبة بأعظم مما يحدث عن العي من اختلال الحجة وعن الحصر من فوت درك الحاجة والناس لا يعيرون الخرس ولا يلومون من استولى على بيانه العجز وهم يذمون الحصر ويؤنيون العي فان تكلفا مع ذلك مقامات الخطباء وتعاطيا مناظرة البلغاء تضاعف عليهما الذم وترادف عليهما التأنيب ومماتنة العي الحصر للبليغ المصقع في سبيل مماتنة المنقطع المفحم للشاعر المفلق وأحدهما ألوم من صاحبة والالسنة اليه أسرع وليس اللجلاج والتمتام الالثغ والفأفاء وذو الحبسة والحكلة والرتة وذو اللفف والعجلة في سبيل الحصر في خطبته والعي في مناضلة خصومه كما ان سبيل المفحم عند الشعراء والبكىء عند الخطباء خلاف سبيل المسهب الثرثار والخطل المكثار
ثم اعلم ابقاك الله ان صاحب التشديق والتقعير والتقعيب من الخطباء والبلغاء مع سماحة التكلف وشنعة التزيد أعذر من عي يتكلف الخطابة ومن حصر يتعرض لاهل الاعتياد والدربة ومدار اللائمة ومستقر المذمة حيث رأيت بلاغة يخالطها التكلف وبيانا يمازحه التزيد الا ان تعاطي الحصر المنقوص مقام الدرب التام اقبح من تعاطي البليغ الخطيب ومن تشادق الاعرابي القح وانتحال المعروف ببعض الغزارة في المعاني والالفاظ وفي التحبير والارتجال انه البحر الذي لا ينزح والغمر الذي لا يسبر أيسر من انتحال الحصر المنخوب أنه في مسلاخ التام الموفر والجامع المحكك وان كان رسول الله قد قال ( أياي والتشادق ) وقال ( أبغضكم الي الثرثارون المتفيهقون ) وقال ( من بدا جفا ) وعاب الفدادين والمتزيدين في جهارة الصوت وانتحال سعة الاشداق ورحب الغلاصم وهدل الشفاه وأعلمنا ان ذلك في أهل الوبر أكثر وفي اهل المدر أقل فاذا عاب المدري بأكثر مما عاب به الوبري فما ظنك بالمولد القروي والمتكلف البلدي فالحصر المتكلف والعي المتزيد ألوم

من البليغ المتكلف لاكثر مما عنده وهو أعذر لان الشبهة الداخلة عليه اقوى فمن أسوأ حالا أبقاك الله ممن يكون ألوم من المتشدقين ومن الثرثارين المتفيهقين وممن ذكره النبي نصا وجعل النهي عن مذهبه مفسرا وذكر مقته له وبغضه اياه
ولما علم واصل بن عطاء انه ألثغ فاحش اللثغ وأن مخرج ذلك منه شنيع وأنه اذ كان داعية مقالة ورئيس نحلة وأنه يريد الاحتجاج على أرباب النحل وزعماء الملل وأنه لابد من مقارعة الابطال ومن الخطب الطوال وان البيان يحتاج الى تمييز وسياسة والى ترتيب ورياضة والى تمام الالة وإحكام الصنعة والى سهولة المخرج وجهارة المنطق وتكميل الحروف واقامة الوزن وان حاجة المنطق الى الطلاوة والحلاوة كحاجته الى الجلالة والفخامة وان ذلك من اكبر ما تستمال به القلوب وتنثني اليه الاعناق وتزين به المعاني
وعلم واصل انه ليس معه ما ينوب عن البيان التام واللسان المتمكن والقوة المتصرفة كنحو ما أعطى الله نبيه موسى صلوات الله عليه من التوفيق والتسديد مع لباس التقوى وطابع النبوة ومع المحبة والاتساع في المعرفة ومع هدي النبيين وسمت المرسلين وما يغشيهم الله به من القبول والمهابة ولذلك قال بعض شعراء النبي
( لو لم تكن فيه آيات مبينة ... كانت بداهته تنبيك بالخبر )
ومع ما أعطى الله موسى عليه السلام من الحجة البالغة ومن العلامات الظاهرة والبرهانات الواضحة الى ان حل الله تلك العقدة ورفع تلك الحبسة وأسقط تلك المحنة ومن اجل الحاجة الى حسن البيان وإعطاء الحروف حقوقها من الفصاحة رام أبو حذيفة إسقاط الراء من كلامه وإخراجها من حروف منطقة فلم يزل يكابد ذلك ويغالبه ويناضله ويساجله ويتأنى لستره والراحة من هجنته حتى انتظم له ما حاول واتسق له ما أمل ولولا استفاضة هذا الخبر وظهور هذه الحال حتى صار لغرابته مثلا ولظرافته معلما لما استجزنا الاقرار به والتأكيد له ولست اعني خطبه المحفوظة ورسائله المخلدة لان ذلك يحتمل الصنعة وإنما عنيت محاجة الخصوم ومناقلة الاكفاء ومفاوضة الاخوان

واللثغة في الراء تكون بالغين والذال والياء والغين أقلها قبحا وأوجدها في كبار الناس وبلغائهم وأشرافهم وعلمائهم
وكانت لثغة محمد بن شبيب المتكلم بالغين فاذا حمل على نفسه وقوم لسانه أخرج الراء وقد ذكر ذلك أبو الطروق الضبي فقال
( عليم بابدال الحروف وقامع ... لكل خطيب يقلب الحق باطله )
وكان واصل بن عطاء قبيح اللثغة شنيعها وكان طويل العنق جدا وفيه قال بشار الاعمى
( مالي أشايع غزالا له عنق ... كنقنق الدو إن ولى وان مثلا )
( عنق الزرافة ما بالي وبالكم ... أتكفرون رجالا أكفروا رجلا )
فلما هجا واصلا وصوب رأي إبليس في تقديم النار على الطين وقال
( الارض مظلمة والنار مشرقة ... والنار معبودة مذ كانت النار )
وكان واصل بن عطاء غزالا وزعم ان جميع المسلمين كفروا بعد وفاة رسول الله فقيل له وعلي أيضا فأنشد
( وما شر الثلاثة أم عمرو ... بصاحبك الذى لا تصحبينا )
قال واصل بن عطاء عند ذلك أما لهذا الملحد الاعمى المشنف المتكنى بأبي معاذ من يقتله أما والله لولا ان الغيلة سجية من سجايا الغالية لبعثت اليه من يبعج بطنه على مضجعه ويقتله في جوف منزله وفي يوم حفله ثم كان لا يتولى ذلك منه إلى عقيلي او سدوسي
قال اسمعيل بن محمد الانصاري وعبد الكريم بن روح الغفاري قال أبو حفص عمر بن أبي عثمان الشمري الا تريان كيف تجنب الراء في كلامه هذا وأنتما للذي تريان من سلامته وقلة ظهور التكلف فيه لا تظنان به التكلف مع امتناعه من حرف كثير الدوران في الكلام ألا تريان انه حين لم يستطع ان يقول بشار وابن برد والمرعث جعل المشنف بدلا من المرعث والملحد بدلا من الكافر وقال إن الغيلة سجية من سجايا الغالية ولم يذكر المنصورية ولا المغيرية لمكان الراء وقال لبعثت اليه من يبعج بطنه ولم يقل لأرسلت اليه وقال على مضجعه ولم يقل على فراشه
وكان اذا أراد ان يذكر البر قال القمح والحنطة والحنطة لغة كوفية

والقمح لغة شامية هذا وهو يعلم أن لغة من قال بر أفصح من قال قمح او حنطة
قال المتنخل الهذلي
( لا در دري ان أطعمت نازلهم ... قرف الحني وعندي البر مكنون )
وقال أمية بن أبي الصلت في مديح عبد الله بن جدعان
( له داع بمكة مشمعل ... واخر فوق دارته ينادي )
( الى ردح من الشيزى عليها ... لباب البر يلبك بالشهاد )
وقال بعض القرشيين يذكر قيس بن معد يكرب ومقدمه مكة في كلمة له
( قيس أبو الاشعث بطريق اليمن ... لا يسأل السائل عنه ابن من )
( أشبع آل الله من بر عدن ... )
وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه أترون اني لا اعرف رقيق العيش لباب البر بصغار المعزى وسمع الحسن رجلا يعيب الفالوذق فقال لباب البر بلعاب النحل بخالص السمن ما عاب هذا مسلم وقالت عائشة رضي الله عنها ما شبع رسول الله من هذه البرة السمراء حتى فارق الدنيا
وأهل الامصار انما يتكلمون على لغة النازلة فيهم من العرب ولذلك تجد الاختلاف في ألفاظ أهل الكوفة والبصرة والشام ومصر
حدثني أبو سعيد عبد الكريم بن روح قال قال أهل مكة لمحمد بن المناذر الشاعر ليست لكم معاشر اهل البصرة لغة فصيحة انما الفصاحة لنا أهل مكة فقال ابن المناذر أما ألفاظنا فأحكى الالفاظ للقران وأكثرها له موافقه فضعوا القران بعد هذا حيث شئتم أنتم تسمون القدر برمة وتجمعون البرمة على برام ونحن نقول قدر ونجمعها على قدور وقال الله عز و جل ( وجفان كالجواب وقدور راسيات ) وأنتم تسمون البيت اذا كان فوق البيت علية وتجمعون هذا الاسم على علالي ونحن نسميه غرفة ونجمعها على غرفات وغرف وقال الله تبارك وتعالى ( غرف من فوقها غرف مبنية ) وقال ( وهم في الغرفات امنون ) وأنتم تسمون الطلع الكافور والاغريض ونحن نسميه الطلع وقال الله عز و جل ( ونخل طلعها هضيم ) فعد عشر كلمات لم أحفظ أنا منها الا هذا
الا ترى ان أهل المدينة لما نزل فيهم ناس من الفرس في قديم الدهر علقوا

بألفاظ من ألفاظهم ولذلك يسمون البطيخ الخربز ويسمون السميط الروذق ويسمون المصوص المزوز ويسمون الشطرنج الاشترنج الى غير ذلك من الاسماء
وكذا أهل الكوفة فانهم يسمون المسحاة بال وبال بالفارسية ولو علق ذلك لغة اهل البصرة - اذ نزلوا بأدنى بلاد فارس وأقصى بلاد العرب - كان ذلك أشبه اذ كان اهل الكوفة قد نزلوا بأدنى بلاط النبط وأقصى بلاد العرب ويسمي أهل الكوفة الحوك باذروج والباذروج بالفارسية والحوك كلمة عربية
وأهل البصرة إذا التقت أربع طرق يسمونها مربعة ويسميها أهل الكوفة الجهار سو والجهار سو بالفارسية ويسمون السوق أو السويقة وازار والوازار بالفارسية ويسمون القثاء خيارا والخيار فارسية ويسمون المجذوم ويذي بالفارسية
وقد يستخف الناس ألفاظا ويستعملونها وغيرها أحق بذلك منها ألا ترى ان الله تبارك وتعالى لم يذكر في القران الجوع إلا في موضع العقاب او في موضع الفقر المدقع والعجز الظاهر والناس لا يذكرون السغب ويذكرون الجوع في حال القدرة والسلامة وكذلك ذكر المطر لانك لا تجد القرآن يلفظ به الا في موضع الانتقام والعامة وأكثر الخاصة لا يفصلون بين ذكر المطر وذكر الغيث ولفظ القرآن الذي عليه نزل انه اذا ذكر الابصار لم يقل الاسماع واذا ذكر سبع سموات لم يقل الارضين الا تراه لا يجمع الارض أرضين ولا السمع أسماعا والجاري على أفواه العامة غير ذلك لا يتفقدون من الالفاظ ما هو أحق بالذكر وأولى بالاستعمال وقد زعم بعض القراء انه لم يجد ذكر لفظ النكاح في القرآن إلا في موضع التزويج
والعامة ربما استخفت أقل اللغتين وأضعفهما وتستعمل ما هو أقل في أصل اللغة استعمالا وتدع ما هو اظهر واكثر ولذلك صرنا نجد البيت من الشعر قد سار ولم يسر ما هو أجود منه وكذلك المثل السائر وقد يبلغ الفارس والجواد الغاية في الشهرة ولا يرزق ذلك الذكر والتنويه بعض من هو أولى بذلك منه ألا ترى ان العامة ابن القرية أشهر عندها في الخطابة من سحبان وائل وعبيد الله ابن الحر أذكر عندهم في الفروسية من زهير بن ذؤيب وكذلك مذهبهم في

عنترة بن شداد وعتيبة بن الحارث بن شهاب وهم يضربون المثل بعمرو بن معد يكرب ولا يعرفون بسطام بن قيس
وفي القران معان لا تكاد تفترق مثل الصلاة والزكاة والجوع والخوف والجنة والنار والرغبة والرهبة والمهاجرين والانصار والجن والانس
قال قطرب أنشدني ضرار بن عمرو قول الشاعر في واصل
( ويجعل البر قمحا في تصرفه ... وجانب الراء حتى احتال للشعر )
( ولم يطق مطرا والقول يعجله ... فعاد بالغيث اشفاقا من المطر )
قال وسألت عثمان البري كيف كان واصل يصنع في العدد وكيف كان يصنع بعشرة وعشرين وأربعين وكيف كان يصنع بالقمر والبدر ويوم الاربعاء وشهر رمضان وكيف كان يصنع بالمحرم وصفر وربيع الأول وربيع الآخر وجمادى الآخرة ورجب فقال مالي فيه قول الا ما قال صفوان
( ملقن ملهمم فيما يحاوله ... جم خواطره جواب آفاق )
وأنشدني ديسم قال أنشدني ابو محمد اليزيدي
( وخلة اللفظ في اليا آت إن فقدت ... كخلة اللفظ اللامات والألف )
( وخصلة الراء فيها غير خافية ... فاعرف مواقعها في القول والصحف )
يزعم ان هذه الحروف اكثر تردادا من غيرها والحاجة اليها أشد واعتبر ذلك بأن تأخذ عدة رسائل وعدة خطب من جملة خطب الناس ورسائلهم فانك متى حصلت جميع حروفها وعددت كل شكل على حدة علمت ان هذه الحروف الحاجة اليها أشد

ذكر ما جاء في تلقيب واصل بالغزال ومن نفي ذلك عنه

قال ابو عثمان فمن ذلك ما أخبرنا به الاصمعي قال أنشدني المعتمر بن سليمان لاسحق بن سويد العدوي
( برئت من الخوارج لست منهم ... من الغزال منهم وابن باب )
( ومن قوم اذا ذكروا عليا ... يردون السلام على السحاب )
( ولكني أحب بكل قلبي ... وأعلم أن ذاك من الصواب )
( رسول الله والصديق حبا ... به أرجو غدا حسن الماب )
وفي ذلك قال بشار

( مالي أشايع غزالا له عنق ... كنقيق الدو إن ولى وإن مثلا )
ومن ذلك قول معدان السميطى
( يوم تشفى النفوس من يعصر اللؤم ... م ويثنى بسامة الرحال )
( وعدي وتيمها وثقيف ... وأمي وتغلب وهلال )
( لا حرور ولا النوائب تنجو ... لا ولا صحب واصل الغزال )
وكان بشار كثير المديح لواصل بن عطاء قبل ان يدين بالرجعة ويكفر جميع الامة وكان قد قال في تفضيله على خالد بن صفوان وشبيب بن شيبة والفضل ابن عيسى يوم خطبوا عند عبد الله بن عمر بن عبد العزيز والي العراق
( أبا حذيفة قد أوتيت معجبة ... من خطبة بدهت من غير تقدير )
( وإن قولا يروق الخالدين معا ... لمسكت مخرس عن كل تجبير )
لأنه كان مع ارتجاله الخطبة التي نزع منها الراء كانت مع ذلك أطول من خطبهم وقال بشار
( تكلفوا القول والاقوام قد حفلوا ... وحبروا خطبا ناهيك من خطب )
( فقام مرتجلا تغلي بداهته ... كمرجل القين لما حف باللهب )
( وجانب الراء لم يشعر به أحد ... قبل التصفح والإغراق في الطلب )
وقال في كلمة له يعني تلك الخطبة
( فهذا بديه لا كتحبير قائل ... اذا ما أراد القول زوره شهرا )
فلما انقلب عليهم بشار ومقاتله لهم بادية هجوه ونفوه فما زال غائبا حتى مات عمرو بن عبيد وقال صفوان الانصاري
( متى كان غزال له يا ابن حوشب ... غلام كعمرو او كعيسى بن حاضر )
( أما كان عثمان الطويل بن خالد ... أو القرم حفص نهية للمخاطر )
( له خلف شعب الصين في كل ثغرة ... الى سوسها الاقصى وخلف البرابر )
( رجال دعاة لا يفل عزيمهم ... تهكم جبار ولا كيد ماكر )
( إذا قال مروا في الشتاء تطاوعوا ... وإن كان صيفا لم يخف شهر ناجر )
( بهجرة أوطان وبذل وكلفة ... وشدة أخطار وكد المسافر )
( فأنجح مسعاهم وأثقب زندهم ... وأورى بفلج للمخاصم قاهر )
( وأوتاد أرض الله في كل بلدة ... وموضع فتياها وعلم التشاجر )

( وما كان سحبان يشق غبارهم ... ولا الشدق من حيي هلال بن عامر )
( ولا الناطق النخار والشيخ دغفل ... إذا وصلوا أيمانهم بالمخاصر )
( ولا القالة الأعلون رهط مكحل ... اذا نطقوا في الصلح بين العشائر )
( بجمع من الجفين راض وساخط ... وقد زحفت براؤهم للمحاضر )
( تلقب بالغزال واحد عصره ... فمن لليتامى والقبيل المكاثر )
( ومن لحرري وآخر رافض ... وآخر مرجي وآخر حائر )
( وأمر بمعروف وانكار منكر ... وتحصين دين الله من كل كافر )
( يصيبون فصل القول في كل منطق ... كما طبقت في العظم مدية جازر )
( تراهم كأن الطير فوق رؤوسهم ... على عمة معروفة في المعاشر )
( وسيماهم معروفة في وجوههم ... وفي المشي حجاجا وفوق الاباعر )
( وفي ركعة تأتي على الليل كله ... وظاهر قول في مثال الضمائر )
( وفي قص هداب وإحفاء شارب
وكور على شيب يضيء لناظر )
( وعنفقه مصلومة ولنعله ... قبالان في ردن رحيب الخواطر )
( فتلك علامات تحيط بوصفهم ... وليس جهول القوم في جرم خابر )
وفي واصل يقول صفوان
( فما مس دينارا ولا صر درهما ... ولا عرف الثوب الذي هو قاطعة )
وفيه يقول اسباط بن واصل الشيباني
( وأشهد ان الله سماك واصلا ... وأنك ميمون النقيبة والشيم )
ولما قام بشار يعذر ابليس في ان النار خير من الارض وذكر واصلا بما ذكره قال صفوان
( زعمت بأن النار أكرم عنصرا ... وفي الارض تحيا بالحجارة والزند )
( ويخلق في أرحامها وأرومها ... أعاجيب لا تحصى بخط ولا عقد )
( وفي القعر من لج البحار منافع ... من اللؤلؤ المكنون والعنبر الورد )
( كذلك سر الارض في البحر كله ... وفي الغيضة الغناء والجبل الصلد )
( ولا بد من أرض لكل مطهر ... وكل سبوح في الغمائر من جد )
( كذاك وما ينساح في الارض ماشيا ... على بطنه مشي المجانب للقصد )
( ويسري على جلد يقيم حزوزه ... تعمج ماء السيل في صبب حرد )

( وفي قلل الاجبال خلف مقطم ... زبرجد أملاك الورى ساعة الحشد )
( وفي الحرة الرجلاء تلقى معادنا ... لهن مغارات تبجس بالنقد )
( من الذهب الإبريز والفضة التي ... تروق وتصبي ذا القناعة والزهد )
( وكل فلز من نحاس وآنك ... ومن زئبق حي ونوشادر يسدي )
( وفيها زرانيخ ومكر ومرتك ... ومن مرقشيشا غير كاب ولا مكدي )
( وفيها ضروب القار والشب والنهى ... وأصناف كبريت مطاولة الوقد )
( ترى العرق منها في المقاطع لائحا ... كما قدت الحسناء حاشية البرد )
( ومن إثمد جون وكلس وفضة ... ومن توتياء في معادنه هندي )
( وفي كل أغوار البلاد معادن ... وفي ظاهر البيداء من مستوى نجد )
( وكل يواقيت الانام وحليها ... من الارض والاحجار فاخرة المجد )
( وفيها مقام الخل والركن والصفا ... ومستلم الحجاج من جنة الخلد )
( وفي صخرة الخضر التي عند حوتها ... وفي الحجر المهمى لموسىعلىعمد )
( وفي الصخرة الصماء تصدع آية ... لأم فصيل ذي رغاء وذي وجد )
( مفاخر للطين الذى كان أصلنا ... ونحن بنوه غير شك ولا جحد )
( فذلك تدبير ونفع وحكمة ... وأوضح برهان على الواحد الفرد )
( أتجعل عمرا والنطاسي واصلا ... كأتباع ديصان وهم قمش المد )
( وتفخر بالميلاد والعلج عاصم ... وتضحك من جيد الرئيس أبي جعد )
( وتحكي لدى الأقوام شنعة رأيه ... لتصرف أهواء النفوس الى الرد )
وسميته الغزال في الشعر مطنبا ومولاك عند الظلم قصته مردى
يقول ان مولاك ملاح لان الملاحين اذا تظلموا رفعوا المرادى
( فيا ابن حليف الطين واللؤم والعمى ... وأبعد خلق الله من طرق الرشد )
( أتهجوا أبا بكر وتخلع بعده ... عليا وتعزو كل ذاك الى برد )
( كأنك غضبان على الدين كله ... وطالب ذحل لا يبيت على حقد )
( رجعت الىالامصار من بعد واصل ... وكنت شريدا في التهائم والنجد )
( أتجعل ليلى الناعطية نحلة ... وكل عريق في التناسخ والرد )
( عليك بدعد والصدوف وفرتني ... وحاضنتي كسف وزاملتي هند )
( تواثب أقمارا وأنت مشوة ... وأقرب خلق الله من شبه القرد )

ولذلك قال فيه حماد عجرد بعد ذلك
( ويا أقبح من قرد ... اذا ما عمى القرد )
ويقال انه لم يجزع من شيء قط جزعه من هذا البيت وذكره الشاعر وذكر أخويه لامه فقال
( لقد ولدت أم الأكيمة أعرجا ... واخر مقطوع القفا ناقص العضد )
وكانوا ثلاثة مختلفي الاباء والأم واحدة وكلهم ولد زمنا ولذلك قال بعض من يهجوه
( اذا دعاه الخال أقعى ونكص ... وهجنة الإقراف فيه بالخصص )
وقال الشاعر
( لا تشهدن بخارجي مطرف ... حتى ترى من نجله أفراسا )
وقال صفوان الانصاري في بشار وأخويه وكان يخاطب أمهم
( ولدت خلدا وذيخا في تشتمه ... وبعده خزرا يشتد في العضد )
( ثلاثة من ثلاث فرقوا فرقا ... فاعرف بذلك عرق الخال من ولد )
وقال بعد ذلك سليمان الاعمى أخو مسلم بن الوليد الانصاري الشاعر في اعتذار بشار لابليس وهو يخبر عن كرم خصال الارض
( لابد للأرض ان طابت وان خبثت ... من ان تحيل اليها كل مغروس )
( وتربة الأرض ان جيدت وان قحطت ... فحملها أبدا في إثر منفوس )
( وبطنها بفلز الارض ذو خبر ... بكل جوهرة في الارض مرموس )
( وكل آنية عمت مرافقها ... وكل منتقد فيها وملبوس )
( وكل ماعونها كالملح مرفقة ... وكلها مضحك من قول ابليس )
وقال بعض خلفاء بغداد
( عجبت من ابليس في كبره ... وخبث ما أبداه من نيته )
( تاه على ادم في سجدة ... وصار قوادا لذريته )
وذكره بهذا المعنى سليمان أخو مسلم الانصاري فقال
( يأبى السجود له من فرط نخوته ... وقد تحول في مسلاخ قواد )
وقال صفوان في شأن واصل وبشار وفي شأن النار والطين في كلمة له
( وفي جوفها للعبد أستر منزل ... وفي ظهرها يقضي فرائضه العبد )

( تمج لفاظ الملح مجا وتصطفي ... سبائك لا تصدى وان قدم العهد )
( وليس بمحص كنه ما في بطونها ... حساب ولا خط و ان بلغ الجهد )
( فسائل بعبد الله في يوم حفله ... وذاك مقام لا يشاهده وغد )
( أقام شبيبا وابن صفوان قبله ... بقول خطيب لا يجانبه القصد )
( وقام ابن عيسى ثم قفاه واصل ... فأبدع قولا ما له في الورى ند )
( فما نقصته الراء اذ كان قادرا ... على تركها واللفظ مطرد سرد )
( ففضل عبد الله خطبة واصل ... وضوعف في قسم الصلات له الشكد )
( فأقنع كل القوم شكر حبائهم ... وقلل ذاك الضعف في عينه الزهد ) وقد كتبنا احتجاج من زعم ان واصل بن عطاء كان غزالا واحتجاج من دفع ذلك عنه ويزعم هؤلاء أن قول الناس واصل الغزال كما يقال خالد الحذاء وكما يقولون هشام الدستواني وانما قيل ذلك لان الاباضية كانت تبعث اليه من صدقاتها بثياب دستوانية فكان يكسوها الاعراب الذين يكونون بالحباب فأجابوه الى وقول الاباضية وكانوا قبل ذلك لا يزوجون الهجناء فأجابوه الى التسوية وزوجوا هجينا فقال الهجين في ذلك
( إنا وجدنا دستوانينا ... الصائمين المتبعدينا )
( أفضل منكم حسبا ودينا ... أخزى الاله المتكبرينا )
( أفيكم من ينكح الهجينا ... )
وإنما قيل ذلك لواصل لكثرة جلوسه في سوق الغزالين الى أبي عبد الله مولى قطن الهلالي وكذلك كانت حال خالد الحذاء الفقيه وكما قالوا أبو مسعود البدري لانه كان نازلا على ذلك الماء وكما قالوا أبو مالك السدي لانه كان يبيع الخمر في سدة المسجد
وهذا الباب مستقصى في كتاب الاسماء والكنى وقد ذكرنا جملة منه في أنباء السرارى والمهيرات
قال أبو عثمان

ذكر الحروف التي تدخلها اللثغة وما يحضرني منها

وهي أربعة أحرف القاف والسين واللام والراء فأما التي هي على الشين المعجمة فذلك شيء لا يصورة الخط لانه ليس من الحروف المعروفة

وانما هو مخرج من المخارج والمخارج لا تحصى ولايوقف عليها وكذلك القول في حروف كثيرة من حروف لغات العجم وليس ذلك في شيء اكثر منها في لغة الخوز وفي سواحل البحر من أسياف فارس ناس كثير كلامهم شبيه بالصفير فمن يستطيع ان يصور كثيرا من حروف الزمزمة وهي الحروف التي تظهر من فم المجوسي اذا ترك الافصاح عن معانيه واخذ في باب الكناية وهو على الطعام
فاللثغة التي تعرض للسين تكون ثاء كقوله لابي يكسوم أبي يكثوم وكما يقولون بثرة اذا أرادوا بسرة وباثم الله إذا أرادوا بسم الله
والثانية اللثغة التي تعرض للقاف فان صاحبها يجعل القاف طاء فاذا اراد أن يقول قلت له قال طلت له وأراد أن يقول قال لي قال طال لي
وأما اللثغة التي تقع في اللام فان من أهلها من يجعل اللام ياء فيقول بدل قوله اعتللت اعتييت وبدل جمل جمي وآخرون يجعلون اللام كافا كالذي عرض لعمر أخى هلال فانه كان اذا اراد ان يقول ما العلة في هذا قال ما اكعكة في هذا
فاما اللثغة التي تقع في الراء فان عددها يضعف على عدد لثغة اللام لان الذي يعرض لها أربعة أحرف فمنهم من اذا أراد ان يقول عمرو قال عمي فيجعل الراء ياء ومنهم من اذا أراد ان يقول عمرو قال عمغ فيجعل الراء غينا ومنهم من اذا أراد ان يقول عمرو قال عمذ فيجعل الراء ذالا واذا أنشد قول الشاعر
( وأستبدت مرة واحدة ... إنما العاجز من لا يستبد )
قال
( واستبدت مذة واحدة ... إنما العاجز من لا يستبد )
فمن هؤلاء علي بن جنيد بن فريدى
ومنهم من يجعل الراء ظاء معجمة فيقول اذا أنشد هذا البيت
( واستبدت مرة واحدة ... انما العاجز من لا يستبد )
قال
( واستبدت مظة واحدة ... انما العاجز من لا يستبد )
ومنهم من يجعل الراء غينا معجمة فاذا اراد ان ينشد هذا البيت

( واستبدت مرة واحدة ... انما العاجز من لا يستبد )
قال
( واستبدت مغة واحدة ... انما العاجز من لا يستبد )
كما أن الذي لثغته بالياء اذا اراد ان يقول واستبدت مرة واحدة قال واستبدت مية واحدى
وأما اللثغة الخامسة التي كانت تعرض لواصل بن عطاء وسليمان بن يزيد العدوي الشاعر فليس الى تصويرها سبيل وكذلك اللثغة التي تعرض في الشين كنحو ما كان لمحمد بن الحجاج كاتب داود بن محمد كاتب أم جعفر فان تلك ايضا ليس لها صورة في الخط ترى بالعين وانما يصورها اللسان وتتأدى الى السمع وربما اجتمعت في الواحد لثغتان في حرفين كنحو لثغة شوشي صاحب عبد الله بن خالد الاموي فانه كان يجعل اللام ياء والراء ياء قال مرة موياي ويي ايي يريد مولاي ولي الري
واللثغة في الراء اذا كانت بالياء فهي أحقرهن وأوضعهن لذي المروءة ثم التي على الظاء ثم التي على الذال فأما التي على الغين فهي أيسرهن ويقال ان صاحبها لو جهد نفسه جهده وأخذ لسانه وتكلف مخرج الراء على حقها والافصاح بها لم يكن بعيدا من ان تجيبه الطبيعة ويؤثر فيها ذلك التعهد أثرا حسنا وقد كانت لثغة محمد بن شبيب المتكلم بالغين وكان اذا شاء ان يقول عمر ولعمري وما أشبه ذلك على الصحة قاله ولكنه كان يستثقل التكلف والتهيؤ لذلك فقلت له اذا لم يكن المانع إلا هذا العذر فلست أشك أنك لو احتملت هذا التكلف والتتبع شهرا واحدا ان لسانك كان يستقيم
أما من يعتريه اللثغ في الضاد ربما اعتراه أيضا في الصاد والراء حتى اذا أراد ان يقول مضر قال مضى فهذا وأشباهه لاحقون بشوشي
وزعم ناس من العوام أن موسى صلوات الله وسلامه عليه كان ألثغ ولم يقفوا من الحروف التي كانت تعرض له في شيء بعينه فمنهم من جعل ذلك خلقة ومنهم من زعم أنه انما اعتراه حين قالت اسية بنت مراحم امرأة فرعون لفرعون لا تقتل طفلا لا يفرق الجمر من التمر فلما دعا له فرعون بهما جميعا تناول جمرة فأهوى بها الى فيه فاعتراه من ذلك ما اعتراه
وأما اللثغة في الراء فتكون في الياء والذال والغين وهي اقلها قبحا

وأوجدها في ذي الشرف وكبار الناس وبلغائهم وأشرافهم وعلمائهم وكانت لثغة محمد بن شبيب المتكلم بالغين فاذا حمل على نفسه وقوم لسانه اخرج الراء على الصحة فتأتى له ذلك وكان يدع ذلك استثقالا أنا سمعت ذلك منه قال وكان الواقدي يروي عن بعض رجاله ان لسان موسى عليه السلام كانت عليه شامة فيها شعرات وليس يدل القران على شيء مما قالوا لانه ليس في قوله ( واحلل عقدة من لساني ) دليل على شيء دون شيء
قال الاصمعي اذا تتعتع اللسان في التاء فهو تمتام واذا تتعتع في الفاء فهو فأفاء وانشد لرؤبة بن العاج
( ياحمد ذاك المنطق التمتام ... كأن وسواسك في اللمام )
( حديث شيطان بني همام ... )
وبعضهم ينشد يا حمد ذات المنطق النمنام وليس ذاك بشيء وانما ذلك كما قاله ابو الزحف
( لست بفأفاء ولا تمتام ... ولا كثير الهجر في المنام )
وانشد أيضا للخولاني في كلمة له
( إن السياط تركن لاستك منطقا ... كمقالة التمتام ليس بمعرب )
فجعل الخولاني التمتام غير معرب عن معناه ولا مفصح بحاجته
وقال أبو عبيدة اذا أدخل الرجل بعض كلامه في بعض فهو ألف وقيل بلسانه لفف وأنشدني لابي الزحف الراجز
( كأن فيه لففا اذا نطق ... من طول تحبيس وهم وأرق )
كأنه لما جلس وحده ولم يكن له من يسلمه وطال عليه ذلك أصابه لفف في لسانه وكان يزيد بن جابر قاضي الازارقة بعد المقعطل يقال له الصموت لانه لما طال صمته ثقل عليه الكلام فكان لسانه يلتوي ولا يكاد يبين وأخبرني محمد بن الجهم أن مثل هذا اعتراه أيام محاربة الزط من طول التفكر ولزوم الصمت قال وأنشدني الاصمعي
( حديث بني زط اذا ما لقيتهم ... كنزو الدبى في العرفج المتقارب )
قال ذلك حين كان في كلامهم عجلة وقال سلمة بن عياش
( كأن بني رالان اذا جاء جمعهم ... فراريج يلقى بينهن سويق )

فقال ذلك لرقة أصواتهم وعجلة كلامهم وقال اللهبي في اللجلاج
( ليس خطيب القوم باللجلاج ... ولا الذي يزحل كالهلباج )
( ورب بيداء وليل داج ... هتكته بالنص والإدلاج )
وقال محمد بن سلام الجمحي كان عمر بن الخطاب رضى الله تعالى عنه اذا رأى الرجل يتلجلج في كلامه قال خالق هذا وخالق عمرو بن العاص واحد ويقال في لسانه حبسة اذا كان الكلام يثقل عليه ولم يبلغ حد الفأفاء والتمتام ويقال في لسانه لكنة اذا أدخل بعض حروف العجم في حروف العرب وجذبت لسانه العادة الاولى الىالمخرج الاول فاذا قالوا في لسانه حكله فانما يذهبون الى نقصان الة المنطق وعجز أداة اللفظ حتى لا تعرف معانيه الا بالاستدلال وقال رؤية بن العجاج
( لو أنني أوتيت علم الحكل ... علم سليمان كلام النمل )
وقال محمد بن ذؤيب في مديح عبد الملك بن صالح
( ويفهم قول الحكل لو أن ذرة ... تساود أخرى لم يفته سوادها )
وقال التيمي في هجائه لبني تغلب
( ولكن حكلا لا تبين ودينها ... عبادة أعلاج عليها البرانس )
قال سحيم بن حفص في الخطيب الذى تعرض له النحنحة والسعلة وذلك اذا انتفخ سحره وكبا زنده ونبا حده فقال
( نعوذ بالله من الإهمال ... ومن كلال الغرب في المقال )
( ومن خطيب دائم السعال ... )
وأنشدني الاعرابي
( إن زيادا ليس بالبكي ... ولا بهياب كثير العي )
وأنشدني بعض أصحابنا
( ناديت هيذان والابواب مغلقة ... ومثل هيذان سني فتحة الباب )
( كالهندواني لم يفلل مضاربه ... وجه جميل وقلب غير وجاب )
وقال الآخر
( اذا الله سني عقد شيء تيسرا ... )
وقال بشر بن معمر في مثل ذلك

( ومن الكبائر مقول متتعتع ... جم التنحنح متعب ميهور )
وذلك أنه شهد ريسان أبا بجير بن ريسان يخطب وقد شهدت انا هذه الخطبة ولم أر جبانا قط أجرأ منه ولا جريئا قط أجبن منه
وقال الاشل الازرقي - من بعض اخوال عمران بن حطان الصفري القعدي - في زيد بن جندب الايادي خطيب الازارقة واجتمعا في بعض المحافل فقال بعد ذلك الاشل البكري
( نحنح زيد وسعل ... لما رأى وقع الأسل )
( ويل امه اذا ارتجل ... ثم أطال واحتفل )
وقد ذكر الشاعر زيد بن جندب الايادي الخطيب الازرقي في مرثيته لابي داود بن جرير الايادي حيث ذكره بالخطابة وضرب المثل بخطباء إياد فقال
( كقس أياد أو لقيط بن معبد ... وعذرة والمنطيق زيد بن جندب )
وزيد بن جندب هو الذي يقول في الاختلاف الذي وقع بين الازارقة
( قل للمحلين قدقرت عيونكم ... بفرقة القوم والبغضاء والهرب )
( كنا اناسا على دين ففرقنا ... فرع الكلام وخلط الجد باللعب )
( ما كان أغنى رجالا ضل سعيهم ... عن الجدال وأغناهم عن الخطب )
( إني لأهونكم في الارض مضطربا ... مالي سوى فرسي والرمح من نشب )
وأما عذرة المذكور في البيت الاول فهو عذرة بن حجرة الخطيب الايادي ويدل على قدرة فيهم وعلى قدرة في اللسن والخطب قول شاعرهم
( وأي فتى صبر على الأين والظما ... اذا اعتصروا بلوح ماء فظاظها )
( إذا ضرجوها ساعة بدمائها ... وحل عن الكوماء عقد شظاظها )
( فانك ضحاك الىكل صاحب ... وأنطق من قس غداة عكاظها )
( إذا شعب المولى مشاعب معشر ... فعذرة فيها اخذ بكظاظها )
فلم يضرب هذا الشاعر الايادي المثل لهذا الخطيب الايادي الا برجل من خطباء إياد وهو قس بن ساعدة ولم يضرب صاحب مرثية أبي داود بن جرير الايادي المثل الا بخطباء اياد فقط ولم يفتقر الى غيرهم حيث قال في عذرة بن حجرة
( كقس إياد او لقيط بن معبد ... وعذرة والمنطيق زيد بن جندب )

واول هذه المرثية قوله
( نعى ابن جرير جاهل بمصابه ... فعم نزارا بالبكا والتحوب )
( نعاه لنا كالليث يحمي عرينه ... وكالبدر يغشى ضوؤه كل كوكب )
( وأصبر من عود وأهدى اذاسرى ... من النجم في داج من الليل غيهب )
( واضرب من حد السنان لسانه ... وأمضى من السيف الحسام المشطب )
( زعيم نزار كلها وخطيبها ... اذا قال طأطا رأسه كل مشغب )
( سليل قروم سادة ثم قالة ... يبزون يوم الجمع أهل المحصب )
( كقس إياد او لقيط بن معبد ... وعذرة والمنطيق زيد بن جندب )
في كلمة له طويلة وإياهم غنى الشاعر بقوله
( يرمون بالخطب الطوال وتارة ... وحي الملاحظ خيفة الرقباء )
قال أخبرني محمد بن عباد بن كاسب كاتب زهير ومولى بجيلة من سبى دابق وكان شاعرا راوية وطلابة للعلم علامة قال سمعت ابا دواد بن جرير يقول وقد جرى شيء من ذكر الخطب وتحبير الكلام واقتضابه وصعوبة ذلك المقام وأهواله فقال تخليص المعاني رفق والاستعانة بالغريب عجز والتشادق من غير أهل البادية بغض والنظر في عيون الناس عي ومس اللحية هلك والخروج مما بني عليه اول الكلام اسهاب وسمعته يقول رأس الخطابة الطبع وعمودها الدربة وجناحاها رواية الكلام وحليها الاعراب وبهاؤها تخير اللفظ والمحبة مقرونة بقلة الاستكراه وانشداني بيتا له في صفة خطباء اياد وهو قوله
( يرمون بالخطب الطوال وتارة ... وحي الملاحظ خيفة الرقباء )
فذكر المبسوط في موضعه والمحذوف في موضعه والموجز والكناية والوحي باللحظ ودلالة الاشارة وأنشدني له الثقة في كلمة له معروفة
( الجود أخشن مسا يا بني مطر ... من أن تبز كموه كف مستلب )
( ما أعلم الناس أن الجود مدفعة ... للذم لكنه يأتي على النشب )
قال ثم لم يحفل بها فادعاها مسلم بن الوليد الانصاري او ادعيت له وكان احد من يجيد قريض الشعر وتحبير الكلام
وفي الخطباء من يكون شاعرا ويكون إذا تحدث او وصف او احتج

بليغا مفوها بينا وربما كان خطيبا فقط وشاعرا فقط وبين اللسان فقط
ومن الشعراء الخطباء الأبيناء الحكماء قس ين ساعدة الأيادي والخطباء كثير والشعراء اكثر منهم ومن يجمع الخطابة والشعر قليل
ومنهم عمرو بن الاهتم المنقري وهو المكحل قالوا كأن شعره في مجالس الملوك حلل منشرة قيل لعمر بن الخطاب رضي الله عنه قيل للاوسية اي منظر احسن قالت قصور بيض في حدائق خضر فأنشد عند ذلك عمر ابن الخطاب رضي الله تعالى عنه بيت عدي بن زيد العبادي
( كدمى العاج في المحاريب أو كالبيض في الروض زهره مستنير )
قال فقال قسامة بن زهير كلام عمرو بن الاهتم انق وشعره احسن هذا وقسامة أحد أبيناء العرب
ومن الخطباء الشعراء البعيث المجاشعي واسمه خداش بن بشر بن لبيد
ومن الخطباء الشعراء الكميت بن زيد الاسدي وكنيته ابو المستهل
ومن الخطباء الشعراء الطرماح بن حكيم الطائي وكنيته ابو نفر
قال القاسم بن معن قال محمد بن سهل راوية الكميت أنشدت الكميت قول الطرماح
( اذا قبضت نفس الطرماح أخلقت ... عرى المجد واسترخى عنان القصائد )
فقال الكميت إي والله وعنان الخطابة والرواية
قال ابو عثمان الجاحظ ولم ير الناس اعجب حالا من الكميت والطرماح وكان الكميت عدنانيا عصبيا وكان الطرماح قحطانيا عصبيا وكان الكميت شيعيا من الغالية وكان الطرماح خارجيا من الصفرية وكان الكميت يتعصب لأهل الكوفة وكان الطرماح لأهل الشام وبينهما مع ذلك من الخاصة والمخالطة ما لم يكن بين نفسين قط ثم لم يجر بينهما صرم ولا جفوة ولا إعراض ولا شيء مما تدعو هذه الخصال اليه ولم ير الناس مثلهما إلا ما ذكروا من حال عبد الله بن زيد الاباضي وهشام بن الحكم الرافضي فانهما صارا الى المشاركة بعد الخلطة والمصاحبة وقد كانت الحال بين خالد بن صفوان وشبيب بن شيبة الحال التي تدعو الى المفارقة بعد المناقشة والمحاسدة للذي اجتمع فيهما من اتفاق الصناعة والقرابة والمجاورة فكان يقال لولا أنهما أحلم تميم لتباينا تباين

النمر والأسد وكذلك كانت حال هشام بن حكم الرافضي وعبد الله بن زيد الاباضي إلا انهما فضلا على سائر المتضادين بما صارا اليه من الشركة في جميع تجارتهما وذكر خالد بن صفوان شبيب بن شيبة فقال ليس له صديق في السر ولا عدو في العلانية فلم يعارضه شبيب
وتدل كلمة خالد هذه على أنه يحسن ان يسب سب الاشراف
ومن الخطباء الشعراء عمران بن حطان وكنيته ابو شهاب احد بني عمرو بن شيبان اخوة سدوس
فمن بني عمرو بن شيبان مع قلتهم من العلماء والخطباء والشعراء
عمران بن حطان رئيس القعدة من الصفرية وصاحب فتياهم ومقرعهم عند اختلافهم
ومنهم دغفل بن حنظلة النسابة الخطيب العلامة
ومنهم القعقاع بن شور
وسنذكر شأنهم اذا انتهينا الى موضع ذكرهم ان شاء الله تعالى
ومن الخطباء الشعراء نصر بن سيار أحد بني ليث بن بكر صاحب خراسان وهو يعد في أصحاب الولايات وفي الحروب وفي التدبير وفي العقل وشدة الرأي
ومن الخطباء الشعراء زيد بن جندب الأيادي وقد ذكرنا شأنه
ومن الخطباء الشعراء عجلان بن سحبان الباهلي وسحبان هذا هو سحبان وائل وهو خطيب العرب
ومن الخطباء الشعراء العلماء وممن قد تنافر اليه الاشراف أعشى همدان
ومن الشعراء الخطباء عمران بن عصام العرني وهو الذي أشار على عبد الملك بخلع أخيه عبد العزيز والبيعة للوليد بن عبد الملك في خطبته المشهورة وقصيدته المذكورة وهو الذي لما بلغ عبد الملك بن مروان قتل الحجاج له قال ولم قتله ويله هلا رعى قوله فيه
( وبعثت من ولد الاغر معتب ... صقر يلوذ حمامه بالعرفج )
( فاذا طبخت بناره أنضجتها ... وإذا طبخت بغيرها لم ينضج )
( وهو الهزبر إذا أراد فريسة ... لم ينجها منه صياح الهجهج )

ومن خطباء الامصار وشعرائهم والمولدين منهم بشار الأعمى وهو بشار ابن برد وكنيته ابو معاذ كان من احد موالي بني عقيل فان كان مولى أم ظباء على ما يقول بنو سدوس وما ذكره حماد عجرد فهو من موالي بني سدوس ويقال انه من أهل خراسان نازلا في بني عقيل وله مديح كثير في فرسان أهل خراسان ورجالاتهم وهو الذي يقول
( من خراسان وبيتي في الذرى ... ولدى المسعاة فرعي قد سبق )
ويقول
( وإني لمن قوم خراسان دارهم ... كرام وفرعي فيهم ناضر بسق )
وكان شاعرا راجزا سجاعا خطيبا صاحب منثور ومزدوج وله رسائل معروفة وأنشد عقبة بن رؤبة عقبة بن سلم رجزا يمتدحه فيه وبشار حاضر فأظهر بشار استحسان الارجوزة فقال عقبة بن رؤبة هذا طراز يا أبا معاذ لا تحسنه فقال بشارألمثلي يقال هذا الكلام أنا والله أرجز منك ومن أبيك ومن جدك ثم غدا على عقبة بن سلم بأرجوزته التي أولها
( يا طلل الحي بذات الصمد ... بالله خبر كيف كنت بعدي )
وهي التي يقول فيها
( إسلم وحييت أبا الملد ... لله أيامك في معد )
وفيها يقول
( الحر يلحى والعصا للعبد ... وليس للملحف مثل الرد )
ويقول فيها
( وصاحب كالدمل الممد ... حملته في رقعة من جلدي )
( وما وراء رغبتي من زهدي ... )
أي لم أره زهدا فيه ولا رغبة ذهب الى قول الشاعر
( لقد كنت في قوم عليك أشحة ... بنفسك لولا أن من طاح طائح )
( يودون لو خاطوا عليك جلودهم ... ولا تدفع الموت النفوس الشحائح )
والمطبوعات على الشعر من المولدين بشار العقيلي والسيد الحميري وأبو العتاهية وابن ابي عيينة وقد ذكر الناس في هذا الباب يحيى بن نوفل وسلما الخاسر وخلف بن خليفة وأبان بن عبد الحميد اللاحقي أولى بالطبع من هؤلاء وبشار أطبعهم كلهم

ومن الخطباء الشعراء وممن يؤلف الجيد ويصنع المناقلات الحسان ويؤلف الشعر والقصائد الشريفة مع بيان عجيب ورواية كثيرة وحسن دل وإشارة عيسى بن يزيد بن دأب احد بني ليث بن بكر وكنيته ابو الوليد
ومن الخطباء الشعراء ممن كان يجمع الخطابة والشعر الجيد والرسائل الفاخرة مع البيان الحسن كلثوم بن عمرو العتابي وكنيته ابو عمرو وعلى ألفاظه وحذوه ومثاله في البديع يقول جميع من يتكلف مثل ذلك من شعراء المولدين كنحو منصور النمري ومسلم بن الوليد الانصاري وأشباههما وكان العتابي يحتذي حذو بشار في البديع ولم يكن في المولدين أصوب بديعا من بشار وابن هرمة والعتابي من ولد عمرو بن كلثوم ولذلك قال
( إني امرؤ هدم الإقتار مأثرتي ... واجتاح ما بنت الايام من خطري )
( أيام عمرو بن كلثوم يسوده ... حيا ربيعة والأفناء من مضر )
( أرومة عطلتني من مكارمها ... كالقوس عطلها الرامي من الوتر )
ودل في هذه القصيدة على انه كان قصيرا قوله
( نهى ظراف الغواني عن مواصلتي ... ما يفجأ العين من شيبي ومن قصري )
ومن الخطباء الشعراء الذين جمعوا الشعر والخطب والرسائل الطوال والقصار والكتب الكبار المجلدة والسير الحسان المولدة والاخبار المدونة سهل بن هرون بن راهيبوني الكاتب صاحب كتاب ثعلة وعفرة في معارضة كتاب كليلة ودمنة وكتاب الأخوان وكتاب المسائل وكتاب المخزومي والهذلية وغير ذلك من الكتب
ومن الخطباء الشعراء على بن ابرهيم بن جبلة بن مخرمة ولا أعلمه يكنى الا أبا الحسن
وسنذكر كلام قس بن ساعدة وشأن لقيط بن معبد وهند بنت الخس وجمعة بنت حابس وخطباء إياد اذا صرنا الى ذكر خطباء القبائل ان شاء الله
ولإياد وتميم في الخطب خصلة ليست لأحد من العرب لأن رسول الله هو الذي روى كلام قس بن ساعدة وموقفه على جمله بعكاظ وموعظته وهو الذي

رواه لقريش والعرب وهو الذي عجب من حسنه وأظهر من تصويبه وهذا إسناد تعجز عنه الاماني وتنقطع دونه الامال وإنما وفق الله ذلك الكلام لقس ين ساعدة لاحتجاجه للتوحيد ولاظهاره معنى الاخلاص وإيمانه بالبعث ولذلك كان خطيب العرب قاطبة
وكذلك ليس لأحد في ذلك مثل الذي لبني تميم لأن رسول الله لما سأل عمرو بن الأهتم عن الزبرقان بن بدر قال مانع لحوزته مطاع في أذينه فقال الزبرقان أما إنه قد علم أكثر مما قال لكنه حسدني شرفي فقال عمرو أما لئن قال ما قال فوالله ما علمته إلا ضيق الصدر زمر المروءة لئيم الخال حديث الغنى فلما رأى انه خالف قوله الاخر قوله الاول ورأى الانكار في عين رسول الله قال يا رسول الله رضيت فقلت أحسن ما علمت وغضبت فقلت أقبح ما علمت وما كذبت في الاولى ولقد صدقت في الاخرة فقال النبي عند ذلك إن من البيان لسحرا
فهاتان الخصلتان خصت بهما إياد وتميم دون سائر القبائل
ودخل الأحنف بن قيس على معاوية بن أبى سفيان فأشار له الى الوساد فقال له اجلس فجلس على الارض فقال معاوية ما منعك يا احنف من الجلوس على الوساد فقال يا أمير المؤمنين إن فيما أوصى به قيس بن عاصم المنقري ولده أن قال لا تغش السلطان حتى يملك ولا تقطعه حتى ينساك ولا تجلس له على فراش ولا وساد واجعل بينك وبينه مجلس رجل او رجلين فانه عسى ان يأتي من هو أولى بذلك المجلس منك فتقام له فيكون قيامك زيادة له ونقصا عليك حسبي بهذا المجلس يا أمير المؤمنين لعله ان يأتي من هو أولى بذلك المجلس مني فقال معاوية لقد أوتيت تميم الحكمة مع رقة حواشي الكلام وأنشأ يقول
( ياأيها السائل عما مضى ... وعلم هذا الزمن العائب )
( ان كنت تبغي العلم أو أهله ... أو شاهدا يخبر عن غائب )
( فاعتبر الارض بسكانها ... واعتبر الصاحب بالصاحب )
وذهب الشاعر في مرثية أبي دؤاو في قوله
( وأصبر من عود وأهدى اذا سرى ... من النجم في داج من الليل غيهب )

هذا شبيه بقول جبار بن سليمان بن مالك بن حعفر بن كلاب حين وقف على قبر عامر بن الطفيل فقال كان والله لا يضل حتى يضل النجم ولا يعطش حتى يعطش البعير ولا يهاب حتى يهاب السيل وكان والله خير ما يكون حين لا تظن نفس بنفس خيرا
وكان زيد بن جندب أشغى أقلح ولولا ذلك لكان أخطب العرب قاطبة وقال عبيدة بن هلال اليشكري في هجائه له
( أشغى عفنباة وناب ذوعصل ... وقلح باد وسن قد نصل )
وقال عبيدة أيضا فيه
( ولفوك أشنع حين تنطق فاغرا ... من في قريح قد أصاب بريرا )
وقال الكميت
( تشبه بالهمام اثارها ... مشافر قرحا أكلن البريرا )
وقال أخو النمر بن تولب في شنعة أشداق الجمل
( كم ضربة لك تحكي فاقراسية ... من المصاعب في أشداقه شنع )
وفي الخطباء من كان أشغى ومن كان أروق ومن كان أشدق ومن كان أضجم ومن كان أفقم
القراسية بعير أضجم والضجم اعوجاج في الفم والفقم مثله والروق ركوب السن الشفة وفي كل ذلك روينا الشاهد والمثل
وروى الهيثم بن عدي عن أبي يعقوب الثقفي عن عبد الملك بن عمير قال قدم علينا الاحنف الكوفة مع مصعب بن الزبير فما رأيت خصلة تذم في رجل إلا وقد رأيتها فيه كان أصلع الرأس أحجن الانف أغضف الاذن متراكب الاسنان أشدق مائل الذقن ناتىء الوجنة باخق العين خفيف العارضين أحنف الرجلين ولكنه اذا تكلم جلى عن نفسه
ولو استطاع الهيثم ان يمنعه البيان أيضا لمنعه ولولا انه لم يجد بدا من ان يجعل له شيئا على حال لما أقر بأنه اذا تكلم جلى عن نفسه
وقولنا في كلمته هذه كقول هند بنت عتبة حين أتاها نعي يزيد بن أبي سفيان وقال لها بعض المعزين إنا لنرجو ان يكون في معاوية خلف من يزيد فقالت هند ومثل معاوية لا يكون خلفا من أحد فوالله لو جمعت العرب من

أقطارها ثم رمى به فيها لخرج من أي أعراضها شاء ولكنا نقول المثل الاحنف يقال إلا انه اذا تكلم جلى عن نفسه
ثم رجع بنا القول الى الكلام الاول فيما يعتري اللسان من ضروب الآفات
قال ابن الاعرابي طلق أبو رمادة امرأته حين وجدها لثغاء وخاف ان تجيئه بولد ألثغ فقال
( لثغاء تأتي بحيفس ألثغ ... تميس في الموشي والمصبغ )
وأنشد ابن الاعرابي كلمة جامعة لكثير من هذه المعاني وهو قول الشاعر
( أسكت ولا تنطق فأنت حبحاب ... كلك ذو عيب وأنت عياب )
( إن صدق القوم فأنت كذاب ... أو نطق القوم فأنت هياب )
( أو سكت القوم فأنت قبقاب ... أو أقدموا يوما فأنت وجاب )
وأنشدني
( ولست يزميجة في الفراش ... وجابة يحتمي أن يجيبا )
( ولا ذي قلازم عند الحياض ... اذا ما الشريب اراب الشريبا )
وأنشدني
( رب غريب ناصح الجيب ... وابن أب متهم الغيب )
( ورب عياب له منظر ... مشتمل الثوب على العيب )
وأنشد
( وأجرا من رأيت بظهر غيب ... على عيب الرجال ذوو العيوب )
وقال سهل بن هرون لو عرف الزنجي فرط حاجته الى ثناياه في اقامة الحروف وتكميل جميل البيان لما نزع ثناياه
وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه في سهيل بن عمرو الخطيب يا رسول الله إنزع ثنيتيه السفليين حتى يدلع لسانه فلا يقوم عليك خطيبا أبدا وانما قال ذلك لأن سهيلا كان أعلم من شفته السفلى
وقال خلاد بن يزيد الارقط خطب الجمحي خطبة نكاح أصاب فيها معانى الكلام وكان في كلامه صفير يخرج من موضع ثناياه المنزوعة فأجابه زيد بن على بن الحسين بكلام في جودة كلامه الا انه فضله بحسن المخرج والسلامة من الصفير فذكر عبد الله بن معاوية بن عبد الله بن جعفر سلامة لفظ زيد بسلامة

أسنانه فقال في كلمة له
( قلت قوادحها وتم عديدها ... فله بذاك مزية لا تنكر )
ويروى
( صحت مخارجها وتم حروفها ... )
وزعم يحيى بن نجيم بن معاوية بن زمعة احد رواة أهل البصرة قال قال يونس بن حبيب في تأويل قول الاحنف بن قيس
( أنا ابن الزافرية أرضعتني ... بثدي لا أجد ولا وخيم )
( أتمتني فلم تنقص عظامي ... ولا صوني اذا اصطك الخصوم )
قال انما عنى بقوله عظامي أسنانه التي في فمه وهي التي اذا تمت تمت الحروف وقال يونس وكيف يقول مثله أتمتني فلم تنقص عظامي وهو يريد بالعظام عظام اليدين والرجلين وهو أحنف من رجليه جميعا مع قول الحتات له والله لانك ضئيل وان أمك لورهاء وكان أعرف بمواقع العيوب وأبصر بدقيقها وجليلها وكيف يقول ذلك وهو نصب عيون الاعداء والشعراء والاكفاء وهو أنف مضر الذي تعطس عنه وأبين العرب والعجم قاطبة
قالوا ولم يتكلم معاوية على منبر جماعة مذ سقطت ثناياه في الطست
قال أبو الحسن وغيره لما شق على معاوية سقوط مقادم فمه قال له يزيد بن معن السلمي واية ما بلغ أحد سنك الا أبغض بعضه بعضا ففوك أهون علينا من سمعك وبصرك فطابت نفسه
وقال أبو الحسن المدايني لما شد عبد الملك اسنانه بالذهب قال لولا المنابر والنساء ما باليت متى سقطت
قال وسألت مباركا الزنجي الفاشكار ولا أعلم زنجيا بلغ في الفشكرة مبلغه فقلت له لم ينزع الزنجي ثناياه ولم يحدد ناس منهم أسنانهم فقال أما أصحاب التحديد فللقتال والنهش ولانهم يأكلون لحوم الناس ومتى حارب ملك ملكا فأخذه قتيلا أو اسيرا أكله وكذلك اذا حارب بعضهم بعضا أكل الغالب منهم المغلوب
وأما أصحاب القلع فانهم قالوا نظرنا الى مقادم أفواه الغنم فكر هنا ان تشبه مقادم أفواهنا مقادم أفواه الغنم فكم تظنهم حفظك الله فقدوا من المنافع العظام بفقد تلك الثنايا

وفي هذا كلام يقع في كتاب الحيوان وقال أبوالهندى في اللثغ
( سقيت أبا المطرح إذا تأنى ... وذو الرعثات منتصب يصيح )
( شرابا يهرب الذبان عنه ... ويلثغ حين يشربه الفصيح )
وقال محمد بن الرومي مولى أمير المؤمنين قد صحت التجربة وقامت العبرة على ان سقوط جميع الاسنان أصلح في الابانة عن الحروف منه اذا سقط اكثرها وخالف احد شطريها الشطر الاخر
وقد رأينا تصديق ذلك في أفواه قوم شاهدهم الناس بعد ان سقط جميع اسنانهم وبعد ان بقي منها الثلث او الربع فممن سقط جميع اسنانه وكان معنى كلامه مفهوما الوليد بن هشام القحذمي صاحب الاخبار ومنهم ابو سفيان والعلاء بن لبيد التغلبي وكان ذا بيان ولسن وكان عبيد الله بن ابي غسان ظريفا يصرف لسانه كيف أحب وكان الالحاح على القيس قد برد اسنانه حتى كان لايرى احد منها شيئا الا ان تطلع في لحم اللثة وفي أصول منابت الاسنان وكان سفيان بن الابرد الكلي كثيرا ما يجمع بين القار والحار فتساقطت اسنانه جميعا وكان مع ذلك خطيبا بينا
وقال اهل التجربة اذا كان في اللحم الذي فيه مغارز الاسنان تشمير وقصر سمك ذهبت الحروف وفسد البيان واذا وجد اللسان من جميع جهاته شيئا يقرعه ويصكه ولم يمر في هواء واسع المجال وكان لسانه يملأ جوبة فمه لم يضره سقوط اسنانه الا بالمقدار المغتفر والجزء المحتمل ويؤكد ذلك قول صاحب المنطق فانه زعم في كتاب الحيوان أن الطائر والسبع والبهيمة كلما كان لسانه الواحد منها اعرض كان أفصح وأبين وأحكى لم يلفن ولما يسمع كنحو الببغاء والغداف وغراب البين وما أشبه ذلك وكالذي يتهيأ من أفواه السنانير اذا تجاوبت من الحروف المقطعة المشاركة لمخارج حروف الناس فاما الغنم فليس يمكنها ان تقول الا ماء والميم والباء أول ما يتهيأ في افواه الاطفال كقولهم ماما وبابا لانهما خارجان من عمل اللسان وانهما يظهران بالتقاء الشفتين وليس شيء من الحروف أدخل في باب النقص والعجز من فم الاهتم من الفاء والسين اذا كانا في وسط الكلمة فاما الصاد فليس تخرج الا من الشدق الايمن الا ان يكون المتكلم أعسر يسرا مثل عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان

يخرج الضاد من اي شدقيه شاء فأما الايمن والاعسر والاضبط فليس يمكنهم ذلك الا بالاستكراه الشديد وكذلك الانفاس مقسومة المنخرين فحالا يكون الاسترواح ودفع البخار من الجوف من الشق الايمن وحالا يكون من الشق الايسر ولا يجتمعان على ذلك في وقت الا ان يستكره ذلك مستكره او يتكلفه متكلف فاما اذا ترك أنفاسه على سجيتها لم يكن الا كما قالوا
وقالوا الدليل على ان من سقط جميع أسنانه ان عظم اللسان نافع له قول كعب بن جعيل ليزيد بن معاوية حين أمره بهجاء الانصار فقال أر ادي انت الى الكفر بعد الايمان لا أهجو قوما نصروا رسول الله وآووه ولكني سأدلك على غلام في الحي كافر كان لسانه لسان ثور يعني الاخطل وجاء في الحديث ( أن الله تبارك وتعالى يبغض الرجل يتخلل بلسانه كما تتخلل الباقرة الخلى بلسانها ) قالوا ويدل على ذلك قول حسان بن ثابت حين قال له النبي ( مابقي من لسانك ) فاخرج لسانه حتى قرع بطرفه طرف أرنبته ثم قال والله إني لو وضعته على صخر لفلقه او على شعر لحلقه وما يسرني به مقول من معد وأبوالسمط مروان بن أبي الجنوب بن مروان بن ابي حفصة وأبوه وابنه في نسق واحد يقرعون باطراف ألسنتهم اطراف انفهم
وتقول الهند لولا ان الفيل مقلوب اللسان لكان أنطق من كل طائر يتهيأ في لسانه كثير من الحروف المقطعة المعروفة
وقد ضرب الذين يزعمون أن ذهاب جميع الاسنان أصلح في الابانة عن الحروف من ذهاب الشطر او الثلثين في ذلك مثلا فقالوا الحمام المقصوص جناحاه جميعا اجدر ان يطير من الذي يكون احدهما وافرا والاخر مقصوصا قالوا وعلة ذلك التعديل والاستواء واذا لم يكن كذلك ارتفع احد شقيه وانخفض الاخر فلم يجذف ولم يطر والقطا من الطير قد يتهيأ من أفواهها ان تقول قطا قطا وبذلك سميت ويتهيأ من أفواه الكلاب العينات والفا ات والواوات كنحو قولها وو وو وكنحو قولها عف عف قال الهيثم بن عدي قيل لصبي من أبوك قال وو وو لان أباه كان يسمى كلبا
ولكل لغة حروف تدور في أكثر كلامها كنحو استعمال الروم للسين

واستعمال الجرامقة للعين قال الاصمعي ليس للروم ضاد ولا للفرس ثاء ولا للسريان دال
ومن ألفاظ العرب ألفاظ تنافر وإن كانت مجموعة في بيت شعر لم يستطع المنشد إنشادها الا ببعض استكراه فمن ذلك قول الشاعر
( وقبر حرب بمكان قفر ... وليس قرب قبر حرب قبر )
ولما رأى من لا علم له أن أحدا لا يستطيع ان ينشد هذين البيتين ثلاث مرات في نسق واحد فلا يتتعتع ولا يتلجلج وقيل لهم ان ذلك انما اعتراه اذ كان من أشعار الجن صدقوا بذلك
ومن ذلك قول ابن بشير في أحمد بن يوسف حين أستبطأه
( هل معين على البكا والعويل ... أم معز على المصاب الجليل )
( ميت مات وهو في ورق العيش ... مقيم به وظل ظليل )
( في عداد الموتى وفي غامر الدنيا ... أبو جعفر أخي وخليلي )
( لم يمت ميتة الوفاة ولكن ... مات من كل صالح وجميل )
( لا أذيل الآمال بعدك إني ... بعدها الآمال حق بخيل )
( كم لها موقفا بباب صديق ... رجعت من نداه بالتعطيل )
ثم قال
( لم يضرها والحمد لله شيء ... وانثنت نحو عرف نفس زهول )
فتفقد النصف الاخير من هذا البيت فانك ستجد بعض ألفاظه يتبرأ من بعض وأنشدني أبو العاصي قال أنشدني خلف الاحمر في هذا المعنى
( وبعض قريض القوم أولاد علة ... يكد لسان الناطق المتحفظ )
وقال ابو العاصي أنشدني في ذلك ابو البيداء الرياحي
( وشعر كبعر الكبش فرق بينه ... لسان دعي في القريض دخيل )
أما قول خلف وبعض قريض القوم أولاد علة فانه يقول اذ كان الشعر مستكرها وكانت الفاظ البيت من الشعر لا يقع بعضها مماثلا لبعض كان بينها من التنافر ما بين أولاد العلات واذا كانت الكلمة ليس موقعها الى جنب أختها مرضيا موافقا كان اللسان عند إنشاء ذلك الشعر مؤونة واجود الشعر ما رأيته متلاحم الأجزاء سهل المخارج فيعلم بذلك أنه أفرغ إفراغا جيدا وسبك

سبكا واحدا فهو يجري على اللسان كما يحري على الدهان
وأما قوله كبعر الكبش فانما ذهب إلى ان بعر الكبش يقع متفرقا غير مؤتلف ولا متجاور وكذلك حروف الكلام وأجزاء الشعر من البيت تراها متفقة لمسا ولينة المعاطف سهلة وتراها مختلفة متباينة ومتنافرة مستكرهة تشق على اللسان وتكده والاخرى تراها سهلة لينة ورطبة مؤاتية سلسة النظام خفيفة على اللسان حتى كأن البيت بأسره كلمة واحدة وحتى كأن الكلمة بأسرها حرف واحد
قال سحيم بن حفص قالت بنت الحطيئة للحطيئة تركت قوما كراما ونزلت في بني كليب بعر الكبش فعابتهم بتفرق بيوتهم فقيل لهم فأنشدونا بعض ما لا تتنافر أجزاؤه ولا تتباين ألفاظه فقالوا قال الثقفي
( من كان ذا عضد يدرك ظلامته ... إن الذليل الذي ليست له عضد )
( تنبو يداه اذا ما قل ناصره ... ويأنف الضيم إن أثرى له عدد )
وأنشدوا
( رمتني وستر الله بيني وبينها ... عشية أرام الكناس رميم )
( رميم التي قالت لجارات بيتها ... ضمنت لكم أن لا يزال يهيم )
( ألا رب يوم لو رمتني رميتها ... ولكن عهدي بالنضال قديم )
وأنشدوا
( ولست بزميجة في الفراش ... وجابة يحتمي ان يجيبا )
( ولا ذي قلازم عند الحياض ... اذا ما الشريب أراب الشريبا )
قال نوفل بن سالم لرؤبة بن العجاج يا أبا الجحاف مت متى شئت قال وكيف ذلك قال رأيت عقبة بن رؤبة ينشد رجزا أعجبني قال إنه يقول لو كان لقوله قران وقال الشاعر
( مهاربة مناجبة قران ... منادبة كأنهم الأسود )
وأنشد ابن الاعرابي
( وبات يدرس شعرا لا قران له ... قد كان ثقفه حولا فما زادا )
وقال بشار
( فهذا بديه لا كتحبير قائل ... اذا ما أراد القول زوره شهرا )

فهذا في افتراق الالفاظ فاما افتراق الحروف فان الجيم لا تقارن الظاء ولا القاف ولا الطاء ولا الغين بتقديم ولا تأخير والزاي لا تقارن الظاء ولا السين ولا الضاد ولا الذال بتقديم ولا تأخير
وهذا باب كثير وقد يكتفى بذكر القليل حتى يستدل به على الغاية التي اليها يجري
وقد يتكلم المغلاق الذي نشأ في سواد الكوفة بالعربية المعروفة ويكون لفظه متخيرا فاخرا ومعناه شريفا كريما ويعلم مع ذلك السامع لكلامه ومخارج حروفه أنه نبطي وكذلك اذا تكلم الخراساني على هذه الصفة فانك تعرف مع اعرابه وتخير ألفاظه في مخرج كلامه أنه خراساني وكذلك إن كان من كتاب الأهواز ومع هذا إنا نجد الحاكية من الناس يحكي ألفاظ سكان اليمن مع مخارج كلامهم لا يغادر من ذلك شيئا وكذلك تكون حكايته للخراساني والاهوازي والزنجي والسندي والحبشي وغير ذلك نعم حتى نجده كأنه اطبع منهم فأما اذا حكى كلام الفأفاء فكأنما قد جمعت كل اطرافه في كل فأفاء في الارض في لسان واحد كما أنك تجده يحكي الأعمى بصور ينشئها لوجهه وعينه وأعضائه لا تكاد تجد من ألف اعمى واحدا يجمع ذلك كله فكأنه قد جمع جميع طرف حركات العميان في أعمى واحد
ولقد كان أبو دبوبة الزنجي مولى آل زياد يقف بباب الكوخ بحضرة المكارين فينهق فلا يبقى حمار مريض ولا هرم حسير ولا متعب بهير إلا نهق وقبل ذلك تسمع نهيق الحمار على الحقيقة فلا تنبعث لذلك ولا يتحرك منها متحرك حتى كان ابو دبوبة يحركه وكأنه قد جمع جميع الصور التي تجمع نهيق الحمار فجعلها في نهيق واحد وكذلك في نباح الكلاب ولذلك زعمت الاوائل ان الانسان انما قيل له العالم الصغير سليل العالم الكبير لانه يصور بيده كل صورة ويحكي بفمه كل حكاية ولانه يأكل النبات كما تأكل البهائم ويأكل الحيوان كما تأكل السباع وان فيه من أخلاق جميع اجناس الحيوان أشكالا وانما تهيأ وأمكن الحاكية بجميع مخارج الامم لما أعطى الله الانسان من الاستطاعة والتمكن وحين فضله على جميع الحيوان بالمنطق والعقل والاستطاعة فبطول استعمال التكلف ذلت لذلك جوارحه ومتى ترك شمائله

ولسانه على سجيتها كان مقصورا بعادة المنشأ على الشكل الذي لم يزل فيه
وهذه القضية مقصورة على هذه الجملة من مخارج الالفاظ وصور الحركات والسكون فاما حروف الكلام فان حكمها اذا تمكنت في الالسنة خلاف هذا الحكم ألا ترى ان السندي اذا جلب كبيرا فانه لا يستطيع الا أن يجعل الجيم زايا ولو أقام في عليا تميم وسفلى قيس وبين عجز هوازن خمسين عاما وكذلك النبطي القح خلاف المغلاق الذي نشأ في بلاد النبط لان النبطي القح يجعل الزاي سينا فاذا أراد ان يقول زورق قال سورق ويجعل العين همزة فاذا أراد ان يقول مشمعل قال مشمئل والنخاس يمتحن لسان الجارية اذا ظن أنها رومية وأهلها يزعمون أنها مولدة بان تقول ناعمة وتقول شمس ثلاث مرات متواليات
والذي يعتري اللسان مما يمنع من البيان أمور منها اللثغة التي تعتري الصبيان الى ان ينشأوا وهو خلاف ما يعتري الشيخ الهرم الماج المسترخي الحنك المرتفع اللثة وخلاف ما يعتري أصحاب اللكن من العجم ومن نشأ من العرف مع العجم
فمن اللكن ممن كان خطيبا أو شاعرا أو كاتبا داهيا زياد بن سلمى ابو امامة وهو زياد الاعجم قال ابو عبيدة كان ينشد قوله
( فتى زاده السلطان في الود رفعة ... إذا غير السلطان كل خليل )
قال كان يجعل السين شينا والطاء تاء فيقول
( فتى زاده الشلتان في الود رفعة ... )
ومنهم سحيم عبد بني الحسحاس قال له عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه وانشده قصيدته التي أولها
( عميرة ودع إن تجهزت غاديا ... كفى الشيب والاسلام للمرء ناهيا )
لو كان شعرك كله مثل هذا لأجزتك
قال ما سعرت يريد ما شعرت فجعل الشين المعجمة سينا غير معجمة

ومنهم عبيد الله بن زياد والي العراق قال لهانيء بن قبيصة أهروري سائر اليوم يريد أحروري
ومنهم صهيب بن سنان النمري صاحب رسول الله كان يقول إنك لهائن يريد انك لخائن وصهيب بن سنان يرتضخ لكنه رومية وعبيد الله ابن زياد يرتضخ لكنة فارسية وقد اجتمعا على جعل الحاء هاء وازدا نقاذار لكنته نبطية وكان مثلهما في جعل الحاء هاء وبعضهم يروي أنه أملي على كاتب له فقال اكتب الهاصل ألف كر فكتبها الكاتب بالهاء كما لفظ بها فأعاد عليه كلام فأعاد عليه الكاتب فلما فطن لاجتماعهما على الجهل قال أنت لا تهسن ان تكتب وأنا لا أهسن ان أملى فاكتب الجاصل الف كر فكتبها بالجيم معجمة
ومنهم ابو مسلم صاحب الدعوة كان جيد الالفاظ جيد المعاني وكان اذا أراد ان يقول قلت له قال كلت له فشارك في تحويل القاف كافا عبيد الله بن زياد كذلك خبرنا ابو عبيدة وانما اتى عبيد الله بن زياد في ذلك انه نشأ في الأساورة عند شيرويه الاسواري زوج أمه مرجانة وقد كان في ال زياد غير واحد يسمى شيرويه قال وفي دار شيرويه عاد على بن ابي طالب كرم الله وجهه زيادا في علة كانت به
فهذا ما حضرنا من لكنة البلغاء والشعراء والرؤساء فاما لكنة العامة ومن لم يكن له حظ في المنطق فمثل قيل مولى زياد فانه مرة قال لزياد أهدوا الينا همار وهش يريد حمار وحش قال زياد وأي شيء تقول ويلك قال أهدو الينا أيرا يريد عيرا فقال زياد الاول أهون وقالت أم ولد لجرير بن الخطفى لبعض ولدها وقع الجردان في عجان أمكم أبدلت الذال دالا من الجرذان وضمت الجيم وجعلت العجين عجانا قال بعض الشعراء في أم ولد له يذكر لكنتها
( أكثر ما أسمع منها في السحر ... تذكيرها الانثى وتأنيث الذكر )
( والسوأة السواء في ذكر القمر ... )
لانها كانت اذا أرادت ان تقول القمر قالت الكمر وقال ابن عباد ركبت عجوز سندية جملا فلما مشى تحتها متخلعا كهيئة حركة الجماع فقالت

هذا الذمل يذكرنا بالسر تريد أنه يذكرها بالوطء فجعلت الشين سينا والجيم ذالا وهذا كثير
وباب اخر من اللكنة كما قيل للنبطي لم ابتعت هذه الأتان قال أركبها وتلد لي فقد جاء بالمعنى بعينه ولم يبدل الحروف بغيرها ولا زاد فيها ولا نقص ولكنه فتح المكسور حين قال تلد لي ولم يقل تلد لي والصقلي يجعل الذال المعجمة دالا في الحروف

باب البيان

بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله على سيدنا محمد وآله

قال بعض جهابذة الألفاظ ونقاد المعانى المعانى القائمة في صدور العباد المتصورة في أذهانهم المتخلجة في نفوسهم والمتصلة بخواطرهم والحادثة عن فكرهم مستورة خفية وبعيدة وحشية ومحجوبة مكنونة وموجودة في معنى معدومة لا يعرف الانسان ضمير صاحبه ولا حاجة أخيه وخليطه ولا معنى شريكه والمعاون له على أموره وعلى ما لا يبلغه من حاجات نفسه الا بغيره - وانما تحيا تلك المعاني في ذكرهم لها واخبارهم عنها واستعمالهم اياها - وهذه الخصال هي التي تقر بها من الفهم وتجلبها للعقل وتجعل الخفي منها ظاهرا والغائب شاهدا والبعيد قريبا وهي التي تخلص الملتبس وتحل المنعقد وتجعل المهمل مقيدا والمقيد مطلقا والمجهول معروفا والوحشي مألوفا والغفل موسوما والموسوم معلوما وعلى قدر وضوح الدلالة وصواب الاشارة وحسن الاختصار ودقة المدخل يكون اظهار المعنى وكلما كانت الدلالة أوضح وافصح وكانت الاشارة ابين وانور كان انفع وأنجع والدلالة الظاهرة على المعنى الخفي هو البيان الذي سمعت الله تبارك وتعالى يمدحه يدعو اليه ويحث عليه وبذلك نطق القران وبذلك تفاخرت العرب وتفاضلت وأصناف الاعجام
والبيان اسم جامع لكل شيء كشف لك قناع المعنى وهتك الحجب دون الضمير حتى يفضي السامع الى حقيقته ويهجم على محصوله كائنا ما كان ذلك البيان ومن اي جنس كان ذلك الدليل لان مدار الامر والغاية التي

اليها يجرى القائل والسامع انما هو الفهم والافهام فبأي شيء بلغت الافهام وأوضحت عن المعنى فذاك هو البيان في ذلك الموضع
ثم اعلم حفظك الله ان حكم المعاني خلاف حكم الالفاظ لان المعاني مبسوطة الى غير غاية وممتدة الى غير نهاية وأسماء المعاني مقصورة معدودة ومحصلة محدودة وجميع أصناف الدلالات على المعاني من لفظ وغير لفظ خمسة أشياء لا تنقص ولا تزيد أولها اللفظ ثم الاشارة ثم العقد ثم الخط ثم الحال وتسمى نصبة والنصبة هي الحال الدالة التي تقوم مقام تلك الاصناف ولا تقصر عن تلك الدلالات
ولكل واحد من هذه الخمسة صورة بائنة من صورة صاحبتها وحلية مخالفة لحلية أختها وهي التي تكشف لك عن اعيان المعاني في الجملة ثم عن حقائقها في التفسير وعن أجناسها واقدارها وعن خاصها وعامها وعن طبقاتها في السار والضار وعما يكون منها لغوا بهرجا وساقطا مطرحا
قال ابو عثمان وكان في الحق ان يكون هذا الباب في اول هذا الكتاب ولكنا أخرناه لبعض التدبير
وقالوا البيان بصر والعي عمى كما ان العلم بصر والجهل عمى والبيان من نتاج العلم والعي من نتاج الجهل وقال سهل بن هرون العقل رائد الروح والعلم رائد العقل والبيان ترجمان العلم وقال صاحب المنطق حد الانسان ألحي الناطق المبين وقالوا حياة المروءة الصدق وحياة الروح العفاف وحياة الحلم العلم وحياة العلم البيان وقال يونس بن حبيب ليس لعي مروءة ولا لمنقوص البيان بهاء ولوحك بيافوخه عنان السماء وقالوا شعر الرجل قطعة من كلامه وظنه قطعة من علمه واختياره قطعة من عقله وقال ابن التوام الروح عماد البدن والعلم عماد الروح والبيان عماد العلم
قد قلنا في الدلالة باللفظ فأما الاشارة فباليد وبالرأس وبالعين والحاجب والمنكب اذاتباعد الشخصان وبالثوب وبالسيف وقد يتهدد رافع السوط والسيف فيكون ذلك زاخرا رادعا ويكون وعيدا وتحذيرا
والاشارة واللفظ شريكان ونعم العون هي له ونعم الترجمان هي عنه وما اكثر ما تنوب عن اللفظ وما تغني عن الخط

وبعد فهل تعدو الاشارة ان تكون ذات صورة معروفة وحلية موصوفة على اختلاف في طبقاتها ودلالتها وفي الاشارة بالطرف والحاجب وغير ذلك من الجوارح مرفق كبير ومعونة حاضرة في أمور يسرها الناس من بعض ويخفونها من الجليس وغير الجليس ولولا الاشارة لم يتفاهم الناس معنى خاص الخاص ولجهلوا هذا الباب البتة ولولا ان تفسير هذه الكلمة يدخل في باب صناعة الكلام لفسرتها لكم وقد قال الشاعر في دلالات الاشارة
( أشارت بطرف العين خيفة أهلها ... إشارة مذعور ولم تتكلم )
( فأيقنت ان الطرف قد قال مرحبا ... وأهلا وسهلا بالحبيب المتيم )
وقال الآخر
( وللقلب على القلب دليل حين يلقاه ... )
( وفي الناس من الناس مقاييس وأشباه ... )
( وفي العين غنى للمرء أن تنطق أفواه ... )
وقال الاخر
( ومعشر صيد ذوي تجلة ... ترى عليهم للندى أدلة )
وقال الآخر
( ترى عينها عيني فتعرف وحيها ... وتعرف عيني ما به الوحي يرجع )
وقال الاخر
( وعين الفتى تبدي الذي في ضميره ... وتعرف بالنجوى الحديث المغمسا )
وقال الآخر
( ألعين تبدي الذي في نفس صاحبها ... من المحبة او بغض اذا كانا )
( والعين تنطق والأفواه صامته ... حتى ترى من ضمير القلب تبيانا )
هذا ومبلغ الاشارة أبعد من مبلغ الصوت فهذا ايضا باب تتقدم فيه الاشارة الصوت والصوت هو الة اللفظ وهو الجوهر الذي يقوم به التقطيع وبه يوجد التأليف ولن تكون حركات اللسان لفظا ولا كلاما موزونا ولا منثورا الا بظهور الصوت ولا تكون الحروف كلاما الا بالتقطيع والتأليف وحسن الاشارة باليد والرأس من تمام حسن البيان باللسان مع الذي يكون

مع الاشارة من الدل والشكل والتفتل والتثني واستدعاء الشهوة وغير ذلك من الامور
قد قلنا في الدلالة بالاشارة فأما الخط فما ذكر الله تبارك وتعالى في كتابه من فضيلة الخط والانعام بمنافع الكتاب قوله لنبيه ( إقرأ وربك الأكرم الذي علم بالقلم علم الانسان ما لم يعلم ) وأقسم به في كتابه المنزل على نبيه المرسل حيث قال ( ن والقلم وما يسطرون ) ولذلك قالوا القلم احد اللسانين كما قالوا قلة العيال احد اليسارين وقالوا القلم أبقى أثرا واللسان اكثر هذرا وقال عبد الرحمن بن كيسان استعمال القلم أجدر ان يحض الذهن على تصحيح الكتاب من استعمال اللسان على تصحيح الكلام وقالوا اللسان مقصور على القريب الحاضر والقلم مطلق في الشاهد والغائب وهو للغابر الكائن مثله للقائم الراهن والكتاب يقرأ بكل مكان ويدرس في كل زمان واللسان لا يعدو سامعه ولا يتجاوزه الى غيره
وأما القول في العقد وهو الحساب دون اللفظ والخط فالدليل على فضيلته وعظم قدر الانتفاع به قول الله عز و جل ( فالق الإصباح وجاعل الليل سكنا والشمس والقمر حسبانا ذلك تقدير العزيز العليم ) وقال جل وتقدس ( الرحمن علم القرآن خلق الانسان علمه البيان الشمس والقمر بحسبان ) وقال تبارك وتعالى ( هو الذي جعل الشمس ضياء والقمر نورا وقدره منازل لتعلموا عدد السنين والحساب ما خلق الله ذلك إلا بالحق ) وقال تبارك وتعالى ( وجعلنا الليل والنهار ايتين فمحونا اية الليل وجعلنا آية النهار مبصرة لتبتغوا فضلا من ربكم ولتعلموا عدد السنين والحساب ) والحساب يشتمل على معان كثيرة ومنافع جليلة ولولا معرفة العباد بمعنى الحساب في الدنيا لما فهموا عن الله عز و جل ذكره معنى الحساب في الاخرة
وفي عدم اللفظ وفساد الخط والجهل بالعقد فساد جل النعم وفقدان جمهور المنافع واختلال كل ما جعله الله عز و جل لنا قواما ومصلحة ونظاما
واما النصبة فهي الحال الناطقة بغير اللفظ والمشيرة بغير اليد وذلك ظاهر في خلق السموات والارض وفي كل صامت وناطق وجامد ونام ومقيم وظاعن وزائد وناقص فالدلالة التي في الموات الجامد كالدلالة التي في

الحيوان الناطق فالصامت ناطق من جهة الدلالة والعجماء معربة من جهة البرهان ولذلك قال الاول سل الارض فقل من أجرى أنهارك وغرس أشجارك وجنى ثمارك فان لم تجبك حوارا أجابتك اعتبارا وقال بعض الخطباء أشهد ان السموات والارض آيات دالات وشواهد قائمات كل يؤدي عنك الحجة ويعرب عنك بالربوبية موسومة باثار قدرتك ومعالم تدبيرك التي تجليت بها لخلقك فأوصلت الى القلوب من معرفتك ما انسها من وحشة الفكر ورجم الظنون فهي على اعترافها لك وذلها اليك شاهدة بأنك لا تحيط بك الصفات ولا تحدك الاوهام وان حظ المفكر فيك الاعتراف لك وقال خطيب من الخطباء حين قام على سرير الاسكندر وهو ميت الاسكندر كان أمس انطق منه اليوم وهو اليوم أوعظ منه امس ومتى دل الشيء على معنى فقد أخبر عنه وان كان صامتا وأشار اليه وان كان ساكتا
وهذاالقول شائع في جميع اللغات ومتفق عليه مع افراط الاختلافات وأنشد ابو الرديني العكلي في تنسم الذئب للريح واستنشاقه واسترواحه
( يستخبر الريح اذا لم يسمع ... بمثل مقراع الصفا الموقع )
وقال عنبرة بن شداد العبسي وجعل نعيب الغراب خبرا للزاجر
( حرق الجناح كأن لحبي رأسه ... جلمان بالأخبار هش مولع )
وقال الراعي
( ان السماء وان الريح شاهدة ... والارض تشهد والأيام والبلد )
( لقد جزيت بني بدر ببغيهم ... يوم الهباءة يوما ما له قود )
وقال نصيب في هذا المعنى يمدح سليمان بن عبد الملك
( أقول لركب صادرين لقيتهم ... قفا ذات أوشال ومولاك قارب )
( قفوا خبرونا عن سليمان إنني ... لمعروفه من آل ودان طالب )
( فعاجوا فأثنوا بالذي انت أهله ... ولو سكتوا أثنت عليك الحقائب )
وهذا كثير جدا

بسم الله الرحمن الرحيم

قال علي بن أبى طالب كرم الله وجهه قيمة كل انسان ما يحسن
فلو لم نقف من هذا الكتاب الا على هذه الكلمة لوجدناها كافية شافية

ومجزية مغنية بل لوجدناها فاضلة على الكفاية وغير مقصرة عن الغاية
وأحسن الكلام ما كان قليلة يغنيك عن كثيرة ومعناه في ظاهر لفظه وكان الله عز و جل قد ألبسه من الجلالة وغشاه من نور الحكمة على حسب نية صاحبه وتقوى قائله فاذا كان المعنى شريفا واللفظ بليغا وكان صحيح الطبع بعيدا من الاستكراه ومنزها عن الاختلال مصونا عن التكلف صنع في القلب صنيع الغيث في التربة الكريمة ومتى فصلت الكلمة على هذه الشريطة ونفذت من قائلها على هذه الصفة اصحبها الله من التوفيق ومنحها من التأييد ما لا يمتنع من تعظيمها به صدور الجبابرة ولا يذهل عن فهمها عقول الجهلة
وقد قال عامر بن عبد القيس الكلمة اذا خرجت من القلب وقعت في القلب واذا خرجت من اللسان لم تجاوز الآذان
قال الحسن رضي الله تعالى عنه وسمع متكلما يعظ فلم تقع موعظته بموضع من قلبه ولم يرق عندها يا هذا ان بقلبك لشرا او بقلبي وقال علي بن الحسين ابن علي رضي الله عنهم لوكان الناس يعرفون جملة الحال في فضل الاستبانة وجملة الحال في صواب التبيين لأعربوا عن كل ما تخلج في صدورهم ولوجدوا من برد اليقين ما يغنيهم عن المنازعة الى كل حال سوى حالهم وعلى ان درك ذلك كان يعدمهم في الايام القليلة العدة والفكرة القصيرة المدة ولكنهم من بين مغمور بالجهل ومفتون بالعجب ومعدول بالهوى عن باب التثبت ومصروف بسوء العادة عن تفضيل التعلم وقد جمع محمد بن على بن الحسين صلاح شأن الدنيا بحذافيرها في كلمتين فقال صلاح شأن جميع التعايش والتعاشر ملء مكيال ثلثاه فطنة وثلثه تغافل فلم يجعل لغير الفطنة نصيبا من الخير ولا حظا في الصلاح لان الانسان لا يتغافل إلا عن شيء قد فطن له وعرفه
وذكر هذه الثلاثة الاخبار ابراهيم بن داحة عن محمد بن عمير وذكرها صالح بن علي الافقم عن محمد بن عمير وهؤلاء جميعا من مشايخ الشيع وكان ابن عمير أغلاهم
وأخبرني ابراهيم بن السندى عن علي بن صالح الحاجب عن العباس بن محمد قال قيل لعبد الله بن عباس أنى لك هذا العلم قال قلب عقول

ولسان سؤول وقد رووا هذا الكلام عن دغفل بن حنظلة العلامة وعبد الله أولى به منه والدليل على ذلك قول الحسن ان اول من عرف بالبصرة ابن عباس صعد المنبر فقرأ سورة البقرة ففسرها حرفا حرفا وكان مثجا يسيل غربا
أخبرنا هشام بن حسان وغيره قال قيل للحسن يا أبا سعيدان قوما زعموا انك تذم ابن عباس قالوا فبكى حتى اخضلت لحيته ثم قال ان ابن عباس كان من الاسلام بمكان وان ابن عباس كان من العلم بمكان وكان والله له لسان سؤول وقلب عقول وكان والله مثجا يسيل غربا
قالوا وقال علي بن عبد الله بن عباس من لم يجد مس نقص الجهل في عقله وذل المعصية في قلبه ولم يستبن موضع الخلة في لسانه عند كلال حده عن حد خصمه فليس ممن يفزع عن ريبة ولا يرغب عن حال معجزة ولا يكترث لفصل ما بين حجة وشبهة قالوا وذكر محمد بن علي بن عبد الله بن عباس بلاغة بعض أهله فقال اني لأكره ان يكون مقدار لسانه فاضلا عن مقدار علمه كما أكره ان يكون مقدار علمه فاضلا على مقدار عقله
وهذا كلام شريف نافع فاحفظوا لفظه وتدبروا معناه
ثم اعلموا ان المعنى الحقير الفاسد والدنيء الساقط يعشش في القلب ثم يبيض ثم يفرخ فاذا ضرب بجرانه ومكن لعروقه استفحل الفساد وبزل وتمكن الجهل وفرخ فعند ذلك يقوى داؤه ويمتنع دواؤه اللفظ الهجين الردي والمستكره الغبي أعلق باللسان وآلف للسمع وأشد التحاما بالقلب من اللفظ النبيه الشريف والمعنى الرفيع الكريم ولو جالست الجهال والنوكى والسخفاء والحمقى شهرا فقط لم تنق من أوضار كلامهم وخبال معانيهم بمجالسة أهل البيان والعقل دهرا لان الفساد أسرع الى الناس وأشد التحاما بالطبائع والانسان بالتعلم والتكلف وبطول الاختلاف الى العلماء ومدارسة كتب الحكماء يجود لفظه ويحسن أدبه وهو لا يحتاج في الجهل الى اكثر من ترك التعلم وفي فساد البيان الى اكثر من ترك التخير
ومما يؤكد قول محمد بن علي بن عبد الله بن عباس قول بعض الحكماء حين قيل له متى يكون الادب شرا من عدمه قال اذا كثر الادب ونقصت

القريحة وقد قال بعض الأولين من لم يكن عقله أغلب خصال الخير عليه كان حتفه في أغلب خصال الخير عليه وهذا كله قريب بعضه من بعض
وذكر المغيرة بن شعبة عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال كان والله أفضل من ان يخدع وأعقل من ان يخدع وقال محمد بن علي بن عبد الله بن عباس كفاك من علم الدين ان تعلم ما لا يسع جهله وكفاك من علم الادب ان تروي الشاهد والمثل وكان عبد الرحمن بن اسحق القاضي يروي عن جده ابراهيم بن سلمة قال سمعت أبا مسلم يقول سمعت الامام ابراهيم بن محمد يقول يكفي من حظ البلاغة ان لا يؤتى السامع من سوء إفهام الناطق ولا يؤتى الناطق من سوء فهم السامع
قال ابو عثمان واما انا فأستحسن هذا القول جدا
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ولا حول ولا قوة الا بالله وصلى الله على سيدنا محمد خاصة وعلى الانبياء عامة
أخبرني أبو الزبير كاتب محمد بن حسان وحدثني محمد بن أبان - ولا أدري كاتب من كان - قالا قيل للفارسي ما البلاغة قال معرفة الفصل من الوصل وقيل لليوناني ما البلاغة قال تصحيح الاقسام واختيار الكلام وقيل للرومي ما البلاغة قال حسن الاقتضاب عند البداهة والغزارة يوم الاطالة وقيل للهندي ما البلاغة قال وضوح الدلالة وانتهاز الفرصة وحسن الاشارة وقال بعض اهل الهند جماع البلاغة البصر بالحجة والمعرفة بمواضع الفرصة ثم قال ومن البصر بالحجة والمعرفة بمواضع الفرصة ان تدع الافصاح بها الى الكناية عنها اذ كان الافصاح أوعر طريقة وربما كان الاضراب عنها صفحا أبلغ في الدرك وأحق بالنظر
وقال مرة جماع البلاغة التماس حسن الموقع والمعرفة بساعات القول وقلة الحرف بما التبس من المعاني او غمض وبماشرد عليك من اللفظ او تعذر ثم قال وزين ذلك كله وبهاؤه وحلاوته وسناؤه ان تكون الشمائل موزونة والالفاظ معدلة واللهجة نقية فان جامع ذلك السن والسمت والجمال وطول الصمت فقد ثم كل التمام وكمل كل الكمال

وخالف عليه سهل بن هرون وكان سهل في نفسه عتيق الوجه حسن الاشارة بعيدا من الفدامة معتدل القامة مقبول الصورة يقضى له بالحكمة قبل الخبرة وبرقة الذهن قبل المخاطبة وبدقة المذهب قبل الامتحان وبالنبل قبل التكشف فلم يمنعه ذلك ان يقول ما هو الحق عنده وان أدخل ذلك على حاله النقص قال سهل بن هرون لو ان رجلين خطبا او تحدثا او احتجا او وصفا وكان احدهما جميلا جليلا بهيا جسيما نبيلا وذا حسب شريفا وكان الاخر قليلا قميئا وباذ الهيئة دميما وخامل الذكر مجهولا ثم كان كلاهما في مقدار واحد من البلاغة وفي وزن واحد من الصواب لتصدع عنهما الجمع وعامتهم تقضي للقليل الدميم على النبيل الجسيم وللباذ الهيئة على ذي الهيئة ولشغلهم التعجب منه عن مساواة صاحبة ولصار التعجب منه سببا للعجب به ولكان الاكثار في شأنه علة للاكثار في مدحه لان النفوس كانت له أحقر ومن بيانه أيأس ومن حسده أبعد فاذا هجموا منه على ما لم يحتسبوه وظهر منه خلاف ما قدروه تضاعف حسن كلامه في صدورهم وكبر في عيونهم لأن الشيء من غير معدنه أغرب وكلما كان أغرب كان ابعد في الوهم وكلما كان أبعد في الوهم كان اظرف وكلما كان اظرف كان أعجب وكلما كان اعجب كان ابدع وانما ذلك كنوادر كلام الصبيان وملح المجانين فان ضحك السامعين من ذلك أشد وتعجبهم به اكثر والناس موكلون بتعظيم الغريب واستطراف البديع وليس لهم في الموجود الراهن المقيم وفيما تحت قدرتهم من الرأي والهوى مثل الذي معهم في الغريب القليل وفي النادر الشاذ وكل ما كان في ملك غيرهم وعلى ذلك زهد الجيران في عالمهم الاصحاب في الفائدة من صاحبهم وعلى هذه السبيل يستطرفون القادم عليهم ويرحلون الىالنازح عنهم ويتركون من هو أعم نفعا واكثر في وجوه العلم تصرفا وأخف مؤونة واكثر فائدة
ولذلك قدم بعض الناس الخارجي على العريق والطارف على التليد وكانوا يقولون اذا كان الخليفة بليغا والسيد خطيبا فإنك تجد جمهور الناس وأكثر الخاصة فيهما على أمرين إما رجلا يعطي كلامهما من التعظيم والتفضيل والاكبار والتبجيل على قدر حالهما في نفسه وموقعهما من قلبه وإما رجلا تعرض له

التهمة لنفسه فيهما والخوف من ان يعطى تعظيمه لهما يوهمه من صواب قولهما وبلاغة كلامهما ما ليس عندهما حتى يفرط في الاشفاق ويسرف في التهمة فالأول يزيد في حقه للذي له في نفسه والاخر ينقصه من حقه لتهمته ولإشفاقه من ان يكون مخدوعا في أمره فاذا كان الحب يعمي عن المساوىء فالبغض يعمي عن الحقائق والمحاسن وليس يعرف حقائق مقادير المعاني ومحصول حدود لطائف الامور الا عالم حكيم او معتدل الاخلاط عليم والا القوى المنة لوثيق العقدة والذي لا يميل مع ما يستميل الجمهور الاعظم والسواد الاكثر
وكان سهل بن هرون شديد الاطناب في وصف المأمون في البلاغة والجهارة وبالحلاوة والفخامة وجودة اللهجة والطلاوة
واذا صرنا الى ذكر ما يحضرنا من تسمية خطباء بني هاشم وبلغاء رجال القبائل قلنا في وصفهما على حسب حالهما والفرق الذي بينهما ولاننا عسى ان نذكر حملة اسماء خطباء الجاهليين والاسلاميين والبدويين والحضريين وبعض ما يحضرنا من صفاتهم وأقدارهم ومقاماتهم وبالله التوفيق
ثم رجع بنا القول الى ذكر الاشارة وروى ابو شمر عن معمر أبي الاشعث خلاف القول الاول في الاشارة والحركة عند الخطبة وعند منازعة الرجال ومناقلة الاكفاء
وكان ابوشمر اذا نازع لم يحرك يديه ولا منكبيه ولم يقلب عينيه ولم يحرك رأسه حتى كأن كلامه انما يخرج من صدع صخرة وكان يقضي على صاحب الاشارة بالافتقار الى ذلك وبالعجز عن بلوغ ارادته وكان يقول ليس من المنطق ان تستعين عليه بغيره حتى كلمة ابرهيم بن سيار النظام عند ايوب بن جعفر فاضطره بالحجة وبالزيادة في المسألة حتى حرك يديه وحل حبوته وحبا اليه حتى أخذ بيديه ففي ذلك اليوم انتقل ايوب من قول ابي شمر الى قوم ابرهيم
وكان الذي غر أبا شمر وموه له هذا الرأي ان اصحابه كانوا يستمعون منه ويسلمون له ويميلون اليه ويقبلون كل ما يورده عليهم ويثبته عندهمم فلما طال عليه توقيرهم له وترك مجاذبتهم إياه وخفت مؤونة الكلام عليه نسي حال منازعة الاكفاء ومجاذبة الخصوم وكان شيخا وقورا وزميتا ركينا وكان

ذا تصرف في العلم ومذكورا بالفهم والحلم
قال معمر ابو الاشعث قلت لبهلة الهندي - ايام اجتلب يحيى بن خالد اطباء الهند مثل منكة وبازيكر وقلبرقل وسندباذ وفلان وفلان - ما البلاغة عند اهل الهند قال بهلة عندنا في ذلك صحيفة مكتوبة لا أحسن ترجمتها لك ولم أعالج هذه الصناعة فأثق من نفسي بالقيام بخصائصها وتلخيص لطائف معانيها قال ابو الاشعث فلقيت بتلك الصحيفة التراجمة فاذا فيها
اول البلاغة اجتماع الة البلاغة وذلك ان يكون الخطيب رابط الجأش ساكن الجوارح قليل اللحظ متخير اللفظ لا يكلم سيد الأمة بكلام الأمة ولا الملوك بكلام السوقة ويكون في قواه فضل للتصرف في كل طبقة ولا يدقق المعاني كل التدقيق ولا ينقح الالفاظ كل التنقيح ولا يصفيها كل التصفية ولا يهذبها غاية التهذيب ولا يفعل ذلك حتى يصادف حكميا او فيلسوفا عليما ومن قد تعود حذف فضول الكلام واسقاط مشتركات الالفاظ قد نظر في صناعة المنطق على جهة الصناعة والمبالغة لا على جهة الاعتراض والتصفح وعلى جهة الاستطراف والتظرف
وقال من علم حق المعنى ان يكون الاسم له طبقا وتلك الحال له وفقا ويكون الاسم له لا فاضلا ولا مفضولا ولا مقصرا ولا مشتركا ولا مضمنا ويكون مع ذلك ذاكرا لما عقد عليه اول كلامه ويكون تصفحه لمصادره في وزن تصفحه لموارده ويكون لفظه مؤنقا ولهول تلك المقامات معاودا ومدار الامر على إفهام كل قوم بقدر طاقتهم والحمل عليهم على اقدار منازلهم وان تواتيه الته وتتصرف معه أداته ويكون في التهمة لنفسه معتدلا وفي حسن الظن بها مقتصدا فانه ان تجاوز مقدارالحق في التهمة لنفسه ظلمها فأودعها ذلة المظلومين وان تجاوز الحق في مقدار حسن الظن بها أمنها فأودعها تهاون الآمنين ولكل ذلك مقدار من الشغل ولكل شغل مقدار من الوهن ولكل وهن مقدار من الجهل
وقال ابراهيم بن هانيء - وكان ماجنا خليعا كثير العبث متمردا - ولولا ان كلامه هذا الذي أراد به الهزل يدخل في باب الجد لما جعلته صلة الكلام

الماضي وليس في الارض لفظ يسقط البتة ولا معنى يبور حتى لا يصلح لمكان من الاماكن قال ابرهيم بن هانيء من تمام الة القصص ان يكون القاص اعمى ويكون شيخا بعيد مدى الصوت ومن تمام الة الزمر ان تكون الزامرة سوداء ومن تمام آلة المغني ان يكون فاره البرذون براق الثنايا عظيم الكبر سيء الحلق ومن تمام الة الخمار ان يكون ذميا ويكون اسمه أذين او مازيار او ازدانقاذار او ميشا او شلوما ويكون أرقط الثياب مختوم العنق ومن تمام الة الشعر ان يكون الشاعر اعرابيا ويكون الداعي الى الله صوفيا ومن تمام الة السؤدد ان يكون السيد ثقيل السمع عظيم الرأس
ولذلك قال ابن سنان الجديدي لراشد بن سلمة الهذلي ما أنت بعظيم الرأس ولا ثقيل السمع فتكون سيدا ولا بأرسح فتكون فارسا وقال شبيب بن شيبة الخطيب لبعض فتيان بني منقر والله مامطلت مطل الفرسان ولا فتقت فتق السادة
قال الشاعر
( تقلب رأسا لم يكن رأس سيد ... وكفا ككف الضب او هي احقر )
فعاب صغر رأسه وصغر كفه كما عاب الشاعر كف عبد الله بن مطيع العدوي حين وجدها غليظة جافية فقال
( دعا ابن مطيع للبياع فجئنه ... الى بيعة قلبي لها غير آلف )
( فناولني خشناء لما لمستها ... بكفي ليست من اكف الخلائف )
وهذا باب يقع في كتاب الجوارح مع ذكر البرص والعرج والعسر والادر والفلج والحدب والقرع وغير ذلك من علل الجوارح وهو وارد عليكم بعد هذا الكتاب ان شاء الله تعالى
وقال ابرهيم بن هانيء ومن تمام آلة الحارس ان يكون زميتا قطوبا أبيض اللحية أقنى أجنى وصاحب تكلم بالفارسية
وأخبرني ابراهيم بن السندى قال دخل العمانى الراجز على الرشيد لينشده شعرا وعليه قلنسوة طويلة وخف ساذج فقال إياك ان تنشدني الا وعليك عمامة عظيمة الكور وخفان دمالقان قال إبراهيم قال ابو نصر فبكر عليه من الغد وقد تزيا بزي الاعراب فأنشده ثم دنا منه فقبل يده وقال يا أمير

المؤمنين قد والله أنشدت مروان ورأيت وجهه وقبلت يده وأخذت جائزته وأنشدت يزيد بن الوليد وإبراهيم بن الوليد ورأيت وجوههما وقبلت أيديهما وأخذت جوائزها وأنشدت السفاح ورأيت وجهه وقبلت يده وأخذت جائزته وأنشدت المهدى ورأيت وجهه وقبلت يده وأخذت جائزته وأنشدت الهادي ورأيت وجهه وقبلت يده وأخذت جائزته هذا الى كثير من أشباه الخلفاء وكبار الامراء والسادة الرؤساء ولا والله ان رأيت فيهم أبهى منظرا ولا أحسن وجها ولا انعم كفا ولا اندى راحة منك يا أمير المؤمنين ووالله لو ألقى في روعي أني أتحدث عنك ما قلت لك ما قلت فأعظم له الجائزة على شعره وأضعف له على كلامه وأقبل عليه فبسطه حتى تمنى والله جميع من حضر انهم قاموا ذلك المقام
ثم رجع بنا القول الى الكلام الاول قال ابن الاعرابي قال معاوية بن أبي سفيان لصحار بن عياش العبدي ما هذه البلاغة التي فيكم قال شيء تجيش به صدورنا فتقذفه على ألسنتنا فقال له رجل من عرض القوم يا أمير المؤمنين هم بالبسر والرطب أبصر منهم بالخطب فقال له صحار أجل والله انا لنعلم ان الريح لتنفخه وان البرد ليعقده وان القمر ليصبغه وان الحر لينضجه فقال له معاوية ما تعدون البلاغة فيكم قال الايجاز قال له معاوية وما الايجاز قال له صحار ان تجيب فلا تبطىء وأن تقول فلا تخطىء فقال معاوية او كذلك تقول قال صحار أقلني يا أمير المؤمنين لا تبطىء ولا تخطىء
وشأن عبد القيس عجيب وذلك انهم بعد محاربة أياد تفرقوا فرقتين ففرقة وقعت بعمان وشق عمان وفيهم خطباء العرب وفرقة وقعت الى البحرين وشق البحرين وهم من أشعر قبيلة في العرب ولم يكونوا كذلك حين كانوا في سرة البادية وفي معدن الفصاحة وهذا عجب ومن خطبائهم المشهورين صعصعة بن صوحان وزيد بن صوحان وشيخان بن صوحان ومنهم صحار بن عياش وصحار بن شيعة عثمان وبنو صوحان من شيعة علي ومنهم مصقلة بن رقبة ورقبة بن مصقلة وكرب بن رقبة
واذا صرنا الى ذكر الخطباء والنسابين ذكرنا من كلام كل واحد منهم بقدر

ما يحضرنا وبالله التوفيق
قال لي ابن الاعرابي قال لي المفضل بن محمد الضبي قلت لأعرابي منا ما البلاغة قال الايجاز في غير عجز والاطناب في غير خطل قال ابن الاعرابي فقلت للمفضل ما الايجاز عندك قال حذف الفضول وتقريب البعيد قال ابن الاعرابي قيل لعبد الله بن عمر لو دعوت الله لنا بدعوات فقال اللهم ارحمنا وعافنا وارزقنا فقال رجل لو زدتنا يا أبا عبد الرحمن فقال نعوذ بالله من الاسهاب

باب ذكر ناس من البلغاء والخطباء والانبياء والفقهاء والامراء ممن لا

يكاد يسكت مع قلة الخطأ والزلل
منهم زيد بن صولجان
ومنهم ابو وائلة إياس بن معاوية المزني القاضي وصاحب الركن والمعروف بحودة الفراسة ولكثرة كلامه قال له عبد الله بن شبرومة أنا وأنت لا نتفق انت لا تشتهي ان تسكت وانا لا اشتهي ان اسمع واتى حلقة من حلق قريش في مسجد دمشق فاستولى على المجلس ورأوه احمر دميما باذ الهيئة قشيفا فاستهانوا به فلما عرفوه اعتذروا اليه وقالوا الذنب مقسوم بيننا وبينك اتيتنا في زي مسكين تكلمنا بكلام الملوك ورأيت ناسا يستحسنون جواب إياس حين قيل له ما فيك عيب غير انك معجب بقولك قال أفأعجبكم قولي قالوا نعم قال فانا احق بان اعجب بما اقول وبما يكون مني منكم
والناس حفظك الله لم يضعوا ذكر العجب في هذا الموضع والمعيب عند الناس ليس هو الذي يعرف ما يكون منه من الحسن والمعرفة لا تدخل في باب التسمية بالعجب والعجب مذموم وقد جاء في الحديث ( ان المؤمن من ساءته سيئته وسرته حسنته ) وقيل لعمر فلان لا يعرف الشر قال ذلك أجدر ان يقع فيه وانما العجب اسراف الرجل في السرور بما يكون منه والافراط في استحسانه حتى يظهر ذلك منه في لفظه وفي شمائله وهو كالذي وصف به صعصعة بن صوحان المنذر بن الجارود عند علي بن ابي طالب كرم الله وجهه فقال أما والله انه مع ذلك لنظار في عطفيه تفال في شراكيه

تعجبه حمرة برديه
قال ابو الحسن قيل لاياس ما فيك عيب الا كثرة الكلام قال فتسمعون صوابا أم خطأ قالوا بل صوابا قال فالزيادة من الخير خير وليس كما قال للكلام غاية ولنشاط السامعين نهاية وما فضل عن مقدار الاحتمال ودعا إلى الاستثقال والملال فذلك الفاضل هو الهذر وهوالخطل وهو الاسهاب الذي سمعت الحكماء يعيبونه وذكر الاصمعي ان عمر بن هبيرة لما أراده على القضاء قال إني لا اصلح له قال وكيف ذاك قال لاني عيي ولأني دميم ولأني حديد قال ابن هبيرة أما الحدة فان السوط يقومك وأما الدمامة فاني لا اريد ان أحاسن بك احدا وأما العي فقد عبرت عما تريد فان كان إياس عند نفسه عييا فذاك أجدر ان يهجر الاكثار وبعد هذا فما نعلم أحدا رمى أياسا بالعي وإنما عابوه بالاكثار وذكر صالح بن سليمان عن عتبة بن عمر بن عبد الرحمن بن الحارث قال ما رأيت عقول الناس إلا قريبا بعضها من بعض إلا ما كان من عقل الحجاج بن يوسف وإياس بن معاوية فان عقولهما كانت ترجح على عقول الناس كثيرا وقال قائل لاياس لم تعجل بالقضاء فقال له إياس كم لكفك من اصبع قال خمس قال عجلت قال لم يعجل من قال بعد ما قتل الشيء علما ويقينا قال إياس فهذا هو جوابي لك وكان كثيرا ما ينشد قول النابغة الجعدي
( أبى لي البلاء واني امروء ... إذا ما تبينت لم أرتب )
قال ومدح سلمة بن عياص سوار بن عبد الله بمثل ما وصف به إياس نفسه حين قال
( وأوقف عند الأمر ما لم يبن له ... وأمضى أذا ما شك ما كان ماضيا )
وكتب عمر بن عبد العزيز رحمه الله تعالى الى عدي بن أرطاة ان قبلك رجلين من مزينة فول أحدهما قضاء البصرة يعني بكر بن عبد الله المزني وإياس بن معاوية فقال بكر والله ما أحسن القضاء فان كنت صادقا فما يحل لك ان توليني وان كنت كاذبا انها لأحراهما وكانوا اذا ذكروا البصرة قالوا شيخها الحسن وفتاها بكر وقال إياس بن معاوية لست بخب والخب لا يخدعني ولا يخدع ابن سيرين وهو يخدع أبي ويخدع الحسن ودخل الشام

وهو غلام فتقدم خصما له - وكان الخصم شيخا كبيرا - الى بعض قضاة عبد الملك بن مروان فقال له القاضي أتتقدم شيخا كبيرا قال الحق اكبر منه قال أسكت قال فمن ينطق بحجتي قال لا أظنك تقول حقا حتى تقوم قال لا إله إلا الله أحقا هذا أم باطل فقام القاضي فدخل على عبد الملك من ساعته فخبره بالخبر فقال عبد الملك اقض حاجته الساعة وأخرجه من الشام لا يفسد علي الناس فاذا كان من إياس وهو غلام يخاف على جماعة أهل الشام فما ظنك به وقد كبرت سنه وعض ناجذه
وجملة القول في إياس انه كان مفاخر مضر ومن مقدمي القضاة وكان فقيه البدن رقيق المسلك في الفطن وكان صادق الحدس نقابا وعجيب الفراسة ملهما وكان عفيف الطعم كريم المدخل والشيم وجيها عند الخلفاء مقدما عند الاكفاء وفي مزينة خير كثير
ثم رجعنا الى القول الاول ومنهم ربيعة الرأي وكان لا يكاد يسكت قالوا وتكلم يوما فأكثر وأعجب بالذي كان منه فالتفت الى اعرابي كان عنده فقال يا اعرابي ما تعدون العي فيكم قال ما كنت فيه منذ اليوم وكان يقول الساكت بين النائم والاخرس
ومنهم عبيد الله بن محمد بن حفص التيمي ومحمد بن حفص هو ابن عائشة ثم قيل لعبيد الله بن أبي عائشة وكان كثير العلم والسماع متصرفا في الخبر والاثر وكان من أجود قريش وكان لا يكاد يسكت وهو في ذلك كثير الفوائد وكان أبوه محمد بن حفص عظيم الشأن كثير العلم بعث اليه ميخاب خليفته في بعض الامر فأتاه في حلقته في المسجد فقال له في بعض كلامه أبو من أصلحك الله فقال له هلا عرفت هذا قبل مجيئك وان كان لا بد لك من هذا فاعترض من شئت فاسأله فقال له اني أريد ان تخليني قال أفي حاجة لك أم في حاجة لي قال بل في حاجة لي قال فالقني في المنزل قال فان الحاجة لك قال ما دون اخواني ستر
ومنهم محمد بن مسعر العقيلي وكان كريما كريم المجالسة يذهب مذهب النساك وكان جوادا مر صديق له من بني هاشم بقصر له وبستان نفيس فبلغه انه استحسنه فوهبه له

ومنهم أحمد بن المعذل بن غيلان كان يذهب مذهب مالك وكان ذا بيان وتبحر في المعاني وتصرف في الالفاظ
وممن كان يكثر الكلام جدا الفضل بن سهل ثم الحسن بن سهل في أيامه وحدثني محمد بن الجهم ودؤاد بن أبي دؤاد قالا جلس الحسن بن سهل في مصلى الجماعة لنعيم بن حازم فأقبل نعيم حافيا حاسرا وهو يقول ذنبي أعظم من السماء ذنبي أعظم من الهواء ذنبي أعظم من الماء قالا فقال الحسن بن سهل على رسلك تقدمت منك طاعة وكان آخر أمرك الى توبة وليس للذنب بينهما مكان وليس ذنبك في الذنوب بأعظم من عفو أمير المؤمنين في العفو
ومن هؤلاء علي بن هشام وكان لا يسكت ولا أدرى كيف كان كلامه
قال وحدثني مهدى بن ميمون قال حدثنا غيلان بن جرير قال كان مطرف بن عبد الله يقول لا تطعم طعامك من لا يشتهيه يقول لا تقبل بحديثك على من لا يقبل عليك بوجهه وقال عبد الله بن مسعود حدث الناس ما حدجوك باسماعهم ولحظوك بأبصارهم فإذا رأيت منهم فترة فأمسك قال وجعل السماك يوما يتكلم وجارية له حيث تسمع كلامه فلما انصرف اليها قال لها كيف سمعت كلامي قالت ما أحسنه لولا انك تكثر ترداده فقال أردده حتى يفهمه من لم يفهمه قالت الى ان يفهمه من لم يفهمه قد ملة من فهمه قال عباد بن عوام عن شعبة عن قتادة قال مكتوب في التوراة لا يعاد الحديث مرتين وسفيان بن عيينه عن الزهري قال إعادة الحديث أشد من نقل الصخر وقال بعض الحكماء من لم ينشط لحديثك فارفع عنه مؤونة الاستماع منك
وجملة القول في الترداد انه ليس فيه حد ينتهي اليه ولا يؤتى الى وصفه وانما ذلك على قدر المستمعين له ومن يحضرة من العوام والخواص وقد رأينا الله عز و جل ردد ذكر قصة موسى وهود وهرون وشعيب وابراهيم ولوط وعاد وثمود وكذلك ذكر الجنة والنار وأمور كثيرة لانه خاطب جميع الامم من العرب وأصناف العجم واكثرهم غبي غافل او معاند مشغول الفكر ساهي القلب واما حديث القصص والرقة فاني لم أر احدا يعيب ذلك وما سمعناه بأحد من الخطباء كان يرى إعادة بعض الالفاظ وترداد المعاني عيا إلا ما كان من النخار بن أوس العذري فانه كان إذا تكلم في الحمالات وفي الصفح

والاحتمال وصلاح ذات البين وتخويف الفريقين من التفاني والبوار كان ربما ردد الكلام علىطريق التهويل والتخويف وربما حمى فنخر
قال ثمامة بن أشرس كان جعفر بن يحيى أنطق الناس قد جمع الهدوء والتمهل والجزالة والحلاوة وإفهاما يغنيه عن الاعادة ولو كان في الارض ناطق يستغني بمنطقه عن الاشارة لاستغنى جعفر عن الاشارة كما استغنى عن الاعادة وقال مرة ما رأيت احدا كان لا يتحبس ولا يتلجلج ولا يتنحنح ولا يرتقب لفظا قد استدعاه من بعد ولا يلتمس التخلص الى معنى قد تعصى عليه طلبه اشد اقتدارا ولا أقل تكلفا من جعفر بن يحيى وقال ثمامة قلت لجعفر بن يحيى ما البيان قال ان يكون الاسم يحيط بمعناك ويجلي عن مغزاك وتخرجه من الشركة ولا تستعين عليه بالفكرة والذي لابد منه ان يكون سليما من التكلف بعيدا من الصنعة بريئا من التعقيد غنيا عن التأويل
وهذا هو تأويل قول الأصمعي البليغ من طبق المفصل وأغناك عن المفسر
خبرني جعفر بن سعيد رضيع أيوب بن جعفر وحاجبه قال ذكرت لعمرو ابن مسعدة توقيعات جعفر بن يحيى قال قد قرأت لأم جعفر توقيعات في حواشي الكتب وأسافلها فوجدتها أجود اختصارا وأجمع للمعاني قال ووصف اعرابي أعرابيا بالايجاز والاصابة فقال كان والله يضع الهناء مواضع النقب يظنون انه نقل قول دريد بن الصمة في الخنساء بنت عمرو بن الشريد الى ذلك الموضع وكان دريد قال فيها
( ما إن رأيت ولا سمعت به ... كاليوم طالي أينق جرب )
( متبذلا تبدو محاسنه ... يضع الهناء مواضع النقب )
ويقولون في إصابة عين المعنى بالكلام الموجز فلان يفل المحز ويصيب المفصل وأخذوا ذلك من صفة الجزار الحاذق فجعلوه مثلا للمصيب الموجز وأنشدني ابو قطن الغنوي وهو الذي يقال له شهيد الكرم وكان أبين من رأيته من أهل البدو والحضر

( فلو كنت مولى قيس عيلان لم تجد ... علي لمخلوق من الناس درهما )
( ولكنني مولى قضاعة كلها ... فلست أبالي ان أدين وتغرما )
( أولئك قوم بارك الله فيهم ... على كل حال ما أعف وأكرما )
( جفاة المحز لا يصيبون مفصلا ... ولا يأكلون اللحم إلا تخذما )
يقول هم ملوك وأشباه الملوك ولهم كفاة فهم لا يحسنون إصابة المفصل وأنشد أبو عبيدة في مثل ذلك
( وصلع الرؤوس عظام البطون ... جفاة المحز غلاظ القصر )
وكذلك
( ليس براعي إبل ولا غنم ... ولا بجزار على ظهر وضم )
وقال الآخر وهو ابن الزبعري
( وفتيان صدق حسان الوجوه ... لا يجدون لشيء ألم )
( من آل المغيرة لا يشهدون ... عند المجازر لحم الوضم )
وقال الراعي في المعنى الاول
( فطبقن عرض القف حتى لقينه ... كما طبقت في العظم مدية جازر )
وأنشد الاصمعي
( وكف فتى لم يعرف السلخ قبلها ... تجور يداه في الأديم وتجرح )
وأنشد الأصمعي
( لا يمسك العرف إلا ريث يرسله ... ولا يلاطم عند اللحم في السوق )
وقد فسر ذلك لبيد بن ربيعة وبينه وضرب المثل به حيث قال في الحكم بين عامر بن الطفيل وعلقمة بن علاثة
( ياهرم ابن الاكرمين منصبا ... إنك قد أوتيت حكما معجبا )
( فطبق المفصل واغنم طيبا ... )
يقول أحكم بين عامر بن الطفيل وعلقمة بن علاثة بكلمة فصل وبأمر قاطع فتفصل بها بين الحق والباطل كما يفصل الجزار الحاذق مفصل العظمين وقد قال الشاعر في هرم
( قضى هرم يوم المريرة بينهم ... قضاء امرىء بالأولية عالم )
( قضى ثم ولى الحكم من كان أهله ... وليس ذنابى الريش مثل القوادم )

ويقال في الفحل اذا لم يحسن الضراب جمل عياياء وجمل طباقاء وقالت امرأة في الجاهلية تشكو زوجها زوجي عياياء طباقاء وكل داء له دواء حتى جعلوا ذلك مثلا للعي الفدم الذي لا يتجه للحجة وقال الشاعر
( طباقاء لم يشهد خصوما ولم يقد ... ركابا الى اكوارها حين تعكف )
وذكر زهير بن ابي سلمى الخطل فعابه فقال
( وذي خطل في القول يحسب أنه ... مصيب فما يلمم به فهو قائله )
( عبأت له حلما وأكرمت غيره ... وأعرضت عنه وهو باد مقاتله )
وقال الشاعر
( شمس اذا خطل الحديث أوانس ... يرقبن كل مجذر تنبال )
وقال ابو الاسود الدؤلي - واسم ابي الاسود ظالم بن عمرو - وكان من المقدمين في العلم
( وشاعر سوء يهضب القول ظالما ... كما اقتم أعشى مظلم الليل حاطب )
وأنشد
( أعوذ بالله الاعز الاكرم ... من قولي الشيء الذي لم أعلم )
( تخبط الاعمى الضرير الأيهم ... )
وقال ابرهيم بن هرمة في تطبيق المفصل وتلحق هذه بمعاني اخواتها قبل
( وعميمة قد سقت فيها عائرا ... غفلا وفيها عائرا موسوم )
( طبقت مفصلها بغير حديدة ... فرأى العدو عناي حيث أقوم )
وهذه الصفات التي ذكرها ثمامة بن أشرس فوصف بها جعفر بن يحيى كان ثمامة بن أشرس قد انتظمها لنفسه واستولى عليها دون جميع أهل عصره وما علمت انه كان في زمانه قروي ولا بلدي كان بلغ من حسن الإفهام مع قلة عدد الحروف ولا من سهولة المخرج مع السلامة من التكلف ما كان بلغه وكان لفظه في وزن اشارته ومعناه في طبقة لفظه ولم يكن لفظه الى سمعك باسرع من معناه الى قلبك قال بعض الكتاب معاني ثمامة الظاهرة في الفاظه الواضحة في مخارج كلامه كما وصف الخزيمي شعر نفسه في مديح أبي دلف حيث يقول
( له كلم فيك معقولة ... الى القلوب كركب وقوف )
وأول هذه القصيدة

( أبا دلف دلفت حاجتي ... اليك وما خلتها بالدلوف )
ويظنون ان الخزيمي إنما احتذى في هذا البيت على أيوب بن القرية حين قال له بعض السلاطين ما أعددت لهذا الموقف قال ثلاثة حروف كأنهن ركب وقوف دنيا وآخرة ومعروف
وحدثني صالح بن خاقان قال قال شبيب بن شيبة الناس موكلون بتفضيل جودة الابتداء وبمدح صاحبه وأنا موكل بتفضيل جودة القطع وبمدح صاحبه وحظ جودة القافية وإن كانت كلمة واحدة ارفع من حظ سائر البيت ثم قال شبيب فان ابتليت بمقام لا بد لك فيه من الاطالة فقدم إحكام البلوغ في طلب السلامة من الخطل قبل التقدم في إحكام البلوغ في شرف التجويد وإياك ان تعدل بالسلامة شيئا فان قليلا كافيا خير من كثير غير شاف
ويقال انهم لم يروا قط خطيبا بلديا الا وهو في اول تكلفه لتلك المقامات كان مستثقلا مستصلفا ايام رياضته كلها الى ان يتوقح وتستجيب له المعاني ويتمكن من الالفاظ إلا شبيب بن شيبة فانه ابتدأ بحلاوة ورشاقة وسهولة وعذوبة فلم يزل يزداد منها حتى صار في كل موقف يبلغ بقليل الكلام مالا يبلغه الخطباء المصاقع بكثيرة قالوا ولما مات شبيب بن شيبة أتاهم صالح المري أو بعض من اتاهم للتعزية فقال رحمه الله على أديب الملوك وجليس الفقراء وأخي المساكين وقال الراجز
( اذا غدت سعد على شبيبها ... على فتاها وعلى خطيبها )
( من مطلع الشمس الى مغيبها ... عجبت من كثرتها وطيبها )
حدثني صديق لي قال قلت للعتابي ما البلاغة قال كل من أفهمك حاجته من غير إعادة ولا حبسة ولا استعانة فهو بليغ فاذا اردت اللسان الذي يروق الالسنة ويفوق كل خطيب باظهار ما غمض من الحق وتصوير الباطل في صورة الحق قال فقلت له قد عرفت الاعادة و الحبسة فما الاستعانة قال أما تراه اذا تحدث قال عند مقاطع كلامه يا هناه ويا هذا وياهيه واسمع مني واستمع ألي وافهم عني أولست تفهم او لست تعقل فهذا كله وما أشبهه عي وفساد
قال عبد الكريم بن روح الغفاري حدثني عمر الشمري قال قيل لعمرو

ابن عبيد ما البلاغة قال ما بلغ بك الجنة وعدل بك عن النار وما بصرك مواقع رشدك وعواقب غيك قال السائل ليس هذا اريد قال من لم يحسن ان يستمع ومن لم يحسن القول قال ليس هذا اريد قال قال النبي إنا معشر الانبياء بكاء
اي قليلو الكلام ومنه قيل رجل بكى وكانوا يكرهون ان يزيد منطق الرجل على عقله
قال السائل ليس هذا أريد قال كانوا يخافون من فتنة القول ومن سقطات الكلام مالا يخافون من فتنة السكوت ومن سقطات الصمت قال السائل ليس هذا أريد قال عمرو فكأنك إنما تريد تحبير اللفظ في حسن الإفهام قال نعم قال انك ان اردت تقرير حجة الله في عقول المتكلمين وتخفيف المؤونة على المستمعين وتزيين تلك المعاني في قلوب المريدين بالالفاظ المستحسنة في الاذان المقبولة عند الاذهان رغبة في سرعة استجابتهم ونفي الشواغل عن قلوبهم بالموعظة الحسنة على الكتاب والسنة كنت قد أوتيت فصل الخطاب واستوجبت على الله جزيل الثواب
قلت لعبد الكريم من هذا الذي صبر له عمرو هذا الصبر قال قد سألت عن ذلك أبا حفص فقال ومن كان يجترىء عليه هذه الجرأة الا حفص ابن سالم
قال عمر الشمري كان عمرو بن عبيد لا يكاد يتكلم فان تكلم لم يكد يطيل وكان يقول لا خير في المتكلم اذا كان كلامه لمن شهده دون نفسه واذا طال الكلام عرضت للمتكلم أسباب التكلف ولا خير في شيء يأتيك به التكلف
وقال بعضهم - وهو من أحسن ما اجتبيناه ودوناه - لا يكون الكلام يستحق اسم البلاغة حتى يسابق معناه لفظه ولفظه معناه فلا يكون لفظه الى سمعك أسبق من معناه الى قلبك
وكان موسى بن عمران يقول لم أر انطق من ايوب بن جعفر ويحيى بن خالد وكان ثمامة يقول لم أر انطق من جعفر بن يحيى بن خالد وكان سهل بن هرون يقول لم أر انطق من المأمون أمير المؤمنين وقال ثمامة

سمعت جعفر بن يحيى يقول لكتابه ان استطعتم ان يكون كلامكم كله مثل التوقيع فافعلوا وسمعت أبا العتاهية يقول لو شئت ان يكون حديثي كله شعرا موزونا لكان وقال اسحق بن حسان بن فوهة لم يفسر البلاغة تفسير ابن المقفع احد قط سئل ما البلاغة قال البلاغة اسم جامع لمعان تجري في وجوه كثيرة فمنها ما يكون في السكوت ومنها ما يكون في الاستماع ومنها ما يكون في الاشارة ومنها ما يكون في الحديث ومنها ما يكون في الاحتجاج ومنها ما يكون جوابا ومنها ما يكون ابتداء ومنها ما يكون شعرا ومنها ما يكون سجعا وخطبا ومنها ما يكون رسائل فعامة ما يكون من هذه الابواب الوحي فيها والاشارة الى المعنى والايجاز هو البلاغة فأما الخطب بين السماطين وفي اصلاح ذات البين فالاكثار في غير خطل والاطالة في غير املال وليكن في صدر كلامك دليل على حاجتك كما ان خير ابيات الشعر البيت الذي اذا سمعت صدره عرفت قافيته
كأنه يقول فرق بين صدر خطبة النكاح وبين صدر خطبة العيد وخطبة الصلح وخطبة المواهب حتى يكون لكل فن من ذلك صدر يدل على عجزه فانه لا خير في كلام لا يدل على معناك ولا يشير الى مغزاك والى العمود الذي اليه قصدت والغرض الذي اليه نزعت
قال فقيل له فان مل المستمع الاطالة التي ذكرت انهاحق ذلك الموقف قال اذا أعطيت كل مقام حقه وقمت بالذي يجب من سياسة ذلك المقام وأرضيت من يعرف حقوق الكلام فلا تهتم لما فاتك من رضا الحاسد والعدو فانه لا يرضيهما شيء وأما الجاهل فلست منه وليس منك ورضا جميع الناس شيء لا تناله وقد كان يقال رضا الناس شيء لا ينال
قال والسنة في خطبة النكاح ان يطيل الخاطب ويقصر المجيب ألا ترى الى قيس بن خارجة بن سنان لما ضرب بصفيحة سيفه مؤخرة راحلتي الحاملين في شأن حمالة داحس والغبراء وقال مالي فيها ايها العشمتان قالا بل ما عندك قال عندي قرى كل نازل ورضا كل ساخط وخطبة من لدن تطلع الشمس الى ان تغرب آمر فيها بالتواصل وانهى فيها عن التقاطع
قالوا فخطب يوما الى الليل فما أعاد فيها كلمة ولا معنى

فقيل لابي يعقوب هلا أكتفي بالامر بالتواصل عن النهي عن التقاطع او ليس الامر بالصلة هو النهي عن القطيعة قال او ما علمت ان الكناية والتعريض لا يعملان في العقول عمل الافصاح والتكشف
قال وسئل ابن المقفع عن قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه ما يتصعدني كلام كما تصعدني خطبة النكاح قال ما أعرفه الا ان يكون اراد قرب الوجوه من الوجوه ونظر الحداق من قرب في اجواف الحداق ولانه اذا كان جالسا معهم كانوا كأنهم نظراء وأكفاء واذا علا المنبر صاروا سوقة ورعية وقد ذهب ذاهبون الى ان تأويل قول عمر يرجع الى ان الخطيب لا يجد بدا من تزكية الخاطب فلعله كره ان يمدحه بما ليس فيه فيكون قد قال زورا وغر القوم من صاحبه ولعمري ان هذا التأويل ليجوز اذا كان الخطيب موقوفا على الخطابة فأما عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأشباهه من الأئمة الراشدين رضوان الله تعالى عليهم اجمعين فلم يكونوا ليتكلفوا ذلك الا فيمن يستحق المدح
وروى ابو مخنف عن الحارث الاعور قال والله لقد رأيت عليا وانه لخطب قاعدا كقائم ومحاربا كمسالم يريد بقوله قاعدا خطبة النكاح
وقال الهيثم بن عدي لم تكن الخطباء تخطب قعودا الا في خطبة النكاح
وكانوا يستحسنون ان يكون في الخطب يوم الحفل وفي الكلام يوم الجمع اي من القران فان ذلك مما يورث الكلام البهاء والوقار والرقة وحسن الموقع قال الهيثم قال عمران بن حطان ان اول خطبة خطبتها عند زياد - او قال عند ابن زياد - فأعجب بها زياد وشهدها عمي وأبي ثم اني مررت ببعض المجالس فسمعت رجلا يقول لبعضهم هذا الفتى أخطب العرب لو كان في خطبته شيء من القران
واكثر الخطباء لا يتمثلون في خطبهم الطوال بشيء من الشعر ولا يكرهونه في الرسائل الا ان تكون الى الخلفاء وسمعت مؤمل بن خاقان - وذكر في خطبته تميم بن مر - فقال ان تميما له الشرف القديم العود والعز الاقعس والعدد الهيضل وهي في الجاهلية القدام والذروة والسنام وقد قال الشاعر

( فقلت له وأنكر بعض شأني ... ألم تعرف رقاب بني تميم )
وكان المؤمل وأهله يخالفون جمهور بني سعد في المقالة فلشدة تحدبه على سعد وشفقته عليهم كان يناضل عند السلطان كل من سعى على أهل مقالتهم وان كان قوله خلاف قولهم حدبا عليهم وكان صالح المري القاص العابد البليغ كثيرا ما ينشد في قصصه وفي واعظه هذا البيت
( فبات يروي أصول الفسيل ... فعاش الفسيل ومات الرجل )
وأنشد الحسن في مجلسه وفي قصصه وفي مواعظه
( ليس من مات فاستراح بميت ... إنما الميت ميت الاحياء )
وأنشد عبد الصمد بن الفضل بن عيسى بن أبان الرقاشي الخطيب القاص الشجاع إما في قصصه وإما في خطبه رحمه الله سبحانه وتعالى
( أرض تخيرها لطيب مقيلها ... كعب بن مامة وابن أم دؤاد )
( جرت الرياح على محل ديارهم ... فكأنهم كانوا على ميعاد )
( فأرى النعيم وكل ما يلهى به ... يوما يصيرإلى بلى ونفاد )
وقال ابوالحسن خطب عبد الله بن الحسن على منبر البصرة في العيد فأنشد في خطبته
( أين الملوك التي عن حظها غفلت ... حتى سقاها بكأس الموت ساقيها )
( تلك المدائن بالآفاق خالية ... أمست خلاء وذاق الموت باليها )
وكان مالك بن دينار يقول في قصصه ما أشد فطام الكبير
وهو كما قال القائل
( وتروض عرسك بعد ما هرمت ... ومن العناء رياضة الهرم )
ومثله ايضا قول صالح بن عبد القدوس
( والشيخ لا يترك اخلاقه ... حتى يوارى في ثرى رمسه )
( اذا ارعوى عاد الى جهله ... كذي الضنى عاد الى نكسه )
قال كلثوم بن عمرو العتابي
( وكنت امرأ لو شئت ان تبلغ المدى ... بلغت بأدنى نعمة تستديمها )
( ولكن فطام النفس أثقل محملا ... من الصخرة الصماء حين ترومها )
وكانوا يمدحون الجهير الصوت ويذمون الضئيل الصوت ولذلك تشادقوا

في الكلام ومدحوا سعة الفم وذموا صغر الفم حدثني محمد بن بشير الشاعر قيل لاعرابي ما الجمال قال القامة وضخم الهامة ورحب الشدق وبعد الصوت وسأل جعفر بن سليمان أبا المخش عن ابنه المخش وكان جزع عليه جزعا شديدا قال صف لي المخش فقال كان أشدق خرطمانيا سائلا لعابه كأنما ينظر من قلتين كأن ترقوته بوان او خالفة كأن منكبه كركرة جمل ثقال فقأ الله عيني ان كنت رأيت قبله او بعده مثله قال وقلت لاعرابي ما الجمال قال غؤور العينين واشراف الحاجبين ورحب الشدقين
قال دغفل بن حنظلة النسابة والخطيب العلامة حين سأله معاوية عن قبائل قريش فلما انتهى الى بني مخزوم قال معزى مطيرة عليها قشعريرة الا بني المغيرة فان فيهم تشادق الكلام ومصاهرة الكرام
وقال الشاعر في عمرو بن سعيد الاشدق
( تشادق حتى مال بالقول شدقه ... وكل خطيب لا أبالك أشدق )
وأنشد ابو عبيدة
( وصلع الرؤوس عظام البطون ... رحاب الشداق طوال القصر )
وتكلم يوما عند معاوية الخطباء فأحسنوا فقال والله لأرمينهم بالخطيب الأشدق قم يا يزيد فتكلم
وهذا القول وغيره من الاخبار والاشعار حجة لمن زعم أن عمرو بن سعيد لم يسم الاشدق للفقم ولا للقوة وقال يحيى بن نوفل في خالد بن عبد الله القسري
( بل السراويل من خوف ومن وهل ... واستطعم الماء لماجد في الهرب )
( وألحن الناس كل الناس قاطبة ... وكان يولع بالتشديق في الخطب )
ويدلك على تفضيلهم سعة الاشداق وهجائهم ضيق الافواه قول الشاعر
( لحا الله أفواه الدبى من قبيلة ... إذا ذكرت في النائبات أمورها )
وقال الآخر
( وأفواه الدبى حاموا قليلا ... وليس أخو الحماية كالضجور )
وإنما شبه أفواههم بأفواه الدبى لصغر أفواههم وضيقها وعلى ذلك المعنى هجا عبدة بن الطبيب حيي بن هزال وابنيه فقال

( تدعو بنيك عبادا وجرثمة ... يافأرة شجها في الحجر محفار )
وقد كان العباس بن عبد المطلب جهيرا جهير الصوت وقد مدح بذلك وقد نفع الله المسلمين بجهارة صوته يوم حنين حين ذهب الناس عن رسول الله فنادى العباس يا أصحاب سورة البقرة هذا رسول الله فتراجع القوم وأنزل الله عز و جل النصرة وأتى بالفتح
اخبرني ابن الكلبي عن أبيه عن أبي صالح عن ابن عباس قال كان قيس ابن مخرمة بن المطلب بن عبد مناف يمكو حول البيت فيسمع ذلك من حراء قال الله تعالى ( وما كان صلاتهم عند البيت إلا مكاء وتصدية ) فالتصدية التصفيق والمكاء التصفير او شبيه بالصفير ولذلك قال عنترة
( وحليل غانية تركت مجدلا ... تمكو فريصته كشدق الاعلم )
وقال العجير السلولي في شدة الصوت
( ومنهن قرعى كل باب كأنما ... به القوم يرجون الأذين نشور )
( فجئت وخصمي يصرفون نيوبهم ... كما قصبت بين الشفار جزور )
( لدى كل موثوق به عند مثلها ... له قدم في الناطقين خطير )
( جهير وممتد العنان مناقل ... بصير بعورات الكلام خبير )
( فظل رداء العصب ملقى كأنه ... سلى فرس تحت الرجال عقير )
( لو ان الصخور الصم يسمعن صلقنا ... لرحن وفي اعراضهن فطور )
وقال مهلهل
( ولولا الريح اسمع أهل نجد ... صليل البيض تقرع بالذكور )
وفي شدة الصوت يقول الاعشى في وصفه الخطيب بذلك
( فيهم الخصب والسماحة والنجدة ... جمعا والخاطب الصلاق )
وقال بشار بن برد في ذلك ويهجو بعض الخطباء
( ومن عجب الايام ان قمت ناطقا ... وأنت ضئيل الصوت منتفخ السحر )
ووقع بين فتى من النصارى وبين ابن فهريز كلام فقال له الفتى ما ينبغي ان يكون في الارض رجل واحد أجهل منك وكان ابن فهريز في نفسه اكثر الناس علما وأدبا وكان حريصا على الجثلقة فقال للفتى وكيف حللت عندك هذا المحل قال لانك تعلم انا لا نتخذ الجاثليق الا مديد القامة وأنت

قصير القامة ولا نتخذه الا جهير الصوت جيد الخلق وأنت دقيق الصوت رديء الخلق ولا نتخذه الا وهو وافر اللحية عظيمها وانت خفيف اللحية صغيرها وانت تعلم أنا لا نختار للجثلقة الا رجلا زاهدا في الرياسة وأنت أشد الناس عليها كلبا وأظهرهم لها طلبا فكيف لا تكون أجهل الناس وخصالك هذه كلها تمنع من الجثلقة وأنت قد شغلت في طلبها بالك وأسهرت فيها ليلك وقال ابو الحجناء في شدة الصوت
( إني اذا ما زبب الاشداق ... والتج حولى النقع واللقلاق )
( ثبت الجنان مرجم وداق ... )
وجاء في الحديث من وقي شر لقلقه وقبقبه وذبذبه وقي الشر يعني لسانه وبطنه وفرجه وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه في بواكي خالد بن الوليد ابن المغيرة وما عليهن يرقن من دموعهن على ابي سليمان مالم يكن نقع او لقلقه وجاء في الاثر ليس منا من حلق او صلق او سلق او شق
ومما مدح به العماني هرون الرشيد بالقصيد دون الرجز قوله
( جهير العطاس شديد النياط ... جهير الرواء جهير النغم )
( ويخطو على الأين خطو الظليم ... ويعلو السماط بجسم عمم )
وكان الرشيد اذا طاف بالبيت جعل لازاره ذنبين عن يمين وشمال ثم طاف بأوسع من خطو الظليم وأسرع من رجع يد الارنب وقد اخبرني ابرهيم ابن السندي بمحصول ذرع ذلك الخطو الا اني احسبه فراسخ فيما رأيته يذهب اليه قال ابراهيم - ونظر اليه اعرابي في تلك الحال والهيئة - فقال خطو الظليم ريع ممسى فانشمر
وحدثني ابراهيم السندى قال ما أتى عبد الملك بن صالح وفد الروم وهو في البلاد أقام على رأسه رجالا في السماطين لهم قصر وهام ومناكب وأجسام وشوارب وشعور فبينا هم قيام يكلمونه ومنهم رجل وجهه في قفا البطريق اذ عطس عطسة ضئيلة فلحظه عبد الملك فلم يدر أي شيء أنكر منه فلما مضى الوفد قال له ويلك هلا اذ كنت ضيق المنخر كز الخيشوم أتبعتها بصيحة تخلع بها قلب العلج
وفي تفصيل الجهازة يقول شبة بن عقال بعقب خطبته عند سليمان بن علي

ابن عبد الله بن عباس
( ألا ليت أم الجهم والله سامع ... ترى حيث كانت بالعراق مقامي )
( عشية بذ الناس جهري ومنطقي ... وبذ كلام الناطقين كلامي )
وقال طحلاء يمدح معاوية بالجهارة وبجودة الخطبة
( ركوب المنابر وثابها ... معن بخطبته مجهر )
( تريع اليه هوادي الكلام ... اذا ضل خطبته المهذر )
وزعموا ان أبا عطية عفيفا النصري في الحرب التي كانت بين ثقيف وبين بني نصر لما رأى الخيل بعقوتة يومئذ وأيس نادى يا صباحاه أتيتم يا بني نصر فألقت الحبالى أولادها من شدة صوته قالوا فقال ربيعة بن مسعود يصف تلك الحرب وصوت عفيف
( عقاما ضروسا بين عوف ومالك ... شديدا لظاها تترك الطفل أشيبا )
( وكانت جعيل يوم عمرو أراكة ... أسود الغضا غادرن لحما متربا )
( ويوم بمكروثاء شدت معتب ... بغاراتها قد كان يوما عصبصبا )
( فأسقط أحبال النساء بصوته ... عفيف وقد نادى بنصر فطربا )
وكان أبو عروة - الذي يقال له ابو عروة السباع - يصيح بالسبع وقد احتمل الشاة فيخليها ويذهب هاربا على وجهه فضرب به الشاعر المثل وهو النابغة الجعدي فقال
( وأزجر الكاشح العدو اذا اغتابك ... عندي زجرا على أضم )
( زجر أبي عروة السباع اذا ... أشفق ان يلتبسن بالغنم )
وأنشد ابو عمرو الشيباني لرجل من الخوارج بصف صيحة شبيب بن يزيد ابن نعيم قال ابو عبيدة وأبو الحسن كان شبيب يصيح في جنبات الجيش اذا أتاه فلا يلوي أحد على أحد وقال الشاعر فيه
( إن صاح يوما حسبت الصخر منحدرا ... والريح عاصفة والموج يلتطم )
قال أبو العاصي أنشدني ابو محرز خلف بن حيان - وهو خلف الاحمر مولى الاشعريين - في عيب التشادق
( له حنجر رحب وقول منقح ... وفصل خطاب ليس فيه تشادق )
( اذا كان صوت المرء خلف لهاته ... وأنحى بأشداق لهن شقاشق )

( وقبقب يحكي مقرما في هبابه ... فليس بمسبوق ولا هو سابق )
وقال الفرزدق شقاشق بين اشداق وهام
وأنشد خلف
( وما في يديه غير شدق يميله ... وشقشقة خرساء ليس لها تعب )
( متى رام قولا خالفته سجية ... وضرس كقعب القين ثلمه الشعب )
وأنشد أبوعمر بن العلاء
( وجائت قريش قريش البطاح ... هي العصب الأول الداخله )
( يقودهم الفيل والزندبيل ... وذو الضرس والشفة المائلة )
وقال الشاعر في خالد بن سلمة المخزومي الخطيب
( فما كان قائلهم دغفل ... ولا الحيقطان ولا ذو الشفه )
وأنشد أصحابنا
( وقافية لجلجتها فرددتها ... لذي الضرس لو أرسلتها قطرت دما )
وقال الفرزدق أنا عند الناس أشعر العرب ولربما كان نزع ضرس أيسر علي من ان اقول بيت شعر
وأنشدنا منيع
( فجئت ووهب كالخلاة تضمها ... الى الشدق أنياب لهن صريف )
( فقعقعت لحيى خالد واهتضمته ... بحجة خصم بالخصوم عنيف )
وقال ابو يعقوب الثقفي عن عبد الملك بن عمير سئل الحارس بن ابي ربيعة عن علي بن ابي طالب كرم الله وجهه فقال كم كان له ما شئت من ضرس قاطع في العالم بكتاب الله والفقه في السنة والهجرة الى الله ورسوله والبسطة في العشيرة والنجدة في الحرب والبذل للماعون قال الاخر
( ولم تلفني فها ولم تلف حجتي ... ملجلجة أبغي لها من يقيمها )
( ولا بت أزجيها قضيبا وتلتوى ... أراوغها طورا وطورا أضيمها )
وأنشدني ابو الرديني العكلي
( فتى كان يعلو مفرق الحق قوله ... اذا الخطباء الصيد عضل قيلها )
وقيل الخزيمى في تشادق علي بن الهيثم
( يا علي بن هيثم يا سماقا ... قد ملات الدنيا علينا بقاقا )
( خل لحييك يسكنان ولاتضرب ... رب على تغلب بلحييك طاقا )

( لا تشادق اذا تكلمت واعلم ... ان للناس كلهم أشداقا )
وكان على بن الهيثم جوادا بليغ اللسان والقلم
قال لي ابو يعقوب الخزيمي ما رأيت كثلاثة رجال يأكلون الناس أكلا حتى اذا رأوا ثلاثة رجال ذابوا كما يذوب الملح في الماء او الرصاص عند النار
كان هشام بن الكلبي علامة نسابة وراوية للمثالب عيابة فاذا رأى الهيثم ابن عدي ذاب كما يذوب الرصاص عند النار وكان الهيثم بن عدي مفقعا نيا صاحب تفقيع وتقعير ويستولي على كلام اهل المجلس لا يحفل بشاعر ولا بخطيب فاذارأى موسى الضبي ذاب كما يذوب الرصاص عند النار وكان علويه المغني احد الناس في الرواية وفي الحكاية وفي صنعة الغناء وجودة الضرب وفي الاطراب وحسن الخلق فاذا رأى مخارقا ذاب كما يذوب الرصاص عند النار
ثم رجع بنا القول الى ذكر التشديق وبعد الصوت قال ابو عبيدة كان عروة بن عتبة بن جعفر بن كلاب رديفا للملوك ورحالا اليهم وكان يقال له عروة الرحال فكان يوم أقبل مع ابن الجون يريد بني عامر فلما انتهى الى واردات مع الصبح قال له عروة انك قد عرفت طول صحبتي لك ونصيحتي اياك فأذن لي فأهتف بقومي هتفة قال نعم وثلاثا فقام فنادى يا صاحباه ثلاث مرات قال فسمعنا شيوخنا يزعمون انه اسمع اهل الشعب فتلببوا للحرب وعسبوا الربايا ينظرون من أين يأتي القوم قالوا وتقول الروم لولا ضجة أهل رومية وأصواتهم لسمع الناس جميعا صوت وجوب القرص في المغرب
وأعيب عندهم من دقة الصوت وضيق مخرجه وضعف قوته ان يعترض الخطيب البهر والارتعاش والرعدة والعرق قال ابو الحسن قال سفيان بن عيينة تكلم صعصعة عند معاوية فعرق قال معاوية بهرك القول فقال صعصعة ان الجياد نضاحة بالماء
والفرس إذا كان سريع العرق وكان هشا كان ذلك عيبا وكذلك هو في الكثرة واذا ابطأ ذلك وكان قليلا قيل قد كبا وهو فرس كاب وذلك عيب ايضا
وأنشدني ابن الاعرابي لابي مسمار العكلي في شبيه بذلك قوله

( لله در عامر اذا نطق ... في حفل إملاك وفي تلك الحلق )
( ليس كقوم يعرفون بالشدق ... من خطب الناس ومما في الورق )
( يلفقون القول تلفيق الخلق ... من كل نضاح الذفارى بالعرق )
( اذا رمته الخطباء بالحدق ... )
وانما ذكر خطب الاملاك لانهم يذكرون انه يعرض للخطيب فيها من الحصر اكثر مما يعرض لصاحب المنبر ولذلك قال عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه ما يتصعدني كلام كما تتصعدني خطبة النكاح وقال العماني
( لاذفر هش ولا بكاب ... ولا بلجلاج ولا هياب )
وقال الكميت بن زيد وكان خطيبا ان للخطبة صعداء وهي على ذي اللب أرمى
وقولهم أرمى وأربى سواء يقال فلان قد أرمي على المائة وأربى ولم أر الكميت افصح عن هذا المعنى ولا تخلص الى خاصته وانما يجترىء علىالخطبة الغمر الجاهل الماضي الذي لا يثنيه شيء او المطبوع الحاذق الواثق بغزارته واقتدراه فالثقة تنفي عن قلبه كل خاطر يورث اللجلجة والنحنحة والانقطاع والبهر والعرق
قال عبيد الله بن زياد وكان خطيبا على لكنة كانت فيه نعم الشيء الامارة لولا قعقعة البرد والتشدق للخطب وقيل لعبد الملك بن مروان عجل عليك الشيب يا أمير المؤمنين قال وكيف لا يعجل على وأنا أعرض عقلي على الناس في كل جمعة مرة او مرتين
يعني خطبة الجمعة وبعض ما يعرض من الامور قال بعض الكلابيين
( وإذا خطبت على الرجال فلا تكن ... خطل الكلام تقوله محتالا )
( واعلم بأن من السكوت إبانة ... ومن التكلم ما يكون خبالا )

كلام بشر بن المعتمر

حين مر بابرهيم بن جبلة بن مخرمة السكوني الخطيب وهو يعلم فتيانهم الخطابة فوقف بشر فظن ابرهيم أنه إنما وقف ليستفيد او ليكون رجلا من النظارة فقال بشر أضربوا عما قال صفحا واطووا عنه كشحا
ثم دفع اليهم صحيفة من تحبيره وتنميقه وكان أول ذلك الكلام

خذ من نفسك ساعة نشاطك وفراع بالك واجابتها إياك فان قليل تلك الساعة اكرم جوهرا وأشرف حسبا واحسن في الاسماع وأحلى في الصدور وأسلم من فاحش الخطأ وأجلب لكل عين وغرة من لفظ شريف ومعنى بديع واعلم ان ذلك اجدى عليك مما يعطيك [ يومك الاطول بالكد والمطاولة والمجاهدة وبالتكلف والمعاودة ومهما اخطأك لم يخطئك ان يكون مقبولا قصدا وخفيفا على اللسان سهلا وكما خرج من ينبوعه ونجم من معدنه وإياك والتوعر فان التوعر يسلمك الى التعقيد والتعقيد هو الذي يستهلك معانيك ويشين ألفاظك ومن أراد معنى كريما فليلتمس له لفظا كريما فان حق المعنى الشريف اللفظ الشريف ومن حقهما ان تصونهما عما يفسدهما ويهجنهما وعما تعود من اجله الى ان تكون اسوأ حالا منك قبل ان تلتمس اظهارهما وترتهن نفسك بملابستهما وقضاء حقهما وكن في ثلاث منازل فان أولى الثلاث ان يكون لفظك رشيقا عذبا وفخما سهلا ويكون معناك ظاهرا مكشوفا وقريبا معروفا إما عند الخاصة ان كنت للخاصة قصدت وإما عند العامة ان كنت للعامة أردت والمعنى ليس يشرف بان يكون من معاني الخاصة وكذلك ليس يتضع بان يكون من معاني العامة وإنما مدار الشرف على الصواب واحراز المنفعة مع موافقة الحال وما يجب لكل مقام من المقال وكذلك اللفظ العامي والخاصي فان امكنك ان تبلغ من بيان لسانك وبلاغة قلمك ولطف مداخلك واقتدارك على نفسك على ان تفهم العامة معاني الخاصة وتكسوها الالفاظ الواسطة التي لا تلطف عن الدهماء ولا تجفو عن الاكفاء فانت البليغ التام
قال بشر فلما قرئت على ابراهيم قال لي أنا احوج الىهذا من هؤلاء الفتيان
قال ابو عثمان اما انا فلم أر قط امثل طريقة في البلاغة من الكتاب فانهم قد التمسوا من الالفاظ ما لم يكون متوعرا وحشيا ولا ساقطا سوقيا واذا سمعتموني أذكر العوام فاني لست أعني الفلاحين والحشوة والصناع والباعة ولست أعني الاكراد في الجبال وسكان الجزائر في البحار ولست أعني من الامم مثل اليبر والطيلسان ومثل موقان وجيلان ومثل

الزنج وأمثال الزنج وانما الامم المذكورون من جميع الناس أربع العرب وفارس والهند والروم والباقون همج وأشباه الهمج وأما العوام من اهل ملتنا ودعوتنا ولغتنا وادبنا واخلاقنا فالطبقة التي عقولها واخلاقها فوق تلك الامم ولم يلبغوا منزلة الخاصة منا على ان الخاصة تتفاضل في الطبقات أيضا
ثم رجع بنا القول الى بقية كلام بشر بن المعتمر والى ما ذكر من الاقسام قال بشر
فان كانت المنزلة الاولى لا تواتيك ولا تعتريك ولا تسنح لك عند اول نظرك وفي اول تكلفك وتجد اللفظة لم تقع موقعها ولم تصر الى قرارها والى حقها من اماكنها المقسومة لها والقافية لم تحل في مركزها وفي نصابها ولم تصل بشكلها وكانت قلقة في مكانها نافرة من موضعها فلا تكرهها على اغتصاب الاماكن والنزول في غير اوطانها فانك اذا لم تتعاط قرض الشعر الموزون ولم تتكلف اختيار الكلام المنثور لم يعبك بترك ذلك احد وان انت تكلفتها ولم تكن حاذقا مطبوعا ولا محكما لسانك بصيرا مما عليك او مالك عابك من انت اقل عيبا منه ورأى من هو دونك انه فوقك فان ابتليت بان تتكلف القول وتتعاطى الصنعة ولم تسمح لك الطباع في اول وهلة وتعصى عليك بعد إجالة الفكرة فلا تعجل ولا تضجر ودعه بياض يومك أوسواد ليلك وعاوده عند نشاطك وفراغ بالك فانك لا تعدم الاجابة والمواتاة ان كانت هناك طبيعة او جريت من الصناعة على عرق فان تمنع عليك بعد ذلك من غير حادث شغل عرض ومن غير طول اهمال فالمنزلة الثالثة ان تتحول من هذه الصناعة الى اشهى الصناعات اليك واخفها عليك فانك لم تشتهه ولم تنازع اليه الا وبينكما نسب والشيء لا يحن الا الى ما يشاكله وان كانت المشاكلة قد تكون في طبقات لان النفوس لا تجود بمكنونها مع الرغبة ولا تسمح بمخزونها مع الرهبة كما تجود به مع المحبة والشهوة فهكذا هذا
وقال ينبغي للمتكلم ان يعرف اقدار المعاني ويوازن بينها وبين اقدار المستمعين وبين اقدار الحالات فيجعل لكل طبقة من ذلك كلاما ولكل حالة من ذلك مقاما حتى يقسم اقدار الكلام على اقدار المعاني ويقسم

اقدار المعاني على اقدار المقامات واقدار المستمعين على اقدار تلك الحالات فان كان الخطيب متكلما تجنب الفاظ المتكلمين كما انه ان عبر عن شيء من صناعة الكلام واصفا او مجيبا او سائلا كان اولى الالفاظ به الفاظ المتكلمين اذ كانوا لتلك العبارات أفهم والى تلك الالفاظ أميل واليها أحن وبها أشغف ولان كبار المتكلمين ورؤساء النظارين كانوا فوق اكثر الخطباء وابلغ من كثير من البلغاء وهم تخيروا تلك الالفاظ لتلك المعاني وهم اشتقوا لها من كلام العرب تلك الاسماء وهم اصطلحوا على تسمية ما لم يكن له في لغة العرب اسم فصاروا في ذلك سلفا لكل خلف وقدوة لكل تابع ولذلك قالوا العرض والجوهر وأيس وليس وفرقوا بين البطلان والتلاشي وذكروا الهذية والهوية والماهية واشباه ذلك وكما وضع الخليل ابن احمد لاوزان القصيد وقصار الارجاز القابا لم تكن العرب تتعارف تلك الاعاريض بتلك الالقاب وتلك الاوزان بتلك الاسماء كما ذكر الطويل والبسيط والمديد والوافر والكامل واشباه ذلك وكما ذكر الاوتاد والاسباب والخرم والزحاف وقد ذكرت العرب في أشعارها السناد والاقواء والاكفاء ولم اسمع الايطاء وقالوا في القصيد والرجز والسجع والخطب وذكروا حروف الروي والقوافي وقالوا هذا بيت وهذا مصراع وقد قال جندل الطهوي حين مدح شعره
( لم أقو فيهن ولم أساند ... )
وقال ذو الرمة
( وشعر قد أرقت له غريب ... أجانبه المساند والمحالا )
وقال أبو حزام العكلي
( بيوتا نصبنا لتقويمها ... جذول الربيئين في المربأه )
( بيوتا على الهالها سجحة ... بغير السناد ولا المكفأه )
وكما سمى النحويون فذكروا الحال والظرف وما أشبه ذلك لانهم لو لم يضعوا هذه العلامات لم يستطيعوا تعريف القرويين وأبناء البلديين علم العروض والنحو
وكذلك أصحاب الحساب قد اجتلبوا اسماء وجعلوها علامات للتفاهم

قالوا وقبيح بالخطيب ان يقوم بخطبة العيد او يوم السماطين او على منبر جماعة او في سدة دار الخلافة او في يوم جمع وحفل إما في اصلاح بين العشائر واحتمال دماء القبائل واستلال تلك الضغائن والسخائم فيقول كما قال بعض من خطب على منبر ضخم الشان رفيع المكان ثم ان الله عز و جل بعد ان أنشأ الخلق وسواهم ومكن لهم لاشاهم فتلاشوا ولولا ان المتكلم افتقر الى ان يلفظ بالتلاشي لكان ينبغي ان يؤخذ فوق يده وخطب آخر في وسط دار الخلافة فقال في خطبته واخرجه الله من باب الليسية فأدخله في باب الايسية وقال مرة اخرى في خطبة له هذا فريق ما بين السار والضار والدفاع وقال مرة اخرى فدل ساتره على غامره ودل غامره على منحله فكاد ابرهيم ابن السندى يطير شفقا ويتقد غيظا هذا وابراهيم من المتكلمين والخطيب لم يكن من المتكلمين
وانما جازت هذه الالفاظ في صناعة الكلام حين عجزت الاسماء عن اتساع المعاني وقد تحسن أيضا ألفاظ المتكلمين في مثل شعر ابي نواس وفي كل ما قالوه على جهة التظرف والتملح كقول أبي نواس
( وذات خد مورد ... قوهية المتجرد )
( تأمل العين منها ... محاسنا ليس تنفد )
( فبعضها قد تناهى ... وبعضها يتولد )
( والحسن في كل عضو ... منها معاد مردد )
وكقوله
( يا عاقد القلب مني ... هلا تذكرت حلا )
( تركت قلبي قليلا ... من القليل أقلا )
( يكاد لا يتجزا ... أقل في اللفظ من لا )
وقد يتلمح الاعرابي بان يدخل في شعره شيئا من كلام الفارسية كقول العماني للرشيد في قصيدته التي مدحه فيها
( من يلقه من بطل مسرند ... في زغفة محكمة بالسرد )
( يجول بين رأسه والكرد ... )
يعني العنق ويقول فيه أيضا

( لما هوى بين غياض الاسد ... وصار في كف الهزبر الورد )
( آلى يذوق الدهر آب سرد ... )
وكقول الاخر
( وولهني وقع الأسنة والقنا ... وكافر كوبات لها عجز قفد )
( بأيدي رجال ما كلامي كلامهم ... يسومونني مردا وما أنا والمرد )
ومثل هذا موجود في شعر العذافر الكندي وغيره ويجوز أيضا ان يكون الشعر مثل شعر الحروشاذ وأسود بن أبي كريمة كما قال يزيد بن ربيعة ابن مفرغ
( آب ست نبيذ است ... عصارات زبيب است )
( سمية روسبيد است ... )
وقال أسود بن أبي كريمة
( لزم الغرام ثوبي ... بكرة في يوم سبت )
( فتمايلت عليهم ... ميل زنكي بمست )
( قد حسا الداذي صرفا ... او عقارا بايخست )
( ثم كفتم ذو زياد ... ويحكم ان خر كفت )
( إن جلدي دبغته ... أهل صنعاء بحفت )
( وأبو عمرة عندي ... ان كور يذنمست )
( جالس اندر مكناد ... ايا عمد بنهشت )
وكما لا ينبغي ان يكون اللفظ عاميا ساقطا سوقيا فكذلك لا ينبغي ان يكون غريبا وحشيا الا ان يكون المتكلم بدويا اعرابيا فان الوحشي من الكلام يفهمه الوحشي من الناس كما يفهم السوقي رطانة السوقي
وكلام الناس في طبقات كما ان الناس أنفسهم في طبقات فمن الكلام الجزل والسخيف والمليح والحسن والقبيح والسميح والخفيف والثقيل وكله عربي وبكل قد تكلموا وبكل قد تمادحوا وتعايبوا قال زعم زاعم أنه لم يكن في كلامهم تفاضل ولا بينهم في ذلك تفاوت فلم ذكروا الغيبي والبكي والحصر والمفحم والخطل والمسهب والمتشدق والمتفهق والمهماز والثرثار والمكثار والمهماز ولم ذكروا الهجر والهذر

والهذيان والتخليط وقالوا رجل تلقاعة وتلهاعة وفلان يتلهيع في خطبته وقالوا فلان يخطىء في جوابه ويحيل في كلامه ويناقض في خبره ولولا ان هذه الامور قد كانت تكون في بعضهم دون بعض لما سمي ذلك البعض والبعض الآخر بهذه الاسماء
وانا أقول انه ليس في الارض كلام هو أمتع ولا أنفع ولا انق ولا ألذ في الاسماع ولا أشد اتصالا بالعقول السليمة ولا أفتق للسان ولا أجود تقويما للبيان من طول استماع حديث الاعراب الفصحاء العقلاء والعلماء البلغاء وقد أصاب القوم في عامة ما وصفوا الا أني ازعم ان سخيف الالفاظ مشاكل لسخيف المعاني وقد يحتاج الى السخيف في بعض المواضع وربما أمتع بأكثر من امتاع الجزل الفخم ومن الالفاظ الشريفة الكريمة المعاني كما ان النادرة الباردة جدا قد تكون أطيب من النادرة الحارة جدا وانما الكرب الذي يخيم على القلوب ويأخذ بالأنفاس النادرة الفاترة التي لا هي حارة ولا هي باردة وكذلك الشعر الوسط والغناء الوسط وانما الشأن في الحار جدا والبارد جدا
وكان محمد بن عباد بن كاسب يقول والله لفلان أثقل من مغن وسط وأبغض من ظريف وسط
ومتى سمعت حفظك الله بنادرة من كلام الاعراب فاياك وان تحكيها الا مع إعرابها ومخارج ألفاظها فانك ان غيرتها بان تلحن في اعرابها وأخرجتها مخرج كلام المولدين والبلديين خرجت من تلك الحكاية وعليك فضل كبير وكذلك اذا سمعت بنادرة من نوادر العوام وملحة من ملح الحشوة والطغام فاياك وأن تستعمل فيها الاعراب او ان تتخير لها لفظا حسنا او تجعل لها من فيك مخرجا سريا فان ذلك يفسد الامتاع بها ويخرجها من صورتها ومن الذي أريدت له ويذهب استطابتهم اياها واستملاحهم لها
ثم اعلم ان اقبح اللحن لحن اصحاب التقعير والتقعيب والتشديق والتمطيط والجهورة والتفخيم وأقبح من ذلك لحن الاعاريب النازلين على طرق السابلة وبقرب مجامع الاسواق ولاهل المدينة السنة ذلقة والفاظ حسنة وعبارة جيدة واللحن في عوامهم فاش وعلى من لم ينظر في النحو منهم غالب

واللحن من الجواري الظراف ومن الكواعب النواهد ومن الشواب الملاح ومن ذوات الخدور الغرائر أيسر وربما استملح الرجل ذلك منهن ما لم تكن الجارية صاحبة تكلف ولكن اذا كان اللحن سجية سكان البلد وكما يستملحون اللثغاء اذا كانت حديثة السن ومقدودة مجدولة فاذا أسنت واكتهلت تغير ذلك الاستملاح وربما كان اسم الجارية غليم وصبية وما اشبه ذلك فاذا صارت كهلة جزلة وعجوزا شهلة وحملت اللحم وتراكم عليها الشحم وصار بنوها رجالا وبناتها نساء فما أقبح حينئذ ان يقال لها يا غليم كيف أصبحت ويا صبية كيف أمسيت ولأمر ما كنت العرب البنات فقالوا فعلت ام الفضل وقالت ام عمرو وذهبت ام حكيم نعم حتى دعاهم ذلك الى التقدم في تلك الكنى
وقد فسرنا ذلك كله في كتاب الاسماء والكنى والالقاب والانباز
وقد قال مالك بن أسماء في استملاح اللحن من بعض نسائه
( أمغطى مني على بصري للحب ... ام أنت أكمل الناس حسنا )
( وحديث ألذه هو مما ... ينعت الناعتون يوزن وزنا )
( منطق صائب وتلحن أحيانا ... وأحلى الحديث ما كان لحنا )
وهم يمدحون الحذق والرفق والتخلص الى حبات القلوب والى إصابة عيون المعاني ويقولون أصاب الهدف اذا أصاب الحق في الجملة ويقولون قرطس فلان وأصاب القرطاس اذا كان أجود اصابة من الاول فاذا قالوا رمى فاصاب الغرة وأصاب عين القرطاس فهو الذي ليس فوقه أحد ومن ذلك قولهم فلان يفل المحز ويصيب المفصل ويضع الهناء مواضع النقب وقال زرارة بن جزء حين أتى عمر بن الخطاب رضي الله عنه فتكلم عنده ورفع حاجته اليه
( أتيت أبا حفص ولا يستطيعه ... من الناس الا كالسنان طرير )
( فوفقني الرحمن لما لقيته ... وللباب من دون الخصوم صرير )
( قروم غيارى عند باب ممنع ... تنازع ملكا يهتدي ويجور )
( فقلت له قولا أصاب فؤاده ... وبعض كلام القائلين غرور )
وفي شبيه ذلك يقول عبد الرحمن بن حسان حيث يقول

( رجال أصحاء الجلود من الخنا ... وألسنة معروفة أين تذهب )
وفي اصابة فص الشيء وعينه يقول ذو الرمة في مديح بلال بن أبي بردة الاشعري
( تناخي عند خير فتى يمان ... اذا النكباء عارضت الشمالا )
( وخيرهم مآثر أهل بيت ... وأكرمهم وإن كرموا فعالا )
( وأبعدهم مسافة غور عقل ... إذا ما الأمر في الشبهات عالا )
( ولبس بين أقوام فكل ... أعد له الشغازب والمحالا )
( وكلهم ألد له كظاظ ... أعد لكل حال القوم حالا )
( فصلت بحكمة فأصبت منها ... فصوص الحق فانفصل انفصالا )
وكان ابو سعيد الراي وهو شرشير المدني يعيب أبا حنيفة فقال الشاعر
( عندي مسائل لا شرشير يحسنها ... عند السؤال ولا أصحاب شرشير )
( ولا يصيب فصوص الحق تعلمه ... إلا حنيفية كوفية الدور )
ومما قالوا في الايجاز وبلوغ المعاني بالالفاظ اليسيرة قال ثابت بن قطنة
( مازلت بعدك في هم يجيش به ... صدري وفي نصب قد كاد يبليني )
( إني تذكرت قتلى لو شهدتهم ... في غمرة الموت لم يصلوا بها دوني )
( لا أكثر القول فيما يهضبون به ... من الكلام قليل منه يكفيني )
وقال رجل من طيء ومدح كلام رجل فقال هذا كلام يكتفي بأولاه ويشتفي بآخره وقال ابو وجرة السعدي من سعد بن بكر يصف كلام رجل
( يكفي قليل كلامه وكثيره ... ثبت اذا طال النضال مصيب )
ومن كلامهم الموجز في أشعارهم قول العكلي في صفة قوس
( في كفه معطية منوع ... موثقة صابرة جزوع )
وقال الاخر ووصف سهم رام أصاب حمارا فقال
( حتى نجا من جوفه ومانجا ... )
وقال الآخر وهويصف ذئبا
( أطلس يخفي شخصه غبارة ... في شدقه شفرته وناره )
( وهو الخبيث عينه فراره ... بهم بنى محارب مزدارة )

ووصف الآخر نا قة فقال خرقاء إلا أنها صناع
وقال الآخر ووصف سهما صاردا
( ألقى على مفطوحا ... غادر داء ونجا صحيحا )
وقال الآخر
( إنك يا ابن جعفر لا تفلح ... الليل أخفى والنهار أفضح )
وقالوا في المثل الليل أخفى للويل
وقال رؤبة يصف حمارا
( حشرج في الجوف سحيلا أو سهق ... حتى يقال ناهق وما نهق )
وقال بعض ولد العباس بن مرداس السلمى في فرس أبي الاعور السلمى
( جاء كلمح البرق جاش ناظره ... يسبح أولاه ويطفو آخره )
فيما يمس الارض منه حافرة
وقال الآخر
( إن سرك الأهون فابدأ بالأشد )
وقال العجاج
( يمكن السيف إذا الرمح انأطر ... من هامة الليث إذا الليث هتر )
( كجمل البحر إذا خاض جسر ... غوارب اليم اذا اليم هدر )
( حتى يقال جاسر وما جسر ... )
وقال الآخر
( يا دار قد غيرها بلاها ... كأنما بقلم محاها )
( أخر بها عمران من بناها ... وكر ممساها على مغناها )
( وطفقت سحابة تغشاها ... تبكي على عراصها عيناها )
قوله أخر بها عمران من بناها يقول عمرها بالخراب وأصل العمران مأخوذ من العمر وهو البقاء فاذا بقي الرجل في داره فقد عمرها فيقول ان مدة بقائه فيها أبلت منها لان الايام مؤثرة في الاشياء بالنقص والبلاء فلما بقي الخراب بها وقام مقام العمران في غيرها سمي بالعمران
وقال غيره
( يا عجل الرحمن بالعذاب ... لعامرات البيت بالخراب )
يعني الفأر يقول هذا عمرانها كما يقول الرجل ما نرى من خيرك

ورفدك الا ما يبلغنا من خطبك علينا وفتك في أعضادنا وقال الله عزوجل ( هذا نزلهم يوم الدين ) والعذاب لا يكون نزلا ولكنه لما أقام العذاب لهم في موضع النعيم لغيرهم سمي باسمه
وقال الآخر
( فقلت أطعمني عمير تمرا ... فكان تمري كهرة وزبرا )
والتمر لا يكون كهرة وزبرا ولكنه على ذا وقال الله عز و جل ( ولهم رزقهم فيها بكرة وعشيا ) وليس في الجنة بكرة ولا عشي ولكن على مقدار البكر والعشيات وعلى هذا قول الله عز و جل ( وقال الذين في النار لخزنة جهنم ) والخزنة الحفظة وجهنم لا يضيع منها شيء فيحفظ ولا يختار دخولها انسان فيمنع منها ولكن لما قامت الملائكة مقام الحافظ الخازن سميت به
وقال أبو عمرو بن العلاء اجتمع ثلاثة من الرواة فقال لهم قائل أي نصف بيت شعر أحكم وأوجز فقال أحدهم قول حميد بن ثور الهلالي
( وحسبك داء أن تصح وتسلما ... )
ولعل حميدا أخذه عن النمر بن تولب قال النمر
( يحب الفتى طول السلامة والغنى ... فكيف ترى طول السلامة يفعل )
وقال أبو العتاهية أسرع في نقض أمر تمامه
ذهب الى كلام الاول كل ما أقام شخص وكل ما ازداد نقص ولو كان الناس يميتهم الداء إذا لأعاشهم الدواء
وقال الثاني من الرواة الثلاثة بل قول أبي خراش الهذلي
( نوكل بالأدنى وإن حل ما يمضي ... )
وقال الثالث بل قول أبي ذؤيب الهذلي
( وإذا ترد إلى قليل تقنع ... )
فقال قائل هذا من مفاخر هذيل ان يكون ثلاثة من الرواة لم يصيبوا في جميع أشعار العرب إلا ثلاثة أنصاف إثنان منها لهذيل وحدها فقيل لهذا القائل إنما كان الشرط ان يأتوا بثلاثة أنصاف مستغنيات بأنفسها والنصف الذي لأبي ذؤيب لا يستغني بنفسه ولا يفهم السامع معنى هذا النصف حتى يكون موصولا بالنصف الاول لانك إذا أنشدت رجلا لم يسمع بالنصف الاول

وسمع وإذا ترد الى قليل تقنع قال ومن هذه التي ترد الى قليل فتقنع وليس المضمن كالمطلق وليس هذا النصف مما رواه هذا العالم وانما الرواية قوله
( والدهر ليس بمعتب من يجزع ... )
ومما مدحوا به الايجاز والكلام الذي كالوحي والاشارة قول أبي دؤاد ابن جرير الايادي
( يرمون بالخطب الطوال وتارة ... وحي الملاحظ خيفة الرقباء )
فمدح كما ترى الاطالة في موضعها والحذف في موضعه
ومما يدل على شغفهم وكلفهم وشدة حبهم للفهم والافهام قول الاسدي في صفة كلام رجل نعت له موضعا من تلك السباسب التي لا أمارة فيها بأقل اللفظ وأوجزه فوصف أيجاز الناعت وسرعة فهم المنعوت له فقال
( بضربة نعت لم تعد غير أنني ... عقول لأوصاف الرجال ذكورها )
وهو كقولهم لابن عباس أنى لك هذا العلم قال قلب عقول ولسان سؤول وقد قال الراجز
( ومهمهين فدفدين مرتين ... جبتهما بالنعت لا بالنعتين )
وقالوا في التحذير من ميسم الشعر ومن شدة وقع اللسان ومن بقاء أثره على الممدوح والمهجو قال امرؤ القيس بن حجر
( ولو عن نثا غيره جاءني ... وجرح اللسان كجرح اليد )
وقال طرفة
( بحسام سيفك او لسانك والكلم ... الأصيل كأرغب الكلم )
قال وأنشدني محمد بن زياد
( لحوت شماسا كما تلحى العصي ... سبا لو أن السب يدمي لدمي )
( من نفر كلهم نكس دني ... محامد الرذل مشاتيم السري )
( مخابط العكم مواديع المطي ... متارك الرفيق بالخرق النطي )
وانشد محمد بن زياد
( تمنى أبو العفاق عندي هجمة ... تسهل مأوى ليلها بالكلاكل )
( ولا عقل عندي غير طعن نوافز ... وضرب كأشداق الغصال الهوادل )

( وسب يود المرء لو مات قبله ... كصدع الصفا فلقته بالمعلول )
وقال طرفة
( رأيت القوافي يتلجن موالجا ... تضايق عنها ان تولجها الإبر )
وقال الأخطل
( حتى أقروا وهم مني على مضض ... والقول ينفذ مالا تنفذ الإبر )
وقال العماني
( إذ هن في الريط وفي الموادع ... ترمى اليهن كبذر الزارع )
وقالوا الحرب أولها شكوى وأوسطها نجوى واخرها بلوى وكتب نصر بن سيار الى ابن هبيرة أيام تحرك أمير السواد بخراسان
( أرى خلل الرماد وميض جمر ... فيوشك ان يكون له اضطرام )
( فان النار بالعودين تذكى ... وان الحرب أولها كلام )
( فقلت من التعجب ليت شعري ... أأيقاظ أمية أم نيام )
( فان كانوا لحينهم نياما ... فقل قوموا فقد حان القيام )
وقال بعض المولدين
( إذا نلت العطية بعد مطل ... فلا كانت وان كانت جزيله )
( وسقيا للعطية ثم سقيا ... اذا سهلت وان كانت قليله )
( وللشعراء ألسنة حداد ... على العورات موفيه دليله )
( ومن عقل الكريم اذا اتقاهم ... وداراهم مداراة جميله )
( اذا وضعوا مكاذبهم عليه ... وان كذبوا فليس لهن حيله )
وقالوا مذاكرة الرجال تلقيح لألبابها ومما قالوا في صفة اللسان قول الاسدي أنشدنيها ابن الأعرابي
( وأصبحت أعددت للنائبات ... عرضا بريئا وعضبا صقيلا )
( ووقع لسان كحد السنان ... ورمحا طويل القناة عسولا )
وقال الأعشى
( أدافع عن أعراضكم وأعيركم ... لسانا كمقراض الخفاجي ملحبا )
وقال ابن هرمة
( قل للذي ظل ذا لونين يأكلني ... لقد خلوت بلحم عارم البشم )

( إياك لا ألزمن لحييك من لجم ... نكلا ينكل قراصا من اللجم )
( إني امرؤ لا أصوغ الحلي تعمله ... كفاي لكن لساني صائغ الكلم )
وقال الراجز
( إني بغيت الشعر وابتغاني ... حتى وجدت الشعر في مكاني )
( في عيبة مفتاحها لساني ... )
وأنشد
( إني وإن كان إزاري خلقا ... وبردتاي سملا قد أخلقا )
( قد جعل الله لساني مطلقا ... )
بسم الله الرحمن الرحيم

معنى البلاغة

قال أبو عثمان والعتابي حين زعم أن كل من أفهمك حاجته فهو بليغ لم يعن أن كل من أفهمنا من معاشر المولدين والبلديين قصده ومعناه بالكلام الملحون والمعدول عن جهته والمصروف من حقه انه محكوم له بالبلاغة كيف كان بعد ان نكون قد فهمنا عنه معنى كلام النبطي الذي قيل له لم اشتريت هذه الأتان قال أركبها وتلد لي وقد علمنا ان معناه كان صحيحا وقد فهمنا قول الشيخ الفارسي حين قال لاهل مجلسه ما من شر من دين وانه قال حين قيل له ولم ذاك يا أبا فلان قال من جرى يتعلقون وما نشك انه قد ذهب مذهبا وانه كما قال معنى قول أبي الجهير الخرساني النخاس حين قال له الحجاج أتبيع الدواب المعيبة من جند السلطان قال شريكاتنا في هوازها وشريكاتنا في مداينها وكما تجيء تكون قال الحجاج ما تقول ويلك فقال بعض من قد كان اعتاد سماع الخطأ وكلام العلوج بالعربية حتى صار يفهم مثل ذلك يقول شركاؤنا بالاهواز والمدائن يبعثون الينا بهذه الدواب فنحن نبيعها على وجوهها وقلت لخادم لي في اي صناعة أسلم هذا الغلام قال أصحاب سند نعال يريد في اصحاب النعال السندية وكذلك قول الكاتب المغلاق للكاتب الذي دونه اكتب لي قل حطين وريحني منه
فمن زعم ان البلاغة ان يكون السامع يفهم معنى القائل جعل الفصاحة واللكنة والخطأ والصواب والاغلاق والابانة والملحون والمعرب كله سواء وكله بيانا وكيف يكون ذلك كله بيانا ولولا طول مخالطة السامع للعجم وسماعه

للفاسد من الكلام لما عرفه ونحن لم نفهم عنه الا للنقص الذي فينا وأهل هذه اللغة وأرباب هذا البيان لا يستدلون على معاني هؤلاء بكلامهم كما لا يعرفون رطانة الرومي والصقلبي وان كان هذا الاسم انما يستحقونه بأنا نفهم عنهم كثيرا من حوائجهم فنحن قد نفهم من حمحمة الفرس كثيرا من حاجاته ونفهم بضغاء السنور كثيرا من ارادته وكذلك الكلب والحمار والصبي الرضيع وانما عنى العتابي إفهامك العرب حاجتك على مجرى كلام الفصحاء وأصحاب هذه اللغة لا يفقهون قول القائل منها
مكرة أخاك لا بطل وإذا عز أخاك فهن
ومن لم يفهم هذا لم يفهم قولهم ذهبت الى أبو زيد ورأيت أبي عمرو ومتى وجد النحويون اعرابيا يفهم هذا وأشباهه بهرجوه ولم يسمعوا منه لأن ذلك يدل على طول إقامته في الدار التي تفسد اللغة وتنقص البيان لأن تلك اللغة انما انقادت واستوت واطردت وتكاملت بالخصال التي اجتمعت لها في تلك الجزيرة وفي تلك الجيرة ولفقد الخطأ من جميع الامم ولقد كان بين يزيد بن كثوة يوم قدم علينا البصرة وبينه يوم مات بون بعيد على انه قد كان وضع منزله في اخر موضع الفصاحة وأول موضع العجمة وكان لا ينفك من رواة ومذاكرين
وزعم أصحابنا البصريون عن ابي عمرو بن العلاء انه قال لم أر قرويين أفصح من الحسن والحجاج وكان ما زعموا لا يبرئهما من اللحن وزعم أبو العاصي انه لم ير قرويا قط لا يلحن في حديثه وفيما يجري بينه وبين الناس إلا ما تفقده من أبي زيد النحوي ومن ابي سعيد المعلم
وقد روى أصحابنا ان رجلا من البلدتين قال لاعرابي كيف أهلك قالها بكسر اللام قال صلبا لانه أجابه على فهمه ولم يعلم انه أراد المسألة عن أهله وعياله وسمعت ابن بشير وقال له المفضل العنبري اني عثرت البارحة بكتاب وقد التقطته وهو عندي وقد ذكروا ان فيه شعرا فان أردته وهبته لك قال ابن بشير اريده ان كان مقيدا قال والله ما أدري أكان مقيدا او مغلولا ولو عرف التقييد لم يلتفت الى روايته وحكى الكسائي انه قال لغلام بالبادية من خلقك وجزم القاف فلم يدر ما قال

ولم يجبه فرد عليه السؤال فقال الغلام لعلك تريد من خلقك وكان بعض الاعراب اذا سمع رجلا يقول نعم في الجواب قال نعم وشاء لان لغته نعم وقيل لعمر بن لجاء قل إنا من المجرمين منتقمون قال إنا من المجرمون منتقمين وأنشد الكسائي كلاما دار بينه وبين بعض فتيان البادية فقال
( عجبا ما عجب أعجبني ... من غلام حكمي أصلا )
( قلت هل أحسنت ركبا نزلوا ... حضنا ما دونه قال هلا )
( قلت بين ما هلا هل تزلوا ... قال حوبا ثم ولى عجلا )
( لست أدري عندها ما قال لي ... أنعم ما قال لي أم قال لا )
( تلك منه لغة تعجبني ... زادت القلب خبالا خبلا )
قال أبو الحسن قال مولى زياد لزياد أهدوا لنا همار وهش قال أي شيء تقول ويلك قال أهدوا لنا ايرا يريد أهدوا لنا عيرا قال زياد ويلك الاول خير وقال الشاعر يذكر جارية له لكناء
( أول ما أسمع منها في السحر ... تذكيرها الانثى وتأنيث الذكر )
( والسوأة السواء في ذكر القمر ... )
فزياد قد فهم عن مولاه وصاحب الجارية قد فهم عن جاريته ولكنهما لم يفهما عنهما من إفهامها لهما ولكنهما لما طال مقامهما في الموضع الذي يكثر فيه سماعهما لهذا الضرب صارا يفهمان هذا الضرب من الكلام

ذكر ما قالوا في مديح اللسان بالشعر الموزون واللفظ المنثور

ما جاء في الاثر وصح به الخبر

قال الشاعر
( أزى الناس في الاخلاق أهل تخلق ... وأخبارهم شتى فعرف ومنكر )
( قريبا تدانيهم اذا ما رأيتهم ... ومختلفا ما بينهم حين تخبر )
( فلا تحمدن الدهر ظاهر صفحة ... من المرء ما لمم تبل ما ليس يظهر )
( فما المرء إلا الأصغران لسانه ... ومعقوله والجسم خلق مصور )
( وما الزين في ثوب تراه وإنما ... يزين الفتى مخبوره حين يخبر )
( فان طرة راقتك منهم فربما ... أمر مذاق العود والعود أخضر )

وقال سويد بن أبي كاهل في ذلك
( ودعتني برقاها انها ... تنزل الأعصم من رأس اليفع )
( تسمع الحداث قولا حسنا ... لو أرادوا غيره لم يستطع )
( ولسانا صيرفيا صارما ... كحسام السيف ما مس قطع )
وقال جرير
( وليس لسيفي في العظام بقية ... ولا السيف أشوى وقعة من لسانيا )
وقال الاخر
( وجرح السيف تدمله فيبرى ... ويبقى الدهر ما جرح اللسان )
وقال الاخر
( أبا ضبيعة لا تعجل بسيئة ... الى ابن عمك واذكره باحسان )
( إما تراني وأثوابي مقاربة ... ليست بخز ولا من نسج كتان )
( فان في المجد هماتي وفي لغتي ... علوية ولساني غير لحان )
وفيما مدحوا به الاعرابي اذا كان أديبا أنشدني ابن أبي خزيمة واسمه أسود
( ألا زعمت عفراء بالشام أنني ... غلام جوار لا غلام حروب )
( وإني لاهدى بالأوانس كالدمى ... وإني بأطراف القنا للعوب )
( وإني على ما كان من عنجهيتي ... ولوثة اعرابيتي لأديب )
وقال ابن هرمة
( لله درك من فتى فجعت به ... يوم البقيع حوادث الأيام )
( هش أذا نزل الوفود ببابه ... سهل الحجاب مؤدب الخدام )
( فاذا رأيت شقيقه وصديقه ... لم تدر أيهما أخو الأرحام )
وقال كعب بن سعد الغنوي
( حبيب الى الزوار غشيان بيته ... جميل المحيا شب وهو أديب )
( اذا ما تراآه الرجال تحفظوا ... فلم تنطق العوراء وهو قريب )
وقال الحارثي
( وتعلم أنى ماجد وتروعها ... بقية أعرابية في مهاجر )
وقال الآخرلآخر

( وان امرأ في الناس يعطي ظلامة ... ويمنع نصف الحق منه لراضع )
( أألموت يخشى اثكل الله أمه ... أم العيش يرجو نفعه وهو ضائع )
( ويطعم ما لم يندفع في مريثه ... ويمسح أعلى بطنه وهو جائع )
( وأن العقول فاعلمن أسنة ... حداد النواحي ارهفتها المواقع )
ويقول كأن لسانه لسان ثور وحدثني من سمع أعرابيا مدح رجلا برقة اللسان فقال كان والله لسانه أرق من ورقة وألين من سرقة وقال النبي لحسان بن ثابت مابقي من لسانك فاخرج لسانه حتى ضرب بطرفه أرنبته ثم قال رالله ما يسرني به مقول من معد والله لو وضعته على صخر لفلقه او على شعر لحلقه قال وسمعت اعرابيا يصف لسان رجل فقال كان يشول بلسانه شولان البروق ويتخلل به تخلل الحية وأظن هذا الاعرابي أبا وجيه العكلي
ووصف أعرابي رجلا فقال أتيناه فاخرج لسانه كأنه مخراق لاعب وقال العباس بن عبد المطلب للنبي يا رسول الله فيم الجمال قال في اللسان وكان مجاشع بن درام خطيبا سليطا وكان نهشل بكيئا منزورا فلما خرجا من عند بعض الملوك عذله مجاشع في تركه الكلام فقال له نهشل اني والله لا أحسن تكذابك ولا تأثامك تشول بلسانك شولان البروق
وقالوا على جميع الخلق مرتبة الملائكة ثم الانس ثم الجن وإنما صار لهؤلاء المزية على جميع الخلق بالعقل وبالاستطاعة على التصرف وبالمنطق
وقال خالد بن صفوان ما الانسان لولا اللسان الا صورة ممثلة او بهيمة مهملة وقال رجل لخالد بن صفوان ما لي اذا رأيتكم تتذاكرون الاخبار وتتدارسون الآثار وتتناشدون الاشعار وقع علي النوم قال لانك حمار في مسلاخ انسان وقال صاحب المنطق حد الانسان الحي الناطق المبين وقال الاعور الشني
( وكائن ترى من صامت لك معجب ... زيادته او نقصه في التكلم )
( لسان الفتى نصف ونصف فؤاده ... فلم تبق الا صورة اللحم والدم )
ولما دخل ضمرة بن ضمرة على النعمان بن المنذر زرى عليه للذي رأى من دمامته وقصره وقلته فقال النعمان تسمع بالمعيدي لا ان تراه فقال أبيت

اللعن ان الرجال لا تكال بالفقزان ولا توزن بميزان وليست بمسوك يستقى بها وانما المرء بأصغريه بقلبه ولسانه ان صال صال بجنان وان قال قال ببيان واليمانية تجعل هذا للصقعب النهدي فان كان ذلك كذلك فقد أقروا ان نهدا من معد
وكان يقال عقل المرء مدفون بلسانه

باب في ذكر اللسان

وقال أبو الحسن قال الحسن لسان العاقل من وراء قلبه فاذا اراد الكلام تفكر فان كان له قال وان كان عليه سكت وقلب الجاهل من وراء لسانه فان هم بالكلام تكلم به له او عليه
وقال ابو عبيدة قال ابو الوجيه حدثني الفرزدق قال كنا في ضيافة معاوية بن ابي سفيان ومعنا كعب بن جعيل التغلبي فقال له يزيد ان ابن حسان - يريد عبد الرحمن - قد فضحنا فاهج الانصار قال أرادي انت الى الاشراك بعد الاسلام لا أهجو قوما نصروا رسول الله ولكني أدلك على غلام منا نصراني كأن لسانه لسان ثور يعني الاخطل
وقال سعد بن أبي وقاص لعمر ابنه - حين نطق مع القوم فبذهم وقد كانوا كلموه في الرضا عنه - هذا الذي أغضبني عليه اني سمعت رسول الله يقول ( يكون قوم يأكلون الدنيا بألسنهم كما تلحس الارض البقرة بلسانها )
وقال معاوية لعمرو بن العاص يا عمرو ان أهل العراق قد أكرهوا عليا على أبي موسى وأنا واهل الشام راضون بك وقد ضم اليك رجل طويل اللسان قصير الرأي فأجد الحز وطبق المفصل ولا تلقه برأيك كله
والعجب من قول ابن الزبير للاعراب سلاحكم رث وحديثكم غث وكيف يكون هذا وقد ذكروا أنه أحسن الناس حديثا وان أبا نضرة وعبد الله ابن ابي بكر انما كانا يحكيانه فلا أدري الا ان يكون حسن حديثه هو الذي ألقى الحسد بينه وبين كل حسن الحديث
وقد ذكروا ان خالد بن صفوان تكلم في بعض الأمر فأجابه رجل من أهل المدينة بكلام لم يظن خالد ان الكلام كان عنده فلما طال بهما المجلس كان خالد عرض له ببعض الامر فقال المدني يا أبا صفوان ما من ذنب الا اتفاق

الصناعتين ذكر ذلك الاصمعي قال فضال الازرق قال رجل من بني منقر تكلم خالد بن صفوان في صلح بكلام لم يسمع الناس قبله مثله واذا اعرابي في بت ما في رجليه حذاء فأجابه بكلام وددت والله أني كنت مت وان ذلك لم يكن فلما رأى خالد ما نزل بي قال كيف نجاريهم وانما نحكيهم وكيف نسابقهم وانما نجري على ما سبق الينا من أعراقهم وليفرخ روعك فانه من مقاعس ومقاعس لك فقلت يا أبا صفوان والله ما ألومك على الأولى ولا أدع حمدك على الاخرى
قال ابو اليقظان قال عمر بن عبد العزيز ما كلمني رجل من بني أسد الا تمنيت ان يمد له في حجته حتى يكثر كلامه فأسمعه
وقال يونس ليس في بني أسد الا خطيب او شاعر او قائف او زاجر اوكاهن او فارس قال وليس في هذيل الا شاعر او رام او شديد العدو
الترجمان بن هزيم بن عدي بن ابي طحمة قال دعى رقبة بن مصقلة - او كرب بن رقبة - الى مجلس ليتكلم فيه فراى مكان اعرابي في شملة فأنكر موضعه فسأل الذي عن يمينه عنه فخبره انه الذي أعدوه لجوابه فنهض مسرعا لا يلوي على شيء كراهة ان يجمع بين الديباجتين فيتضع عند الجميع
وقال خلاد بن يزيد لم يكن أحد بعد أبي نضرة احسن حديثا من مسلم بن قتيبة قال وكان يزيد بن عمر بن هبيرة يقول احذفوا الحديث كما يحذفه مسلم بن قتيبة
ويزعمون انه لم يروا محدثا قط صاحب آثار كان أجود حذفا وأحسن اختصار للحديث من سفيان بن عيينه سألوه مرة عن قول طاوس في زكاة الجراد فقال ابنه عنه زكاته أخذه
وباب آخر وكانوا يمدحون شدة العارضة وقوة المسنة وظهور الحجة وثبات الجنان وكثرة الريق والعلو عن الخصم ويهجون بخلاف ذلك قال الشاعر
( طباقاء لم يشهد خصوما ولم يعش ... حميدا ولم يشهد حلالا ولا عطرا )

قال ابو زييد الطائي
( وخطيب اذا تموت الأوجه ... يوما في مأقط مشهود )
وقال نافع بن خليفة الغنوي
( وخصم لدى باب الامير كأنهم ... قروم فشافيها الزوائر والهدر )
( دلفت لهم دون المنى بملمة ... من الدر في أعقاب درتها شذر )
( اذا القوم قالوا أدن منها وجدتها ... مطبقة يهماء ليس لها خصر )
وقال الأسلع بن قطاف الطهوي
( فداء لقومي كل معشر جارم ... طريد ومخذول بماجر مسلم )
( هم أفحموا الخصم الذي يستفيدني ... وهم قصموا حجلي وهم حقنوا دمي )
( بأيد يفرجن المضيق وألسن ... سلاط وجمع ذي زهاء عرمرم )
( اذا شئت لم تعدم لدى الباب منهم ... جميل المحيا واضحا غير توأم )
وقال التميمي في ذلك
( أما رأيت الألسن السلاطا ... والجاه والأقدام والنشاطا )
( ان الندى حيث ترى الضغاطا ... )
ذهب في البيت الأخير الى قول الشاعر
( يسقط الطير حيث ينتثر الحب ... وتغشى منازل الكرماء )
والى قول الآخر
( يرفض عن بيت الفقير ضيوفه ... وترى الغنى يهدى لك الزوارا )
وأنشد في المعنى الأول
( وخطيب قوم قدموه أمامهم ... ثقة به متخمط تياح )
( جاوبت خطبته فظل كأنه ... لما خطبت مملح بملاح )
وأنشد أيضا
( أرقت لضوء برق في نشاص ... تلألأ في مملاة غصاص )
( لواقح دلح بالماء سحم ... تمج الغيث من خلل الخصاص )
( سل الخطباء هل سبحوا كسبحي ... بحور القول او غاصوا مغاصي )
( لساني بالنثير ويالقوافي ... وبالأسجاع أمهر في الغواص )
( من الحوت الذي في لج بحر ... يجيد الغوص في لجج المغاص )

( لعمرك إنني لاعف نفسي ... وأستر بالتكرم من خصاص )
وأنشد لرجل من بني ناشب بن سليمان بن سلامة بن سعد بن مالك بن ثعلبة
( لنا قمر السماء وكل نجم ... يضيء لنا اذا القمران غارا )
( ومن يفخر بغير أبي نزار ... فليس بأول الخطباء جارا )
وأنشد للأقرع
( إني امرؤ لا أقيل الخصم عثرته ... عند الأمير اذا ما خصمه طلعا )
( ينير وجهي إذا جد الخصام بنا ... ووجه خصمي تراه الدهر ملتفعا )
وأنشد
( تراه بنصري في الحفيظة واثقا ... وان صد عني العين منه وحاجبه )
( وان خطرت أيدي الكماة وجدتني ... نصورا اذا ما استيبس الريق عاصبه )
وقال ابن احمر وذكر الريق والاعتصام به
( هذا الثناء واجدر أن أصاحبه ... وقد يدوم ريق الطامع الأمل )
وقال الزبير بن العوام وهو يرقص ابنه عروة
( أبيض من آل أبي عتيق ... مبارك من ولد الصديق )
( ألذه كما ألذ ريقي ... )
وقالت امرأة من بني أسد
( ألا بكر الناعي بخير بني أسد ... بعمرو بن مسعود وبالسيد الصمد )
( فمن كان يعيا بالجواب فانه ... أبو معقل لا حجر عنه ولا صدد )
( أثاروا بصحراء الثوية قبره ... وما كنت أخشى ان تناءى به البلد )
وقال أوس بن حجر في فضالة بن كلدة
( أبا دليجة من يوصى بأرملة ... أم من لأشعث ذي هدمين طملال )
( أم من يكون خطيب القوم إن حفلوا ... لدى الملوك أولي كيد وأقوال )
وقال أيضا في فضالة بن كلدة
( ألهفا على حسن آلائه ... على الجابر الحي والحارب )
( ورقبته حتمات الملوك ... بين السرادق والحاجب )
( ويكفي المقالة أهل الرجال ... غير معيب ولا عائب )
وأنشد أيضا

( وخصم غضاب ينغضون رؤوسهم ... أولي قدم في الشغب صهب سبالها )
( ضربت لهم أبط الشمال فأصبحت ... يرد غواة آخرين نكالها )
وقال شتيم بن خويلد
( وقلت لسيدنا يا حليم ... إنك لم تأس أسوا رفيقا )
( أعنت عديا على شأوها ... تعادي فريقا وتبقى فريقا )
( زجرت بها ليلة كلها ... فجئت بها مؤيدا خنفقيقا )
وأنشد لآدم مولى بلعنبر يقولها لابن له
( يا بأبي انت ويا فوق بأب ... يا بأبي خصيك من خصي وزب )
( أنت الحبيب وكذا قول المحب ... جنبك الله معاريض الوصب )
( حتى تفيد وتداوي ذا الجرب ... وذا الجنون من سعال وكلب )
( والحدب حتى يستقيم ذو الحدب ... وتحمل الشاعر في اليوم العصب )
( على مباهير كثيرات التعب ... وان أراد جدل صعب أرب )
( خصومة تنقب أوساط الركب ... أطلعته من رتب الى رتب )
( حتى ترى الأبصار أمثال الشهب ... ترمي بها أشوس ملحاح كلب )
( مجرب الشدات ميمون مذب ... )
وقالت ابنة وثيمة ترثي أباها وثيمة بن عثمان
( الواهب المال التلا ... دلنا ويكفينا العظيمة )
( ويكون مدرهنا إذا ... نزلت مجلحة عظيمة )
( وآحمر افاق السما ء ... ولم تقع في الارض ديمه )
( وتعذر الآكال حتى ... كان أحمدها الهشيمة )
( لا ثلة ترعى ولا ... إبل ولا بقر مسيمه )
( ألفيته مأوى الأرامل ... والمدفعه اليتيمه )
( والدافع الخصم الألد ... اذا تفوضح في الخصومه )
( بلسان لقمان بن عاد ... وفصل خطبته الحكيمه )
( ألجمتهم بعد التدافع ... والتجاذب في الحكومه )
وكانت العرب تعظم شأن لقمان بن عاد الاكبر والأصغر ولقيم بن لقمان في النباهة والقدر وفي العلم والحكم وفي اللسان وفي الحلم وهذان غير

لقمان الحكيم المذكور في القرآن على ما يقول المفسرون ولارتفاع قدره وعظم شأنه قال النمر بن تولب
( لقيم بن لقمان من اخته ... فكان بن أخت له وابنما )
( ليالي حمق فاستحصنت ... عليه فغر بها مظلما )
( فغر بها رجل محكم ... فجاءت به رجلا محكما )
وذلك ان أخت لقمان قالت لامرأة لقمان إني امرأة محمقة ولقمان رجل منجب محكم وأنا في ليلة طهري فهبي لي ليلتك ففعلت فباتت في بيت امرأة لقمان فوقع عليها فأحبلها بلقيم فلذلك قال النمر بن تولب ما قال والمرأة اذا ولدت الحمقى فهي محمقة ولا يعلم ذلك حتى يرى ولد زوجها غيرها اكياسا
وقالت امرأة ذات بنات
( وما أبالي ان أكون محمقه ... اذا رأيت خصية معلقه )
وقال الآخر
( أزرى بسعيك ان كنت امرا حمقا ... من نسل ضاوية الاعراق محماق )
ولبعضهم في البنات قالت احدى القوابل
( أيا سحاب طرقي بخير ... وطرقي بخصية وأير )
( ولا ترينا طرف البظير ... )
وقال آخر في انجاب الامهات وهو يخاطب بني اخوته
( عفاريتا علي وأكل مالي ... وحلما عن أناس آخرينا )
( فهلا غير عمكم ظلمتم ... اذا ما كنتم متظلمينا )
( فلو كنتم لكيسة أكاست ... وكيس الأم أكيس للبنينا )
( وكان لنا فزارة عم سوء ... وكنت له كشر بني الأخينا )
ولبغض البنات هجر أبو حمزة الضبي خيمة امرأته وكان يقيل ويبيت عند جيران له حين ولدت امرأته بنتا فمر يوما بخبائها و اذاهي ترقصها وتقول
( ما لأبي حمزة لا يأتينا ... يظل في البيت الذي يلينا )
( غضبان ان لا نلد البنينا ... تا لله ما ذلك في أيدينا )
( وإنما نأخذ ما أعطينا ... ونحن كالأرض لزارعينا )
( ننبت ما قد زرعوه فينا ... )

فغدا الشيخ حتى ولج البيت فقبل رأس امرأته وابنتها
وهذا الباب يقع في كتاب الانسان من كتاب الحيوان وفي فضل ما بين الذكر والانثى تاما وليس هذا الباب مما يدخل في باب البيان والتبيين ولكن قد يجرى السبب فيجري معه بقدر ما يكون تنشيطا لقارىء الكتاب لان خروجه من الباب اذ اطال لبعض العلم كان ذلك اروح على قلبه وأزيد في نشاطه ان شاء الله
وقد قال الاول في تعظيم شأن لقيم بن لقمان
( قومي اصبحيني فما صيغ الفتى حجرا ... لكن رهينة احجار وارماس )
( قومي اصبحيني فان الدهر ذو غير ... أفنى لقيما وافنى آل مرماس )
( اليوم خمر ويبد وفي غد خبر ... والدهر من بين إنعام وإيآس )
( فاشرب على حدثان الدهر مرتفقا ... لا يصحب الهم قرع السن بالكاس )
وقال ابو الطمحان القيني في ذكر لقمان
( إن الزمان ولا تفنى عجائبه ... فيه تقطع ألاف وأقران )
( أمست بنو القين أفراقا موزعة ... كأنهم من بقايا حي لقمان )
وقد ذكرت العرب هذه الامم البائدة والقرون السالفة ولبعضهم بقايا قليلة وهم أشلاء في العرب متفرقون مغمورون مثل جرهم وجاسم ووبار وعملاق وأميم وطسم وجديس ولقمان والهس ماس وبني الناصور وقيل بن عتر وذي جدن ويقال في بني الناصور ان أصلهم من الروم
فأما ثمود فقد خبر الله عز و جل عنهم فقال ( وثمود فما أبقى ) وقال ( فهل ترى لهم من باقية ) انا أعجب من مسلم يصدق بالقران ويزعم ان في قبائل العرب من بقايا ثمود وكان أبو عبيدة يتأول قوله ( وثمود فما أبقى ) ان ذلك انما وقع على الاكثر وعلى الجمهور الاكبر وهذا التأويل أخرجه من أبي عبيدة سوء الرأي في القوم وليس له ان يجيء الى خبر عام مرسل غير مقيد وخبر مطلق غير مستثنى منه فيجعله خاصا كالمستثنى منه وأي شيء بقي لطاعن او متأول بعد قوله ( فهل ترى لهم من باقية ) فكيف يقول ذلك اذا كنا نحن قد نرى منهم في كل حي باقية معاذ الله من ذلك ورووا أن الحجاج قال يوما على المنبر يزعمون أنا من بقايا ثمود وقد قال الله تبارك وتعالى ( وثمود فما أبقى )

فأما الامم البائدة من العجم مثل كنعان ويونان وأشباه ذلك فكثير ولكن العجم ليست لها عناية بحفظ شأن الاموات ولا الاحياء
وقال المسيب بن علس في ذكر لقمان
( وإليك أعملت المطية من ... سهل العراق وأنت بالقفر )
( أنت الرئيس اذا هم نزلوا ... وتوجهوا كالاسد والنمر )
( لو كنت من شيء سوى بشر ... كنت المنور ليلة القدر )
( ولأنت أجود بالعطاء من الريان ... لما جاد بالقطر )
( ولأنت أشجع من أسامة اذ ... نقع الصراخ ولج في الذعر )
( ولأنت أبين حين تنطق من ... لقمان لما عي بالامر )
وقال لبيد بن ربيعة الجعفري
( وأخلف قسا ليتني ولو انني ... وأعيي على لقمان حكم التدبر )
( فان تسألينا كيف نحن فاننا ... عصافير من هذا الانام المسحر )
وقال امرؤ القيس
( أرانا موضعين لامر غيب ... ونسحر بالطعام وبالشراب )
وقال الفرزدق
( لئن حومتي صانت معد حياضها ... لقد كان لقمان بن عاد يهابها )
وقال آخر
( إذا ما مات ميت من تميم ... فسرك ان يعيش فجيء بزاد )
( بخبز أو بلحم أو بتمر ... أو الشيء الملفف في البجاد )
( تراه يطوف الآفاق حرصا ... ليأكل رأس لقمان بن عاد )
وقال أفنون التغلبي
( لو أنني كنت من عاد ومن إرم ... ربيب قيل ولقمان وذي جدن )
وقال آخر
( ما لذة العيش والفتى للدهر ... والدهر ذو فنون )
( أهلك طسما وقبل طسم ... أهلك عادا وذا جدون )
( وأهل جاسم ومأرب ... وحي لقمان والنقون )
( واليسر للعسر والتغني ... للفقر والحي للمنون )

قال وهم وان كانوا يحبون البيان والطلاقة والتحبير والبلاغة والتخلص والرشاقة فانهم كانوا يكرهون السلاطة والهذر والتكلف والاسهاب والاكثار لما في ذلك من التزيد والمباهاة واتباع الهوى والمنافسة في العلو والقدر وكانوا يكرهون الفضول في البلاغة لأن ذلك يدعو الى السلاطة والسلاطة تدعو الى البذاء وكل مراء في الارض فانما هو من نتاج الفضول ومن حصل كلامه وميزه وحاسب نفسه وخالف الاثم والذم أشفق من الضراوة وسوء العادة وخاف ثمرة العجب وهجنة القبح وما في حب السمعة من الفتنة وما في الرياء من مجانبة الاخلاص
ولقد دعا عبادة بن الصامت بالطعام بكلام ظن انه ترك فيه المحاسبة فقال أوس بن شداد انه قد ترك فيه المحاسبة فاسترجع ثم قال ما تكلمت بكلمة منذ بايعت رسول الله الا مزمومة مخطومة قال ورووا عن حماد بن سلمة عن أبي حمزة عن ابراهيم قال إنما يهلك الناس في فضول الكلام وفضول المال وقال دع المعاذر فان أكثرها مفاجر وانما صارت المعاذر كذلك لانها داعية الى التخلص بكل شيء وقال سلام بن مطيع قال لي أيوب إياك وحفظ الحديث خوفا عليه من العجب وقال ابراهيم النخعي دع الاعتذار فانه يخالط الكذب
قالوا ونظر شاب وهو في دار ابن سيرين الى فرش في داره فقال ما بال تلك الآجرة أرفع من تلك الآجرة الاخرى فقال ابن سيرين يا ابن اخي ان فضول النظر يدعو الى فضول القول
وزعم ابراهيم بن السندي قال أخبرني من سمع عيسى بن علي يقول فضول النظر من فضول الخواطر وفضول النظر يدعو الى فضول القول وفضول القول يدعو الى فضول العمل ومن تعود فضول الكلام ثم تدارك استصلاح لسانه خرج من استكراه القول وان أبطأ أخرجه إبطاؤه الى اقبح من الفضول
قال أبو عمرو بن العلاء أنكح ضرار بن عمرو الضبي ابنته معبد بن زرارة فلما اخرجها اليه قال لها يا بنية امسكي عليك الفضلين قالت وما الفضلان قال فضل الغلمة وفضل الكلام

وضرار بن عمرو هو الذي قال من سره بنوه ساءته نفسه وهو الذي لما قال له المنذر كيف تخلصت يوم كذا وكذا وما الذي نجاك قال تأخير الأجل واكراهي نفسي على المق الطوال
وكان اخوته قد استشالوه حتى ركب فرسه ورفع عقيرته بعكاظ فقال ألا إن خير حائل أم ألا فزوجوا الامهات وذلك انه صرع بين القنا فانشل عليه اخوته لأمه حتى أنقذوه

باب الصمت

كان اعرابي يجالس الشعبي يطيل الصمت فسئل عن طول صمته فقال اسمع فأعلم واسكت فأسلم وقالوا لو كان الكلام من فضة لكان السكوت من ذهب وقالوا مقتل المرء بين لحييه وفكيه وأخذ ابو بكر الصديق رضي الله عنه بطرف لسانه وقال هذا الذي أوردني الموارد وقالوا ليس شيء احق بطول سجن من لسان وقالوا اللسان سبع عقور
وقال النبي ( وهل يكب الناس على مناخرهم في نار جهنم الا حصائد ألسنتهم )
وقال ابن الاعرابي عن بعض أشياخه تكلم رجل عند النبي فخطل كلامه فقال النبي ( ما اعطى العبد شرا من طلاقة اللسان )
وقال العايشي وخالد بن خداش حدثنا مهدي بن ميمون عن غيلان بن جرير عن مطرف بن عبد الله بن الشخير عن أبيه قال قدمنا على رسول الله في وفد فقلنا يا رسول الله انت سيدنا وانت اطولنا علينا طولا وانت الجفنة الغراء فقال النبي ( ايها الناس قولوا بقولكم ولا يستفزنكم الشيطان فانما انا عبد الله ورسوله )
وقال خالد بن عبد الله القسري لعمر بن عبد العزيز رحمه الله من كانت الخلافة زانته فقد زنتها ومن شرفته فقد شرفتها فأنت كما قال الشاعر
( وتزيدين اطيب الطيب طيبا ... ان تمسيه اين مثلك أينا )
( واذا الدر زان حسن وجوه ... كان للدر حسن وجهك زينا )
قال عمر ان صاحبكم أعطى مقولا ولم يعط معقولا وقال الشاعر

( لسانك معسول ونفسك شحة ... ودون الثريا من صديقك مالكا )
وأخبرنا باسناد له ان ناسا قالوا لابن عمر ادع الله لنا بدعوات فقال اللهم ارحمنا وعافنا وارزقنا فقالوا لو زدتنا يا ابا عبد الرحمن قال نعوذ بالله من الاسهاب
وقال ابو الاسود الدؤلي في ذكر الاسهاب يقولها في الحارث بن عبد الله ابن أبي ربيعة بن المغيرة والحارث هو القباع وكان خطيبا من وجوه قريش ورجالهم وإنما سمي القباع لانه اتى بمكتل لاهل المدينة فقال ان هذا المكتل لقباع فسمى به والقباع الواسع الرأس القصير وقال الفرزدق لجرير
( وقبلك ما أعييت كاسر عينه ... زيادا فلم تقدر علي حبائله )
( فأقسمت لا آتيه تسعين حجة ... ولو كسرت عنق القباع وكاهله )
قال ابو الاسود
( امير المؤمنين جزيت خيرا ... أرحنا من قباع بني المغيرة )
( بلوناه فلمناه فأعيا ... علينا ما يمر لنا مريرة )
( على ان الفتى نكح اكول ... ومسهاب مذاهبه كثيره )
وقال الشاعر
( إياك إياك المراء فانه ... الى الشر دعاء وللصرم جالب )
وقال ابو العتاهية
( والصمت اجمل بالفتى ... من منطق في غير حينه )
( كل امرىء في نفسه ... اعلى وأشرف من قرينه )
وكان سهل بن هرون يقول سياسة البلاغة اشد من البلاغة كما ان التوقي على الدواء اشد من الدواء وكانوا يأمرون بالتبين والتثبت وبالتحرز من زلل الكلام ومن زلل الرأي ومن الرأي الدبري والرأي الدبري هو الذي يعرض من الصواب بعد مضي الرأي الاول وفوت استدراكه وكانوا يأمرون بالتحلم والتعلم وبالتقدم في ذلك اشد التقدم وقال الاحنف قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه تفقهوا قبل ان تسودوا وكان يقول رضي الله عنه السؤدد مع السواد وأنشدوا لكثير عزة
( وفي الحلم والإسلام للمرء وازع ... وفي ترك طاعات الفؤاد المتيم )

( ألوت بأصبعها وقالت إنما ... يكفيك مما لا ترى ما قد ترى )
وأنشد
( إبدأ بنفسك فانهها عن غيها ... فاذا انتهت عنه فأنت حكيم )
( فهناك تعذر ان وعظت ويقتدى ... بالقول منك ويقبل التعليم )
قالوا وكان الاحنف أشد الناس سلطانا على نفسه وكان الحسن أترك لما نهى عنه وقال الآخر
( لا تعذراني في الإساءة انه ... شر الرجال من يسيء فيعذر )
وقال الكميت بن زيد الاسدي
( ولم يقل بعد زلة لهم ... عند المعاذير إنما حسبوا )
وأنشد الاحوص بن محمد
( قامت تخاصرني بقنتها ... خود تأطر غادة بكر )
( كل يرى ان الشباب له ... في كل مبلغ لذة عذر )
وقال جرير في فوت الرأي
( ولا يتقون الشر حتى يصيبهم ... ولا يعرفون الامر إلا تدبرا )
ومدح النابغة ناسا بخلاف هذه الصفة فقال
( ولا يحسبون الخير لا شر بعده ... ولا يحسبون الشر ضربة لازب )
وأنشد
( هفا هفوة كانت من المرء بدعة ... وما مثله عن مثلها بسليم )
( فان يك أخطا في أخيكم فربما ... أصاب التي فيها صلاح تميم )
وقال قائل عند يزيد بن عمر بن هبيرة والله ما أتى الحارث بن شريح بيوم خير قط فقال له الترجمان بن هزيم إلا يكن أتى بيوم خير فقد أتى بيوم شر وذهب الترجمان بن هزيم الى مثل معنى قول الشاعر
( وما خلقت بنو زمان الا ... اخيرا بعد خلق الناس طرا )
( وما فعلت بنو زمان خيرا ... ولا فعلت بنو زمان شرا )
ومن هذا الجنس من الاحاديث - وهو يدخل في باب الملح - قال الاصمعي وصلت بالعلم ونلت بالملح قال رجل مرة أبي الذي قاد الجيوش وفتح الفتوح وخرج على الملوك واغتصب المنابر فقال له رجل من القوم لا

جرم لقد أسر وقتل وصلب فقال له المفتخر بأبيه دعني من أسر أبي وقتله وصلبه أبوك أنت حدث نفسه بشيء من هذا قط
قد سمعنا رواية القوم واحتجاجهم وأنا اوصيك ان لا تدع التماس البيان والتبيين ان ظننت ان لك فيهما طبيعة وانهما يناسبانك بعض المناسبة ويشاكلانك في بعض المشاكلة ولا تهمل طبيعتك فيستولي الاهمال على قوة القريحة ويستبد بها سوء العادة وان كنت ذا بيان وأحسست من نفسك بالنفوذ في الخطابة والبلاغة وبقوة المنة يوم الحفل فلا تقصر في التماس اعلاها سورة وأرفعها في البيان منزلة ولا يقطعنك تهييب الجلاء وتخويف الجبناء ولا تصرفنك الروايات المعدولة عن وجوهها والاحاديث المتناولة على أقبح مخارجها
وكيف تطيعهم بهذه الروايات المعدولة والاخبار المدخولة وبهذا الرأي الذي ابتدعوه من قبل أنفسهم وقد سمعت الله تبارك وتعالى ذكر داود النبي صلوات الله عليه فقال ( واذكر عبدنا داود ذا الأيدي انه أواب ) - الى قوله ( وفصل الخطاب ) فجمع له بالحكمة البراعة في العقل والرجاحة في الحلم والاتساع في العلم والصواب في الحكم وجمع له بفصل الخطاب تفصيل المجمل وتخليص الملتبس والبصر بالحز في موضع الحز والحسم في موصع الحسم وذكر رسول الله شعيبا النبي عليه السلام فقال كان شعيب خطيب الانبياء وذلك عند بعض ما حكاه الله عنه في كتابه وحلاه لاسماع عباده فكيف تهاب منزلة الخطباء وداود عليه السلام سلفك وشعيب أمامك مع ما تلونا عليك في صدر هذا الكتاب من القران الحكيم والاي الكريم وهذه خطب رسول الله مدونة محفوظة ومخلدة مشهورة وهذه خطب ابي بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم وقد كان لرسول الله شعراء ينافحون عنه وعن اصحابه بأمره وكان ثابت بن قيس بن الشماس الانصاري خطيب رسول الله لا يدفع ذلك أحد
فأما ما ذكرتم من الاسهاب والتكلف والخطل والتزيد فانما يخرج الى الاسهاب المتكلف والى الخطل المتزيد فاما أرباب الكلام ورؤساء أهل البيان والمطبوعون المعاودون وأصحاب التحصيل والمحاسبة والتوقي

والشفقة والذين يتكلمون في صلاح ذات البين وفي اطفاء نائرة او في حمالة او على منبر جماعة او في عقد املاك بين مسلم ومسلمة فكيف يكون كلام هولاء يدعون الى السلاطة والمراء والى الهذر والبذاء والى النفج والرياء ولو كان هذا كما يقولون لكان علي بن أبي طالب وعبد الله بن عباس رضي الله عنهما اكثر الناس فيما ذكرتم فلم خطب صعصعة ابن صوحان عند علي بن أبي طالب وقد كان ينبغي للحسن البصري ان يكون أحق التابعين بما ذكرتمم
قال الاصمعي قيل لسعيد بن المسيب ههنا قوم نساك يعيبون إنشاد الشعر قال نسكوا نسكا أعجميا
وزعمتم ان رسول الله قال ( شعبتان من شعب النفاق البذاء والبيان وشعبتان من شعب الايمان الحياء والعي )
ونحن نعوذ بالله من العي ونعوذ بالله ان يكون القران يحث على البيان ورسول الله يحث على العي ونعوذ بالله ان يجمع رسول الله بين البذاء والبيان وانما وقع النهي على كل شيء جاوز المقدار ووقع اسم العي على كل شيء قصر عن المقدار فالعي مذموم والخطل مذموم ودين الله تبارك وتعالى بين المقصر والغالي
وههنا روايات كثيرة مدخولة وأحاديث معلولة ورووا ان رجلا مدح الحياء عند الاحنف وان الاحنف قال يم يعود ذلك ضعفا والخير لا يكون سببا للشر ولكنا نقول ان الحياء اسم لمقدار من المقادير ما زاد على ذلك المقدار فسمه ما احببت وكذلك الجود اسم لمقدار من المقادير فالسرف اسم لما فضل عن ذلك المقدار وللحزم مقدار فالجبن اسم لما فضل عن ذلك المقدار وللاقتصاد مقدار فالبخل اسم لما خرج عن ذلك المقدار وللشجاعة مقدار فالتهور والخور اسم لما جاوز ذلك المقدار
وهذه الاحاديث ليست لعامتها أسانيد متصلة فان وجدتها متصلة لم تجدها محمودة واكثرها جاءت مطلقة ليس لها حامل محمود ولا مذموم فاذا كانت الكلمة حسنة استمتعنا بها على قدر ما فيها من الحسن
فان اردت ان تتكلف هذه الصناعة وتنسب الى هذا الادب فقرضت قصيدة او حبرت خطبة او ألفت رسالة فاياك ان تدعوك ثقتك بنفسك

ويدعوك عجبك بثمرة عقلك الى ان تنتحله وتدعيه ولكن اعرضه على العلماء في عرض رسائل او أشعار اوخطب فان رأيت الاسماع تصغي له والعيون تحدج اليه ورأيت من يطلبه ويستحسنه فانتحله فان كان ذلك في ابتداء أمرك وفي اول تكلفك فلم تر له طالبا ولا مستحسنا فلعله ان يكون - ما دام ريضا فضيبا - تعنيسا ان يحل عندهم محل المتروك فان عاودت أمثال ذلك مرارا فوجدت الاسماع عنه منصرفة والقلوب لاهية فخد في غير هذه الصناعة واجعل رائدك الذي لا يكذبك حرصهم عليه او زهدهم فيه وقال الشاعر
( ان الحديث تغر القوم خلوته ... حتى يلح بهم عي وإكثار )
وفي المثل المضروب كل مجر في الخلا مسر ولم يقولوا مسرور وكل صواب
فلا تثق في كلامك برأي نفسك فأني ربما رأيت الرجل متماسكا وفوق المتماسك حتى اذا صار الى رأيه في شعره وفي كلامه وفي ابنه رأيته متهافتا وفوق المتهافت
وكان زهير بن أبي سلمى وهو احد الثلاثة المتقدمين يسمي كبار قصائده الحوليات وقال نوح بن جرير قال الحطيئة خير الشعر الحولي المنقح
وقال البعيث الشاعر وكان اخطب الناس اني والله ما أرسل الكلام قضيبا خشبيا وما أريد ان اخطب يوم الحفل الا بالبائت المحكك
وكنت أظن ان قولهم محكك كلمة مولدة حتى سمعت قول الصعب بن علي الكناني
( أبلغ فزارة ان الذئب آكلها ... وجائع سغب شر من الذيب )
( أدل اطلس ذو نفس محككة ... قد كان طار زمانا في اليعاسيب )
وتكلم يزيد بن أبان الرقاشي ثم تكلم الحسن واعرابيان حاضران فقال احدهما لصاحبه كيف رأيت الرجلين قال اما الاول فقاص مجيد واما الآخر فعربي محكك ونظر أعرابي الى الحسن فقال له رجل كيف تراه قال أرى خيشوم حر وأرادوا عبد الله بن وهب الراسبي على الكلام يوم عقدت له الخوارج الرياسة فقال وما انا والرأي الفطير والكلام القضيب ولما فرغوا من البيعة له قال دعوا الرأي يغب فان غبوبه يكشف لكم عن

محضه وقيل لابن التوأم الرقاشي تكلم فقال ما أشتهى الخبز الا بائتا وقال عبيد الله بن سالم لرؤبة مت يا أبا الجحاف اذا شئت قال وكيف ذلك قال رأيت اليوم عقبة بن رؤبة ينشد شعرا له أعجبني فقال رؤبة نعم انه ليقول ولكن ليس لشعره قران وقال الشاعر
( مهاذبة مناجبة قران ... منادبة كأنهم الاسود )
وقال عمر بن لجاء لبعض الشعراء أنا أشعر منك قال وبم ذاك قال لاني أقول البيت وأخاه وتقول البيت وابن عمه وذكر بعضهم شعر النابغة الجعدي فقال مطرف بالاف وخمار بواف وكان الاصمعي يفضله من أجل ذلك وكان يقول الحطيئة عبد لشعره عاب شعره حين وجده كله متخيرا منتخبا مستويا لمكان الصنعة والتكلف والقيام عليه وقالوا لو كان شعر صالح بن عبد القدوس وسابق البربري كان مفرقا في أشعار كثيرة لصارت تلك الاشعار أرفع مما هي عليه بطبقات ولصار شعرهما نوادر سائرة في الافاق ولكن القصيدة اذا كانت كلها أمثالا لم تسر ولم تجر مجرى النوادر ومتى لم يخرج السامع من شيء الى شيء لم يكن لذلك النظام عنده موقع وقال بعض الشعراء لرجل انا اقول في كل ساعة قصيدة وأنت تقرضها في كل شهر فلم ذلك قال لاني لا اقبل من شيطاني مثل الذي تقبله من شيطانك قالوا وانشد عقبة بن رؤبة اباه رؤبة بن العجاج شعرا وقال له كيف تراه قال له يا بني ان أباك ليعرض له مثل هذا يمينا وشمالا فما يلتفت اليه
وقد رووا ذلك في زهير وابنه كعب
وقيل لعقيل بن علفة لم لا تطيل الهجاء قال يكفيك من القلادة ما أحاط بالعنق وقيل لابي المهوس لم لا تطيل الهجاء قال لم اجد المثل النادر الا بيتا واحدا ولم أجد الشعر السائر الا بيتا واحدا وقال مسلمة بن عبد الملك لنصيب يا أبا الحجناء اما تحسن الهجاء قال أما تراني أحسن مكان عافاك الله لا عافاك الله ولاموا الكميت بن زيد على الاطالة فقال انا على القصار اقدر وقيل للعجاج ما لك لا تحسن الهجاء قال هل في الارض صانع الا وهو على الافساد أقدر وقال رؤبة الهدم أسرع من البناء
وهذه الحجج التي ذكروها عن نصيب والكميت والعجاج ورؤبة إنما

ذكروها على وجه الاحتجاج لهم وهذا منهم جهل ان كانت هذه الاخبار صادقة وقد يكون الرجل له طبيعة في الحساب وليس له طبيعة في الكلام ويكون له طبيعة في التجارة وليس له طبيعة في الفلاحة ويكون له طبيعة في الحداء او في التعبير او في القراءة بالألحان وليس له طبيعة في الغناء وان كانت هذه الانواع كلها ترجع الىتأليف اللحون ويكون له طبيعة في الناي وليس له طبيعة في السرناي ويكون له طبيعة في قصبة الراعي ولا يكون له طبيعة في القصبتين المضمومتين ويكون له طبع في صناعة اللحون ولا يكون له طبع في غيرها ويكون له طبع في تأليف الرسائل والخطب والاسجاع ولا يكون له طبع في قرض بيت شعر ومثل هذا كثير جدا
وكان عبد الحميد الاكبر وابن المقفع مع بلاغة أقلامهما وألسنتهما لا يستطيعان من الشعر الا ما لا يذكر مثله وقيل لابن المقفع في ذلك فقال الذي ارضاه لا يجيئني والذي يجيئني لا أرضاه وهذا الفرزدق وكان مشتهرا بالنساء وكان زير غوان وهو في ذلك ليس له بيت واحد في النسيب مذكور ومع حسده لجرير - وجرير عفيف لم يعشق امرأة قط - وهو مع ذلك أغزل الناس شعرا وفي الشعراء من لا يستطيع مجاوزة القصيد الى الرجز ومنهم من لا يستطيع مجاوزة الرجز الى القصيدة ومنهم من يجمعها كجرير وعمر بن لجاء وأبي النجم وحميد الارقط والعماني وليس الفرزدق في طواله بأشعر منه في قصاره وفي الشعراء من يخطب وفيهم من لا يستطيع الخطابة وكذلك حال الخطباء في قرض الشعر وشاعر نفسه قد تختلف حالاته وقال الفرزدق انا عند الناس أشعر الناس وربما مرت علي ساعة ونزع ضرسي أهون علي من ان أقول بيتا واحدا وقال العجاج لقد قلت أرجوزتي التي أولها
( بكيت والمحتزن البكي ... وإنما يأتي الصبا الصبي )
( أطربا وأنت قنسري ... والدهر بالانسان دوري )
وأنا بالرمل فانثالت علي قوافيها انثيالا وأني لا أريد اليوم دونها في الايام الكثيرة فما أقدر عليه وقال لي أبو يعقوب الخزيمي خرجت من منزلي أريد الشماسية فابتدأت القول في مرثية لأبي التختاخ فرجعت والله وما امكنني بيت واحد وقال الشاعر
( وقد يقرض الشعر البكيء لسانه ... وتعيي القوافي المرء وهو خطيب )

بسم الله الرحمن الرحيم

باب من القول في القوافي الظاهرة واللفظ الموجز

من ملتقطات كلام النساك

قال بعض الناس من التوقي ترك الافراط في التوقي وقال بعضهم اذا لم يكن ما تريد فأرد ما يكون
وقال الشاعر
( قدر الله وارد ... حين يقضى وروده )
( فأرد ما يكون إن ... لم يكن ما تريده )
وقيل لأعرابي في شكاته كيف تجدك قال أجد ما لا أشتهي وأشتهي ما لا أجد وأنا في زمان من جاد لم يجد ومن وجد لم يجد وقال بعض النساك أنا لما لا أرجو أرجى مني لما أرجو وقال بعضهم أعجب من العجب ترك التعجب من العجب وقال عمر بن عبد العزيز رحمه الله لعبد بني مخزوم أني أخاف الله فيما تقلدت قال لست أخاف عليك ان تخاف وإنما أخاف عليك أن لا تخاف وقال الاحنف لمعاوية أخافك إن صدقتك وأخاف الله إن كذبتك وقال رجل من النساك لصاحب له وهو يجود بنفسه اما ذنوبي فاني أرجو لها مغفرة الله ولكني اخاف على بناتي الضيعة فقال له صاحبه فالذي ترجوه لمغفرة ذنوبك فارجه لحفظ بناتك وقال رجل من النساك لصاحب له مالي أراك حزينا قال كان عندي يتيم أربيه لأوجر فيه فمات فانقطع عنا أجره إذ بطل قيامنا بمؤونته فقال له صاحبه فاجتلب يتيما اخر يقوم لك مقام الاول قال أخاف ان لا أصيب يتيما في سوء خلقه قال له صاحبه اما انا فلو كنت في موضعك معه لا ذكرت سوء خلقه وقال اخر وسمعه ابو هريرة النحوي وهو يقول ما يمنعني من تعلم القران الا اني أخاف ان أضيعه قال اما انت فقد عجلت له التضييع ولعلك اذا تعلمته لم تضيعه وقال عمر ابن عبد العزيز لرجل من سيد قومك قال انا قال لوكنت كذلك لم تقل

باب آخر

في حسن البيان

وقالوا في حسن البيان وفي التخلص من الخصم بالحق والباطل وفي تخليص الحق من الباطل وفي الاقرار بالحق وفي ترك الفخر بالباطل
قال اعرابي وذكر حماس بن ثامل
( برئت الى الرحمن من كل صاحب ... أصاحبه إلا حماس بن ثامل )
( وظني به بين السماطين أنه ... سينجو بحق او سينجو بباطل )
وقال العجير السلولي
( وإن ابن زيد لا بن عمي وإنه ... لبلال أيدي جلة الشول بالدم )
( طلوع الثنايا بالمطايا وإنه ... غداة المرادى للخطيب المقدم )
( يسرك مظلوما ويرضيك ظالما ... ويكفيك ما حملته حين تغرم )
وقال ابن ربع الهذلي
( أعيني ألا فابكي رقيبة انه ... وصول لأرحام ومعطاء لسائل )
( فأقسم لو أدركته لحميته ... وان كان لم يترك مقالا لقائل )
وقال بعض اليهود وهو الربيع بن أبي الحقيق من بني النضير وبعثه رسول الله الى خيبر فقتلوه
( سائل بنا خابر أكفائنا ... والعلم قد يلفى لدى السائل )
( إنا اذا مالت دواعي الهوى ... وأنصت السامع للقائل )
( واصطرع الناس بألبابهم ... نقضي بحكم عادل فاصل )
( لا نجعل الباطل حقا ولا ... نلط دون الحق بالباطل )
( نكره أن تسفه احلامنا ... فنخمل الدهر مع الخامل )
وقال الاخر وذكر حماسا ايضا
( أتاني حماس بابن ما هي يسوقه ... ليبغيه خيرا وليس بفاعل )
( ليعطي عبسا مالنا وصدورنا ... من الغيظ تغلي مثل غلي المراجل )
( وقافية قيلت لكم لم أجد لها ... جوابا اذا لم تضربوا بالمناصل )
( فأنطق في حق بحق ولم يكن ... ليرحض عنكم قالة الخزي باطلي )
وقال عمرو بن معد يكرب
( فلو أن قومي أنطقتني رماحهم ... نطقت ولكن الرماح أجرت )

وقال ابو عبيدة صاح رؤبة في بعض الحروب التي كانت بين تميم والازد يا معشر بني تميم أطلقوا من لساني قال أبصر رجلا منهم قد طعن فارسا طعنة فصاح لاعيا ولا شللا والعرب تقول عي أبأس من شلل كأن العي فوق كل زمانه وقالت الجهضمية
( ألا هلك الحلو الحلال الحلاحل ... ومن عنده علم وحلم ونائل )
( وذوخطب يوما اذا القوم افحموا ... تصيب مرادي قوله ما يحاول )
( بصير بعورات الكلام اذا التقى ... شريجان بين القوم حق وباطل )
( أتي لما يأتي الكريم بسيفه ... وان أسلمته جنده والقبائل )
( وليس بمعطاء الظلامة عن يد ... ولا دون أعلى سورة المجد قابل )
وأنشد ابو عبيدة في الخطيب يطول كلامه ويكون ذكورا لأول خطبته وللذي بنى عليه أمره وان شغب شاغب فقطع عليه كلامه او حدث عند ذلك حدث يحتاج فيه الى تدبير اخر وصل الثاني من كلامه بالاول حتى لا يكون أحد كلاميه أجود من الآخر
( فان أحدثوا شغبا يقطع نظمها ... فانك وصال لما قطع الشغب )
( ولو كنت نساجا سدوت خطابها ... بقول كطعم الشهد بالبارد العذب )
وقال نصيب
( وما بذلت ابتذال الثوب ودكم ... وعائد خلقا ما كان يبتذل )
( وعلمك الشيء تهوى ان تبينه ... أشفى بقلبك من أخبار من تسل )
وقال الاخر
( لعمرك ماود اللسان بنافع ... اذا لم يكن أصل المودة في الصدر )
وقال الآخر
( تعلم فليس المرء يولد عالما ... وليس أخو علم كمن هو جاهل )
( وان كبير القوم لا علم عنده ... صغير اذا التفت عليه المحافل )
وقال الآخر
( فتى مثل صفو الماء ليس بباخل ... عليك ولا مهد ملاما لباخل )
( ولا قائل عوراء تؤذي رفيقه ... ولا رافع رأسا بعوراء قائل )
( ولا مسلم مولى لأمر يصيبه ... ولا خالط حقا مصيبا بباطل )

( ولا رافع أحدوثة السوء معجبا ... بها بين أيدي المجلس المتقابل )
( ترى أهله في نعمة وهو شاحب ... طوي البطن مخماص الضحى والاصائل )
وقالت أخت يزيد بن الطثرية
( أرى الأثل من بطن العقيق مجاوري ... قريبا وقد غالت يزيد غوائله )
( فتى قد قد السيف لا متضائل ... ولا رهل لباته وبآدله )
( فتى لا يرى خرق القميص بخصره ... ولكنما توهي القميص كواهله )
( اذا نزل الاضياف كان عذورا ... على الحي حتى تستقل مراجله )
( مضى فورثناه دريس مفاضه ... وأبيض هنديا طويلا حمائلة )
( يسرك مظلوما ويرضيك ظالما ... وكل الذي حملته فهو حامله )
( أخو الجد ان جد الرجال وشمروا ... وذو باطل ان شئت ألهاك باطله )

باب شعر وغير ذلك من الكلام مما يدخل في باب الخطب

قال الشاعر
( عجبت لأقوام يعيبون خطبتي ... وما منهم في موقف بخطيب )
وقال الآخر
( ان الكلام لفي الفؤاد وإنما ... جعل اللسان على الفؤاد دليلا )
( لا يعجبنك من خطيب قوله ... حتى يكون مع اللسان أصيلا )
وأنشد الاخر
( أبر فما يزداد إلا حماقة ... ونوكا وإن كانت كثيرا مخارجه )
قد يكون رديء العقل جيد اللسان
وكان ابو العباس الاعمى يقول
( اذا وصف الاسلام أحسن وصفه ... بفيه ويأبى قلبه ويهاجره )
( وان قام قال الحق ما دام قائما ... تقي اللسان كافر بعد سائره )
يقول انه يتيه عن قوله ويأباه ويهجره ويقول الحق على منبره بلسانه وسائره كافر
وقال قيس بن عاصم المنقري يذكر ما في بني منقر من الخطابة
( إني امرؤ لا يعتري خلقي ... دنس يفنده ولا أفن )
( من منقر في بيت مكرمة ... والأصيل ينبت حوله الغصن )

( خطباء حين يقوم قائلهم ... بيض الوجوه مصاقع لسن )
( لا يفطنون لعيب جارهم ... وهم لحسن جوارهم فطن )
من هذا الباب وليس منه في الجملة قول الآخر
( أشارت بطرف العين خيفة أهلها ... إشارة مذعور ولم تتكلم )
( فأيقنت أن الطرف قد قال مرحبا ... وأهلا وسهلا بالحبيب المسلم )
وقال نصيب
( يقول فيحسن القول ابن ليلى ... ويفعل فوق أحسن ما يقول )
وقال اخر
( ألا رب خم ذي فنون علوته ... وان كان ألوى يشبه الحق باطله )
فهذا هو معنى قول العتابي البلاغة إظهار ما غمض من الحق وتصوير الباطل في صورة الحق وقال الشاعر وهو كما قال
( عجبت لإدلال العيي بنفسه ... وصمت الذي قد كان بالقول أعلما )
( وفي الصمت ستر للعيي وإنما ... صحيفة لب المرء ان يتكلما )
وموضع الصحيفة من هذا البيت موضع ذكر العنوان في شعره الذي رثى به عثمان بن عفان رضي الله تعالى عنه يقول
( ضحوا بأشمط عنوان السجود به ... يقطع الليل تسبيحا وقرآنا )
وأنشد أيضا
( ترى الفتيان كالنخل ... وما يدريك ما الدخل )
( وكل في الهوى ليث ... وفيما نابه فسل )
( وليس الشأن في الوصل ... ولكن ان يرى الفضل )
وقال كسرى أنو شروان لبزرجمهر أي الاشياء خير للمرء العيي قال عقل يعيش به قال فان لم يكن له عقل قال فاخوان يسترون عليه قال فان لم يكن له اخوان قال فمال يتحبب به الى الناس قال فان لم يكن له مال قال فعي صامت قال فان لم يكن ذلك قال فموت مريح
وقال موسى بن يحيى بن خالد قال ابو علي رسائل المرء في كتبه أدل على مقدار عقله وأصدق شاهد على غيبه لك ومعناه فيك من أضعاف ذلك على المشافهة و المواجهة

باب آخر

ووصفوا كلامهم في أشعارهم فجعلوه كبرود العصب وكالحلل والمعاطف والديباج والوشي وأشباه ذلك
وأنشدني أبو الجماهر جندب بن مدرك الهلالي
( لا يشترى الحمد امنية ... ولا يشترى الحمد بالمقصر )
( ولكنما يشترى غاليا ... فمن يعط قيمته يشتر )
( وممن يعتطف على مئزر ... فنعم الرداء على المئزر )
وأنشدني لابن ميادة
( نعم أنني مهد ثناء ومدحة ... كبرد يمان يربح البيع تاجره )
وأنشدني
( فان أهلك فقد أبقيت بعدي ... قوافي تعجب المتمئلينا )
( لذيذات المقاطع محكمات ... لو ان الشعر يلبس لارتدينا )
وقال ابو قردودة يرثي ابن عمار قتيل النعمان ووصف كلامه وقد كان نهاه عن منادمته
( اني نهيت ابن عمار وقلت له ... لا تأمنن أحمر العينين والشعره )
( إن الملوك متى تنزل بساحتهم ... تطر بنارك من نيرانهم شرره )
( يا جفنة كإزاء الحوض قد هدموا ... ومنطقا مثل وشي اليمنة الحبره )
وقال الشاعر في مديح احمد بن ابي دؤاد
( وعويص من الامور بهيم ... غامض الشخص مظلم مستور )
( قد تسهلت ما توعر منه ... بلسان يزينه التحبير )
( مثل وشي البرود هلهله النسج ... وعند الحجاج در نثير )
( حسن الصمت والمقاطع إما ... أنصت القوم والحديث يدور )
( ثم من بعد لحظة تورث اليسر ... وعرض مهذب موفور )
مما يضم الى هذا وليس منه بعينه قول جميل بن معمر
( نمت في الروابي من معد وأفلجت ... على الخفرات الغر وهي وريد )
( أناة على نيرين اضحى لداتها ... بلين بلاء الريط وهي جديد )
ومن هذا الشكل وليس منه بعينه قول الشاعر

( على كل ذي نيرين زيد محاله ... محالا وفي أضلاعه زيد أضلعا )
وقال ابو يعقوب الخزيمي الاعور أول شعر قلته هذان البيتان
( بقلبي سقام لست أحسن وصفه ... على أنه ما كان فهو شديد )
( تمر به الأيام تسحب ذيلها ... فتبلى له الأيام وهو جديد )
وقال آخر وهو ابو الاسود الدؤلي
( أبي القلب إلا ام عمرو وحبها ... عجوزا ومن يحبب عجوزا يفند )
( كبرد اليماني قد تقادم عهده ... ورقعته ما شئت في العين واليد )
وقال ابن هرمة
( إن الأديم الذي أصبحت تعركه ... جهلا لذو نغل باد وذو حلم )
( ولن يبط بأيدي الخالقين ولا ... أيدي الخوالق إلا جيد الأدم )
( وفي غير هذا الباب وهو قريب منه قول ذي الرمة
في قعر حجر من ذؤابة عامر ... إمام هدى مستبصر الحكم عادله )
( كأن على أعطافه ماء مذهب ... اذا سمل السربال طارت رعابله )
وهو الذي يقول
( حوراء في دعج صفراء في نعج ... كأنها فضة قد مستها ذهب )
وقال الاعشى
( بيضاء ضحونها وصفراء ... العشية كالعراره )
وقال اخر
( قد علمت بيضاء صفراء الأصل ... لأغنين اليوم ما أغنى رجل )
وقال بشار بن برد
( وخذي ملابس زينة ... ومصبغات فهي أفخر )
( واذا دخلت تقنعي ... بالحمر ان الحسن أحمر )
وهذان أعميان قد اهتديا من حقائق هذا الامر الى مالا يبلغه تمييز البصير ولبشار خاصة في هذا الباب ما ليس لاحد ولولا انه في كتاب الرجل والمرأة وفي باب القول في الانسان في كتاب الحيوان أليق وأذكى لذكرناه في هذا الموضع ومما ذكروا فيه الوزن قوله
( زني ألقوم حتى تعرفي عند وزنهم ... اذا رفع الميزان كيف أميل )

وقال ابن الزبير الأسدي
( أعاذل غضي بعض لومك إنني ... أرى الموت لا يرضى بدين ولا رهن )
( وإني أرى دهرا تغير صرفه ... ودنيا أراها لا تقوم على وزن )
باب آخر
ويذكرون الكلام الموزون ويمدحون به ويفضلون اصابة المقادير ويذمون الخروج من التبويل قال جعفر بن سليمان ليس يطيب الطعام بكثرة الانفاق وجودة التوابل وانما الشأن في اصابة القدر وقال الشاعر وهو عارق بن أثال الطائي
( ما ان يزال ببغداد يزاحمنا ... على البراذين أشباه البراذين )
( اعطاهم الله أموالا ومنزلة ... من الملوك بلا عقل ولا دين )
( ما شئت من بغلة شقراء ناجية ... او من أثاث وقول غير موزون )
وأنشد بعض الشعراء
( رأت رجلا أودى السفار بجسمه ... فلم يبق إلا منطق وحناجن )
( اذا حسرت عنه العمامة راعها ... جميل الخفوق أغفلته الدواهن )
( فإن أك معروق العظام فانني ... اذا ما وزنت القوم بالقوم وازن )
قال مالك بن أسماء في بعض نسائه وكانت تصيب الكلام كثيرا وربما لحنت
( أمغطى مني على بصري للحب ... أم انت أكمل الناس حسنا )
( وحديث ألذة هو مما ... ينعت الناعتون يوزن وزنا )
( منطق عاقل وتلحن أحيانا ... وخير الحديث ما كان لحنا )
وقال طرفه في المقدار وإصابته
( فسقى ديارك غير مفسدها ... صوب الربيع وديمة تهمي )
طلب الغيث على قدر الحاجة لان الفاضل ضار وقال النبي في دعائه اللهم ( اسقنا سقيا نافعا ) لان المطر ربما جاء في غير إبان الزراعات وربما جاء والتمر في الجرن والطعام في البيادر وربما كان في الكثرة مجاوزا لمقدار الحاجة وقال النبي ( اللهم حوالينا ولا علينا ) وقال بعض الشعراء لصاحبه أنا أشعر منك قال ولم قال لاني أقول البيت وأخاه وتقول البيت

وابن عمه وعاب رؤبة شعر ابنه عقبة فقال ليس له قران وجعل البيت أخا البيت اذا أشبه وكان حقه ان يوضع الى جنبه وعلى ذلك التأويل قال الاعشى
( أبا مسمع أقصر فان قصيدة ... متى تأتكم تلحق بها اخواتها )
قال الله عز و جل ( وما نريهم من آية إلا هي اكبر من اختها )
وقال عمرو بن معد يكرب
( وكل أخ مفارقه أخوه ... لعمر أبيك إلا الفرقدان )
وقالوا فيماهو ابعد معنى وأقل لفظا قال الهذلي
( أعامر لا الوك إلا مهندا ... وجلد أبي عجل وثيق القبائل )
وقالوا ما هو أبعد من هذا قال ابن عسلة الشيباني واسمه عبد المسيح
( وسماع مدجنة تعللنا ... حتى ننام تناوم العجم )
( فصحوت والنمري يحسبها ... عم السماك وخالة النجم )
وقال أبو النجم فيما هو أبعد من هذا ووصف العير والمعيور الموضع الذي يكون فيه الأعيار
( وظل يوفي الأكم ابن خالها ... )
فهذا مما يدل على توسعهم في الكلام وحمل بعضه على بعض واشتقاق بعضه من بعض وقال النبي ( نعمت العمة لكم النخلة ) كأن بينها وبين الانسان تشابه وتشاكل من وجوه وقد ذكرنا ذلك في كتاب الزرع والنخل وفي مثل ذلك قال بعض الفصحاء
( شهدت بأن النمر بالزبد طيب ... وأن الحبارى خالة الكروان )

باب آخر من الشعر

مما قالوا في الخطب واللسن والامتداح به والمديح عليه

قال كعب الاشقري
( إلا أكن في الارض أخطب قائما ... فإني على ظهر الكميت خطيب )
وقال ثابت قطنة
( فإلا أكن فيكم خطيبا فإنني ... بسمر القنا والسيف جد لعوب )
وقالت ليلى الاخيلية

( حتى اذا رفع اللواء رأيته ... تحت اللواء على الخميس زعيما )
وقال الاخر
( عجبت لأقوام يعيبون خطبتي ... وما منهم في مأقط بخطيب )
وقال دريد بن الصمة
( أبلغ نعيما وأوفى ان لقيتهما ... ان لم يكن كان في سمعيهما صمم )
( فلا يزال شهاب يستضاء به ... يهدي المقانب ما لم يهلك الصمم )
( عاري الأشاجع معصوب بلمته ... أمر الزعامة في عرنينه شمم )
وقال أبو العباس الاعمى مولى بني بكر بن عبد مناف في بني عبد شمس
( ليت شعري أفاح رائحة المسك ... ما إن اخال بالخيف أنسي )
( حين غابت بنو أمية عنه ... والبهاليل من بني عبد شمس )
( خطباء على المنابر فرسان ... عليها وقالة غير خرس )
( لا يعابون صامتين وان قالوا ... أصابوا ولم يقولوا بلبس )
( بحلوم اذا الحلوم استخفت ... ووجوه مثل الدنانير ملس )
وقال العجاج
( وحاصن من حاصنات ملس ... من الأذى ومن قراف الوقس )
وقال امرؤ القيس بن حجر
( ويارب يوم قد أروح مرجلا ... حبيبا الى البيض الكواعب أملسا )
وقال أبو العباس الاعمى
( ولم أر حيا مثل حي نحملوا ... الى الشام مظلومين منذ بريت )
( أعز وأمضى حين تشتجر القنا ... وأعلم بالمسكين حيث يبيت )
( وأرفق بالدنيا بأولى سياسة ... اذا كاد امر المسلمين يفوت )
( اذا مات منهم سيد قام سيد ... بصبر بعورات الكلام زميت )
وقال آخر
( لا يغسل العرض من تدنسه ... والثوب إن مس مدنسا غسلا )
( وزلة الرجل تستقال ولا ... يكاد رأي يقيلك الزللا )
وقال اخر في الزلل
( ألهفي اذا عصيت أبا يزيد ... ولهفي اذ أطعت أبا العلاء )

كانت هفوة من غير ريح ... وكانت زلة من غير ماء )
وقال آخر
( فانك لم ينذرك أمر تخافه ... اذا كنت فيه جاهلا مثل خابر )
وقال ابن وابصة - واسمه سالم - في مقام قام فيه مع ناس من الخطباء
( يا أيها المتحلي غير شيمته ... ومن سجيته الاكثار والملق )
( أعمد الى القصد فيما انت راكبه ... ان التخلق يأتي دونه الخلق )
( صدت هنيدة لما جئت زائرها ... عني بمطروفة انسانها غرق )
( وراعها الشيب في رأسي فقلت لها ... كذاك يصفر بعد الخضرة الورق )
( بل موقف مثل حد السيف قمت به ... أحمي الذمار وترميني به الحدق )
( فما زللت ولا ألفيت ذا خطل ... اذا الرجال على أمثالها زلقوا )
وأنشد أعرابي من باهلة
( سأعمل نص العيس حتى يكفني ... غنى المال يوما او غنى الحدثان )
( فللموت خير من حياة يرى لها ... على الحر بالإقلال وسم هوان )
( متى يتكلم يلغ حكم كلامه ... وان لم يقل قالوا عديم بيان )
( كأن الغنى في أهله بورك الغنى ... بغير لسان ناطق بلسان )
وفي مثلها في بعض الوجوه قول عروة بن الورد
( ذريني للغنى أسعى فاني ... رأيت الناس شرهم الفقير )
( وأهونهم وأحقرهم لديهم ... وان أمسى له نسب وخير )
( ويقصى في الندي وتزدريه ... حليلته وينهره الصغير )
( ويلفى ذو الغنى وله جلال ... يكاد فؤاد صاحبه يطير )
( قليل ذنبه والذنب جم ... ولكن للغنى رب غفور )
وقال ابن عباس رضي الله تعالى عنه الهوى إله معبود وتلا قوله عز و جل ( أفرأيت من اتخد إلهه هواه وأضله الله على علم )
وقال ابو الاعور سعيد بن زيد بن عمرو بن تفيل
( تلك عرساي تنطقان على عمد ... إلى اليوم قول زور وهتر )
( سألتاني الطلاق ان رأنا ما ... لي قليلا قد جئتماني بنكر )
( فلعلي ان يكثر المال عندي ... ويعرى من المغارم ظهري )

( وترى أعبد لنا وأواق ... ومناصيف من خوادم عشر )
( وتجر الأذيال في نعمة زول ... تقولان ضع عصاك لدهر )
( ويكأن من يكن له نشب يحبب ... ومن يفتقر يعش عيش ضر )
( ويجنب سر النجي ولكن ... أخا المال محضر كل سر )
قال عبيد بن الابرص في نحو هذا وليس كمثله
( تلك عرسي غضبى تريد زيالي ... ألبين تريد أم لدلال )
( ان يكن طلبك الفراق فلا أحفل ... ان تعطفي صدور الجمال )
( كنت بيضاء كالمهاة وإذ ... آتيك نشوان مرخيا أذيالي )
( فاتركي مط حاجبيك وعيشي ... معنا بالرجاء والتأمال )
( زعمت أنني كبرت وأني ... قل مالي وضن عني الموالي )
( وصحا باطلي وأصبحت شيخا ... لا يواتي امثالها امثالي )
( ان تريني تغير الرأس مني ... وعلا الشيب مفرقي وقذالي )
( بينما أدخل الخباء على مهضومة ... الكشح طفلة كالغزال )
( فتعاطيت جيدها ثم مالت ... ميلان الكثيب بين الرمال )
( ثم قالت فدى لنفسك نفسي ... وفداء لمال أهلك مالي )
وخرج عثمان بن عفان رضي الله تعالى عنه من داره يوما وقد جاء عامر ابن عبد قيس فقعد في دهليزه فلما رأى شيخا دميما أشغى ثطا في عباءة فأنكره وانكر مكانه فقال يا اعرابي اين ربك قال بالمرصاد
يقال ان عثمان بن عفان رضي الله تعالى عنه لم يفحمه احد قط غير عامر بن عبد قيس ونظر معاوية الى النخار بن أوس العذري الخطيب الناسب في عباءة في ناحية من مجلسه فأنكره وانكر مكانه زراية منه عليه فقال من هذا فقال النخار يا أمير المؤمنين ان العباءة لا تكلمك انما يكلمك من فيها
قال ونظر عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه الى هرم بن قطبة ملتفا في بت في ناحية المسجد ورأى دمامته وقلته وعرف تقديم العرب له في الحكم والعلم فأحب ان يكشفه ويسبر ما عنده فقال أرأيت لو تنافرا اليك اليوم أيهما كنت تنفر يعني علقمة بن علاثة وعامر بن الطفيل فقال يا امير المؤمنين لو قلت فيهما كلمة لأعدتها جذعة فقال عمر بن الخطاب رضي الله

تعالى عنه لهذا العقل تحاكمت اليك العرب ونظر عمر الى الأحنف وعنده الوفد والأحنف ملتف في بت له فترك جميع القوم واستنطقه فلما تبعق منه ما تعبق وتكلم بذلك الكلام البليغ المصيب وذهب ذلك المذهب لم يزل عنده في علياء ثم صار الى ان عقد له الرياسة ثابتا له ذلك الى ان فارق الدنيا
ونظر النعمان بن المنذر الى ضمرة بن ضمرة فلما رأى دمامته وقلته قال تسمع بالمعيدي لا ان تراه هكذا تقول العرب فقال ضمرة أبيت اللعن ان الرجال لا تكال بالقفزان وانما المرء بأصغريه لا لسانه وقلبه وكان ضمرة خطيبا وكان فارسا شاعرا شريفا سيدا
وكان لرمق بن زيد مدح أبا جبيلة الغساني وكان الرمق دميما قصيرا فلما أنشده وحاوره قال عسل طيب في ظرف سوء
قال وتكلم علباء بن الهيثم السدوسي لدى عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه وكان علباء اعور دميما فلما رأى براعته وسمع بيانه أقبل عمر يصعد فيه بصره ويحدره فلما خرج قال عمر لكل أناس في جميلهم خبرة
قال ابو عثمان وأنشدت سهل بن هرون قول سلمة بن خرشب وشعره الذي أرسل به الى سبيع التغلبي في شأن الرهن التي وضعت على يديه في قتال عبس وذبيان فقال سهل بن هرون والله لكأنه قد سمع رسالة عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه الى أبي موسى الأشعري في سياسة القضاء وتدبير الحكم والقصيدة قوله
( أبلغ سبيعا وأنت سيدنا ... قدما وأوفى رجالنا ذمما )
( أن بغيضا وأن إخوتها ... ذبيان قد ضرموا الذي اضطرما )
( نبئت أن حكموك بينهم ... فلا يقولن بئس ما حكما )
( ان كنت ذا خبرة بشأنهم ... تعرف ذا حقهم ومن ظلما )
( وتنزل الأمر في منازله ... حكما وعلما وتحضر الفهما )
( ولا تبالي من المحق ولا المبطل ... لا إلة ولا ذمما )
( فاحكم وأنت الحكيم بينهم ... لن تعدموا الحكم ثابتا صتما )
( واصدع أديم السواء بينهم ... على رضى من رضي ومن رغما )

( ان كان مالا ففض عدته ... مالا بمال وان دما فدما )
( حتى ترى ظاهر الحكومة مثل ... الصبح جلى نهاره ظلما )
( هذا وان لم تطق حكومتهم ... فانبذ اليهم أمورهم سلما )
وقال العايشي كان عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه أعلم الناس بالشعر ولكنه اذ ابتلى بالحكم بين النجاشي والعجلاني وبين الحطيئة والزبرقان كره أن يتعرض للشعراء واستشهد رجالا للفريقين مثل حسان بن ثابت وغيره ممن تهون عليه سبالهم فاذا سمع كلامهم حكم بما يعلم وكان الذي ظهر من حكم ذلك الشاعر مقنعا للفريقين ويكون هو قد تخلص بعرضه سليما فلما رآه من لا علم له يسأل هذا وهذا ظن ان ذلك لجهله بما يعرف غيره ولقد أنشدوه شعرا لزهير وكان لشعره مقدما فلما انتهوا الى قوله
( وان الحق مقطعه ثلاث ... يمين او نفار او جلاء )
قال عمر كالمتعجب من علمه بالحقوق وتفصيله بينها واقامته أقسامها
( وان الحق مقطعه ثلاث ... يمين او نفار او جلاء )
وأنشدوه قصيدة عبدة بن الطبيب الطويلة التي على اللام فلما بلغ المنشد الى قوله
( والمرء ساع لأمر ليس يدركه ... والعيش شح واشفاق وتأميل )
قال عمر متعجبا
( والعيش شح وأشفاق وتأميل )
يعجبهم من حسن ما قسم وفصل وأنشدوه قصيدة أبي قيس بن الاسلت التي على العين وهو ساكت فلما انتهى المنشد الى قوله
( الكيس والقوة خير من الاشفاق ... والفهة والهاع )
أعاد عمر البيت وقال
( الكيس والقوة خير ال ... إشفاق والفهة والهاع )
وجعل عمر يردد البيت ويتعجب منه قال محمد بن سلام الجمحي عن بعض أشياخه قال كان عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه لا يكاد يعرض له أمر الا أنشد فيه بيت شعر
وقال عمر بن العلاء كان الشاعر في الجاهلية يقدم على الخطيب بفرط

حاجتهم الى الشعر الذي يقيد عليهم مآثرهم ويفخم شأنهم ويهول على عدوهم ومن غزاهم ويهيب من فرسانهم ويخوف من كثرة عددهم ويهابهم شاعر غيرهم فيراقب شاعرهم فلما كثر الشعر والشعراء واتخذوا الشعر مكسبة ورحلوا الى السوقة وتسرعوا الى أعراض الناس صار الخطيب عندهم فوق الشاعر ولذلك قال الاول الشعر أدنى مروءة السري وأسرى مروءة الدني
قال ولقد وضع قول الشعر من قدر النابغة الذبياني ولو كان في الدهر الاول ما زاده ذلك الا رفعة
وروى مجالد عن الشعبي قال ما رأيت مثلي ما أشاء أن ألقى رجلا أعلم مني بشيء الا لقيته وقال الحسن البصري يكون الرجل عابدا ولا يكون عاقلا ويكون عابدا عاقلا ولا يكون عالما وكان مسلم بن يسار عاقلا عابدا عالما وكان يقال فقه الحسن وورع ابن سيرين وعقل مطرف وحفظ قتادة وذكرت البصرة فقيل شيخها الحسن وفتاها بكر بن عبد الله المزني والذين بثوا العلم في الدنيا اربعة قتادة والزهري والاعمش والكلبي وجمع سليمان بن عبد الملك بين قتادة والزهري فغلب قتادة الزهري فقيل لسليمان في ذلك فقال انه فقيه مليح فقال القحذمي لا ولكنه تعصب للقرشية ولانقطاعه اليهم ولروايته فضائلهم وكان الاصمعي يقول وصلت بالعلم ونلت بالملح وكان سهل بن هرون يقول اللسان البليغ والشعر الجيد لا يكاد ان يجتمعان في واحد وأعسر من ذلك ان يجتمع بلاغة الشعر وبلاغة القلم والمسجديون يقولون من تمنى رجلا حسن العقل وحسن اللسان وحسن القلم تمنى شيئا عسيرا

باب إعابة العي والحمق

وكانوا يعيبون النوك والعي والحمق وأخلاق النساء والصبيان
قال الشاعر
( اذا ما كنت متخذا خليلا ... فلا تثقن بكل أخي إخاء )
( فان خيرت بينهم فألصق ... بأهل العقل منهم والحياء )
( فان العقل ليس له إذا ما ... تفاضلت الفضائل من كفاء )

( فان النوك للأحساب غول ... وأهون دائه داء العياء )
( ومن ترك العواقب مهملات ... فأيسر سعيه سعي العناء )
( فلا تثقن بالنوكى لشيء ... ولو كانوا بني ماء السماء )
( فليسوا قابلي أدب فدعهم ... وكن من ذاك منقطع الرجاء )
وقال الآخر في التضييع والنوك
( فعش في حد أنوك ساعدته ... مقادير يخالفها الصواب )
( ذهاب المال في حمد وأجر ... ذهاب لا يقال له ذهاب )
وأنشد في ذلك
( أرى زمنا نوكاه أسعد أهله ... ولكنما يشقى به كل عاقل )
( مشى فوقه رجلاه والرأس تحته ... فكب الأعالي بارتفاع الأسافل )
وقال الاخر
( ولم أر مثل الفقر أوضع للفتى ... ولم أر مثل المال أرفع للرذل )
( ولم أر عزا لامرىء كعشيرة ... ولم أر ذلا مثل نأي عن الأهل )
( ولم أر من عدم أضر على امرىء ... اذا عاش وسط الناس من عدم العقل )
وقال الآخر
( تحامق مع الحمقى اذا ما لقيتهم ... ولا تلقهم بالعقل ان كنت ذا عقل )
( فاني رأيت المرء يشقى بعقله ... كما كان قبل اليوم يسعد بالعقل )
وقال الآخر
( وأنزلني طول النوى دار غربة ... اذا شئت لاقيت امرأ لا أشاكله )
( فحامقته حتى يقال سجية ... ولو كان ذا عقل لكنت أعاقله )
وقال بشر بن المعتمر وأنشد
( واذا الغبي رأيته مستغنيا ... أعيا الطبيب وحيلة المحتال )
وأنشدني آخر
( وللدهر ايام فكن في لباسه ... كلبسته يوما أجد وأخلقا )
( وكن اكيس الكيسى اذا كنت فيهم ... وان كنت في الحمقى فكن انت أحمقا )
وأنشدني آخر
( ولا تقربي يا بنت عمي بوهة ... من القوم دفناسا غبيا مفندا )

( وان كان اعطى رأس ستين بكرة ... وحكما على حكم وعبدا مولدا )
( ألا فاحذري لاتوردنك هجمة ... طوال الذرى جبسا من القوم قعددا )
وأنشدني آخر
( كسا الله حيي تغلب ابنة وائل ... من اللؤم أظفارا بطيئا نصولها )
( اذا ارتحلوا عن دار ضيم تعاذلوا ... عليها وردوا وفدهم يستقيلها )
وأنشدني اخر
( وإن عناء ان تفهم جاهلا ... ويحسب جهلا انه منك افهم )
وقال جرير
( ولا يعرفون الشر حتى يصيبهم ... ولا يعرفون الامر الا تدبرا )
وقال الاعرج المعني الطائي
( لقد علم الاقوام أن قد قدرتم ... ولم تبدأ وهم بالمظالم أولا )
( فكونوا كداعى كرة بعد فرة ... ألا رب من قد فر ئمت أقبلا )
( فان أنتم لم تفعلوا فتبدلوا ... بكل سنان معشر العرب مغزلا )
( وأعطوهم حكم الصبي بأهله ... واني لأرجو ان يقولوا بأن لا )
وأنشد
( ولا تحكما حكم الصبي فانه ... كثير على ظهر الطريق مجاهله )
سئل دغفل عن بني عامر فقال اعناق ظباء وأعجاز نساء قيل فما تقول في أهل اليمن قال سيد وأنوك

باب في ذكر المعلمين

من امثال العامة أحمق من معلم كتاب وقد ذكرهم صقلاب فقال
( وكيف يرجى العقل والرأي عند من ... يروح على انثى ويغدو على طفل )
وفي قول بعض الحكماء لا تستشيروا معلما ولا راعي غنم ولا كثير القعود مع النساء وقال لا تدع أم صبيك تضربه فانه أعقل منها وان كانت أسن منه وقد سمعنا في الامثال أحمق من راعي ضان ثمانين
فاما استحماق رعاة الغنم في الجملة فكيف يكون ذلك صوابا وقد رعى الغنم عدة من جلة الانبياء عليهم السلام ولعمري ان الفدادين من أهل الوبر ورعاة الإبل ليتلومون على رعاة الغنم ويقول احدهم لصاحبه ان كنت

كاذبا فحلبت قاعدا
وقال الآخر
( ترى حالب المعزى اذا سر قاعدا ... وحالبهن القائم المتطاول )
قالت امرأة من غامد في هزيمة ربيعة بن مكدم لجمع غامد وحده
( ألا هل أتاها على نأيها ... بما فضحت قومها غامد )
( تمنيتم مائتي فارس ... فردكم فارس واحد )
( فليت لنا بارتباط الخيول ... ضأنا لها حالب قاعد )
وقد سمعنا قول بعضهم الحمق في الحاكة والمعلمين والغزالين قال والحاكة أقل وأسقط من ان يقال لهم حمقى وكذلك الغزالون لان الأحمق هو الذي يتكلم بالصواب الجيد ثم يجيء بخطأ فاحش والحائك ليس عنده صواب جيد في فعال ولا مقال الا ان يجعل جودة الحياكة من هذا الباب وليس هو من هذا في شيء

باب آخر في الحمق

ويقال فلان أحمق فاذا قالوا مائق فليس يريدون ذلك المعنى بعينه وكذلك اذا قالوا أنوك وكذلك اذا قالوا رقيع ويقولون فلان سليم الصدر ثم يقولون غبي ثم يقولون أبله وكذلك اذا قالوا معتوه ومسلوس وأشباه ذلك
قال ابو عبيدة يقال للفارس شجاع فاذا تقدم ذلك قيل بطل فاذا تقدم شيئا قيل بهمة فاذا صار الى الغاية قيل اليس
قال العجاج أليس عن حوبائه سخي
وهذا المأخذ يجري في الصفات كلها من جود وبخل وصلاح وفساد ونقصان ورجحان وما زلت اسمع هذا القول في المعلمين والمعلمون عندي على ضربين منهم رجال ارتفعوا عن تعليم اولاد العامة الى تعليم اولاد الخاصة ومنهم رجال ارتفعوا عن تعليم أولاد الخاصة الى تعليم اولاد الملوك انفسهم المرشحين للخلافة فكيف تستطيع ان تزعم ان مثل علي بن حمزة الكسائي ومحمد بن المستنير الذي يقال له قطرب واشباه هؤلاء يقال لهم حمقى ولا يجوز هذا القول على هؤلاء ولا على الطبقة التي دونهم فان ذهبوا الى معلمي كتاتيب

القرى فان لكل قوم حاشية وسفلة فما هم في ذلك الا كغيرهم
وكيف تقول مثل ذلك في هؤلاء وفيهم الفقهاء والشعراء والخطباء مثل الكميت بن زيد وعبد الحميد الكاتب وقيس بن سعد وعطاء بن أبي رباح
ومثل عبد الكريم بن ابي أمية وحسين المعلم وابي سعيد المعلم
ومن المعلمين الضحاك بن مزاحم ابو معبد الجهني وعامر الشعبي فكانا يعلمان أولاد عبد الملك بن مروان وكان ابو معبد يعلم سعيدا
ومنهم ابو سعيد المؤدب - وهو غير ابي سعيد المعلم - وكان يحدث عن هشام ابن عروة وغيرهم
ومنهم عبد الصمد بن عبد الاعلى وكان معلم ولد عتبة بن ابي سفيان
وكان اسماعيل بن علي ألزم بعض بنيه عبد الله بن المقفع ليعلمه
وكان ابو بكر عبد الله بن كيسان معلما
ومنهم محمد بن السكن وما كان عندنا بالبصرة رجلان ادرى بصنوف العلم ولا احسن بيانا من ابي الوزير وابي عدنان المعلمين وحالهما من اول ما اذكر من ايام الصبا
وقد قال الناس في ابي البيداء وفي ابي عبد الله الكاتب وفي الحجاج بن يوسف وابيه ما قالوا
وقد أنشدوا مع هذا الخبر شاهدا من الشعر على ان الحجاج وأباه كانا معلمين بالطائف
ثم رجع بنا القول الى الكلام الاول قالوا احق الناس بالرحمة عالم يجري عليه حكم جاهل وكتب الحجاج الىالمهلب يعجله في حرب الازارقة ويسمعه فكتب اليه المهلب ان البلاء كل البلاء اي يكون الرأي لمن يملكه دون من يبصره

باب في التشادق والاغراق في القول

قال بعض الربانيين من الادباء واهل المعرفة من البلغاء ممن يكره التشادق والتعمق ويبغض الاغراق في القول والتكلف والاجتلاب ويعرف اكثر ادواء الكلام ودوائه وما يعتري المتكلم من الفتنة بحسن ما يقول وما يعرض

للسامع من الافتتان بما يسمع والذي يورث الاقتدار من التحكم والتسلط والذي يمكن الحاذق والمطبوع من التمويه للمعاني والخلابة وحسن المنطق وقال في بعض مواعظه أنذركم حسن الالفاظ وحلاوة مخارج الكلام فان المعنى اذا اكتسى لفظا حسنا وأعاره البليغ مخرجا سهلا ومنحه المتكلم قولا متعشقا صار في قلبك احلى ولصدرك أملا والمعاني اذا كسيت الالفاظ الكريمة وألبست الاوصاف الرفيعة تحولت في العيون عن مقادير صورها وأربت على حقائق اقدارها بقدر ما زينت وعلى حسب ما زخرفت فقد صارت الالفاظ في معنى المعارض وصارت المعاني في معنى الجواري والقلب ضعيف وسلطان الهوى قوي ومدخل خدع الشيطان خفي
فاذكر هذا الباب ولا تنسه وتأمله ولا تفرط فيه فان عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه لم يقل للاحنف بعد ان احتبسه حولا مجرما ليستكثر منه وليبالغ في تصفح حاله والتنقير عن شأنه ان رسول الله قد كان خوفنا كل منافق عليم وقد خفت ان تكون منهم إلا لما كان راعه من حسن منطقه ومال اليه لما رأى من رفقه وقلة تكلفه ولذلك قال رسول الله ( ان من البيان لسحرا )
وقال عمر بن عبد العزيز لرجل أحسن في طلب حاجة وتأتي لها بكلام وجيز ومنطق حسن هذا والله السحر الحلال وقال رسول الله ( لا خلابة ) فالقصد من ذلك ان تجتنب السوقي والوحشي ولا تجعل همك في تهذيب الالفاظ وشغلك في التخلص الى غرائب المعاني وفي الاقتصار بلاغ وفي التوسط مجانبة للوعورة والخروج من سبيل من لا يحاسب نفسه وقد قال الشاعر
( عليك بأوساط الامور فانها ... نجاة ولا تركب ذلولا ولا صعبا )
وقال الآخر
( لا تذهبن في الامور فرطا ... لا تسألن ان سألت شططا )
( وكن من الناس جميعا وسطا ... )
وليكن كلامك بين المقصر والغالي فانك تسلم من الهجنة عند العلماء ومن فتنة الشيطان وقال أعرابي للحسن علمني دينا وسطا لا ذاهبا شطوطا

ولا هابطا هبوطا فقال الحسن لئن قلت ذاك ان خير الامور أوسطها وجاء في الحديث خالطوا الناس وزايلوهم وقال عبد الله بن مسعود في خطبته وخير الامور أوساطها وما قل وكفى خير مما كثر وألهى نفس تنجيها خير من إمارة لا تحصيها وقال علي بن ابي طالب كرم الله وجهه كن في الدنيا وسطا وامش جانبا وكانوا يقولون إكره الغلو كما تكره التقصير وكان رسول الله يقول لأصحابه ( قولوا بقولكم ولا يستحوذن عليكم الشيطان ) وكان يقول و ( هل يكب الناس على مناخرهم في نار جهنم الا حصائد ألسنتهم )

باب من الخطب القصار

من خطب السلف ومواعظ النساك وتأديب من تأديب العلماء

قال رجل لأبي هريرة النحوي أريد ان أتعلم العلم وأخاف ان أضيعه قال كفى بترك العلم إضاعة وسمع الآحنف رجلا يقول التعلم في الصغر كالنقش في الحجر فقال الاحنف الكبير اكبر الناس عقلا ولكنه أشغل قلبا وقال أبو الدرداء مالي أرى علماءكم يذهبون وجهالكم لا يتعلمون
وقال رسول الله ( ان الله لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من الناس ولكن يقبض العلماء حتى اذا لم يبق عالم اتخذ الناس رؤساء جهالا فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا )
ولذلك قال عبد الله بن عباس رضي الله تعالى عنه حين دلى زيد بن ثابت في القبر من سره ان يرى كيف ذهاب العلم فلينظر فهكذا ذهابه
وقال بعض الشعراء لبعض العلماء
( أبعدت من يومك الفرار فما ... جاورت حيث انتهى بك القدر )
( لوكان ينجي من الردى حذر ... نجاك مما أصابك الحذر )
( يرحمك الله من أخي ثقة ... لم يك في صفو وده كدر )
( فهكذا يفسد الزمان ويفنى ... نى العلم منه ويدرس الأثر )
وقال قتادة لو كان أحد مكتفيا من العلم لاكتفى نبي الله موسى عليه السلام اذ قال للعبد الصالح ( هل اتبعك على ان تعلمني مما علمت رشدا ) وقال ابو العباس التميمي قال طاؤس الكلمة الصالحة صدقة

وعن عبد الله بن ثمامة بن انس عن أبيه عن النبي انه قال ( فضل لسانك تعبر به عن أخيك الذي لا لسان له صدقة ) ح
وقال الخليل تكثر من العلم لتعرف وتقلل منه لتحفظ وقال الفضيل نعمت الهدية الكلمة من الحكمة يحفظها الرجل حتى يلقيها الى أخيه وكان يقال اجعل ما في الكتب بيت مال وما في قلبك للنفقة وكان يقال يكتب الرجل أحسن ما سمع ويحفظ أحسن ما كتب وقال أعرابي حرف في قلبك خير من عشرة في طومارك وقال عمر بن عبد العزيز ما قرن شيء بشيء أفضل من علم الى حلم ومن عفو الى قدرة وكان ميمون بن سياه إذا جلس الى قوم قال إنا قوم منقطع بنا فحدثونا احاديث نتجمل بها وفخر سليم مولى زياد بزياد عند معاوية فقال معاوية أسكت فوالله ما أدرك صاحبك شيئا بسيفه الا وقد أدركت اكثر منه بلساني وضرب الحجاج أعناق أسرى فلما قدموا اليه رجلا ليضرب عنقه قال والله لئن كنا أسأنا في الذنب فما أحسنت في العفو فقال الحجاج أف لهذه الجيف أما كان فيها أحد يحسن مثل هذا وأمسك عن القتل
وقال بشير الرحال اني لأجد في قلبي حرا لا يذهبه الا برد العدل او حر السنان وقدموا رجلا من الخوارج الى عبد الملك لتضرب عنقه - ودخل على عبدالملك ابن صغير له قد ضربه المعلم وهو يبكي فهم عبد الملك بالمعلم فقال دعه يبكي فانه أفتح لجرمه وأصح لبصره وأذهب لصوته فقال له عبد الملك أما يشغلك ما انت فيه عن هذا قال ما ينبغي للمسلم ان يشغله عن قول الحق شيء فأمر بتخلية سبيله وقال إبراهيم بن أدهم أعربنا في كلامنا فما نلحن حرفا ولحنا في اعمالنا فما نعرب حرفا وأنشد
( نرقع دنيانا بتمزيق ديننا ... فلا ديننا يبقى ولا مانرقع )
وقال زياد على المنبر ان الرجل ليتكلم بالكلمة ما يقطع بها ذنب عنز مصور لو بلغت إمامه سفك بها دمه وعزل عمر زياد عن كتابه أبي موسى في بعض قدماته فقال له زياد أعن عجز أم عن خيانة قال لا عن واحدة منهما ولكن أكره ان احمل على العامة فضل عقلك وبلغ الحجاج موت اسماء ابن خارجة فقال هل سمعتم بالذي عاش ما شاء ومات حين شاء

وكان يقال كدر الجماعة خير من صفو الفرقة قال ابو الحسن مر عمر بن ذر بعبد الله بن عياش المنتوف وقد كان سفه عليه ثم أعرض عنه فتعلق بثوبه فقال يا هناه انا لم نجد لك اذا عصيت الله فينا خيرا من ان نطيع الله فيك
وهذا كلام أخذه عمر بن ذر عن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه حين قال عمر اني والله لا ادع حقا لله لشكاية تظهر ولا لغضب يحتمل ولا لمحاباة بشر وانك والله ما عاقبت من عصي الله فيك بمثل ان تطيع الله فيه وكتب عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه الى سعد بن أبي وقاص يا سعد بني وهيب ان الله اذا احب عبدا حببه الى خلقه فاعتبر منزلتك من الله بمنزلتك من الناس واعلم ان مالك عند الله مثل الذي لله عندك
ومات لعمر بن ذر ابن فقال اي بني شغلني الحزن لك عن الحزن عليك وقال رجل من مجاشع كان الحسن يخطب في دم فينا فأجابه رجل فقال وقد تركت ذلك لله ولوجوهكم فقال الحسن لا تقل هكذا بل قل لله ثم لوجوهكم وآجرك الله
ومر رجل بأبي بكر رضي الله تعالى عنه ومعه ثوب فقال أتبيع الثوب فقال لا عافاك الله فقال أبو بكر رضي الله تعالى عنه لقد علمتم لو كنتم تعلمون قل لا وعافاك الله
وسأل عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه رجلا عن شيء فقال الله أعلم فقال عمر لقد شقينا ان كنا لا نعلم ان الله أعلم اذا سئل احدكم عن شيء لا يعلمه فليقل لا علم لي وكان ابو الدرداء يقول أبغض الناس إلي إن أظلمه من لا يستعين علي بأحد الا بالله
وذكر ابن ذر الدنيا فقال كأنكم انما زادكم في حرصكم عليها ذم الله عز و جل لها ونظر أعرابي الى مال له كثير من الماشية وغيرها فقال ينعه ولكل ينعه استحشاف فباع ما هنالك من ماله ثم لزم ثغرا من ثغور المسلمين حتى مات فيه وتمنى قوم عند يزيد الرقاشي فقال أتمنى كما تمنيتم قالوا تمنه قال ليتنا لم نخلق وليتنا اذ خلقنا لم نعص وليتنا اذ عصينا لم نمت وليتنا اذ بعثنا لم نحاسب وليتنا اذ حوسبنا لم نعذب وليتنا اذ عذبنا لم نخلد
وقال الحجاج ليت الله اذ خلقنا للآخرة كفانا امر الدنيا فرفع عنا الهم

بالمأكل والمشرب والملبس والمنكح أوليته اذ وقعنا في هذه الدار كفانا أمر الآخرة فرفع عنا الاهتمام بما ينجي من عذابه فبلغ كلامهما عبد الله بن حسن بن حسن او علي بن الحسين فقال ما علما شيئا في التمني ما اختار الله فهو خير قال ابو الدرداء من هو ان الدنيا على الله انه لا يعصى الا فيها ولا ينال ما عنده الا بتركها قال شريح الحدة كناية عن الجهل وقال أبو عبيدة العارضة كناية عن البذاء
واذا قالوا فلان مقتصد فتلك كناية عن البخل واذا قالوا للعامل مستقص فهو كناية عن الجور وقال حبيب بن أوس الشاعر ابو تمام الطائي
( كذبتم ليس يزهى من له حسب ... ومن له نسب عمن له أدب )
( اني لذو عجب منكم أردده ... فيكم وفي عجبي من زهوركم عجب )
( لجاجة بي فيكم ليس يشبهها ... الا لجاجتكم في أنكم عرب )
وقيل لاعرابية مات ابنها ما احسن عزاءك عن ابنك قالت ان مصيبته آمنتني من المصائب بعده وقال سعيد بن عثمان بن عفان لطوبس المغني أينا أسن انا أو انت يا طويس فقال بأبي انت وأمي لقد شهدت زفاف امك المباركة الى ابيك الطيب فانظر الى حذقه والى معرفته بمخارج الكلام كيف لم يقل بزفاف امك الطيبة الى ابيك المبارك وهكذا كان وجه الكلام فقلب المعنى
وقال رجل من اهل الشام كنت في حلقة أبي مسهر في مسجد دمشق فذكرنا الكلام وبراعته والصمت ونبالته قال كلا ان النجم ليس كالقمر انك تصف الصمت بالكلام ولا تصف الكلام بالصمت وقال الهيثم بن صالح لابنه وكان خطيبا يا بني اذا أقللت من الكلام أكثرت من الصواب واذا اكثرت من الكلام أقللت من الصواب قال يا أبت فان انا اكثرت واكثرت يعني كلاما وصوابا قال يا بني ما رأيت موعوظا أحق بأن يكون واعظا منك
وقال ابن عباس لولا الوسواس ما باليت ان لا أكلم الناس
وقال عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه ما تستبقوا من الدنيا تجدوه في الآخرة وقال رجل للحسن إني اكره الموت قال ذلك انك اخرت مالك

ولو قدمته لسرك ان تلحق به وقال عامر بن الظرب العدواني الرأي نائم والهوى يقظان فمن هنا يغلب الهوى الرأي وقال مكتوب في الحكمة أشكر لمن انعم عليك وانعم على من شكر لك وقال ابو الدرداء ايها الناس لا يمنعكم سوء ما تعلمون منا ان تقبلوا احسن ما تسمعون منا
وقال عبد الملك على المنبر ألا تنصفوننا يا معشر الرعية تريدون منا سيرة ابي بكر وعمر ولم تسيروا في انفسكم ولا فينا سيرة رعية ابي بكر وعمر نسأل الله ان يعين كلا على كل وقال رجل من العرب اربع لا يشبعن من اربع انثى من ذكر وعين من نظر وارض من مطر وأذن من خبر
وقال موسى عليه السلام لأهله ( امكثوا اني انست نارا لعلي اتيكم منها بخبر ) فقال بعض المعترضين فقد قال او اتيكم بشهاب قبس قال ابو عقيل لم يعرف موقع النار من ابناء السبيل ومن الجائع المقرور
وقال لبيد بن ربيعة
( ومقام ضيق فرجته ... ببيان ولسان وجدل )
( لو يقوم الفيل او فياله ... زل عن مثل مقامي وزحل )
( ولدى النعمان مني موطن ... بين فاثور أفاق فالدحل )
( اذ دعتني عامر انصرها ... فالتقى الألسن كالنبل الدول )
( فرميت القوم رشقا صائبا ... ليس بالعصل ولا بالمقثعل )
( وانتضلنا وابن سلمى قاعد ... كعتيق الطير يغضي ويجل )
( وقبيل من لكيز شاهد ... رهط مرجوم ورهط ابن المعل )
وقال
( وأبيض يجتاب الخروق على الوجى ... خطيبا اذا التف المجامع فاصلا )
وقال لبيد
( لوكان حي في الحياة مخلدا ... في الدهر أدركه أبو يكسوم )
( بكتائب خرس تعود كبشها ... نطح الكباش شبيهة بنجوم )
( ولقد بلوتك وابتليت خليقتي ... ولقد كفاك معلمي تعليمي )
وقد قال أيضا لبيد
( ذهب الذين يعاش في اكنافهم ... وبقيت في خلف كجلد الاجرب )

( يتأكلون مغالة وخيانة ... ويعاب قائلهم وان لم يشغب )
وقال زيد بن جندب في ذكر الشغب
( ما كان اغنى رجالا ضل سعيهم ... عن الجدال وأغناهم عن الشغب )
وقال آخر في الشغب
( اني اذا عاقبت ذو عقاب ... وان تشاغبني فذو شغاب )
وقال احمر بن العمرد
( وكم حلها من تيحان سميذع ... مصافي الندى ساق بسهماء مطعم )
( طوى البطن متلاف اذا هبت الصبا ... على الأمر غواص وفي الحي شيظم )
وقال
( هل لامني قوم لموقف سائل ... او في مخاصمة اللجوج الاصيد )
وقال في التطبيق
( فلما ان بدا القعقاع لجت ... على شرك تناقله نقالا )
( تعاورن الحديث وطبقته ... كما طبقت بالنعل المثالا )
وقال آخر
( لوكنت ذا علم علمت وكيف لي ... بالعلم بعد تدبر الامر )
وقال المعترض على أصحاب الخطابة والبلاغة
قال لقمان لابنه يا بني اني قد ندمت على الكلام ولم أندم على السكوت وقال الشاعر
( ما ان ندمت على سكوتي مرة ... ولقد ندمت على الكلام مرارا )
وقال آخر
( خل جنبيك لرام ... وامض عنه بسلام )
( مت بداء الصمت خير ... لك من داء الكلام )
( إنما المسلم من ... ألجم فاه بلجام )
وقال آخر في التحذير والاحتراس
( اخفض الصوت ان نطقت بليل ... والتفت بالنهار قبل الكلام )
وقال في مثل ذلك

( لا أسأل الناس عما في ضمائرهم ... ما في ضميري لهم مني سيكفيني )
وقال حمزة بن بيض
( لم يكن عن جناية لحقتني ... لا يساري ولا يميني جنتني )
( بل جناها أخ علي كريم ... وعلى أهلها براقش تجني )
لان هذه الكلبة - وهي براقش - انما نبحت غزيا وقد مروا من ورائهم وقد رجعوا خائبين مخفقين فلما نبحتهم استدلوا بنباحها على أهلها فاستباحوهم ولو سكتت كانوا قد سلموا فضرب ابن بيض بها المثل
وقال الاخطل
( تنق بلا شيء شيوخ محارب ... وما خلتها كانت تريش ولا تبري )
( ضفادع في ظلماء ليل تجاوبت ... فدل عليها صوتها حية النهر )
وقالوا الصمت حكم وقليل فاعله وقالوا استكثر من الهيبة صامت وقيل لرجل من كلب طويل الصمت بحق ما سمتكم العلماء خرس العرب فقال أسكت فاسلم وأسمع فاعلم وكانوا يقولون لا تعدلوا بالسلامة شيئا ولا تسمع الناس يقولون جلد فلان حين صمت ولا قتل حين سكت وتسمعهم يقولون جلد فلان حين قال كذا وكذا وقتل حين قال كذا وكذا وفي الحديث المأثور رحم الله من سكت فسلم او قال خيرا فغنم والسلامة فوق الغنيمة لان السلامة أصل والغنيمة فرع
وقال النبي ( ان الله يبغض البليغ الذي يتخلل بلسانه كما تتخلل الباقرة بلسانها ) ح
وقيل ان كان الكلام من فضة فالسكوت من ذهب وقال صاحب البلاغة والخطابة وأهل البيان وحب التبيين انما عاب النبي المتشادقين والثرثارين والذي يتخلل بلسانه كما تتخلل الباقرة بلسانها والاعرابي المتشادق وهو الذي يصنع بفكيه وشدقيه ما لا يستجيزه أهل الأدب من خطباء أهل المدر فمن تكلف ذلك منهم فهو أعيب والذم له ألزم وقد كان الرجل من العرب يقف الموقف فيرسل عدة أمثال سائرة ولم يكن الناس جميعا يتمثلون بها الا لما فيها من المرفق والانتفاع ومدار العلم على الشاهد والمثل
وانما حثوا على الصمت لان العامة الى معرفة خطأ القول أسرع منهم الى

معرفة خطأ الصمت ومعنى الصامت في صمته أخفى من معنى القائل في قوله والا فالسكوت عن قول الحق في معنى النطق بالباطل
ولعمري ان الناس الى الكلام لأسرع لان في اصل التركيب ان الحاجة الى القول والعمل اكثر من الحاجة الى ترك العمل والسكوت عن جميع القول وليس الصمت كله أفضل من الكلام كله ولا الكلام كله أفضل من السكوت كله بل قد علمنا ان عامة الكلام أفضل من عامة السكوت وقد قال الله عز و جل ( سماعون للكذب أكالون للسحت ) فجعل سمعه وكذبه سواء
وقال الشاعر
( بني عدي ألا ينهى سفيهكم ... إن السفيه اذا لم ينه مأمور )
وقال الآخر
( فان أنا لم آمر ولم أنه عنكما ... ضحكت له حتى يلج ويستشري )
وكيف يكون الصمت أنفع والايثار له أفضل ونفعه لا يكاد يجاوز رأس صاحبه ونفع الكلام يعم ويخص والرواة لم يرووا سكوت الصامتين كما روت كلام الناطقين وبالكلام أرسل الله انبياءه لا بالصمت ومواضع الصمت المحمودة قليلة ومواضع الكلام المحمودة كثيرة وطول الصمت يفسد البيان وقال بكر بن عبد الله المزني طول الصمت حبسه كما قال عمر ترك الحركة عقله واذا ترك الانسان القول ماتت خواطره وتبلدت نفسه وفسد حسه وكانوا يروون صبيانهم الارجاز ويعلمونهم المناقلات ويأمرونهم برفع الصوت وتحقيق الاعراب لان ذلك يفتق اللهات ويفتح الجرم واللسان اذا اكثرت تحريكه رق ولان واذا أقللت تقليبه وأطلت إسكاته جسأ وغلظ وقال عبابة الجعفي لولا الدربة وسوء العادة لأمرت فتياننا ان يماري بعضهم بعضا وأية جارحة منعتها الحركة ولم تمرنها على الاعمال أصابها من التعقد على حسب ذلك المنع
فلم قال رسول الله للنابغة الجعدي ( لا يفضض الله فاك ) ولم قال لكعب بن مالك ( ما نسي الله لك مقالك ذلك ) ولم قال لهيذان بن شيخ ( رب خطيب من عبس ) ولم قال لحسان لما هيج الغطاريف على بني عبد مناف ( والله لشعرك أشد عليهم من وقع السهام في غبش الظلام ) ح

وما نشك انه عليه وعلى آله السلام قد نهى عن المراء وعن التزيد والتكلف وعن كل ما ضارع الرياء او السمعة والنفج والبذخ وعن التهاتر والتشاغب وعن المغالبة والمماتنة فاما نفس البيان فكيف ينهي عنه وأبين الكلام كلام الله وهو الذي مدح التبيين وأهل التفصيل وفي هذا كفاية ان شاء الله
قال دغفل بن حنظلة ان للعلم أربعا آفة ونكدا واضاعة واستجاعة فآفته النسيان ونكده الكذب واضاعته وضعه في غير موضعه واستجاعته انك لا تشبع منه وانما عاب الاستجاعة لسوء تدبير اكثر العلماء ولخرق سياسة اكثر الرواة لان الرواة اذا شغلوا عقولهم بالازدياد والجمع عن تحفظ ما قد حصلوه وتدبر ما قد دونوه كان ذلك الازدياد داعيا الى النقصان وذلك الربح سببا للخسران
وقد جاء في الحديث منهومان لا يشبعان منهوم في العلم ومنهوم في المال
وقالوا علم علمك وتعلم علم غيرك فاذا انت قد علمت ما جهلت وحفظت ما علمت وقال الخليل بن احمد اجعل تعليمك دراسة لعلمك واجعل مناظرة المتعلم تنبيها لك على ما ليس عندك وقال بعضهم وأظنه بكر بن عبد الله المزني لا تكدوا هذه القلوب ولا تهملوها فخير الكلام ما كان عقب الجمام ومن أكره بصره عشي وعاودوا الفكر عند نبوات القلوب واشحذوها بالمذاكرة ولا تيأسوا من إصابة الحكمة اذا امتحنتم ببعض الاستغلاق فان من أدام قرع الباب ولج
وقال الشاعر
( اذا المرء أعيته المروءة ناشئا ... فمطلبها كهلا عليه شديد )
وقال الاحنف السؤدد مع السواد وتقول الحكماء من لم ينطق بالحكمة قبل الاربعين لم يبلغ فيها
وأنشد
( ودون الندى في كل قلب ثنية ... لها مصعد حزن ومنحدر سهل )
( وود الفتى في كل نيل ينيله ... اذا ما انقضى لو ان نائله جزل )

وقال الهذلي
( وان سيادة الاقوام فاعلم ... لها صعداء مطلبها طويل )
( أترجو ان تسود ولن تعنى ... وكيف يسود ذو الدعة البخيل )
صالح بن سليمان عن عتبة بن عمر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام قال ما رأيت عقول الناس إلا قريبا بعضها من بعض الا ما كان من الحجاج وإياس ابن معاوية فان عقولهما كانت ترجح على عقول الناس أبو الحسن قال سمعت ابا الصغرى الحارثي يقول كان الحجاج أحمق بنى مدينة واسط في بادية النبط ثم قال لهم لا تدخلوها فلما مات دلفوا اليها من قريب سمعت قحطبة الجشمي يقول كان اهل البصرة لا يشكون انه لم يكن بالبصرة رجل أعقل من عبيد الله بن الحسن وعبيد الله بن سالم وقال معاوية لعمرو بن العاص ان أهل العراق قد قرنوا بك رجلا طويل اللسان قصير الرأي فأجد الحز وطبق المفصل واياك ان تلقاه برأيك كله

باب ما قالوا فيه من الحديث الحسن الموجز المحذوف القليل الفضول

قال الشاعر
( لها بشر مثل الحرير ومنطق ... رخيم الحواشي لا هراء ولا نزر )
وقال ابن احمر
( تضع الحديث علىمواضعه ... وكلامها من بعده نزر )
وقال الآخر
( حديث كطعم الشهد حلو صدوره ... وأعجازه الخطبان دون المحارم )
وقال بشار
( أنس غرائر ما هممن بريبة ... كظباء مكة صيدهن حرام )
( يحسبن من أنس الحديث زوانيا ... ويصدهن عن الخنا الاسلام )
وقال بشار
( فنعمنا والعين حي كميت ... بحديث كنشوة الخندريس )
وقال بشار
( وكأن رفض حديثها ... قطع الرياض كسين زهرا )
( وتخال ما جمعت عليه ... ثيابها ذهبا وعطرا )==

مجلد 2. من :كتاب : البيان والتبيين
المؤلف : أبي عثمان عمرو بن بحر الجاحظ

( وكأن تحت لسانها ... هاروت ينفث فيه سحرا )
وقال بشار العقيلي
( وفتاة صب الجمال عليها ... بحديث كلذة النشوان )
وقال بشار
( وبكر كنوار الرياض حديثها ... تروق بوجه واضح وقوام )
وقال بشار
( وحديث كأنه قطع الروض ... وفيه الصفراء والحمراء )
وقال الاخطل
( فأسرين خمسا ثم أصبحن غدوة ... يخبرن أخبارا ألذ من الخمر )
أخبرنا عامر بن صالح ان عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز كتب الى امرأته وعنده اخوان له
( ان عندي أبقاك ربك ضيفا ... واجبا حقهم كهولا ومردا )
( طرقوا جارك الذي كان قدما ... لا يرى من كرامة الضيف بدا )
( فلديه أضيافه قد قراهم ... وهم يشتهون تمرا وزبدا )
( فلهذا جرى الحديث ولكن ... قد جعلنا بعض المزاحة جدا )
وأنشد الهذلي
( كروا الأحاديث عن ليلى اذا بعدت ... إن الأحاديث عن ليلى لتلهيني )
وقال الهذلي في حلاوة الحديث
( وإن حديثا منك لو تبذلينه ... جني النحل او ألبان عوذ مطافل )
( مطافيل ابكار حديث نتاجها ... تشاب بماء مثل ماء المفاصل )
وفي الكلام الموزون يقول عبد الله بن معاية بن عبد الله بن جعفر
( فالزم الصمت ان في الصمت حكما ... واذا أنت قلت قولا فزنه )
وقال ابو ذؤيب
( وسرب يطلى بالعجير كأنه ... دماء ظباء بالنحور ذبيح )
( بذلت لهن القول انك واجد ... لما شئت من حلو الكلام فصيح )
وأنشد للحكم بن ريحان من بني عمرو بن كلاب
( ياأجدل الناس ان جادلته جدلا ... وأكثر الناس ان عاتبته عللا )

( كأنما عسل رجعان منطقها ... ان كان رجع الكلام يشبه العسلا )
وقال القطامي
( وفي الخدور غمامات برقن لنا ... حتى تصيدننا من كل مصطاد )
( فهن ينبذن من قول يصبن به ... مواقع الماء من ذي الغلة الصادي )
وقال الاخطل
( شمس اذا خطل الحديث أوانس ... يرقبن كل مرقب تنبال )
( أنف كأن حديثهن تنادم ... بالكأس كل عقيلة مكسال )
وقال ابو العميثل
( لقيت ابنة السهمي زينب من غفر ... ونحن حرام مسى عاشرة العشر )
( وإني وأياها لحتم مبيتنا ... جميعا ومسرانا مغذ وذو فتر )
( فكلمتها ثنتين كالثلج منهما ... على اللوح والاخرى أحر من الجمر )
وانشد
( وإنا لتجري بيننا حين نلتقي ... حديثا له وشي كوشي المطارف )
( حديث كطعم القطر في المحل يشتفى ... به من جوى في داخل القلب لاطف )
وقال الشماخ بن ضرار التغلبي
( يقر بعيني ان أنبأ أنها
وان لم أنلها أيم لم تزوج )
( وكنت اذا لاقيتها كان سرنا ... وما بيننا مثل الشواء الملهوج )
وقال جران العود
( فنلنا سقاطا من حديث كأنه ... جنى النحل او ابكار كرم يقطف )
( حديثا لو ان البقل يولى بمثله ... زها البقل واخضر العضاة المصيف )
وقال الكميت
( وحديثهن اذا التقين ... تهانف البيض الغرائر )
( فاذا ضحكن عن العذاب ... لنا المسفات الثواغر )
( كان التهلل بالتبسم ... لا الفهاهة بالقراقر )
وقال الآخر
( ولما تلاقينا جرى من عيوننا ... دموع كففناغربها بالأصابع )
( ونلنا سقاطا من حديث كأنه ... جنى النحل ممزوجا بماء الوقائع )

وقال الاشعث بن سمى
( هل تعرف المبدا الى السنام ... ناط به سواحر الكلام )
( كلامهن برء ذي السقام ... )
وقال الراجز ووصف عيون الظباء بالسحر وذكرر قوسا صفراء فقال
( صفراء فرع خطموها بوتر ... لام ممر مثل حلقوم النغر )
( حدت ظبات اسهم مثل الشرر ... فصرعتهن بأكناف الحفر )
( حور العيون بابليات النظر ... يحسبها الناظر من وحش البشر )
ويروى البقر

باب آخر من الاسجاع في الكلام

قال عمر بن ذر الله المستعان على ألسنة تصف وقلوب تعرف وأعمال تخلف
ولما مدح عتيبة بن مرداس عبد الله بن عباس قال لا أعطي من يعصي الرحمن ويطيع الشيطان ويقول البهتان
وفي الحديث المأثور يقول العبد مالي مالي وانما لك من مالك ما أكلت فأفنيت او أعطيت فأمضيت او لبست فأبليت
وقال النمر بن تولب
( أعاذل ان يصبح صداي بقفرة ... بعيدا فآتى صاحبي وقريبي
( ترى ان ما أبقيت لم أك ربه ... وأن الذي أنفقت كان نصيبي )
ووصف أعرابي رجلا فقال صغير القدر قصير الشبر ضيق الصدر لئيم النجر عظيم الكبر كثير الفخر
ووصف بعض الخطباء رجلا فقال ما رأيت أضرب المثل ولا أركب لجمل ولا أصعد في قلل منه وسأل بعض الامراء رسولا قدم من جهة السند كيف رأيتم البلاد فقال ماؤها وشل ولصها بطل وتمرها دقل ان كثر الجند بها جاعوا وان قلوا بها ضاعوا
وقيل لصعصعة بن معاوية من اين أقبلت قال من الفج العميق قيل فأين تريد قال البيت العتيق قيل هل من مطر قال نعم حتى عفا الاثر وانضر الشجر ودهده الحجر واستجار عون بن عبد الله بن عتبة بن

مسعود بمحمد بن مروان بنصيبين وتزوج بها امرأة فقال محمد كيف ترى نصيبين قال كثيرة العقارب قليلة الاقارب
وولى علاء الكلابي عملا خسيسا بعد ان كان على عمل جسيم فقال العنوق بعد النوق قال ونظر رجل من العباد الى باب بعض الملوك فقال باب جديد وموت عتيد ونزع شديد وسفر بعيد وقيل لبعض العرب أي شيء تمنى واي شيء أحب اليك قال لواء منشورا والجلوس على السرير والسلام عليك ايها الامير وقيل لآخر وصلى ركعتين وأطال فيهما وقد كان أمر بقتله أجزعت من الموت فقال ان أجزع فقد أرى كفنا منشور وسيفا مشهورا وقبرا محفورا وقال عبد الملك بن مروان لاعرابي ما أطيب الطعام قال بكرة سنمة معتبطة غير ضمنه في قدور رذمه بشفار خذمه في غداة شبمه فقال عبد الملك وأبيك لقد أطبت
وقالوا لا تغتر بمناصحة الامير اذا غشك الوزير وقالوا من صادق الكتاب أغنوه ومن عاداهم أفقروه وقالوا اجعل قول الكذاب ريحا تكن مستريحا
وقيل لعبد الصمد بن الفضل بن عيسى الرقاشي لم تؤثر السجع على المنثور وتلزم نفسك القوافي وإقامة الوزن قال ان كلامي لو كنت لا آمل فيه إلا سماع الشاهد لقل خلافي عليك ولكني أريد الغائب والحاضر والراهن والغابر فالحفظ اليه أسرع والآذان لسماعه انشط وهو أحق بالتقييد وبقلة التفلت وما تكلمت به العرب من جيد المنثور اكثر مما تكلمت به من جيد الموزون فلم يحفظ من المنثور عشره ولا ضاع من الموزون عشره
قالوا فقد قيل للذي قال يا رسول الله أرأيت من لا شرب ولا أكل ولا صاح فاستهل أليس مثل ذلك بطل فقال رسول الله ( أسجع كسجع الجاهيلة ) ح
قال عبد الصمد لو ان هذا المتكلم لم يرد الا الاقامة لهذا الوزن لما كان عليه بأس ولكنه عسى ان يكون أراد إبطالا لحق فتشادق في كلامه
وقال غير عبد الصمد وجدنا الشعر من القصيد والرجز قد سمعه رسول الله واستحسنه وأمر به شعراءه وعامة اصحاب رسول الله قد

قالوا شعرا قليلا كان ذلك أم كثيرا وسمعوا واستنشدوا فالسجع والمزدوج دون القصيد والرجز فكيف يحل ما هو اكثر ويحرم ما هو أقل وقال غيرهما اذا لم يطل ذلك ولم تكن القوافي مطلوبة مجتلبة او ملتمسة متكلفة وكان ذلك كقول الاعرابي لعامل الماء حلبت ركابي وحرقت ثيابي وضربت صحابي ومنعت إبلي من الماء والكلاء
قال او سجع أيضا فقال الاعرابي فكيف أقول
لانه لو قال حلبت إبلي او جمالي او نوقي او بعراني او صرمتي لكان لم يعبر عن حق معناه وانما حلبت ركابه فكيف يدع الركاب الى غير الركاب وكذا قوله حرقت ثيابي وضربت صحابي لان الكلام اذا قل وقع وقوعا لا يجوز تغييره واذا طال وجدت في القوافي ما يكون مجتلبا ومطلوبا مستكرها
وفي الحديث المأثور - ويدخل على من طعن في قوله تعالى ( تبت يد ابي لهب ) وزعم انه شعر لانه في تقدير مستفعلن مفاعلن - وطعن في قوله عليه السلام ( هل انت إلا أصبع دميت وفي سبيل الله ما لقيت )
فيقال له اعلم انك لو اعترضت أحاديث الناس وخطبهم ورسائلهم لوجدت فيها مثل مستفعلن فاعلن كثيرا وليس احد في الارض يجعل ذلك المقدار شعرا ولو ان رجلا من الباعة صاح من يشتري باذنجان لقد كان تكلم بكلام في وزن مستفعلن مفعولان فكيف يكون هذا شعرا وصاحبه لم يقصد الى الشعر ومثل هذا المقدار من الوزن قد يتهيأ في جميع الكلام واذا جاء المقدار الذي يعلم انه من نتاج الشعر والمعرفة بالاوزان والقصد اليها كان ذلك شعراء وهذا قريب والجواب فيه سهل بحمد الله وسمعت غلاما لصديق لي وكان قد سقى بطنه يقول لغلمان مولاه اذهبوا بي الى الطبيب و قولوا قد اكتوى وهذا الكلام يخرج وزنه فاعلاتن مفاعلن مرتين وقد علمت ان هذا الغلام لم يخطر بباله قط ان يقول بيت شعر ابدا ومثل هذا كثير لو تتبعته في كلام حاشيتك وغلمانك لوجدته
وكان الذي كره الاسجاع بعينها وان كانت دون الشعر في التكلف والصنعة ان كهان العرب الذين كان اكثر اهل الجاهلية يتحاكمون اليهم وكانوا

يدعون الكهانة وان مع كل واحد منهم رئيا من الجن مثل حازي جهينة ومثل شق وسطيح وعزى سلمة أشباههم كانوا يتكهنون ويحكمون بالاسجاع كقوله والارض والسماء والعقاب والصقعاء واقعة ببقعاء لقد نفر المجد بني العشراء للمجد والسناء وهذا الباب كثير ألا ترى إن ضمرة بن ضمرة وهرم بن قطبة والاقرع بن حابس ونفيل بن عبد العزي كانوا يحكمون وينفرون بالاسجاع وكذلك ربيعة ابن حذار فوقع النهي في ذلك لقرب عهدهم بالجاهلية ولبقيتها فيهم وفي صدور كثير منهم فلما زالت العلة زال التحريم
وقد كان الخطباء تتكلم عند الخلفاء الراشدين فتكون في تلك الخطب أسجاع كثيرة فلم ينهوا منهم أحدا
وكان الفضل بن عيسى الرقاشي سجاعا في قصصه وكان عمرو بن عبيد وهشام بن حسان وأبان بن أبي عياش يأتون مجلسه قال له داود بن ابي هند لولا انك تفسر القرآن برأيك لأتيناك في مجلسك قال فهل تراني أحرم حلالا وأحل حراما
وانما كان يتلو الآية التي فيها ذكر النار والجنة والحشر والموت وأشباه ذلك
وقد كان عبد الصمد الفضل وابو العباس القاسم بن يحيى وعامة قصاص البصرة وهم أخطب من الخطباء يجلس اليهم عامة الفقهاء وقد كان النهي ظاهرا عن مرثية أمية بن ابي الصلت لقتلى أهل بدر كقوله
( هلا بكيت على الكرام ... بني الكرام أولى الممادح )
وروى ناس شبيها بذلك في هجاء الاعشى لعلقمة بن علاثة فلما زالت العلة زال النهي
وقال ابو واثلة بن خليفة في عبد الملك بن المهلب
( لقد صبرت للدل أعواد منبر ... تقوم عليها في يديك قضيب )
( بكى المنبر الغربي إذ قمت فوقه ... فكادت مسامير الحديد تذوب )
( رأيتك لما شبت أدركك الذي ... يصيب سراة الأزدحين تشيب )
( سفاهة أحلام وبخل بنائل ... وفيك لمن عاب المزون عيوب )
وخطب الوليد بن عبد الملك فقال ان أمير المؤمنين عبد الملك كان يقول

ان الحجاج جلدة ما بين عيني ألا وانه جلدة وجهي كله وخطب الوليد بعد وفاة الحجاج وتوليته يزيد بن أبي مسلم فقال انما مثلي ومثل يزيد بن ابي مسلم بعد الحجاج كمن سقط منه درهم فأصاب دينارا
شبيب بن شيبة قال حدثني خالد بن صفوان قال خطبنا يزيد بن المهلب بواسط فقال اني قد اسمع قول الرعاع قد جاء مسلمة وقد جاء العباس وقد جاء اهل الشام وما اهل الشام إلا تسعة أسياف سبعة منها معي واثنان علي واما مسلمة فجرادة صفراء واماالعباس فنسطوس بن نسطوس أتاكم في برابرة وصقالبة وجرامقة وجراجمة وأقباط وأنباط وأخلاط من الناس انما أقبل اليكم الفلاحون والاوباش كأشلاء اللحم والله ما لقوا أقواما قط كحدكم وحديدكم وعدكم و عديدكمأعيروني سواعدكم ساعة من نهار تصفقون بها خراطيمهم فانما هي غدوة او روحة حتى يحكم الله بيننا وبين القوم الفاسقين
ومدح ببشار هزار مرد العتكي بالخطب وركوبه المنابر بل رثاه وابنه فقال
( ما بال عينك دمعها مسكوب ... سهرت فانت بنومها محروب )
( وكذاك من صحب الحوادث لم يزل ... تأتي عليه سلامة ونكوب )
( يا أرض ويحك أكرميه فانه ... لم يبق للعتكي فيك ضريب )
( أبهى على خشب المنابر قائما ... يوما وأحزم اذ تشب حروب )

خطباء البصرة

كان سوار بن عبد الله أول تميمى خطب على منبر البصرة ثم خطب عبيد الله بن الحسن وولى منبر البصرة أربعة من القضاة فكانوا قضاة أمراء بلال وسوار وعبيد الله وأحمد بن رباح وكان بلال قاضيا بن قاض بن قاض
وقال رؤبة
( فانت يا ابن القاضيين قاض ... معتزم على الطريق ماض )
وقال أبو الحسن المدائني كان عبيد الله بن الحسن حيث وفد على المهدي معزبا أعدله كلاما فبلغه ان الناس أعجبهم كلامه فقال لشبيب بن شيبة أني والله ما التفت الى هؤلاء ولكن سل لي عنها ابا عبيد الله الكاتب فسأله فقال ما أحسن ما تكلم به على أنه اخذ مواعظ الحسن ورسائل غيلان فلقح

بينهما كلاما فاخبره بذلك شبيب فقال عبيد الله لا والله ان أخطأ حرفا واحدا
وكان محمد بن سليمان له خطبة لا يغيرها وكان يقول ان الله وملائكته فكان يرفع الملائكة فقيل له في ذلك فقال خرجوا لها وجها ولم يكن يدع الرفع
قال وصلى بنا زيمة نشكو النحر فخطب فلم يسمع من كلامه الا ذكر أميرالمؤمنين الرشيد وولي عهده محمد قال وكان زهير بن محمد الضبي يداريه اذا قرع المنبر
وقال الشاعر
( أمير المؤمنين اليك نشكو ... وان كنا نقوم بغير عذر )
( غفرت ذنوبنا وعفوت عنا ... وليست منك ان تعفو ببكر )
( فان المنبر البصري يشكو ... على العلات اسحق بن شمر )
( أضبي على خشبات ملك ... كمركب ثعلب ظهر الهزبر )
وقال بعض شعراء العسكر يهجو رجلا من أهل العسكر
( ما زلت تركب كل شيء قائم ... حتى أجترأت على ركوب المنبر )
( ما زال منبرك الذي دنسته ... بالامس منك كحائض لم تطهر )
وقال آخر
( فما منبر دنسته باست افكل ... بزاك ولو طهرته بابن طاهر )

باب اسجاع

عبد الله بن المبارك عن بعض أشياخه عن الشعبي قال قال عيسى بن مريم عليه السلام البر ثلاثة المنطق والمنظر والصمت فمن كان منطقه في غير ذكر فقد لغا ومن كان نظره في غير اعتبار فقدسها ومن كان صمته في غير فكر فقد لها وقال علي بن أبي طالب كرم الله تعالى وجهه أفضل العبادة الصمت وانتظار الفرج وقال يزيد بن المهلب وهو في الحبس والهفاه على طلبة بمائة ألف وفرج في وجبهة الاسد وقال عمر رضي الله تعالى عنه استغزروا الدموع بالتذكر
وقال الشاعر
( ولا يبعث الاحزان مثل التذكر ... )

حفص قال سمعت عيسى بن عمر يقول سمعنا الحسن يقول اقدعوا هذه النفوس فانها طلعة واعصوها فانكم ان أطعتموها ننزع بكم الى شر غاية وحادثوها بالذكر فانها سريعة الدثور
قال فحدثت بهذا الحديث أبا عمر وبن العلاء فتعجب من كلامه
وقال الشاعر
( سمعنا بهيجا اوجفت فذكرته ... ولا يبعث الاحزان مثل التذكر )
ومن الاسجاع قول أيوب بن القرية وقد كان دعي لكلام فاحتبس القول عليه فقال قد طال السمر وسقط القمر واشتد المطر فماذا ينتظر فاجابه فتى من عبد القيس فقال قد طال الارق وسقط الشفق وكثر اللثق فلينطق من نطق
وقال أعرابي لرجل نحن والله اكل منكم للمأدوم واكسب منكم للمعدوم وأعطى منكم للمحروم ووصف اعرابي رجلا فقال ان رفدك لنحيح و ان خيرك لسريح وان منعك لمريح سريح
وقال عبد الملك لاعرابي ما أطيب الطعام فقال بكرة سنمة في قدور رذمة يشفار خذمة في غداة شبمة فقال عبد الملك وأبيك لقد أطبت
وسئل أعرابي فقيل له ما أشد البرد فقال ريح جربياء في طل عماء في غب سماء
ودعا أعرابي فقال اللهم أني أسألك البقاء والنماء وطيب الاتاء وحط الاعداء ورفع الاولياء
وقال ابرهيم النخعي لمنصور بن المعتمر سل مسألة الحمقى واحفظ حفظ الكيسي ووصفت عمه حاجز اللص حاجزا ففضلته وقالت كان حاجز لا يسبع ليلة يضاف ولا ينام ليلة يخاف
ووصف بعضهم فرسا فقال أقبل بزبرة الاسد وأدبر بعجز الذئب
ولما اجتمع الناس وقامت الخطباء لبيعة يزيد واظهر قوم الكراهة قام رجل يقال له يزيد بن المقنع فاخترط من سيفه شبرا ثم قال هذا أمير المؤمنين - وأشار بيده الى معاوية - فان مات فهذا - واشار بيده الى يزيد - فمن أبي

فهذا - واشار بيده الى سيفه فقال معاوية انت سيد الخطباء
ولما قامت خطباء نزار عند معاوية فذهبت في الخطب كل مذهب قام صبرة ابن شيمان فقال يا أمير المؤمنين إنا حي فعال ولسنا حي مقال ونحن نبلغ بفعالنا أكثر من مقال غيرنا
ولما وفد الاحنف في وجوه أهل البصرة الى عبد الله بن الزبير تكلم ابو حاضر الاسيدي - وكان خطيبا جميلا - فقال له عبد الله بن الزبير أسكت فوالله لوددت أن لي بكل عشرة من أهل العراق رجلا من اهل الشام صرف الدينار بالدرهم قال يا أمير المؤمنين ان لنا ولك مثلا أفتأذن في ذكره قال نعم قال مثلنا ومثلك ومثل أهل الشام قول الاعشى حيث يقول
( علقتها عرضا وعلقت رجلا ... غيري وعلق أحرى غيرها الرجل )
أحبك اهل العراق وأحببت اهل الشام وأحب اهل الشام عبد الملك ابن مروان
علي بن مجاهد عن حميد بن ابي البختري قال ذكر معاوية لابن الزبير بيعة يزيد فقال ابن الزبير اني أناديك ولا اناجيك ان اخاك من صدقك فانظر قبل ان تقدم وتفكر قبل ان تندم فان النطر قبل التقدم والتفكير قبل التندم فضحك معاوية ثم قال تعلمت ابا بكر السجاعة عند الكبر ان في دون ما سجعت به على اخيك ما يكفيك ثم اخذ بيده فأجلسه معه على السرير
اخبرنا ثمامة بن أشرس قال لما صرفت اليمانية - من اهل مزة - الماء عن اهل دمشق ووجهوه الى الصحاري كتب اليهم أبو الهيذام الى بني استها اهل مزة ليمسينني الماء او لتصبحنكم الخيل قال فوافاهم الماء قبل ان يعتموا
اي يصيرون في وقت عتمة الليل وعتمته ظلامه يقال عتم الليل يعتم اذا أظلم واعتم الناس صاروا في وقت العتمة
فقال ابو الهيذام الصدق ينبي عنك لا الوعيد
وحدثني ثمامة عمق قدم عليه من اهل الشام قال لما بايع الناس يزيد ابن الوليد واتاه الخبر عن مروان بن محمد ببعض التلكؤ والتحبس كتب اليه

بسم الله الرحمن الرحيم من عبد الله أمير المؤمنين يزيد بن الوليد الى مروان ابن محمد اما بعد فاني أراك تقدم رجلا وتؤخر أخرى فأذا أتاك كتابي هذا فاعتمد على أيهما شئت والسلام
وههنا مذاهب تدل على اصالة الرأي ومذاهب تدل على تمام النفس وعلى الصلاح والكمال لا أرى كثيرا من الناس يقفون عليها
واستعمل عبد الملك بن مروان نافع بن علقمة بن نضلة بن صفوان بن محرث خال مروان على مكة فخطب ذات يوم - وأبان بن عثمان بحذاء المنبر - فشتم طلحة والزبير فلما نزل قال لأبان أرضيتك من المدهنين في أمير المؤمنين قال لا والله ولكن سؤتني حسبي ان يكونا شركاء في أمره
فما أدري ايهما احسن كلام أبان بن عثمان هذا ام إسحق بن عيسى فانه قال أعيذ عليا بالله ان يكون قتل عثمان وأعيذ عثمان بالله ان يقتله علي فمدح عليا بكلام سديد غير نافر ومقبول غير وحشي وذهب الى معنى الحديث في قول رسول الله ( أشد اهل النار عذابا من قتل نبيا او قتله نبي ) ب ح
يقول لا يتفق ان يقتله نبي بنفسه إلا وهو أشد خلق الله معاندة وأجرأهم على معصيته فيقول لا يجوز ان يقتله علي إلا وهو مستحق للقتل

خطبة من خطب النبي

خطب النبي بعشر كلمات حمد الله وأثنى عليه ثم قال
( أيها الناس ان لكم معالم فانتهوا الى معالكم وان لكم نهاية فانتهوا الى نهايتكم ان المؤمن بين مخافتين بين عاجل قد مضى لا يدري ما الله صانع به وبين آجل قد بقي لا يدري ما الله قاض فيه فليأخذ العبد من نفسه لنفسه ومن دنياه لاخرته ومن الشبيبة قبل الكبرة ومن الحياة قبل الموت فو الذي نفس محمد بيده ما بعد الموت من مستعتب ولا بعد الدنيا من دار إلا الجنة او النار ) ح
ابو الحسن المدائني قال تكلم عمار بن ياسر يوما فأوجز فقيل له لو زردتنا قال أمرنا رسول الله باطالة الصلاة وقصر الخطبة
محمد بن اسحق عن يعقوب بن عتبة عن شيخ من الانصار من بني زريق ان

ان عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه لما أتى بسيف النعمان بن المنذر دعا جبير ابن مطعم فسلحه إياه ثم قال يا جبير ممن كان النعمان قال من أشلاء قنص بن معد وكان جبير أنسب العرب وكان أخذ النسب عن أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنه وعن جبير أخذ سعيد بن المسيب وروى عن بعض ولد طلحة قال قلت لسعيد بن المسيب علمني النسب قال انت رجل تريد ان تساب الناس وثلاثة في نسق واحد كانوا أصحاب نسب عمر ابن الخطاب رضي الله تعالى عنه أخذ ذلك عن الخطاب والخطاب بن نفيل ونفيل عبد العزى تنافر اليه عبد المطلب وحرب ابن أمية فنفر عبد المطلب أي حكم لعبد المطلب والمنافرة المحاكمة
والنساب اربعة دغفل بن حنظلة وعميرة ابو ضمضام وصبح الحنفي وابن الكيس النمري
قال الاصمعي دغفل بن حنظلة النسابة الكبرى وكان نصرانيا ولم يسمه
خطب سليمان بن عبد الملك فقال
إتخذوا كتاب الله إماما وارضوا به حكما واجعلوه قائدا فانه ناسخ لما قبله ولم ينسخه كتاب بعده وأول كلام بارع سمعوه منه الكلام فيما يعينك خير من السكوت عما يضرك والسكوت عما لا يعنيك خير من الكلام فيما يضرك
وقال خلاد بن يزيد الارقط سمعت من يخبرنا عن الشعبي قال ما سمعت متكلما على منبر قط تكلم فأحسن إلا تمنيت ان يسكت خوفا من ان يسيء الا زيادا فانه كلما كان اكثر كان أجود كلاما
وكان نوفل بن مساحق اذا دخل على امرأته صمت واذا خرج من عندها تكلم فرأتة يوما كذلك فقالت أما عندي فتطرق واما عند الناس فتنطق قال لاني أدق عن جليلك وتجلين عن دقيقي
قال ابو الحسن قاد عياش بن الزبرقان بن بدر الى عبد الملك بن مروان خمسة وعشرين فرسا فلما جلس لينظر اليها نسب كل فرس منها الى جميع ابائه وأمهاته وحلف على كل فرس بيمين غير اليمين التي حلف بها على الفرس الآخر

فقال عبد الملك بن مروان عجبي من اختلاف ايمانه أشد من عجبي من معرفته بأنساب الخيل
وقال كان للزبرقان بن بدر ثلاثة اسماء القمر والزبرقان والحصين وكانت له ثلاث كنى أبو شذرة وأبو عياش وأبو عباس وكان عياش ابنه خطيبا ماردا شديد العارضة شديد الشكيمة وجيها وله يقول جرير
( أعياش قد ذاق القيون مرارتي ... وأوقدت نارا فادن دونك فاصطل )
فقال عياش اني اذا لمقرور قالوا فغلب عليه

باب اسماء الخطباء والبلغاء والابيناء وذكر قبائلهم وأنسابهم

كان التدبير في اسماء الخطباء وحالاتهم وأوصافهم ان نذكر اسماء اهل الجاهلية علىمراتبهم واسماء اهل الاسلام على منازلهم ونجعل لكل قبيلة منهم خطباء ونقسم أمورهم بابا بابا على حدته ونقدم من قدمه الله عز و جل ورسوله في النسب وفضله في الحسب ولكني لما عجزت عن نظمه وتنضيده تكلفت ذكرهم في الجملة والله المستعان وبه التوفيق ولا حول ولا قوة الا به
كان الفضل بن عيسى الرقاشي من أخطب الناس وكان متكلما وكان قاصا مجيدا وكان يجلس اليه عمرو بن عبيد وهشام بن حسان وأبان بن ابي عياش وكثير من الفقهاء وهو رئيس الفضيلة واليه ينسبون وخطب اليه ابنته سوادة بنت الفضل سليمان بن طرخان التيمي فولدت له المعتمر بن سليمان وكان سليمان مباينا للفضل في المقالة فلما ماتت سوادة شهد الجنازة المعتمر وابوه فقدما الفضل
وكان الفضل لا يركب الا الحمير فقال له عيسى بن حاضر انك لتؤثر الحمير على جميع المركوب فلم ذلك قال لما فيها من المرافق والمنافع قال مثل اي شيء قال لا تستبدل بالمكان على قدر اختلاف الزمان ثم هي أقلها داء وأيسرها دواء وأسلم صريعا واكثر تصريفا وأسهل مرتقى وأخفض مهوى وأقل جماحا وأشهر فارها وأقل نظيرا يزهى راكبه وقد تواضع بركوبه ويكون مقتصدا وقد أسرف في ثمنه قال ونظر يوما الى حمار فاره تحت سالم بن قتيبة فقال قعدة نبي وبذلة جبار قال

عيسى بن حاضر ذهب الى حمار غرير والى حمار مسيح الدجال والى حمار بلعم وكان يقول لو أراد ابو سيارة عميلة بن اعزلة ان يدفع بالموسم على فرس عربي او جمل مهري لفعل ولكنه ركب عيرا أربعين عاما لانه كان يتأله وقد ضرب به المثل فقالوا أصح من عير أبي سيارة
والفضل هو الذي يقول في قصصه سل الارض فقل من شق انهارك وغرس اشجارك وجنى ثمارك فان لم تجبك حوارا اجابتك اعتبارا
وكان عبد الصمد بن الفضل اغزر من أبيه واعجب وأبين واخطب وحدثني ابو جعفر الصوفي القاص قال تكلم عبد الصمد في خلق البعوضة وفي جميع شأنها ثلاثة مجالس تامة
وكان يزيد بن أبان عم الفضل بن عيسى بن أبان الرقاشي من اصحاب أنس والحسن كان يتكلم في مجلس الحسن وكان زاهدا عابدا وعالما فاضلا وكان قاصا مجيدا قال ابو عبيدة وكان ابوهم خطيبا وكذلك جدهم وكانوا خطباء الاكاسرة فلما سبوا وولد لهم الاولاد في بلاد الاسلام وفي جزيرة العرب نزعهم ذلك العرق فقاموا في اهل هذه اللغة كمقامهم في أهل تلك اللغة وفيهم شعر وخطب وما زالوا كذلك حتى اصهر الغرباء اليهم ففسد ذلك العرق ودخله الخور
ومن خطباء إياد قس بن ساعدة وهو الذي قال فيه النبي رأيته بسوق عكاظ على جمل احمر وهو يقول أيها الناس اجتمعوا فاسمعوا وعوا من عاش مات ومن مات فات وكل ما هو آت آت وهو القائل في هذه ايات محكمات مطر ونبات واباء وأمهات وذاهب وات ونجوم تمور وبحور لا تغور وسقف مرفوع ومهاد موضوع وليل داج وسماء ذات أبراج مالي أرى الناس يموتون ولا يرجعون أرضوا فأقاموا أم حبسوا فناموا وهو القائل يا معشر إياد أين ثمود وعاد وأين الآباء والاجداد اين المعروف الذي لم يشكر والظلم الذي لم ينكر أقسم قس قسما بالله ان لله دينا هوأرضى له من دينكم هذا وأنشدوا له هذه
( في الذاهبين الأولين ... من القرون لنا بصائر )
( لما رأيت مواردا ... للموت ليس لها مصادر )

( ورأيت قومي نحوها ... تمضي الأكابر والأصاغر )
( لا يرجع الماضي ولا ... يبقى من الباقين غابر )
( أيقنت أني لا محالة ... حيث صار القوم صائر )
ومن الخطباء زيد بن علي بن الحسين وكان خالد بن عبد الله أقر على زيد بن علي وداود بن علي وايوب بن سلمة المخزومي وعلي بن محمد بن عمر بن علي وعلى ابن سعد بن ابراهيم بن الرحمن بن عوف فسأل هشام زيدا عن ذلك فقال أحلف لك قال واذا حلفت اصدقك قال زيد اتق الله قال او مثلك يا زيد يأمر مثلي بتقوى الله قال زيد لا احد فوق ان يوصى بتقوى الله ولا دون ان يوصي بتقوى الله قال هشام بلغني انك تريد الخلافة ولا تصلح لها لانك ابن أمة قال زيد فقد كان اسماعيل بن ابراهيم صلوات الله عليه ابن أمة واسحق عليه السلام ابن حرة فأخرج الله عز و جل من صلب اسماعيل عليه السلام خير ولد آدم محمدا فعندها قال له قم قال اذا لا تراني الا حيث تكره ولما خرج من الدار قال ما احب احد الحياة قط الا ذل فقال له سالم مولى هشام لا يسمعن هذا الكلام منك احد
وقال محمد بن عمير ان زيدا لما رأى الارض قد طبقت جورا ورأى قلة الاعوان ورأى تخاذل الناس كانت الشهادة احب المنيات اليه وكان زيد كثيرا ما ينشد
( شرده الخوف وزرى به ... كذاك من يكره حر الجلاد )
( منخرق الخفين يشكو الوحى ... تنكبه أطراف مرو جداد )
( قد كان في الموت له راحة ... والموت حتم في رقاب العباد )
قال وكثيرا ما ينشد شعر العبسي في ذلك )
( ان المحكم من لم يرتقب حسبا ... او يرهب السيف او حد القنا جنفا )
( من عاذ بالسيف لاقى فرصة عجبا ... موتا على عجل او عاش منتصفا )
ولما بعث يوسف بن عمر برأس زيد ونصر بن خزيمة مع شيبة بن عقال وكلف ال أبي طالب ان يبرأوا من زيد ويقوم خطباؤهم بذلك فأول من قام عبد الله بن الحسن فأوجز في كلامه ثم جلس ثم قام عبد الله بن معاوية بن

عبد الله بن جعفر فاطنب في كلامه وكان شاعرا بينا وخطيبا لسنا فانصرف الناس وهم يقولون ابن الطيار أخطب الناس فقيل لعبد الله بن الحسن في ذلك فقال لو شئت ان اقول لقلت ولكن لم يكن مقام سرور فأعجب الناس ذلك منه
ومن اهل الدهاء والنكراء ومن اهل اللسن واللقن والجواب العجيب والكلام الصحيح والامثال السائرة والمخارج العجيبة هند بنت الخس وهي الزرقاء وخمعة بنت حابس ويقال ان حابسا من إياد وقال عامر ابن عبد الله الفزاري جمع بين هند وخمعة فقيل لخمعة أي الرجال احب اليك قالت الشنق الكبد الظاهر الجلد الشديد الجذب بالمسد فقيل لهند اي الرجال احب اليك قالت القريب الامد الواسع البلد الذي يوفد اليه ولا يفد وقد سئلت هند عن حر الصيف وبرد الشتاء فقالت من جعل بؤسا كأذى وقد ضرب بها المثل فمن ذلك قول ليلى بنت النضر الشاعرة
( وكنز ابن جدعان دلالة أمه ... وكانت كبنت الخس او هي أكبر )
وقال ابن الاعرابي يقال بنت الخس وبنت الخص وهي الزرقاء وبنت الخسف وقال يونس لا يقال الا بنت الاخس وهي الزرقاء وقال ابو عمرو بن العلاء داهيتا نساء العرب هند الزرقاء وعنز الزرقاء وهي زرقاء اليمامة
قال اليقطري قيل لعبد الله بن الحسن ما تقول في المراء قال ما عسى ان أقول في شيء يفسد الصداقة القديمة ويحتل العقدة الوثيقة وان كان لأقل ما فيه ان يكون دربه للمغالبة والمغالبة من امتن أسباب الفتنة ان رسول الله لما أتاه السائب بن صيفي فقال اتعرفني يا رسول الله قال كيف لا اعرف شريكي الذي كان لا يشاريني ولا يماريني قال فتحولت الى زيد بن علي فقلت له الصمت خير ام الكلام قال أخزى الله المساكتة فما أفسدها للبيان وأجلبها للحصر والله للمماراة أسرع في هدم العي من النار في يبس العرفج ومن السيل في الحدور
وقد عرف زيد ان المماراة ولكنه قال المماراة مذمومة على ما فيها اقل

ضررا من المساكتة التي تورث البلدة وتحل العقدة وتفسد المنة وتورث عللا وتولد أدواء أيسرها العي فالى هذا المعنى ذهب زيد
ومن الخطباء خالد بن سلمة المخزومي من قريش وأبو حاضر وسالم وقد تكلم عند الخلفاء
ومن خطباء بني أسيد الحكم بن يزيد بن عمير وقد رأس
ومن اهل اللسان منهم والبيان الحجاج بن عمير بن زيد
ومن الخطباء سعيد بن العاص بن سعيد بن العاص بن أمية
وقيل لسعيد بن المسيب من أبلغ الناس قال رسول الله فقيل له
ليس عن هذا نسألك قال معاوية وابنه وسعيد وابنه وما كان ابن الزبير بدونهم ولكن لم يكن لكلامه طلاوة مقبوله
فمن العجب ان ابن الزبير ملا دفاتر العلماء كلاما وهم لا يحفظون لسعيد ابن العاص وابنه من الكلام الا ما لا بال له
وكان سعيد جوادا ولم ينزع قميصه قط وكان أسود نحيفا وكان يقال له عكة العسل
وقال الحطيئة
( سعيد فلا يغروك قلة لحمه ... تخدد عنه اللحم وهو صليب )
وكان اول من خش الابل في نفس عظم الانف وكان في تدبيره اضطراب وقال قائل من أهل الكوفة
( يا ويلنا قد ذهب الوليد ... وجاءنا مجوعا سعيد )
( ينقص في الصاع ولا يزيد ... )
والامراء تتحبب الى الرعية بزيادة المكاييل ولو كان المذهب في الزيادة في الاوزان كالمذهب في الزيادة في المكاييل ما قصروا كما سأل الاحنف عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه الزيادة في المكاييل ولذلك اختلفت أسماء المكاييل كالزيادي والفالج والخالدي حتى صرنا الى هذا الملجم اليوم
ثم من الخطباء عمرو بن سعيد وهوالاشدق يقال ان ذلك إنما قيل له لتشادقه في الكلام وقال اخرون بل كان أفقم مائل الذقن ولذلك قال

عبيد الله بن زياد حين اهوى الى عبد الله بن معاوية يدك عنه يا لطيم الشيطان ويا عاصي الرحمن
وقال الشاعر
( وعمرو لطيم الجن وابن محمد ... بأسوأ هذا الامر ملتبسان )
ذكر ذلك عن عوانة وهذا خلاف قول الشاعر
( تشادق حتى مال بالقول شدقه ... وكل خطيب لا أبالك أشدق )
وكان معاوية قد دعا به غلمة من قريش فلما استنطقه قال ان اول كل مركب صعب وان مع اليوم غدا وقال له الى من أوصى بك أبوك قال ان أبي أوصى الي ولم يوص بي قال وبأي شيء أوصاك قال بان لا يفقد اخوانه منه الا شخصه فقال معاوية عند ذلك ان ابن سعيد هذا لأشدق فهذا يدل عنهم على انه سمي بالاشدق لمكان التشادق
ثم كان بعد عمرو بن سعيد سعيد بن عمرو بن سعيد وكان ناسبا خطيبا وأعظم الناس كبرا وقيل له عند الموت ان المريض ليستريح الى الانين والى ان يصف ما به الى الطبيب فقال
( أجاليد من ريب المنون فلا ترى ... على هالك عينا لنا الدهر تدمع )
ودخل على عبد الملك مع خطباء قريش وأشرافهم فتكلموا من قيام وتكلم وهو جالس فتبسم عبد الملك وقال لقد رجوت عثرته ولقد أحسن حتى خفت عثرته فسعيد بن عمرو بن سعيد خطيب ابن خطيب ابن خطيب
ومن الخطباء سهيل بن عمرو الاعلم احد بني حسل بن معيص وكان يكنى أبا يزيد وكان عظيم القدر شريف النفس صحيح الاسلام وكان عمر رضي الله تعالى عنه قال للنبي يا رسول الله انزع ثنيتيه السفليين حتى يدلع لسانه فلا يقوم عليك خطيبا أبدا فقال رسول الله ( لا أمثل فيمثل الله بي وان كنت نبيا دعه ياعمر فعسى ان يقوم مقاما نحمده ) فلما هاج أهل مكة عند الذي بلغهم من وفاة رسول الله قام خطيبا فقال أيها الناس ان يكن محمد قد مات فان الله حي لم يمت وقد علمتم أني اكثركم قتبا في بر وجارية في بحر فأقروا أميركم وأنا ضامن ان لم يتم الامر ان أردها عليكم فسكن الناس وهو الذي قال يوم خرج اذن عمر وهو بالباب

وعيينه بن حصن والاقرع بن حابس وفلان وفلان فقال الاذن أين بلال أين صهيب أين سلمان أين عمار فتمعرت وجوه القوم فقال سهيل لم تتمعر وجوهكم دعوا ودعينا فأسرعوا وأبطأنا ولئن حسدتموهم على باب عمر لما أعد الله لهم في الجنة أكثر
ومن الخطباء عبد الله بن عروة بن الزبير قالوا كان خالد بن صفوان يشبه به وما علمت انه كان في الخطباء احد اجود خطباء خالد بن صفوان وشبيب ابن شيبة للذي يحفظ الناس ويدور على ألسنتهم من كلامهما وما علمنا أن احدا ولد لهما حرفا واحدا
ومن النسابين من بني العنبر ثم من بني المنذر الخنف بن زيد بن جعونة وهو الذي تعرض له دغفل بن حنظلة العلامة عند ابن عامر بالبصرة فقال له متى عهدك بسجاح ام صادر فقال له مالي بها عهد منذ أضلت أم حلس وهي بعض أمهات دغفل فقال له
أنشدتك بالله أنحن كنا لكم اكثر غزوا في الجاهلية او انتم لنا قال بل أنتم فلم تفلحوا ولم تنجحوا غزانا فارسكم وسيدكم وابن سيدكم فهزمناه مرة وأسرناه مرة وقتلناه مرة واخذنا في فدائه خدر أمه وغزانا أكثركم غزوا وأنبهكم في ذلك ذكرا فأعرجناه ثم أرجلناه فقال ابن عامر أسألكما بالله لما كففتما
وكان عبد الله بن عامر ومصعب بن الزبير يحبان ان يعرفا حالات الناس فكانا يغريان بين الوجوه وبين العلماء فلا جرم أنهما كانا اذا سبا أوجعا
وكان ابو بكر رضي الله تعالى عنه أنسب هذه الامة ثم عمر ثم حبير ابن مطعم ثم سعيد بن المسيب ثم محمد بن سعيد بن المسيب ومحمد هو الذي نفى الى عنكة المخزوميين فرفع ذلك الى والي المدينة فجلده الحد وكان ينشد
( ويربوع بن عنكة إبن أرض ... وأعتقه هبيرة بعد حين )
ومن النسابين العلماء عتبة بن عمرو بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام وكان من ذوي الرأي والدهاء وكان ذا منزلة من الحجاج بن يوسف وعمر بن عبد الرحمن خامس خمسة في الشرف وكان هو الساعي بين الازد وتميم

في الصلح
ومن بني الحرقوس شعبة بن القلعم وكان ذا لسان وجواب وعارضة وكان وصافا فصيحا وبنوه عبد الله وعمر وخالد كلهم كانوا في هذه الصفة غير ان خالدا كان قد جمع مع بلاغة اللسان العلم والحلاوة والظرف وكان الحجاج لا يصبر عنه
ومن بني أسيد بن عمرو بن تميم ابو بكر بن الحكم كان ناسبا راوية شاعرا وكان أحلى الناس لسانا وأحسنهم منطقا واكثرهم تصرفا وهو الذي يقول له رؤبة
( لقد خشيت ان تكون ساحرا ... راوية طورا وطورا شاعرا )
ومنهم معلل بن خالد احد بني أنمار بن الهجيم وكان نسابة علامة راوية صدوقا مقلدا وذكر للمنتجع بن نبهان فقال كان لا يجاري ولا يماري
ومنهم من بني العنبر ثم من بني عمرو بن جندب أبو الخنسا عباد بن كسيب وكان شاعرا علامة وراوية نسابة وكانت له حرمة بأبي جعفر المنصور
ومنهم عمرو بن خولة كان ناسبا خطيبا وراوية فصيحا من ولد سعيد بن العاص
والذي أتى سعيد بن المسيب ليعلمه النسب هو اسحق بن يحيى بن طلحة وكان يحيى بن عروة بن الزبير ناسبا عالما ضربه ابرهيم بن هشام المخزومي والي المدينة حتى مات لبعض القول
وكان مصعب بن عبد الله بن ثابت ناسبا عالما ومن ولده الزبيري عامل الرشيد على المدينة واليمن
ومنهم ثم من قريش محمد بن جعفر بن حفص وهو ابن عائشة ويكنى أبا بكر وابنه عبيد الله كان يجري مجراه يكنى أبا عبد الرحمن
ومن خزاعة بن مازن أبو عمرو وأبو سفيان ابنا العلاء بن عمار ابن العريان
فأما أبوعمرو فكان اعلم الناس بأمور العرب مع صحة سماع وصدق لسان وحدثني الاصمعي قال جلست الى أبي عمرو عشر حجج ما سمعته

يحتج ببيت اسلامي قال وقال مرة لقد كثر هذا المحدث وحسن حتى هممت ان امر فتياننا بروايته
يعني شعر جرير والفرزدق وأشباههما
وحدثني أبو عبيدة قال كان أبو عمر اعلم الناس بالعرب والعربية وبالقراءة والشعر وأيام الناس وكانت داره خلف دار جعفر بن سليمان وكانت كتبه التي كتب عن العرب الفصحاء قد ملأت بيتا له الى قريب من السقف ثم انه تقرأها فاحرقها كلها فلما رجع بعد الى علمه الاول لم يكن عنده الا ما حفظه بقلبه وكان عامة اخباره عن أعراب قد ادركوا الجاهلية
وفي أبي عمرو بن العلاء يقول الفرزدق
( ما زلت افتح أبوابا واغلقها ... حتى أتيت أبا عمرو بن عمار )
فاذا كان الفرزدق وهو راوية الناس وشاعرهم وصاحب أخبارهم يقول فيه مثل هذا القول فهو الذي لا يشك في خطابته وبلاغته
وقال يونس لولا شعر الفرزدق لذهب نصف أخبار الناس
وقال في أبي عمرو مكي ين سوادة
( الجامع العلم ننساه ويحفظه ... والصادق القول ان انداده كذبوا )
وكان أبو سفيان بن العلاء ناسبا وكلاهما كناهما أسماؤهما وكذلك أبو عمرو بن لبيد و أبوسفيان بن العلاء بن لبيد التغلبي خليفة عيسى ابن شبيب المازني على شرط البصرة
وكان عقيل بن أبي طالب ناسبا عالما بالامهات بين اللسان شديد الجواب لا يقوم له احد
وكان ابو الجهم بن حذيفة العدوي ناسبا شديد العارضة كثير الذكر للامهات بالمثالب
ورؤساء النسابين دغفل بن حنظلة احد بني عمرو بن شيبان لم يدرك الناس مثله لسانا وعلما وحفظا
ومن هذه الطبقة زيد بن الكيس النمري ومن نسابي كلب محمد ابن السائب وهشام بن محمد بن السائب وشرقي بن القطامي
وكان أعلاهم في العلم ومن ضرب به المثل حماد بن بشر

قال سماك العكلي
( فسائل دغفلا وأخا هلال ... ونخارا ينبئك اليقينا )
وقد ذكرنا دغفلا وأخو هلال هو زيد بن الكيس وبنو هلال حي من النمر بن قاسط
وقال مسكين بن أنيف الدارمي في ذلك
( وعند الكيس النمري علم ... ولو أمسى بمنخرق الشمال )
وقال ثابت قطنة
( فما العضان لو سئلا جميعا ... أخو بكر وزيد بني هلال )
( ولا الكلبي حماد بن بشر ... ولا من قاد في الزمن الخوالي )
وقال زياد الاعجم
( بل لو سألت أخا ربيعة دغفلا ... لوجدت في شيبان نسبة دغفل )
( إن الاحاين والذين يلونهم ... شر الأنام ونسل عبد الأعزل )
يهجو فيها بني الخنساء
ومنهم أياس النصري كان أنسب الناس وهو الذي قال كانوا يقولون اشعر العرب ابو دؤاد الايادي وعدي بن زيد العبادي
وكان ابو نوفل بن ابي عقرب علامة ناسبا خطيبا فصيحا وهورجل من كنانة احد بني عريج
ومن بني كنانة ثم من بني الشداخ يزيد بن بكر بن دأب وكان يزيد عالما ناسبا وراية شاعرا وهو القائل
( الله يعلم في علي علمه ... وكذاك علم الله في عثمان )
وولد يزيد يحيى وعيسى هوالذي يعرف في العامة بابن دأب وكان من احسن الناس حديثا وبيانا وكان شاعرا راوية وصاحب رسائل وخطب وكان يجيدها جدا
ومن آل دأب حذيفة بن دأب وكان عالما ناسبا وفي آل دأب علم بالنسب والخبر
وكان ابو الاسود الدؤلي واسمه ظالم بن عمرو بن جندل بن سفيان خطيبا عالما وكان قد جمع شدة العقل وصواب الرأي وجودة اللسان

وقول الشعر والظرف وهو يعد في هذه الاصناف وفي الشيعة وفي العرجان وفي المفاليج
وعلى كل شيء من هذا شاهد سيقع في موضعه ان شاء الله تعالى
وقال الخس لابنته هند أريد شراء فحل لابلي قالت ان اشتريته فاشتره اسجح الخدين غائر العينين ارقب اخرم اعكى اكوم ان عصى غشم وان أطيع تجرثم وهي التي قالت لما قيل لها ما حملك على ان زنيت بعبدك قالت طول السواد وقرب الوساد
وقال الشاعر في السواد
( ويفهم قول الحكل لو ان ذرة ... تساود أخرى لم يفته سوادها )
قالوا وعاتب هشام بن عبد الملك زيد بن علي فقال له بلغني عنك شيء فقال يا أمير المؤمنين احلف لك قال واذا حلفت لي أصدقك قال نعم ان الله لم يرفع احدا فوق ان لا يرضى به ولم يضع احدا دون ان لا يرضى منه به
كان زياد بن ظبيان التيمي العايشي خطيبا فدخل عليه ابنه عبيد الله وهو يكيد بنفسه قال ألا اوصى بك الامير زيادا قال لا قال ولم قال اذا لم يكن للحي الا وصية الميت فالحي هو الميت
وكان عبيد الله افتك الناس وأخطب الناس وهو الذي اتى باب مالك ابن مسمع ومعه نار ليحرق عليه داره وقد كان نابه أمر فلم يرسل اليه قبل الناس فأشرف عليه مالك فقال مهلا يا أبا مطر فوالله ان في كنانتي سهما انا به أوثق مني بك قال وانك لتعدني في كنانتك فوالله لو ان قمت فيها لطلتها ولو قعدت فيها لخرقتها قال مالك مهلا اكثر الله في العشيرة مثلك قال لقد سألت الله شططا
ودخل عبيد الله على عبد الملك بن مروان بعد ان أتاه برأس مصعب ابن الزبير ومعه ناس من وجوه بكر بن وائل فأراد ان يقعد معه على سريره فقال له عبد الملك ما بال الناس يزعمون انك لا تشبه أباك قال والله لأنا اشبه بأبي من الليل بالليل والغراب بالغراب والماء بالماء ولكن ان شئت انبأتك بمن لا يشبه أباه قال ومن ذاك قال من لم يولد لتمام ولم تنضجه

الارحام ولا يشبه الاخوال والاعمام قال ومن ذاك قال ابن عمي سويد ابن منجوف قال عبد الملك او كذلك انت يا سويد قال نعم فلما خرجا من عنده اقبل عليه سويد فقال وريت بك زنادي والله ما يسرني انك نقصته حرفا واحد مما قلت له وان لي حمر النعم قال وأنا والله ما يسرني بحلمك اليوم عني سود النعم وأتى عبيد الله عتاب بن ورقاء وعتاب علىاصبهان فأعطاه عشرين ألف درهم فقال والله ما احسنت فاحمدك ولا اسأت فأذمك واني لأقرب البعداء وأبعد القرباء وقال أشيم بن شقيق بن ثور لعبيد الله بن زياد بن ظبيان ما انت قائل لربك وقد حملت رأس مصعب بن الزبير الى عبد الملك بن مروان قال اسكت فأنت يوم القيامة أخطب من صعصعة بن صوحان اذا تكلمت الخوارج
فما ظنك ببلاغة رجل عبيد الله بن زياد يضرب به المثل
وانما اردنا بهذا الحديث خاصة الدلالة على تقديم صعصعة بن صوحان في الخطب وأولى من كل دلالة استنطاق علي له
وكان عثمان بن عروة أخطب الناس وهو الذي قال والشكر وان قل ثمن لكل نوال وان جل
وكان ثابت بن عبد الله بن الزبير من أبين الناس ولم يكن خطيبا
وكان قسامة بن زهير احد بني رزام بن مازن مع زهده ونسكه ومنطقه من أبين الناس وكان يعدل بعامر بن عبد قيس في زهده ومنطقه وهو الذي قال روحوا هذه القلوب تعي الذكر وهو الذي قال يا معشر الناس ان كلامكم اكثر من صمتكم فاستعينوا على الكلام بالصمت وعلى الصواب بالفكر وهو الذي كان رسول عمر في البحث عن شأن المغيرة وشهادة أبي بكرة
وكان خالد بن يزيد بن معاوية خطيبا شاعرا وفصيحا جامعا وجيد الرأي كثير الأدب وكان اول من ترجم كتب النجوم والطب والكيمياء
ومن خطباء قريش خالد بن سلمة المخزومي وهو ذو الشفة وقال الشاعر في ذلك
( فما كان قائلهم دغفل ... ولا الحيقطان ولا ذو الشفه )

ومن خطباء العرب عطارد بن حاجب بن زرارة وهو كان الخطيب عند النبي وقال فيه الفرزدق بن غالب
( ومنا خطيب لا يعاب وحامل ... أغر اذا التفت عليه المجامع )
ومن الخطباء عون بن عبد الله بن عتبة بن مسعود وكان مع ذلك راوية ناسبا شاعرا ولما رجع عن قول المرجئة الى قول الشيعة قال
( وأول ما نفارق غير شك ... نفارق ما يقول المرجئونا )
( وقالوا مؤمن من ال جور ... وليس المؤمنون يجائرينا )
( وقالوا مؤمن دمه حلال ... وقد حرمت دماء المؤمنينا )
وكان حين هرب الى محمد بن مروان في فل ابن الاشعث ألزمه ابنه يؤدبه ويقومه فقال له يوما كيف ترى ابن اخيك قال ألزمتني رجلا ان غبت عنه عتب وان أتيته حجب وان عاتبته غضب ثم لزم عمر بن عبد العزيز وكان ذا منزلة منه قالوا وله يقول جرير
( يا أيها الرجل المرخي عمامته ... هذا زمانك إني قد مضى زمني )
( أبلغ خليفتنا ان كنت لاقيه ... اني لدى الباب كالمشدود في قرن )
( وقد راك وفود الخافقين معا ... ومذ وليت أمور الناس لم ترني )
وكان الجارود بن أبي سبرة ويكنى أبا نوفل من أبين الناس واحسنهم حديثا وكان راوية علامة شاعرا مفلقا وكان من رجال الشيعة ولما استنطقه الحجاج قال ما ظننت ان بالعراق مثل هذا وكان يقول ما امكنني وال قط من أذنه إلا غلبت عليه ما خلا هذا اليهودي - يعني بلال بن أبي برده - وكان عليه متحاملا فلما بلغه انه دهق حتى دقت ساقه وجعل الوتر في خصييه انشأ يقول
( لقد قر عيني أن ساقيه دقتا ... وان قوى الأوتار في البيضة اليسرى )
( بخلت وراجعت الخيانة والخنا ... فيسرك الله المقدس للعسرى )
( فما جذع سوء خرب السوس جوفه ... يعالجه النجار يبري كما تبرى )
ومن الخطباء الذين لا يضاهون ولا يجارون عبد الله بن عباس قالوا خطبنا بمكة وعثمان رضي الله تعالى عنه محاصرا خطبة لو شهدتها الترك والديلم لا سلمتا وذكره حسان بن ثابت فقال

( اذا قال لم يترك مقالا لقائل ... بملتقطات لا ترى بينها فصلا )
( كفى وشفى ما في النفوس ولم يدع ... لذي إربه في القول جدا ولا هزلا )
( سموت الى العليا بغير مشقة ... فنلت ذراها لا دنيا ولا وغلا )
وقال الحسن كان عبد الله بن عباس اول من عرف بالبصرة صعد المنبر فقرأ البقرة وآل عمران ففسرهما حرفا حرفا وكان والله مثجا يسيل غربا وكان يسمى البحر وحبر قريش وقال النبي ( اللهم فقه في الدين وعلمه التأويل ) وقال عمر غص غواص ونظر اليه يتكلم فقال
( شنشنة أعرفها من أخزم ... )
الشعر لأبي اخزم الطائي وهو جد ابي حاتم طي او جد جده وكان له ابن يقال له اخزم فمات وترك بنين فوثبوا يوما على جدهم ابي اخزم فأدموه فقال
( إن بني زملوني بالدم ... شنشنة اعرفها من أخزم )
اي انهم اشبهوا أباهم في طبيعته وخلقه وأحسبه كان به عاقا فهكذا ذكر ابن الكلبي والشنشنة مثل الطبيعة والسجية فأراد عمر رضي الله تعالى عنه إني اعرف فيك مشابهة في ابيك في رايه وعقله ويقال انه لم يكن لقرشي مثل رأي العباس
ومن خطباء بني هاشم ايضا داود بن علي وكان يكنى ابا سليمان وكان انطق الناس وأجودهم ارتجالا واقتضابا للقول ويقال انه لم يتقدم في تحبير خطبة قط وله كلام معروف محفوظ فمن ذلك خطبته على أهل مكة شكرا شكرا أما والله ما خرجنا لنحتفر فيكم نهرا ولا لنبني فيكم قصرا أظن عدو الله ان لم نظفر به ان ارخى له في زمامه حتى عثر في فضل خطامه فالآن عاد الامر في نصابه وطلعت الشمس من مطلعها وأخذ القوس باريها وعاد النبل الى النزعة ورجع الامر الى مستقره في اهل بيت نبيكم أهل بيت الرأفة والرحمة
ومن خطباء بني هاشم عبد الله بن الحسن وهو القائل لابنه ابراهيم او محمد اي بني إني مؤد اليك حق الله في تأديبك فأد ألي حق الله في حسن الاستماع اي بني كف الأذى وارفض البذاء واستعن على الكلام بطول الفكر في المواطن التي تدعوك نفسك فيها الى القول فان للقول ساعات يضر

فيها الخطأ ولا ينفع فيها الصواب واحذر مشورة الجاهل وان كان ناصحا كما تحذر مشورة العاقل اذا كان غاشا يوشك ان يورطاك بمشورتهما فيسبق اليك مكر العاقل وغرارة الجاهل
قال الحسن بن خليل كان المأمون قد استثقل سهل بن هرون فدخل عليه سهل يوما والناس عنده على منازلهم فتكلم المأمون بكلام فذهب فيه كل مذهب فلما فرغ المأمون من كلامه اقبل سهل بن هرون على ذلك الجمع فقال ما لكم تسمعون ولا تعون وتشاهدون ولا تفهمون وتفهمون ولا تعجبون وتنظرون ولا تبصرون والله انه ليفعل ويقول في اليوم القصير مثل ما فعل بنو مروان وقالوا في الدهر الطويل عربكم كعجمهم وعجمكم كعبيدهم ولكن كيف يعرف الدواء من لا يشعر بالداء قال فرجع له المأمون بعد ذلك الى الرأي الاول
ومن خطباء بني هاشم ثم من ولد جعفر بن سليمان سليمان بن جعفر والي مكة قال المكي سمعت مشايخنا من اهل مكة يقولون انه لم يرد عليهم أمير منذ عقلوا الكلام إلا و سليمان أبين منه قاعدا وأخطب منه قائما
وكان داود بن جعفر اذا خطب اسحنفر فلم يرده شيء وكان في لسانه شبيه بالرثة
وكان ايوب فوق داود في الكلام والبيان ولم يكن له مقامات داود في الخطب قال عيسى بن اسحق لداود بن جعفر بلغني ان معاوية قال للنخار بن أوس ابغني محدثا قال ومعي امير المؤمنين تريد محدثا قال نعم استريح منك اليه ومنه اليك وانا لا استريح الى غير حديثك ولا يكون صمتك في حال من الحالات اوفق لي من كلامك
وكان اسماعيل بن جعفر من أدق الناس لسانا واحسنهم بيانا
ومن خطباء بني هاشم جعفر بن حسن بن الحسين بن علي وكان احد من ينازع زيدا في الوصية فكان الناس يجتمعون ليسمعوا مجاوباتهما فقط
وجماعة من ولد العباس في عصر واحد لم يكن لهم نظراء في اصالة الرأي وفي الكمال والجلالة وفي العلم بقريش والدولة وبرجال الدعوة مع البيان العجيب والغور البعيد والنفوس الشريفة والاقدار الرفيعة وكانوا فوق

الخطباء وفوق اصحاب الاخبار وكانوا يجلون عن هذه الاسماء الا ان يصف الواصف بعضهم ببعض ذلك
منهم عبد الملك بن صالح سأله الرشيد - وسليمان بن ابي جعفر وعيسى ابن جعفر شاهدان - فقال له كيف رايت أرض كذا وكذا قال مسافي ريح ومنابت شيح قال فأرض كذا وكذا قال هضاب حمر وبراث عفر حتى اتى على جميع ما أراد فقال عيسى لسليمان والله ما ينبغي لنا ان نرضى لانفسنا بالدون من الكلام
ومن هؤلاء عبد الله بن صالح والعباس بن محمد واسحق بن عيسى واسحق بن سلمان وايوب بن جعفر هؤلاء كانوا أعلم بقريش وبالدولة وبرجال الدعوة من المعروفين برواية الاخبار وكان ابراهيم بن السندي يحدثني عن هؤلاء بشيء هو خلاف ما في كتب الهيثم بن عدي وابن الكلبي واذا سمعته علمت انه ليس من المؤلف المزور
وكان عبد الله بن علي وداود بن علي يعدلان بأمة من الامم
ومن مواليهم إبراهيم ونصر ابنا السندي
فأما نصر فكان صاحب اخبار واحاديث وكان لا يعدو حديث ابن الكلبي والهيثم
واما إبراهيم فانه كان رجلا لا نظير له وكان خطيبا وكان ناسبا وكان فقيها وكان نحويا عروضيا وحافظا للحديث راوية للشعر شاعرا وكان فخم الالفاظ شريف المعاني وكان كاتب القلم كاتب العمل وكان يتكلم بكلام رؤبة ويعمل في الخراج بعمل زاذان فروح الاعور وكان منجما طبيبا وكان من رؤساء المتكلمين وعالما بالدولة وبرجال الدعوة وكان احفظ الناس لما سمع وأقلهم نوما وأصبرهم على السهر
ومن خطباء تميم جحدب وكان خطيبا راوية وكان قضى على جرير في بعض مذاهبه فقال جرير
( قبح الاله ولا يقبح غيره ... بظرا تفلق عن مفارق جحدب )
وهو الذمي كان لقيه خالد بن سلمة المخزومي الخطيب الناسب فقال والله ما انت من حنظلة الاكرمين ولا سعد الاكثرين ولا عمرو الاسدين وما في

تميم خير بعد هؤلاء فقال له جحدب والله انك لمن قريش وما انت من بيتها ولا من ثبوتها ولا من شورها وخلافتها ولا من اهل سدانتها وسقايتها
وهو شبيه بما قال خالد بن صفوان للعبدري فانه قال له هشمتك هاشم وأمتك أمية وخزمتك مخزوم وانت من عبد دارها ومنتهى عارها تفتح لها الابواب اذا أقبلت وتغلقها اذا أدبرت
ومن ولد المنذر عبد الله بن شبرمة بن طفيل بن هبيرة بن المنذر وكان فقيها عالما قاضيا وكان راوية شاعرا وكان خطيبا ناسبا وكان حاضر الجواب مفوها وكان لاجتماع هذه الخصال فيه يشبه بعامر الشعبي وكان يكنى ابا شبرمة وقال يحيى بن نوفل
( لما سألت الناس اين المكرمة ... والعز والجرثومة المقدمة )
( وأين فاروق الامور المحكمة ... تتابع الناس على ابن شبرمة )
ابن شبرمة الذي يقول في ابن أبي ليلى
( وكيف ترجى لفصل القضاء ... ولم تصب الحكم في نفسكا )
( فتزعم أنك لابن الجلاح ... وهيهات دعواك من اصلكا )
وقال رجل من فقهاء المدينة من عندنا خرج العلم فقال ابن شبرمة نعم ثم لم يرجع اليكم وقال عيسى بن موسى دلوني على رجل أوليه مكان كذا وكذا فقال ابن شبرمة أصلح الله الامير هل لك في رجل ان دعوتموه أجابكم وان تركتموه لم يأتكم ليس بالملح طلبا ولا بالممعن هربا
وسئل عن رجل فقال ان له شرفا وبيتا وقدما ونظروا فاذا هو ساقط من السفلة فقيل له في ذلك فقال ما كذبت شرفه أذناه وقدمه التي يمشي عليها ولا بد من ان يكون له بيت يأوي اليه
قال ابو اسحق بل كذبت انما هو كقول القائل حين سأله بعض من اراد تزويج حرمه عن رجل فقال هو يبيع الدواب فلما نظروا في أمره وجدوه يبيع السنانير فلما سئل عن ذلك قال ما كذبت لان السنور دابة قال أبو اسحق بل لعمري لقد كذب وهذا مثل القائل حين سئل عن رجل في تزويج امرأة فقال رزين المجلس نافذ الطعنة فحسبوه سيدا فارسا فنظروا

فوجدوه خياطا فسئل عن ذلك فقال ما كذبت انه لطويل الجلوس جيد الطعن بالابرة فقال ابو اسحق بل لعمري لقد كذب لانه قد غرهم منه وكذلك لو سأله رجل عن رجل يريد ان يسلفه مالا عظيما فقال هو يملك مالا كان يبيعه بمائة الف ومائة الف فلما بايعه الرجل وجده معدما ضعيف الحيلة فلما قيل له في ذلك قال ما كذبت لانه يملك عينيه وأذنيه وأنفه وشفتيه حتى عد جميع أعضائه وجوارحه
ومن قال للمستشير هذا القول فقد غره وذلك مما لا يحل في دين ولا يحسن في الحرية وهذا القول معصية لله تعالى والمعصية لا تكون صدقا وأدنى منازل هذا الخبر لا يسمى صدقا فأما التسمية له بالكذب فان فيها كلاما يطول
ومن الخطباء المشهورين في العوام والمقدمين في الخواص خالد بن صفوان الاهتمي زعموا جميعا انه كان عند ابي العباس امير المؤمنين وكان من سماره واهل المنزلة عنده ففخر عليه ناس من بلحارث بن كعب وأكثروا في القول فقال ابوالعباس لم لا تتكلم يا خالد فقال أخوال امير المؤمنين وعصبته قال فانتم أعمام امير المؤمنين وعصبته قال خالد وما عسى ان أقول لقوم كانوا بين ناسج برد ودابغ جلد وسائس قرد وراكب عرد دل عليهم هدهد وغرقتهم فأرة وملكتهم امرأة
فلئن كان خالد قد فكر وتدبر هذا الكلام انه للراوية الحافظ والمؤلف المجيد ولئن كان هذا شيئا حضرة حين حرك وبسط فما له نظير في الدنيا فتأمل هذا الكلام فانك ستجده مليحا مقبولا وعظيم القدر جليلا ولو خطب اليماني بلسان سحبان وائل حولا كريتا ثم صك بهذه الفقرة ما قامت له قائمة
وكان أذكر الناس لاول كلامه وأحفظهم لكل شيء سلف من منطقه قال مكي بن سوادة في صفته له
( عليم بتنزيل الكلام ملقن ... ذكور لما سداه اول أولا )
( يبذ قريع القوم في كل محفل ... وان كان سحبان الخطيب ودغفلا )
( ترى خطباء الناس يوم ارتجاله ... كأنهم الكروان عاين أجدلا )
وكان يقارض شبيب بن شيبة لاجتماعهما على القرابة والمجاورة والصناعة

فذكر شبيب عنده مرة فقال ليس له صديق في السر ولا عدو في العلانية
وهذا كلام ليس يعرف قدره إلا الراسخون في هذه الصناعة
وكان خالد جميلا ولم يكن بالطويل فقالت له امرأة انك لجميل يا ابا صفوان قال وكيف تقولين هذا وما في عمود الجمال ولا رداؤه ولا برنسه فقيل له ما عمود الجمال قال الطول ولست بطويل ورداؤه البياض ولست بأبيض وبرنسه سواد الشعر وأنا اشمط ولكن قولي إنك لمليح ظريف وخالد يعد في الصلعان
ولكلام خالد كتاب يدور في ايدي الوراقين
وكان الازهر بن عبد الحارث بن ضرار بن عمرو الضبي عالما ناسبا
ومن خطباء بني ضبة حنظلة بن ضرار وقد ادرك الاسلام وطال عمره حتى أدرك يوم الجمل وقيل له ما بقي منك قال اذكر القديم وأنسى الحديث وآرق بالليل وأنام وسط القوم
ومن خطباء بني ضبة وعلمائهم مثجور بن غيلان بن خرشة وكان مقدما في المنطق وهو الذي كتب الى الحجاج انهم قد عرضوا علي الذهب والفضة فما ترى ان آخذ قال أرى ان تأخذ الذهب فذهب عنه هاربا ثم قتله بعد
وذكره القلاح بن حزن المنقري فقال
( مثال مثجور قليل ومثله ... فتى الصدق ان صفقته كل مصفق )
( وما كنت أشريه بدنيا عريضة ... ولا بابن خال بين غرب ومشرق )
( اذا قال بذ القائلين مقاله ... ويأخذ من أكفائه بالمخنق )
ومن خطباء الخوارج قطري بن الفجاءة له خطبة طويلة مشهورة وكلام كثير محفوظ وكانت له كنيتان كنية في السلم وهو ابو محمد وكنية في الحرب وهو أبو نعامة
وكانت كنية عامر بن الطفيل في الحرب غير كنيته في السلم كان يكنى في الحرب بابي عقيل وفي السلم بأبي علي
وكان يزيد بن مزيد يكنى في السلم بابي خالد وفي الحرب بأبي الزبير وقال مسلم بن الوليد الآنصاري

( لولا سيوف ابي الزبير وخيله ... بشر الوليد لسيفه الضحاكا )
وفيه يقول
( لولا يزيد ومقدار له سبب ... عاش الوليد مع الغاوين أعواما )
( سل الخليفة سيفا من بني مطر ... يمضي فيخترق الأرواح والهاما )
( اذا عدت كنت أنت لها ... عزا وكان بنو العباس حكاما )
ألا تراه قد ذكر قتل الوليد
وقد كان خالد بن يزيد اكتنى بها في الحرب في بعض ايامه بمصر
وهذا الباب مستقصى مع غيره في أبواب الكنى والاسماء وهو وارد عليكم ان شاء الله تعالى
ومن خطباء الخوارج ابن صديقة وهو القاسم بن عبد الرحمن بن صديقة وكان صفريا خطيبا ناسبا ويشوبه ببعض الظرف والهزل
ومن علماء الخوارج شبيل بن غرزة الضبعي صاحب الغريب وكان راوية خطيبا وشاعرا ناسبا وكان سبعين سنة رافضيا ثم انتقل خارجيا صفريا
ومن علماء الخوارج الضحاك بن قيس الشيباني ويكنى ابا سعيد وهو الذي ملك العراق وسار في خمسين الفا وبايعه عبد الله بن عمر بن عبد العزيز وسليمان بن هشام بن عبد الملك وصليا خلفه
وقال شاعرهم
( ألم تر ان الله اظهر دينه ... وصلت قريش خلف بكر بن وائل )
وكان ابن عطاء الليثي يسامر الرشيد وكان صاحب أخبار وأسمار وعلم بالانساب وكان أظرف الناس وأحلاهم
وكان عبد العزيز بن عبد الله بن عامر بن كريز راوية ناسبا وعالما بالعربية فصيحا
وكان عبد الاعلى بن عبد الله بن عامر من أبين الناس وأفصحهم وكان مسلمة بن عبد الملك يقول إني لأنحي كور العمامة عن أذني لاسمع كلام عبد الاعلى بن عبد الله و بعض الامراء - واظنه بلال بن ابي بردة - لأبي نوفل الجارود بن ابي سبرة ماذا تصنعون عند عبد الاعلى اذا كنتم عنده

قال يشاهدنا باحسن استماع واحسن حديث ثم يأتي الطباخ فيمثل بين عينيه فيقول ما عندك فيقول عندي لون كذا وجدي كذا ودجاجة كذا ومن الحلو كذا قال ولم يسأل عن ذلك قال ليقصر كل رجل عما لا يشتهي حتى يأتيه ما يشتهي ثم يأتون بالخوان فيتضايق ونتسع ويقصر ونجتهد فاذا شبعنا خوى تخوية الظليم ثم اقبل يأكل أكل الجائع المقرور
والجارود هو الذي قال سوء الخلق يفسد العمل كما يفسد الخل العسل وهو الذي قال عليكم بالمربد فانه يطرد الفكر ويجلو البصر ويجلب الخبر ويجمع بين ربيعة ومضر
وصعد عثمان المنبر فارتج عليه فقال إن أبا بكر وعمر كانا يعدان لهذا المقام مقالا وانتم الى امام عادل أحوج منكم على إمام خطيب وستأتيكم الخطب على وجهها وتعلمون ان شاء الله تعالى
وشخص يزيد بن عمر بن هبيرة الى هشام بن عبد الملك فتكلم فقال هشام ما مات من خلف مثل هذا فقال الابرش الكلبي ليس هناك أما تراه يرشح جبينه لضيق صدره قال يزيد ما لذلك رشح ولكن لجلوسك في هذا الموضع
وكان الابرش ثلابة نسابة وكان مصاحبا لهشام بن عبد الملك فلما أفضت اليه الخلافة سجد وسجد من كان عنده من جلسائه والابرش شاهد لم يسجد فقال له هشام ما منعك ان تسجد يا أبرش قال ولم اسجد وانت اليوم معي ماشيا وغدا فوقي طائرا قال فان طرت بك معي قال أتراك فاعلا قال نعم قال فالان طاب السجود ودخل يزيد بن عمر على المنصور وهو يومئذ أمير فقال ايها الامير ان عهد الله لا ينكث وعقده لا يحل وإن إمارتكم بكر فأذيقوا الناس حلاوتها وجبنوهم مرارتها
قال سهل بن هرون دخل قطرب النحوي على المخلوع فقال يا أمير المؤمنين كانت عدتك أرفع من جائزتك وهو يتبسم قال سهل فاغتاظ الفضل بن الربيع فقلت له ان هذا من الحصر والضعف وليس هذا من الجلد والقوة اما تراه يفتل أصابعه ويرشح جبينه
وقال عبد الملك لخالد بن سلمة المخزومي من أخطب الناس قال أنا

قال ثم من قال سيد جذام يعني روح بن زنباع قال ثم من قال أخيفش ثقيف يعني الحجاج قال ثم من قال أمير المؤمنين قال ويحك جعلتني رابع أربعة قال نعم هو ما سمعت
ومن خطباء الخوارج وعلمائهم ورؤسائهم في الفتيا وشعرائهم ورؤساء قعدهم عمران بن حطان
ومن علمائهم وشعرائهم وخطبائهم حبيب بن خدرة الهلالي وعداده في بني شيبان
وممن كان يرى رأي الخوارج ابو عبيدة النحوي معمر بن المثنى مولى تيم ابن مرة ولم يكن في الارض خارجي ولا جماعي أعلم بجميع العلم منه
وممن كان يرى رأي الخوارج الهيثم بن عدي الطائي ثم البحتري
وممن كان يرى رأي الخوارج شعيب بن رباب الحنفي ابو بكار صاحب احمد بن ابي خالد ومحمد بن حسان السكسكي
ومن الخوارج من علمائهم ورواتهم مسلم بن كرزين وكنيته ابو عبيدة وكان اباضيا
ومن علمائهم الصفرية وممن كان مقنعا في الاخبار لاصحاب الخوارج والجماعة جميعا مليل وأظنه من بني ثعلبة
ومن اهل هذه الصنعة اصفر بن عبد الرحمن من اخوال طوق بن مالك
ومن خطبائهم وفقهائهم وعلمائهم المقعطل قاضي عسكر الازارقة ايام قطري
ومن شعرائهم ورؤسائهم وخطبائهم عبيدة بن هلال اليشكري وكان في بني السمين ومن بني شيبان خطباء العرب وكان فيهم ذاك فاشيا ولذلك قال الاخطل
( فأين السمين لا يقوم خطيبها ... وأين ابن ذي الجدين لا يتكلم )
وقال سحيم بن حفص كان يزيد بن عبد الله بن رؤبة الشيباني من أخطب الناس عند يزيد بن الوليد فأمرللناس بعطائين
ومن الخطباء معبد بن طوق العنبري دخل على بعض الامراء فتكلم وهو

قائم فأحسن قال فلما جلس تلهيع في كلامه فقال له ما أظرفك قائما وأموقك قاعدا قال إني اذا قمت جددت واذا قعدت هزلت قال ما أحسن ما خرجت منها
ومن خطباء عبد القيس مصقلة بن رقبة بن مصقلة وكرب بن رقبة
والعرب قد ذكروا من خطب العرب العجوز وهي خطبة لال رقبة ومتى تكلموا فلا بد لهم منها او من بعضها والعذراء وهي خطبة قيس بن خارجة لانه كان أبا عذرها والشوهاء وهي خطبة سحبان وائل وقيل ذلك لها من حسنها وذلك انه خطب بها عند معاوية فلم ينشد شاعر ولم يخطب خطيب
وكان ابو عمار الطائي خطيب مذحج كلها فبلغ النعمان حسن حديثه فحمله على منادمته وكان النعمان أحمر العينين احمر الجلد احمر الشعر وكان شديد العربدة قتالا للندماء فنهاه ابو قردودة الطائي عن منادمته فلما قتله رثاه فقال
( اني نهيت ابن عمار وقلت له ... لا تأمنن احمر العينين والشعره )
( ان الملوك متى تنزل بساحتهم ... تطر بنارك من نيرانهم شرره )
( يا جفنة كازاء الحوض قد هدموا ... ومنطقا مثل وشي اليمنة الحبره )
وقال الاصمعي هو كقوله
( ومنطق خرق بالعواسل ... لذ كوشي اليمنة المراجل )
وسأل رسول الله عمرو بن الاهتم عن الزبرقان بن بدر فقال انه لمانع لحوزته مطاع في أذنيه قال الزبرقان يا رسول الله انه ليعلم مني اكثر مما قال ولكنه حسدني يا رسول الله في شرفي فقصر بي فقال عمرو هو والله زمر المروءة ضيق العطن لئيم الخال فنظر النبي في عينيه فقال يا رسول الله رضيت فقلت احسن ما علمت وغضبت فقلت أقبح ما علمت وما كذبت في الاولى ولقد صدقت في الاخرة فقال رسول الله ( ان من البيان لسحرا )
وتكلم رجل في حاجة عند عمر بن عبد العزيز - وكانت حاجته في قضائها مشقة - فتكلم الرجل بكلام رقيق موجز وتأتي لها فقال عمر والله ان هذا

للسحر الحلال
ومن اصحاب الاخبار والآثار ابو بكر بن عبد الله بن محمد بن أبي سبرة وكان القاضي قبل ابي يوسف
ومن أصحاب الاخبار والاثار ابو هنيدة وابو نعامة العدويان
ومن الخطباء ايوب بن القرية وهو الذي لما دخل على الحجاج قال له ما أعددت لهذا الموقف قال ثلاثة حروف كأنهن ركب وقوف دنيا وآخرة ومعروف ثم قال له في بعض ما يقول أقلني عثرتي وأسغني ريقي فانه لا بد للجواد من كبوة وللسيف من نبوة وللحليم من هفوة قال كلا والله حتى أوردك جهنم ألست القائل بر ستاقاباد تغدوا الجدي قبل ان يتعاشاكم
ومن خطباء غطفان في الجاهلية خويلد بن عمرو والعشراء بن جابر ابن عقيل بن هلال بن سمي بن مازن بن فزارة وخويلد خطيب يوم الفجار
ومن أصحاب الاخبار والنسب والخطب وأهل البيان الوضاح بن خيثمة
ومن أصحاب الاخبار والنسب والخطب والحكام عند أصحاب النفورات بنو الكواء واياهم يعني مسكين بن أنيف الدارمي حين ذكر أهل هذه الطبقة فقال
( كلانا شاعر من حي صدق ... ولكن الرحى فوق الثقال )
( وحكم دغفلا وارحل اليه ... ولا ترح المطي من الكلال )
( تعال الى بني الكواء يقضوا ... بعلمهم بأنساب الرجال )
( تعال الى ابن مذعور شهاب ... ينبي بالسوافل والعوالي )
( وعند الكيس النمري علم ... ولو أضحى بمنخرق الشمال )
ومن الخطباء القدماء كعب بن لؤى وكان يخطب على العرب عامة ويحض كنانة خاصة على البر فلما مات أكبروا موته فلم تزل كنانة تؤرخ بموت كعب بن لؤى الى عام الفيل
ومن الخطباء الابيناء العلماء الذين جروا من الخطابة على أعراق قديمة شبيب ابن شيبة وهو الذي يقول في صالح بن أبي جعفر المنصور - وقد كان المنصور أقام صالحا فتكلم - فقال شبيب ما رأيت كاليوم أبين بيانا ولا أجود لسانا ولا أربط جنانا ولا أبل ريقا ولا أحسن طريقا ولا أغمض عروقا من

صالح وحق لمن كان أمير المؤمنين أباه والمهدي أخاه ان يكون كما قال زهير
( يطلب شأو امرأين قدما حسنا ... نالا الملوك وبذا هذه السوقا )
( هو الجواد فان يلحق بشأوهما ... على تكاليفه فمثله لحقا )
( او يسبقاه على ما كان من مهل ... فمثل ما قدما من صالح سبقا )
وخرج شبيب من دار الخلافة يوما فقال له قائل كيف رأيت الناس قال رأيت الداخل راجيا والخارج راضيا وقال خالد بن صفوان إتقوا مجانيق الضعفاء يريد الدعاء وقال شبيب أطلب الادب فانه دليل على المروءة وزيادة في العقل وصاحب في الغربة وصلة في المجلس وقال شبيب للمهدى يوما أراك الله في بنيك ما أرى أباك فيك وأرى الله بنيك فيك ما أراك في أبيك
وقال ابو الحسن قال زيد بن علي بن الحسين أطلب ما يعنيك وأترك ما لا يعنيك فان في ترك ما لا يعنيك دركا لما يعنيك وانما تقدم على ما قدمت ولست تقدم على ما آخرت فاثر ما تلقاه غدا ما لا تراه ابدا وقال او الحسن عن ابراهيم بن سعد قال خالد بن صفوان ما الانسان لولا اللسان الا صورة ممثلة او بهيمة مهملة
وقال ابو الحسن كان ابو بكر خطيبا وكان عمر خطيبا وكان عثمان خطيبا وكان علي خطيبا
وكان من الخطباء معاوية ويزيد وعبد الملك ومعاوية بن يزيد ومروان وسليمان ويزيد بن الوليد والوليد بن يزيد والوليد بن عبدالملك وعمر بن عبد العزيز
ومن خطباء بني هاشم زيد بن علي وعبد الله بن حسن وعبد الله ابن معاوية خطباء لا يجارون
ومن خطباء النساك والعباد الحسن بن أبي الحسن البصري ومطرف ابن عبد الله الحرشي ومؤرق العجلي وبكر بن عبد الله المزني ومحمد ابن واسع الازدي ويزيد بن أبان الرقاشي ومالك بن دينار السامي
وليس الامر كما قال في هؤلاء القاص المجيد والواعظ البليغ وذو المنطق

الوجيز فأما الخطب فانا لا نعلم احدا يتقدم الحسن البصري فيها وهؤلاء وان لم يسموا خطباء فان الخطيب لم يكن يشق غبارهم
ابو الحسن قال حدثني ابو سليمان الحميري قال كان هشام بن عبد الملك يقول
اني لأستصفق العمامة الرقيقة ان تكون على أذني اذا كان عبد الأعلى بن عبد الله بن عامر يتكلم مخافة ان يسقط عني من حديثه شيء
ومن الخطباء من بني عبد الله بن غطفان ابو البلاد وكان راوية ناسبا
ومنهم هاشم بن عبدالا على الفزاري
ومن الخطباء حفص بن معاوية الغلابي وكان خطيبا وهو الذي قال - حين أشرك سليمان بن علي بينه وبين مولى له على دارة القتب - أشركت بيني وبين غير الكفي ووليتني غير السني
ومن بني هلال بن عامر زرعة بن ضمرة وهو الذي قيل لولا غلو فيه ما كان كلامه الا الذهب وقام عند معاوية بالشام خطيبا فقال معاوية يا أهل الشام هذا خالي فأتوني بخال مثله
وكان ابنه النعمان بن زرعة بن ضمرة من أخطب الناس وهو احد من كان تخلص من الحجاج من فل ابن الأشعث بالكلام اللطيف
قال سحيم بن حفص ومن الخطباء عاصم بن عبد الله بن يزيد الهلالي تكلم هو وعبد الله بن الاهتم عند عمر بن هبيرة يفضل عاصما عليه فقال قائل يومئذ الخل الحامض ما لم يكن ماء
ومن خطباء بني تميم عمرو بن الاهتم وكان يدعى المكحل لجماله وهو الذي قيل فيه انما شعره حلل منشرة بين ايدي الملوك تأخذ منه ما شاءت ولم يكن في بادية العرب في زمانه أخطب منه
ومن بني منقر عبد الله بن الاهتم وكان خطيبا ذا مقامات ووفادات
ومن الخطباء صفوان بن عبد الله بن الاهتم وكان خطيبا رئيسا وابنه خالد بن صفوان وقد وفد الى هشام وكان من سمار ابي العباس
ومنهم ب بن عبد الله بن الاهتم قد ولى خراسان ووفد على الخلفاء وخطب عند الملوك

ومن ولده شبيب بن شيبة بن عبد الله بنب عبد الله بن الاهتم وعبد الله بن عبد الله بن عبد الله بن الاهتم وخاقان بن الاهتم وهو عبد الله بن عبد الله بن عبد الله بن الاهتم
ومن خطبائهم محمد الأحول بن خاقان وكان خطيب بني تميم وقد رأيته وسمعت كلامه
ومن خطبائهم معمر بن خاقان وقد وفد
ومن خطبائهم مؤمل بن خاقان
وقال ابو الزبير الثقفي ما رأيت خطيبا من خطباء الامصار أشبه بخطباء البادية من المؤمل بن خاقان
ومن خطبائهم خاقان بن المؤمل بن خاقان
وكان صباح بن خاقان ذا علم وبيان ومعرفة وشدة عارضة وكثرة راوية مع سخاء واحتمال وصبر على الحق ونصرة للصديق وقيام بحق الجار
ومن بني منقر الحكم بن النضر وهو ابو العلاء المنقري وكان يصرف لسانه حيث شاء مع جهارة واقتدار
ومن خطباء بني صريم بن الحارث الخزرج بن الصدى
ومن خطباء بني تميم ثم من مقاعس عمارة بن ابي سليمان
ومن ولد مالك بن سعيد عبد الله و خير ابنا حبيب كانا ناشبين عالمين أديبين دينين
ومن ولد مالك بن سعيد عبد الله والعباس ابنا روبة وكان العباس علامة ناسبا راوية وكان عبد الله أرجز الناس وأفصحهم ويكنى ابا الشعثاء وهو العجاج
ومن أصحاب الأخبار والنسب ابو بكر الصديق رضي الله عنه ثم جبير بن مطعم ثم سعيد بن المسيب ثم محمد بن سعيد بن المسيب ثم قتادة وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة المسعودي الذي قال في كلمة له في عمر بن عبد العزيز وعبد الله بن عمرو بن عثمان بن عفان رضي الله عنه
( فمسا تراب الارض منه خلقتما ... وفيه المعاد والمصير الى الحشر )

( ولا تأنفا ان ترجعا فتسلما ... فما حشي الانسان شرا من الكبر )
( فلو شئت أولي فيكما غير واحد ... علانية او قال عندي في سر )
( فان انا لم امر ولم أنه عنكما ... ضحكت له حتى يلج ويستشري )
وهو الذي قيل له كيف تقول الشعر مع النسك والفقه فقال ان المصدور لا يملك ان ينفث
وقد ذكر المصدور ابو زبيد الطائي في صفة الاسد فقال
( للصدر منه عويل فيه حشرجة ... كأنما هو من أحشاء مصدور )
ومن خطباء هذيل ابو المليح الهذلي أسامة بن عمير
ومنهم ابو بكر الهذلي كان خطيبا قاصا وعالما بينا وعالما بالاخبار والآثار وهو الذي لما فاخر أهل الكوفة قال لنا الساج والعاج والديباج والخراج والنهر العجاج

باب من اسماء الكهان والحكام والخطباء والعلماء من قحطان

قالوا أكهن العرب وأسجعهم سلمة بن أبي حية وهو الذي يقال له عزى سلمة
ومنهم ومن خطباء عمان مرة بن فهم التليد وهو الخطيب الذي أوفده المهلب الى الحجاج
ومن العتيك بشر بن المغيرة بن ابي صفرة وهو الذي قال لبني المهلب يا بني عمي اني والله قد قصرت عن شكاة العاتب وجاوزت شكاة المستعتب حتى كأني لست موصولا ولا محروما فعدوني امرأ خفتم لسانه او رجوتم شكره واني وان قلت هذا فلما أبلاني الله بكم أعظم مما أبلاكم بي
ومن خطباء اليمن ثم من حمير الصباح بن شقي الحميري كان أخطب العرب
ومنهم ثم من الانصار قيس بن الشماس ومنهم ثابت بن قيس بن الشماس خطيب النبي
ومنهم روح بن زنباع وهو الذي لما هم به معاوية قال لاتشمتن بي عدوا انت وقمته ولا تسوءن بي صديقا انت سررته ولا تهدمن مني ركنا انت بنيته هلا أتى حلمك وإحسانك على جهلي وإساءتي

ومن خطبائهم الاسود الكذاب بن كعب العنسى وكان طليحة خطيبا وشاعرا وسجاعا كاهنا ناسبا وكان مسيلمة الكذاب بعيدا من ذلك كله
وثابت بن قيس بن شماس هو الذي قال لعامر حين قال أما والله لئن تعرضت لعني وفني وذكاء سني لتولين عني فقال له ثابت اماوالله لئن تعرضت لسبابي وشبا انيابي وسرعة جوابي لتكرهن جنابي فقال النبي ( يكفيك الله وأبناء قيلة )
واخذت هذا الحديث من رجل يصنع الكلام فأنا أتهمه
ومن خطباء الانصار بشر بن عمرو بن محصن وهو ابو عمرة الخطيب
ومن خطباء الانصار سعد بن الربيع وهو الذي اعترضت ابنته النبي فقال لها من أنت فقالت ابنة الخطيب النقيب الشهيد سعد بن الربيع
ومنهم خال حسان بن ثابت وفيه يقول حسان
( إن خالي خطيب جابية الجو ... لان عند النعمان حيث يقوم )
وإياه يعني حسان بقوله
( رب خال لي لو أبصرته ... سبط المشية في اليوم الخصر )
ومنهم من الرواة والنسابين والعلماء شرقي بن القطامي الكلبي ومحمد ابن السائب الكلبي وعبد الله بن عياش الهمداني وهشام بن محمد بن السائب الكلبي والهيثم بن عدي الطائي وابو روق الهمداني واسمه عطية بن الحارث وأبو مخنف لوط بن يحيى الازدي ومحمد بن عمر الاسلمي الواقدي وعوانة الكلبي و وابن عيينه المهلبي والخليل بن احمد الفراهيدي وخلف بن حيان الاحمر الاشعري
قالوا ومنا في الجاهلية عبيد بن شرية ومنا شق بن الصعب ومنا ربيع بن ربيعة السطيح الذئبي ومنا المأمور الحارثي والديان بن عبد المدان الحارثي الشريفان الكاهنان
ومنهم عمرو بن حنظلة بن نهد الحكم وله يقول القائل
( حنظلة بن نهد ... خير ناس من معد )
ومنهم أبوالشطاح اللخمي وجمع معاوية بينه وبين دغفل بن حنظلة البكري

ومنهم ابو الكناس الكندي ومنهم ابو مخوس الكندي وكانا ناسبين عالمين
ومن اصحاب الاخبار والآثار عبد الله بن عتبة بن لهيعة ويكنى أبا عبد الرحمن
ومن القدماء في الحكمة والخطابة والرياسة عبيد بن شريفة الجرهمي وأسقف نجران وأكيدر صاحب دومة الجندل وأفيعي نجران وذرب بن حوط وعليم بن جناب وعمرو بن ربيعة وهو لحى بن حارثة بن عمرو ومزيقيا وجذيمة بن مالك الابرش وهو أول من أسرج الشمع ورمى بالمنجنيق

باب ذكر النساك والزهاد من أهل البيان

عامر بن عبد قيس وصلة بن أشيم وعثمان بن أدهم وصفوان ابن محرز والاسود بن كلثوم والربيع بن خيثم وعمرو بن عتبة بن فرقد وهرم بن حيان ومؤرق العجلي و بكر بن عبد الله بن الشخير الحرشي
وبعد هؤلاء مالك بن دينار وحبيب أبو محمد ويزيد الرقاشي وصالح المري وابو حازم الاعرج وزياد مولى عياش بن أبي ربيعة وعبد الواحد بن زياد وحيان أبو الاسود ودهثم أبو العلاء
ومن النساء رابعة القيسية ومعاذ العدوية امرأة صلة بن أشيم وأم الدرداء
ومن نساء الخوارج البلجاء وغزالة وقطام وحمادة وكحيلة
ومن نساء الغالية ليلى الناعطية والصدوف وهند
وممن كان من النساك ممن أدركناه أبو الوليد وهو الحكم الكندي ومحمد بن محمد الحمراني
ومن القدماء ممن كان يذكر بالقدر والرياسة والبيان والخطابة و الحكمة والدهاء والنكراء لقمان بن عاد ولقيم بن لقمان ومجاشع

ابن دارم وسليط بن كعب بن يربوع سموه بذلك لسلاطة لسانه وقال جرير
( إن سليطا كاسمه سليط ... )
ولؤي بن غالب وقس بن ساعدة وقصى بن كلاب
ومن الخطباء البلغاء والحكام الرؤساء أكثم بن صيفي وربيعة بن حذار وهرم بن قطبة وعامر بن الظرب ولبيد بن ربيعة
وكان من الشعراء واسماء الصوفية من النساك ممن يجيد الكلام كلاب وكليب وهاشم الاوقص وابو هاشم الصوفي وصالح بن عبد الجليل
ومن القدماء العلماء بالنسب وبالغريب الخطفي وهو جد جرير بن عطية ابن الخطفي وهو حذيفة بن بدر بن سلمة بن عوف بن كليب بن يربوع و انما سمي الخطفي لابيات قالها
( يرفعن بالليل اذا ما أسدفا ... أعناق جنان وهاما رجفا )
( وعنقا باقي الرسيم خيطفا ... )
ذكر القصاص

قص

الاسود بن سريع وهو الذي قال
( فان تنج منها تنج من ذي عظيمة ... وإلا فاني لا إخالك ناجيا )
وقص الحسن وسعيد بن أبي الحسن
وكان جعفر بن الحسن اول من اتخذ في مسجد البصرة حلقة وأقرأ القرآن فيها وقص ابراهيم التيمي
وقص عبيد الله بن عمير الليثي وجلس اليه عبد الله بن عمر حدثني بذلك عمرو بن قائد باسناد له ومن القصاص ابو بكر الهذلي وهو عبد الله بن ابي سليمان وكان خطيبا بينا صاحب أخبار وآثار
وقص ابنه مطرف بن عبد الله بن الشخير في مكان أبيه
ومن كبار القصاص ثم من هذيل مسلم بن جندب وكان قاص مسجد النبي بالمدينة وكان امامهم وقارئهم وفيه يقول عمر بن عبد العزيز

من سره ان يسمع القرآن غضا فليسمع قراءة مسلم بن جندب
ومن القصاص عبد الله بن عرادة بن عبد الله بن الوضين وله مسجد في بني شيبان
ومن القصاص موسى الاسواري وكان من أعاجيب الدنيا كانت فصاحته بالفارسية في وزن فصاحته بالعربية وكان يجلس في مجلسه المشهور به فيقعد العرب عن يمينه والفرس عن يساره فيقرأ الاية من كتاب الله ويفسرها للعرب بالعربية ثم يحول وجهه الى الفرس فيفسرها لهم بالفارسية فلا يدري باي لسان هو أبين واللغتان اذا التقتا في اللسان الواحد أدخلت كل واحدة منهما الضيم على صاحبتها الا ما ذكروا من لسان موسى بن سيار الاسواري ولم يكن في هذه الامة بعد أبي موسى الاشعري اقرأ في محراب من موسى ابن سيار
ثم عثمان بن سعيد بن أسعد
ثم يونس النحوي ثم المعلي
ثم قص في مسجده أبو علي الاسواري وهو عمرو بن فائد ستا وثلاثين سنة فابتدأ لهم في تفسير سورة البقرة فما ختم القران حتى مات لانه كان حافظا للسير ولوجوه التأويلات فكان ربما يفسر آية واحدة في عدة أسابيع كأن الآية ذكر فيها يوم بدر وكان هو يحفظ مما يجوز ان يلحق في ذلك من الاحاديث الكثيرة وكان يقص في فنون كثيرة من القصص ويجعل للقران نصيبا من ذلك وكان يونس بن حبيب يسمع منه كلام العرب ويحتج به وخصاله المحمودة كثيرة
ثم قص من بعده القاسم بن يحيى وهو أبو العباس الضرير لم يدرك في القصاص مثله
وكان يقص معهما وبعدهما مالك بن عبد الحميد المكفوف ويزعمون ان أبا علي لم يسمع منه كلمة غيبة قط ولا عارض احدا من المخالفين والحساد والبغاة بشيء من المكافاة
فأما صالح المري فانه كان يكنى أبا بشر وكان صحيح الكلام رقيق المجلس فذكر أصحابنا ان سفيان بن حبيب لما دخل البصرة وتوارى

عند مرحوم العطار قال له مرحوم هل لك ان تأتي قاصا عندنا فتتفرج بالخروج والنظر الى الناس والاستماع منه فأتاه على تكره كأنه ظنه كبعض من يبلغه شأنه فلما أتاه وسمع منطقه وسمع تلاوته للقرآن وسمعه يقول حدثنا سعيد عن قتادة وحدثنا قتادة عن الحسن رأى بيانا لم يحتسبه ومذهبا لم يكن يدانيه فاقبل سفيان على مرحوم فقال هذا ليس قاصا هذا نذير

باب ما قيل في المخاطر والعصي وغيرهما

كانت العرب تخطب بالمخاصر وتعتمد على الارض بالقسي وتشير بالعصي والقنا نعم حتى كانت المخاصر لا تفارق أيدي الملوك في مجالسها ولذلك قال الشاعر
( في كفة خيزران ريحها عبق ... بكف اروع في عرنينه شمم )
( يغضي حياء ويغضي من مهابته ... فما يكلم الا حين يبتسم )
( ان قال قال بما يهوى جميعهم ... وان تكلم يوما ساحت الكلم )
( يكاد يمسكه عرفان راحته ... ركن الحطيم اذا ما جاء يستلم )
( كم هاتف لك من داع وداعية ... يدعون يا قثم الخيرات يا قثم )
وقال الشاعر قولا فسر فيه ما قلنا قال
( مجالسهم خفض الحديث وقولهم ... اذا ما قضوا في الامرم وحي المخاصر )
وقال الكميت بن زيد
( ونزور مسلمة المهذب ... بالمؤيدة السرائر )
( بالمذهبات المعجبات ... لمفحم منا وشاعر )
( أهل التجاوب والمحافل ... والمقاول بالمخاصر )
( فهم كذلك في المجالس ... والمحافل والمشاعر )
وكما قال الانصاري في المجامع حيث يقول
( وسارت بنا سيارة ذات سورة ... بكوم المطايا والخيول الجماهير )
( يؤمون ملك الشام حتى تمكنوا ... ملوكا بأرض الشام فوق المنابر )
( يصيبون فصل القول في كل خطبة ... اذا وصلوا أيمانهم بالمخاصر )
وفي المخاصر والعصي وفي خد وجه الارض باطراف القسي قال الحطيئة

( أم من لخصم مضجعين قسيهم ... صعر خدودهم عظام المفخر )
وقال لبيد بن ربيعة في الاشارة
( غلب تشذر بالدخول كأنها ... جن البدي رواسيا أقدامها )
وقال في خد وجه الارض بالعصي والقسي
( يشين صحاح البيد كل عشية ... بعوج السراء عند باب محجب )
وفي مثله يقول الشاعر
( اذا أقتسم الناس فضل الفخاري ... اطلنا على الارض ميل العصا )
وقال الآخر
( كتبت لنا في الارض يوم محرف ... أيامنا في الارض يوما فيصلا )
وقال لبيد بن ربيعة في ذكر القسي
( ما ان أهاب اذا السرادق عمه ... قرع القسي وأرعش الرعديد )
وقال معن بن أوس المزني
( ألا من مبلغ عني رسولا ... عبيد الله إذ عجل الرسالا )
( تغافل دوننا ابناء ثور ... ونحن الاكثرون حصى ومالا )
( اذا اجتمع القبائل جئت ردفا ... أمام الماسحين لك السبالا )
( فلا تعطى عصا الخطباء فيهم ... وقد تكفى المقادة والمقالا )
ومما قالوا في حمل القناة قوله
( الى امرىء لا تخطاه الرقاب ولا ... حدب الحوان اذا ما استنشيء العرق )
( صلب الحيازيم لا هذر الكلام إذا ... هز القناة ولا مستعجل زهق )
وكما قال جرير الخطفى
( من للقناة اذا ماعي قائلها ... ام للأعنة يا شيب بن عمار )
قال ومثل هذا قول ابي المجيب الربعي ما تزال تحفظ أخاك حتى يأخذ القناة فعند ذلك يفضحك او يسرك يقول اذا قام يخطب وفي كتاب جبل بن يزيد احفظ اخاك الا من نفسه وقال عبد الله بن رؤبة سأل رجل رؤبة عن أخطب بني تميم فقال خداش بن بشر بن لبيد - يعني البعيث - وانما قيل له البعيث لقوله
( تبعث مني ما تبعث بعدما ... أمرت حبالي كل مرتها شزرا )

وزعم سحيم بن حفص انه كان يقال أخطب بني تميم البعيث اذا أخذ القناة وقال يونس لعمري لئن كان مغلبا في الشعر لقد كان غلب في الخطب
ومن الشعراء من يغلب شيء قاله في شعره على اسمه وكنيته فيسمى به وهم كثير
فمنهم البعيث هذا
ومنهم عوف بن حصن بن حذيفة بن بدر غلب عليه عويف القوافي لقوله
( سأكذب من قد كان يزعم انني ... اذا قلت شعرا لا أجيد القوافيا )
فسمى عويف القوافي
ومنهم يزيد بن ضرار التغلبي غلب عليه المزرد لقوله
( فقلت تزردها عبيد فانني ... لدرد الموالي في السنين مزرد )
فسمى المزرد
ومنهم عمرو بن سعيد بن مالك غلب عليه المرقش وذلك لقوله
( الدار فقر والرسوم كما ... رقش في ظهر الأديم قلم )
فسمى مرقشا
ومنهم شاس بن نهار العبدي غلب عليه الممزق لقوله
( فان كنت مأكولا فكن خير آكل ... وإلا فأدركني ولما أمزق )
فسمى الممزق
ومنهم جرير بن عبد المسيح الضبعي غلب عليه المتلمس لقوله
( فهذا أوان العرض طن ذبابه ... زنابيره والازرق المتلمس )
ومنهم عمرو بن رباح بن عمر والسلمي أبو خنساء بنت عمرو غلب الشريد على اسمه لقوله
( تولى إخوتي وبقيت فردا ... وحيدا في ديارهم شريدا )
فسمى الشريد وهذا كثير
ودخل رجل من قيس عيلان على عبد الملك بن مروان فقال زبيري عميري والله لا يحبك قلبي ابدا قال يا امير المؤمنين إنما يجزع من فقدان الحب المرأة ولكن عدل وانصاف

قال عمر لأبي مريم الحنفي السلولي قاتل زيد بن الخطاب لا يحبك قلبي ابدا حتى تحب الارض الدم المسفوح
وهذا مثل قول الحجاج والله لأقلعنك قلع الصمغة لان الصمغة اليابسة اذا فرقت عن الشجرة انقلعت انقلاع الجلبة والارض لا تنشف الدم المسفوح ولا تمصه فمتى جف الدم وتجلب لم تره اخذ من الارض شيئا
ومن الخطباء الغضبان بن القبعثرى وكان محبوسا في سجن الحجاج فدعا به يوما فلما رآه قال انك لسمين قال القيد والرتعة ومن يكن ضيفا للأمير يسمن
وقال يزيد بن عياض لما نقم الناس على عثمان خرج يتوكأ علىمروان وهو يقول لكل أمة افة ولكل نعمة عاهة وان آفة هذه الامة عيابون طعانون يظهرون لكم ماتحبون ويسرون ما تكرهون طغام مثل النعام يتبعون اول ناعق لقد نقموا على ما نقموه على عمر ولكن قمعهم ووقمهم والله اني لأقرب ناصر او أعز نفرا فضل فضل من مالي فمالي لا أفعل في الفضل ما شاء
ورأيت الناس يتداولون رسالة يحيى بن يعمر على لسان يزيد بن المهلب إنا لقينا العدو فقتلنا طائفة وأسرنا طائفة ولحقت طائفة بعرائر الآودية وأهضام الغيطان وبتنا بعرعرة الجبل وبات العدو بحضيضه فقال الحجاج ما يزيد بأبي عذرة هذا الكلام فقيل له ان معه يحيى بن يعمر فحمل اليه فلما أتاه قال أين ولدت قا ل بالاهواز قال فأنى لك هذه الفصاحة قال أخذتها عن أبي
ورأيتهم يديرون في كتبهم ان امرأة خاصمت زوجها الى يحيى بن يعمر فانتهرها مرارا فقال له يحيى ان سألتك ثمن شكرها وشبرك أنشأت تطلها وتضهلها
فان كانوا إنما رووا هذا الكلام لانه يدل على فصاحة فقد باعده الله من صفة البلاغة والفصاحة وان كانوا انما دونوه في الكتب وتذاكرواه في المجالس لانه غريب فأبيات من شعر العجاج او شعر الطرماح او اشعار هذيل تأتي لهم مع حسن الوصف على اكثر مما ذكروا ولو خاطب بقوله ان سألتك ثمن

شكرها وشبرك أنشأت تطلها وتضهلها الأصمعي لظننت انه سيجهل بعض ذلك فهذا ليس من أخلاق الكتاب ولا من آدابهم
وقال أبوالحسن كان غلام يقعر في كلامه فأتى ابا الاسود الدؤلي يلتمس بعض ما عنده فقال له ابو الاسود ما فعل ابوك قال أخذته الحمى فطبخته طبخا وفتخته فتخا وفضخته فضخا فتركته فرخا
فقال ابو الاسود فما فعلت امرأته التي كانت تشاره وتماره وتهاره وتزاره
قال طلقها وتزوجت غيره فرضيت وحظيت وبظيت قال ابو الاسود قد علمنا رضيت وحظيت فما بظيت قال بظيت حرف من الغريب لم يبلغك قال ابوالاسود يا بني كل كلمة لا يعرفها عمك فاسترها كما تستر السنور خرءها
قال ابوالحسن مر ابو علقمة النحوي ببعض طرق البصرة وهاجت به مرة فوثب عليه قوم منهم فاقبلوا يعضون ابهامه ويؤذنون في أذنه فأفلت من أيديهم فقال مالكم تتكأكأون على كأنكم تتكأكأون على ذي جنة افرنقعوا عني قالوا دعوه فان شيطانه يتكلم بالهندية وقال ابو الحسن هاج بأبي علقمة الدم فأتى بحجام فقال للحجام اشدد قصب الملازم وأرهف ظبات المشارط وأسرع الوضع وعجل النزع وليكن شرطك وخزا ومصك نهزا ولا تكرهن ابيا ولا تردن أتيا فوضع الحجام محاجمه في جونته وانصرف
فحديث أبي علقمة فيه غريب وفيه انه لو كان حجاما مرة ما زاد على ما قال وليس في كلام يحيى بن يعمر شيء من الدنيا الا انه غريب وهو أيضا من الغريب بغيض
وذكروا عن محمد بن اسحق قال لما جاء ابن الزبير - وهو بمكة - قتل مروان الضحاك بمرج راهط قام فينا خطيبا فقال ان ثعلب بن ثعلب حفر بالصحصحة فأخطأت أسته الحفرة وألهف أم لم تلدني على رجل من محارب كان يرعى في جبال مكة فيأتي بالشربة من اللبن فيبيعها بالقبضة من الدقيق فيرى ذلك سدادا من عيش ثم أنشأ يطلب الخلافة ووراثة النبوة
وأول هذا الكلام مستكره وهو موجود في كل كتاب وجار على لسان

كل صاحب خبر وقد سمعت لابن الزبير كلاما كثيرا ليس هذا في سبيله ولا يتعلق به
وقال ابو يعقوب الاعور السلمي
( وخلجة ظن يسبق الطرف حزمها ... تشيف على غيم وتمكن من زحل )
( صدعت بها والقوم فوضى كأنهم ... بكارة مرباع تبصبص للفحل )
وقال ابن عثمة
( لك المرباع منها والصفايا ... وحكمك والنشيطة والفضول )
وقال رجل من بني يربوع
( الى الله أشكو ثم أشكو إليكما ... وهل تتفع الشكوى الى من يزيدها )
( حزازات حب في الفؤاد وعبرة ... اظل بأطراف البنان أذودها )
( يحن فؤادي من مخافة بينكم ... حنين المزجى وجهة لا يريدها )
وقد احسن الآخر حيث يقول
( وأكرم نفسي عن مناكح جمة ... ويقصر مالي ان أنال الغواليا )
وقال الاخر
( واذا العبد أغلق الباب دوني ... لم يحرم علي متن الطريق )
وقال الخليع العطاردي كنا بالبادية اذ نشأ عارض وما في السماء قزعة معلقة وجاء السيل فاكتسح أبياتا من بني سعد فقلت
( فرحنا بوسمي تألق ودقه ... عشاء فأبكانا صباحا فأسرعا )
( له ظلة كأن ريق وبلها ... عجاجة صيف او دخان ترفعا )
( فكان على قوم سلاما ونعمة ... وألحق عادا آخرين وتبعا )
وقال ابو عطاء السندي لعبيد الله بن عباس الكندي
( الى معشر أردوا أخاك وكفروا ... أباك فماذا بعد ذاك تقول )
( وقل لعبيد الله لوكان جعفر ... هو الحي لم يبرح وانت قتيل )
فقال عبيد الله أقول عض ابوعطاء ببظر امه فغلب عليه
قال ابو عبيدة قال ابو البصير في ابي رهم السدوسي - وكان يلي الاعمال لأبي جعفر
( رأيت أبارهم يقرب منجحا ... غلام أبي بشر ويجفو أبا بشر )

فقلت ليحيى كيف قرب منجحا فقال له أير يزيد على شبر
قال ابو عثمان وقد طعنت الشعوبية على أخذ العرب المخصرة في خطبها والقنا والقضيب والاتكاء والاعتماد على القوس والخد في الارض والاشارة بالقضيب بكلام مستكرة تجدهم في الجزء الثالث
وقد ذكرنا ان الامم التي فيها الاخلاق والاداب والحكم والعلم أربع وهي العرب والهند وفارس والروم
وقال حكيم بن عياش الكلبي
( ألم يك ملك أرض الله طرا ... لاربعة له متميزينا )
( لحمير والنجاشي وابن كسرى ... وقيصر غير قول الممترينا )
فما أدري بأي سبب وضع الحبشة في هذا الموضع وأما ذكره لحمير فان كان إنما ذهب الى تبع نفسه في الملوك فهذا له وجه وأما النجاشي فليس هو عند الملوك في هذا المكان ولو كان النجاشي في نفسه فوق تبع وكسرى وقيصر لما كان أهل مملكته من الحبش في هذا الموضع وهو لم يفضل النجاشي لمكان اسلامه يدل على ذلك تفضيله لكسرى وقيصر وكان وضع كلامه على ذكر الممالك ثم ترك الممالك وأخذ في ذكر الملوك
والدليل على ان العرب أنطق وأن لغتها أوسع وان لفظها أدل وأن أقسام تأليف كلامها أكثر والامثال التي ضربت أجود وأسير
والدليل على ان البديهة مقصورة عليها وان الارتجال والاقتضاب خاص فيها وما الفرق بين أشعارهم وبين الكلام الذي تسميه الفرس والروم شعرا وكيف صار النسيب في أشعارهم والذي أدخلوه في غنائهم وفي ألحانهم انما يقال على ألسنة نسائهم وهذا لا يصاب في العرب الا القليل اليسير وكيف صارت العرب تقطع الالحان الموزونة على الاشعار الموزونة فتضع موزونا على موزون والعجم تمطط الالفاظ فتقبض وتبسط حتى تدخل في وزن اللحن فتضع موزونا على غير موزون
وقال أبو الحسن المدائني قال الحجاج لأنس بن مالك حين دخل عليه في شأن ابنه عبد الله وكان خرج مع ابن الاشعث لا مرحبا بك ولا أهلا لعنة الله عليك من شيخ جوال في الفتنة مرة مع أبي تراب ومرة مع ابن الاشعث

والله لأقلعنك قلع الصمغة ولأعصبنك عصب السلمة ولأجردنك تجريد الضب قال أنس من يعني الامير أبقاه الله قال إياك أعني أصم الله صداك قال فكتب انس بذلك على عبد الملك فكتب عبد الملك الى الحجاج بسم الله الرحمن الرحيم يا ابن المستفرمة بعجم الزبيب والله لقد هممت ان أركلك برجلي ركلة تهوي بها في نار جهنم قاتلك الله أخيفش العينين أصك الرجلين أسود الجاعرتين والسلام
وكان الحجاج أخيفش مسلق الاجفان ولذلك قال إمام بن أرقم النميري وكان الحجاج جعله على بعض شرط أبان بن مروان ثم حبسه فلما خرج قال
( طليق الله لم يمنن عليه ... أبو داود وابن أبي كثير )
( ولا الحجاج عيني بنت ماء ... تقلب طرفها حذر الصقور )
وخطب الحجاج يوما فقال في خطبته والله ما بقي من الدنيا الا مثل ما مضى ولهو أشبه به من الماء بالماء والله ما أحب ان ما مضى من الدنيا لي بعمامتي هذه
المفضل بن محمد الضبي قال كتب الحجاج الى قتيبة بن مسلم ان ابعث الي بالآدم الجعدي الذي يفهمني ويفهم عني فبعث اليه غدام بن شتير فقال الحجاج لله دره ما كتبت اليه في أمر قط الا فهم عني وعرف ما أريد
قال ابو الحسن وغيره أراد الحجاج الحج فخطب الناس فقال أيها الناس اني اريد الحج وقد استخلفت عليكم ابني محمد هذا واوصيته فيكم بخلاف ما أوصى به رسول الله في الانصار ان رسول الله ان يقبل من محسنهم ويتجاوز عن مسيئهم ألا واني قد أوصيته أن لا يقبل من محسنكم ولا يتجاوز عن مسيئكم ألا وإنكم ستقولون بعدي مقالة ما يمنعكم من إظهارها الا مخافتي ألا وانكم ستقولون بعدي لا أحسن الله له الصحابة ألا واني معجل لكم الاجابة لا احسن الله الخلافة عليكم ثم نزل
وكان يقول في خطبته أيها الناس ان الكف عن محارم الله أيسر من الصبر على عذاب الله
وقال عمرو بن عبيد رحمه الله كتب عبد الملك بن مروان وصية زياد بيده وأمر الناس بحفظها وتدبر معانيها ان الله عز و جل جعل لعباده عقولا عاقبهم

بها على معصيته وأثابهم بها على طاعته فالناس بين محسن بنعمة الله عليه ومسيء بخذلان الله اياه ولله النعمة على المحسن والحجة على المسيء فما اولى من تمت عليه النعمة في نفسه ورأى العبرة في غيره بأن يضع الدنيا بحيث وضعها الله فيعطى ما عليه منها ولا يتكثر بما ليس له منها فان الدنيا دار فناء ولا سبيل الى بقائها ولا بد من لقاء الله فأحذركم الله الذي حذركم نفسه واوصيكم بتعجيل ما اخرته العجزة قبل ان تصيروا الى الدار التي صاروا اليها فلا تقدرون على توبة وليس لكم منها أوبة وانا استخف الله عليكم واستخلفه منكم
وقد روى هذا الكلام عن الحجاج وزياد احق به منه

باب ما ذكروا فيه من ان أثر السيف بمحوا أثر الكلام

قال جرير
( يكلفني رد العواقب بعدما ... سبقن كسبق السيف ما قال عاذله )
وقال الكميت بن معروف
( خذوا العقل ان اعطاكم العقل قومكم ... وكونوا كمن سيم الهوان فأربعا )
( ولا تكثروا فيه الضجاج فانه ... محا السيف ما قال ابن داره اجمعا )
والمثل السائر من قبل هذا سبق السيف العذل
ومن اهل الادب زكريا بن درهم مولى بني سليم بن منصور صاحب سعيد بن عمرو الحرشي وزكريا هو الذي يقول
( لا تنكروا لسعيد فضل نعمته ... لا يشكر الله من لا يشكر الناسا )
ومن اهل الادب من وجهه هشام الى الحرشي السرادق بن عبد الله السدوسي الفارسي ولما ظفر سلم بن قتيبة بالازد كان من الجند في دور الازد انتهاب واحراق واثار قبيحة فقام شبيب بن شيبة الى سلم بن قتيبة فقال ايها الامير ان هريم بن عدي بن ابي طلحة - وكان غير منطيق - قال ليزيد بن عبد الملك في شأن المهالبة يا امير المؤمنين إنا والله ما رأينا احدا ظلم ظلمك ولا نصر نصرك فافعل الثالثة نقلها
قال الهيثم بن عدي قام عبد الله بن الحجاج التغلبي الى عبد الملك بن مروان وقد كان أراد الاتصال به وقد كان عبد الملك حنقا عليه فأقام

ببابه حولا لا يصل ثم ثار في وجهه في بعض ركباته فقال
( أدنو ليرحمني وترتق خلتي ... وأراك تدفعني فأين المدفع )
فقال عبد الملك الى النار فقال
( ولقد أذقت بني سعيد حرها ... وابن الزبير فرأسه متضعضع )
فقال عبد الملك قد كان بعض ذاك وأنا استغفر الله
وقال ابو عبيدة كان بين الحجاج وبين العديل بن فرخ العجلي بعض الامر فتوعده الحجاج بالقتل فقال العديل
( أخوف بالحجاج حتى كأنما ... يحرك عظم في الفؤاد مهيض )
( ودون يد الحجاج من ان تنالني ... بساط لأيدي اليعملات عريض )
( مهامه أشباه كأن سرابها ... ملاء بأيدي الغاسلات رحيض )
ثم ظفر به الحجاج فقال له يا عديل هل نجاك بساطك العريض فقال أيها الامير انا الذي أقول فيك
( ولو كنت بالعنقاء او بأسومها ... لكان لحجاج علي دليل )
( خليل أمير المؤمنين وسيفه ... لكل إمام مصطفى وخليل )
( بني قبة الاسلام حتى كأنما ... هدى الناس من بعد الضلال رسول )
فقال له الحجاج اربح نفسك واحقن دمك وإياك واختها فقد كان الذي بيني وبين قتلك أقصر من إبهام الحباري
قال ابو الحسن وقام الوليد بن عتبة بن أبي سفيان خطيبا بالمدينة وكان واليها ينعى معاوية ويدعو الى بيعة يزيد فلما رأى روح بن زنباع إبطاءهم قال أيها الناس انا لا ندعوكم الى لخم وجذام وكلب ولكنا ندعوكم الى قريش ومن جعل الله له هذا الامر واختصه به وهو يزيد بن معاوية ونحن أبناء الطعن والطاعون وفضلات الموت وعندنا ان اجبتم وأطعتم من المعونة والفائدة ما شئتم فبايع الناس
قال وخطب ابراهيم بن اسماعيل من ولد المغيرة المخزومي فقال
( أنا ابن الوغى من شاء احزر نفسه ... صقرا يلوذ حمامه بالعرفج )
ثم قال
( استوثقي أحمرة الوجين ... سمعن حس أسد حرون )
( فهن يضرطن وينتزين ... )

ثم قال والله اني لأبغض القرشي ان يكون فظا يا عجبا لقوم يقال لهم من أبوكم فيقولون أمنا من قريش فتكلم رجل من عرض الناس وهو يخطب فقال له غيره صه فان الامام يخطب فقال انما أمرنا بالانصات عند قراءة القران لا عند ضراط أحمرة الوجين
وقال خر سمعت ابن هبيرة على هذه الاعواد وهو يقول في دعائه اللهم اني أعوذ بك من عدو يسري ومن جليس يفري ومن صديق يطري
قال أبو الحسن كان نافع بن علقمة بن نضلة بن صفوان بن محرث خال مروان واليا على مكة والمدينة وكان شاهرا سيفه لا يغمده وبلغه ان فتى من بني سهم يذكره بكل قبيح فلما أتى به وأمر بضرب عنقه قال له الفتى لا تعجل علي ودعني اتكلم قال او بك كلام قال نعم وأزيد يا نافع وليت الحرمين تحكم في دمائنا وأموالنا وعندك أربع عقائل من العرب وبنيت ياقوته بين الصفا والمروة - يعني داره - وانت نافع بن علقمة بن نضلة بن صفوان بن محرث أحسن الناس وجها واكرمهم حسبا وليس لنا من ذلك الا التراب فلم نحسدك على شيء منه ولم ننفسه عليك ونفست علينا ان نتكلم فقال تكلم حتى ينفك فكاك
وقال علي بن مجاهد عن جعد بن أبي الجعد قال صعصعة بن صوحان ما أعياني جواب احد ما أعياني جواب عثمان دخلت عليه فقلت له اخرجنا من ديارنا وأموالنا ان قلنا ربنا الله قال نحن الذين اخرجنا من ديارنا وأموالنا ان قلنا ربنا الله فمنا من مات بأرض الحبشة ومنا من مات بالمدينة
وقال الحجاج على منبره والله لألحونكم لحو العصا ولا عصبنكم عصب السلمة ولأضربنكم ضرب غرائب الابل يا اهل العراق يا اهل الشقاق والنفاق ومساوىء الاخلاق اني سمعت تكبيرا ليس بالتكبير الذي يراد به الله في الترغيب ولكنه التكبير الذي يراد به الترهيب وقد عرفت انها عجاجة تحتها قصف فتنة أي بني اللكيعة وعبيد العصا وبني الاماء والله لئن قرعت عصا لأتركنكم كأمس الدابر
وقال مالك بن دينار ربما سمعت الحجاج يخطب ويذكر ما صنع به أهل العراق وما صنع بهم فيقع في نفسي أنهم يظلمونه وانه صادق لبيانه

وحسن تخلصه بالحجج
وقسم الحجاج مالا فأعطى منه مالك بن دينار فقبل واراد ان يدفع منه الى حبيب ابي محمد فأبى ان يقبل منه شيئا ثم مر حبيب بمالك واذا هو يقسم ذلك المال فقال له مالك أبا محمد لهذا قبلناه فقال له حبيب دعني مما هناك أسألك بالله الحجاج اليوم أحب اليك أم قبل اليوم قال بل اليوم فقال حبيب فلا خير في شيء حبب اليك الحجاج
ومر غيلان بن خرشة الضبي مع عبد الله بن عامر على نهر عبد الله الذي يشق البصرة فقال عبد الله ما أصلح هذا النهر لاهل هذا المصر فقال غيلان اجل ايها الامير يعلم القوم فيه صبيانهم السباحة ويكون لشفاههم ومسيل مياههم وتأتيهم فيه ميرتهم قالوا ثم مر غيلان يساير زيادا على ذلك النهر وكان قد عادى ابن عامر فقال زياد ما أضر هذا النهر بأهل هذا المصر فقال غيلان أجل والله ايها الامير تنز منه دورهم ويغرق فيه صبيانهم ومن اجله تكثر بعوضهم
فالذين كرهوا البيان إنما كرهوا مثل هذا المذهب فأما نفس حسن البيان فليس يذمه إلا من عجز عنه ومن ذم البيان مدح العي وكفى بذلك جهلا وخبالا ولخالد بن صفوان في الجبن المأكول كلام ذهب فيه شبيها بهذا المذهب
ورجع طاوس عن مجلس محمد بن يوسف - وهو يومئذ والي اليمن - فقال ما ظننت ان قول سبحان الله يكون معصية لله حتى كان اليوم سمعت رجلا أبلغ ابن يوسف عن رجل كلاما فقال له رجل في المجلس سبحان الله كالمتسعظم لذلك الكلام فغضب بن يوسف
قال أبوالحسن وغيره دخل يزيد بن أبي مسلم على سليمان بن عبد الملك وكان دميما فلما رآه قال على رجل أجرك رسنك وسلطك على المسلمين لعنة الله فقال يا أمير المؤمنين انك رأيتني والأمر عني مدبر ولو رأيتني والأمر علي مقبل لاستعظمت من امري ما استصغرت فقال سليمان أفترى الحجاج بلغ قعر جهنم بعد فقال يزيد يا أمير المؤمنين يجيء الحجاج يوم القيامة بين أبيك وأخيك قابضا على يمين أبيك وشمال أخيك فضعه من النار حيث شئت

وذكر يزيد بن المهلب يزيد بن ابي مسلم بالعفة عن الدينار والدرهم وهم ان يستكفيه مهما من امره فقال عمر بن عبد العزيز رحمه الله ألا أدلك على من هو ازهد في الدينار والدرهم منه وهو شر الخلق قال بلى قال ابليس
وقال أسيلم بن الاحنف للوليد بن عبد الملك قبل ان يستخلف اصلح الله الامير اذا ظننت ظنا فلا تحققه واذا سألت الرجال فسلهم عما تعلم فاذا رأوا سرعة فهمك لما تعلم ظنوا بك ذلك فيما لا تعلم ودس من يسأل لك عما لا تعلم
وكان أسيلم بن الأحنف الاسدي ذا بيان وأدب وعقل وجاه وهو الذي يقول فيه الشاعر
( ألا ايها الركب المحثون هل لكم ... بسيد أهل الشام تحبوا وترجعوا )
( أسيلم ذاكم لا خفا بمكانه ... لعين تدجا اولأذن تسمع )
( من النفر البيض الذين اذا انتموا ... وهاب الرجال حلقه الباب قعقعوا )
( جلا الأذفر الأحوى من المسك فرقه ... وطيب الدهان رأسه فهو أنزع )
( اذا النفر السود اليمانون حاولوا ... له حوك برديه أرقوا وأوسعوا )
وهذا الشعر من اشعار الحفظ والمذاكرة
قال الهيثم بن عدي قدمت وفود العراق على سليمان بن عبد الملك بعدما استخلف فأمرهم بشتم الحجاج فقاموا يشتمونه فقال بعضهم ان عدو الله الحجاج كان عبدا زبابا قنور بن قنور لا نسب له في العرب قال سليمان أي شتم هذا ان عدو الله الحجاج كتب الي انما انت نقطة من مداد فان رأيت في ما رأى ابوك واخوك كنت لك كما كنت لهما والا فأنا الحجاج وانت النقطة فان شئت محوتك وان شئت أثبتك فالعنوه لعنه الله فأقبل الناس يلعنونه فقام ابن ابي بردة بن ابي موسى الاشعري فقال يا أمير المؤمنين إنا نخبرك عن عدو الله بعلم قال هات قال كان عدو الله يتزين تزين المومسة ويصعد المنبر فيتكلم بكلام الاخيار فاذا نزل عمل عمل الفراعنة واكذب في حديثه من الدجال فقال سليمان لرجاء بن حيوة هذا وأبيك الشتم لا ما تأتي به السفلة
وقال عن عوانة قطع ناس من عمرو بن تميم وحنظلة على الحجاج بن يوسف

فكتب اليهم من الحجاج بن يوسف اما بعد فانكم استخلصتم الفتنة فلا عن حق تقاتلون ولا عن منكر تنهون وأيم الله اني لا هم ان يكون اول ما يرد عليكم من قبلي خيل تنسف الطارف والتالد وتدع النساء أيامى والابناء يتامى والديار خرابا والسواد بياضا فأيما رفقه مرت بأهل ماء فأهل ذلك الماء ضامنون لها حتى تصير الى الماء الذي يليه تقدمة مني اليكم والسعيد من وعظ بغيره والسلام
ومسلمة بن محارب قال كان الحجاج يقول أخطب الناس صاحب العمامة السوداء بين اخصاص البصرة اذا شاء خطب واذا شاء سكت
ولما اجتمعت الخطباء عند معاوية في شأن يزيد وفيهم الاحنف قام رجل من حمير فقال انا لا نطيق افواه الكمال بريد الجمال عليهم المقال وعلينا الفعال
وهذا من الحميري يدل على تشادق خطباء نزار
قال سفيان بن عيينه قال ابن عباس اذا ترك العالم قول لا ادري أصيبت مقاتله وقال عمر بن عبد العزيز رحمه الله من قال لا ادري فقد احرز نصف العلم
لان الذي له على نفسه هذه القوة فقد دلنا على جودة التثبت وكثرة الطلب وقوة المنة
وقيل للمسيح بن مريم صلوات الله عليه من نجالس قال من يزيد في علمكم منطقه وتذكركم الله رؤيته ويرغبكم في الاخرة عمله ومر المسيح بقوم يبكون فقال ما لهؤلاء يبكون قالوا يخافون ذنوبهم قال اتركوها يغفر لكم
قال الوصافي دخل الهيثم بن الاسود بن العريان - وكان شاعرا خطيبا - على عبد الملك بن مروان فقال له كيف نجدك قال أجدني قد ابيض مني ما كنت احب ان يسود واسود مني ما كنت احب ان يبيض واشتد مني ما كنت احب ان يلين ولان مني ما كنت احب ان يشتد ثم أنشد
( أسمع أنبئك بآيات الكبر ... نوم العشاء وسعال بالسحر )
( وقلة النوم اذا الليل اعتكر ... وقلة الطعم اذا الزاد حضر )

( وسرعة الطرف وتحميج النظر ... وحذرا ازداده الى حذر )
( وتركي الحسناء في قبل الطهر ... والناس يبلون كما يبلى الشجر )
وقالوا مروا الاحداث بالمراء والكهول بالفكر وقال عبد الله بن الحسين المراء رائد الغضب فأخزى الله عقلا يأتيك به الغضب
وقالوا اربعة تشتد معاشرتهم الرجل المتواني والرجل العالم والفرس المرح والملك الشديد المملكة وقال غاز ابومجاهد يعارضه اربعة تشتد مؤونتهم النديم المعربد والجليس الاحمق والمغني التائه والسفلة اذ نفروا
وقال ابو شمر الغساني أقبل علي فلان باللحظ واللفظ وما الكلام إلا زجر او وعيد
قال عمير بن الحباب وروى ذلك عنه مسعر ما اغرت على حي في الجاهلية احزم امرأة ولا اعجز رجلا من كلب وأحزم رجلا وأعجز امرأة من تغلب وقامت امرأة من تغلب الى الجحاف بن حكيم حين أوقع بالبشر فقتل الرجال وبقر بطون النساء فقالت له فض الله فاك وأصمك وأعماك وأطال سهادك وأقل رقادك فوالله إن قتلت الا نساء أسافلهن دمى
وأعاليهن ثدى فقال الجحاف لمن حوله لولا ان تلد مثلها لخليت سبيلها نبلغ ذلك الحسن فقال إنما الجحاف جذوة من نار جهنم
وكان عامر بن الظرب العدواني حكيما وكان خطيبا رئيسا وهو القائل يا معشر عدوان ان الخير ألوف عزوف ولن يفارق صاحبه حتى يفارقه واني لم اكن حكيما حتى اتبعت الحكماء ولم أك سيدكم حتى تعبدت لكم
وقال أعشى بني شيبان
( ولا انا في أمري ولا في خليقتي ... بمهتضم حقي ولا قارع سني )
( ولا مسلم مولاي من شر ما جنى ... ولا خائف مولاي من شر ما أجني )
( وإن فؤادا بين جنبي عالم ... بما أبصرت عيني وما سمعت أذني )
( وفضلني في القول والشعر أنني ... أقول بما أهوى وأعرف ما أعني )
وقال رجل من ولد العباس ليس ينبغي للقرشي ان يستغرق في شيء من العلم الا علم الاخبار فأما غير ذلك فالنتف والشذر من القول
وقال آخر

( وصافية تعشي العيون رقيقة ... رهينة عام في الدنان وعام )
( أدرنا بها الكأس الروية بيننا ... من الليل حتى انجاب كل ظلام )
( فما ذر قرن الشمس حتى كأننا ... من العي نحكي أحمد بن هشام )
ومر رجل من قريش بفتي من ولد عتاب بن أسيد وهو يقرأ كتاب سيبويه فقال أف لكم علم المؤدبين وهمة المحتاجين وقال ابن عتاب يكون الرجل نحويا عروضيا وقساما فرضيا وحسن الكتابة جيد الحساب حافظا للقرآن راوية للشعر وهو يرضى ان يعلم أولادنا بستين درهما ولو ان رجلا كان حسن البيان حسن التخريج للمعاني ليس عنده غير ذلك لم يرض بألف درهم
وقال عبد الله بن يزيد السفياني عود نفسك الصبر على جليس السوء فإنه لا يكاد يخطئك وقال سهل بن عبد العزيز من ثقل عليك بنفسه وغمك في سؤاله فألزمه أذنا صماء وعينا عمياء وقال سهيل بن ابي صالح عن أبيه كان ابو هريرة اذا استثقل رجلا قال اللهم اغفر له وأرحنا منه وقال ابن أبي أمية شهدت الرقاشي في مجلس وكان ألي بغيضا مقيتا
( فقال اقترح كل ما تشتهى ... فقلت اقترحت عليك السكوتا )
وقال ابن عباس العلم اكثر من ان يحصى فخذوا من كل شيء أحسنه
وقال المدائني عن العباس بن عامر خطب محمد بن الوليد بن عتبة الى عمر بن عبد العزيز رحمه الله أخته فقال الحمد لله رب العزة والكبرياء وصلى الله على محمد خاتم الانبياء اما بعد فقد أحسن بك ظنا من أودعك حرمته واختارك ولم يختر عليك وقد زوجناك على ما في كتاب الله إمساك بمعروف او تسريح باحسان
وخطب أعرابي وأعجله القول وكره ان تكون خطبته بلا تحميد ولا تمجيد فقال الحمد لله غير ملال لذكر الله ولا إيثار غيره عليه ثم ابتدأ القول في حاجته
وسأل أعرابي ناسا فقال جعل الله حظكم في الخير ولا جعل حظ السائل منكم عذره صادقة
وكتب ابراهيم بن سيابة الى صديق له كثير المال كثير الدخل كثير

النض إما مستسلفا وإما سائلا فكتب اليه الرجل العيال كثير والدين ثقيل والدخل قليل والمال مكذوب عليه فكتب اليه ابراهيم ان كنت كاذبا فجعلك الله صادقا وان كنت محجوجا فجعلك الله محذورا
وقال الشاعر
( لعل مفيدات الزمان يفدنني ... بني صامت في غير شيء يضيرها )
وقال أعرابي اللهم لا تنزلني ماء سوء فأكون إمرأ سوء وقال أعرابي اللهم قني عثرات الكرام وسمع مجاشع الربعي رجلا يقول الشحيح أعذر من الظالم فقال أخزى الله شيئين خيرهما الشح
وأنشدنا ابو فروة
( اني مدحتك كاذبا فأثبتني ... لما مدحتك ما يثاب الكاذب )
وأنشد علي بن معاذ
( ثالبني عمرو وثالبته ... فأثم المثلوب والثالب )
( قلت له خيرا وقال الخنا ... كل على صاحبه كاذب )
وقال ابو معشر لما بلغ عبد الله بن الزبير قتل عبد الملك بن مروان عمرو ابن سعيد قام خطيبا فقال ان أبا ذبان قتل لطيم الشيطان كذلك نولي بعض الظالمين بعضا بما كانوا يكسبون
ولما جلس عثمان بن عفان رضي الله تعالى عنه علىالمنبر قال ياب أيها الناس ان الله قد فتح عليكم أفريقية وقد بعث إليكم ابن أبي سرح عبد الله بن الزبير بالفتح قم يا ابن الزبير قال فقمت وخطبت فلما نزلت قال يا أيها الناس انكحوا النساء على آبائهن وأخواتهن فاني لم أر لأبي بكر الصديق ولدا أشبه به من هذا
وقال الجرمي
( أعددته ذخرا لكل ملمة ... سهم المنايا بالذخائر مولع )
وذكر ابو العيزار جماعة من الخوارج بالادب والخطب
( ومسوم للموت يركب درعه ... بين القواضب والقنا الخطار )
( يدنو وترفعه الرماح كأنه ... شلو تنشب في مخالب ضار )
( فثوى صريعا والرماح تنوشه ... ان الشراة قصيرة الأعمار )

( ادباء إما جئتهم خطباء ... ضمناء كل كتيبة جرار )
ولما خطب سفيان بن الابرد الاصم الكلبي فبلغ في الترغيب والترهيب المبالغ ورأى عبد الله بن هلال اليشكري ان ذلك قد فت أعضاد أصحابه أنشأ يقول
( لعمري لقد قام الأصم بخطبة ... لها في صدور المسلمين غليل )
( لعمري لئن أعطيت سفيان بيعتي ... وفارقت ديني إنني لجهول )
وقال أحد الخطباء الذين تكلموا عند الاسكندر ميتا كان أمس أنطق منه اليوم وهو اليوم أوعظ منه أمس فأخذ ا بو العتاهية هذا المعنى بعينه فقال
( بكيتك يا علي بدر عيني ... فلم يغن البكاء عليك شيا )
( طوتك خطوب دهرك بعد نشر ... كذاك خطوبه نشرا وطيا )
( كفى حزنا بدفنك ثم اني ... نفضت تراب قبرك من يديا )
( وكانت في حياتك لي عظات ... وأنت اليوم أوعظ منك حيا )
ومن الاسجاع الحسنة قول الاعرابية لابنها حين خاصمته الى عامل الماء أما كان بطني لك وعاء أما كان حجري لك فناء أما كان ثديي لك سقاء فقال ابنها أصبحت خطيبة رضي الله تعالى عنك
وقال النمر بن تولب
( وقالت ألا فاسمع للفظي وخطبتي ... فقلت سمعنا فانطقي وأصيبي )
( فلم تنطقي حقا ولست بأهله ... فقبحت لي من قائل وخطيب )
وقال أبو عياد كاتب ابي خالد ما جلس احد قط بين يدي إلا تمثل لي اني سأجلس بين يديه
قال الله عز و جل ( وقل لهم في أنفسهم قولا بليغا ) ليس يريد بلاغة اللسان وان كان اللسان لا يبلغ من القلوب حيث يريد الا بالبلاغة
وكانت خطبة قريش في الجاهلية - يعني خطبة النساء - باسمك اللهم ذكرت فلانة وفلان بها مشغوف باسمك اللهم لك ما سألت ولنا ما أعطيت
ولما مات عبد الملك بن مروان صعد المنبر الوليد ابنه فحمد الله وأثنى عليه ثم قال لم أر مثلها مصيبة ولم أر مثلها ثوابا موت امير المؤمنين والخلافة بعده إنا لله وإنا إليه راجعون فالحمد لله على المصيبة والحمد لله على النعمة انهضوا

فبايعوا على بركة الله رحمكم الله فقام اليه عبد الله بن همام فقال
( الله أعطاك التي لا فوقها ... وقد أراد الملحدون عوقها )
( عنك ويأبى الله إلا سوقها ... إليك حتى قلدوك طوقها )
فبايع الناس
وقيل لعمرو بن العاص في مرضه الذي مات فيه كيف تجدك قال أجدني أذوب ولا أثوب وأجد نجوى اكثر من رزئي فما بقاء الشيخ على ذلك
وقيل لاعرابي كانت به أمراض عدة كيف تجدك قال أما الذي يعمدني فحصر وأسر
وقال مقاتل سمعت يزيد بن المهلب يخطب بواسط فقال يا أهل العراق يا أهل السبق والسياق ومكارم الاخلاق ان اهل الشام في أفواههم لقمة دسمة قد رتبت لها الاشداق وقاموا لها على ساق وهم غير تاركيها لكم بالمراء والجدال فالبسوا لهم جلود النمور

الجزء الثاني

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين ولا حول ولا قوة إلا بالله وصلى الله على محمد خاصة وعلى انبيائه عامة
أردنا أبقاك الله ان نبتدىء صدر هذا الجزء الثاني من البيان والتبيين بالرد على الشعوبية في طعنهم على خطباء العرب اذ وصلوا ايمانهم بالمخاصر واعتمدوا على وجه الارض بأطراف القسي والعصي أشاروا عند ذلك بالقضبان والقنا وفي كل ذلك قد روينا الشاهد الصادق والمثل السائر
ولكنا أحببنا ان نصدر هذا الجزء بكلام من كلام رسول رب العالمين والسلف المتقدمين والجلة من التابعين الذين كانوا مصابيح الظلام وقادة هذا الأنام وملح الارض وحلى الدنيا والنجوم التي لا يضل معها الساري والمنار الذي اليه يرجع الباغي والحزب الذي كثر الله به القليل وأعز به الذليل وزاد الكثير في عدده والعزيز في ارتفاع قدره وهم الذين جلوا بكلامهم الابصار العليلة وشحذوا بمنطقهم الاذهان الكليلة فنبهوا القلوب من رقدتها ونقلوها من سوء عادتها وشفوها من داء القسوة وغباوة الغفلة وداووا من العي الفاضح ونهجوا الطريق الواضح ولولا الذي أملت في تقديم ذلك وتعجيله من العمل بالصواب وجزيل الثواب لقد كنت بدأت بالرد عليهم وبكشف قناع دعاويهم على أنا سنقول في ذلك بعد الفراغ مما هو أولى بنا وأوجب علينا والله الموفق والمستعان
وعلى ان خطباء السلف الطيب واهل البيان من التابعين باحسان ما زالوا يسمون الخطبة التي لم يبتدىء صاحبها بالتحميد ويستفتح كلامه بالتمجيد البتراء ويسمون التي لم توشح بالقرآن وتزين بالصلاة على النبي الشوهاء
وقال عمران بن حطان خطبت عند زياد خطبة ظننت اني لم أقصر فيها

عن غاية ولم أدع لطاعن علة فمررت ببعض المجالس فسمعت شيخا يقول هذا الفتى اخطب العرب لو كان في خطبته شيء من القرآن وخطب اعرابي فلما اعجله بعض الامر عن التصدير بالتحميد والاستفتاح بالتمجيد فقال اما بعد بغير ملال لذكر الله ولا إيثار غيره عليه فإنا نقول كذا ونسأل كذا فرارا من ان تكون خطبته بتراء او شوهاء وقال شبيب بن شيبة الحمد لله وصلى الله على رسوله أما بعد فإنا نسأل كذا ونبذل كذا
وبنا حفظك الله اشد الحاجة الى ان يسلم كتابنا هذا من البتر القبيح واللقب السميج المعيب بل قد نحب ان نزيد في بهائه ونستميل القلوب الى اجتبائه اذ كان الامل فيه بعيدا وكان معناه شريفا ثمينا
ثم اعلم بعد ذلك ان جميع خطب العرب من اهل المدر والوبر والبدو والحضر على ضربين منها الطوال ومنها القصار ولكل ذلك مكان يليق به وموضع يحسن فيه ومن الطوال ما يكون مستويا في الجودة ومشاكلا في استواء الصنعة ومنها ذات الفقر الحسان والنتف الجياد وليس فيها بعد ذلك شيء يستحق الحفظ وانما حظها التخليد في بطون الصحف ووجدنا عدد القصار اكثر ورواة العلم الى حفظها اسرع وقد اعطينا كل شكل من ذلك قسطه من الاختيار ووفينا حقه من التمييز ونرجو ان لا نكون قصرنا في ذلك والله الموفق
هذا سوى مما رسمناه في كتابنا هذا من مقطعات كلام العرب الفصحاء وجمل كلام الاعراب الخلص وأهل اللسن من رجالات قريش والعرب اهل الخطابة من اهل الحجاز ونتف من كلام النساك ومواعظ من كلام الزهاد مع قلة كلامهم وشدة توقيهم ورب قليل يغني عن الكثير كما ان رب كثير لا يتعلق به صاحب القليل بل رب كلمة تغني عن خطبة وتنوب عن رسالة بل رب كناية تربى على إفصاح ولحظ يدل على ضمير وان كان ذلك الضمير بعيد الغاية على النهاية
ومتى شاكل ابقاك الله ذلك اللفظ معناه وأعرب عن فحواه وكان لتلك الحال وفقا ولذلك القدر لفقا وخرج من سماجة الاستكراه وسلم من فساد التكلف كان قمينا بحسن الموقع وبانتفاع المستمع وأجدر ان

يمنع جانبه من تناول الطاعنين ويحمي عرضه من اعتراض العيابين ولا تزال القلوب به معمورة والصدور مأهوله
ومتى كان اللفظ ايضا كريما في نفسه متخيرا في جنسه وكان سليما من الفضول بريئا من التعقيد حبب الى النفوس واتصل بالاذهان والتحم بالعقول وهشت اليه الاسماع وارتاحت له القلوب وخف على ألسن الرواة وشاع في الآفاق ذكره وعظم في الناس خطره وصار ذلك مادة للعالمم الرئيس ورياضة للمتعلم الريض
فان أراد صاحب الكلام صلاح شأن العامة ومصلحة حال الخاصة وكان ممن يعم ولا يخص وينصح ولا يغش وكان مشغوفا بأهل الجماعة شنقا لاهل الاختلاف والفرقة جمعت له الحظوظ من اقطارها وسيقت اليه القلوب بأزمتها وجمعت النفوس المختلفة الاهواء على محبته وجبلت على تصويب ارادته ومن أعاره الله من معرفته نصيبا وأفرغ عليه من محبته ذنوبا حنت اليه المعاني وسلس له نظام اللفظ وكان قد أغنى المستمع من كد التكلف وأراح قارىء الكتاب من علاج التفهم
ولم اجد في خطب السلف الطيب والاعراب الاقحاح ألفاظا مسخوطة ولا معاني مدخولة ولا طبعا رديا ولا قولا مستكرها وأكثر ما نجد ذلك في خطب المولدين البلديين المتكلفين ومن اهل الصنعة المتأدبين وسواء كان ذلك منهم على جهة الارتجال والاقتضاب او كان من نتاج التخير والتفكر
ومن شعراء العرب من كان يدع القصيدة تمكث عنده حولا كريتا وزمنا طويلا يردد فيها نظره ويقلب فيها رأيه إتهاما لعقله وتتبعا على نفسه فيجعل عقله ذماما على رأيه ورأيه عيارا على شعره إشفاقا على أدبه وإحرازا لما خوله الله من نعمته
وكانوا يسمون تلك القصائد الحوليات والمنقحات والمحكمات ليصير قائلها فحلا خنذيذا وشاعرا مفلقا
وفي بيوت الشعر الامثال والأوابد ومنها الشواهد ومنها الشوارد
والشعراء عندهم اربع طبقات فأولهم الفحل الخنذيذ والخنذيذ هو التام قال الاصمعي قال رؤبة هم الفحول الرواة ودون الفحل الخنذيذ الشاعر

المفلق ودون ذلك الشاعر فقط والرابع الشعرور ولذلك قال الاول في هجاء بعض الشعراء
( يا رابع الشعراء فيم هجوتني ... وزعمت أني مفحم لا أنطق )
فجعله سكيتا مخلفا ومسبوقا مؤخرا
وسمعت بعض العلماء يقول طبقات الشعراء ثلاثة شاعر وشويعر وشعرور قال
والشويعر مثل محمد بن حمران بن ابي حمران سماه بذلك امرؤ القيس ابن حجر
ومنهم ثم من بني ضبة المفوف شاعر بني حميس وهو الشويعر ولذلك قال العبدي
( ألا تنهى سراة بني حميس ... شويعرها فويلية الأفاعي )
( قبيلة تردد حيث شاءت ... كزائدة النعامة في الكراع )
والشويعر أيضا صفوان بن عبد ياليل من بني سعد بن ليث ويقال ان اسمه ربيعة بن عثمان وهو الذي يقول
( فسائل جعفرا وبني أبيها ... بني البرزا بطخفة والملاح )
( وأفلتنا أبا ليلى طفيلا ... صحيح الجلد من أثر السلاح )
وقد زعم ناس ان الخنذيذ من الخيل هو الخصي وكيف يكون ذلك
كذلك مع قول الشاعر
( يا ليتني يا ليت لم أر مثلها ... أمر قرى منها واكثر باكيا )
( واكثر خنذيذا بجر عنانه ... الى الماء لم يترك له الموت ساقيا )
وقال بشر بن ابي خازم
( وخنذيذ ترى الغرمول منه ... كطي الزق علقه التجار )
وأبين من ذلك قول البرجمي
( وخناذيذ خصية وفخولا ... )
ويدل على ما قلنا قول العبسي
( دعوت بني سعد الي فشمرت ... خناذيذ من سعد طوال السواعد )
وكان زهير بن ابي سلمى يسمى كبار قصائده الحوليات

وقد فسر سويد بن كراع العكلي ما قلنا في قوله
( أبيت بأبواب القوافي كأنما ... أصادي بها سربا من الوحش نزعا )
( أكالئها حتى أعرس بعد ما ... يكون سحير او بعيد فأهجعا )
( عواصي إلا ما جعلت امامها ... عصا مربد تغشى نحورا وأذرعا )
( أهبت بغر الآبدات وراجعت ... طريقا أملته القصائد مهيعا )
( بعيدة شأو لا يكاد يردها ... لها طالب حتى يكل ويظلعا )
( اذا خفت ان تردى علي رددتها ... وراء التراقي خشية ان تطلعا )
( وجشمها خوف ابن عفان ردها ... فثقفتها حولا جريدا ومربعا )
( وقد كان في نفسي عليها زيادة ... فلم أر الا ان أطيع وأسمعا )
وقال الحطيئة خير الشعر الحولي المحكك
وكان الاصمعي يقول زهير بن أبي سلمى والحطيئة وأشباههما عبيد الشعر وكذلك كل من يجود في جميع شعره ويقف عند كل بيت قاله وأعاد فيه النظر حتى يخرج أبيات القصيدة كلها مستوية في الجودة
وكان يقال لولا ان الشعر كان قد استعبدهم واستفرغ مجهودهم حتى أدخلهم في باب التكلف واصحاب الصنعة ومن يلتمس قعر الكلام واغتصاب الالفاظ لذهبوا مذهب المطبوعين الذين تأتيهم المعاني سهلا ورهوا وتنثال عليهم الالفاظ انثيالا وانما الشعر المحمود كشعر النابغة الجعدي ورؤبة ولذلك قالوا في شعره مطرف بالآف وخمار بواف وكان يخالف في جميع ذلك الرواة والشعراء
وكان ابو عبيدة يقول ويحكي ذلك عن يونس ومن تكسب بشعره والتمس به صلات الاشراف والقادة وجوائز الملوك والسادة في قصائد السماطين وبالطوال التي تنشد يوم الحفل لم يجد بدا من صنيع زهير والحطيئة وأشباههما واذا قالوا في غير ذلك أخذوا عفو الكلام وتركوا المجهود ولم ترهم مع ذلك يستعملون مثل تدبيرهم في طوال القصائد وفي صنعة طوال الخطب بل كان الكلام البائت عندهم كالمقتضب اقتدارا عليه وثقة بحسن عادة الله عندهم فيه
وكانوا مع ذلك اذا احتاجوا الى الرأي في معاظم التدبير ومهمات الامور بيتوه في صدورهم وقيدوه على أنفسهم فاذا قومه الثقاف وادخل الكير

وقام على الخلاص أبرزوه محككا منقحا ومصفى من الادناس مهذبا
وقال الربيع بن أبي الحقيق لأبي ياسر النضيري
( فلا تكثر النجوى وأنت محارب ... تؤامر فيها كل نكس مقصر )
وكان عبد الله بن وهب الراسبي يقول إياي والرأي الفطير وكان يستعيذ بالله من الرأي الدبري
وقال سحبان وائل شر خليطيك السؤوم المحزم لان السؤوم لا يصبر وانما التفاضل في الصبر والمحزم صعب لا يعرف ما يراد به وليس الحزم الا بالتجارب ولان عقل الغريرة مسلم الى عقل التجربة ولذلك قال علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه رأي الشيخ أحب إلي من جلد الشباب ولذلك كرهوا ركوب الصعب حتى يذل والمهر الارن الا بعد طول الرياضة ولم تحول المعانيق هماليج الا بعد طول التخليع ولم يحلبوا الزبون الا بعد الابساس
وسنذكر من كلام رسول الله مما لم يسبقه اليه عربي ولم يشاركه فيه عجمي ولم يدع لاحد ولا ادعاه احد مما صار مستعملا ومثلا سائرا
فمن ذلك قوله يا خيل الله اركبي ومن ذلك قوله مات حتف أنفه ومن ذلك قوله لا ينتطح فيه عنزان ومن ذلك قوله الان حمي الوطيس
ولما قال عدي بن حاتم في قتل عثمان رضي الله تعالى عنه لا تحبق فيه عناق قال له معاوية بن أبي سفيان رحمهما الله - بعد ان فقئت عينه وقتل ابنه - يا أبا طريف هل حبقت في قتل عثمان عناق قال إي والله والتيس الاضجم فلم يصر كلامه مثلا وصار كلام رسول الله مثلا
ومن ذلك قوله لأبي سفيان بن حرب كل الصيد في جوف الفرا ومن ذلك قوله هدنة على دخن وجماعة على أقذاء ومن ذلك قوله لا يلسع المؤمن من جحر مرتين
ألا ترى ان الحارث بن خدان حين أمر بالكلام عند مقتل يزيد بن المهلب قال يا أيها الناس اتقوا الفتنة فانها تقبل بشبهة وتدبر ببيان وان المؤمن لا يلسع من جحر مرتين فضرب بكلام رسول الله المثل ثم قال اتقوا عصبا تأتيكم من الشام كأنها دلاء قد انقطع وذمها

وقال ابن الاشعث لاصحابه وهو على المنبر قد علمنا ان كنا نعلم وفهمنا ان نفهم ان المؤمن لا يلسع من جحر مرتين وقد والله لسعت بكم من جحر ثلاث مرات وانا استغفر الله من كل ما خالف الايمان وأعتصم به من كل ما قرب من الكفر
وأنا اذكر بعد هذا فنا آخر من كلامه وهو الكلام الذي قل عدد حروفه وكثر عدد معانيه وجل عن الصنعة ونزه عن التكلف وكان كما قال الله تبارك وتعالى قل يا محمد ( وما أنا من المتكلفين ) فكيف وقد عاب التشديق وجانب اصحاب التقعير واستعمل المبسوط في موضع البسط والمقصور في موضع القصر وهجر الغريب الوحشي ورغب عن الهجين السوقي فلم ينطق الا عن ميراث حكمة ولم يتكلم الا بكلام قد حف بالعصمة وشيد بالتأييد ويسر بالتوفيق
وهذا الكلام الذي ألقى الله المحبة عليه وغشاه بالقبول وجمع له بين المهابة والحلاوة بين حسن الافهام وقلة عدد الكلام ومع استغنائه عن اعادته وقلة حاجة السامع الى معاودته لم تسقط له كلمة ولا زلت له قدم ولا بارت له حجة ولم يقم له خصم ولا أفحمه خطيب بل يبذ الخطب الطوال بالكلام القصير ولا يلتمس اسكات الخصم الا بما يعرفه الخصم ولا يحتج الا بالصدق ولا يطلب الفلج الا بالحق ولا يستعين بالخلابة ولا يستعمل المواربة ولا يهمز ولا يلمز ولا يبطىء ولا يعجل ولا يسهب ولا يحصر ثم لم يسمع الناس بكلام قط أعم نفعا ولا اصدق لفظا ولا أعدل وزنا ولا اجمل مذهبا ولا اكرم مطلبا ولا احسن موقعا ولا اسهل مخرجا ولا افصح عن معناه ولا أبين في فحواه من كلامه كثيرا ولم أرهم يذمون المتكلف للبلاغة فقط بل كذلك يرون المتظرف والمتكلف للغناء ولا يكادون يضعون اسم المتكلف الا في المواضع التي يذمونها قال قيس بن خطيم
( فما المال والأخلاق الا معارة ... فما استطعت من معروفها فتزود )
( واني لأغنى الناس عن متكلف ... يرى الناس ضلالا وليس بمهتد )
وقال ابن قميئة

( وحمال أثقال اذا هي أعرضت ... عن الاصل لا يسطيعها المتكلف )
وقال محمد بن سلام قال يونس بن حبيب ما جاءنا عن احد من روائع الكلام ما جاءنا عن رسول الله
وقد جمعنا في هذا الكتاب جملا التقطناها من أفواه أصحاب الاخبار ولعل بعض من لم يتسع في العلم ولم يعرف مقادير الكلام يظن ان تكلفنا له من الامتداح والتشريف ومن التزيين والتجويد ما ليس عنده ولا يبلغه قدره كلا والذي حرم التزيد على العلماء وقبح التكلف عند الحكماء وبهرج الكذابين عند الفقهاء لا يظن هذا الا من ضل سعيه
فمن كلام رسول الله حين ذكر الانصار فقال ( أما والله ما علمتكم إلا لتقلون عند الطمع وتكثرون عند الفزع ) وقال ( الناس كلهم سواء كأسنان المشط ) ( والمرء كثير بأخيه ) ( ولا خير في صحبة من لا يرى لك ما يرى لنفسه )
وقال الشاعر
( سواء كأسنان الحمار فلا ترى ... لذي شيبة منهم على ناشيء فضلا )
وقال آخر
( شبابهم وشيبهم سواء ... فهم في اللون أسنان الحمار )
واذا حصلت تشبيه الشاعر وحقيقته وتشبيه النبي وحقيقته علمت فضل ما بين الكلامين
وقال رسول الله ( المسلمون تتكافأ دماؤهم ويسعى بذمتهم أدناهم ويرد عليهم أقصاهم وهم يد على من سواهم ) ح
فتفهم رحمك الله قلة حروفه وكثرة معانيه
وقال ( اليد العليا خير من اليد السفلى ) ح ( وابدأ بمن تعول ) ح وقال ل ( ا تجن يمينك على شمالك ) ح وذكر الخيل فقال ( بطونها كنز وظهورها حرز ) ح وقال ( خير المال مهرة مأمورة وسكة مأبورة ) ح وقال ( خير المال عين ساهرة لعين نائمة ) ح وقال نعمت العمة لكم النخلة تغرس في أرض خوارة وتشرب من عين خرارة ح وقال المطعمات في المحل الراسخات في الوحل ح وقال الحمى في أصول النخل وذكر الخيل فقال أعوافها أدفاؤها

وأذنابها مذابها والخيل معقود في نواصيها الخير الى يوم القيامة ح وقال ليس منا من حلق او صلق او شق ح وقال نهيتكم عن عقوق الامهات ووأد البنات ومنع وهات وقال الناس كإبل مئة لا تجد فيها راحلة وقال ما أملق تاجر صدوق وجاء في الحديث ما قل وكفى خير مما كثر وألهى وقال يحمل هذا العلم من كل خلف عدد له ينفون عنه تحريق الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين
وقال علي بن ابي طالب رضي الله عنه قال رسول الله الخير في السيف والخير مع السيف والخير بالسيف وقال لا يوردن مجرب على مصح وقال لا تزال أمتي صالحا أمرها ما لم تر الامانة مغنما والصدقة مغرما ورأس العقل بعد الايمان بالله مداراة الناس ولن يهلك امرؤ بعد مشورة وقال المستشار مؤتمن وقال المستشار بالخيار ان شاء قال وان شاء أمسك وقال رحم الله عبدا قال خيرا فغنم او سكت فسلم وقال افصلوا بين حديثكم بالاستغفار وقال استعينوا على طول المشي بالسعي وقال للختانة يا أم عطية أشميه ولا تنهكيه فانه أسرى للوجه وأحظى عند الزوج وقال لا تجلسوا على ظهور الطريق فان أبيتم فغضوا الابصار وردوا السلام واهدوا الضال وأعينوا الضعيف وقال ان الله يرضى لكم ثلاثا ويكره لكم ثلاثا يرضى لكم ان تعبدوه ولا تشركوا به شيئا وان تعتصموا بحبله جميعا ولا تتفرقوا وان تناصحوا من ولاه الله أمركم ويكره لكم قيل وقال وكثرة السؤال وإضاعة المال وقال يقول ابن آدم مالي وانما لك من مالك ما أكلت فأفنيت او لبست فأبليت او وهبت فأمضيت وقال لو ان لابن ادم واديين من ذهب لسأل اليهما ثالثا ولا يملأ جوف ابن ادم الا التراب ويتوب الله على من تاب وقال ان الدنيا حلوة خضرة وان الله مستعملكم فيها فناظر كيف تعملون وقال ان أحبكم الي وأقربكم مني مجالس يوم القيامة أحاسنكم اخلاقا الموطؤن اكنافا الذين يألفون ويؤلفون وان أبغضكم الي وابعدكم مني مجالس يوم القيامة الثرثارون المتشدقون المتفيهقون وقال إياي والتشادق وقال إياي والفرج في الصلاة وقال لا يؤمن ذو

سلطان في سلطانه ولا يجلس على تكرمته الا باذنه وقال إياكم والمشارة فانها تميت الغرة وتحيي العرة وقال لا ينبغي لصديق ان يكون لعانا وقال أعوذ بالله من الاعميين وبوار الأيم وكان يقول أعوذ بالله من دعاء لا يسمع وقلب لا يخشع وعلم لا ينفع ح
وقال رجل يا رسول الله اوصني بشيء ينفعني الله به قال اكثر ذكر الموت يسلك عن الدنيا وعليك بالشكر فان الشكر يزيد في النعمة واكثر الدعاء فانك لا تدري متى يستجاب لك وقال أيها الناس انما بغيكم على انفسكم وإياك والبغي فان الله قد قضى انه من بغي عليه لينصرنه الله وإياك والمكر فان الله قد قضى ان لا يحيق المكر السيء الا بأهله وقيل يا رسول الله اي العمل افضل فقال اجتناب المحارم ولا يزال فوك رطبا من ذكر الله وقيل له اي الاصحاب افضل فقال الذي اذا ذكرت أعانك واذا نسيت ذكرك وقيل اي الناس شر قال العلماء اذا فسدوا وقال دب اليكم داء الامم من قبلكم الحسد والبغضاء والبغضاء هي الحالقة حالقة الدين لا حالقة الشعر والذي نفس محمد بيده لا تؤمنون حتى تحاربوا اولا انبئكم بأمر اذا فعلتموه تحاببتم أفشوا السلام بينكم وقال تهادوا تحابوا وعن الحسن قال قال رسول الله أوصاني ربي بتسع أوصاني بالاخلاص في السر والعلانية وبالعدل في الرضا والغضب وبالقصد في الغنى والفقر وان أعفو عمن ظلمني وأعطي من حرمني وأصل من قطعني وأن يكون صمتي فكرا ونطقي ذكرا ونظري عبرا
وثلاث كلمات رويت مرسلة وقد رويت لأقوام شتى وقد يجوز ان يكون انما حكوها ولم يبتدئوها منها قوله لو تكاشفتم لما تدافنتم ومنها قوله الناس بأزمانهم أشبه منهم بآبائهم ومنها قوله ما هلك امرؤ عرف قدره
وقال اسماعيل بن عياش عن عبد الله بن دينار قال قال النبي ان الله كره لكم العبث في الصلاة والرفث في الصيام والضحك عند المقابر وقال اذا أذنت فترسل واذا أقمت فأجزم

وحدثنا اسماعيل بن عياش الحمصي عن الحسن بن دينار عن الحصيب بن جحدر وهو من حديث معاذ بن جبل قال قال رسول الله ليس من اخلاق المؤمن الملق الا في طلب العلم ومن حديث أنس بن مالك ان النبي قال قيدوا العلم بالكتاب قال ويقول الله لولا رجال خشع وصبيان رضع وبهائم رتع لصببت عليكم العذاب صبا
ومن حديث عبد الله بن المبارك رفعه قال اذا ساد القبيل فاسقهم وكان زعيم القوم ارذلهم وأكرم الرجل اتقاء شره فلينتظروا البلاء
ومن حديث ابن أبي ذئب عن المغيرة عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال ستحرصون على الامارة فنعمت المرضعة وبئست الفاطمة
ومن حديث عبد الملك بن عمير عن عبد الرحمن بن ابي بكرة عن أبيه قال قال رسول الله لا يحكم الحاكم بين اثنين وهو غضبان
ومن حديث عبد الله بن المبارك قال كان رسول الله يقول ان قوما ركبوا سفينة في البحر فاقتسموا فصار لكل رجل منهم موضع فنقر رجل منهم موضعه بفأس فقالوا له ما تصنع فقال هو مكاني أصنع فيه ما شئت فان احذوا على يديه نجا ونجوا وان تركوه هلك وهلكوا وقال علق سوطك حيث يراه أهلك
ودخل السائب بن أبي صيفي على النبي فقال يا رسول الله اتعرفني قال وكيف لا اعرف شريكي الذي كان يشاريني ولا يماريني
وقال رسول الله يؤتى بالوالي يجلد فوق ما أمر الله به فيقول له الرب عبدي لم جلدت فوق ما امرتك به فيقول ربي غضبت لغضبك فيقول اكان ينبغي لغضبك ان يكون أشد من غضبي ثم يؤتى بالمقصر فيقول عبدي لم قصرت عما امرتك به فيقول ربي رحمته فيقول اكان ينبغي لرحمتك ان تكون اوسع من رحمتي قال فيأمر فيهما بشيء قد ذكره لا أعرفه الا انه صيرهما الى النار
قال وكيع حدثنا عبد العزيز بن عمر عن قزعة قال قال لي ابن عمر أودعك كما ودعني رسول الله أستودع الله دينك وأمانتك وخواتيم عملك وقال كل ارض بسمائها

وروى سعيد بن عفير عن ابن لهيعة عن اشياخه ان النبي كتب لوائل بن حجر الحضرمي ولقومه
من محمد رسول الله الى الاقيال العباهلة من اهل حضرموت باقام الصلاة وإيتاء الزكاة على التيعة شاة والتيمة لصاحبها وفي السيوب الخمس لا خلاط ولا وراط ولا شناق ولا شغار فمن أجبى فقد أربى وكل مسكر حرام
ومن حديث راشد بن سعد ان رسول الله قال لا تغالوا في النساء فانما هن سقيا الله وقال رسول الله خير نساء ركبن الابل صوالح نساء قريش أحناه على ولد في صغره وأرعاه على بعل في ذوات يده
وقال مجالد عن الشعبي قال رسول الله اللهم اذهب ملك غسان وضع مهور كندة
والذي يدلك على ان الله قد خصه من الايجاز وقلة عدد اللفظ مع كثرة المعاني قوله نصرت بالصبا واعطيت جوامع الكلم ومما روي عنه من استعمال الاخلاق الكريمة والافعال الشريفة وكثرة الامر بها والنهي عما خالف عنها قوله من لم يقبل عذرا من متنصل صادقا كان او كاذبا لم يرد علي الحوض ح وقال في اخر وصيته اتقوا الله في الضعيفين وكلمته جارية في السي فقال لها من أنت قالت أنا بنت الرجل الجواد حاتم فقال النبي ارحموا عزيزا ذل إرحموا غنيا افتقر ارحموا عالما ضاع بين جهال وقال النبي سرعة المشي تذهب ببهاء المؤمن
وعن ابي هريرة قال قال رسول الله إن الاحاديث ستكثر عني بعدي كما كثرت عن الانبياء من قبلي فما جاءكم عني فاعرضوه على كتاب الله فما وافق كتاب الله فهو عني قلته او لم أقله
وسئلت عائشة رضي الله تعالى عنها عن خلق النبيي فقالت خلق القرآن وتلت قول الله ( وانك لعلى خلق عظيم )
وقال محمد بن علي أدب الله محمدا بأحسن الاداب فقال ( خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين ) فلما وعى قال ( ما أتاكم الرسول

فخذوه ومانهاكم عنه فانتهوا واتقوا الله )
قال حدثنا علي بن مجاهد قال حدثنا هشام بن عروة قال سمع عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه رجلا ينشد
( متى تأته تعشو الى ضوء ناره ... تجد خير نار عندها خير موقد )
فقال عمر ذاك رسول الله وقد كان الناس يستحسنون قول الاعشى
( تشب لمقرورين يصطليانها ... وبات على النار الندى والمحلق )
فلما قال الحطيئة البيت الذي كتبناه قبل هذا سقط بيت الاعشى
وقال رسول الله لا يزال المسروق منه في تهمة من هو بريء حتى يكون اعظم جرما من السارق
وقال ابو الحسن أجرى الخيل وسابق بينها فجاء فرس له أدهم سابقا فجثا رسول الله على ركبتيه وقال ماهو إلا البحر ح
وقال عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه كذب الحطيئة حيث يقول
( وان جياد الخيل لا تستفزنا ... ولا جاعلات العاج فوق المعاصم )
وقد زعم ناس من العلماء انه لم يستفزه سبق فرسه ولكنه اراد إظهار حب الخيل وتعظيم شأنها
وكان رسول الله يأكل على الارض ويجلس على الارض ويلبس العباء ويجالس المساكين ويمشي في الاسواق ويتوسد يده الشريفة ويقص من نفسه ويلطع أصابعه ولا يأكل متكئا ولم يرقط ضاحكا ملء فيه وكان يقول انما انا عبد اكل كما يأكل العبد واشرب كما يشرب العبد ولو دعيت الى ذراع لأجبت ولو أهدى الي كراع لقبلت لم يأكل قط وحده ولا ضرب عبده ولا ضرب احدا بيده الا في سبيل ربه ولو لم يكن من كرم عفوه ورجاحة حلمه الا ما كان منه يوم فتح مكة لقد كان ذلك من أكمل الكمال وذلك انه حين دخل مكة عنوة وقد قتلوا أعمامه وبني أعمامه وأولياءه وقادة انصاره بعد ان حصروه في الشعاب وعذبوا أصحابه بأنواع العذاب وجرحوه في بدنه واذوه في نفسه وسفهوا عليه وأجمعوا على كيده فلما دخلها بغير حمدهم وظهر عليهم على ضغن منهم قام فيهم

خطيبا فحمد الله وأثنى عليه ثم قال
أقول كما قال أخي يوسف لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين
وانما نقول في كل باب بالجملة من ذلك المذهب واذا عرفتم أول كل باب كنتم خلقاء ان تعرفوا الاواخر بالاوائل والمصادر بالموارد

خطبة الوداع

ومن خطبه خطبة حجة الوداع وهي
الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب اليه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات اعمالنا من يهد الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد ان لا إله الا الله وحده لا شريك له وأشهد ان محمدا عبده ورسوله أوصيكم عباد الله بتقوى الله وأحثكم على طاعته وأستفتح بالذي هو خير
اما بعد ايها الناس اسمعوا مني أبين لكم فاني لا أدري لعلي لا ألقاكم بعد عامي هذا في موقفي هذا
أيها الناس ان دماءكم وأموالكم حرام عليكم الى ان تلقوا ربكم كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا
ألا هل بلغت اللهم فاشهد
فمن كانت عنده أمانة فليؤدها الى من ائتمنه عليها وان ربا الجاهلية موضوع وان أول ربا أبدأ به ربا عمي العباس بن عبد المطلب وان دماء الجاهلية موضوعة وان أول دم نبدأ به دم عامر بن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب وان ماثر الجاهلية موضوعة غير السدانة والسقاية والعمد قود وشبه العمد ما قتل بالعصا والحجر وفيه مائة بعير فمن زاد فهو من اهل الجاهلية
ايها الناس ان الشيطان قد يئس ان يعبد في ارضكم هذه ولكنه قد رضي ان يطاع فيما سوى ذلك مما تحقرون من اعمالكم
ايها الناس ( انما النسي زيادة في الكفر يضل به الذين كفروا يحلونه عاما ويحرمونه عاما ليواطئوا عدة ما حرم الله ) وان الزمان قد استدار كهيئته

يوم خلق الله السموات والارض و ( ان عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا في كتاب الله يوم خلق السموات والارض منها اربعة حرم ) ثلاثة متواليات وواحد فرد ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ورجب الذي بين جمادى وشعبان
ألا هل بلغت اللهم فاشهد
ايها الناس ان لنسائكم عليكم حقا ولكم عليهن حق لكم عليهن ان لا يوطئن فرشكم غيركم ولا يدخلن احدا تكرهونه بيوتكم إلا باذنكم ولا يأتين بفاحشة فان فعلن فان الله قد أذن لكم ان تعضلوهن وتهجروهن في المضاجع وتضربوهن ضربا غير مبرح فان انتهين وأطعنكم فعليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف وانما النساء عندكم عوان لا يملكن لأنفسهن شيئا أخذتموهن بأمانة الله واستحللتم فروجهن بكلمة الله فاتقوا الله في النساء واستوصوا بهن خيرا
ألا هل بلغت اللهم فاشهد
ايها الناس انما المؤمنون إخوة ولا يحل لامرىء مال اخيه الا عن طيب نفس منه
ألا هل بلغت اللهم فاشهد
فلا ترجعن بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض فاني قد تركت فيكم ما ان اخذتم به لم تضلوا بعده كتاب الله
ألا هل بلغت اللهم فاشهد
ايها الناس ربكم واحد وان أباكم واحد كلكم لآدم وآدم من تراب أكرمكم عند الله اتقاكم وليس لعربي على عجمي فضل الا بالتقوى
ألا هل بلغت اللهم فاشهد قالوا نعم قال فليبلغ الشاهد الغائب
ايها الناس ان الله قد قسم لكل وارث نصيبه من الميراث ولا يجوز لوارث وصية ولا يجوز وصية في اكثر من الثلث والولد للفراش وللعاهر الحجر من ادعى الى غير ابيه او تولى غير مواليه فعليه لعنة الله والملائكة والناس اجمعين لا يقبل منه صرف ولا عدل والسلام عليكم ورحمة الله
وعن الحسن قال جاء قيس بن عاصم المنقري الى رسول الله فلما

نظر اليه قال هذا سيد اهل الوبر فقال يا رسول الله خبرني عن المال الذي لا تكون علي فيه تبعة من ضيف ضافني او عيال ان كثروا علي قال نعم المال الاربعون والاكثر الستون وويل لأصحاب المئين الا من اعطى في رسلها ونجدتها واطرق فحلها وافقر ظهرها ونحر سمينها واطعم القانع والمعتر قال يا رسول الله ما اكرم هذه الاخلاق واحسنها وما يحل بالوادي الذي اكون فيه اكثر من إبلي قال فكيف تصنع بالطروقة قال تغدو الابل ويغدو الناس فمن شاء أخذ برأس بعير فذهب به قال فكيف تصنع بالافقار قال اني لأفقر البكر الضرع والناب المسنة قال فكيف تصنع بالمنيحة قال اني لأمنح في كل ستة مائة قال فأي المال أحب أليك أمالك ام مال مواليك قال بل مالي قال فمالك من مالك الا ما أكلت فأفنيت او لبست فأبليت او اعطيت فأمضيت وما سوى ذلك للمواريث
وذكر ابو المقدام هشام بن زياد عن محمد بن كعب القرظي قال دخلت على عمر بن عبد العزيز رحمه الله في مرضه الذي مات فيه فجعلت احد النظر اليه فقال لي يا ابن كعب مالك تحد النظر الي قلت لما نحل من جسمك وتغير من لونك قال فكيف لو رأيتني بعد ثلاثة في قبري وقد سالت حدقتاي على وجنتي وابتدر فمي وأنفي صديدا ودودا كنت لي أشد نكرة أعد علي حديثا كنت حدثتنيه عن ابن عباس قلت سمعت ابن عباس يقول كان رسول الله يقول ان لكل شيء شرفا وان أشرف المجالس ما استقبل به القبلة ومن أحب ان يكون أعز الناس فليتق الله ومن أحب ان يكون أقوى الناس فليتوكل على الله ومن أحب ان يكون أغنى الناس فليكن بما في يد الله أوثق منه بما في يده ثم قال ألا أنبئكم بشرار الناس قالوا بلى يا رسول الله قال من نزل وحده ومنع رفده وجلد عبده ثم قال ألا أنبئكم بشر من ذلك قالوا بلى يا رسول الله قال من لا يقيل عثرة ولا يقبل معذرة ثم قال ألا أنبئكم بشر من ذلك قالوا بلى يا رسول الله قال من لا يرجى خيره ولا يؤمن شره ثم قال ألا أنبئكم بشر من ذلك قالوا بلى يا رسول الله قال من يبغض الناس ويبغضونه ان عيسى بن مريم قام خطيبا في بني اسرائيل فقال يا بني اسرائيل لا تكلموا بالحكمة عند الجهال فتظلموها

ولا تمنعوها أهلها فتظلموهم ولا تكافئوا ظالما فيبطل فضلكم يا بني اسرائيل الامور ثلاثة امر تبين رشده فاتبعوه وامر تبين غيه فاجتنبوه وامر اختلف فيه فالى الله ردوه
وقال النبي كل قوم على زينة من أمرهم ومفلحة من أنفسهم يزرون على من سواهم ويتبين الحق من ذلك بالمقايسة بالعدل عند ذوي الالباب من الناس وقال من رضي رقيقه فليمسكه ومن لم يرض فليبعه ولا تعذبوا عباد الله وقال في آخر ما أوصى به اتقوا الله في الضعيفين
ابن ثوبان عن أبيه عن مكحول عن جبير بن نفير عن مالك بن يحامر عن معاذ بن جبل قال قال رسول الله عمران بيت المقدس خراب يثرب وخراب يثرب خروج الملحمة وخروج الملحمة فتح قسطنطينية وفتح قسطنطينية خروج الدجال ثم ضرب بيده على فخذ الذي حدثه او منكبه ثم قال ان هذا لحق كما انك هاهنا او كما انك قاعد يعني معاذا
صالح المري عن الحسن قال قال رسول الله حصنوا أموالكم بالزكاة وداووا مرضاكم بالصدقة واستقبلوا البلاء بالدعاء
كثير بن هشام عن عيسى بن ابراهيم عن الضحاك عن ابن عباس قال قال رسول الله الجمعه حج المساكن ح
عوف عن الحسن قال ان النبي قال اتقوا الله في النساء فانهن عندكم عوان وانما أخذتموهن بأمانة الله واستحللتم فروجهن بكلمة الله ح
الواقدي عن موسى بن محمد بن ابراهيم التيمي عن ابيه قال قال رسول الله ان الله يحب الجواد من خلقه ح
أبو عبد الرحمن الاشجعي عن يحيى بن عبد الله عن أبيه عن ابي هريرة قال قال رسول الله ما خلا يهودي بمسلم قط إلا هم بقتله ويقال حدث نفسه بقتله
أبوعاصم النبيل قال حدثنا عبيد الله بن ابي زياد عن شهر بن حوشب عن أسماء بنت يزيد قالت قال النبي من ذب عن لحم اخيه بظهر الغيب كان حقا على الله ان يحرم لحمه على النار
اسماعيل بن عياش عن الحسن بن دينار عن الخصيب بن جحدر عن

رجل عن معاذ بن جبل عن النبي قال ليس من أخلاق المؤمن الملق ألا في طلب العلم
عبد ربه بن أعين عن عبد الله بن ثمامة بن أنس عن ابيه قال قال رسول الله قيدوا العلم بالكتاب وقال فضل جاهك تعود به على أخيك الذي لا جاه له صدقة منك عليه وفضل لسانك تعبر به عن أخيك الذي لا لسان له صدقة منك عليه وفضل قوتك تعود بها على اخيك الذي لا قوة له صدقة منك عليه وفضل علمك تعود به على اخيك الذي لا علم له صدقة منك عليه وإماطتك الأذى عن الطريق صدقة منك على أهله
وإنما مدار الامر والغاية التي يجري اليها الفهم ثم الافهام والطلب ثم التثبت
وقال عمرو بن العاص ثلاثة لا أملهم جليسي ما فهم عني ودابتي ما حملت رحلي وثوبي ما ستر عورتي
وذكر الشعبي ناسا فقال ما رأيت مثلهم أشد تنابذا في مجلس ولا أحسن تفهما عن محدث
ووصف سهل بن هرون رجلا فقال لم أر أحسن منه فهما لجليل ولا أحسن تفهما لدقيق
وقال سعيد بن سلم لأمير المؤمنين المأمون لو لم أشكر الله الا على حسن ما بلاني في أمير المؤمنين من قصده إلي بحديثه واشارته إلي بطرفه لقد كان ذلك من أعظم ما تفرضه الشريعة وتوجيه الحرية قال المأمون لان أمير المؤمنين يجد عندك من حسن الإفهام اذا حدثت وحسن الفهم اذا حدثت ما لم يجده عند احد فيمن مضى ولا يظن انه يجده فيمن بقى وقال له مرة والله انك لتستقفي حديثي وتقف عند مقاطع كلامي وتخبر عنه بما كنت قد أغفلته
قال ابو الحسن قالت امرأة لزوجها مالك اذا خرجت الى أصحابك تطلقت وتحدثت واذا كنت عندي تعقدت وأطرقت قال لأني اجل عن دقيقك وتدقين عن جليلي
وقال ابو مسهر بن المبارك ما حدثت رجلا قط الا أعجبني حسن إصغائه

حفظ عني أم ضيع
وقال ابو عقيل بن درست نشاط القائل على قدر فهم المستمع
وقال ابو عباد كاتب ابن ابي خالد للقائل على المستمع ثلاث جمع البال والكتمان وبسط العذر وقال ابو عباد اذا أنكر القائل عيني المستمع فليستفهمه عن منتهى حديثه وعن السبب الذي أجرى ذلك القول له فان وجده قد اخلص له الاستماع أتم له الحديث وان كان لاهيا عنه حرمه حسن الحديث ونفع المؤانسة وعرفه بسوء الاستماع والتقصير في حق المحدث
وأبو عباد هذا هو الذي قال ما جلس بين يدي رجل قط إلا تمثل لي أني سأجلس بين يديه
وذكر رجل من القرشيين عبد الملك بن مروان - وعبد الملك يومئذ غلام - فقال انه لاخذ بأربع وتارك لأربع اخذ بأحسن الحديث اذا حدث وبأحسن الاستماع اذا حدث وبأيسر المؤنة اذا خولف وبأحسن البشر اذا لقى وتارك لمحادثة اللئيم ومنازعة اللجوج وممارات السفيه ومصاحبة المأفون
وذم بعض الحكماء رجلا فقال يجزم قبل ان يعلم ويغضب قبل ان يفهم وقال عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه في بعض رسائله الى قضاته الفهم الفهم ما يختلج في صدرك
ولا يمكن تمام الفهم إلا مع تمام فراغ البال
وقال مجنون بني عامر
( أتاني هواها قبل ان أعرف الهوى ... فصادف قلبي فارغا فتمكنا )
وكتب مالك بن اسماء بن خارجة الى اخيه عيينة بن اسماء
( أعيين هلا إذ شغفت بها ... كنت استعنت بفارغ العقل )
( أقبلت ترجو الغوث من قبلي ... والمستغاث اليه في شغل )
وقال صالح المري سوء الاستماع نفاق وقد لا يفهم المستمع إلا بالتفهم وقد يتفهم أيضا من لا يفهم
وقال الحارث بن حلزة
( لست فيها ا لركب أحدس في ... كل الامور وكنت ذا حدس )

وقال النابغة الجعدي
( أبالي البلاء وأني امرؤ ... اذا ما تبينت لم أرتب )
وقال آخر
( تحلم عن الأدنين واستبق ودهم ... ولن تستطيع الحلم حتى تحلما )
والمثل السائر على وجه الدهر قولهم العلم بالتعلم واذا كانت البهيمة اذا أحست بشيء من اسباب القاص أحدث نظرها واستفرغت قواها في الاسترواح وجمعت بالها للتسمع كان الانسان العاقل أولى بالتثبت وأحق بالتعرف
ولما اتهم قتيبة بن مسلم أبا مجلز لاحق بن حميد ببعض الامر قال له ابو مجلز أيها الامير تثبت فإن التثبت نصف العفو
وقال الاحنف تعلمت الحلم من قيس بن عاصم وقال فيروز بن حصين كنت اختلف الى دار الاستخراج أتعلم الصبر
وقال سهل بن هرون بلاغة الانسان رفق والعي خرق وكان كثيرا ما ينشد قول شتيم بن خويلد
( ولا يشعبون الصدع بعد تفاقم ... وفي رفق أيديكم لذي الصدع شاعب )

خطبة لابي بكر الصديق

وقال إبراهيم الانصاري وهو إبراهيم بن محمد المفلوج من ولد أبي زيد القاري الخلفاء والأئمة وامراء المؤمنين ملوك وليس كل ملك يكون خليفة وإماما قال ولذلك فصل بينهم ابو بكر رضي الله تعالى عنه في خطبته فانه لما فرغ من الحمد والصلاة على النبي قال
ان اشقى الناس في الدنيا والآخرة الملوك فرفع الناس رؤوسهم فقال ما لكم ايها الناس انكم لطاعنون عجلون ان من الملوك من اذا ملك زهده الله فيما عنده ورغبه فيما في يدي غيره وانتقصه شطر أجله وأشرب قلبه الإشفاق فهو يحسد على القليل ويتسخط الكثير ويسأم الرخاء وتنقطع عنه لذة الباء لا يستعمل العبرة ولا يسكن الى الثقة فهو كالدرهم القسي والسراب الخادع جذل الظاهر حزين الباطن فاذا وجبت نفسه ونضب عمره وضحى ظله حاسبه الله فأشد حسابه وأقل عفوه ألا ان الفقراء هم المرحومون وخير الملوك من آمن بالله وحكم بكتابه وسنة نبيه وانكم

اليوم على خلافة النبوة ومفرق المحجة وسترون بعدي ملكا عضوضا وملكا عنودا وأمة شعاعا ودما مفاحا فان كانت للباطل نزوة ولاهل الحق جولة يعفو بها الأثر ويموت لها البشر فالزموا المساجد واستشيروا القرآن والزموا الطاعة ولا تفارقوا الجماعة وليكن الابرام بعد التشاور والصفقة بعد طول التناظر اي بلادكم خرسة ان الله سيفتح عليكم أقصاها كما فتح عليكم أدناها

وصية أبي بكر الصديق لعمر الفاروق

إني مستخلفك من بعدي وموصيك بتقوىالله ان لله عملا بالليل لا يقبله بالنهار وعملا بالنهار لا يقبله بالليل وانه لا تقبل نافلة حتى تؤدى الفريضة فانما ثقلت موازين من ثقلت موازينه يوم القيامة باتباعهم الحق في الدنيا وثقله عليهم وحق لميزان لا يوضع فيه إلا الحق ان يكون ثقيلا وإنما خفت موازين من خفت موازينه يوم القيامة باتباعهم الباطل وخفته عليهم وحق لميزان لا يوضع فيه إلا الباطل ان يكون خفيفا ان الله ذكر أهل الجنة فذكرهم بأحسن أعمالهم وتجاوز عن سيئاتهم فاذا ذكرتهم قلت اني اخاف ان لا أكون من هؤلاء وذكر اهل النار فذكرهم بأسوإ اعمالهم ولم يذكر حسناتهم فاذا ذكرتهم قلت اني لأرجو ان لا أكون من هؤلاء وذكر آية الرحمة مع آية العذاب ليكون العبد راغبا راهبا ولا يتمنى على الله غير الحق ولا يلقى بيده الى التهلكة فاذا حفظت وصيتي فلا يكن غائب احب اليك من الموت وهو آتيك وان ضيعت وصيتي فلا يكن غائب ابغض اليك من الموت ولست بمعجز الله

وصية عمر للخليفة من بعده

وأوصى عمر رضي الله تعالى عنه الخليفة من بعده فقال
أوصيك بتقوى الله لا شريك له وأوصيك بالمهاجرين الأولين خيرا ان تعرف لهم سابقتهم وأوصيك بالأنصار خيرا فاقبل من محسنهم وتجاوز عن مسيئهم وأوصيك بأهل الامصار خيرا فانهم ردء العدو وجباة الفيء لا تحمل فيئهم إلا عن فضل منهم وأوصيك بأهل البادية خيرا فانهم اصل العرب ومادة الاسلام ان تأخذ من حواشي اموال اغنيائهم فترد على فقرائهم وأوصيك بأهل

الذمة خيرا ان تقاتل من ورائهم ولا تكلفهم فوق طاقتهم اذا أدوا ما عليهم للمؤمنين طوعا او عن يد وهم صاغرون وأوصيك بتقوى الله وشدة الحذر منه ومخافة مقته ان يطلع منك على ريبة وأوصيك ان تخشى الله في الناس وتخشى الناس في الله وأوصيك بالعدل في الرعية والتفرغ لحوائجهم وثغورهم ولا تؤثر غنيهم على فقيرهم فان ذلك باذن الله سلامة لقلبك وحط لوزرك وخير في عاقبة أمرك حتى تفضي من ذلك الى من يعرف سريرتك ويحول بينك وبين قلبك وامرك ان تشتد في أمر الله وفي حدوده ومعاصيه على قريب الناس وبعيدهم ثم لا تأخذك في احد رأفة حتى تنتهك منه مثل ما انتهك من حرم الله واجعل الناس عندك سواء لا تبالي على من وجب الحق ثم لا تأخذك في الله لومة لائم واياك والأثرة والمحاباة فيما ولاك الله مما أفاء الله على المؤمنين فتجور وتظلم وتحرم نفسك من ذلك ما قد وسعه الله عليك وقد اصبحت بمنزلة من منازل الدنيا والآخرة فان اقترفت لدنياك عدلا وعفة عما بسط الله لك اقترفت به إيمانا ورضوانا وان غليك لهوى اقترفت به سخط الله وأوصيك ان لا ترخص لنفسك ولا لغيرك في ظلم اهل الذمة
وقد أوصيتك وحضضتك ونصحتك فابتغ بذلك وجه الله والدار الاخرة واخترت من دلالتك ما كنت دالا عليه نفسي وولدي فان عملت بالذي وعظتك وانتهيت الى الذي أمرتك أخذت به نصيبا وافرا وحظا وافيا وان لم تقبل ذلك ولم يهمك ولم تنزل معاظم الامور عند الذي يرضي الله به عنك يكن ذلك بك انتقاصا ورأيك فيه مدخولا لان الاهواء مشتركة ورأس كل خطيئة ابليس وهو داع الىكل هلكة وقد أضل القرون السالفة قبلك فأوردهم النار ولبئس الثمن ان يكون حظ امرىء موالاة عدو الله الداعي الى معاصيه ثم اركب الحق وخض اليه الغمرات وكن واعظا لنفسك انشدك الله لما ترحمت علىجماعة المسلمين فأجللت كبيرهم ورحمت صغيرهم ووقرت عالمهم ولا تضربهم فيذلوا ولا تستأثر عليهم بالفيء فتغضبهم ولا تحرمهم عطاياهم عند محلها فتفقرهم ولا تجمرهم في البعوث فتقطع نسلهم ولا تجعل المال دولة بين الاغنياء منهم ولا تغلق بابك دونهم فيأكل قويهم ضعيفهم هذه وصيتي اياك وأشهد الله عليك وأقرأ عليك السلام

رسالة عمر الى ابي موسى الاشعري في القضاء

رواها ابن عيينة وابو بكر الهذلي ومسلمة بن محارب رووها عن قتادة ورواها ابو يوسف يعقوب بن إبراهيم عن عبيد الله بن حميد الهذلي عن أبي المليح بن اسامة ان ابن الخطاب رضي الله عالى عنه كتب الى ابي موسى الاشعري
بسم الله الرحمن الرحيم
اما بعد فان القضاء فريضة محكمة وسنة متبعة فافهم اذا أدلي اليك فانه لا ينفع تكلم بحق لا نفاذ له آس بين الناس في مجلسك ووجهك حتى لا يطمع شريف في حيفك ولا يخاف ضعيف من جورك والبينة على من ادعى واليمين على من انكر والصلح جائز بين المسلمين إلا صلحا حرم حلالا او أحل حراما ولا يمنعك قضاء قضيته بالأمس فراجعت فيه نفسك وهديت فيه لرشدك ان ترجع عنه فان الحق قديم ومراجعة الحق خير من التمادي في الباطل الفهم الفهم عندما يتلجلج في صدرك مما لم يبلغك في كتاب الله ولا سنة النبي إعرف الامثال والاشباه وقس الامور عند ذلك ثم إعمد الى أحبها الى الله وأشبهها بالحق فيما ترى واجعل للمدعي حقا غائبا او بينة أمدا ينتهي اليه فان احضر بينته أخذت له بحقه وإلا وجهت عليه القضاء فان ذلك أنفى للشك وأجلى للعمى وأبلغ في العذر المسلمون عدول بعضهم على بعض الا مجلودا في حد او مجربا عليه شهادة زور او ظنينا في ولاء او قرابة فان الله قد تولى منكم السرائر ودرأ عنكم بالشبهات ثم إياك والقلق والضجر والتأذي بالناس والتنكر للخصوم في مواطن الحق التي يوجب الله بها الاجر ويحسن بها الذخر فانه من يخلص نيته فيما بينه وبين الله تبارك وتعالى ولو على نفسه يكفه الله ما بينه وبين الناس ومن تزين للناس بمايعلم الله خلافة منه هتك الله سترة وأبدى فعله والسلام عليك

خطبة لعلي بن أبي طالب

وقال ابو عبيدة معمر بن المثنى اول خطبة خطبها علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه حمد الله واثنى عليه وصلى على نبيه ثم قال

أما بعد فلا يرعين مرع الا على نفسه فان من أرعى على غير نفسه شغل عن الجنة والنار أمامه ساع مجتهد وطالب يرجو ومقصر في النار ثلاثة واثنان ملك طار بجناحيه ونبي أخذه الله بيده ولاسادس هلك من ادعى وردى من اقتحم فان اليمين والشمال مضلة والوسطى الجادة منهج عليه باقي الكتاب والسنة وآثار النبوة ان الله داوى هذه الامة بدوائين السوط والسيف فلا هوادة عند الامام فيهما استتروا ببيوتكم واصطلحوا فيما بينكم والتوبة من ورائكم من أبدى صفحته للحق هلك قد كانت أمور لم تكونوا عندي فيها محمودين أما إني لوأشاء لقلت عفا الله عما سلف سبق الرجلان ونام الثالث كالغراب همته بطنه يا ويحه لو قص جناحاه وقطع رأسه لكان خيرا له انظروا ان انكرتم فانكروا وان عرفتمم بارزوا حق وباطل ولكل أهل ولئن كثر أمر الباطل لقديما فعل ولئن قل الحق لربما ولعل ما أدبر شيء فأقبل ولئن رجعت عليكم اموركم انكم لسعداء وإني لأخشى ان تكونوا في فترة وما علينا الا الاجتهاد
قال ابو عبيدة وروى فيها جعفر بن محمد
ان أبرار عترتي وأطايب أرومتي أحلم الناس صغارا وأعلمهم كبارا ألا وإنا من اهل بيت من علم الله علمنا وبحكم الله حكمنا ومن قول صادق سمعنا وان تتبعوا آثارنا تهتدوا ببصائرنا وان لم تفعلوا يهلككم الله بأيدينا معنا راية الحق من تبعنا لحق ومن تأخر عنا غرق ألا وإن بنا ترد دبرة كل مؤمن وبنا تخلع ربقة الذل من اعناقكم وبنا فتح وبنا ختم لا بكم

خطبة أخرى له

ومن خطب علي أيضا رضي الله تعالى عنه قالوا أغار سفيان بن عوف الازدي ثم الغامدي على الانبار زمان علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه وعليها ابن حسان او حسان البكري فقتله وأزال تلك الخيل عن مسالحها فخرج علي حتى جلس على باب السدة فحمد الله وأثنى عليه وصلى على النبي ثم قال
اما بعد فان الجهاد باب من ابواب الجنة فمن تركه رغبة عنه ألبسه الله ثوب الذلة وشمله البلاء وألزمه الصغار وسيم الخسف ومنع النصف ألا

وإني قد دعوتكم الى قتال هؤلاء القوم ليلا ونهارا سرا وإعلانا وقلت لكم أغزوهم قبل ان يغزوكم فوالله ما غزى قوم قط في عقر دارهم الا ذلوا فتواكلتم وتخاذلتم وثقل عليكم قولي واتخذتموه وراءكم ظهريا حتى شنت عليكم الغارات هذا أخو غامد قد وردت خيله الانبار وقتل حسان - او ابن حسان - البكري وأزال خيلكم عن مسالحها وقتل منكم رجالا صالحين وقد بلغني ان الرجل منهم كان يدخل على المرأة المسلمة والاخرى المعاهدة فينتزع أحجالها وقلبها ورعثها ثم انصرفوا وافرين ما كلم رجل منهم كلما فلو ان أمرا مسلما مات من بعدها أسفا ما كان عندي ملوما بل كان عندي به جديرا فيا عجبا من جد هؤلاء القوم في باطلهم وفشلكم عن حقكم فقبحا لكم وترحا حين صرتم غرضا يرمى وفبئا ينهب يغار عليكم ولا تغيرون وتغزون ولا تغزون ويعصى الله وترضون فاذا أمرتكم بالسير اليهم في الحر قلتم حمارة القيظ أمهلنا حتى ينسلخ عنا ا لحر واذا أمرتكم بالسير في البرد قلتم أمهلنا حتى ينسلخ عنا القر كل هذا فرارا من الحر والقر فاذا كنتم من الحر والقر تفرون فأنتم والله من السيف أفر يا أشباه الرجال ولا رجال ويا أحلام الاطفال وعقول ربات الحجال وددت ان الله قد أخرجني من بين ظهر انيكم وقبضني الى رحمته من بينكم والله لوددت أني لم أركم ولم أعرفكم معرفة والله جرت ندما وورثت صدري غيظا وجرعتموني الموت أنفاسا وأفسدتم على رأيي بالعصيان والخذلان حتى لقد قالت قريش ان ابن أبي طالب شجاع ولكن لا علم له بالحرب لله أبوهم وهل منهم احد اشد لها مراسا وأطول لها تجربة مني لقد مارستها وما بلغت العشرين وقد نيفت فيها على الستين ولكنه لا رأي لمن لا يطاع
قال فقام رجل من الازد يقال له فلان بن عفيف ثم أخذ بيد أخ له فقال يا أمير المؤمنين أنا وأخي كما قال الله ( رب إني لا املك الا نفسي وأخي ) فمرنا بأمرك فوالله لنضربن دونك وان حال دونك جمر الغضا وشوك القتاد قال فاثنى عليهما وقال لهما خيرا قال اين تقعان مما أريد ثم نزل

خطبة اخرى له

وخطبة اخرى بهذا الاسناد في شبيه بهذا المعنى قام فيهم خطيبا فقال

ايها الناس المجتمعة أبدانهم المختلفة أهواؤهم كلامكم يوهي الصم الصلاب وفعلكم يطمع فيكم عدوكم تقولون في المجالس كيت وكيت فاذا جاء القتال قلتم حيدي حياد ما عزت دعوة من دعاكم ولا استراح قلب من قاساكم أعاليل بأضاليل وسألتموني التأخير دفاع ذي الدين المطول هيهات لا يمنع الضيم الذليل ولا يدرك الحق الا بالجد اي دار بعد داركم تمنعون أم مع أي امام بعدي تقاتلون المغرور والله من غررتموه ومن فاز بكم فاز بالسهم الاخيب أصبحت والله لا أصدق قولكم ولا اطمع في نصرتكم فرق الله بيني وبينكم واعقبني بكم من هو خير لي منكم لوددت ان لي بكل عشرة منكم رجلا من بني فراس بن غنم صرف الدينار بالدرهم

خطبة أخرى له

وخطب أيضا علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه فقال
اما بعد فان الدنيا قد ادبرت و آذنت بوداع وان الآخرة قد اقبلت وأشرفت باطلاع وان المضمار اليوم والسباق غدا الا وانكم في أيام امل من ورائه اجل فمن اخلص في ايام امله قبل حضور اجله فقد نفعه عمله ولم يضره أمله ومن قصر في ايام أمله قبل حضور أجله فقد خسر عمله وضره أمله ألا فاعملوا لله في الرغبة كما تعملون له في الرهبة ألا وإني لم أر كالجنة نام طالبها ولا كالنار نام هاربها ألا وانه من لم ينفعه الحق يضره الباطل ومن لم يستقم به الهدى يجر به الضلال الى الردى ألا وانكم قد أمرتم بالظعن ودللتم على الزاد وان اخوف ما أخاف عليكم اتباع الهوى وطول الأمل

خطبة عبد الله بن مسعود

أصدق الحديث كتاب الله تعالى وأوثق العرى كلمة التقوى وخير الملل ملة إبراهيم عليه السلام واحسن السنن سنة محمد وشر الامور محدثاتها وخير الأمور عزائمها ما قل وكفى خير مما كثر وألهى نفس تنجيها خير من إمارة لا تحصيها خير الغني غني النفس خير ما ألقي في القلب اليقين الخمر جماع الآثام النساء حبالة الشيطان الشباب شعبة من الجنون حب الكفاية مفتاح المعجزة من الناس من لا يأتي الجماعة الا دبرا ولا يذكر الله الا هجرا

اعظم الخطايا اللسان الكذوب سباب المؤمن فسوق وقتاله كفر واكل لحمه معصية من يتألى على الله يكذبه ومن يستغفر يغفر له مكتوب في ديوان المحسنين من عفا عفي عنه الشقي من شقي في بطن أمه السعيد من وعظ بغيره الأمور بعواقبها ملاك العمل خواتيمه احسن الهدى هدى الانبياء أقبح الضلالة الضلالة بعد الهدى أشرف الموت الشهادة من يعرف البلاء يصبر عليه من لا يعرف البلاء ينكره

خطبة عتبة بن غزوان السلمي بعد فتح الأبلة

حمد الله وأثنى عليه وصلى على النبي ثم قال
أما بعد فان الدنيا قد تولت حذاء مدبرة وقد آذنت اهلها بصرم وإنما بقي منها صبابة كصبابة الإناء يصطبها صاحبها ألا وانكم مفارقوها لا محالة ففارقوها بأحسن ما يحضركم الا وان من العجب اني سمعت رسول الله يقول ان الحجر الضخم يلقى في النار من شفيرها فيهوي فيها سبعين خريفا ولجهنم سبعة أبواب ما بين البابين منها مسيرة خمسمائة سنة ولتأتين عليه ساعة وهو كظيظ بالزحام ولقد كنت مع رسول الله سابع سبعة ما لنا طعام الا ورق البشام حتى قرحت اشداقنا فوجدت انا وسعد بن مالك تمرة فشققتها بيني ونبينه بنصفين والتقطت بردة فشققتها بيني وبينه فأتزرت بنصفها وما منا احد اليوم الا وهو أمير على مصر من الامصار وانه لم يكن نبوة قط الا تناسختها جبرية وانا اعوذ بالله ان اكون في نفسي عظيما وفي اعين الناس صغيرا وستجربون الأمراء من بعدي فتعرفون وتنكرون

خطبة لمعاوية بن أبي سفيان

رواها شعيب بن صفوان وزاد فيها اليقطري وغيره قالوا لما حضرت معاوية الوفاة قال لمولى له من بالباب قال نفر من قريش يتباشرون بموتك فقال ويحك ولم قال لا أدري قال فوالله ما لهم بعدي الا الذي يسوؤهم وأذن للناس فدخلوا فحمد الله وأثنى عليه وأوجز ثم قال
ايها الناس انا قد اصبحنا في دهر عنقود وزمن شديد يعد فيه المحسن مسيئا ويزداد فيه الظالم عتوا لا ننتفع بما علمناه ولا نسأل عما جهلناه

ولا نتخوف قارعة حتى تحل بنا فالناس على أربعة اصناف منهم من لا يمنعه من الفساد الا مهانة نفسه وكلال حده ونضيض وفره ومنهم المصلت لسيفه المجلب بخيله ورجله والمعلن بشره قد أشرط نفسه واوبق دينه لحطام ينتهزه او منقب يقوده او منبر يقرعه ولبئس المتجران تراهما لنفسك ثمنا ولما لك عند الله عوضا ومنهم من يطلب الدنيا بعمل الآخرة ولا يطلب الآخرة بعمل الدنيا فقد طامن من شخصه وقارب من خطوه وشمر من ثوبه وزخرف نفسه للأمانة واتخذ ستر الله ذريعة للمعصية ومنهم من قد أقعده عن طلب الملك ضؤولة نفسه وانقطاع سببه فقصرت الحال عن أمله فتحلى باسم القناعة وتزين بلباس الزهاد وليس من ذلك في مراح ولا مغدى وبقي رجال غض ابصارهم ذكر المرجع وأراق دموعهم خوف المحشر فهم بين شريد نافر وخائف منقمع وساكت مكعوم وداع مخلص وموجع ثكلان قد اخملتهم التقية وشملتهم الذلة فهم بحر أجاج أفواههم ضامرة وقلوبهم قرحة قد وعظوا حتى ملوا وقهروا حتى ذلوا وقتلوا حتى قلوا فلتكن الدنيا في إعينكم اصغر من حثالة القرظة وقراضة الجلمين واتعظوا بمن كان قبلكم قبل ان يتعظ بكم من كان بعدكم فارفضوها ذميمة فانها قد رفضت من كان أشغف بها منكم
وفي هذه الخطبة أبقاك الله ضروب من العجب منها ان هذا الكلام لا يشبه السبب الذي من أجله دعاهم معاوية ومنها ان هذا المذهب في تصنيف الناس وفي الاخبار عنهم وعماهم عليه من القهر والاذلال ومن التقية والخوف أشبه بكلام علي وبمعانية وبحالة منه بحال معاوية ومنها أنا لم نجد معاوية في حال من الحالات يسلك في كلامه مسلك الزهاد ولا يذهب مذاهب العباد وإنما نكتب لكم ونخبر بما سمعناه والله أعلم بأصحاب الاخبار وبكثير منهم

خطبة زياد بن أبي سفيان بالبصرة البتراء

قال ابو الحسن المدائني ذكر ذلك عن مسلمة بن محارب وعن أبي بكر الهذلي قالا قدم زياد البصرة واليا لمعاوية بن ابي سفيان وضم اليه خراسان وسجستان والفسق بالبصرة كثير فاش ظاهر قالا فخطب خطبة بتراء لم

يحمد الله فيها وقال غيرهما بل قال
الحمد الله على إفضاله وإحسانه ونسأله المزيد من نعمة واكرامه اللهم كما زدتنا نعما فألهمنا شكرا
اما بعد فان الجهالة الجهلاء والضلالة العمياء والغي الموفي بأهله على النار ما فيه سفهاؤكم ويشتمل عليه حلماؤكم من الأمور العظام ينبت فيها الصغير ولا يتحاشى عنها الكبير كأنكم لم تقرأوا كتاب الله ولم تسمعوا ما اعد الله من الثواب الكريم لأهل طاعته والعذاب الأليم لأهل معصيته في الزمن السرمدي الذي لا يزول اتكونون كمن طرفت عينيه الدنيا وسدت مسامعه الشهوات واختار الفانية على الباقية ولا تذكرون انكم احدثتم في الاسلام الحدث الذي لم تسبقوا اليه من ترككم الضعيف يقهر ويؤخذ ماله ما هذه المواخير المنصوبة والضعيفة المسلوبة في النهار المبصر والعدد غير قليل ألم تكن منكم نهاة تمنع الغواة عن دلج الليل وغارة النهار قربتم القرابة وباعدتم الدين تعتذرون بغير العذر وتغضون عن المختلس كل امرىء منكم يذب عن سفيهه صنيع من لا يخاف عاقبة ولا يرجو معادا
ما أنتم بالحلماء ولقد اتبعتم السفهاء فلم يزل بكم ما ترون من قيامكم دونهم حتى انتهكوا حرم الاسلام ثم أطرقوا وراءكم كنوسا في مكانس الريب حرام علي الطعام و الشراب حتى أسويها بالارض هدما وإحراقا
أني رأيت آخر هذا الامر لا يصلح الا بما صلح به أوله لين في غير ضعف وشدة في غير عنف وإني اقسم بالله لآخذن الولي بالمولى والمقيم بالظاعن والمقبل بالمدبر والمطيع بالعاصي والصحيح منكم في نفسه بالسقيم حتى يلقى الرجل منكم أخاه فيقول أنج سعد فقد هلك سعيد او تستقيم قناتكم
ان كذبة المنبر بلقاء مشهورة فاذا تعلقتم علي بكذبة فقد حلت لكم معصيتي فاذا سمعتموها مني فاغتمزوها في واعلموا ان عندي امثالها من نقب منكم عليه فأنا ضامن لما ذهب منه فإياي ودلج الليل فاني لا أوتى بمدلج إلا سفكت دمه وقد أجلتكم في ذلك بمقدار ما يأتي الخبر الكوفة ويرجع اليكم

وإياي ودعوى الجاهلية فاني لا اجد احدا دعا بها إلا قطعت لسانه وقد احدثتم احداثا لم تكن وقد احدثنا لكل ذنب عقوبة فمن عرق قوما غرقناه ومن أحرق قوما أحرقناه ومن نقب بيتا نقبنا عن قلبه ومن نبش قبرا دفناه حيا فيه فكفوا عني أيديكم وألسنتكم أكفف عنكم يدي ولساني ولا تظهر من احد منكم ريبة بخلاف ماعليه عامتكم إلا ضربت عنقه
وقد كانت بيني وبين أقوام إحن فجعلت ذلك دبر أذني وتحت قدمي فمن كان منكم محسنا فليزدد احسانا ومن كان منكم مسيئا فلينزع من إسائته
إني لو علمت ان احدكم قد قتله السل من بغضي لم اكشف له قناعا ولم أهتك له سترا حتى يبدي لي صفحته فاذا فعل ذلك لم اناظره فاستأنفوا أموركم وأعينوا على انفسكم فرب مبتئس بقدومنا سيسر ومسرور بقدومنا سيبتئس
ايها الناس إنا أصبحنا لكم ساسة وعنكم ذادة نسوسكم بسلطان الله الذي اعطانا ونذود عنكم بفيء الله الذي خولنا فلنا عليكم السمع والطاعة فيما احببنا ولكم علينا العدل فيما ولينا فاستوجبوا عدلنا وفيئنا بمناصحتكم لنا واعلموا أني مهما قصرت عنه فلن اقصر عن ثلاث لست محتجبا عن طالب حاجة منكم ولو اتاني طارقا بليل ولا حابسا عطاء ولا رزقا عن إبانه ولا مجمرا لكم بعثا فادعوا الله بالصلاح لأئمتكم فافهم ساستكم المؤدبون لكم وكهفكم الذي اليه تأوون ومتى يصلحوا تصلحوا ولا تشربوا قلوبكم بغضهم فيشتد لذلك غيظكم ويطول له حزنكم ولا تدركوا له حاجتكم مع أنه لو استجيب لكم فيهم لكان شرا لكم أسأل الله أن يعين كلا على كل واذا رأيتموني انفذ فيكم الأمر فانفذوه على أذلاله وأيم الله ان لي فيكم لصرعى كثيرة فليحذر كل امرىء منكم ان يكون من صرعاي
قال فقام اليه عبد الله بن الأهتم فقال أشهد ايها الامير لقد اوتيت الحكمة وفصل الخطاب فقال كذبت ذاك نبي الله داود صلوات الله عليه

قال فقام الاحنف بن قيس فقال انما الثناء بعد البلاء والحمد بعد العطاء وانا لن نثني حتى نبتلى فقال له زياد صدقت
فقام ابو بلال مرداس بن أدية وهو يهمس ويقول أنبأنا الله بغير ما قلت قال الله ( وابراهيم الذي وفى ألا تزر وازرة وزر اخرى وان اليس للانسان إلا ما سعى ) وأنت تزعم أنك تأخذ البرىء بالسقيم والمطيع بالعاصي والمقبل بالمدبر فسمعها زياد فقال إنا لا نبلغ ما نريد فيك وفي صحابك حتى نخوض اليكم الباطل خوضا
وقال خلاد بن يزيد الأرقط سمعت من يخبر ان الشعبي قال ما سمعت متكلما على منبر قط تكلم فأحسن إلا احببت ان يسكت خوفا من ان يسىء الا زيادا فانه كان كلما اكثر كان أجود كلاما
وقال ابو الحسن المدائني قال الحسن اوعد عمر فعفا وأوعد زياد فابتلى قال وقال الحسن تشبه زياد بعمر فأفرط وتشبه الحجاج بزياد فاهلك الناس
قال ابو عثمان قد ذكرنا من كلام رسول الله وخطبه صدرا وذكرنا من خطب السلف جملا وسنذكر من مقطعات الكلام وتجاوب البلغاء ومواعظ النساك ونقصد من ذلك الى القصار دون الطوال ليكون ذلك أخف على القارىء وأبعد من السآمة والملال ثم نعود بعد ذلك الى الخطب المنسوبة الى أهلها ان شاء الله تعالى ولا قوة الا بالله

مقطعات من كلام البلغاء ومواعظ النساك

قال ابوالحسن المدائني قدم عبد الرحمن بن سليم الكلبي على المهلب بن أبي صفرة في بعض ايامه مع الأزارقة فرأى بنيه قد ركبوا عن آخرهم فقال آنس الله الاسلام بتلاحقكم فوالله لئن لم تكونوا أسباط نبوة إنكم لاسباط ملحمة
قال ابو الحسن دخل الهذيل بن زفر الكلابي على يزيد بن المهلب في حمالات لزمته ونوائب نابته فقال أصلحك الله انه قد عظم شأنك عن ان يستعان عليك ولست تصنع شيئا من المعروف الا وانت اكبر منه وليس العجب بأن تفعل ولكن العجب بأن لا تفعل فقال يزيد حاجتك فذكرها

فأمر بها وأمر له بمائة ألف درهم فقال أما الحمالات فقد قبلتها وأما المال فليس هذا موضعه
وقال عيسى بن يزيد بن دأب عمن حدثه عن رجل كان يجالس ابن عباس قال عثمان بن أبي العاص الثقفي لبنيه يا بني اني قد أمجدتكم في أمهاتكم وأحسنت في مهنة أموالكم واني ما جلست في ظل رجل من ثقيف أشتم عرضه والناكح مغترس فلينظر امرؤ حيث يضع غرسه والعرق السوء قلما ينجب ولو بعد حين قال فقال ابن عباس يا غلام اكتب لنا هذا الحديث
قال ولما همت ثقيف بالاتدادا قال لهم عثمان معاشر ثقيف لا تكونوا اخر العرب اسلاما وأولهم ارتدادا
قال وسمعت اعرابيا ذكر يوما قريشا فقال كفى بقريش شرفا أنهم أقرب الناس نسبا برسول الله وأقربهم بيتا من رسول الله
وقال الاصمعي قيل لعقيل بن علفة لم تهيج قومك قال الغنم اذا لم يصفر لها لم تشرب قال وقيل لعقيل بن علفة لم لا تطيل الهجاء قال يكفيك من القلادة ما أحاط بالعنق
قال وسأل عمر رضي الله عنه عمرو بن معد يكرب عن سعد فقال كيف أميركم قال خير امير نبطي في حبوته عربي في نمرته أسد في نامورته يعدل في القضية ويقسم بالسنوية وينفر بالسرية وينقل إلينا حقنا كما تنقل الذرة فقال عمر لشد ما تقارضتما الثناء
ولما تورد الحارث بن قيس الجهضمي بعبيد الله بن زياد منزل مسعود بن عمرو العتكي عن غير إذن فأراد مسعود إخراجه من منزله قال عبد الله قد أجارتني بنت عمك عليك وعقدها العقد الذي يلزمك وهذا ثوبها علي وطعامها في مذاخري وقد التف علي منزلك وشهد له الحارث بذلك
مر الشعبي بناس من الموالي يتذاكرون النحو فقال لئن أصلحتموه انكم لأول من أفسده
وتكلم عبد الملك بن عمير واعرابي حاضر فقيل له كيف ترى هذا الكلام قال لو كان الكلام يؤتدم به لكان هذا وقال العذر طرف من البخل وقال أيضا الخرس خير من الخلابة وقال ابو عمير الضرير البكم

خير من البذاء وقدم الهيثم بن الاسود بن العريان على عبد الملك بن مروان فقال كيف تجدك قال أجدني قد ابيض مني ما كنت أحب ان يسود واسود مني ما كنت أحب ان يبيض واشتد مني ما كنت احب ان يلين ولان مني ما كنت أحب ان يشتد ثم أنشد
( أسمع أنبئك بايات الكبر ... نوم العشاء وسعال بالسحر )
( وقلة النوم ذا الليل اعتكر ... وقلة الطعم اذا الزاد حضر )
( وسرعة الطرف وتحميج النظر ... وتركي الحسناء من قبل الطهر )
( وحذرا أزداده الى حذر ... والناس يبلون كما يبلى الشجر )
وقال أكثم بن صيفي الكرم حسن الفطنة واللؤم سوء الفطنة وقال أكثم تباعدوا في الديار تقاربوا في المودة وقال لبنيه تباذلوا تحابوا
ودخل عيسى بن طلحة بن عبيد الله على عروة بن الزبير وقد قطعت رجله فقال له عيسى والله ما كنا نعدك للصراع ولقد أبقى الله لنا اكثرك أبقى لنا سمعك وبصرك ولسانك وعقلك ويديك وإحدى رجليك فقال له عروة والله يا عيسى ما عزاني احد بمثل ما عزيتني به
وكتب الحسن الى عمر بن عبد العزيز أما بعد فكأنك بالدنيا لم تكن وبالاخرة لم تزل
وقال عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه اقرأوا القرآن تعرفوا به واعملوا به تكونوا من أهله ولن يبلغ حق ذي حق ان يطاع في معصية الله ولن يقرب من أجل ولن يباعد من رزق ان يقوم رجل بحق او يذكر بعظيم
وقال أعرابي لهشام بن عبد الملك أتت علينا ثلاثة أعوام فعام أكل الشحم وعام أكل اللحم وعام انتقى العظم وعندكم أموال فان كانت لله فادفعوها الى عباد الله وان كانت لعباد الله فادفعوها اليهم وان كانت لكم فتصدقوا بها عليهم فان الله يجزي المتصدقين قال فهل من حاجة غير ذلك قال ما ضربت اليك أكباد الابل أدرع الهجير وأخوض الدجى لخاص دون عام
قال شداد الحارثي ويكنى أبا عبيد الله قلت لأمة سوداء بالبادية لمن أنت يا سوداء قالت لسيد الحضر يا أصلع قال قلت ما غصبك من

الحق قالت الحق أغضبك لا تسبب ترهب ولان تتركه أمثل
وقال الاصمعي قال عيسى بن عمر قال ذو الرمة قاتل الله أمة ال فلان ما كان أفصحها سألتها كيف كان المطر عندكم قالت غثنا ما شئنا
وأنا أريد عبدا اسود لبني أسيد قدم عليهم من شق اليمامة فبعثوه ناطورا وكان وحشيا محرما لطول تغربه كان في الابل وكان لا يلقى إلا الأكرة فكان لا يفهم عنهم ولا يستطيع إفهامهم فلما راني سكن الي وسمعته يقول لعن الله بلادا ليس فيها عرب قاتل الله الشاعر حيث يقول حر الثرى مستغرب التراب أبا عثمان ان هذه العرب في جميع الناس كمقدار القرحة في جميع جلد الفرس فلولا ان الله رق عليهم فجعلهم في حاشية لطمست هذه العجمان اثارهم أترى الاعيار اذا رأت العتاق لا ترى لها فضلا والله ما أمر الله نبيه بقتلهم الا لضنه بهم ولا ترك قبول الجزية منهم الا تنزيها لهم
قال الاحنف أسرع الناس الى الفتنة أقلهم حياء من الفرار
ولما مات اسماء بن خارجة الفزاري فبلغ الحجاج موته قال هل سمعتم بالذي عاش ثم مات حين شاء
وقال سلم بن قتيبة رب المعروف اشد من ابتدائه
ابو هلال عن قتادة قال قال ابو الاسود اذا اردت ان تكذب صاحبك فلقنه وقال ابو الاسود اذا اردت ان تعظم فمت وقال ابو الاسود اذا اردت ان تفحم عالما فاحضره جاهلا
قيل لاعرابي ما يدعوك على نومه الضحى قال مبردة في الصيف مسخنة في الشتاء
وقال اعرابي اخر نومه الضحى معجزة مبخرة وجاء في الحديث الولد مجبنة مبخلة
ونظر اعرابي الى قوم يلتمسون هلال رمضان فقال أما والله لئن ثرتموه لتمسكن منه بذنابي عيش أغبر
وقال اسماء بن خارجة اذا قدمت المصيبة تركت التعزية وقال اذا قدم الاخاء قبح الثناء
وقال اسحق بن حسان لا تشمت الامراء ولا الاصحاب القدماء

وسئل اعرابي عن راع له فقال هو السارح الآخر الرائح الباكر الحالب العاصر الحاذق الكاسر
وقال عتبة بن أبي سفيان لعبد الصمد مؤدب ولده ليكن اول ماتبدأ به من اصلاح بني اصلاح نفسك فان أعينهم مقعودة بعينك فالحسن عندهم ما استحسنت والقبيح عندهم ما استقبحت وعلمهم كتاب الله ولا تكرههم عليه فيملوه ولا تتركهم منه فيهجروه ثمم روهم من الشعر أعفه ومن الحديث اشرفه ولا تخرجهم من علم الى غيره حتى يحكموه فان ازدحام الكلام في السمع مضلة للفهم وتهددهم بي وأدبهم دوني وكن لهم كالطبيب الذي لا يعجل بالدواء قبل معرفة الداء وجنبهم محادثة النساء وروهم سير الحكماء واستزدني بزيادتك إياهم ازدك وإياك ان تتكل على عذر مني لك فقد اتكلت على كفاية منك وزد في تأديبهم أزدك في بري ان شاء الله تعالى
وقال محمد بن حرب الهلالي كتب ابراهيم بن ابي يحيى الاسلمي الى المهدي يعزيه على ابنته اما بعد فان احق من عرف حق الله عليه فيما اخذ منه من عظم حق الله عليه فيما ابقى له واعلم ان الماضي قبلك هوالباقي لك وان الباقي بعدك هو المأجور فيك وان اجر الصابرين فيما يصابون به اعظم من النعمة عليهم فيما يعافون منه
وقال سهل بن هرون التهنئة على آجل الثواب اولى من التعزية على عاجل المصيبة
وقال صالح بن عبد القدوس
( ان يكن ما به أصبت جليلا ... فذهاب العزاء فيه أجل )
( كل آت لا شك آت وذو الجهل ... معنى والهم والحزن فضل )
وقال لقمان لابنه يا بني اياك والكسل والضجر فانك اذا كسلت لم تؤد حقا واذا ضجرت لم تصبر على حق
وكان يقال أربع لا ينبغي لاحد ان يأنف منهن وان كان شريفا او أميرا قيامه من مجلسه لابيه وخدمته لضيفه وقيامه على فرسه وخدمته للعالم وقال بعض الحكماء اذا رغبت في المكارم فاجتنب المحارم وكان يقال لا

تغتر بمودة الامير اذا غشك الوزير وكتب آخر أما بعد فقد كنت لنا كلك فاجعل لنا بعضك ولا ترض الا بالكل منا لك
ووصف بعض البلغاء اللسان فقال اللسان أداة يظهر بها حسن البيان وظاهر يخبر عن الضمير وشاهد ينبئك عن غائب وحاكم يفصل به الخطاب وناطق يرد به الجواب وشافع تدرك به الحاجة وواصف تعرف به الحقائق ومعز ينفي به الحزن ومؤنس تذهب به الوحشة وواعظ ينهى عن القبح ومزين يدعو الى الحسن وزارع يحرث المودة وحاصد يستأصل الضغينة وملة يونق الاسماع
وقال بعض الاوائل إنما الناس احاديث فان استطعت ان تكون أحسنهم حديثا فافعل
ولما وصل عبد العزيز بن زرارة الى معاوية قال يا أمير المؤمنين لم ازل أستدل بالمعروف عليك وأمتطي النهار اليك فاذا ألوى بي الليل فقيض البصر وعفي الاثر اقام بدني وسافر أملي والنفس تلوم والاجتهاد يعذر واذ بلغتك فقطني
وقال لقمان ثلاثة لا يعرفون الا في ثلاثة مواطن لا يعرف الحليم الا عند الغضب ولا الشجاع الا في الحرب ولا تعرف أخاك الا عند حاجتك اليه
وقال ابو العتاهية
( انت ما استغنيت عن صا حبك ... الدهر أخوه )
( فاذا احتجت اليه ... ساعة مجك فوه )
وقال علي بن الحسين لابنه يا بني اصبر على النائبة ولا تتعرض للحقوق ولا تجب اخاك الى شيء ضرره عليك أعظم من منفعته له
وقال الاحنف من لم يصبر على كلمة سمع كلمات وقال رب غيظ تجرعته مخافة ما هو أشد منه وقال من كثر كلامه كثر سقطه ومن طال صمته كثرت سلامته
وقال عمر بن عبد العزيز رحمه الله من جعل دينه غرضا للخصومات اكثر النقل
وقال محمد بن حرب الهلالي عن أبي الوليد الليثي قال خطب صعصعة بن

معاوية الى عامر بن الظرب العدواني ابنته عمرة وهي ام عامر بن صعصعة فقال يا صعصعة انك اتيتني تشتري مني كبدي وأرحم ولدي عندي أبغيتك او زودتك والحسيب كفء الحسيب والزوج الصالح اب بعد اب وقد انكحتك خشية ان لا اجد مثلك افر من السر الى العلانية انصح ابنا واودع ضعيفا قويا يا معشر عدوان خرجت من بين أظهركم كريمتكم من غير رهبة ولا رغبة أقسم لو قسم الحظوظ على قدر الجدود ما ترك الاول للآخر ما يعيش به
وقال علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه أوصيكم بخمس لو ضربتم اليها آباط الابل لكن لها أهلا لا يرجون أحدكم الا ربه ولا يخافن الا ذنبه ولا يستحي احد اذا سئل عما لا يعلم ان يقول لا اعلم واذا لم يعلم الشيء ان يتعلمه واعلموا ان الصبر من الايمان بمنزلة الرأس من الجسد فاذا قطع الرأس ذهب الجسد وكذلك اذا ذهب الصبر ذهب الايمان وقال الاصمعي أثنى رجل على علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه فأفرط فقال علي - وكان يتهمه - أن دون ما تقول وفوق ما في نفسك وقال علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه قيمة كل انسان ما يحسن وقال له مالك الاشتر كيف وجد أمير المؤمنين امراته قال كالخير من النساء الا انها قباء قال وهل يريد الرجل من النساء غير ذلك يا أمير المؤمنين قال لا حتى تدفيء الضجيع وتروي الرضيع
ووقف رجل على عامر الشعبي فلم يدع قبيحا الا رماه به فقال له عامر ان كنت كاذبا فغفر الله لك وان كنت صادقا فغفر الله لي
وقال ابراهيم النخعي لسليمان الاعمش - وأراد ان يماشيه - فقال ان الناس اذا رأونا معا قالوا أعور وأعمش قال وما عليك ان يأثموا ونؤجر قال إبراهيم وما عليك ان يسلموا ونسلم
قال أبو الحسن كان هشام بن حسان اذا ذكر يزيد بن المهلب قال انه كانت السفن لتجري في جوده قال مكتوب في الحكمة التوفيق خير قائد وحسن الخلق خير قرين والوحدة خيرمن قرين السوء
وكان مالك بن دينار يقول ما اشد فطام الكبير وينشد قول الشاعر

( وتروض عرسك بعد ما هرمت ... ومن العناء رياضة الهرم )
وقال صالح المري كن الى الاستماع أسرع منك الى القول ومن خطأ الكلام اشد حذرا من خطأ السكوت
وقال الحسن بن هانىء
( خل جنبيك لرام ... وامض عنه بسلام )
( مت بداء الصمت خير ... لك من داء الكلام )
( انما السالم من ... ألجم فاه بلجام )
( ربما استفتحت بالمزح ... مغاليق الحمام )
قال أبو عبيدة وأبو الحسن تلكم جماعة من الخطباء عند مسلمة بن عبد الملك فأسهبوا في القول ثم اقترع المنطق رجل من أخريات الناس لا يخرج من حسن الا الى احسن منه فقال مسلمة ما شبهت كلام هذا بعقب كلام هؤلاء الا بسحابة لبدت عجاجة
قال ابو الحسن علم اعرابي بنيه الخراءة فقال اتبعوا الخلاء وابعدوا من الملاء واعلوا الضراء واستقلوا الريح وافجوا فجاج النعامة وامتسحوا بأشملكم
ويروى عن الحسن انه قال لما حضرت قيس بن عاصم الوفاة دعا بنيه فقال يا بني احفظوا عني فلا احد انصح لكم مني اذا مت فسودوا كباركم ولا تسودوا صغاركم فيسفه الناس كباركم وتهونوا عليهم وعليكم باستصلاح المال فانه منبهة للكريم ويستغنى به عن اللئيم وإياكم ومسألة الناس فانها آخر كسب الرجل
سئل دغفل النسابة عن بني عامر بن صعصعة قال أعناق ظباء وأعجاز نساء قيل فتميم قال حجر اخشن ان دنوت منه آذاك وان تركته اعفاك قيل فاليمن قال سيد وأنوك
وكانوا يقولون لا تستشيروا معلما ولا راعي غنم ولا كثير القعود مع النساء
وقال عفان بن شيبة كنت رديف ابي فلقيه جرير على بغل فحياه أبي وألطفه فقلت له ابعد ما قال لنا ما قال يا بني افأوسع جرحي قال ودعا

جرير رجلا من شعراء بني كلاب الى مهاجاته فقال الكلابي ان نسائي بأمتعهن ولم تدع الشعراء في نسائك مترقعا وقال جرير انا لا ابتدي ولكني اعتدي
وكان الحسن في جنازة فيها نوائح ومعه رجل فهم الرجل بالرجوع فقال الحسن ان كنت كلما رأيت قبيحا تركت له حسنا اسرع ذلك في دينك
قال ابو عبيدة لقي المخبل القريعي الزبرقان فقال كيف كنت بعدي ابا شذرة قال كما يسرك محيلا مجربا
قال وكان عبد الملك بن مروان يقول جمع ابو زرعة - يعني روح بن زنباع - طاعة اهل الشام ودهاء اهل العراق وفقه اهل الحجاز
وذكر لعمر بن الخطاب اتلاف شباب من قريش أموالهم فقال عمر خرقه احدهم اشد علي من عيلته وقال عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه حرفة يعاش بها خير من مسألة الناس
وقال زياد لو ان لي ألف ألف درهم ولي بعير أجرب لقمت عليه قيام من لا يملك غيره ولو ان عندي عشرة دراهم لا أملك غيرها ولزمني حق لوضعتها فيه
وقال عمرو بن العاص البطنة تذهب الفطنة
وقال معاوية بن ابي سفيان ما رأيت رجلا مستهترا بالباءة الا تبينت ذلك في منته
قال الاصمعي قال ابو سفيان الفقعسي لاعرابي من طيء أبامرأتك حمل قال لا وذو بيته في السماء ما ادري والله ما لها ذنب تشال به ومما اتيتها الا وهي ضبعة
قال ابو الحسن المدائني اتخذ يزيد بن المهلب بستانا بخراسان في داره فلما ولي قتيبة خراسان جعل ذلك لابله فقال له مرزبان مروان هذاكان بستانا ليزيد وقد اتخذته لا بلك فقال قتيبة ان أبي كان اشتربان - يعني رئيس الجمالين - وأبو يزيد كان بستان بان
وقال الحجاج بن يوسف لعبد الملك بن مروان يوما لو كان رجل من ذهب لكنته قال وكيف ذلك قال لم تلدني أمة بيني وبين آدم ما خلا

هاجر فقال لولا هاجر لكنت كلبا من الكلاب
ومات ابن لعبيد الله بن الحسن فعزاه صالح المري فقال ان كانت مصيبتك في ابنك احدثت لك عظة في نفسك فمصيبتك في نفسك أعظم من مصيبتك في ميتك
وعزى عمرو بن عبيد أخاه على ابن مات له فقال ذهب أبوك وهو أصلك وذهب ابنك وهو فرعك فما حال الباقي بعد ذهاب أصله وفرعه
وكان يزيد بن عمر بن هبيرة يقول احذفوا الحديث كما يحذفه مسلم بن قتيبة
وقال رجل من بني تميم لصاحب له أصحب من يتناسى معروفه عندك ويتذكر حقوقك عليه
وعذل عاذل شعيب بن زياد على شرب النبيذ فقال لا أتركه حتى يكون شر عملي
وقال المأمون أشربه ما استبشعته حتى اذا سهل عليك فاتركه
وقال النبي اذا كتب احدكم فليترب كتابه فان التراب مبارك وهو أنجح للحاجة ونظر الى رجل في الشمس فقال تحول الىالظل فانه مبارك
وقال المغيرة بن شعبة لا يزال الناس بخير ما تعجبوا من العجب وكان يقال ترك الضحك من العجب أعجب من الضحك من غير العجب
وقدم سعيد بن العاص على معاوية فقال كيف تركت أبا عبد الملك قال منفذا لأمرك ضابطا لعملك فقال معاوية انما هو كصاحب الخبزة كفي إنضاجها فأكلها فقال سعيد كلا انه بين قوم يتهادون فيما بينهم كلاما كوقع النيل سهما لك وسهما عليك قال فما باعد بينك وبينه قال خفته على شرفي وخافني على مثله قال فأي شيء كان له عنك في ذلك قال أسوؤه حاضرا وأسره غائبا قال يا أبا عثمان تركتنا في هذه الحروب قال نعم تحملت الثقل وكفيت الحزم وكنت قريبا لو دعيت لأجبت ولو أمرت لأطعت قال معاوية يا أهل الشام هؤلاء قومي وهذا كلامهم
قال وكان الحجاج يستثقل زياد بن عمرو العتكي فلما أثنى الوفد على

الحجاج عند عبد الملك - والحجاج حاضر - قال زياد يا امير المؤمنين ان الحجاج سيفك الذي لا ينبو وسهمك الذي لا يطيش وخادمك الذي لا تأخذه فيك لومة لائم فلم يكن بعد ذلك احد أخف على قلبه منه
وقال شبيب بن شيبة لمسلم بن قتيبة والله ما أدري اي يوميك أشرف أيوم ظفرك ام يوم عفوك وقال غلام لأبيه - وقد قال - لست لي ابنا - والله لأنا أشبه بك منك بأبيك ولأنت اشد تحصينا لأمي من أبيك لأمك
وكتب عبد الله بن معاوية بن عبد الله بن جعفر ذي الجناحين الى رجل من اخوانه
أما بعد فقد عاقني الشك في أمرك عن عزيمة الرأي فيك ابتدأتني بلطف من غير خبرة ثم اعقبتني جفاء من غير ذنب فأطمعني أولك في إخائك وايسني اخرك في وفائك فلا أنا في اليوم مجمع لك اطراحا ولا انا في غدو انتظاره منك على ثقة فسبحان من لو شاء كشف بايضاح الرأي في أمرك عن عزيمة الشك فيك فأقمنا على ائتلاف او افترقنا على اختلاف والسلام

كتاب عبد الله بن معاوية بن جعفر الى ابي مسلم يستعطفه

وكتب الى ابي مسلم صاحب الدعوة من الحبس
من الاسير في يديه بلا ذنب اليه ولا خلاف عليه اما بعد فآتاك الله حفظ الوصية ومنحك نصيحة الرعية والهمك عدل القضية فانك مستودع ودائع ومولى صنائع فاحفظ ودائعك بحسن صنائعك فالوادائع عارية والصنائع مرعية وما النعم عليك وعلينا فيك بمنزور نداها ولا بمبلوغ مداها فنبه للتفكير قلبك واتق الله ربك وأعط من نفسك من هو تحتك ما تحب ان يعطيك من هو فوقك من العدل والرأفة والأمن من المخافة فقد انعم الله عليك بأن فوض امرنا اليك فاعرف لنا لين شكر المودة واغتفار مس الشدة والرضا بما رضيت والقناعة بما هويت فان علينا من سمك الحديد وثقله اذى شديد مع معالجة الاغلال وقلة رحمة العمال الذين تسهيلهم الغلظة وتيسيرهم الفظاظة وإيرادهم علينا الغموم وتوجيههم الينا الهموم زيارتهم الحراسة وبشارتهم الاياسة فاليك بعد الله نرفع كربة الشكوى ونشكو شدة البلوى فمتى تمل الينا طرفا وتولنا منك عطفا تجد عندنا نصحا صريحا وودا

صحيحا لا يضيع مثلك مثله ولا ينفي مثلك اهله فارع حرمة من ادركت بحرمته واعرف حجة من فلجت بحجته فان الناس من حوضك رواء ونحن منه ظماء يمشون في الابراد ونحن نحجل في الاقياد بعد الخير والسعة والخفض والدعة والله المستعان وعليه التكلان صريح الاخبار منجى الأبرار الناس من دولتنا في رخاء ونحن منها في بلاء حين أمن الخائفون ورجع الهاربون رزقنا الله منك التحنن وظاهر علينا من التمنن فانك أمين مستودع ورائد مستصطفى والسلام ورحمة الله
قال هشام بن الكلبي حدثنا خالد بن سعيد عن أبيه قال شكت بنو تغلب السنة الى معاوية فقال كيف تشكون الحاجة مع ارتجاج البكارة واختلاف المهارة

كتاب معاوية الى قيس بن سعد

وقال ابن الكلبي كتب معاوية الى قيس بن سعد أما بعد فانك يهودي ابن يهودي ان ظفر أحب الفريقين اليك عزلك واستبدل بك وان ظفر ابغضهما اليك قتلك ونكل بك وكان ابوك وترقوسه ورمى غير غرضه فأكثر الحز واخطأ المفصل فخذله قومه وأدركه يومه ثم مات طريدا بحوران والسلام

جواب قيس بن سعد معاوية

فكتب اليه قيس بن سعد
أما بعد فانما انت وثن ابن وثن دخلت في الاسلام كرها وخرجت منه طوعا لم يقدم ايمانك ولم يحدث نفاقك وقد كان ابي وتر قوسه ورمى غرضه وشغب عليه من لم يبلغ كعبه ولم يشق غباره ونحن أنصار الدين الذي خرجت منه وأعداء الدين الذي دخلت فيه والسلام
وقال أبو عبيدة وأبواليقظان وأبو الحسن قدم وفد أهل العراق على معاوية وفيهم الاحنف فخرج الاذن فقال ان امير المؤمنين يعزم عليكم ان لا يتكلم احد الا لنفسه فلما وصلوا اليه قال الاحنف لولا عزيمة امير المؤمنين لاخبرته ان دافة دفت ونازلة نزلت ونائبة نابت ونابتة نبتت كلهم بهم حاجة الى

معروف امير المؤمنين وبره قال حسبك يا ابا بحر فقد كفيت الغائب والشاهد
وقال غيلان بن خرشة للاحنف ما فيه بقاء العرب قال اذا تقلدوا السيوف وشدوا العمائم وركبوا الخيل ولم تأخذهم حمية الاوغاد قال وما حمية الاوغاد قال ان يعدوا التواهب فيما بينهم ضيما وقال عمر العمائم تيجان العرب وقيل لاعرابي ما لك لا تضع العمامة عن رأسك قال ان شيئا فيه السمع والبصر لحقيق بالصون
وقال علي رضي الله تعالى عنه جمال الرجل في كمته وجمال المرأة في خفها
وقال الاحنف استجيدوا النعال فانها خلاخيل الرجال قال وجرى ذكر رجل عند الاحنف فاغتابوه فقال الاحنف مالكم وماله يأكل رزقه وتحمل الارض ثقله ويكفي قرنه
مسلمة بن محارب قال قال زياد لحرقة بنت النعمان ما كانت لذة أبيك قالت ادمان الشراب ومحادثة الرجال
وقال سليمان بن عبد الملك قد ركبنا الفاره وتبطنا الحسناء ولبسنا اللين حتى استخشناه وأكلنا الطيب حتى أجمناه فما انا اليوم الى شيء أحوج مني الى جليس يضع عني مؤونة التحفظ
وأشاروا على عبيد الله بالحقنة فتفحشها فقالوا انما يتولاها منك الطبيب فقال انا بالصاحب انس
وقال معاوية بن ابي سفيان للنخار بن أوس العذري ابغني محدثا قال او معي يا امير المؤمنين قال نعم استريح منه اليك ومنك اليه
وقال عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه لابي مريم الحنفي والله لا احبك حتى تحب الارض الدم المسفوح قال فتمنعني لذلك حقا قال لا قال لاضير انما يأسف على الحب النساء وقال عمر لرجل هم بطلاق امراته لم تطلقها قال لا احبها قال او كل البيوت بنيت على الحب فأين الرعاية والتذمم
وأتى عبد الملك بن مروان برجل فقال زبيري عميري والله لا يحبك

قلبي ابدا قال يا امير المؤمنين انما تبكي على الحب المرأة ولكن عدل وانصاف
قال عبد الله بن المبارك عن هشام بن عروة نازع مروان ابن الزبير عند معاوية فرأى ابن الزبير ان ضلع معاوية مع مروان فقال ابن الزبير يا امير المؤمنين ان لك حقا وطاعة علينا وان لك بسطة وحرمة فينا فاطع الله نطعك فانه لا طاعة لك علينا الا في حق الله ولا تطرق اطراق الأفعوان في أصول الخبر
قال ابو عبيدة قيل لشيخ مرة ما بقي منك قال يسبقني من بين يدي ويلحقني من خلفي وأنسى الحديث واذكر القديم وانعس في الملاء وأسهر في الخلاء واذا قمت قربت الارض مني واذا اقعدت تباعدت عني
وقال الاصمعي قلت لأعرابي معه ضاجعة من شاء لمن هذه قال هي الله عندي ولما قتل عبد الملك بن مروان مصعبا ودخل الكوفة قال لهيثم بن ابن الاسود النخعي كيف رأيت الله صنع قال قد صنع الله خيرا فخفف الوطأة وأقل التثريب
وقال ابن عباس اذا ترك العالم قول لا ادري أصيبت مقاتله وكانوا يستحبون ان لا يجيبوا في كل ما سئلوا عنه وقال ابن عمر من قال عندما لا يدري لا أدري فقد أحرز نصف العلم
وقال ابن عباس ان لكل داخل دهشة فانسوه بالتحية
واعتذر رجل الى مسلم بن قتيبة فقال مسلم لا يدعونك أمر قد تخلصت منه الى الدخول في أمر لعلك لا تخلص منه
وكان يقال دعوا المعاذر فان اكثرها مفاجر
وقال ابراهيم النخعي لعبد الله بن عوف تجنب الاعتذار فان الاعتذار يخالطه الكذب
واعتذر رجل الى احمد بن أبي خالد فقال لأبي عياد ما تقول في هذا قال يوهب له جرمه ويضرب على عذره اربعمائة وقد قال الاول عذره اعظم من ذنبه

وقيل لابن عباس ولد عمر بن أبي ربيعة في الليلة التي مات فيها عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه فسمي باسمه فقال ابن عباس أي حق رفع وأي باطل وضع
وقال عبد الله بن جعفر لابنته يا بنية إياك والغيرة فانها مفتاح الطلاق وإياك والمعاتبة فانها تورث الضغينة وعليك بالزينة والطيب واعلمي ان أزين الزينة الكحل وأطيب الطيب الماء
ولما نازع ابن الزبير مروان عند معاوية قال ابن الزبير يا معاوية لا تدع مروان يرمي جماهير قريش بمشاقصه ويضرب صفاتهم بمعاوله ولولا مكانك لكان أخف على رقابنا من فراشه وأقل في نفوسنا من خشاشة ولئن ملك أعنة خيل تنقاد له ليركبن منك طبقا تخافه قال معاوية إن يطلب هذا الامر فقد طمع فيه من هو دونه وان يتركه لمن هو فوقه وما أراكم بمنتهين حتى يبعث الله اليكم من لا يعطف عليكم بقرابة ولا يذكركم عند ملمة يسومكم خسفا ويوردكم تلفا فقال ابن الزبير اذا والله نطلق عقال الحرب بكتائب تمور كرجل الجراد حافاتها الاسل لها دوي كدوي الريح تتبع غطريفا من قريش لم تكن أمه براعية ثلة قال معاوية أنا ابن هند أطلقت عقال الحرب فأكلت ذروة السنام وشربت عنفوان المكرع وليس للآكل إلا الفلذة ولا للشارب الا الرنق
قال بكر بن الاسود قال الحسن بن علي لحبيب بن مسلمة رب مسير لك في غير طاعة الله قال أما مسيري الى أبيك فلا قال بلى ولكنك اطعت معاوية على دنيا قليلة فلعمري لئن كان قام بك في دنياك لقد قعد بك في دينك ولو انك ان فعلت شرا قلت خيرا كنت كما قال الله تعالى ( خلطوا عملا صالحا واخر سيئا ) ولكنك كما قال الله تعالى ( كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون )
قال ابو الحسن سمعت اعرابيا في المسجد الجامع بالبصرة بعد العصر سنة ثلاث وخمسين ومائة وهو يقول أما بعد فإنا ابناء سبيل وأنضاء طريق وفل سنة تصدقوا علينا فانه لا قليل مع الأجر ولا غنى عن الله ولا عمل بعد الموت أما والله إنا لنقوم هذا المقام وفي الصدر حزازة وفي القلب غصة

وقال الاحنف بخراسان يا بني تميم تحابوا تجتمع كلمتكم وتباذلوا تعتدل أموركم وابدأوا بجهاد بطونكم وفروجكم يصلح لكم دينكم ولا تغلوا يسلم لكم جهادكم ومن كلام الاحنف السائر في ايدي الناس إلزم الصحة يلزمك العقل
وقال خالد بن صفوان وسئل عن الكوفة والبصرة نحن منابتنا قصب وأنهارنا عجب وسماؤنا رطب وأرضنا ذهب وقال الاحنف نحن أبعد منكم سرية واعظم منكم تجربة واكثر منكم ذرية وأغذى منكم برية
وقال ابو بكر الهذلي نحن اكثر منكم ساجا وعاجا وديباجا وخراجا ونهرا عجاجا
وكتب صاحب لابي بكر الهذلي الى رجل يعزيه عن أخيه أوصيك بتقوى الله وحده فانه خلقك وحده ويبعثك يوم القيامة وحده والعجب كيف يعزى ميت ميتا عن ميت والسلام
وقال رجل لابن عباس أيهما أحب اليك رجل قليل الذنوب قليل العمل او رجل كثير الذنوب كثير العمل قال ما أعدل بالسلامة شيئا
وقال آخر حماقة صاحبي علي أشد ضررا منها عليه قال شعبة ابو بسطام قال عبد الرحمن بن ابي ليلى لا أماري أخي فأما ان اكذبه وإما ان أغضبه واحتد علي بن ابي ليلى رجل من جلسائه فقال ابن أبي ليلى له اهد الينا من هذا ما شئت فلما مات ابن ابي ليلى وعمرو بن عبيد رحمهما ا لله قال ابو جعفر المنصور ما بقي احد يستحي منه
ولما مات عبد الله بن عامر قال معاوية رحم الله أبا عبد الرحمن بمن يفاخر مسلمة بن محارب
وقال زياد ما قرأت كتاب رجل قط إلا عرفت عقله فيه
وقال ابو معشر لما بلغ عبد الله بن الزبير قتل عبد الملك بن مروان عمرو ابن سعيد الاشدق قام خطيبا فقال ان أبا ذبان قتل لطيم الشيطان ( كذلك نولى بعض الظالمين بعضا بما كانوا يكسبون ) ولما جاءه قتل أخيه مصعب بن الزبير قام خطيبا بعد خطبته الأولى فقال ان مصعبا قدم أيره وأخر خيره وتشاغل بنكاح فلانه وفلانه وترك حلبة اهل الشام حتى غشيته في داره

ولئن هلك مصعب إن في آل الزبير خلفا منه
ولما قدم ابن الزبير بفتح افريقية أمره عثمان فقام خطيبا فلما فرغ من كلامه قال عثمان أيها الناس انكحوا النساء على ابائهن واخوتهن فاني لم أر في ولد أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنه أشبه به من هذا
وسمع عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه اعرابيا يقول اللهم اغفر لأم أوفى قال ومن أم أوفى قال امرأتي وانها لحمقاء مرغامة أكول ملقامة لا تبقي لها حامة غير انها حسناء فلا تفرك وأم غلمان فلا تترك
ودفعوا الى اعرابية علكا لتمضغه فلم تفعل لها في ذلك فقالت ما فيه الا تعب الاضراس وخيبة الحنجرة
وكان أبو مسلم استشار مالك بن الهيثم حين ورد عليه كتاب المنصور في القدوم عليه بذلك فلم يشر عليه فلما قتل ابو مسلم أذكره ذلك فقال ان أخاك إبراهيم الإمام حدث عن أبيه محمد بن علي انه قال لا يزال الرجل يزاد في رأيه اذا نصح لمن استشاره فكنت له يومئذ كذلك وأنا اليوم لك كذلك
وقال الحسن التقدير نصف الكسب والتودد نصف العقل وحسن طلب الحاجة نصف العلم
قال رجل لعمرو بن عبيد إني لأرحمك مما يقول الناس فيك قال أفتسمعني اقول فيهم شيئا قال لا قال إياهم فارحم
ومدح نصيب ابوالحجناء عبد الله بن جعفر فأجزل له من كل صنف فقيل له أتصنع هذا بمثل هذا العبد الاسود فقال أما والله لئن كان جلده اسود فان ثناءه لأبيص وان شعره لعربي وقد استحق بما قال اكثر مما نال وانما اخذ رواحل تنضى وثيابا تبلى ومالا يفنى واعطى مديحا يروى وثناء يبقى
وقف أعرابي في بعض المواسم فقال اللهم ان لك علي حقوقا فتصدق بها علي وللناس تبعات قبلي فتحملها عني وقد أوجبت لكل ضيف قرى وأنا ضيفك فاجعل قرأي في هذه الليلة الجنة ووقف أعرابي فسأل قوما فقالوا له عليك بالصيارفة قال هناك والله قراره اللؤم

وقال مسلمة ثلاثة لا أعذرهم رجل أحفى شعره ثم اعفاه ورجل قصر ثيابه ثم أطالها ورجل كان عنده سراري فتزوج حره
وقال ابو اسحق قال حذيفة كن في الفتنة كابن لبون لا ظهر فيركب ولا لبن فيحلب وقال الشاعر - ليس هذا الباب في الخبر الذي قبل هذا
( ألم تر أن الناب تحلب علبة ... ويترك ثلب لا ضراب ولا ظهر )
وقال عتبة بن هرون قلت لرؤبة كيف خلفت ما وراءك قال التراب بابس والمرعى عابس
وقال معاوية بن أبي سفيان لابن عباس اني لا اعلم انك واعظ نفسه ولكن المصدور اذا لم ينفث جوي
وقيل لعبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود أتقول الشعر مع النسك والفضل والفقه قال لا بد للمصدور من ان ينفث
قال ابو الذيال شويس انا والله العربي لا ارفع الجربان وألبس التبان ولا احسن الرطانة ولأنا أرسى من حجر وما قرقمني الا الكرم
وقال ابو الحسن وغيره قال عمرو بن عتبة بن ابي سفيان للوليد بن يزيد ابن عبدالملك وهو بالنجراء من ارض حمص يا أمير المؤمنين انك تستنطقني بالأنس بك وأكف عن ذلك بالهيبة لك وأراك تأمن أشياء أخافها عليك افأسكت مطيعا ام اقول مشفقا قال كل ذلك مقبول منك والله فينا علم غيب نحن صائرون اليه ونعود فنقول قال فقتل بعد أيام
وكان أيوب السختياني يقول لا يعرف الرجل خطأ معلمه حتى يسمع الاختلاف
قال بعضهم كنت أجالس ابن صغير في النسب فجلست اليه يوما فسألته عن شيء من الفقه فقال ألك بهذا حاجة عليك بذلك وأشار بذلك الى سعيد بن المسيب فجلست اليه لا اظن ان عالما غيره ثم تحولت الى عروة ففتقت به ثبج بحر قال وقلت لعثمان البري دلني على باب الفقه قال اسمع الاختلاف
وقيل لاعرابي عند من تحب ان يكون طعامك قال عند أم صبي راضع او ابن سبيل شاسع او كبير جائع او ذي رحم قاطع

وقال بعضهم اذا اتسعت المقدرة نقصت الشهوة قال قلت فمن اسوأ الناس حالا قال من اتسعت معرفته وبعدت همته وقويت شهوته وضاقت مقدرته وذكر عند عائشة الشرف فقالت كل شرف دونه لؤم فاللؤم اولى به وكل لؤم دونه شرف فالشرف أولى به
ودخل رجل على أبي جعفر فقال له اتق الله فأنكر وجهه فقال يا أمير المؤمنين عليكم نزلت ولكم قيلت واليكم زدت
وقال رجل عند مسلمة ما استرحنا من حائك كندة حتى جاءنا هذا المزوني فقال مسلمة أتقول هذا لرجل سار اليه فريقا قريش يعني نفسه والعباس بن الوليد حاول عظيما ومات كريما
وقال عبدالله بن الحسن قال علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه خصصنا بخمس فصاحة وصباحة وسماحة ونجدة وحظوة يعني عند النساء
روى علي بن مجاهد بن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت جبلت القلوب على حب من أحسن اليها وبغض من أساء اليها
وقال الاصمعي كتب كتاب حكمة فبقيت منه بقية فقالوا ما نكتب فيه فقال أكتبوا يسأل عن كل صناعة أهلها
وقال شبيب بن شيبة للمهدي ان الله لم يرض ان يجعلك دون احد من خلقه فلا ترض لنفسك ان يكون احد أخوف لله منك
قال يحيى بن اكثم سياسة القضاء اشد من القضاء وقال ان من اهانة العلم ان تجاري فيه كل من جاراك
وحمل رقبة بن مصقلة من خراسان رجلا الى أمه خمسمائة درهم فأبى الرجل ان يدفعها اليها حتى تكون معها البينة على أنها أمه فقالت لخادم لها اذهبي حتى تأتينا ببعض من يعرفنا فلما أتاها الرجل برزت وقالت الحمد الله أشكو الى الله الذي أبرزني وشهر بالفاقة أهلي فلما سمع كلامها قال أشهد انك أمه فردى الخادم ولا حاجة بنا الى ان تجيء البينة
وكان الحسن يقول في خطبة النكاح بعد حمد الله والثناء عليه أما بعد فان الله جمع بهذا النكاح الارحام المنقطعة والانساب المتفرقة وجعل ذلك

في سنة من دينه ومنهاج واضح من أمره وقد خطب اليكم فلان وعليه من الله نعمة
قال عامر بن سعيد سمعت الزبير يعزي عبدالرحمن على بعض نسائه فقال وهو قائم على قبرها لا يصفر ربعك ولا يوحش بيتك ولا يضيع أجرك رحم الله متوفاك وأحسن الخلافة عليك
قال عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه خير صناعات العرب أبيات يقدمها الرجل بين يدي حاجته يستميل بها الكريم ويستعطف بها اللئيم
وليم ابن الزبير على طول خطبته عشية عرفة فقال أنا قائم وهم جلوس وأتكلم وهم سكوت ويضجرون
وقال موسى بن يحيى كان يحيى بن خالد يقول ثلاثة أشياء تدل على عقول أربابها الكتاب يدل على مقدار عقل كاتبه والرسول على مقدار عقل مرسله والهدية على مقدار مهديها وذكر اعرابي أميرا فقال يقضي بالعشوة ويطيل النشوة ويقبل الرشوة
وقال يزيد بن الوليد ان النشوة تحل العقدة وتطلق الحبوة وقال إياكم والغناء فانه مفتاح الزنا
وقال عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه اذا توجه احدكم في وجه ثلاث مرات فلم يصب خيرا فليدعه
قال علي بن أبي طالب كرم الله تعالى وجهه لا تكونن كمن يعجز عن شكر ما أوتي ويبتغي الزيادة فيما بقي وينهى ولا ينتهي ويأمر الناس بما لا يأتي يحب الصالحين ولا يعمل باعمالهم ويبغض المسيئين وهو منهم ويكره الموت لكثرة ذنوبه لا يدعها في طول حياته
قال اعرابي خرجت حيث انحدرت ايدي النجوم وشالت أرجلها فلم أزل أصدع الليل حت انصدع لي الفجر وسألت اعرابيا عن مسافة ما بين بلدين فقال عمر ليلة وأديم يوم وقال آخر سواده ليلة او بياض يوم وقال بعض الحكماء لا يضرك حب امرأة لا تعرفها
وقال رجل لأبي الدرداء فلان يقرئك السلام فقال هدية حسنة ومحمل خفيف

وسرق مزيد نافجة مسك فقيل له ان كل من غل يأتي يوم القيامة بحمله على عنقه قال اذا والله أحملها طيبة الريح خفيفة المحمل
قال ومن أبخل ترك رد السلام قال ابن عمر لعمري إني لأرى حق رجع جواب الكتاب كرد السلام
وجاء رجل الى سليمان فقال يا أبا عبدالله فلان يقرأ عليك السلام فقال أما إنك لو لم تفعل لكانت أمانة في عنقك
قال مثنى بن زهير لرجل احتفظ بكتابي حتى توصله الى اهلي فمن العجب ان الكتاب ملقى والسكران مؤتى وكان عبدالملك بن حجاج يقول لأنا للعاقل المدبر ارجى من الاحمق المقبل قال وإياك ومصاحبة الاحمق فانه ربما أراد ان ينفعك فضرك
وكتب الحجاج الى عامل له بفارس إبعث إلي بعسل من عسل خلار من النحل الابكار من الدستفشار الذي لم تمسه النار وقال الشاعر
( وما المرء إلا حيث يجعل نفسه ... ففي صالح الاخلاق نفسك فاجعل )
ونظر ابو الحارث جمين الى برذون يستقي عليه الماء فقال وما المرء الا حيث يجعل نفسه لو ان هذا البرذون هملج ما فعل به هذا
وقال عمران بن هداب قال مسلم بن قتيبة رب المعروف أشد من ابتدائه
وقال محمد بن واسع الاتقاء على العمل أشد من العمل
وقال يحيى بن اكثم سياسة القضاء اشد من القضاء
وقال محمد بن محمد الحمراني من التوقي ترك الافراط في التوقي
وقال ابو قرة الجوع للحمية أشد من العلة
وقال الجماز الحمية احدى العلتين
وقال القمي من احتمى فهو على يقين من تعجيل المكروه وفي شك مما يأمل من دوام الصحة وقال اعتبر عزمه بحميته وحزمه بمتاع بيته قال وذكر اعرابي رجلا فقال حناء المبتلى حنوط المعافى
وقالوا أمران لا ينفكان من الكذب كثرة المواعيد وشدة الاعتذار
وقيل لرجل من الحكماء ما جماع البلاغه قال معرفة السليم من المعتل وفصل ما بين المضمن والمطلق وفرق ما بين المشترك والمفرد وما يحتمل

التأويل من المنصوص المقيد
وقال سهل بن هرون في كتاب له واجب على كل ذي مقالة ان يبتدىء بالحمد قبل استفتاحها كما بديء بالنعمه قبل استحقاقها
وقال ابو ألبلاد
( إنا وجدنا الناس عودين طيبا ... وعودا خبيثا لا يبض على العصر )
( تزين الفتى اخلاقه وتشينه ... وتذكر اخلاق الفتى وهو لا يدري )
وقال آخر في هذا المعنى
( سابق الى الخيرات اهل العلى ... فانما الناس أحاديث )
( كل امرىء من شأنه كادح ... فوارث منه وموروث )
ولما قال حمل بن بدر لبني عبس والاسنة في ظهورهم والبوارق فوق رؤوسهم نؤدي السبق وندى الصبيان وتخلون سربنا وتسودون العرب انتهره حذيفة وقال اياك والكلام المأثور
وقال الشاعر
( اليوم خمر ويبدو في غد خبر ... والدهر من بين انعام واياس )
وقال اعرابي ان المسافر ومتاعه لعلى قلت الا ما وقى الله
وقالوا السفر قطعة من العذاب وصاحب السوء قطعة من النار
وجلس معاوية رضي الله تعالى عنه بالكوفة يبايع على البرءاة من علي بن ابي طالب كرم الله تعالى وجهه فجاءه رجل من بني تميم فأراده على ذلك فقال يا أمير المؤمنين نطيع أحياءكم ولا نبرأ من موتاكم فالتفت الى المغيرة فقال ان هذا رجل فاستوص به خيرا وقال الشاعر
( قالت امامة يوم برقة واصل ... يا ابن العذير لقد جعلت تغير )
( أصبحت بعد زمانك الماضي الذي ... ذهبت شبيبته وغصنك أخضر )
( شيخا دعامتك العصا ومشيعا ... لا تبتغي خبرا ولا تستخبر )
وكان الربيع بن خيثم لا يخبر ولا يستخبر وكان مطرف بن عبدالله يستخبر ويخبر قالوا فينبغي ان يكون اعقلهم وقال ابو عبيدة كان ابن سيرين لا يستخبر ولا يخبر وأنا أخبر واستخبر
وقال ابو عمرو بن العلاء لاهل الكوفة لكم حذلقة النبط وصلفهم ولنا

دها فارس وأحلامهم وأنشدوا للحارث بن حلزة اليشكري
( لا أعرفنك ان ارسلت قافيه ... تلقىالمعاذير ان لم تنفع العذر )
( إن السعيد له في غيره عظة ... وفي التجارب تحكيم ومعتبر )
ومعنى المعاذير ههنا على غير معنى قول الله تبارك وتعالىفي القرآن ( بل الانسان على نفسه بصيرة ولو ألقىمعاذيره )
اراد رجل الحج فسلم على شعبة بن الحجاج فقال له أما انك ان لم تعد الحلم ذلا والسفه أنفا سلم لك حجك
وكان علي رضي الله تعالىعنه بالكوفة قد منع الناس من القعود على الطريق فكلموه في ذلك فقال أدعكم على شريطة قالوا وماهي يا أمير المؤمنين قال غض الابصار ورد السلام وارشاد الضلال قالوا قد قبلنا فتركهم
وكان أبو نوفل بن ابي عقرب لايجلس الا على باب داره وكان عامرا بالمارة فقيل له ان في ذلك نشرة وصرف النفوس عن الاماني واعتبارا لمن اعتبر وعظة لمن فكر فقال ان في ذلك حقوقا يعجز عنها ابن خيثمة قالوا وما هي قال غض الطرف ورد التحية وارشاد الضال وضم اللقطة والتعرض لطلاب الحوائج والنهي عن المنكر والشغل بفضول النظر الداعية الى فضول القول والعمل وعادة قطعتها اشتدت وحشتك وان صلتها قطعتك عن أمور هي أولى بك
قال فضيل بن عياض لسفيان الثوري دلني على جليس أطمئن اليه قال هيهات تلك ضالة لا توجد
وقيل لبعض العلماء اي الامور أمتع قال مذاكرة العلماء وقيل لعبد الرحمن بن ابي بكرة أي الامور امتع قال الاماني
وقال رجاء بن حيوة لعبد الملك بن مروان في أساري بن الاشعث ان الله قد اعطاك ماتحب من الظفر فاعط الله ما يحب من العفو
وقال هزيم بن عدي بن أبي طحمة ليزيد بن عبد الملك بعد ظفره بيزيد ابن المهلب ما رأينا احدا ظلم ظلمك ولا نصر نصرك ولا عفا عفوك قال وذم رجل رجلا فقال سيء الروية قليل التقية كثير السعاية قليل النكاية

قال معاوية لمعاوية بن حديج الكندي ما جرأك على قتل قريش قال ما أنصفتمونا تقتلون حلماءنا وتلوموننا على قتل سفهائكم وهو الذي قال لأم الحكم بنت ابي سفيان والله لقد نكحت فما استكرمت وولدت فما أنجبت
قال ابو بكر بن مسلمة عن ابي اسحق القيسي لما قدم قتيبة بن مسلم خراسان قال من كان في يديه شيء من مال عبد الله بن خازم فلينبذه وان كان في فيه فليلفظه وان كان في صدره فلينفثه فعجب الناس من حسن ما فصل وقسم قال ثم غبر بعد ذلك عيال عبد الله بن خازم وما بخراسان احسن مالا منهم
وقال عنبسة القطان شهدت الحسن وقال له رجل بلغنا انك تقول لو كان علي بالمدينة يأكل من حشفها لكان خيرا له مماصنع فقال الحسن يالكع أما والله لقد فقدتموه سهما من مرامي الله غير سؤوم لامر الله ولا سروقة لمال الله أعطى للقران عزائمه فيما عليه وله فأحل حلاله وحرم حرامه حتى أورده ذلك رياضا مونقة وحدائق مغدقة ذاك ابن ابي طالب يالكع
قال يزيد بن عقال قال عبد الملك بن صالح يوصي ابنه وهو امير سرية ونحن ببلاد الروم فقال له انت تاجر الله لعبادة فكن كالمضارب الكيس الذي ان وجد ربحا تجر وإلا احتفظ برأس المال ولا تطلب الغنيمة حتى تحوز السلامة وكن من احتيالك علىعدوك اشد خوفا من احتيال عدوك عليك
وقال بعض الحكماء لا تصطنعوا الى ثلاثة معروفا اللئيم فانه بمنزلة الارض السبخة والفاحش فانه يرى الذي صنعت اليه انما هو لمخافة فحشه والاحمق فانه لا يعرف قدر ما أسديت اليه فاذا اصطنعت الى الكرام فازدرع المعروف واحصد الشكر قال وواضع المعروف في غير اهله كالمسرج في الشمس والزارع في السبخ ومثله البيت السائر في الناس
( ومن يصنع المعروف في غير اهله ... يلاقي الذي لاقى مجير أم عامر )
وقالوا من لم يعرف سوء ما يولى لم يعرف حسن ما يولى
وقال الايادي صاحب الصرح الذي اتخذ سلما لمناجاة الرب - وهوالذي كان يقول مرضعة وفاطمة القطيعة والفجيعة وصلة الرحم وحسن الكلم - قال

زعم ربكم ليجزين بالخير ثوابا وبالشر عقابا ان من في الارض عبيد لمن في السماء هلكت جرهم وربلت إياد وكذلك الصلاح والفساد من رشد فاتبعوه ومن غوى فارفضوه كل شاة برجلها معلقة وإياه عنى الشاعر بقوله
( ونحن إياد عبيد الإله ... ورهط مناجيه في السلم )
( ونحن ولاة حجاب العتيق ... زمان الرعاف على جرهم )
تعزية امرأة للمنصور على أبي العباس مقدمه من مكة قالت اعظم الله اجرك فلا مصيبة اجل من مصيبتك ولا عوض أعظم من خلافتك
وقال عثمان بن حزيم للمنصور حين عفا عن اهل الشام في اجلائهم مع عبدالله ابن علي عمه يا أمير المؤمنين لقد أعطيت فشكرت وابتليت فصبرت وقدرت فعفوت وقال آخر يا امير المؤمنين الانتقام عدل والتجاوز فضل والمتفضل قد جاوز حد المنصف فنحن نعيذ أمير المؤمنين بالله ان يرضى لنفسه بأوكس النصيبين دون ان يبلغ ارفع الدرجتين وقال اخر من انتقم فقد شفى غيظ نفسه وأخذ اقصى حقه واذا انتقمت فقد انتقصت واذا عفوت تطولت ومن اخذ حقه وشفى غيظه لم يجب شكره ولم يذكر في العالمين فضله وكظم الغيظ حلم والحلم صبر والتشفي طرف من العجز ومن رضي ان لا يكون بين حاله وبين حال الظالم الا ستر رقيق وحجاب ضعيف فلم يجزم في تفضيل الحلم وفي الاستيثاق من ترك دواعي الظلم ولم تر أهل النهي والمنسوبين الى الحجى والتقى مدحوا الحكام بشدة العقاب وقد ذكروهم بحسن الصفح وبكثرة الاغتفار وشدة التغافل وبعد فالمعاقب مستعد لعداوة أولياء المذنب والعافي مستدع لشكرهم امن من مكافأتهم ايام قدرتهم ولأن يثنى عليك باتساع الصدر خير من ان يثنى عليك بضيق الصدر على ان اقالتك عثرة عباد الله موجب لاقالتك عثرتك من رب عباد الله وعفوك عنهم موصول بعفو الله عنك وعقابك لهم موصول بعقاب الله لك
قال الموت الفادح خير من اليأس الفاضح وقال الاخر لا أقل من الرجاء فقال الآخر بل اليأس المريح وقال عبد الله بن وهب الراسبي ازدحام الجواب مضلة للصواب وليس الرأي بالارتجال وليس الحزم

بالاقتضاب فلا تدعونك السلامة من خطأ موبق او غنيمة من صواب نادر الى معاودته والتماس الارباح من قبله ان الرأي ليس بنهبي وخمير الرأي خير من فطيره ورب شيء غابة خير من طرية وتأخير خير من تقديمة
ولما قدم بعبد الجبار بن عبد الرحمن الى المنصور قال يا أمير المؤمنين قتلة كريمة قال تركتها وراءك يا ابن اللخناء
ولما احتال أبو الازهر المهلب بن عبيثر المهري لعبد الحميد بن ربعي بن خالد ابن مغداق وأسلمه الى حميد بن قحطبة وأسلمه حميد الى المنصور ولما صار الى المنصور قال لا عذر فأعتذر وقد احاط بي الذنب وانت أولى بما ترى قال لست أقتل احدا من آل قحطبة بل أهب مسيئهم لمحسنهم وغادرهم لوفيهم قال ان لم يكن في مصطنع فلا حاجة لي في الحياة ولست أرضى ان اكون طليق شفيع وعتيق ابن عم قال اخرج فانك جاهل وانت عتيقهم ماحييت
قال زياد بن ظبيان التيمي لابنه عبيد الله بن زياد - وزياد يومئذ يكيد بنفسه وعبيد الله غلام - ألا أوصى بك الامير زيادا قال لا قال ولم قال اذا لم يكن للحي الا وصية الميت فالحي هو الميت
ودخل عمرو بن سعيد على معاوية بعد موت أبيه - وعمرو يومئذ غلام - فقال له معاوية الى من أوصى بك أبوك يا غلام قال ان أبي أوصى الي ولم يوص بي قال وبأي شيء أوصاك قال اوصاني ان لا يفقد اخوانه منه الا وجهه قال معاوية لاصحابة ان ابن سعيد هذا لأشدق ولما داهن سفيان ابن معاوية بن يزيد بن المهلب في شأن إبراهيم بن عبد الله وصار سفيان الىا لمنصور أمر الربيع فخلع سواده ووقف به على رؤوس اليمانية في المقصورة في يوم الجمعة ثم قال يقول لكم أمير المؤمنين قد عرفتم ماكان من احساني اليه وحسن بلائي عنده والذي حاول من الفتنة والغدر و البغي وشق العصا ومعاونة الاعداء وقد رأى أمير المؤمنين ان يهب مسيئكم لمحسنكم وغادركم لوفيكم
قال يونس بن حبيب المفحم يأتيه دون ما يرضى ويطلب فوق مايقوى
وذكر بعض الحكماء أعاجيب البحر وتزيد البحرين فقال البحر كثير

العجائب وأهله اصحاب الزوائد فأفسدوا بقليل الكذب كثير الصدق وأدخلوا ما لا يكون في باب ما قد يكاد ان يكون فجعلوا تصديق الناس لهم في غرائب الاحاديث سلما الى ادعاء المحال وقال بعض العرب حدث عن البحر ولا حرج وحدث عن بني اسرائيل ولا حرج وحدث عن معن ولا حرج وجاء في الحديث كفى بالمرء حرصا ركوبه البحر
وكتب عمرو بن العاص الى عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه يصف له البحر فقال يا امير المؤمنين البحر خلق عظيم يركبه خلق صغير دود على عود وقال الحسن إملاء الخير خير من الصمت فالصمت خير من املاء الشر وقال بعضهم مروا الاحداث بالمرء والكهول بالفكر والشيوخ بالصمت
قال عبد الله بن شداد قال أرى داعي الموت لا يقلع وأرى من مضى لا يرجع لا تزهدن في معروف فان الدهر ذو صروف كم راغب قد كان مرغوبا اليه وطالب اصبح مطلوبا اليه والزمان ذو ألوان من يصحب الزمان ير الهون وان غلبت يوما علىالمال فلا تغلبن على الحيلة على حال وكن أحسن ما تكون في الظاهر حالا أقل ما تكون في الباطن مالا
وقيل لقيس بن عاصم بم سدت قومك قال ببذل الندى وكف الاذى ونصر المولى وقيل لشيخ أين شبابك قال من طال أمده وكثر ولده ودف عدده وذهب جلده ذهب شبابه وقال زياد لا يعدمنك من الجاهل كثرة الالتفات وسرعة الجواب
وقال عبد الرحمن بن ام الحكم لولا ثلاث ما باليت متى مت تزاحف الاحرار الى طعامي وبذل الاشراف وجوههم الي في أمر اجد اليك السبيل وقول المنادي الصلاة ايها الامير
وقال ابن الاشعث لولا أربع خصال ما أعطيت بشريا طاعة لو ماتت أم عمران يعني أمه ولو شاب رأسي ولو قرأت القران ولو لم يكن رأسي صغيرا
وقال معاوية اعنت علىعلي بثلاث خصال كان رجلا يظهر سره وكنت كتوما لسري وكان في اخبث جند وأشده خلافا وكنت في اطوع جند وأقله خلافا وخلا باصحاب الجمل فقلت ان ظفر بهم اعتددت بهم عليه وهنا في

دينه وان ظفروا به كانوا اهون علي شوكة منه وكنت أحب الى قريش منه فكم شتيت جامع الي ومفرق عنه
وقال جهم بن حسان السليطى قال رجل للاحنف دلني على حمد بلا مرزئة قال الخلق السجيح والكف عن القبيح ثم اعلموا ان أدوا الداء اللسان البذيء والخلق الرديء
وقال محمد بن حرب الهلالي قال بعض الحكماء لا يكونن منكم المحدث ولاينصت له والداخل في سر اثنين لم يدخلاه ولا اتي الدعوة لم يدع اليها ولا الجالس المجلس لا يستحقه ولا الطالب الفضل من ايدي اللئام ولا المتعرض للخير من عند عدوه ولا المتحمق في الدالة

باب مزدوج الكلام

قالوا قال رسول الله في معاوية رضي الله تعالى عنه اللهم علمه الكتاب والحساب وقه العذاب
وقال رجل من بني اسد مات لشيخ منا ابن فاشتد جزعه عليه فقام اليه شيخ منا فقال إصبر ابا أمامة فانه فرط افرطته وخبر قدمته وذخر ادخرته فقال مجيبا له ولد دفنته وثكل تعجلته وغيب وعدته والله لئن لم اجزع من النقص لا افرح بالمزيد
قال الاصمعي قال ابن قصير خير الخيل الذي اذا استدبرت حبا واذا استقبلته أقعى واذا استعرضته استوى واذامشى ردى واذا ردى دحا
ونظر ابن قصير الى خيل عبد الرحمن بن أم الحكم فأشار الى فرس منها فقال تجيء هذه سابقة قالوا وكيف قال رأيتها مشت فكتفت وخبت فوجفت وعدت فنسفت وذكرت امرأة زوجها فقالت ذهب زفرة وأقبل بخرة وفتر ذكره وكان مالك بن الاخطل قد بعثه أبوه يسمع شعر جرير والفرزدق فسأله أبوه عنهما فقال جرير يغرف من بحر والفرزدق ينحت من صخر فقال الذي يغرف من بحر أشعرهما
قد ذكرنا من مقطعات الكلام وقصار الاحاديث بعد ما أسقطنا به مؤونة الخطب الطوال وسنذكر من الخطب المسندة الى اربابها مقدارا لا يستفرغ

مجهود من قرأها ثم نعود بعد ذلك الى ما قصر منها وخف والى أبواب قد تدخل في هذه الجملة وان لم تكن مثل هذه بأعيانها والله الموفق

خطبة عبد الله بن الاهتم

قال أبوالحسن عن يحيى بن سعيد عن ابن خربوز البكري عن خالد ابن صفوان دخل عبد الله بن الاهتم علىعمر بن عبد العزيز رحمه الله تعالى مع العامة فلم يفجأ عمر الا وهو ماثل بين يديه يتكلم فحمدالله وأثنى عليه ثم قال
أمابعد فان الله خلق الخلق غنيا عن طاعتهم آمنا لمعصيتهم والناس يومئذ في المنازل والرأي مختلفون والعرب بشر تلك المنازل أهل الوبر وأهل المدر تحتاز دونهم طيبات الدنيا ورفاهة عيشتها ميتهم في النار وحيهم أعمى مع ما لا يحصى من المرغوب عنه والمزهود فيه فلما أراد الله ان ينشر فيهم رحمته بعث اليهم رسولا منهم ( عزيز عليه ماعنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم ) فلم يمنعهم ذلك ان جرحوه في جسمه ولقبوه في اسمه ومعه كتاب من الله لا يرحل الا بأمره ولا ينزل الا باذنه واضطروه الى بطن غار فلما امر بالغرامة اصفر لأمر الله لونه فافلج الله حجته وأعلى كلمته واظهر دعوته ففارق الدنيا تقيا نقيا
ثم قام بعده ابوبكر رضي الله تعالى عنه فسلك سنته وأخذ بسبيله وارتدت العرب فلم يقبل منهم بعد رسول الله الا الذي كان قابلا منهم فانتضى السيوف من أغمادها و اوقد النيران من شعلها ثم ركب بأهل الحق اهل الباطل فلم يبرح يفصل اوصالهم ويسقي الارض دماءهم حتى ادخلهم في الذي خرجوا عنه وقررهم بالذي نفروا منه وقد كان اصحاب من مال الله بكرا يرتوي عليه وحبشية ترضع ولدا له فرأى ذلك غصة عند موته في حلقه فأدى ذلك الى الخليفة من بعده وبرىء اليهم منه وفارق الدنيا تقيا نقيا على منهاج صاحبه رضي الله تعالى عنه
ثم قام من بعده عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه فمصر الامصار وخلط الشدة باللين فحسر عن ذراعيه وشمر عن ساقيه وأعد للأمور أقرانها وللحرب آلتها فلما اصابه قن المغيرة بن شعبة امر ابن عباس يسأل

الناس هل يثبتون قاتله فلما قيل له قن المغيرة استهل بحمد الله ان لا يكون اصابه ذوحق في الفيء فيستحل دمه بما استحل من حقه وقد كان اصاب من مال الله بضعا وثمانين الفا فكسر بها رباعه وكره بهاكفالة أهله وولده فأدى ذلك الى الخليفة من بعده وفارق الدنيا تقيا نقيا علىمنهاج صاحبه رضي الله تعالى عنهما
ثم إنا والله اجتمعنا بعدهما الا على ظلع
ثم انك ياعمر بن الدنيا ولدتك ملوكها وألقمتك ثديها فلما وليتها ألقيتها حيث ألقاها الله فالحمد لله الذي جلا بك حوبتها وكشف بك كربتها إمض ولا تلتفت فانه لا يغني من الحق شيئا أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم وللمؤمنين والمؤمنات
قال ولما ان قال ثم إنا والله ما اجتمعنا بعدهما إلا على ظلع سكت الناس كلهم الا هشاما فانه قال كذبت

خطبة عمر بن عبد العزيز

قال أبو الحسن حدثنا المغيرة بن مطرف عن شعيب بن صفوان عن أبيه قال خطب عمر بن عبدالعزيز بخناصرة خطبة لم يخطب بعدها حتى مات رحمه الله تعالى فحمد الله وأثنىعليه ثم قال
أيها الناس إنكم لم تخلقوا عبثا ولم تتركوا سدى وان لكم معادا يحكم الله فيه بينكم فخاب وخسر من خرج من رحمة الله التي وسعت كل شيء وحرم الجنة التي عرضها السموات والارض واعلموا ان الأمان غدا لمن خاف ربه وباع قليلا بكثير وفانيا بباق ألا ترون أنكم في أسلاب الهالكين وسيخلفها من بعدكم الباقون كذلك حتى تردوا الى خير الوراثين ثم أنتم في كل يوم تشيعون غاديا ورائحا الى الله قدمضىنحبه وبلغ أجله ثم تغيبونه في صدع من الارض ثم تدعونه غير موسد ولا ممهد قد خلع الاسباب وفارق الاحباب وواجه الحساب غنيا عما ترك فقيرا الى ما قدم وأيم الله اني لأقول لكم هذه المقالة وما أعلم عند احد منكم من الذنوب أكثر مما عندي فأستغفر الله لي ولكم وماتبلغنا حاجة يتسع لها ما عندنا إلا سددناها ولا أحد منكم إلا وددت ان يده مع يدي ويحمي الذين يلونني حتى يستوى عيشنا

وعيشكم وأيم الله أن لو أردت غير هذا من عيش اوغضارة لكان اللسان مني ناطقا ذلولا عالما بأسبابه لكنه مضى من الله كتاب ناطق وسنة عادلة دل فيها علىطاعته ونهى فيها عن معصيته
ثم بكى فتلقى دموع عينيه بطرف ردائه ثم نزل فلم ير علىتلك الاعواد حتى قبضه الله

خطبة اخرىلعمر بن عبد العزيز ذهب عني اسنادها

أما بعد فانك ناشىء فتنة وقائد ضلالة قد طال جثومها و اشتدت غمومها وتلونت مصائد عدو الله فيها وما نصب من الشرك لأهل الغفلة عما في عواقبها فلن يهد عمودها ولن ينزع أوتادها الا الذي بيده تلك الاشياء وهو الله الرحمن الرحيم ألا وان لله بقايا من عباده لم يتحيروا في ظلمتها ولم يشايعوا أهلها على شبهتها مصابيح النور في أفواههم تزهو وألسنتهم بحجج الكتاب تنطق ركبوا بهج السبيل وقاموا علىالعلم الاعظم هم خصماء الشيطان الرجيم وبهم يصلح الله البلاد ويدفع عن العباد فطوبى لهم وللمستصبحين بنورهم أسأل الله ان يجعلنا منهم

خطبة ابي حمزة الخارجي

دخل ابو حمزة الخارجي مكة - وهو احد نساك الأباضية وخطبائهم واسمه يحيى بن المختار - فصعد منبرها متوكئا على قوس له عربية فحمد الله وأثنى عليه ثم قال
أيهاالناس إن رسول الله كان لا يتأخر ولا يتقدم إلا باذن الله وأمره ووحيه أنزل الله له كتابا بين له فيه ما يأتي وما يتقي فلم يكن في شك من دينه ولا شبهة في أمره ثم قبضه الله إليه وقد علم المسلمين معالم دينهم
وولى أبا بكر صلاتهم فولاه المسلمون أمر دنياهم حين ولاه رسول الله أمر دينهم فقاتل أهل الردة وعمل بالكتاب والسنة فمضى لسبيله رضي الله تعالى عنه
ثم ولى عثمان بن عفان فسار ست سنين بسيرة صاحبيه وكان دونهما ثم

سار في الست الأواخر بما أحبط به الأوائل ثم مضى لسبيله رضي الله تعالى عنه
ثم ولى علي بن أبي طالب فلم يبلغ من الحق قصدا ولم يرفع له منارا ثم مضى لسبيله رضي الله تعالى عنه
ثم ولى معاوية بن ابي سفيان لعين رسول الله وابن لعينه اتخذ عباد الله خولا ومال الله دولا ودينه دغلا ثم مضى لسبيله فالعنوه لعنه الله
ثم ولى يزيد بن معاوية يزيد الخمور ويزيد القرود ويزيد الفهود الفاسق في بطنه المأبون في فرجه
ثم اقتصتهم خليفة خليفة فلما انتهى الى عمر بن عبد العزيز أعرض عنه ولم يذكره ثم قال
ثم ولى يزيد بن عبد الملك الفاسق في بطنه المأبون في فرجه الذي لم يؤنس منه رشد وقد قال الله تعالى في اموال اليتامى ( فان آنستم منهم رشدا فادفعوا إليهم أموالهم ) فأمر أمة محمد أعظم يأكل الحرام ويشرب الخمر ويلبس الحلة قومت بألف دينار قد ضربت فيها الأبشار وهتكت فيها الأستار وأخذت من غير حلها حبابة عن يمينه وسلامة عن يساره تغنيانه حتى اذا أخذ الشراب منه كل مأخذ قد ثوبه ثم التفت الى احداهما فقال ألا أطير نعم فطر الى لعنة الله وحريق ناره وأليم عذابه
وأما بنو أمية ففرقه ضلالة وبطشهم بطش جبرية يأخذون بالظنة ويقضون بالهوى ويقتلون على الغضب ويحكمون بالشفاعة ويأخذون الفريضة من غير موضعها ويضعونها في غير أهلها وقد بين الله أهلها فجعلهم ثمانية أصناف فقال ( انما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل ) فأقبل صنف تاسع ليس منها فأخذ كلها تلكم الفرقة الحاكمة بغير ما أنزل الله
و أماهذه الشيع فشيع ظاهرت بكتاب الله وأعلنت الفرية على الله لم يفارقوا الناس ببصر نافذ في الدين ولا بعلم نافذ في القرآن ينقمون المعصية علىأهلها ويعلمون اذا ولوا بها يصرون على الفتنة ولا يعرفون المخرج منها جفاة على القرآن أتباع كهان يؤملون الدول في بعث الموتى ويعتقدون الرجعة

الى الدنيا قلدوا دينهم رجلا لا ينظر لهم قاتلهم الله أنى يؤفكون
ثم أقبل على اهل الحجاز فقال
يااهل الحجاز أتعيرونني بأصحابي وتزعمون انهم شباب وهل كان أصحاب رسول الله إلا شبابا اما والله اني لعالم بتتايعكم فيما يضركم في معادكم ولولا اشتغالي بغيركم عنكم ما تركت الأخذ فوق أيديكم شباب والله مكتهلون في شبابهم غضيضة عن الشر أعينهم ثقيلة عن الباطل أرجلهم أنضاء عبادة وأطلاح سهر فنظر الله إليهم في جوف الليل منحنية أصلابهم على اجزاء القران كلما مر أحدهم باية من ذكر الجنة بكى شوقا إليها واذا مر باية من ذكر النار شهق شهقة كأن زفير جهنم بين أذنيه موصول كلالهم بكلالهم كلال الليل بكلال النهار قد أكلت الارض ركبهم وأيديهم وأنوفهم وجباههم واستقلوا ذلك في جنب الله حتى اذا رأوا السهام قد فوقت والرماح قد أشرعت والسيوف قد انتضيت ورعدت الكتيبة بصواعق الموت وبرقت استخفوا بوعيد الكتيبة لوعيد الله ومضى الشاب منهم قدما حتى اختلفت رجلاه على عنق فرسه وتخضبت بالدماء محاسن وجهه فأسرعت إليه سباع الارض وانحطت إليه طير السماء فكم من عين في منقار طير طالما بكى صاحبها في جوف الليل من خوف الله وكم من كف زالت عن معصمها طالما اعتمد عليها صاحبها في جوف الليل بالسجود لله
ثم قال أوه أوه أوه ثم بكى ثم نزل

خطبة قطري بن الفجاءة

صعد قطري بن الفجاءة - وهو احد بني مازن بن عمرو بن تميم - منبر الأزارقة فحمد الله وأثنى عليه ثم قال
أما بعد فاني أحذركم الدنيا فانها حلوة خضرة حفت بالشهوات وراقت بالقليل وتحببت بالعاجلة وحليت بالآمال وتزينت بالغرور لا تدوم حبرتها ولا تؤمن فجعتها غرارة ضرارة خوانة غدارة وحائلة زائلة ونافذة بائدة أكالة غوالة بذالة نقالة لا تعدو اذا هي تناهت الى أمنية اهل الرغبة فيها والرضا عنها ان تكون كما قال الله تعالى ( كماء انزلناه من السماء فاختلط به نبات الارض فأصبح هشيما تذروه الرياح وكان الله على كل شيء

مقتدرا ) مع ان امرا لم يكن منها في حبرة الا اعقبته بعدها عبرة ولم يلق من سرائها بطنا الا منحته من ضرائها ظهرا ولم تطله غيثة رجاء الا اهطلت عليه مزنة بلاء وحرى اذا اصبحت له منتصرة ان تمسي له خاذلة متنكرة وان جانب منها اعذوذب واحلولى امر عليه جانب واوبى وان أتت امرا من غضارتها ورفاهتها نعما ارهقته من نوائبها نقما ولم يمس امرؤ منها في جناح أمن الا اصبح منهاعلى قوادم خوف غرور ما فيها فان ما عليها لا خير في شيء من زادها الا التقوى من اقل منه استكثر مما يؤمنه ومن استكثر منها استكثر مما يوبقه ويطيل حزنه ويبكي عينيه
كم واثق بها قد أفجعته وذي طمأنينه اليها قد صرعته وذي اختيال فيها قد خدعته وكم من ذي أبهة بها قد صيرته حقيرا وذي نخوه قد ردته ذليلا وكم من ذي تاج قدكبته لليدين والفم سلطانها دول وغيثها رنق وعذبها أجاج وحلوها صبر وغذاؤها سمام وأسبابها رمام وقطافها سلع حيها بعرض موت وصحيحها بعرض سقم ومنيعها بعرض اهتضام مليكها مسلوب وعزيزها مغلوب وسليمها منكوب وجامعها محروب مع ان وراء ذلك سكرات الموت وهول المطلع والوقوف بين يدي الحكم العدل ( ليجزي الذين اساؤوا بما عملوا ويجزي الذين احسنوا بالحسنى )
ألستم في مساكن من كان أطول منكم أعمارا وأوضح منكم اثارا واعد عديدا واكثف جنودا واعند عنودا تعبدوا للدنيا اي تعبد واثروها أي إيثار وظعنوا عنها بالكره والصغار فهل بلغكم ان الدنيا سمحت لهم نفسا بفدية او أغنت عنهم فيما قد اهلكتهم بخطب بل قد أرهقتهم بالفوادح وضعضعتهم بالنوائب وعقرتهم بالمصائب وقد رأيتم تنكرها لمن دان لها وأخلد اليها حين ظعنوا عنها لفراق الابد الى آخر المسند هل زودتهم الا الشقاء وأحلتهم الا الضنك او نورت لهم الا الظلمة او أعقبتهم الا الندامة أفهذه تؤثرون أم على هذه تحرصون أم اليها تطمئنون يقول الله ( من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها نوف اليهم أعمالهم فيها وهم فيها لا يبخسون أولئك الذين ليس لهم في الاخرة الا النار وحبط ما صنعوا فيها باطل ماكانوا يعملون )
فبئست الدار لمن أقام فيها فاعلموا وانتم تعلمون انكم تاركوها لا بد فانما

هي كما وصفها الله باللعب واللهو وقد قال الله تعالى ( أتبنون بكل ريع آيه تعبثون وتتخذون مصانع لعلكم تخلدون ) وذكر الذين قالوا من أشد منا قوة ثم قال حملوا الى قبورهم فلا يدعون ركبانا وأنزلوا فلا يدعون ضيفانا وجعل لهم من الضريح اجنان ومن التراب اكفان ومن الرفات جيران فهم جيرة لا يجيبون داعيا ولا يمنعون ضيما ان أخصبوا لم يفرحوا وان اقحطوا لم يقنطوا جمع وهم آحاد وجيرة وهم ابعاد متناؤون لا يزورون ولا يزارون حلماء قد ذهبت اضغانهم وجهلاء قد ماتت احقادهم لايخشى فجعهم ولا يرجى دفعهم وكما قال الله تعالى ( فتلك مساكنهم لم تسكن من بعدهم الا قليلا وكنا نحن الوارثين ) استبدلوا بظهر الارض بطنا وبالسعة ضيقا وبالاهل غربة وبالنور ظلمة فجاؤوها كما فارقوها حفاة عراة فرادى غير ان ظعنوا بأعمالهم الى الحياة الدائمة والى خلود الابد يقول الله تعالى ( كما بدأنا أول خلق نعيده وعدا علينا إنا كنا فاعلين ) فاحذروا ما حذركم الله وانتفعوا بمواعظة واعتصموا بحبله عصمنا الله وإياكم بطاعته ورزقنا واياكم أداء حقه

خطبة محمد بن سليمان

الحمد لله أحمده وأستعينه واستغفره وأومن به واتوكل عليه وأشهد ان لا إله الا الله وحده لاشريك له واشهد ان محمدا عبده ورسوله ارسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون من يعتصم بالله ورسوله فقد اعتصم بالعروة الوثقى وسعد في الاولى والاخرة ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالا بعيدا وخسر خسرانا مبينا اسأل الله ان يجعلنا واياكم ممن يطعيه ويطيع رسوله ويتبع رضوانه ويتجنب سخطه فانما نحن له وبه أوصيكم عباد الله بتقوىالله وأحثكم على طاعة الله وأرضى لكم ماعند الله فان تقوى الله افضل ما تحاث الناس عليه وتداعوا اليه وتواصوا به فاتقوا الله ما استطعتم ولا تموتن الا وانتم مسلمون

خطبة عبيد الله بن زياد

صعد المنبر بعد موت يزيد بن معاوية - وحيث بلغه ان سلمة بن ذؤيب الرياضي قد جمع الجموع يريد خلعه - فقال

يا أهل البصرة إنسبوني فوالله ما مهاجر أبي الا اليكم وما مولدي الا فيكم وما انا الا رجل منكم والله لقد وليكم ابي وما مقاتلتكم الا اربعون الفا فبلغ بها ثمانين ألفا وما ذريتكم الا ثمانون الفا وقد بلغ بها عشرين ومائة الف وانتم اوسع الناس بلادا واكثره جنودا وابعد مقادا وأغنى الناس عن الناس أنظروا رجلا تولونه أمركم يكف سفهاءكم ويجبي لكم فيئكم ويقسمه فيما بينكم فانما انا رجل منكم
فلما أبوا غيره قال اني اخاف ان يكون الذي يدعوكم الى تأميري حداثة عهدكم بأمري

وصية معاوية بن ابي سفيان

قال الهيثم بن عدي عن ابي بكر بن عياش عن اشياخه لما حضرت معاوية الوفاة ويزيد غائب دعا معاوية مسلم بن عقبة المري والضحاك بن قيس الفهري فقال
أبلغا عني يزيد وقولا له أنظر الى أهل الحجاز فهم أصلك وعترتك فمن أتاك منهم فأكرمه ومن قعد عنك فتعهده وانظر الى أهل العراق فان سألوك عزل عامل لهم في كل يوم فاعزله عنهم فان عزل عامل أهون عليك من سل مائة ألف سيف ثم لا تدري على ما انت عليه منهم ثم انظر الى اهل الشام فاجعلهم الشعار دون الدثار فان رابك من عدوك ريب فارمه بهم فان أظفرك الله بهم فاردد أهل الشام الى بلادهم ولا يقيموا في غير بلادهم فيتأدبوا بغير أدبهم لست أخاف عليك غير عبد الله بن عمر وعبد الله بن الزبير وحسين بن علي فأما عبد الله بن عمر فرجل قد وقذه الورع وأما الحسين فاني أرجو ان يكفيكه الله بمن قتل أباه وخذل أخاه واما ابن الزبير فانه خب ضب
وفي غير هذه الرواية فان ظفرت بابن الزبير فقطعه إربا
فمات معاوية فقام الضحاك بن قيس خطيبا فقال
ان امير المؤمنين معاوية كان أنف العرب وهذه أكفانه ونحن مدرجوه فيها ومخلون بينه وبين ربه فمن أراد حضوره بعد الظهر فليحضره
فصلى عليه الضحاك بن قيس ثم قدم يزيد ولده فلم يقدم أحد علىتعزيته

حتى دخل عليه عبد الله بن همام السلولي فأنشأ يقول
( إصر يزيد فقد فارقت ذا كرم ... واشكر حباء الذي بالملك أصفاك )
( لا رزء أصبح في الأقوام قدعلموا ... كمارزئت ولا عقبى كعقباك )
( أصبحت راعي أهل الدين كلهم ... فأنت ترعاهم والله يرعاك )
( وفي معاوية الباقي لنا خلف ... إذا نعيت ولا نسمع بمنعاك )
فانفتح الخطباء للكلام بعد ذلك

خطبة قتيبة بن مسلم الباهلي

قام بخراسان حين خلع فقال أتدرون من تبايعون إنما تبايعون يزيد بن ثروان - يعني هبنقة القيسي - كأني بأمير مزجاء وحكم قد أتاكم يحكم في أموالكم وفروجكم وأبشاركم ثم قال الأعراب وما الأعراب فلعنه الله علىالاعراب جمعتكم كما يجمع قرع الخريف من منابت الشيح والقيصوم ومنابت القلقل وجزيرة ابن كاوان تركبون البقر وتأكلون العضبة فحملتكم على الخيل وألبستكم السلاح حتى منع الله بكم البلاد وأفاء بكم الفيء
قالوا مرنا بأمرك قال غروا غيري
وخطب مرة أخرى فقال
يا أهل العراق ألست أعلم الناس بكم اما هذا الحي من أهل العالية فنعم الصدقة واما هذه الحي من بكر بن وائل فعلجة بظراء لاتجمع رجليها وأما هذا الحي من عبد قيس فما ضرب العير بذنبه وأما هذا الحي من الأزد فعلوج خلق الله وأنباطه وأيم الله لو ملكت أمر الناس لنقشت أيديهم فأما هذا الحي من تيمي فانهم كانوا يسمون الغدر في الجاهلية كيسا
وخطب مرة اخرى فقال
يا أهل خراسان قدجربتم الولاة قبلي أتاكم أمية فكان كاسمه أمية الرأي وأمية الدين فكتب الىخليفته ان خراج خراسان وسجستان لوكان في مطبخه لم يكفه ثم أتاكم بعده أبو سعيد فدوخ بكم البلاد لا تدرون أفي طاعة أنتم أم في معصية ثم لم يجب فيئا ولم ينكا عدوا ثم أتاكم بنوه بعده مثل أطباء الكلبة منهم ابن الرخمة حصان يضرب في عانة ولقد كان أبوه يخافه على أمهات أولاده ثم قد اصبحتم وقد فتح الله عليكم البلاد وأمن لكم

السبل حتى ان الظعينة لتخرج من مرو الى سمرقند في غير جواز

خطبة الاحنف بن قيس

قال بعد حمد الله والثناء عليه الصلاة على نبيه
يا معشر الازد وربيعة أنتم اخواننا في الدين وشركاؤنا في الصهر وأشقاقنا في النسب وجيراننا في الدار ويدنا على العدو والله لازد البصرة أحب إلينا من تميم الكوفة ولآزد الكوفة أحب إلينا من تميم الشام فان استشرف شنآنكم وأبى حسد صدوركم ففي أموالنا وسعة احلامنا لنا ولكم سعة

خطبةجامع المحاربي

ومن محارب جامع كان شيخا صالحا خطيبا لسنا وهو الذي قال للحجاج حين بنى مدينة واسط بنيتها في غير بلدك وأورثتها غير ولدك وكذلك من قطعة العجب عن الاستشارة والاستبداد عن الاستخارة
وشكا الحجاج سوء طاعة أهل العراق وتنقم مذهبهم وتسخط طريقتهم فقال له جامع أما انهم لو أحبوك لأطاعوك على انهم ما شنؤوك لنسبك ولا لبلدك ولا لذات نفسك فدع ما يبعدهم منك الىمايقربهم اليك والتمس العافية ممن دونك تعطها ممن فوقك وليكن إيقاعك بعد وعيدك ووعيدك بعد وعدك
قال الحجاج إني والله ما أرى ان أرد بني اللكعية الى طاعتي إلا بالسيف
فقال أيها الامير ان السيف اذا لاقى السيف ذهب الخيار
فقال الحجاج الخيار يومئذ لله
قال أجل ولكن لا تدري لمن يجعله الله
فغضب الحجاج وقال يا هناه إنك من محارب
فقال جامع
( وللحرب سمينا وكان محاربا ... اذا ما القنا أمسى من الطعن أحمرا )
والبيت للخضري
فقال الحجاج والله لهممت ان أخلع لسانك فاضرب به وجهك
فقال جامع ان صدقناك أغضبناك وان غششناك أغضبنا الله فغضب

الامير أهون علينا من غضب الله
قال أجل وسكن وشغل الحجاج ببعض الامر وانسل جامع فمر بين صفوف خيل الشام حتى جاوز الىخيل أهل العراق - وكان الحجاج لا يخلطهم - فأبصر كوكبة فيها جماعة من بكر العراق وتميم العراق وأزد العراق وقيس العراق فلما رأوه اشرأبوا اليه وبلغهم خروجه فقالوا له ما عندك دافع الله لنا عن نفسك فقال ويحكم عموه بالخلع كما يعمكم بالعداوة ودعوا التعادي ما عاداكم فاذا ظفرتم به تراجعتم وتعاقبتم ايها التميمي هوأعدى لك من الأزدي وأيها القيسي هو أعدى لك من التغلبي وهل ظفر بمن ناوأه الا بمن بقي معه منكم وهرب جامع من فوره ذلك الى الشام فاستجار بزفر بن الحارث

خطبة الحجاج بن يوسف الثقفي

وخطب الحجاج فقال
اللهم أرني الغي غيا فأجتنبه وأرني الهدى هدى فأتبعه ولا تكلني الى نفسي فأضل ضلالا بعيدا والله ما أحب ان ما مضى من الدنيا بعمامتي هذه ولما بقي أشبه بما مضى من الماء بالماء
وخطبة له الهيثم بن عدي قال أنبأني ابن عياش عن أبيه قال خرج الحجاج يوما من القصر بالكوفة فسمع تكبيرا في السوق فراعه ذلك فصعد المنبر فحمد الله وأثنىعليه وصلى على نبيه ثم قال
يا أهل العراق يا أهل الشقاق والنفاق ومساوىء الاخلاق وبني اللكيعة وعبيد العصا وأولاد الإماء والفقع بالقرقر إني سمعت تكبيرا لا يراد به الله وإنما يراد به الشيطان وإنما مثلي ومثلكم ما قال عمرو بن براق الهعداني
( وكنت اذا قوم غزوني غزوتهم ... فهل انا في ذا يال همدان ظالم )
( متىتجمع القلب الذكي وصارما ... وأنفا حميا تجتنبك المظالم )
اما والله لاتقرع عصا عصا إلا جعلتها كأمس الدابر

خطبة عمرو بن كلثوم

أما بعد فانه لا يخبر عن فضل المرء اصدق من تركه تزكيه نفسه ولايعبر عنه في تزكية أصحابه اصدق من اعتماده إياهم برغبته وائتمانه إياهم علىحرمته

خطبة يزيد بن الوليد بن عبد الملك

ولما قتل يزيد بن الوليد ابن عمه الوليد بن يزيد بن عبد الملك بن مروان قام خطيبا بعد ان حمد الله وأثنىعليه ثم قال
ايها الناس والله ما خرجت أشرا ولا بطرا ولاحرصا علىالدنيا ولارغبة في الملك وما بي إطراء نفسي وإني لظلوم لها ولقد خسرت ان لم يرحمني ربي ولكني خرجت غضبا لله ودينه وداعيا الى الله وسنة نبيه لماهدمت معالم الهدى وأطفىء نور التقوى وظهر الجبار العنيد المستحل لكل حرمة والراكب لكل بدعة مع انه والله ما كان يؤمن بيوم الحساب ولا يصدق بالثواب والعقاب وانه لابن عمي في النسب وكفئي في الحسب فلما رأيت ذلك إستخرت الله في امره وسألته ان لا يكلني الى نفسي ودعوت الى ذلك من اجابني من اهل ولايتي حتى اراح الله منه العباد وطهرمنه البلاد بحول الله وقوته لا بحولي وقوتي
ايها الناس ان لكم علي ان لا اضع حجرا علىحجر ولا لبنة على لبنة ولا اكرى نهرا ولا اكنز مالا ولا اعطيه زوجا ولا ولدا ولا انقل مالا من بلد الى بلد حتى اسد فقر ذلك البلد وخصاصة اهله بما يغنيهم فان فضل فضل نقلته الى البلد الذي يليه ممن هو احوج إليه منه وان لا اجمركم في ثغوركم فأفتنكم وأفتن اهليكم ولا اغلق بابي دونكم فيأكل قويكم ضعيفكم ولا أحمل علىاهل جزيتكم ما اجليهم به عن بلادهم واقطع نسلهم ولكم عندي أعطياتكم في كل سنة وارزاقكم في كل شهر حتى تستدر المعيشة بين المسلمين فيكون أقصاهم كأدناهم فاذا انا وفيت لكم فعليكم السمع والطاعة وحسن المؤازرة والمكاتفة وان انا لم أوف لكم فلكم ان تخلعوني الا ان تستتيبوني فان انا تبت قبلتم منى وان عرفتم احدا يقوم مقامي ممن يعرف بالصلاح يعطيكم من نفسه مثل ما أعطيتكم فأردتم ان تبايعوه فأنا اول من بايعه ودخل في طاعته
ايهاالناس لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم
فلما بويع مروان بن محمد نبشه وصلبه

وكانوا يقرأون في الكتب يا مبذرالكنوز يا سجادا بالأسحار كانت ولايتك رحمة وعليهم حجة أخذوك فصلبوك

خطبة يوسف بن عمر

قام خطيبا فقال
اتقوا الله فكم من مؤمل أملا لا يبلغه وجامع مالا لا يأكله ومانع عما سوف يتركه ولعله من باطل جمعه ومن حق منعه أصابه حراما وأورثه عدوا فاحتمل إصره وباء بوزره وورد على ربه آسفا لاهفا قد خسرالدنيا والآخرة ذلك هو الخسران المبين

كلام زعماء الوفود عند عمر بن الخطاب

قال بشار بن عبد الحميد عن ابي ريحانة وفد هلال بن وكيع والأحنف ابن قيس وزيد بن جبلة على عمر فقال هلال بن وكيع
يا امير المؤمنين إنا لباب من خلفنا وغرة من وراءنا من اهل مصرنا فانك ان تصرفنا بالزيادة في أعطياتنا والفرائض لعيالاتنا يزد ذلك الشريف تأميلا وتكن لذوي الأحساب ابا وصولا فإنا ان نكن - مع ما نمت به من فضائلك وندلي من أسبابك - كالجد الذي لا يحل ولا يرحل نرجع بأنف مصلومة وجدود عاثرة فامتحنا واهلينا بسجل من سجالك المترعة
وقام زيد بن جبلة فقال
يا امير المؤمنين سود الشريف واكرم الحسيب وازرع عندنا من أياديك ما نسد به الخصامة ونطرد به الفاقة فإنا بقف من الارض يابس الاكناف مقشعر الذروة لا شجر فيه ولا زرع وإنا من العرب اليوم اذا أتيناك بمرأى ومسمع
فقام الاحنف فقال
يا امير المؤمنين ان مفاتيح الخير بيد الله والحرص قائد الحرمان فاتق الله فيما لايغني عنك يوم القيامة قيلا ولا قالا واجعل بينك وبين رعيتك من العدل والانصاف شيئا يكفيك وفادة الوفود واستماحة الممتاح فان كل امرىء إنما يجمع في وعائه الا الأقل ممن عسى ان تقتحمه الأعين وتخوفهم الألسن فلا يوفد إليك يا أمير المؤمنين

خطبة الحجاج بن يوسف

خطب أهل العراق بعد دير الجماجم فقال
يا اهل العراق ان الشيطان قد استبطنكم فخالط اللحم والدم والعصب والمسامع والاطراف والاعضاء والشغاف ثم أفضى الى الامخاخ والاصماخ ثم ارتفع فعشش ثم باض وفرخ فحشاكم نفاقا وشقاقا وأشعركم خلافا أخذتموه دليلا تتبعونه وقائدا تطيعونه ومؤامرا تستشيرونه فكيف تنفعكم تجربة اوتعظكم وقعة اويحجركم اسلام او ينفعكم بيان ألستم اصحابي بالاهواز حيث رمتم المكر وسعيتم بالغدر واستجمعتم للكفر وظننتم ان الله يخذل دينه وخلافته وأنا أرميكم بطرفي وأنتم تتسللون لواذا وتنهزمون سراعا ثم يوم الزاوية وما يوم الزاوية بها كان فشكلم وتنازعكم وتخاذلكم وبراءة الله منكم ونكوص وليكم عنكم إذ وليتم كالابل الشوادر الى اوطانها النوازع الى اعطانها لا يسأل المرء عن اخيه ولا يلوي الشيخ على بنيه حتى عضكم السلاح وقعصتكم الرماح ثم يوم دير الجماجم وما يوم دير الجماجم بها كانت المعارك والملاحم بضرب يزيل الهام عن مقيله ويذهل الخليل عن خليله
يا أهل العراق الكفرات بعد الفجرات والغدرات بعد الخترات والنزوة بعد النزوات ان بعثتكم الى تغوركم غللتم وخنتم وان أمنتم ارجفتم وان خفتم نافقتم لاتذكرون حسنة ولاتشكرون نعمة هل استخفكم ناكث اواستغواكم غاو اواستنصركم ظالم اواستعضدكم خالع الا تبعتموه وآويتموه ونصرتموه ورحبتموه
يا اهل العراق هل شغب شاغب اونعت ناعب او زفر زافر الا كنتم اتباعه وأنصاره
يا اهل العراق ألم تنهكم المواعظ ألم تزجركم الوقائع
ثم التفت الىاهل الشام فقال
يا أهل الشام انما انا لكم كالظليم الرامح عن فراخه ينفي عنها المدر ويباعد عنها الحجر ويكنها من المطر ويحميها من الضباب ويحرسها من الذئاب 

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

تابع أخبار مكة وما جاء فيها من الآثار

أخبار مكة وما جاء فيها من الآثار   ج1وج2. ج / 1 ص -3- بسم الله الرحمن الرحيم مقدمة التحقيق: لا نعرف عن بدايات التأليف في...