بسم الله الرحمن الرحيم
إعلام الجماعة عن الأحداث والفتن قبل قيام الساعة
أبي أنس مَاجد إسلام البنكاني
المقدمة
إنّ
الحمد لله نحمده ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات
أعمالنا، من يهده الله، فلا مضلَّ له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا
الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
$pkr'¯»t] tûïÏ%©!$# (#qãYtB#uä (#qà)®?$# ©!$# ¨,ym ¾ÏmÏ?$s)è? wur ¨ûèòqèÿsC wÎ) NçFRr&ur tbqßJÎ=ó¡B ÇÊÉËÈ [([1])
$pkr'¯»t) â¨$¨Z9$# (#qà)®?$# ãNä3/u Ï%©!$# /ä3s)n=s{ `ÏiB <§øÿ¯R ;oyÏnºur t,n=yzur $pk÷]ÏB $ygy_÷ry £]t/ur $uKåk÷]ÏB Zw%y`Í #ZÏWx. [ä!$|¡ÎSur 4 (#qà)¨?$#ur ©!$# Ï%©!$# tbqä9uä!$|¡s? ¾ÏmÎ/ tP%tnöF{$#ur 4 ¨bÎ) ©!$# tb%x. öNä3øn=tæ $Y6Ï%u ÇÊÈ (. ([2])
$pkr'¯»t) tûïÏ%©!$# (#qãZtB#uä (#qà)®?$# ©!$# (#qä9qè%ur Zwöqs% #YÏy ÇÐÉÈ ôxÎ=óÁã öNä3s9 ö/ä3n=»yJôãr& öÏÿøótur öNä3s9 öNä3t/qçRè 3 `tBur ÆìÏÜã ©!$# ¼ã&s!qßuur ôs)sù y$sù #·öqsù $¸JÏàtã ÇÐÊÈ ( ([3])
أما بعد:
فإن خير الكلام كلام الله تعالى، وخير الهدى هدي محمد e، وإن شر
الأمور محدثاتها،وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار.
فقد اقتضت حكمة الله سبحانه وتعالى البالغة أن تتعرض الأمة الإسلامية ، والفرد المسلم إلى شتى أنواع الفتن ، لمعرفة معادن النفوس وحقيقتها ، والله سبحانه وتعالى يعلم حقيقة النفوس قبل الابتلاء ، هذا الابتلاء يكشف هذه النفوس حتى لأصحابها .
قال الله تعالى : ] $O!9# ÇÊÈ |=Å¡ymr& â¨$¨Z9$# br& (#þqä.uøIã br& (#þqä9qà)t $¨YtB#uä öNèdur w tbqãZtFøÿã ÇËÈ ôs)s9ur $¨ZtFsù tûïÏ%©!$# `ÏB öNÎgÎ=ö6s% ( £`yJn=÷èun=sù ª!$# úïÏ%©!$# (#qè%y|¹ £`yJn=÷èus9ur tûüÎ/É»s3ø9$# ÇÌÈ [.([4])
وبعض هذه الفتن تكون شديدة مظلمة ويبلغ من شدتها أن تخرج المسلم عن دينه والعياذ بالله .
فعن أبي هريرة t ، أن رسول الله e قال : "بادروا بالأعمال فتنا كقطع الليل المظلم ، يصبح الرجل مؤمنا ويمسي كافرا ، أو يمسي مؤمنا ويصبح كافرا يبيع دينه بعرض من الدنيا" . ([5])
وعن عبد الله t ، عن النبي e قال :"بين يدي الساعة مسخٌ وخسفٌ وقذف ٌ ".([6])
وبعضها تكون خفيفة :
فعن حذيفة بن اليمان t أنه قال: "والله إني لأعلم الناس بكل فتنة هي كائنة فيما بيني وبين الساعة وما بي إلا أن يكون رسول الله e أسر إليَّ في ذلك شيئا لم يحدثه غيري، ولكنَّ رسولَ الله e قال وهو يحدث مجلساً أنا فيه عن الفتن، فقال رسول الله e وهو يعد الفتن: منهن ثلاث لا يكدن يذرن شيئا، ومنهن فتن كرياح الصيف، ومنها صغار، ومنها كبار"([7]) .
ومن هذه الفتن التي ستظهر والتي يجب أن نبادرها بالأعمال علامات الساعة وأشراطها التي نحن بصدد الحديث عنها في هذا الكتاب .
هذا وقد حثنا رسول الله e على العمل وإن قربت الساعة ، وأن لا نبقى مكتوفي الأيدي ونترك العمل .
فعن أنس بن مالك t قال : قال رسول الله e : "إن قامت الساعة و في يد أحدكم فسيلة فإن استطاع أن لا تقوم حتى يغرسها فليغرسها" .([8])
قال المناوي : قوله : فسيلة أي نخلة صغيرة إذ الفسيل صغار النخل ، وهي الودي ، فإن استطاع أن لا يقوم من محله ، أي الذي هو جالس فيه حتى يغرسها فليغرسها .
فإن للناس عيشا بعد ، والحاصل أنه مبالغة في الحث على غرس الأشجار وحفر الأنهار لتبقى هذه الدار عامرة إلى آخر أمدها المحدود المعدود المعلوم ثم غرس لك غيرك فانتفعت به فاغرس لمن يجيء بعدك لينتفع وإن لم يبق من الدنيا إلا صبابة ، وذلك بهذا القصد لا ينافي الزهد والتقلل من الدنيا. وأخذ معاوية في إحياء أرض وغرس نخل في آخر عمره ، فقيل له فيه، فقال : ما غرسته طمعا في إدراكه بل حملني عليه قول الأسدي :
ليس الفتى بفتى لا يستضاء به ولا يكون له في الأرض آثار .([9])
هذا وأشكر كل من قدم لي يد المساعدة لإخراج هذا الكتاب لما فيه من المنفعة،
و "لا يشكر الله من لا يشكر الناس"([10]) ، كما قال رسول الله r .
فهذه مادة الكتاب بين يديك ، ولم آلُ جهداً من تحري الحق ، فإن وُفقت إليه فإنه من فضل الله عليَّ ، وله المنة وحده .
وإن كانت الأخرى فحسبي أنّي قد بذلت قصارى جهدي في جمع الأدلة الصحيحة ، مع الحرص على معرفة الحق والصواب .
وأستغفر الله ذا الكمال من خطئي ، وما زل به قلمي ، ودينُ الله بريء منه ، وأنا تائب عنه ، والله خيرُ مأمول ألا يضيع سعينا ، ولا يخيب رجاءنا ، وهو حسبنا ونعم الوكيل .
وأسأل الله العظيم أن يجعل عملنا هذا خالصاً لوجهه الكريم ، وأن يجعل له القبول في الأرض .
وأن يكون حجةً لنا لا علينا ، وأن ينفعنا به في يوم الدين ، إنه
ولي ذلك والقادر عليه . اللهم آمين
وأصلي وأسلم على المبعوث رحمةً للعالمين محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
وكتب
ماجد بن خنجر البنكاني
أبو أنس العراقي
يوم الجمعة الموافق
29/ ربيع الثاني / 1425هـ
18/ 5 / 2004م
تمهيد
أشراط الساعة .
الأشراط لغة :العلامات .
قال الأَصْمعيّ : أَشْراطُ الساعةِ علاماتها ،قال : ومنه الاِشْتِراط الذي يَشْتَرِطُ الناسُ بعضُهم علـى بعض ، أَي هي علامات يجعلونها بـينهم، ولهذا سميت الشُّرَط لأَنهم جعلوا لأَنفسهم علامة يُعْرَفُون بها.
وقال أَبو عبـيدة:سمي الشُّرَطُ شُرَطاً لأَنهم أَعِدَّاء. وأَشراطُ الساعةِ: أَسبابها التـي هي دون مُعْظَمِهَا وقِـيامِهَا. والشَّرَطانِ: نَـجْمانِ من الـحَمَلِ يقال لهما قَرْنا الـحملِ، وهما أَول نـجم من الرَّبـيع، ومن ذلك صار أَوائل كل أَمر يقع أَشْراطَه ويقال لهما الأَشْراط . لسان العرب (7/330)
اصطلاحاً : هي العلامات التي تسبق يوم القيامة وتدل عليها .([11])
وأما الساعة لغة:هي جزء من أَجزاء اللـيل والنهاروالـجمع ساعاتٌ([12])
اصطلاحاً : الوقت الذي تقوم فيه القيامة .
قال الله تعالى : ) ö@ygsù tbrãÝàZt wÎ) sptã$¡¡9$# br& NåkuÏ?ù's? ZptGøót/ ( ôs)sù uä!%y` $ygèÛ#uõ°r& 4 4¯Tr'sù öNçlm; #sÎ) öNåkøEuä!%y` öNßg1tø.Ï ÇÊÑÈ ( .([13])
قال القرطبي : بغتة أي فجأة ، وهذا وعيد للكفار فقد جاء أشراطها أي أماراتها وعلاماتها ، وكانوا قد قرءوا في كتبهم أن محمدا r آخر الأنبياء فبعثه من أشراطها وأدلتها. تفسير القرطبي (16/240) .
وقال الطبري: يقول تعالى ذكره فهل ينظر هؤلاء المكذبون بآيات الله من أهل الكفر والنفاق إلا الساعة التي وعد الله خلقه بعثهم فيها من قبورهم أحياء أن تجيئهم فجأة لا يشعرون بمجيئها، والمعنى هل ينظرون إلا الساعة : هل ينظرون إلا أن تأتيهم بغتة .([14])
قرب قيام الساعة.قال الله تعالى: )اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ(.([15])
قال الطبري : قوله : اقتربت الساعة دنت الساعة التي تقوم فيها القيامة ، وقوله : اقتربت افتعلت ، وهذا من الله تعالى ذكره إنذار لعباده بدنو القيامة وقرب فناء الدنيا وأمرهم بالاستعداد – إلى يوم - القيامة قبل هجومها عليهم وهم عنها في غفلة ساهون .([16])
وعن جابر بن عبد الله t قال: "كان رسول الله r إذا خطب احمرت عيناه وعلا صوته واشتد غضبه حتى كأنه منذر جيش يقول : صبحكم ومساكم، ويقول: بعثت أنا والساعة كهاتين ، ويقرن بين إصبعيه السبابة والوسطى" .([17])
ويراد بقيام الساعة أمران :
1- هي قيام ساعة كل إنسان ، وذلك حين موته .
عن عائشة قالت: "كان الأعراب إذا قدموا على رسول الله r سألوه عن الساعة متى الساعة ، فنظر إلى أحدث إنسان منهم . فقال: "إن يعش هذا لم يدركه الهرم قامت عليكم ساعتكم". قال هشام: يعني موتهم.([18])
وعن أنس ، أن رجلا سأل رسول الله r متى تقوم الساعة ، وعنده غلام من الأنصار ، يقال له محمد .
فقال رسول الله r : "إن يعش هذا الغلام فعسى أن لا يدركه الهرم حتى تقوم الساعة" .([19])
وفي رواية عنه، أن رجلا سأل النبي r قال: متى تقوم الساعة ، قال فسكت رسول الله r هنيهة ثم نظر إلى غلام بين يديه من أزد شنوءة ، فقال: "إن مّر هذا الغلام لم يدركه الهرم حتى تقوم الساعة" .
قال : قال أنس ذاك الغلام من أترابي يومئذ .([20])
قال ابن حجر : وأنه أطلق على - يوم موتهم اسم الساعة لإفضائه بهم إلى أمور الآخرة ، ويؤيد ذلك أن الله استأثر بعلم وقت قيام الساعة العظمى كما دلت عليه الآيات والأحاديث الكثيرة .([21])
2- الأمر الثاني : يراد به قيام قيامتها الكبرى ، وهذا الذي جاءت به الآيات والأحاديث ، وهي كثيرة جداً .
متى الساعة .
الساعة أمر غيبي اختصه الله تعالى ولا يعلمه أحد من الخلق ، فلم يطلع عليه أحد لا نبياً مرسلاً ، ولا ملكاً مقرباً.قال الله تعالى: ) y7tRqè=t«ó¡o Ç`tã Ïptã$¡¡9$# tb$r& $yg8yóßD ( ö@è% $yJ¯RÎ) $ygãKù=Ïæ yZÏã În1u ( w $pkÏk=pgä !$pkÉJø%uqÏ9 wÎ) uqèd 4 ôMn=à)rO Îû ÏNºuq»yJ¡¡9$# ÇÚöF{$#ur 4 w ö/ä3Ï?ù's? wÎ) ZptGøót/ 3 y7tRqè=t«ó¡o y7¯Rr(x. ;Å"ym $pk÷]tã ( ö@è% $yJ¯RÎ) $ygßJù=Ïæ yZÏã «!$# £`Å3»s9ur usYò2r& Ĩ$¨Z9$# w tbqßJn=ôèt ÇÊÑÐÈ ( .([22])
قال الطبري : قوله تعالى : أَيَّانَ مُرْسَاهَا : يعني منتهاها .
وأما قوله: ) ö@è% $yJ¯RÎ) $ygãKù=Ïæ yZÏã În1u ( w $pkÏk=pgä !$pkÉJø%uqÏ9 wÎ) uqèd ( فإنه أمر من الله نبيه محمدا r بأن يجيب سائليه عن الساعة بأنه لا يعلم وقت قيامها إلا الله الذي يعلم الغيب،وأنه لا يظهرها لوقتها ولا يعلمها غيره جل ذكره.
وعن قتادة : قل إنما علمها عند ربي لا يجليها لوقتها إلا هو ، يقول : علمها عند الله هو يجليها لوقتها لا يعلم ذلك إلا الله .اهـ .([23])
قال القرطبي رحمه الله تعالى : مرساها ، قال ابن عباس : سأل مشركو مكة رسول الله r متى تكون الساعة استهزاء ، فأنزل الله عز وجل الآية .
-وقوله -: )فيم أنت من ذكراها( أي في أي شيء أنت يا محمد من ذكر القيامة والسؤال عنها وليس لك السؤال عنها .([24])
وفي سؤال جبريل عليه السلام للنبي r ، .... قال: متى الساعة؟ قال: "ما المسؤول عنها بأعلم من السائل ...." .([25])
فليس
لأحد أن يتكلم بموعدها ومتى هي
، لأن هذا من الأمور المحرمة التي نهانا الله تعالى عن الخوض فيها ، حتى رسول الله
r لا يعلم موعدها ومتى هي
، ومصداق ذلك جوابه r لجبريل عليه السلام، والذي ذكرناه آنفاً : "ما المسؤول عنها
بأعلم من السائل".
فكل من تكلم بهذا الأمر وجعل موعداً محدداً للساعة فقد افترى وتجرأ وادعى علم الغيب ، فنحن نبرأ من هذا الافتراء والقول بغير علم .
الفتن والأحداث .
الفتنة : هي الابتلاء والاختبار .
قال الأَزهري وغيره : جماعُ معنى الفِتْنة الابتلاء والامْتِـحانُ والاختبار ، وأَصلها مأْخوذ من قولك فتَنْتُ الفضة والذهب إِذا أَذبتهما بالنار لتميز الرديء من الـجيِّدِ ، وفـي الصحاح : إِذا أَدخـلته النار لتنظر ما جَوْدَتُه، ودينار مَفْتُون.
و الفَتْنُ : الإِحْراقُ ، ومن هذا قوله عز وجل : يومَ هم علـى النار يُفْتَنُونَ ؛ أَي يُحْرَقون بالنار . ويسمى الصائغ الفَتَّان، وكذلك الشيطان، ومن هذا قـيل للـحجارة السُّود التـي كأَنها أُحْرِقَتْ بالنار. الفَتِـينُ وقـيل فـي قوله عز وجل : يومَ همْ علـى النار يُفْتَنُون ، قال: يُقَرَّرونَ بذنوبهم. ووَرِقٌ فَتِـينٌ أَي فِضَّة مُـحْرَقَة.
وقال ابن الأَعرابـي : الفِتْنة الاختبار ، و الفِتْنة الـمِـحْنة ، و الفِتْنة الـمال ، و الفِتْنة الأَوْلادُ، و الفِتْنة الكُفْرُ، و الفِتْنةُ اختلافُ الناس بالآراء، و الفِتْنةُ الإِحراق بالنار .([26])
وقال الطيبي : الفتنة إن فسرت بالمحنة والمصيبة فشرها أن لا يصير الرجل على لأوائها ويجزع منها ، وإن فسرت بالامتحان والاختبار فشرها أن لا يحمد في السراء ولا يصبر في الضراء وذكر لفظ شر في الفقرة الأولى دون الثانية وهو ما وقع في هذه الرواية ، وجاء في رواية إثباتها فيهما وفي أخرى حذفها فيهما .([27])
العلامات التي تسبق أشراط الساعة الكبرى
هناك أمور من الأحداث والفتن تكون بين يدي الساعة ، أخبرنا عنها رسول الله e .
فعن أبي موسى الأشعري قال: قال رسول الله r: "إن بين يدي الساعة فتنا كقطع الليل المظلم ، يصبح الرجل فيها مؤمنا ويمسي كافرا ، ويمسي مؤمنا ويصبح كافرا ، القاعد فيها خيرا من القائم ، والماشي فيها خيرا من الساعي ، فكسروا فيها قسيكم ، وقطعوا أوتاركم واضربوا سيوفكم بالحجارة ، فإن دخل يعني على أحد منكم فليكن كخير ابني آدم" .([28])
وفي رواية : قالوا : فما تأمرنا؟ قال : "كونوا أحلاس بيوتكم" .([29])
قوله : : كقطع الليل المظلم : قطع الليل أي طائفة منه ، أراد فتنة سوداء مظلمة ، تعظيماً لشأنها .
وقوله : أحلاس بيوتكم : أي ألزموها ولا تغادروها .
وعن أبي هريرة t ، قال: قال رسول الله r:"أربع فتن تكون بعدي ؛ الأولى : يُستحل فيها الدماء . والثانية : يُستحل فيها الدماءُ والأموال .
والثالثة : يُستحل فيها الدماءُ والأموالُ والفروجُ .
والرابعة : عمياء صمّاء تُعرك فيها أمتي عركَ الأديم" .([30])
وعن عَوْفَ بْنَ مَالِكٍ قَالَ أَتَيْتُ النَّبِيَّ e فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ ، وَهْوَ في قُبَّةٍ مِنْ أَدَمٍ ، فَقَالَ : « اعْدُدْ سِتًّا بَيْنَ يَدَيِ السَّاعَةِ :
مَوْتِى .
ثُمَّ فَتْحُ بَيْتِ الْمَقْدِسِ .
ثُمَّ مُوتَانٌ يَأْخُذُ فِيكُمْ كَقُعَاصِ الْغَنَمِ .
ثُمَّ اسْتِفَاضَةُ الْمَالِ حَتَّى يُعْطَى الرَّجُلُ مِائَةَ دِينَارٍ فَيَظَلُّ سَاخِطًا.
ثُمَّ فِتْنَةٌ لاَ يَبْقَى بَيْتٌ مِنَ الْعَرَبِ إِلاَّ دَخَلَتْهُ .
ثُمَّ هُدْنَةٌ تَكُونُ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ بَنِى الأَصْفَرِ فَيَغْدِرُونَ ، فَيَأْتُونَكُمْ تَحْتَ ثَمَانِينَ غَايَةً ، تَحْتَ كُلِّ غَايَةٍ اثْنَا عَشَرَ أَلْفًا » .([31])
قوله "ستا"أي ست علامات لقيام الساعة ، أو لظهور أشراطها المقتربة منها.
قوله : "موتي" أخبر رسول الله r أن موته ودنو أجله من علامات قرب قيام الساعة ، وهي أعظم مصيبة أصابت المسلمين .
قال رسول الله r : "إذا أصيب أحدكم بمصيبة فليذكر مصيبته بي ، فإنما هي أعظم المصائب" .([32])
وكأن الدنيا أظلمت عند هذا الحادث الجلل .
فعن أنس بن مالك t قال : "لما كان اليوم الذي دخل فيه رسول الله r المدينة أضاء منها كل شيء ، فلما كان اليوم الذي مات فيه ؛ أظلم منها كل شيء ، وما نفضنا عن النبي r الأيدي حتى أنكرنا قلوبنا" .([33])
ورأت فاطمة رضي الله عنها ما برسول الله e من الكرب الشديد الذي يتغشاه ، فتأثرت لذلك تأثراً شديداً .
فعن أنس t قال :لما ثقل النبي e جعل يتغشاه العرق ، فقالت فاطمة ـ عليها السلام ـ : واكرب أبتاه ، فقال e :" ليس على أبيك كرب بعد هذا اليوم" ، فلما مات عليه الصلاة والسلام ، قالت :
يا أبتاه ! أجاب رباً دعاه .
يا أبتاه ! جنة الفردوس مأواه .
يا أبتاه ! إلى جبريل ننعاه .
وقالت لأنس بعد دفن رسول الله r : يا أنس : كيف طابت أنفسكم أن تحثوا التراب على رسول الله e .([34])
قال ابن الأثير: وما رؤيت فاطمة – رضي الله عنها – ضاحكة بعد وفاة رسول الله e حتى لحقت بالله عزوجل، ووجدت([35]) عليه وجداً عظيماً .([36])
قوله : "ثم مُوتَان" بضم الميم وسكون الواو، قال القزاز : هو الموت، وقال غيره الموت الكثير الوقوع، ويقال بالضم لغة تميم وغيرهم يفتحونها، ويقال للبليد موتان القلب بفتح الميم والسكون، وقال ابن الجوزي: يغلط بعض المحدثين فيقول موتان بفتح الميم والواو، وإنما ذاك اسم الأرض التي لم تحي بالزرع والإصلاح .
وجاء في رواية ابن السكن:" ثم موتتان" بلفظ التثنية،وحينئذ فهو بفتح الميم .
كَقُعَاصِ الْغَنَمِ : بضم العين المهملة وتخفيف القاف ، هو داء يأخذ الدواب فيسيل من أنوفها شيء فتموت فجأة .قال أبو عبيده : ومنه أخذ الإقعاص وهو القتل مكانه، وقال ابن فارس: العقاص داء يأخذ في الصدر كأنه يكسر العنق، ويقال أن هذه الآية ظهرت في طاعون عمواس في خلافة عمر ، وكان ذلك بعد فتح بيت المقدس .قوله: "ثم استفاضة المال" أي كثرته، وظهرت في خلافة عثمان عند تلك الفتوح العظيمة، والفتنة المشار إليها افتتحت بقتل عثمان، واستمرت الفتن بعده، والسادسة لم تجيء بعد .
وعن معبد بن خالد، قال: سمعت حارثة بن وهب، قال: سمعت النبي r يقول: "تصدقوا فإنه يأتي عليكم زمان يمشي الرجل بصدقته فلا يجد من يقبلها، يقول الرجل: لو جئت بها بالأمس لقبلتها فأما اليوم فلا حاجة لي بها" .([37])
وعن أبي هريرة t قال: قال النبي r : "لا تقوم الساعة حتى المال فيفيض حتى يهم رب المال من يقبل صدقته وحتى يعرضه فيقول الذي يعرضه عليه لا أرب لي" .([38])
قوله : "ثُمَّ هُدْنَةٌ تَكُونُ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ بَنِى الأَصْفَرِ فَيَغْدِرُونَ ، إلخ الحديث" .
هو الصلح الذي يكون بين المسلمين والروم الذين هم النصارى ثم يغدرون .
فعن ذي مخمر t قال : قال رسول الله e :
"ستصالحون الروم صلحا أمناً ، فتغزون أنتم و هم عدواً من ورائكم ، فتنتصرون و تغنمون ، ثم تنـزلون بمرج ذي تلول فيقوم رجل من الروم فيرفع الصليب و يقول : غلب الصليب!فيقوم إليه رجل من المسلمين فيقتله فيغدر القوم و تكون الملاحم فيجتمعون لكم فيأتونكم في ثمانين غاية مع كل غاية عشر ألفاً" .([39])
وقوله : "هدنة" بضم الهاء وسكون المهملة بعدها نون هي الصلح على ترك القتال بعد التحرك فيه .
قوله : "بني الأصفر" هم الروم .
"غاية" : أي راية، وسميت بذلك لأنها غاية المتبع إذا وقفت وقف .
وعن أبي موسى t : حدثنا رسول الله e : "إن بين يدي الساعةِ لهرجاً .
قال : قلت : يا رسول الله !ما الهرج؟ قال : القتل .
فقال بعض المسلمين : يا رسول الله ! إنَّا نقتُلُ الآنَ في العام الواحدِ من المشركين كذا وكذا . فقال رسول الله e : ليس بقتلِ المشركينَ ، ولكن يقتلُ بعضكم بعضاً ، حتى يقتلَ الرجلُ جارَهُ وابنَ عمِّهِ وذا قرابتهِ .
فقال بعض القومِ : يا رسولَ الله ! ومعنا عُقُولُنا ذلك اليومَ ؟
فقالَ رسول الله e : لا ، تُنـزَعُ عقولُ أكثَرِ ذلك الزَّمَانِ ويَخلُفُ لَهُ هبَاءٌ منَ الناسِ لا عقولَ لهم" .ثم قال أبو موسى الأشعريُّ : وأيمُ اللهِ إنِّي لأَظُنُّها مدركتي وإيَّاكم ، وأيمُ اللهِ مالي ولكم منها مخرجٌ ، إنْ أدرَكتنا فيها عَهِدَ إلينا نبينا e ، إلا أن نخرجَ كما دَخَلنا فيها .([40])
وعن زينب بنت جحش رضي الله عنها ، أن رسول الله دخل عليها يوماً فزعاً يقول :"لا إله إلا الله ، ويل للعرب من شر قد اقترب : فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذه ، وحلق بإصبعيه الإبهام والتي تليها "
قالت زينب بنت جحش : يا رسول الله أفنهلك وفينا الصالحون ؟
قال : "نعم إذا كثر الخبث ".([41])
قوله : "ردم" : أي السد الذي بناه ذو القرنين .
قال النووي : الخبث هو بفتح الخاء والباء ، وفسره الجمهور بالفسوق والفجور ، وقيل : المراد الزنا خاصة ، وقيل : أولاد الزنا ، والظاهر أنه المعاصي مطلقاً.
ومعنى الحديث : أن الخبث إذا كثر فقد يحصل الهلاك العام وإن كان هناك صالحون .([42])
قال ابن حجر في الفتح : "قال بن العربي : فيه البيان بأن الخير يهلك بهلاك الشرير إذا لم يغير عليه خبثه وكذلك عليه لكن حيث لا يجدي ذلك ويصر الشرير على عمله السيء ويفشو ذلك ويكثر حتى يعم الفساد فيهلك حينئذ القليل والكثير ثم يحشر كل أحد على نيته وكأنها فهمت من فتح القدر المذكور من الردم إن الأمر إن تمادى على ذلك اتسع الخرق بحيث يخرجون وكان عندها علم أن في خروجهم على الناس إهلاكاً عاماً لهم" .اهـ .([43])
عودة جزيرة العرب جناتٍ وأنهاراً
عن أبي هريرة t أن رسول الله e قال:" لا تقوم الساعة حتى تعود أرض العرب مروجاً وأنهاراً ".([44])
وفي هذا الحديث دلالة على أن أرض العرب كانت مروجاً وأنهاراً وأنها ستعود كما كانت مروجاً وأنهاراً .([45])
قال النووي: في معنى عود أرض العرب مروجاً وأنهاراً : معناه ـ والله أعلم ـ أنهم يتركونها ويعرضون عنها ، فتبقى مهملة ؛ لا تزرع ، ولا تسقى من مياهها ، وذلك لقلة الرجال ، وكثرة الحروب ، وتراكم الفتن ، وقرب الساعة ، وقلة الآمال ، وعدم الفراغ لذلك والاهتمام به .([46])
وعن معاذ بن جبل قال : خرجنا مع رسول الله e : عام غزوة تبوك فكان يجمع الصلاة فصلى الظهر والعصر جميعا والمغرب والعشاء جميعا حتى إذا كان يوما أخر الصلاة ، ثم خرج فصلى الظهر والعصر جميعا ، ثم دخل ، ثم خرج بعد ذلك فصلى المغرب والعشاء جميعا ، ثم قال :
" إنكم ستأتون غدا إن شاء الله عين تبوك وإنكم لن تأتوها حتى يضحي النهار فمن جاءها منكم فلا يمس من مائها شيئا حتى آتي" ، فجئناها وقد سبقنا إليها رجلان فتكون مثل الشراك تبض بشيء من ماء ، قال فسألهما رسول الله e:"هل مسستما من مائها شيئاً؟" قالا : نعم ، فسبهما النبي e : وقال لهما ما شاء الله أن يقول ، قال ثم غرفوا بأيديهم من العين قليلاً قليلاً حتى اجتمع في شيء ، قال وغسل رسول الله e فيه يديه ووجهه ثم أعاده فيها فجرت العين بماء منهمر أو قال غزير ، شك أبو علي أيهما ، قال حتى استسقى الناس ،
ثم قال رسول الله e : " يوشك يا معاذ إن طالت بك حياة أن ترى ما ههنا قد ملئ جنانا".([47])
الشراك : بكسر الشين ، هو سير النعل .
تبض : بفتح التاء وكسر الموحدة بعدها ضاد معجمة مشددة ؛ أي : تسيل بماء قليل .
هلاك الأمة على يدي غلمة من قريش
عن عمرو بن يحيى بن سعيد بن عمرو بن سعيد ، قال : أخبرني جدي ، قال : كنت جالساً مع أبي هريرة في مسجد النبي e بالمدينة ومعنا مروان ، قال أبو هريرة : سمعت الصادق المصدوق r يقول :
"هلاك أمتي على يدي غلمة من قريش" .([48])
فقال مروان : لعنة الله عليهم غلمة . فقال أبو هريرة : لو شئت أن أقول "بني فلان وبني فلان" لفعلتُ .
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى : " ويؤخذ من هذا الحديث استحباب هجران البلدة التي يقع فيها إظهار المعصية فإنها سبب وقوع الفتن التي ينشأ عنها عموم الهلاك .
قال ابن وهب عن مالك : تهجر الأرض التي يصنع فيها المنكر جهراً ، وقد صنع جماعة من السلف .
وقال ابن بطال : وفي هذا الحديث أيضاً حجة لما تقدم من ترك القيام على السلطان ولو جارَ ؛ لأنه r أعلم أبا هريرة بأسماء هؤلاء وأسماء آبائهم ولم يأمرهم بالخروج عليهم مع إخباره أن هلاك الأمة على أيديهم لكون الخروج أشد في هلاك وأقرب إلى الاستئصال من طاعتهم ، فاختار أخف المفسدتين وأيسر الأمرين" .اهـ ([49])
انتفاخ ا لأهلة
من الأدلة على اقتراب الساعة أن يرى الهلال عند ظهوره كبيراً حتى يقال ساعة خروجه إنه لليلتين أو ثلاثة . ([50]).
فعن ابن مسعود t قال : قال رسول الله e :" من اقتراب الساعة انتفاخ الأهلة ".([51])
وعن أنس t قال : قال رسول الله e : "من اقتراب الساعة أن يرى الهلال قبلا ، فيقال : لليلتين وأن تتخذ المساجد طرقاً ، وأن يظهر موت الفجأة ".([52])
كثرت المطر وقلة النبات
عن أبي هريرة t قال : قال رسول الله e :" لا تقوم الساعة حتى تُمطر السماء مطراً لا تكنُّ منها بيوت المدر ولا تُكنُّ منها إلا بيوت الشعر ".([53])
المدر : هو الطين اليابس المتماسك . وأهل القرى والأمصار .
وعن أنس t قال : قال رسول الله e :"لا تقوم الساعة حتى يُمطر الناس مطراً عاماً، ولا تُنبتُ الأرض شيئاً ".([54])
عن أبي هريرة t ، أن رسول الله e قال :" ليست السَّنة بأن لا تُمطروا ، ولكن أن تُمطروا وتمطروا ولا تُنبت الأرض شيئاً ". ([55])
إخراج الأرض كنوزها المخبوأة
عن أبي هريرة t قال : قال رسول الله e :" تقيء الأرض كبدها أمثال الأسطوان من الذهب والفضة ، فيجيء القاتل ، السارق فيقول : في هذا قطعت يدي ! ثم يدعونه فلا يأخذون منه شيئاً ".( [56])
وهذه آية من آيات الله ، حيث يأمر الحقُ الأرض أن تخرج كنوزها المخبوأة في جوفها ، وقد سمى الرسول e تلك الكنوز "بأفلاذ الكبد " ، وأصل الفلذ : القطعة من كبد البعير ، وقال غيره : هي القطعة من اللحم .
ومعنى الحديث: التشبيه، تخرج ما في جوفها من القطع المدفونة فيها، والأسطوان جمع اسطوانة،وهي السارية والعمود، وشبه بالأسطوان لعظمته وكثرته .([57])
محاصرة المسلمين إلى المدينة
من أشراط الساعة أن ينهزم المسلمون ، ويحيط بهم أعداؤهم ويحاصرونهم في المدينة المنورة . ([58])
عن عمر t قال : قال رسول الله r :" يوشك المسلمون أن يحاصروا إلى المدينة ، حتى يكون أبعد مسالحهم سلاح ". ([59])
فتنة الأحلاس وفتنة الدهماء وفتنة الدهيماء
عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال :كنا عند رسول الله e قعوداً نذكر الفتن ، فأكثر من ذكرها ، حتى ذكر فتنة الأحلاس ،فقال قائل : وما فتنة الأحلاس ؟
قال : "هي فتنة هرب وحرب ، ثم فتنة السراء ، دخلها أو دخنها من تحت قدمي رجل من أهل بيتي ، يزعم أنه مني ، وليس مني ، وإنما أوليائي المتقون ، ثم يصطلح الناسُ على رجل كورك على ضِلع ، ثم فتنة الدهيماء ، لا تدع أحداً من هذه الأمة إلا لطمته لطمةً ، فإذا قيل : انقضت تمادت ؛ يصبح الرَّجل فيها مؤمناً ، ويمسي كافراً ، حتى يصير الناس إلى فسطاطين : فسطاط إيمان لا نفاق فيه ، وفسطاط نفاق لا إيمان فيه ، إذا كان ذاكم فانتظروا الدجال من اليوم أو غد ". ([60])
"الأحلاس" :جمع حلس ، وهو الكساء الذي يلي ظهر البعير تحت القتب ، شبهت به الفتنة لملازمتها للناس حين تنـزل كما يلازم الحلس ظهر البعير ، وقد قال الخابي : يحتمل أن تكون هذه الفتنة شبهت بالأحلاس لسواد لونها وظلمتها . والحرَب بفتح الراء : ذهاب المال والأهل ، يقال : حَرِب الرجل فهو حريب فلان إذا سلب ماله وأهله .
والسراء : النعمة التي تسر الناس من وفرة المال والعافية ، وأضيفت الفتنة إليها لأن النعمة سببها ، إذ أن الإنسان يرتكب الآثام والمعاصي بسبب ما يتوفر له من الخير .
"دخنها" : قال صاحب "العون" : يعني : ظهورها وإثارتها ، شبهها بالدخان المرتفع ، والدخن بالتحريك مصدر ، " دخنت النار تدخن " إذا ألقي عليها حطب رطب فكثر دخانها ، وقيل : أصل الدخن : أن يكون في لون الدابة كدورة إلى سواد . قاله في " النهاية " ، وإنما قال : " من تحت قدمي رجل من أهل بيتي " تنبيهاً على أنه هو الذي يسعى في إثارتها أو إلى أنه يملك أمرها ، " يزعم أنه مني " أي : في الفعل ، وإن كان منَّي في النسب ، والحاصل : أن تلك الفتنة بسببه وأنه باعث على إقامتها ، " وليس مني " أي : من أخلائي أو من أهلي في الفعل ؛ لأنه لو كان من أهلي لم يهيج الفتنة ، ونظيرة : قوله تعالى ] إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِح) [([61]) أو : ليس من أوليائي في الحقيقة ، ويؤيده قوله :" وإنما أوليائي المتقون " .
وقوله "كورك على ضلع ": الورك : الورك بفتح الواو وكسر الراء ، وهو ما فوق الفخذ كالكتف فوق العضد .
" الضلع " : بفتح اللام ويجوز تسكينها ،قال الخطابي ـ رحمه الله ـ : "هو مثلٌ ومعناه : الأمر الذي لا يثبت ولا يستقيم وذلك أن الضلع لا يقوم بالورك ، وبالجملة ؛ يريد : أن هذا الرجل غير خليق للملك ولا مستقل به" انتهى .وفي " النهاية " : "أي : يصطلحون على أمرٍ واهٍ لا نظام له ولا استقامة ، لأن الورك لا يستقيم على الضلع ولا يتركب عليه لاختلاف ما بينهما وبعده ، الورك : ما فوق الفخذ . انتهى" .
وقال القاري : "هذا مثلٌ ، والمراد : أنه لا يكون على ثبات ، لأن الورك لثقله لا يثبت على الضلع لدقته ، والمعنى : أنه يكون غير أهل الولاية لقلة علمه وخفة رأيه" .
وقال الأردبيلي في " الأزهار" : "يقال في التمثيل للموافقة والملائمة :" كف في ساعد". وللمخالفة والمغايرة : " ورك على ضلع " انتهى" .
وفي " شرح السنة " : "معناه : أن الأمر لا يثبت ولا يستقيم له ، وذلك أن الضلع لا يقوم بالورك ولا يحمله ، وحاصله : أنه لا يستعد ولا يستبد ، لذلك فلا يقع منه الأمر موقعه كما أن الورك على ضلع يقع غير موقعه" .
هذا مثل للأمر الذي لا يستقيم ولا يثبت ، لأن الورك لا يتركب على الضلع ولا يستقيم معه .
" فتنة الدُّهَيماء" : الدهيماء : الداهية التي تدهم الناس بشرها ، وهي بضم ففتح ، والدهماء : السوداء ، والتصغير للذم ، أي : الفتنة العظماء والطامة العمياء " . قاله القاري .
وفي " النهاية " : "تصغير الدهماء ، يريد : الفتنة المظلمة ، والتصغير فيها للتعظيم ، وقيل : أراد بالدهيماء : الداهية ، ومن أسمائها : الدهيم ، زعموا أن الدهيم اسم ناقة كان غزا عليه سبعة إخوة فقتلوا عن آخرهم وحُملوا عليها حتى رجعت بهم ، فصارت مثلاً في كل داهية" .وفي " اللسان " : "الدهيماء : السوداء المظلمة" .
"لطمته لطمةً" : أي : أصابته بمحنة ومسته ببلية ، وأصل اللطم : هو الضرب على الوجه ببطن الكف ، والمراد : أن أثر تلك الفتنة يعم الناس ويصل لكل أحد من ضررها ، " فإذا قيل : انقضت" أي : فمهما توهَّموا أن تلك الفتنة انتهت " تمادت" بتخفيف الدال ، أي : بلغت المدى أي : الغاية من التمادي وبتشديد الدال من " التمادد" تفاعل من المد ، أي : استطالت واستمرت واستقرت" قاله القاري .
" يصبح مؤمناً" : أي : لتحريمه دم أخيه وماله وعرضه ، و"يمس كافراً" أي لتحليله ما ذكر ويستمر ذلك .
وقوله : "حتى يصير الناس إلى فسطاطين : فسطاط إيمان لا نفاق فيه ، وفسطاط نفاق لا إيمان فيه" : المراد بالفسطاط هنا : الفرقة ، وأصل الفسطاط الخيمة .
كلام السباع للجمادات وللإنس
ومن أشراط الساعة كلام السباع للإنس ، وكلام الجمادات للإنسان ، وإخبارها بما حدث في غيابه ، وتكلم بعض أجزاء الإنسان ؛ كالفخذ يخبر الرجل بما أحدث أهله بعد .
عن أبي هريرة t قال : جاء ذئبٌ إلى راعي الغنم ، فأخذ منها شاةً ، فطلبه الراعي حتى انتـزعها منه .قال : فصعد الذئبُ على تلَّ ، فأقعى واستذفر ، فقال : عمدت إلى رزق رزقنيه الله عزّ وجل انتـزعته مني . فقال الرجل : تالله إن رأيت كاليوم ذئباً يتكلَّم ! قال الذئب : أعجبُ من هذا رجلٌ في النخلات بين الحرتين يخبركم بما مضى وبما هو كائن بعدكم ـ وكان الرجل يهودياُ ـ فجاء الرجل إلى النبي e ، فأخبره ، فصدَّقه النبي e ، ثم قال النبي e :"إنها أمارةٌ من أمارات بين يدي الساعة ، أوشك الرجل أن يخرج فلا يرجع حتى تحدثه نعلاه وسوطه ما أحدث أهله بعده ".([62])
أقعى: الإقعاء : تقول أقعى الكلب إذا جلس على استه .
استذفر : أصلها استثفر ، فقلبت الثاء المثلثة ذالاً معجمة . تقول :
استثفر الكلب : إذا جعل ذنبه بين فخذيه حتى يلزق ببطنه .
وعن أبي سعيد الخدري t قال : قال رسول الله e :" صدق والذي نفسي بيده ؛لا تقوم الساعة حتى يكلم السباع الإنس ، ويكلم الرَّجُلَ عذبةُ سوطه ، وشراكُ نعله ، ويخبره فخذُهُ بما احدث أهلُه بعده ". ([63])
تمني الموت من شدَّة البلاء
ومن شدة الفتن التي تمر بالناس قبل قيام الساعة يتمنى أحدهم الموت لشدة هذا البلاء الذي يصيبهم بحيث يتمنى لو كان مكان الميت الذي يكون في القبر ، نسأل الله العافية من الفتن ما ظهر منها وما بطن .
فعن أبي هريرة t أن رسول الله e :" لا تقوم الساعة حتى يمرَّ الرجل بقبر الرجل ، فيقول : يا ليتني مكانه ".([64])
وعنه أيضاً t قال : قال رسول الله e :"والذي نفسي بيده ؛ لا تذهب الدنيا حتى يمرَّ الرجل على القبر ، فيتمرغ عليه ، ويقول : يا ليتني كنت مكان صاحب هذا القبر ، وليس به الدَين ؛ إلا البلاء ".([65])
وتمني الموت يكون عند كثرة الفتن ، وتغيُّر الأحوال ، وتبديل رسوم الشريعة ، وهذا إن لم يكن وقع ؛ فهو واقع لا محالة .([66])
قال ابن حجر : والسبب في ذلك ما ذكر في رواية أبي حازم أنه يقع البلاء والشدة حتى يكون الموت الذي هو أعظم المصائب أهون على المرء فيتمنى أهون المصيبتين في اعتقاده ، وبهذا جزم القرطبي ، وذكره عياض احتمالا وأغرب بعض شراح المصابيح فقال المراد بالدين هنا العبادة والمعنى أنه يتمرغ على القبر ويتمنى الموت في حالة ليس المتمرغ فيها من عادته وإنما الحامل عليه البلاء بالإجماع .
وهذا إنما فيه أخبار عن شدة ستحصل ينشأ عنها هذا التمني وليس فيه تعرض لحكمه وإنما سيق للأخبار عما سيقع
ثم قال القرطبي : كأن في الحديث إشارة إلى أن الفتن والمشقة البالغة ستقع حتى يخف أمر الدين ويقل الاعتناء بأمره ولا يبقى لأحد اعتناء إلا بأمر دنياه ومعاشه نفسه وما يتعلق به ومن ثم عظم قدر العبادة أيام الفتنة ، كما أخرج مسلم من حديث معقل بن يسار رفعه العبادة في الهرج كهجرة إلي ويؤخذ من قوله حتى يمر الرجل بقبر الرجل أن التمني المذكور إنما يحصل ثم رؤية القبر وليس ذلك مرادا بل فيه إشارة إلى قوة هذا التمني لأن الذي يتمنى الموت بسبب الشدة التي تحصل عنده قد يذهب ذلك التمني أو يخف عند مشاهدة القبر والمقبور فيتذكر هول المقام فيضعف تمنيه فإذا تمادى على ذلك دل على تأكد أمر تلك الشدة عنده حيث لم يصرفه ما شاهده من وحشة القبر وتذكر ما فيه من الأهوال عن استمراره على تمني الموت . اهـ .([67])
وعن حذيفة t قال : قال رسول الله e :" يأتي على الناس زمانٌ يتمَّنون فيه الدجال ". قلت : يا رسول الله بأبي وأُمي مم ذاك ؟
قال :" ممَّا يلقون من العناء والعناء ".([68])
كثرة الروم قبل قيام الساعة
وقتالهم للمسلمين
عن عمرو بن العاص رضي الله عنهما سمعت رسول الله e يقول :"تقوم الساعة والروم أكثر الناس " . فقال له عمرو : أبصر ما تقول قال : أقول ما سمعت من رسول الله e .([69])
وعن ذي مخمر t قال : قال رسول الله e : "ستصالحون الروم صلحا أمناً ، فتغزون أنتم و هم عدواً من ورائكم ، فتنتصرون و تغنمون ، ثم تنـزلون بمرج ذي تلول فيقوم رجل من الروم فيرفع الصليب ، و يقول : غلب الصليب!فيقوم إليه رجل من المسلمين فيقتله فيغدر القوم و تكون الملاحم فيجتمعون لكم فيأتونكم في ثمانين غاية مع كل غاية عشر ألفاً" .([70])
تلول : جمع تل ، وهو الموضع المرتفع .
وفي حديث عوف بن مالك الأشجعي t المتقدم ، قال : قال رسول الله e :"اعدُد ستاً بين يدي الساعة … (فذكر منها ) ثم هدنة تكون بينكم وبين بني الأصفر فيغدون ، فيأتونكم تحت ثمانين غاية ، تحت كل غاية اثنا عشر ألفاً ".
بنو الأصفر : هم الروم .
غاية : أي راية . وسميت بذلك لأنها غايةُ المتبع إذا وقفت وقف .
وعن جابر بن سمرة عن نافع بن عتبة قال : كنا مع رسول الله e … فحفظتُ منه أربع كلمات أعدُّهن في يدي ؛ قال :
"تغزون جزيرة العرب فيفتحها الله ، ثم فارس فيفتحها الله ، ثم تغزون الروم فيفتحها الله ثم تغزون الدّجّال فيفتحه الله ". ([71])
قال : فقال نافع : يا جابر ! لا نرى الدجال يخرج حتى تفتح الروم .
عن أبي هريرة t أن رسول الله e قال : " لا تقوم الساعة حتى ينـزل الروم بالأعماق أو بدابق ، فيخرج إليهم جيشٌ من المدينة ، من خيار أهل الأرض يومئذ ، فإذا تصافُّوا ؛ قالت الروم : خلوا بيننا وبين الذي سبوا منا نقاتلهم . فيقول المسلمون : لا ولله لا نخلي بينكم وبين إخواننا فيقاتلونهم ، فيهزم ثلث لا يتوب الله عليهم أبداً ، ويقتل ثلث هم أفضل الشهداء عند الله ويفتح الثلث لا يفتـنون أبداً ، فيفتحون القسطنطينية ، فبينما هم يقتسمون الغنائم ، قد علقوا سيوفهم بالزيـتون ، إذ صاح فيهم الشيطان : إن المسيح قد خلفكم في أهليكم ، فيخرجون ، وذلك باطل ، فإذا جاؤوا الشام ؛ خرج فبينما هم يعدون للقتال ، يسوُّون الصفوف ، إذ أُقيمت الصلاة ، فينـزل عيسى بن مريم e ". ([72])
الأعماق : قال ياقوت الحموي : هي كورة قرب دابق ، بين حلب وأنطاكية وهما في الشام .
دابق : بكسر الباء وروي بفتحها وآخره قاف : قرية قرب حلب ، من أعمال عزاز ، بينها وبين حلب أربعة فراسخ .
عن أبي قتادة العدوي عن يسير بن جابر قال : هاجت ريح حمراء بالكوفة فجاء رجل ليس له هجيري إلا يا عبد الله بن مسعود جاءت الساعة، قال فقعد وكان متكئا، فقال: إن الساعة لا تقوم حتى لا يقسم ميراث ولا يفرح بغنيمة، ثم قال بيده هكذا ونحاها نحو الشام، فقال: عدو يجمعون لأهل الإسلام ويجمع لهم أهل الإسلام، قلت: الروم تعني؟ قال: نعم، وتكون عند ذاكم القتال ردة شديدة فيشترط المسلمون شرطة للموت لا ترجع إلا غالبة فيقتتلون حتى يحجز بينهم الليل فيفيء هؤلاء وهؤلاء غالب وتفنى الشرطة ثم يشترط المسلمون شرطة للموت لا ترجع إلا غالبة فيقتتلون حتى يحجز بينهم الليل فيفيء هؤلاء وهؤلاء غالب وتفنى الشرطة ثم يشترط المسلمون شرطة للموت لا ترجع إلا غالبة فيقتتلون حتى يمسوا فيفيء هؤلاء وهؤلاء غالب وتفنى الشرطة، فإذا كان يوم الرابع نهد إليهم بقية أهل الإسلام فيجعل الله الدبرة عليهم فيقتلون مقتلة، إما قال لا يرى مثلها وإما قال لم ير مثلها، حتى إن الطائر ليمر بجنباتهم فما يخلفهم حتى يخر ميتا فيتعاد بنو الأب كانوا مائة فلا يجدونه بقى منهم إلا الرجل الواحد فبأي غنيمة يفرح أو أي ميراث يقاسم، فبينما هم كذلك إذ سمعوا ببأس هو أكبر من ذلك فجاءهم الصريخ إن الدجال قد خلفهم في ذراريهم فيرفضون ما في أيديهم ويقبلون فيبعثون عشرة فوارس طليعة قال رسول الله r إني لأعرف أسماءهم وأسماء آبائهم وألوان خيولهم هم خير فوارس على ظهر الأرض يومئذ أو من خير فوارس على ظهر الأرض يومئذ .([73])
وعن أبي الدرداء t أن رسول الله e قال :"إن فسطاط المسلمين يوم الملحمة في أرضٍ بالغوطة في مدينة يقال لها : دمشق ،من خير مدائن الشام".([74])
فتح القسطنطينية
هذا هو الفتح الذي سيخرج على إثره المسيحُ الدجال ولن يكون قتالاً بالسيف والرمح ولكن سيتم بذكر الله والتهليل والتكبير لا إله إلا الله ، والله أكبر .([75])
عن أبي هريرة t أن النبي e قال :"سمعتم بمدينة جانبٌ منها في البر وجانبٌ منها في البحر ؟".
قالوا : نعم يا رسول الله . قال : "لا تقوم الساعة حتى يغزوها سبعون ألفاً من بني إسحاق ، فإذا جاؤوها نزلوا ، فلم يقاتلوا بسلاح ، ولم يرموا بسهم ؛ قالوا : لا إله إلا الله والله أكبر ، فيسقط أحد جانبيها ـ قال ثور "أحد رواة الحديث " - : لا أعلمه إلا قال : الذي في البحر .
ثم يقولوا الثانية : لا إله إلا الله والله أكبر ؛ فيسقط جانبها الآخر .
ثم يقولوا : لا إله إلا الله والله أكبر ؛ فيفرج لهم ، فيدخلوها ، فيغنموا ، فبينما هم يقتسمون الغنائم ، إذ جاءهم الصريخ ، فقال : إن الدجال قد خرج ، فيتركون كل شيء ويرجعون ". ([76])
وعن بشر بن عبد الله بن يسار قال : أخذ عبد الله بن بُسر المازني صاحب رسول الله e بأذني فقال : "يا بن أخي لعلك تدرك فتح قسطنطينية ، فإياك إن أدركت فتحها أن تترك غنيمتك منها ، فإن بين فتحها وخروج الدجال سبع سنين". ([77])
خروج القحطاني
في آخر الزمان يخرج رجلٌ من قحطان ، تدين له الناس بالطاعة ، وتجتمع عليه ، وذلك عند تغيُّر الزمان .([78])
فعن أبي هريرة t أن رسول الله e قال :" لا تقوم الساعة حتى يخرج رجلٌ من قحطان يسوق الناس بعصاه ". ([79])
قال القرطبي : قوله " يسوق الناس بعصاه " كنايةٌ عن استقامة الناس ، وانعقادهم إليه ، واتفاقهم عليه ، ولم يُرد نفس العصا ، وإنما ضرب بها مثلاً لطاعتهم له ، واستيلائه عليهم ؛ إلا أَنّ في ذكرها دليلاً على خشونته عليهم ، وعنفه بهم .([80])
عن معاوية t قال سمعت رسول الله e يقول :"إن هذا الأمر في قريش ، لا يعاديهم أحدٌ ؛ إلا كبه الله على وجهه ما أقاموا الدين ".([81])
وهذا القحطاني ليس هو الجهجاه فإن القحطاني من الأحرار ؛ لأنه نسبه إلى قحطان الذي تنتهي أنساب أهل اليمن من حمير وكندة وهمدان وغيرهم إليه
وأما الجهجاه ؛ فهو من الموالي . ([82])
وعن أبي هريرة t قال : قال رسول الله e :"لا تذهب الأيام والليالي حتى يملك رجل يقال له : الجهجاه" .([83])
وفي رواية عنه t قال : قال رسول الله e :" لا يذهب الليل والنهار حتى يملك رجلٌ من الموالي يقال له : جهجاه ". ([84])
الموالي : جمع مولى، أي : المماليك ، والمعنى : حتى يصير حاكماً على الناس.
قال المباركفوري في "تحفة الأحوذي" (6/483) : "أي : لا ينقطع الزمان ولا تأتي القيامة حتى يملك الرجل الموالي ، أي : على سبيل التغلب لا بشورى أهل الحل والعقد ، فهذا الحديث لا يخالف الأحاديث القاضية بأن الخلافة في قريش . اهـ .
قتـال اليهود
عن أبي الزبير ، أنه سمع جابر بن عبد الله t يقول : أخبرني عمر بن الخطاب t ، أنه سمع النبي e يقول :"لأخرجن اليهود والنصارى من جزيرة العرب ، حتى لا أدع إلا مسلماً ". ([85])
ولكن هذا القتال ليس هو القتال الذي هو من أشراط الساعة وجاءت به الأحاديث الصحيحة ؛ فإن النبي e أخبر أن المسلمين سيقاتلونهم إذا خرج الدجال ، ونزول عيسى عليه السلام .
وعن أبي هريرة t أن رسول الله e قال :" لا تقوم الساعة حتى يقاتل المسلمون اليهود ، فيقتلهم المسلمون حتى يختبىء اليهودي من وراء الحجر والشجر ، فيقول الحجر والشجر : يا مسلم ! يا عبد الله ! هذا يهودي خلفي ، فتعال ، فاقتله ؛ إلا الغرقد ؛ فإنه من شجر اليهود ". ([86])
الغرقد : نوع من شجر الشوك معروف ببلاد بيت المقدس ، وهناك يكون قتل الدجال ، وقال أبو حنيفة الدِّينوري : إذا عظمت العوسجة صارت غرقدة .
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى في الفتح : وفي الحديث ظهور الآيات قرب قيام الساعة من كلام الجماد من شجرة وحجر، وظاهره أن ذلك ينطق حقيقة، ويحتمل المجاز بأن يكون المراد أنهم لا يفيدهم الاختباء والأول أولى، وفيه أن الإسلام يبقى إلى يوم القيامة .([87])
نفي المدينة لشرارها ثم خرابها آخر الزمان
حث النبي e على سكنى المدينة ، ورغَّب في ذلك ، وأخبر أنه لا يخرج أحدٌ منها رغبةً عنها إلا أخلف الله فيها من هو خيرٌ منه .
وأخبر أن من علامات الساعة نفي المدينة لخبثها ، وهم شرار الناس ؛كما ينفي الكير خبث الحديد . ([88])
فعن أبي هريرة t أن رسول الله e قال :"يأتي على الناس زمانٌ يدعو الرجل ابن عمه وقريبه هلمَّ إلى الرخاء ، هلمَّ إلى الرخاء ، والمدينة خيرٌ لهم لو كانوا يعلمون ، والذي نفسي بيده ؛ لا يخرج منهم أحدٌ رغبةً عنها ؛ إلا أخلف الله فيها خيراً منه ، ألا إن المدينة كالكير يخرج الخبيث ، لا تقوم الساعة حتى تنفي المدينة شرارها كما ينفي الكير خبث الحديد ".([89])
عن جابر t قال : جاء إعرابيٌّ إلى النبي e فبايعه على الإسلام ، فجاء من الغد محموماً .
فقال : أقلني . فأبى ؛ ثلاث مرار .
فقال :"المدينة كالكير ، تنفي خبثها ، وينصح طيبُها ". ([90])
وعن أنس بن مالك t عن النبي e أنه ذكر الدجال ، ثم قال :" ثم ترجف المدينة بأهلها ثلاث رجفات ، فيُخرج الله إليه كل كافر ومنافق ". ([91])
وعن أبي هريرة t قال : سمعت رسول الله e يقول :" تتركون المدينة على خير ما كانت ، لا يغشاها إلا العوافي ـ يريد بالعوافي السباع والطير ـ وآخر من يحشر راعيان من مُزينة ، يريدان المدينة ، ينقعان بغنمهما ، فيجدانـها وحشاً ، حتى إذا بلغا ثنية الوداع ؛ خرَّا على وجههما ".([92])
وعنه أيضاً t أن رسول الله e قال :" لتتركنَّ المدينة على أحسن ما كانت ، حتى يدخل الكلب أو الذئب ، فيغذى على بعض سواري المسجد ، أو على المنبر ".
فقالوا : يا رسول الله ! فَلِمَن تكون الثمار ذلك الزمان ؟
قال :" للعوافي : الطير والسباع ". ([93])
وعن أبي هريرة t ، أن رسول الله e قال : "لا تقوم الساعة حتى ينـزل الروم بالأعماق أو بدابق ، فيخرج إليهم جيش من المدينة من خيار أهل الأرض يومئذ ، فإذا تصافوا قالت الروم خلوا بيننا وبين الذين سَبُوا منا نقاتلهم . فيقول المسلمون : لا والله لا نخلي بينكم وبين إخواننا ، فيقاتلونهم فينهزم ثلث لا يتوب الله عليهم أبدا ، ويقتل ثلثهم أفضل الشهداء عند الله ويفتتح الثلث لا يفتنون أبدا فيفتتحون قسطنطينية .
فبينما هم يقتسمون الغنائم قد علقوا سيوفهم بالزيتون إذ صاح فيهم الشيطان إن المسيح قد خلفكم في أهليكم ، فيخرجون وذلك باطل .
فإذا جاؤوا الشام خرج .
فبينما هم يعدون للقتال يسوون الصفوف إذ أقيمت الصلاة فينـزل عيسى بن مريم e فأمهم .
فإذا رآه عدو الله ذاب كما يذوب الملح في الماء فلو تركه لانذاب حتى يهلك ولكن يقتله الله بيده فيريهم دمه في حربته"([94]) .
قوله : "فينـزل الروم بالأعماق أوبدابق" : ولعله جاء بلفظ الجمع ،
والمراد به العمق ، وهي كورة قرب دابق بين حلب وانطاكية .([95])
وهما موضعان قرب الشام .
وفتح القسطنطينية هذا هو الفتح الأخير غير الذي تم على يد محمد الفاتح ، وهذا أيضاً من علامات نبوته r .
وعن جابر t ، قال : أخبرني عمر بن الخطاب t قال : سمعت رسول الله يقول : "ليسيرنَّ الراكبُ بجنبات المدينة ، ثم ليقولنَّ : لقد كان في هذا حاضرٌ من المسلمين كثير ".([96])
ما ذكر حول العراق من أحاديث وآثار الفتن
الفتنة التي تغشى العراق
عن أبي هريرة t قال : قال رسول الله r : "تأتيكم بعدي أربع فتن ؛ الأولى : يُستحل فيها الدماء .
والثانية : يُستحل فيها الدماء والأموال .
والثالثة : يُستحل فيها الدماء والأموال والفروج .
والرابعة : صمّاء ، عمياء ، مطبقة ، تمور مور الموج في البحر ، حتى لا يجد أحدٌ من الناس منها ملجأ ، تطيف بالشام ، وتغشى العراق ، وتخبط الجزيرة بيدها ورجلها ، وتعرك الأمة فيها بالبلاء عركَ الأديم ، ثم لا يستطيع أحدٌ من الناس يقول فيها : مه مه ، ثم لا يرفعونها من ناحية إلا انفتقت من ناحية أخرى" .([97])
وفي رواية : "ليوشكن العراقُ يعركُ عركَ الأديم ، ويشقَّ الشامُ شقَّ الشعر ، وتفتُّ مصرُ فَتَّ البعرة ، فعندها ينـزلُ الأمر" .([98])
قوله : "ليوشكن العراقُ يعركُ عركَ الأديم" : هي تلاطم الفتن والحروب .
قال اللـحيانـي: عَرَكَه يَعْرُكه عَرْكاً إِذا حمل الشر علـيه. و عَرَك الإِبل فـي الـحَمْضِ: خَلاَّها فـيه تنال منه حاجتها. و عَرَكَتِ الـماشيةُ النبات: أَكلته .([99])
الفتنة تخرج من العراق
أخبر النبي r أن العراق مصدر الفتن ، ومنه يخرج قرن الشيطان .
فعن حنظلة قال سمعت سالما يقول : سمعت بن عمر يقول : سمعت رسول الله r يشير بيده نحو المشرق ، ويقول : "ها إن الفتنة ههنا ها إن الفتنة ههنا ثلاثا حيث يطلع قرنا الشيطان" .([100])
وعن سالم بن عبد الله بن عمر ، يقول : "يا أهل العراق ما أسألكم عن الصغيرة وأركبكم للكبيرة ، سمعت أبي عبد الله بن عمر ، يقول : سمعت رسول الله r ، يقول : إن الفتنة تجىء من ها هنا ، وأومأ بيده نحو المشرق حيث يطلع قرنا الشيطان ، وأنتم يضرب بعضكم رقاب بعض ، وإنما قتل موسى الذي قتل من آل فرعون خطأ ، فقال الله عز وجل له : ) |Mù=tGs%ur $T¡øÿtR y7»uZø¤fuZsù z`ÏB ÉdOtóø9$# y7»¨YtGsùur $ZRqçFèù ( ([101]).([102])
وعن نافع، عن بن عمر ، قال : ذكر النبي r "اللهم بارك لنا في شأمنا اللهم بارك لنا في يمننا ، قالوا : يا رسول الله وفي نجدنا ، قال : اللهم بارك لنا في شأمنا اللهم بارك لنا في يمننا ، قالوا : يا رسول الله وفي نجدنا ، فأظنه قال في الثالثة هناك الزلازل والفتن وبها يطلع قرن الشيطان" .([103])
وفي لفظ: "وفي عراقنا،فأعرض عنه،فرددها ثلاثاً، كلُّ ذلك يقول الرجل: وفي عراقنا، فيُعرض عنه، فقال: بها الزلازل والفتن،وفيها يطلع قرنُ الشيطان"([104])
وقال الشيخ محمود شكري الآلوسي العراقي : "ولا بدع فبلاد العراق معدن كل محنة وبلية ، ولم يزل أهل الإسلام منها في رزية بعد رزية ، فأهل حروراء وما جرى منهم على الإسلام لا يخفى ، وفتنة الجهمية الذين أخرجهم كثير من السلف من الإسلام ، إنما خرجت من ونبغت بالعراق ، والمعتزلة وما قالوه للحسن البصري ، وتواتر النقل به واشتهر من أصولهم الخمسة ، التي خالفوا بها أهل السنة ، ومبتدعة الصوفية الذين يرون بالبصرة ، ثم الرافضة والشيعة وما حصل فيهم من الغلو في أهل البيت والقول الشنيع في الإمام علي ، وسائر الأئمة ومسبة أكابر أصحاب رسول الله r كل هذا معروف مستفيض" .اهـ .([105])
حصار العراق ثم الشام و مصر
أخبر رسول الله r أنه في آخر الزمان يُقطع عن العراق المال والغذاء وغيرها من بلاد المسلمين .
فعن أبي هريرة t قال : قال رسول الله r : "منعت العراق درهمها وقفيزها ، ومنعت الشام مديها ودينارها ، ومنعت مصر إردبها ودينارها ، وعدتم من حيث بدأتم ، وعدتم من حيث بدأتم ، وعدتم من حيث بدأتم ، شهد على ذلك لحم أبي هريرة ودمه" .([106])
القفيز : مكيال معروف لأهل العراق ، قال الأزهري : هو ثمانية مكاكيك ، والمكوك صاع ونصف ، وهو خمس كيلجات .
وأما المدى : فبضم الميم على وزن قفل ، وهو مكيال معروف لأهل الشام ، قال العلماء : يسع خمسة عشر مكوكا .
وأما الأردب : فمكيال معروف لأهل مصر ، قال الأزهري وآخرون : يسع أربعة وعشرين صاعا .([107])
وفى معنى منعت العراق وغيرها قولان مشهوران : أحدهما : لإسلامهم فتسقط عنهم الجزية ، وهذا قد وجد .
والثاني : وهو الأشهر أن معناه أن العجم والروم يستولون على البلاد في آخر الزمان فيمنعون حصول ذلك للمسلمين .([108])
وعن الجريري عن أبي نضرة قال : كنا عند جابر بن عبد الله t ، فقال : يوشك أهل العراق أن لا يجبى إليهم قفيز ولا درهم .
قلنا : من أين ذاك .
قال : من قبل العجم يمنعون ذاك .
ثم قال : يوشك أهل الشام أن لا يجبى إليهم دينار ولا مدى .
قلنا: من أين ذاك. قال: من قبل الروم، ثم سكت هنية، ثم قال: قال رسول الله r:"يكون في آخر أمتي خليفة يحثي المال حثياً لا يعده عددا".قال: قلت لأبي نضرة وأبي العلاء : أتريان أنه عمر بن عبد العزيز، فقالا: لا.([109])
قال النووي : وهذا قد وجد في بكذا في العراق وهو الآن موجود ، وقيل : لأنهم يرتدون في آخر الزمان فيمنعون ما لزمهم من الزكاة وغيرها ، وقيل : معناه أن الكفار الذين عليهم الجزية تقوى شوكتهم في آخر الزمان فيمتنعون مما كانوا يؤدونه من الجزية والخراج وغير ذلك .وأما قوله r : وعدتم من حيث بدأتم فهو بمعنى الحديث الآخر بدأ الإسلام غريبا وسيعود كما بدأ .([110])
ما جاء في اجتماع جبابرة الأرض لضرب بغداد والخسف بها وبأهلها
عن جرير بن عبد الله t، عن النبي r قال: "تبنى مدينة([111]) بين قُطْرَبُّل([112]) ، والصَّراة([113]) ، ودجلة ، ودُجَيل([114]) يخرج بها جبابرة أهل الأرض يجبى إليهم الخراج يخسف الله بها ، فلهي أسرع ذهابا في الأرض من المعول في الأرض النخرة أو الخورة" .([115])
وفي رواية : عن عمار بن سيف الضبي ، عن عاصم الأحول ، عن أبي عثمان النهدي ، قال : "كنا مع جرير بن عبد الله بقطربل ، فقال : ما هذه؟ قال : قُطربل ، قال فضرب بطن فرسه حتى وقف خارجا منها ، ثم قال : إني سمعت رسول الله r يقول: "تبنى مدينة بين دجلة ودُجَيل والصَّراة وقُطْرَبُّل يُجبى إليها خزائن الأرض وجبابرتها يخسف بأهلها فلهي أسرعُ هوياً في الأرض من وتد الحديد في الأرض الرخوة" .([116])
وذكره السيوطي في الخصائص الكبرى (2/151) وبوب عليه باب إخباره r ببناء بغداد من حديث حذيفة بلفظ:"ستبنى مدائن بين نهرين من المشرق ، يحشر إليها خزائن الأرض وكنوزها ، يسكنها شرار خلق الله ، يخسف الله بها بعد ما يعذب بالسيف"
قال الشيخ مشهور حسن حفظه الله تعالى : "قلت : قد بُنيت – أي بغداد – في القرن الثاني ، وعذّبت بالسيف أشد العذاب من التتار في القرن السابع ، وبقي الخسف" .([117])
نسأل الله العفو والعافية ، كما نسأله أن يلطف بنا .
وقد وصف شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى اجتياح التتار لبغداد واحتلالهم لها كالدواء للمريض ، فقال : فإن هذه الفتنة التي جرت وإن كانت مؤلمةً للقلوب فما هي - إن شاء الله - إلا كالدواء الذي يُسقَاه المريضُ ليحصل له الشفاءُ والقوة ، وقد كان في النفوس من الكِبْر والجهل والظلم ما لو حصل معه ما تشتهيه من العِزّ لأعقَبها ذلك بلاءً عظيماً .
فرحم الله عبادَه برحمته التي هو أرحم بها من الوالدة بولدها ، وانكشف لعامة المسلمين شرقاً وغرباً حقيقةُ حال هؤلاء المفسدين الخارجين عن شريعة الإسلام ، وإن تكلموا بالشهادتين ، وعَلِمَ مَن لم يكن يعلم ماهم عليه من الجهل والظلم والنفاق والتلبيس والبُعد عن شرائع الإسلام ومناهجه ، وحَنَّتْ إلى العساكر الإسلامية نفوسٌ كانت معرضةً عنهم ، ولانَتْ لهم قلوبٌ كانت قاسيةً ، وأنزل الله عليهم من ملائكته وسكينته مالم يكن في تلك الفتنة معهم ، وطابت نفوس أهل الإيمان ببذلِ النفوس والأموال للجهاد في سبيل الله ، وأعدُّوا العدَّة لجهاد عدوِّ الله وعدوِّهم ، وانتبهوا من سِنَتِهم ، واستيقظوا من رَقْدَتِهم ، وحمدوا الله على ما أنعمَ به من استعداد السلطان والعسكر للجهاد ، ما جمعه من الأموال للإنفاق في سبيل الله .....([118])
سبحان الله التاريخ يعيد نفسه والأيام تعود كما كانت ، وها هي بغداد تحتل من جديد من قبل الروم والسبب نفسه ، بل ربما زاد الكبر والظلم والجهل والفسق في هذا الزمان ، ولا حول لنا ولا قوة إلا بالله العظيم ، ونقول كما قال شيخ الإسلام رحمه الله بأن هذه الفتنة هي كالدواء بإذن الله تعالى لعلّ الناس يعودون إلى ربهم وخالقهم جل في علاه ، والنصر حاصل للمسلمين بإذن الواحد الأحد شاء الكفار أم أبَوا ، ) tbrßÌã (#qä«ÏÿôÜãÏ9 uqçR «!$# öNÎgÏdºuqøùr'Î/ ª!$#ur LÉêãB ¾ÍnÍqçR öqs9ur onÌ2 tbrãÏÿ»s3ø9$# ÇÑÈ ( .([119])
فلا شك أنّ الله يَنصُر دينَه ، وينتقم من أعدائه ، وقد قال تعالى:) öqs9ur âä!$t±o ª!$# u|ÇtGR]w öNåk÷]ÏB `Å3»s9ur (#uqè=ö6uÏj9 Nà6Ò÷èt/ <Ù÷èt7Î/ 3 tûïÏ%©!$#ur (#qè=ÏFè% Îû È@Î6y «!$# `n=sù ¨@ÅÒã ÷Làin=»yJôãr& ÇÍÈ öNÍkÏökuy ßxÎ=óÁãur öNçlm;$t/ ÇÎÈ ãNßgè=Åzôãur sp¨Ypgø:$# $ygsù§tã öNçlm; ÇÏÈ $pkr'¯»t z`Ï%©!$# (#þqãZtB#uä bÎ) (#rçÝÇZs? ©!$# öNä.÷ÝÇZt ôMÎm6s[ãur ö/ä3tB#yø%r& ÇÐÈ ( .([120])
حسر الفرات عن جبل من ذهب
عن أبي هريرة t ، أن رسول الله e قال : "لا تقوم الساعة حتى يحسر الفرات عن جبل من ذهب ،يقتتل الناس عليه ،فيقتل من كل مئة تسعة وتسعون ،ويقول كل رجلٍ منهم : لعلي أكون أنا الذي أنجو ". ([121])
وعند الخطيب : "فإن أدركت ذلك الزمان فلا تكونَنّ ممن يُقاتل عليه" .([122])
وعن أُبي بن كعب t قال : قال رسول الله e : "يوشك الفرات أن يحسر عن جبلٍ من ذهبٍ ، فمن حضره ؛ فلا يأخذ منه شيئاً ". ([123])
وفي رواية عن روح عن سهيل حدث بهذا الإسناد نحوه وزاد ، فقال أبي :
"إن رأيته فلا تقربنه" .([124])
وقد رجَّح الحافظ ابن حجر: أن سبب المنع من الأخذ من هذا الذهب لما ينشأ عن أخذه من الفتنة والقتال عليه .([125])
وعن أبي هريرة t قال : قال رسول الله e :" يوشك الفرات أن يحسر عن جبل من ذهب فإذا سمع به الناس ساروا إليه ، فيقول من عنده : لئن تركنا الناس يأخذون منه ليذهبن به كله ، قال : فيقتتلون عليه ، فيقتل من كل مائة تسعة وتسعون ". ([126])
وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما ، أنه قال : "لا تقوم الساعة حتى يمشي الناس عرايا في السِّكك ؛ من قلّة الحياء ، لا يلبسون ثوباً ، ويركب بعضهم بعضاً ...." وفيه : "وحتى يحسر الفرات بالكوفة([127])
عن جبل من ذهب ، فيقتتلون عليه ، فيقتل من كل عشرة تسعة" .([128])
وعن عبد الله بن الحارث بن نوفل ، قال : كنت واقفا مع أبي بن كعب ، فقال : لا يزال الناس مختلفة أعناقهم في طلب الدنيا ، قلت : أجل ، قال : إني سمعت رسول الله r يقول : "يوشك الفرات أن يحسر عن جبل من ذهب ، فإذا سمع به الناس ساروا إليه ، فيقول من عنده لئن تركنا الناس يأخذون منه ليذهبن به كله قال فيقتتلون عليه فيقتل من كل مائة تسعة وتسعون" .
قال أبو كامل في حديثه قال:وقفت أنا وأبي بن كعب في ظل أجم حسان.([129])
قال النووي : قوله r : "لا تقوم الساعة حتى يحسر الفرات عن جبل من ذهب" هو بفتح الياء الشاة تحت وكسر السين أي ينكشف لذهاب مائة .
والمعنى قوله لا يزال الناس مختلفة أعناقهم في طلب الدنيا ، قال العلماء : المراد بالأعناق هنا الرؤساء والكبراء وقيل الجماعات ، قال القاضي : وقد يكون المراد بالأعناق نفسها وعبر بها عن أصحابها لاسيما وهى التي بها التطلع والتشوف للأشياء .
وتبني الدولة التركية من سنوات على نهر الفرات سداً عظيماً باسم الهالك (أتاتورك) ، وهو من أضخم السدود في العالم ، ولعلها تهدد بعض الدول بقطع المياه عنها ، وفي هذا إرهاص لانحسار مياه هذا النهر ، والله أعلم .
وقامت تركيا بإنشاء عدة سدود ، مما جعل لها أثراً مباشراً على تقليل مياه الفرات ، مثل : سد كيبان ، وسد كارا كايا عام 1976م ، وأضخمها سد أتاتورك أنشأ سنة 1990م ، وفي أثناء إقامته خططت لاحتجاز (48,5) بليون متر مكعب من المياه ، وهو سادس أكبر سد في العالم ، وسد بيريسيك ، وسد كاركاميس ، والسدان المقامان وراء الخليج ، ومع هذا فهي تقوم بإنشاء سدود أخرى على دجلة ، وإن كانت لا تقوم بأي استخدام لمياهه.([130])
وعن وكيع ، عن إسماعيل ، عن قيس : أن رجلاً كان يمشي مع حذيفة نحو الفرات ، فقال : كيف أنتم إذا خرجتم لا تذوق منه قطرة؟ قلنا : أتظن ذلك ؟ قال : ما أظنه ولكن أستيقنه .([131])
ما جاء في الأخبار عن البصرة
والتحذير من السكنى فيها
عن يزيد بن هارون، أخبرنا العوام، حدثنا سعيد بن جمهان عن بن أبي بكرة ، عن أبيه ، قال: "ذكر النبي r أرضا يقال لها البصيرة إلى جنبها نهر يقال له دجلة ونخل كثير ، وينـزل به بنو قنطوراء فيتفرق الناس ثلاث فرق : فرقة تلحق بأصلها وهلكوا ، وفرقة تأخذ على أنفسها وكفروا ، وفرقة يجعلون ذراريهم خلف ظهورهم فيقاتلون قتلاهم شهداء ، يفتح الله تبارك وتعالى على بقيتهم" ، وشك يزيد فيه مرة ، فقال : البصيرة أو البصرة .([132])
ولفظ البزار : "ينـزلون ويكثر به عددهم ، فيأتيهم بنو قنطوراء ، فيفترق الناس ثلاث فرق : فرقة تتبعهم ، وفرقة تولّيهم ظهورهم ، وقد هلكوا ، وفرقة ثالثة يقاتلونهم ويفتح الله على بقيتهم" .([133])
قال العوام : بنو قنطوراء هم الترك .
ولقد حذر النبي r من السكنى في مدينة البصرة ، وأخبر بأنه سيكون فيها خسف وقذف ومسخ ، والعياذ بالله تعالى .
فعن أنس بن مالك t ، أن رسول الله r قال:"يا أنس ؛ إن الناس يمصرون أمصاراً ، وإن مصراً منها يقال لها البصرة أو البصيرة ، فإن مررت بها أو دخلتها ، فإياك وسباخها وكلاءها وسوقها وباب أمرائها ، وعليك بضواحيها ، فإنه سيكون فيها خسف وقذف ورجف وقوم يبيتون يصبحون قردة وخنازير" .([134])
يمصرون أمصاراً : أي يفتحون الأمصار والمدن .
البصرة : هي من مدن العراق ، تقع جنوب العراق ، وهي ثاني مدينة بعد العاصمة ، وهي ميناء العراق المطل على الخليج العربي .
سباخها : هي الأرض المالحة التي لا تنبت الزرع .
وعن علي بن أبي طالب t قال : "لتغرقنّ البصرة – أو لتحرقن – كأني بمسجدها وبيت مالها كأنه جؤجؤ سفينته" .([135]) الجؤجؤ : الصدر .
وعن أبي عثمان ، قال : جاء رجل إلى حذيفة ، فقال : إني أريد الخروج إلى البصرة ، فقال : لا تخرج إليها ، قال : إن لي بها حاجة ، قال : لا تخرج ، قال : لابد لي من الخروج ، قال : إن لي بها قرابة ، قال : "إن كان لابدَّ من الخروج ، فانزل غربيها ، ولا تنـزل شرقيها" .([136])
وعن نوف البكالي ، قال : "إن الدنيا مُثِّلَتْ على طير ، فإذا انقطع جناحاه وقع ، وإنَّ جناحَيِ الأرض : مصر والبصرة ، فإذا خربتا ذهبت الدنيا" .([137])
قال البرزنجي : وفي أيام المعتمد في سنة ست وستين ومئتين دخلت الزنج البصرة وأعمالها وخربوها ، وبذلوا السيف وسبوا وهم من الخوارج الذين قتلهم أمير المؤمنين عليّ ، وأعقب ذلك الوباء العظيم فمات خلق كثير لا يحصون ، ثم أعقبه هزات وزلازل فمات تحت الردم ألوف من الناس ، واستمر القتال مع الزنج إلى سنة سبعين .([138])
الأمر بالصبر عند الفتن وعدم المشاركة
أمرنا رسول الله r بالصبر في حالة الفتن وأن لا نخوض فيها ، ولا نشارك القوم في هذه الفتن ، وأمرنا بأن نلزم بيوتنا .
فعن أبي ذر قال : قال رسول الله r : "كيف أنت يا أبا ذر وموتا يصيب الناس حتى يقوم البيت بالوصيف ، يعني القبر .
قلت : ما خار الله لي ورسوله أو قال الله ورسوله أعلم . قال : تصبر .
قال : كيف أنت وجوعا يصيب الناس حتى تأتي مسجدك فلا تستطيع أن ترجع إلى فراشك ولا تستطيع أن تقوم من فراشك إلى مسجدك .
قال : قلت الله ورسوله أعلم أو ما خار الله لي ورسوله .
قال: عليك بالعفة، ثم قال:كيف أنت وقتلا يصيب الناس حتى تغرق حجارة الزيت بالدم. قلت:ما خار الله لي ورسوله. قال:الحق بمن أنت منه.
قال قلت : يا رسول الله أفلا آخذ بسيفي فأضرب به من فعل ذلك .
قال : شاركت القوم إذا ولكن ادخل بيتك . قلت : يا رسول الله فإن دخل بيني . قال : إن خشيت أن يبهرك شعاع السيف فألق طرف ردائك على وجهك فيبوء بإثمه وإثمك فيكون من أصحاب النار" .([139])
وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما ، أن رسول الله r قال : "كيف بكم وبزمان يوشك أن يأتي يغربل الناس فيه غربلة وتبقى حثالة من الناس قد مرجت عهودهم وأماناتهم فاختلفوا وكانوا هكذا ؟وشبك بين أصابعه .
قالوا : كيف بنا يا رسول الله إذا كان ذلك .
قال : تأخذون بما تعرفون وتدعون ما تنكرون وتقبلون على خاصتكم وتذرون أمر عوامكم" .([140])
أشراط الساعة الكبرى
عشر علامات قبل قيام الساعة
يكون آخر الزمان عشر علامات([141])، وهي من علامات الساعة الكبرى ، إذا خرجت واحدة تبعنها الأخرى .
فعن أبي سريحة حذيفة بن أسيد t، قال: "كان النبي e في غرفة ونحن أسفل منه فاطلع إلينا، فقال ما تذكرون قلنا الساعة، قال: إن الساعة لا تكون حتى تكون عشر آيات: خسف بالمشرق، وخسف بالمغرب، وخسف في جزيرة العرب، والدخان، والدجال، ودابة الأرض، ويأجوج ومأجوج، وطلوع الشمس من مغربها، ونار تخرج من قعرة عدن ترحل الناس" .
قال شعبة وحدثني عبد العزيز بن رفيع ، عن أبي الطفيل عن أبي سريحة مثل ذلك لا يذكر النبي e ، وقال أحدهم في العاشرة : نزول عيسى بن مريم e ، وقال الآخر وريح تلقى الناس في البحر"([142]) .
وعن عبد الرحمن بن نعم أو نعيم الأعرجي، شك أبو الوليد قال: سأل رجل بن عمر عن المتعة النساء وأنا عنده ، قال: والله ما كنا على عهد رسول الله e زانين ولا مسافحين، ثم قال: والله لقد سمعت رسول الله e يقول : "ليكونن قبل يوم القيامة المسيح الدجال وكذابون ثلاثون أو أكثر". ([143])
الآيات الكبرى خرزات منظومات في سلك
والمعلوم أن علامات الساعة الكبرى كأنها خرزات عقد فإذا انقطع سلكه انفرطت حباته كلها ، أي توالت سراعاً .
عن ابن عمرو t قال : قال رسول الله e : "الآيات خرزات منظومات في سلك فانقطع السلك فيتبع بعضها بعضا". ([144])
قال المناوي في فيض القدير : الآيات خرزات : بالتحريك جمع خرزة كقصب وقصبة . و"منظومات في سلك فانقطع" أي فإذا انقطع "السلك فيتبع بعضها بعضا"ً أي فيقع بعضها أثر بعض من غير فصل بزمن طويل ،قال ابن حجر : حديث ابن عمرو هذا ورد عنه ما يعارضه وهو ما أخرجه عنه عبد بن حميد في تفسيره بسند جيد موقوفاً ، وخرّجه عنه البالسي مرفوعاً : "يبقى الناس بعد طلوع الشمس من مغربها عشرين ومائة سنة" . هذا لفظه قال: ويمكن الجواب بأن المدة ولو كانت عشرين ومائة سنة لكنها تمر مراً سريعاً كمقدار عشرين ومائة شهر من قبل ذلك أو دون ذلك، كما ثبت في مسلم عن أبي هريرة رفعه : "لا تقوم الساعة حتى تكون السنة كالشهر". الحديث . اهـ .
وذكر البيهقي في (البعث والنشور) ، فقال في باب خروج يأجوج ومأجوج : فصل ذكر الحليمي إن أول الآيات الدجال ، ثم نزول عيسى لأن طلوع الشمس من المغرب لو كان قبل نزول عيسى لم ينفع الكفار إيمانهم في زمانه ولكنه ينفعهم إذ لو لم ينفعهم لما صار الدين واحدا بإسلام من أسلم منهم . قال البيهقي: وهو كلام صحيح لو لم يعارض الحديث الصحيح المذكور أن أول الآيات طلوع الشمس من المغرب ، وفي حديث عبد الله بن عمرو طلوع الشمس أو خروج الدابة ، وفي حديث أبي حازم عن أبي هريرة الجزم بهما وبالدجال في عدم نفع الإيمان .
قال البيهقي : إن كان في علم الله أن طلوع الشمس سابق احتمل أن يكون المراد نفى النفع عن أنفس القرن الذين شاهدوا ذلك ، فإذا انقرضوا وتطاول الزمان وعاد بعضهم إلى الكفر عاد تكليفه الإيمان بالغيب ، وكذا في قصة الدجال لا ينفع إيمان من آمن بعيسى ثم مشاهدة الدجال وينفعه بعد انقراضه ، وإن كان في علم الله طلوع الشمس بعد نزول عيسى ، احتمل أن يكون المراد بالآيات في حديث عبد الله بن عمرو آيات الدجال ونزول عيسى إذ ليس في الخبر نص على أنه يتقدم عيسى ، قلت وهذا الثاني هو المعتمد والأخبار الصحيحة تخالفه ففي صحيح مسلم من رواية محمد بن سيرين ،عن أبي هريرة رفعه:"من تاب قبل أن تطلع الشمس من مغربها تاب الله عليه" فمفهومه أن من تاب بعد ذلك لم تقبل. اهـفتح الباري(11/354).
بعث الريح الطيبة لقبض أرواح المؤمنين
ومنها هبوب الريح الطيبة لقبض أرواح ، فلا يبقى على ظهر الأرض من يقول : الله ، الله . ويبقى شرار الناس ، وعليهم تقوم الساعة .
وقد جاء في صفة هذه الريح أنها أليـن من الحرير ، ولعل ذلك من إكرام الله لعباده المؤمنين في ذلك الزمان المليء بالفتـن والشرور . ([145])
عن النواس بن سمعان قال : قال رسول الله e :في قصة الدجال ونزول عيسى عليه السلام وخروج يأجوج ومأجوج : " إذ بعث الله ريحاً طيبة ، فتأخذهم تحت آباطهم ، فتقبض روح كل مؤمن وكل مسلم ، ويبقى شرار الناس ؛ يتهارجون فيها تهارج الحُمُر ، فعليهم تقوم الساعة ".([146])
وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: قال رسول الله e:" يخرج الدَّجَّال …( فذكر الحديث ، وفيه ) فيبعث الله عيسى بن مريم كأنه بن مسعود ، فيطلبه فيُهلكُهُ ، ثم يمكث الناس سبع سنين ليس بين اثنين عداوة ، ثم يرسل الله ريحاً باردة من قبل الشام ، فلا يبقى على وجه الأرض في قلبه مثقال ذرَّة من خير أو إيمان إلا قبضته ، حتى لو أن أحدهم دخل في كبد جبل لدخلته عليه حتى تقبضه ".([147])
فقد دلت الأحاديث أن ظهور هذه الريح يكون بعد نزول عيسى عليه السلام ، وقتله الدَّجَّال ، وهلاك يأجوج ومأجوج .
وأيضاً ؛فإن ظهورها يكون بعد طلوع الشمس من مغربها ، وبعد ظهور الدَّابَّة ، وسائر الآيات العظام . ([148])
وعن عمر بن الخطاب t ، عن النبي r ، قال : " لاتزال طائفة من أمتي ؛ يقاتلون على الحق ، ظاهرين إلى يوم القيامة ". ([149])
وفي رواية : "ظاهرين على الحق ، لا يضرهم من خذلهم ، حتى يأتي أمر الله وهم كذلك ". ([150])
وعن أبي هريرة t ، قال : قال رسول الله e :"إن الله يبعث ريحاً من اليمن ،أليـن من الحرير،فلا تدع أحداً في قلبه مثقال ذرةٍ من إيمانٍ إلا قبضته".([151])
الخسوفات الثلاثة
عن حذيفة بن أسيد t ، أن رسول الله e قام علينا ونحن نتذاكر ، فقال : ما تذاكرون؟ ، قال : نذكر الساعة ، قال : إنها لن تقوم حتى ترون قبلها عشر آيات ، فذكر : الدخان ، والدجال ، والدابة ، وطلوع الشمس من مغربها ، ونزول عيسى بن مريم r ويأجوج ومأجوج ، ثلاثة خسوف :
خسف بالمشرق .
وخسف بالمغرب .
وخسف بجزيرة العرب ، وآخر ذلك نار تخرج من اليمن تطرد الناس إلى محشرهم" . ([152])
حذيفة بن أسيد : صحابي جليل بايع تحت الشجرة ، ومات بالكوفة ، وروى له الجماعة .
هل وقعت هذه الخسوفات
الصحيح أنه لم يحدث شيء منها إلى الآن ، وإنما وقع بعض الخسوفات في أماكن متفرقة ، وفي أزمان متباعد ، وذلك من أشراط الساعة الصغرى.([153]) قال ابن حجر:وقد وجد الخسف في موضع،ولكن يحتمل أن يكون المراد بالخسوف الثلاثة قدراً زائداً على ما وجد،كأن يكون أعظم منه مكاناً أو قدراً ([154])
خروج نار تحشر الناس إلى محشرهم
عن النبي e قال:" … وآخر ذلك نار تخرج من اليمن تطرد الناس إلى محشرهم ".
وفي رواية :"تخرج من قعر عدن ". وفي رواية :" وآخر ذلك نار تخرج من اليمن ، من قعر عدن تسوق الناس إلى المحشر " .([155])
وعن أنس بن مالك t قال : قال رسول الله e في جوابه لليهودي الذي سأله : "أما أول أشراط الساعة : فنار تحشر الناس من المشرق إلى المغرب
، وأما أول طعام يأكله أهل الجنة : فزيادة كبد حوت ، وأما الشبه في الولد : فإن الرجل إذا غشي المرأة ، فسبقها ماؤه كان الشبه له ، وإذا سبقت كان الشبه لها ، قال أشهد أنك رسول الله ". ([156])
وعن عبد الله بن عمر t قال : قال رسول الله e :"ستخرج نار من نحو حضر موت ، أو من حضر موت قبل القيامة تحشر الناس قلنا : يا رسول الله ما تأمرنا ؟ قال : عليكم بالشام ".([157])
وعن أبي هريرة t أن النبي e قال :"يحشر الناس على ثلاث طرائق : راغبين راهبين ، واثنان على بعير ، وثلاثة على بعير ، وأربعة على بعير ، وعشرة على بعير ، وتحشر بقيتهم النار ، تقيل معهم حيث قالوا ، وتبيت معهم حيث باتوا ، وتصبح معهم حيث أصبحوا ، وتمسي معهم حيث أمسوا ". ([158])
وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عتهما؛ قال: قال رسول الله e:"تبعث نارٌ على أهل المشرق ، فتحشرهم إلى المغرب ؛ تبيت معهم حيث باتوا ، وتقيل معهم حيث قالوا ، يكون لها ما سقط منهم ، وتخلف وتسوقهم سَوْقَ الجمل الكسير([159]) ".([160])
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى : وقد أشكل الجمع بين هذه الأخبار وظهر لي في وجه الجمع أن كونها تخرج من قعر عدن لا ينافي حشرها الناس من المشرق إلى المغرب وذلك أن ابتداء خروجها من قعر عدن فإذا خرجت انتشرت في الأرض كلها ، والمراد بقوله : "تحشر الناس من المشرق إلى المغرب" إرادة تعميم الحشر لا خصوص المشرق والمغرب أو أنها بعد الانتشار أول ما تحشر أهل المشرق ، ويؤيد ذلك أن ابتداء الفتن دائما من المشرق .اهـ .([161])
وعن أبو ذر t ؛ قال : قال رسول الله e :"أن الناس يُحشرون ثلاثة أفواج : فوجٌ راكبين طامعين كاسين ، وفوج يمشون ويسعون ، وفوج تسحبهم الملائكة على وجوههم وتحشرهم إلى النار ".
فقال قائل منهم : هذان قد عرفناهما ، فما بال الذين يمشون ويسعون ؟ قال :"يلقي الله الآفة على الظَّهر حتى لا يبقى ظَهرٌ ، حتى إن الرجل ليكون له الحديقة المعجبة ، فيعطيها بالشارف ذات القتب ؛ فلايقدر عليها ". ([162])
بالشارف : هي الناقة المسن أو الهرمة .
القتب : بكسر القاف وسكون التاء ، هو الرحل الذي يوضع على قدر سنام البعير ، والمعنى : الناقة العاملة .
الشام هي الأرض التي تحشر النار الناس إليها
لقد أخبرنا النبي e : أن الأرض التي تحشر النار الناس إليها هي بلاد الشام .
فعن بهز بن حكيم ، عن أبيه ، عن جده ، قال : سمعت رسول الله e يقول :" إنكم محشورون رجالاً([163]) وركباناً ، وتجرون على وجوهكم ههنا ، وأومأ بيده نحو الشام ". ([164])
وعن أبي ذر t ، أن رسول الله e ، قال : "الشام أرض المحشر والمنشر".([165])
وقال رسول الله e :"عليكم بالشام ، فإنها صفوة بلاد الله ، يسكنها خيرته من خلقه ، فمن أبى فليلحق بيمنه ، وليسق من غُدُره ، فإن الله عز وجل تكفل لي بالشام وأهله ". ([166])
وعن عبد الله بن عمرو t قال سمعت رسول الله e يقول :"ستكون هجرة بعد هجرة ، ينحاز الناس إلى مهاجر إبراهيم ، لا يبقى في الأرض إلا شرار أهلها ، تلفظهم أرضوهم ، تنذرهم نفس الله ، تحشرهم النار مع القردة والخنازير ، تبيت معهم إذا باتوا ، وتقيل معهم إذا قالوا ، وتأكل من تخلَّف". ([167])
قال ابن حجر :في تفسير ابن عيينة عن ابن عباس : من شك أن المحشر
ها هنا ـ يعني الشام ـ فليقرأ أول سورة الحشر ، قال لهم رسول الله e يومئذٍ : "اخرجوا" ، قالوا : إلى أين ؟ قال: "إلى أرض المحشر" . ([168])
وعن أبي الدرداء t ، قال : قال رسول الله e : " بينا أنا نائم إذ رأيت عمود الكتاب احتُمل من تحت رأسي ، فظننتُ أنه مذهوب به ، فأتبعته بصري ، فعُمد به إلى الشام ، إلا وإن الإيمان حين تقع الفتن بالشام ".([169])
عن عبد الله بن حوالة t ، أن رسول الله e قال :"رأيت ليلة أُسري بي عموداً أبيض كأنه لواءٌ تحمله الملائكة ، فقلتُ : ما تحملون ؟ قالوا: عمود الكتاب؛ أُمرنا أن نضعه بالشام".( [170])
وعنه أيضاً t قال : قال رسول الله e :"سيصير الأمر إلى أن تكونوا جنوداً مجنَّدة : جندٌ بالشام ، وجندٌ باليمن ، وجندٌ بالعراق ".قال ابن حوالة : خِر لي يا رسول الله إن أدركتُ ذلك . فقال :" عليك بالشام ؛ فإنها خيرة الله من أرضه ، يجتبي إليها خيرته من عباده ، فأما إذا أبيتم ؛ فعليكم بيمنكم، واسقوا من غدركم، فإن الله توكَّل لي بالشام وأهله". ([171])
وعن ابن عمر رضي الله عنهما ؛قال : قال رسول الله e : "اللهم بارك لنا في شامنا ، اللهم بارك لنا في يمننا ". ([172])
آخر من تحشرهم النار
عن أبي هريرة t قال : سمعت رسول الله يقول :"يتركون المدينة على خير ما كنت ، لا يغشاها إلا العوافي ـ يريد عوافي السباع والطير ـ فآخر من يحشر راعيان من مزينة يريدان المدينة ، ينقعان بغنمهما فيجدانها ملئت وحوشاً حتى إذا بلغا ثنية الوداع خرا على وجوههما ".
وفي رواية أخرى :"ليتركنها أهلها على خير ما كانت مذللة للعوافي ".([173])
ظهور المهدي
المهدي([174]) هو العلامة الوسطى التي تكون بين الساعة الصغرى والكبرى ، ويكون حلقة الوصل بينهما ، يلي أمر هذه الأمة ، ويجدد لها دينها ، فيحكم بالإسلام ، وينشر العدل بين الناس ، لا يترك سنة من سنن الإسلام إلا أقامها ، ولا يدع بدعة إلا رفعها ، وتنعم الأمة بأسرها في زمانه نعمة لم يسمعوا بمثلها قط ، هذا وخروج المهدي عند العلماء وأهل السنة والجماعة حقيقة ثابتة بالنصوص الصحيحة .
وفي آخر الزمان يخرج رجلٌ من أهل البيت يؤيَّد الله به الدين ، يملك سبع سنين ، يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً ، تنعم الأمة في عهده نعمة لم تنعمها قطُّ ؛ تُخرجُ الأرض نباتها ، وتمطر السماء قطرها ، ويُعطى المال بغير عدد .([175])
قال ابن كثير :في زمانه تكون الثمار كثيرة ، والزروع غزيرة ، والمال وافر ، والسلطان قاهر ، والدين قائم ، والعدو راغم ، والخير في أيامه دائم .([176])
وعن أم سلمة رضي الله عنها عن النبي e قال : "يكون اختلاف عند موت خليفة فيخرج رجلٌ من أهل المدينة هارباً إلى مكة فيأتيه ناسٌ من أهل مكّة فيخرجونه وهو كارهٌ فيبايعونه بين الرّكن والمقام …".([177])
وعن أبي الدرداء t قال : قال رسول الله e :"فسطاط المسلمين يوم الملحمة الكبرى بأرض يقال لها الغُوطة فيها مدينة يقال لها دمشق خيرُ منازل المسلمين يومئذٍ " . ([178])
اسمه واسم أبيه
عن عبد الله بن مسعود t أن رسول الله e قال :"لو لم يبق من الدنيا إلا يوم واحد لطول الله ذلك اليوم حتى يبعث الله فيه رجلاً مني ـ أو من أهل بيتي ـ يواطىء اسمه اسمي ، واسم أبيه اسم أبي يملأ الأرض … الحديث " .([179])
وفي رواية أخرى : "لا تنقضي الدنيا حتى يملك العرب رجل من أهل بيتي يواطىء اسمه اسمي".([180])
وعن عبد الله بن مسعود t قال :قال رسول الله e :"لاتذهب أو لا تنقضي الدنيا حتى يملك العرب رجلٌ من أهل بيتي، يواطىء اسمُه اسمي ".
وفي رواية :"يواطىء اسمُه اسمي واسم أبيه اسم أبي ".([181])
نسب المهدي
عن أم سلمة رضي الله عنها قالت : سمعت رسول الله e يقول : "المهدي من عترتي من ولد فاطمة " .([182])
وعن علي بن أبي طالب t قال: قال رسول الله e:" المهدي منا أهل البيت يصلحه الله في ليلة". ([183])
يصلحه الله : أي يتوب عليه ويوفقه ويلهمه رشده بقدر لم يكن .
فهذه الأخبار كلها تؤكد أن المهدي من ذرية رسول الله e من ولد فاطمة الزهراء .
صفات المهدي وأعماله الدالة عليه
صفات المهدي الواردة في السنة أنه خفيف شعر النزعتين عن الصدغين ، ومن صفاته أيضاً، أنه طويل الأنف ، دقيق عند أرنبته ، مع حدب في وسطه.
عن أبي سعيد الخدري t قال : سمعت رسول الله e يقول :
"المهدي مني ، أجلى الجبهة ، أقنى الأنف ، يملأ الأرض قسطاً وعدلاً ، كما ملئت جوراً وظلماً ، ويملك سبع سنين".([184])
أجلى الجبهة : إذا ذهب شعر الرأس إلى منتصفه .
أقنى الأنف : أي طويلة ، ودقيقة عند أرنبته مع انحناء في وسطه .
ومن الأمور الدالة عليه ، أنه يخرج في زمان ساد فيه الجور والظلم ، فيقيم هو بأمر الله العدل والحق ، ويمنع الظلم والجور ، وينشر الله به لواء الخير على الأمة ، حيث يسقيه الله الغيث فتمطر السماء كثيراً لا تدخر شيئاً من قطرها ، وتؤتي الأرض أكلها لا تدخر عن الناس شيئاً من نباتها ، وتكثر المواشي بسبب الخيرات ، ويفيض المال فيقسمه بين الناس بالسوية .
فعن أبي سعيد الخدري t أن رسول الله e قال :"يخرج في آخر أمتي المهدي ، يسقيه الله الغيث ، وتخرج الأرض نباتها ، ويعطي المال صحاحاً ، وتكثر الماشية ،وتعظم الأمة ، يعيش سبعاً ، أو ثمانياً ، يعني حججاً " .([185])
زمن خروج المهدي ومكانه
عن جابر بن عبد الله t قال : قال رسول الله e :"لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق ظاهرين إلى يوم القيامة فينـزل عيسى فيقول أميرهم: تعال صلَّ لنا ، فيقول: لا ، إن بعضكم على بعض أمراء ، تكرمة الله هذه الأمة".([186])
وعن أم سلمة. : يعوذ عائذ بالبيت فيبعث إليه بعث فإذا كانوا ببيداء من الأرض خسف بهم قيل : يا رسول الله ! فكيف بمن كان كارها ؟ قال :"يخسف به معهم و لكنه يبعث يوم القيامة على نيته" . ([187])
عن ثوبان t ، قال : قال رسول الله e : " يقتتلُ عند كنـزكم ثلاثة ؛ كلهم ابن خليفة ، ثم لا يصير إلى واحد منهم ، ثم تطلع الرايات السود من قِبل المشرق ، فيقتلونكم قتلاً لم يقتله قومٌ …( ثم قال ) فإذا رأيتموه ؛ فبايعوه ، ولو حبواً على الثَّلج ؛ فإنه خليفة الله المهدي ".([188])
وعن حفصة رضي الله عنها، أن رسول الله e قال : "سيعوذ بهذا البيت ـ يعني الكعبة ـ قوم ليس لهم منعة ولا عدد ولا عدة، يبعث إليهم جيش حتى إذا كانوا ببيداء من الأرض خُسِف بهم" .([189])
وعن عائشة رضي الله عنها قالت : قال رسول الله r : "العجب أن ناسا من أمتي يؤمون البيت لرجل من قريش قد لجأ بالبيت حتى إذا كانوا بالبيداء خسف بهم" .
فقلنا:يا رسول الله إن الطريق قد تجمع الناس، فقال: "نعم ، فيهم المستبصر ، و الـمجبور ، وابن السبيل يهلكون مهلكا واحدا ، و يصدرون مصادر شتى ، يبعثهم الله على نياتهم " .([190])
المستبصر: المستبين للشيء .
الـمجبور : أي المقهور على الخروج دون إرادته .
مصادر شتى : أي يهلكون جميعهم .
وعن أبي سعيد الخدري وجابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن النبي e قال : "يكون خليفة من خلفائكم في آخر الزمان ، يحثوا المال ولا يعده " .([191])
وعن أبي هريرة t قال : قال رسول الله e :"كيف انتم إذا نزل ابن مريم
فيكم ، وإمامكم منكم ؟!" .([192])
وعن حفصة رضي الله عنها عن النبي e قال :" ليؤمَنَّ هذا البيت جيش يغزونه حتى إذا كانوا ببيداء من الأرض يُخسفُ بأوسطهم وينادي أولهم آخرهم ثم يُخسفُ بهم فلا يبقى إلا الشريدُ الذي يُخبر عنهم ". ([193])
وعن النبي e قال :" يُبايع لرجلٍ بين الركن والمقام " . ([194])
مدة مكثه في الأرض
عن أبي سعيد الخدري t قال : قال رسول الله e: "لا تقوم الساعة حتى يملك رجل من أهل بيتي أجلى ، أقنى ، يملأ الأرض عدلاً كما مُلئت قبله ظلما ، يكون سبع سنين" .
وفي رواية عنه