اللهم استجب

سبحانك وبحمدك وأستغفرك أنت الله الشافي الكافي الرحمن الرحيم الغفار الغفور القادر القدير المقتدر الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر الخالق البارئ المصور... الواحد الأحد الواجد الماجد الملك المغيث لا إله إلا أنت وحدك لا شريك لك ..لك الملك ولك الحمد وأنت علي كل شيئ قدير ولا حول ولا قوة إلا بك وأستغفرك اللهم بحق أن لك هذه الأسماء وكل الأسماء الحسني وحق إسمك الأعظم الذي تعلمه ولا أعلمه أسألك أن تَشفني شفاءا لا يُغادر سقما وأن تَكفني كل همي وتفرج كل كربي وتكشف البأساء والضراء عني وأن تتولي أمري وتغفر لي ذنبي وأن تشرح لي صدري وأن تُيسر لي أمري وأن تحلل عُقْدَةً  من لساني يفقهوا قولي وأن تغنني بفضلك عمن سواك اللهم أصلحني: حالي وبالي وأعتقني في الدارين وخُذ بيدي يا ربي وأخرجني من الظلمات الي النور بفضلك  وأن ترحم وتغفر لوالديَّ ومن مات من اخوتي وان تغفر لهم أجمعين وكل من مات علي الايمان والتوبة اللهم آمين  //اللهم تقبل/ واستجب//https://download.tvquran.com/download/selections/315/5cca02c11a61a.mp3

المصحف

 تحميل المصحف

القرآن الكريم وورد word doc icon تحميل المصحف الشريف بصيغة pdf تحميل القرآن الكريم مكتوب بصيغة وورد تحميل سورة العاديات مكتوبة pdf

Translate

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الجمعة، 27 مايو 2022

مجلد 7. جامع البيان {تفسير الطبري}

 

مجلد 7. جامع البيان في تأويل القرآن
المؤلف : محمد بن جرير بن يزيد بن كثير بن غالب الآملي، أبو جعفر الطبري،
[ 224 - 310 هـ ]

(ما نبغي) يقول : ما نبغي وراء هذا ، إن بضاعتنا ردت إلينا ، وقد أوفى لنا الكيل.
* * *
وقوله : (ونمير أهلنا) ، يقول : ونطلب لأهلنا طعامًا فنشتريه لهم.
* * *
يقال منه : " مارَ فلانٌ أهلهَ يميرهم مَيْرًا " ، ومنه قول الشاعر : (1)
بَعَثْتُكَ مَائِرًا فَمَكَثْتَ حَوْلا... مَتَى يَأْتِي غِيَاثُكَ مَنْ تُغِيثُ
* * *
(ونحفظ أخانا) ، الذي ترسله معنا(ونزداد كيل بعير) ، يقول : ونزداد على أحمالنا [من] الطعام حمل بعير (2) يكال لنا ما حمل بعير آخر من إبلنا(ذلك كيل يسير) ، يقول : هذا حمل يسير . كما : -
19477 - حدثني الحارث ، قال : حدثنا القاسم ، قال : حدثنا حجاج ، عن ابن جريج : (ونزداد كيل بعير) قال : كان لكل رجل منهم حمل بعير ، فقالوا : أرسل معنا أخانا نزداد حمل بعير وقال ابن جريج : قال مجاهد : (كيل بعير) حمل حمار . قال : وهي لغة قال القاسم : يعني مجاهد : أن " الحمار " يقال له في بعض اللغات : " بعير " .
19478 - حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة قوله : (ونزداد كيل بعير) ، يقول : حمل بعير.
19479 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق : (ونزداد كيل بعير) نَعُدّ به بعيرًا مع إبلنا(ذلك كيل يسير).
* * *
__________
(1) لم أعرف قائله ، ولم أجد البيت في مكان ، وإن كنت أخالني أعرفه .
(2) الزيادة بين القوسين يقتضيها السياق .

(16/162)


قَالَ لَنْ أُرْسِلَهُ مَعَكُمْ حَتَّى تُؤْتُونِ مَوْثِقًا مِنَ اللَّهِ لَتَأْتُنَّنِي بِهِ إِلَّا أَنْ يُحَاطَ بِكُمْ فَلَمَّا آَتَوْهُ مَوْثِقَهُمْ قَالَ اللَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ (66)

القول في تأويل قوله تعالى : { قَالَ لَنْ أُرْسِلَهُ مَعَكُمْ حَتَّى تُؤْتُونِ مَوْثِقًا مِنَ اللَّهِ لَتَأْتُنَّنِي بِهِ إِلا أَنْ يُحَاطَ بِكُمْ فَلَمَّا آتَوْهُ مَوْثِقَهُمْ قَالَ اللَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ (66) }
قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره : قال يعقوب لبنيه : لن أرسل أخاكم معكم إلى ملك مصر(حتى تؤتون موثقًا من الله) ، يقول : حتى تعطون موثقًا من الله بمعنى " الميثاق " ، وهو ما يوثق به من يمينٍ وعهد (1) (لتأتنني به) يقول لتأتنني بأخيكم(إلا أن يحاط بكم) ، يقول : إلا أن يُحيط بجميعكم ما لا تقدرون معه على أن تأتوني به . (2)
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
*ذكر من قال ذلك :
19480 - حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو حذيفة قال ، حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : (فلما آتوه موثقهم) ، قال : عهدهم.
19481 - حدثني المثنى قال : أخبرنا إسحاق قال : حدثنا عبد الله ، عن ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد مثله .
19482 - حدثنا الحسن بن محمد قال : حدثنا شبابة ، قال : حدثنا ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد قوله : (إلا أن يحاط بكم) : ، إلا أن تهلكوا جميعًا.
19483 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال ، حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد
__________
(1) انظر تفسير " الميثاق " فيما سلف 14 : 82 ، تعليق : 1 ، والمراجع هناك .
(2) انظر تفسير " الإحاطة " فيما سلف 15 : 462 ، تعليق : 1 ، والمراجع هناك .

(16/163)


وَقَالَ يَا بَنِيَّ لَا تَدْخُلُوا مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ وَادْخُلُوا مِنْ أَبْوَابٍ مُتَفَرِّقَةٍ وَمَا أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ (67)

19484 - قال ، وحدثنا إسحاق ، قال : أخبرنا عبد الله ، عن ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .
19485 - حدثنا الحسن بن يحيى قال ، أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة : (إلا أن يحاط بكم) ، قال : إلا أن تغلَبوا حتى لا تطيقوا ذلك.
19486 - حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق قوله : (إلا أن يحاط بكم) : ، إلا أن يصيبكم أمرٌ يذهب بكم جميعًا ، فيكون ذلك عذرًا لكم عندي.
* * *
وقوله : (فلما آتوه موثقهم) ، يقول : فلما أعطوه عهودهم " قال " ، يعقوب : (الله على ما نقول) ، أنا وأنتم(وكيل) ، يقول : هو شهيد علينا بالوفاء بما نقول جميعًا . (1)
* * *
القول في تأويل قوله تعالى : { وَقَالَ يَا بَنِيَّ لا تَدْخُلُوا مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ وَادْخُلُوا مِنْ أَبْوَابٍ مُتَفَرِّقَةٍ وَمَا أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلا لِلَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ (67) }
قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره : قال يعقوب لبنيه لما أرادُوا الخروج من عنده إلى مصر ليمتاروا الطعام : يا بني لا تدخلوا مصر من طريق واحد ، وادخلوا من أبواب متفرقة.
__________
(1) انظر تفسير " الوكيل " فيما سلف 15 : 220 ، تعليق : 3 ، والمراجع هناك .

(16/164)


* * *
وذكر أنه قال ذلك لهم ، لأنهم كانوا رجالا لهم جمال وهيأة ، (1) فخاف عليهم العينَ إذا دخلوا جماعة من طريق واحدٍ ، وهم ولد رجل واحد ، فأمرهم أن يفترقوا في الدخول إليها . كما : -
19487 - حدثنا الحسن بن محمد قال : حدثنا يزيد الواسطي ، عن جويبر ، عن الضحاك : (لا تدخلوا من بابٍ واحد وادخلوا من أبواب متفرقة) ، قال : خاف عليهم العينَ .
19488 - حدثنا بشر قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة قوله : (يا بنيّ لا تدخلوا من باب واحد) خشي نبيُّ الله صلى الله عليه وسلم العينَ على بنيه ، كانوا ذوي صُورة وجَمال.
19489 - حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة : (وادخلوا من أبواب متفرقة) ، قال : كانوا قد أوتوا صورةً وجمالا فخشي عليهم أنفُسَ الناس.
19490 - حدثني محمد بن سعد قال : حدثني أبي قال : حدثني عمي قال : حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : (وقال يا بني لا تدخلوا من باب واحد وادخلوا من أبواب متفرقة) ، قال : رهب يعقوب عليه السلام عليهم العينَ.
19491 - حدثت عن الحسين بن الفرج قال ، سمعت أبا معاذ قال ، أخبرنا عبيد بن سليمان ، قال ، سمعت الضحاك يقول في قوله : (لا تدخلوا من باب واحد) ، خشي يعقوب على ولده العينَ.
19492 - حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا زيد بن الحباب ، عن أبي معشر ، عن محمد بن كعب : (لا تدخلوا من باب واحد) ، قال : خشي عليهم العين.
__________
(1) في المطبوعة : " وهيبة " ، لأنها في المخطوطة : " وهمة " ، غير منقوطة ، وستأتي كذلك بعد ، وسأصححها دون أن أشير هذا التصحيح في سائر المواضع .

(16/165)


19493 - ... قال ، حدثنا عمرو ، عن أسباط ، عن السدي قال : خاف يعقوب صلى الله عليه وسلم على بنيه العين ، فقال : (يا بني لا تدخلوا من باب واحد) . فيقال : هؤلاء لرجل واحدٍ! ولكن ادخلوا من أبواب متفرقة.
19494 - حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق قال : لما أجمعوا الخروجَ يعني ولد يعقوب قال يعقوب : (يا بنيّ لا تدخلوا من باب واحد وادخلوا من أبواب متفرقة) ، خشي عليهم أعين الناس ، لهيأتهم ، وأنهم لرجل واحدٍ.
* * *
وقوله : (وما أغني عنكم من الله من شيء) ، يقول : وما أقدر أن أدفع عنكم من قضاء الله الذي قد قضاه عليكم من شيء صغير ولا كبير ، لأن قضاءه نافذ في خلقه (1) (إن الحكم إلا لله) ، يقول : ما القضاء والحكم إلا لله دون ما سواه من الأشياء ، فإنه يحكم في خلقه بما يشاء ، فينفذ فيهم حكمه ، ويقضي فيهم ، ولا يُرَدّ قضاؤه(عليه توكلت) ، يقول : على الله توكلت فوثقت به فيكم وفي حفظكم عليّ ، حتى يردكم إليّ وأنتم سالمون معافون ، لا على دخولكم مصر إذا دخلتموها من أبواب متفرقة(وعليه فليتوكل المتوكلون) ، يقول : وإلى الله فليفوِّض أمورَهم المفوِّضون . (2)
* * *
__________
(1) انظر تفسير " أغنى " فيما سلف 15 : 472 ، تعليق : 1 ، والمراجع هناك .
(2) انظر تفسير " التوكل " فيما سلف 15 : 545 ، تعليق : 1 ، والمراجع هناك .

(16/166)


وَلَمَّا دَخَلُوا مِنْ حَيْثُ أَمَرَهُمْ أَبُوهُمْ مَا كَانَ يُغْنِي عَنْهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا حَاجَةً فِي نَفْسِ يَعْقُوبَ قَضَاهَا وَإِنَّهُ لَذُو عِلْمٍ لِمَا عَلَّمْنَاهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (68)

القول في تأويل قوله تعالى : { وَلَمَّا دَخَلُوا مِنْ حَيْثُ أَمَرَهُمْ أَبُوهُمْ مَا كَانَ يُغْنِي عَنْهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ إِلا حَاجَةً فِي نَفْسِ يَعْقُوبَ قَضَاهَا وَإِنَّهُ لَذُو عِلْمٍ لِمَا عَلَّمْنَاهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (68) }
قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره : ولما دخل ولد يعقوب(من حيث أمرهم أبوهم ، وذلك دخولهم مصر من أبواب متفرقة(ما كان يغني) ، دخولهم إياها كذلك(عنهم) من قضاء الله الذي قضاه فيهم فحتمه ، (من شيء إلا حاجة في نفس يعقوب قضاها) ، إلا أنهم قضوا وطرًا ليعقوب بدخولهم لا من طريق واحد خوفًا من العين عليهم ، فاطمأنت نفسه أن يكونوا أوتوا من قبل ذلك أو نالهم من أجله مكروه . كما : -
19495 - حدثنا الحسن بن محمد قال : حدثنا شبابة قال : حدثنا ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : (إلا حاجة في نفس يعقوب قضاها) ، خيفة العين على بنيه.
19496 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .
19497 - ... قال : أخبرنا إسحاق قال : حدثنا عبد الله ، عن ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .
19498 - حدثنا ابن وكيع قال : حدثنا ابن نمير ، عن ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : (إلا حاجة في نفس يعقوب قضاها) ، قال : خشية العين عليهم.

(16/167)


19499 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق قوله : (إلا حاجة في نفس يعقوب قضاها) ، قال : ما تخوَّف على بنيه من أعين الناس لهيأتهم وعِدّتهم.
* * *
وقوله : (وإنه لذو علم لما علمناه) ، يقولُ تعالى ذكره : وإن يعقوب لذو علم لتعليمنا إياه .
* * *
وقيل : معناه وإنه لذو حفظٍ لما استودعنا صدره من العلم .
* * *
واختلف عن قتادة في ذلك :
19500 - فحدثنا بشر قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : (وإنه لذو علم لما علمناه) : أي : مما علمناه.
19501 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال ، حدثنا عبد الله بن الزبير ، عن سفيان ، عن ابن أبي عروبة عن قتادة : (وإنه لذو علم لما علمناه) ، قال : إنه لعامل بما عَلم.
19502 - ... قال : المثنى قال إسحاق قال عبد الله قال سفيان : (إنه لذو علم) ، مما علمناه. وقال : من لا يعمل لا يكون عالمًا.
* * *
(ولكن أكثر الناس لا يعلمون) ، يقول جل ثناؤه : ولكن كثيرًا من الناس غير يعقوب ، لا يعلمون ما يعلمه ، لأنَّا حَرَمناه ذلك فلم يعلمه .
* * *

(16/168)


وَلَمَّا دَخَلُوا عَلَى يُوسُفَ آَوَى إِلَيْهِ أَخَاهُ قَالَ إِنِّي أَنَا أَخُوكَ فَلَا تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (69)

القول في تأويل قوله تعالى : { وَلَمَّا دَخَلُوا عَلَى يُوسُفَ آوَى إِلَيْهِ أَخَاهُ قَالَ إِنِّي أَنَا أَخُوكَ فَلا تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (69) }
قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره : ولما دخل ولد يعقوب على يوسف(آوى إليه أخاه) ، يقول : ضم إليه أخاه لأبيه وأمه. (1)
* * *
وكان إيواؤه إياه ، (2) كما : -
19503 - حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا عمرو ، عن أسباط ، عن السدي : (ولما دخلوا على يوسف آوى إليه أخاه) ، قال : عرف أخاه ، فأنزلهم منزلا وأجرى عليهم الطعام والشراب. فلما كان الليلُ جاءهم بِمُثُل ، فقال : لينم كل أخوين منكم على مِثَال. (3) فلما بقي الغلام وحده ، قال يوسف : هذا ينام معي على فراشي . فبات معه ، فجعل يوسف يشمُّ ريحه ، ويضمه إليه حتى أصبح ، وجعل روبيل يقول : ما رأيْنا مثل هذا! أريحُونا منه!
19504 - حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق قال : لما دخلوا يعني ولد يعقوب على يوسف ، قالوا : هذا أخونا الذي أمرتَنا أن نأتيك به ، قد جئناك به. فذكر لي أنه قال لهم : قد أحسنتم وأصبتم ، وستجدون ذلك عندي أو كما قال . ثم قال : إني أراكم رجالا وقد أردت أن أكرمكم. ودعا [صاحب]
__________
(1) انظر تفسير " الإيواء " فيما سلف 15 : 422 ، تعليق : 1 ، والمراجع هناك .
(2) كان الكلام في المطبوعة هكذا : " وكل أخوه لأبيه " ، فلم يحسن قراءة المخطوطة ، فجاء بكلام لا معنى له ، وكان فيها : " وكل إيواوه إياه " غير منقوطة ، وهذا صواب قراءته .
(3) " المثال " ( بكسر الميم ) ، وجمعه " مثل " ( بضمتين ) ، وهو الفراش ، وفي الحديث أنه دخل على سعد بن أبي وقاص ، وفي البيت متاع رث ومثال رث أي : فراش خلق بال . ويقال : هو النمط الذي يفترش من مفارش الصوف الملونة .

(16/169)


ضيافته. (1) فقال : أنزل كل رجلين على حدة ، ثم أكرمهما ، وأحسن ضيافتهما. ثم قال : إني أرى هذا الرجل الذي جئتم به ليس معه ثانٍ ، فسأضمه إليّ ، فيكون منزله معي . فأنزلهم رجلين رجلين في منازل شتَّى ، وأنزل أخاه معه ، فآواه إليه. فلما خلا به قال إني أنا أخوك ، أنا يوسف ، فلا تبتئس بشيء فعلوه بنا فيما مضى ، فإن الله قد أحسن إلينا ، ولا تعلمهم شيئًا مما أعلمتك . يقول الله : (ولما دخلوا على يوسف آوى إليه أخاه قال إني أنا أخوك فلا تبتئس بما كانوا يعملون).
19505 - حدثنا بشر قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة قوله : (ولما دخلوا على يوسف آوى الله أخاه) ، ضمه إليه ، وأنزله ، وهو بنيامين.
19506 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا إسماعيل بن عبد الكريم قال : حدثني عبد الصمد بن معقل قال : سمعت وهب بن منبه يقول وسئل عن قول يوسف : (ولما دخلوا على يوسف آوى الله أخاه قال إني أنا أخوك فلا تبتئس بما كانوا يعملون) : كيف أصابه حين أخذ بالصُّواع ، وقد كان أخبره [أنه] أخوه ، (2) وأنتم تزعمون أنه لم يزل متنكرًا لهم يكايدهم حتى رجعوا ؟ فقال : إنه لم يعترف له بالنسبة ، ولكنه قال : (أنا أخوك) مكانَ أخيك الهالك(فلا تبتئس بما كانوا يعملون) ، يقول : لا يحزنك مكانهُ.
* * *
وقوله : (فلا تبتئس) ، يقول : فلا تستكِنْ ولا تحزن.
* * *
__________
(1) في المطبوعة " ودعا ضافته " ، ولا أجد لها وجهًا . وفي المخطوطة كما أثبتها ، ولكنه لا يستقيم إلا بالذي زدته بين القوسين .
(2) في المطبوعة والمخطوطة : " كيف أجابه حين أخذ بالصواع ، وقد كان أخبره أخوه " ، ولعل الصواب ما أثبت ، مع هذه الزيادة بين القوسين .

(16/170)


وهو : " فلا تفتعل " من " البؤس " ، يقال منه : " ابتأس يبتئس ابتئاسًا " . (1)
* * *
وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
*ذكر من قال ذلك :
19507 - حدثنا بشر قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد ، عن قتادة : (فلا تبتئس) ، يقول : فلا تحزن ولا تيأس.
19508 - حدثني المثنى قال ، حدثنا إسحاق قال ، حدثنا إسماعيل بن عبد الكريم قال ، حدثني عبد الصمد قال : سمعت وهب بن منبه يقول : (فلا تبتئس) ، يقول : لا يحزنك مكانه.
19509 - حدثنا ابن وكيع قال : حدثنا عمرو ، عن أسباط ، عن السدي : (فلا تبتئس بما كانوا يعملون) ، يقول : لا تحزن على ما كانوا يعملون.
* * *
قال أبو جعفر : فتأويل الكلام إذًا : فلا تحزن ولا تستكن لشيء سلف من إخوتك إليك في نفسك ، وفي أخيك من أمك ، وما كانوا يفعلون قبلَ اليوم بك .
* * *
__________
(1) انظر تفسير " ابتأس " فيما سلف 15 : 306 ، 307 .

(16/171)


فَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهَازِهِمْ جَعَلَ السِّقَايَةَ فِي رَحْلِ أَخِيهِ ثُمَّ أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ (70)

القول في تأويل قوله تعالى : { فَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهَازِهِمْ جَعَلَ السِّقَايَةَ فِي رَحْلِ أَخِيهِ ثُمَّ أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ (70) }
قال أبو جعفر : يقول : ولما حمّل يوسف إبل إخوته ما حمّلها من الميرة وقضى حاجتهم ، (1) كما : -
19510 - حدثنا بشر قال : حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد ، عن قتادة
__________
(1) انظر تفسير " التجهيز " و " الجهاز " فيما سلف ص : 154 .

(16/171)


قوله : (فلما جهزهم بجهازهم) ، يقول : لما قضى لهم حاجتهم ووفّاهم كيلهم.
* * *
وقوله : (جعل السقاية في رحل أخيه) ، يقول : جعل الإناء الذي يكيلُ به الطعام في رَحْل أخيه .
* * *
و " السقاية " : هي المشربة ، وهي الإناء الذي كان يشرب فيه الملك ويكيلُ به الطعام .
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
*ذكر من قال ذلك :
19511 - حدثنا الحسن بن محمد قال ، حدثنا عفان قال : حدثنا عبد الواحد ، عن يونس ، عن الحسن : أنه كان يقول : " الصواع " و " السقاية " ، سواء ، هو الإناء الذي يشرب فيه.
19512 - ... قال : حدثنا شبابة قال ، حدثنا ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : " السقاية " و " الصواع " ، شيء واحد ، ، كان يشرب فيه يوسف.
19513 - ... قال ، أخبرنا إسحاق قال ، حدثنا عبد الله ، عن ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد قال " السقاية " : " الصواع " ، الذي يشرب فيه يوسف.
19514 - حدثنا محمد بن الأعلى قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة : (جعل السقاية) ، قال : مشربة الملك.
19515 - حدثنا بشر قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد ، عن قتادة : (السقاية في رحل أخيه) ، وهو إناء الملك الذي كان يشرب فيه.
19516 - حدثني محمد بن سعد قال ، حدثني أبي قال ، حدثني عمي قال : حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : (قالوا نفقد صواع الملك ولمن جاء به حمل بعير) وهي " السقاية " التي كان يشرب فيها الملك يعني مَكُّوكه.
19517 - حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثني حجاج ، عن

(16/172)


ابن جريج ، عن مجاهد قوله : (جعل السقاية) وقوله : (صواع الملك) ، قال : هما شيء واحد ، " السقاية " و " الصواع " شيء واحد ، يشرب فيه يوسف.
19518 - حدثت عن الحسين قال ، سمعت أبا معاذ يقول ، أخبرنا عبيد بن سليمان ، قال ، سمعت الضحاك يقول في قوله : (جعل السقاية في رحل أخيه) ، هو الإناء الذي كان يشرب فيه الملك.
19519 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال ، قال ابن زيد في قوله : (جعل السقاية في رحل أخيه) ، قال : " السقاية " هو " الصواع " ، وكان كأسًا من ذهب ، فيما يذكرون.
* * *
قوله : (في رحل أخيه) ، فإنه يعني : في متاع أخيه ابن أمه وأبيه (1) وهو بنيامين.
وكذلك قال أهل التأويل .
*ذكر من قال ذلك :
19520 - حدثنا بشر قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد ، عن قتادة : (في رحل أخيه) أي : في متاع أخيه.
* * *
وقوله : (ثم أذّن مؤذن) ، يقول : ثم نادى منادٍ. (2)
* * *
وقيل : أعلم معلم.
* * *
(أيتها العير) ، وهي القافلة فيها الأحمال(إنكم لسارقون) .
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
__________
(1) انظر تفسير " الرحل " فيما سلف ص : 157 .
(2) انظر تفسير " أذن " فيما سلف من فهارس اللغة ( أذن ) .

(16/173)


*ذكر من قال ذلك :
19521 - حدثنا ابن وكيع قال : حدثنا عمرو ، عن أسباط ، عن السدي : (فلما جهزهم بجهازهم جعل السقاية في رحل أخيه) ، والأخ لا يشعر. فلما ارتحلوا أذّن مؤذن قبل أن ترتحل العير : (إنكم لسارقون).
19522 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق قال ، ثم جهزهم بجهازهم ، وأكرمهم وأعطاهم وأوفاهم ، وحمَّل لهم بعيرًا بعيرًا ، وحمل لأخيه بعيرًا باسمه كما حمل لهم. ثم أمر بسقاية الملك وهو " الصواع " ، وزعموا أنها كانت من فضة فجعلت في رحل أخيه بنيامين . ثم أمهلهم حتى إذا انطلقوا وأمعنوا من القرية ، أمر بهم فأدركوا ، فاحتبسوا ، ثم نادى مناد : (أيتها العير إنكم لسارقون) ، قفوا. وانتهى إليهم رسوله فقال لهم فيما يذكرون : ألم نكرم ضيافتكم ، ونوفِّكم كيلكم ، ونحسن منزلتكم ، ونفعل بكم ما لم نفعل بغيركم ، وأدخلناكم علينا في بيوتنا ومنازلنا ؟ أو كما قال لهم قالوا : بلى ، وما ذاك ؟ قال : سقاية الملك فقدناها ، ولا نتَّهم عليها غيركم .(قالوا تالله لقد علمتم ما جئنا لنفسد في الأرض وما كنا سارقين).
* * *
وقوله : (أيتها العير) ، قد بينا فيما مضى معنى " العير " ، وهو جمع لا واحد له من لفظه. (1)
* * *
وحكي عن مجاهد أن عير بني يعقوب كانت حميرًا .
19523 - حدثني المثنى قال ، حدثنا إسحاق قال : حدثنا عبد الله بن الزبير ، عن سفيان ، عن ابن جريح ، عن مجاهد : (أيتها العير) ، قال : كانت حميرًا.
19524 - حدثني الحارث قال ، حدثنا عبد العزيز قال ، حدثنا سفيان
__________
(1) انظر ما سلف ص : 173 .

(16/174)


قَالُوا وَأَقْبَلُوا عَلَيْهِمْ مَاذَا تَفْقِدُونَ (71) قَالُوا نَفْقِدُ صُوَاعَ الْمَلِكِ وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ (72)

قال : حدثني رجل ، عن مجاهد ، في قوله : (أيتها العير إنكم لسارقون) ، قال : كانت العير حميرًا
* * *
القول في تأويل قوله تعالى : { قَالُوا وَأَقْبَلُوا عَلَيْهِمْ مَاذَا تَفْقِدُونَ (71) قَالُوا نَفْقِدُ صُوَاعَ الْمَلِكِ وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ (72) }
قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره : قال بنو يعقوب لما نودوا : (أيتها العير إنكم لسارقون) ، وأقبلوا على المنادي ومن بحضرتهم يقولون لهم : (ماذا تفقدون) ، ما الذي تفقدون ؟(قالوا نفقد صواع الملك) ، يقول : فقال لهم القوم : نفقد مشربة الملك .
* * *
واختلفت القرأة في قراءة ذلك.
فذكر عن أبي هريرة أنه قرأه : " صَاعَ المَلِكِ " ، بغير واوٍ ، كأنه وجَّهه إلى " الصاع " الذي يكال به الطعام.
* * *
وروي عن أبي رجاء أنه قرأه : " صَوْعَ المَلِكِ " .
* * *
وروي عن يحيى بن يعمر أنه قرأه : " صَوْغَ المَلِكِ " ، بالغين ، كأنه وجَّهه إلى أنه مصدر من قولهم : " صاغ يَصُوغ صوغًا " .
* * *
وأما الذي عليه قرأة الأمصار : فَـ(صُوَاعَ المَلِكِ) ، وهي القراءة التي لا أستجيز القراءة بخلافها لإجماع الحجة عليها .

(16/175)


* * *
و " الصواع " ، هو الإناء الذي كان يوسف يكيل به الطعام. وكذلك قال أهل التأويل .
*ذكر من قال ذلك :
19525 - حدثنا محمد بن بشار قال : حدثنا محمد بن جعفر قال : حدثنا شعبة ، عن أبي بشر ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس في هذا الحرف : (صواع الملك) قال : كهيئة المكُّوك . قال : وكان للعباس مثله في الجاهلية يَشْرَبُ فيه
19526 - حدثنا أبو كريب قال ، حدثنا وكيع وحدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا أبي عن شعبة ، عن أبي بشر ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس في قوله : (صواع الملك) ، قال ، كان من فضة مثل المكوك . وكان للعباس منها واحدٌ في الجاهلية.
19527 - حدثنا أبو كريب قال ، حدثنا وكيع وحدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا أبي عن شريك ، عن سماك ، عن عكرمة في قوله : (قالوا نفقد صواع الملك) ، قال : كان من فضة.
19528 - حدثني يعقوب قال ، حدثنا هشيم ، عن أبي بشر ، عن سعيد بن جبير : أنه قرأ : (صواع الملك) ، قال وكان إناءه الذي يشرب فيه ، وكان إلى الطول ما هو.
19529 - حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا سويد بن عمرو ، عن أبي عوانة ، عن أبي بشر ، عن سعيد بن جبير : (صواع الملك) ، قال ، المكوك الفارسي.
19530 - حدثني المثنى قال ، حدثنا الحجاج بن المنهال قال ، حدثنا أبو عوانة ، عن أبي بشر ، عن سعيد بن جبير قال ، (صواع الملك) ، قال ، هو المكوك الفارسيّ الذي يلتقي طرفاه ، كانت تشرب فيه الأعاجم.

(16/176)


19531 - ... قال ، حدثنا إسحاق قال ، حدثنا عبد الرحمن بن مغراء ، عن جويبر ، عن الضحاك ، في قوله : (صواع الملك) ، قال ، إناء الملك الذي كان يشرب فيه.
19532 - حدثنا الحسن بن محمد قال ، حدثنا يحيى يعني ابن عباد قال ، حدثنا شعبة ، عن أبي بشر ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس قال : (صواع الملك) ، مكّوك من فضة يشربون فيه . وكان للعباس واحدٌ في الجاهلية.
19533 - حدثنا ابن عبد الأعلى قال ، حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة : (صواع الملك) ، إناء الملك الذي يشرب فيه.
19534 - حدثنا الحسن بن محمد قال ، حدثنا سعيد بن منصور قال ، حدثنا أبو عوانة ، عن أبي بشر ، عن سعيد بن جبير ، في قوله : (صواع الملك) ، قال : هو المكوك الفارسي الذي يلتقي طرفاه.
19535 - حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد قال ، " الصواع " ، كان يشرب فيه يوسف.
19536 - حدثنا محمد بن معمر البحراني قال ، حدثنا عبد الصمد بن عبد الوارث قال ، حدثنا صدقة بن عباد ، عن أبيه عن ابن عباس : (صواع الملك) ، قال ، كان من نحاس .
* * *
وقوله : (ولمن جاء له حمل بعير) ، يقول : ولمن جاء بالصواع حمل بعير من الطعام ، كما : -
19537 - حدثنا بشر قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد ، عن قتادة قوله : (ولمن جاء به حمل بعير) ، يقول : وقر بعير.
19538 - حدثني محمد بن عمرو قال ، حدثنا أبو عاصم قال ، حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قول الله تعالى : (حمل بعير) ، قال :

(16/177)


حمل حمار وهي لغة. (1)
19539 - حدثني المثنى قال ، حدثنا أبو حذيفة قال ، حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد قال
19540 - وحدثنا إسحاق قال ، حدثنا عبد الله ، عن ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد قوله : (حمل بعير) قال : حمل حمار وهي لغة.
19541 - حدثنا الحسن بن محمد قال ، حدثنا شبابة قال ، حدثنا ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .
19542 - حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد قال ، قوله : (حمل بعير) قال ، حمل حمار.
* * *
وقوله ، (وأنا به زعيم) ، يقول : وأنا بأن أوفيّه حملَ بعير من الطعام إذا جاءني بصواع الملك كفيلٌ .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
*ذكر من قال ذلك :
19543 - حدثني علي قال ، حدثنا عبد الله قال ، حدثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس قوله : (وأنا به زعيم) ، يقول : كفيل.
19544 - حدثنا الحسن بن محمد قال ، حدثنا شبابة قال ، حدثنا ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد قوله : (وأنا به زعيم) ، " الزعيم " ، هو المؤذّن الذي قال : (أيتها العير).
19545 - حدثني محمد بن عمرو قال ، حدثنا أبو عاصم قال ، حدثنا
__________
(1) في المطبوعة والمخطوطة : " حمل طعام " ولا معنى له ، والصواب ما أثبت ، وهو تفسير لقوله : " بعير " ، انظر ما سلف ص : 162 ، رقم : 19477 ، 19478 ، 19523 ، 19524 وصوبت ذلك لقوله : " وهي لغة " لأنه زعموا ذلك لغة في الحمار ، أما " الطعام " ، فلا يصح أن يكون فيه لغة يقال لها " بعير " ! .

(16/178)


عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .
19546 - حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، مثله .
19547 - حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا محمد بن بكر ، وأبو خالد الأحمر ، عن ابن جريج قال : بلغني عن مجاهد ، ثم ذكر نحوه .
19548 - حدثنا ابن بشار قال ، حدثنا عبد الرحمن بن مهدي قال ، حدثنا عبد الواحد بن زياد ، عن ورقاء بن إياس ، عن سعيد بن جبير : (وأنا به زعيم) ، قال : كفيل.
19549 - حدثنا بشر قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : (وأنا به زعيم) : أي : وأنا به كفيلٌ.
19550 - حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال ، حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة : (وأنا به زعيم) ، قال : كفيل.
19551 - حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا أبو خالد الأحمر ، عن جويبر ، عن الضحاك : (وأنا به زعيم) ، قال : كفيل.
19552 - حدثت عن الحسين بن الفرج قال ، سمعت أبا معاذ يقول : حدثنا عبيد بن سليمان قال ، سمعت الضحاك ، فذكر مثله .
19553 - حدثني الحارث قال ، حدثنا عبد العزيز ، عن سفيان ، عن رجل ، عن مجاهد : (وأنا به زعيم) ، قال : كفيل.
19554 - حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق : قال لهم الرسول : إنه من جاءنا به فله حمل بعير ، وأنا به كفيلٌ بذلك حتى أؤدّيه إليه.
* * *
ومن " الزعيم " الذي بمعنى الكفيل ، قول الشاعر :

(16/179)


قَالُوا تَاللَّهِ لَقَدْ عَلِمْتُمْ مَا جِئْنَا لِنُفْسِدَ فِي الْأَرْضِ وَمَا كُنَّا سَارِقِينَ (73)

(1)
فَلَسْتُ بِآمِرٍ فِيهَا بِسَلْمٍ... وَلَكِنِّي عَلَى نَفْسِي زَعِيمُ (2)
وأصل " الزعيم " ، في كلام العرب : القائم بأمر القوم ، وكذلك " الكفيل " و " الحميل " . ولذلك قيل : رئيس القوم زعيمهم ومدبِّرهم. يقال منه : " قد زَعُم فلان زعامة وزَعامًا " ، (3) ومنه قول ليلى الأخيلية :
حَتَّى إذَا بَرَزَ اللِّوَاءُ رَأَيْتَهُ... تَحْتَ اللِّوَاءِ عَلَى الخَمِيسِ زَعِيمَا (4)
* * *
القول في تأويل قوله تعالى : { قَالُوا تَاللَّهِ لَقَدْ عَلِمْتُمْ مَا جِئْنَا لِنُفْسِدَ فِي الأرْضِ وَمَا كُنَّا سَارِقِينَ (73) }
قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره : قال إخوة يوسف : (تالله) يعني : والله .
* * *
وهذه التاء في(تالله) ، إنما هي " واو " قلبت " تاء " كما فعل ذلك في " التوراة " وهي من " ورّيت " ، (5) و " التُّراث " ، وهي من " ورثت " ، و " التخمة "
__________
(1) هو حاجز بن عوف الأزدي السروي اللص الجاهلي ، وفي مجاز القرآن لأبي عبيدة : " وقال المؤسى الأزدي " ، وأخشى أن يكون " المؤسى " تصحيف لنسبته ، وهي " السروى " ، نسبة إلى " السرأة " وهي جبال الأزد .
(2) مجاز القرآن لأبي عبيدة 1 : 315 ، وبعد البيت ، وفيه تمام معناه : بِغَزْوٍ مِثْلِ وَلْغِ الذِّئْبِ حَتَّى ... يَنُوءَ بِصَاحِبي ثَأْرٌ مُنِيمُ
وهذا البيت في لسان العرب مادة ( ولغ ) ، منسوبًا لحاجز اللص .
(3) قوله : " وزعامًا " ، هذا المصدر مما أغفلته معاجم اللغة ، فليقيد في مكانه .
(4) اللسان ( زعم ) وأمالي القالي 1 : 248 ، وسمط اللآلئ 561 ، وتمام تخريجها هناك ، من قصيدة لها تعرض فيها بابن الزبير ، وقبل البيت : وَمُخَرَّقِ عَنْهُ القَمِيصُ تَخَالُه ... وَسْطَ البُيُوتِ مِنَ الحَياء سَقِيمَا
.
(5) في المطبوعة : " كما فعل ذلك في التورية ، وهي من وريت " ، فأساء غاية الإساءة ، فضلا عما فيه من الجهالة . والصواب من المخطوطة ، و " التوراة " ، وهي التي أنزلها الله على موسى ، قال الفراء في كتاب المصادر إنها " تفعلة " من " وريت " ، وجرت على لغة طئ ، كقولهم في " التوصية " " توصاة " وفي " الجارية " " جاراة " . وقال البصريون : " التوراة " ، أصلها " فوعلة " ، مثل " الحوصلة " و " الدوخلة " وكل ما كان على " فوعلت " ، فمصدره " فوعلة " ، وقلبت الواو تاء ، كما قلبت في " تولج " وأصلها " ولج " .

(16/180)


وهي من " الوخامة " ، قلبت الواو في ذلك كله تاء ، و " الواو " في هذه الحروف كلها من الأسماء ، وليست كذلك في(تالله) ، لأنها إنما هي واو القسم ، وإنما جعلت تاء لكثرة ما جرى على ألسن العرب في الأيمان في قولهم : " والله " ، فخُصَّت في هذه الكلمة بأن قلبت تاء . ومن قال ذلك في اسم الله فقال : " تالله " . لم يقل " تالرحمن " و " تالرحيم " ، ولا مع شيء من أسماء الله ، ولا مع شيء مما يقسم به ، ولا يقال ذلك إلا في " تالله " وحده .
* * *
وقوله : (لقد علمتم ما جئنا لنفسد في الأرض) ، يقول : لقد علمتم ما جئنا لنعصى الله في أرضكم. (1)
* * *
كذلك كان يقول جماعة من أهل التأويل .
*ذكر من قال ذلك :
19555 - حدثني المثنى قال ، حدثنا إسحاق قال ، حدثنا عبد الله بن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع بن أنس ، في قوله : (قالوا تالله لقد علمتم ما جئنا لنفسد في الأرض) ، نقول : ما جئنا لنعصى في الأرض.
* * *
فإن قال قائل : وما كان عِلْمُ من قيل له (2) (لقد علمتم ما جئنا لنفسد في الأرض) ، بأنهم لم يجيئوا لذلك ، حتى استجاز قائلو ذلك أن يقولوه ؟
قيل : استجازوا أن يقولوا ذلك لأنهم فيما ذكر ردُّوا البضاعة التي وجدوها
__________
(1) انظر تفسير " الفساد في الأرض " فيما سلف من فهارس اللغة ( فسد ) .
(2) في المطبوعة : " وما كان أعلم من قيل له " ، وهو عبث وفساد ، صوابه ما في المخطوطة .

(16/181)


قَالُوا فَمَا جَزَاؤُهُ إِنْ كُنْتُمْ كَاذِبِينَ (74) قَالُوا جَزَاؤُهُ مَنْ وُجِدَ فِي رَحْلِهِ فَهُوَ جَزَاؤُهُ كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ (75)

في رحالهم ، فقالوا : لو كنا سُرَّاقًا لم نردَّ عليكم البضاعة التي وجدناها في رحالنا .
وقيل : إنهم كانوا قد عُرِفوا في طريقهم ومسيرهم أنهم لا يظلمون أحدًا ولا يتناولون ما ليس لهم ، فقالوا ذلك حين قيل لهم : (إنكم لسارقون) .
* * *
القول في تأويل قوله تعالى : { قَالُوا فَمَا جَزَاؤُهُ إِنْ كُنْتُمْ كَاذِبِينَ (74) قَالُوا جَزَاؤُهُ مَنْ وُجِدَ فِي رَحْلِهِ فَهُوَ جَزَاؤُهُ كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ (75) }
قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره : قال أصحاب يوسف لإخوته : فما ثواب السَّرَق إن كنتم كاذبين في قولكم (1) (ما جئنا لنفسد في الأرض وما كنا سارقين) ؟ (قالوا جزاؤه من وجد في رحله فهو جزاؤه) . ، يقول جل ثناؤه : وقال إخوة يوسف : ثواب السرق من وجد في متاعه السرق(فهو جزاؤه) ، (2) يقول : فالذي وجد ذلك في رحله ثوابه بأن يسلم بسَرِقته إلى من سرق منه حتى يستَرِقّه(كذلك نجزي الظالمين) ، يقول : كذلك نفعل بمن ظلم ففعل ما ليس له فعله من أخذه مال غيره سَرَقًا .
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
*ذكر من قال ذلك :
19556 - حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق : (فهو
__________
(1) " السرق " ( بفتحتين ) ، ومصدره فعل السارق . وسوف يسمى " المسروق " " سرقًا " ، بعد قليل ، وهو صحيح في العربية جيد . وهكذا كان يقوله أئمة الفقهاء القدماء .
(2) " السرق " ( بفتحتين ) ، ومصدره فعل السارق . وسوف يسمى " المسروق " " سرقًا " ، بعد قليل ، وهو صحيح في العربية جيد . وهكذا كان يقوله أئمة الفقهاء القدماء .

(16/182)


جزاؤه) ، أي : سُلِّم به(كذلك نجزي الظالمين) ، أي : كذلك نصنع بمن سرقَ منَّا.
19557 - حدثني المثنى قال ، حدثنا إسحاق قال ، حدثنا عبد الرزاق ، عن معمر قال ، بلغنا في قوله : (قالوا فما جزاؤه إن كنتم كاذبين) ، أخبروا يوسف بما يحكم في بلادهم أنه من سرق أخذ عبدًا ، فقالوا : (جزاؤه من وجد في رحله فهو جزاؤه).
19558 - حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا عمرو ، عن أسباط ، عن السدي : (قالوا فما جزاؤه إن كنتم كاذبين قالوا جزاؤه من وجد في رحله فهو جزاؤه) ، تأخذونه فهو لكم.
* * *
قال أبو جعفر : ومعنى الكلام : قالوا : ثوابُ السَّرَق الموجودُ في رحله كأنه قيل : ثوابه استرقاق الموجود في رحله " ، ثم حذف " استرقاق " ، إذ كان معروفًا معناه. ثم ابتدئ الكلام فقيل : ( هو جزاؤه كذلك نجزي الظالمين) .
* * *
وقد يحتمل وجهًا آخر : أن يكون معناه : قالوا ثوابُ السَّرق ، الذي يوجدُ السَّرق في رحله ، فالسارق جزاؤه فيكون " جزاؤه " الأول مرفوعًا بجملة الخبر بعده ، ويكون مرفوعًا بالعائد من ذكره في " هو " ، و " هو " مرافع " جزاؤه " الثاني . (1)
* * *
ويحتمل وجهًا ثالثًا : وهو أن تكون " مَنْ " جزاءً (2) وتكون مرفوعة بالعائد من ذكره في " الهاء " التي في " رحله " ، و " الجزاء " الأول مرفوعًا بالعائد من
__________
(1) في المطبوعة : " رافع " ، وأثبت ما في المخطوطة . وهذا الوجه الثاني مكرر في المخطوطة ، كتب مرتين .
(2) في المطبوعة : " جزائية " ، وهو تصرف معيب .

(16/183)


فَبَدَأَ بِأَوْعِيَتِهِمْ قَبْلَ وِعَاءِ أَخِيهِ ثُمَّ اسْتَخْرَجَهَا مِنْ وِعَاءِ أَخِيهِ كَذَلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ (76)

ذكره في " وجد " ، ويكون جواب الجزاء " الفاء " في " فهو " . و " الجزاء " الثاني مرفوع ب " هو " ، فيكون معنى الكلام حينئذ : قالوا : جزاء السَّرق ، من وجد السرق في رحله فهو ثوابه ، يُستَرَقُّ ويُستعبَد . (1)
* * *
القول في تأويل قوله تعالى : { فَبَدَأَ بِأَوْعِيَتِهِمْ قَبْلَ وِعَاءِ أَخِيهِ ثُمَّ اسْتَخْرَجَهَا مِنْ وِعَاءِ أَخِيهِ كَذَلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ إِلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ (76) }
قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره : ففتش يوسف أوعيتهم ورحالهم ، طالبًا بذلك صواعَ الملك ، فبدأ في تفتيشه بأوعية إخوته من أبيه ، فجعل يفتشها وعاء وِعاءً قبل وعاء أخيه من أبيه وأمه ، فإنه أخّر تفتيشه ، ثم فتش آخرها وعاء أخيه ، فاستخرج الصُّواع من وعاء أخيه .
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
*ذكر من قال ذلك :
19559 - حدثنا بشر قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد ، عن قتادة قوله : (فبدأ بأوعيتهم قبل وعاء أخيه) ، ذكر لنا أنه كان لا ينظر في وعاء إلا استغفر الله تأثمًا مما قذفهم به ، حتى بقي أخوه ، وكان أصغر القوم ، قال : ما أرى هذا أخذ شيئًا! قالوا : بلى فاستبْرِهِ! (2) ألا وقد علموا حيث وضعوا سقايتهم
__________
(1) انظر معاني القرآن للفراء في تفسير هذه الآية ، فقد ذكر هذه الوجوه بغير هذا اللفظ .
(2) " بلى " ، انظر استعمالها في غير جواب الجحد فيما سلف ، في التعليق على رقم : 16987 ، والمراجع هناك . وقوله " استبره " من " الاستبراء " سهلت همزتها ، وأصله : واستبرئه ، و " الاستبراء " طلب البراءة من الشيء ، ما كان تهمة أو عيبًا أو قادحًا .

(16/184)


(ثم استخرجها من وعاء أخيه).
19560 - حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال ، حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة قال : (فاستخرجها من وعاء أخيه) ، قال : كان كلما فتح متاعًا استغفر تائبًا مما صنع ، حتى بلغ متاعَ الغلام ، فقال : ما أظن هذا أخذ شيئًا! قالوا : بلى ، فاستَبْره!
19561 - حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا عمرو بن محمد ، عن أسباط ، عن السدي قال ، (فبدأ بأوعيتهم قبل وعاء أخيه) ، فلما بقي رحل الغلام قال : ما كان هذا الغلام ليأخذه! قالوا : والله لا يترك حتى تنظر في رحله ، لنذهب وقد طابت نفسك. فأدخلَ يده فاستخرجه من رحله. (1)
19562 - حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق قال : لما قال الرسول لهم : (ولمن جاء به حمل بعير وأنا به زعيم) ، قالوا : ما نعلمه فينَا ولا معنَا . قال : لستم ببارحين حتى أفتّش أمتعتكم ، وأعْذِر في طلبها منكم! فبدأ بأوعيتهم وعاء وعاءً يفتشها وينظر ما فيها ، حتى مرّ على وعاء أخيه ففتشه ، فاستخرجها منه ، فأخذ برقبته ، فانصرف به إلى يوسف . يقول الله : (كذلك كدنا ليوسف).
19563 - حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثني حجاج ، عن ابن جريج قال : ذُكر لنا أنه كان كلما بَحَث متاع رجل منهم استغفر ربه تأثمًا ، قد علم أين موضع الذي يَطْلُب! حتى إذا بقي أخوه ، وعلم أن بغيته فيه ، قال : لا أرى هذا الغلام أخذه ، ولا أبالي أن لا أبحث متاعه ! قال إخوته : إنه أطيبُ لنفسك وأنفسنا أن تستبرئ متاعه أيضًا . فلما فتح متاعه استخرج بغيته منه ، قال الله : (كذلك كدنا ليوسف).
* * *
__________
(1) في المطبوعة : " فاستخرجها " ، وأثبت ما في المخطوطة .

(16/185)


واختلف أهل العربية في الهاء والألف اللتين في قوله : (ثم استخرجها من وعاء أخيه) .
فقال بعض نحويي البصرة : هي من ذكر " الصواع " ، قال : وأنّث وقد قال : (ولمن جاء به حمل بعير) ، لأنه عنى " الصواع " . قال ، و " الصواع " ، مذكر ، ومنهم من يؤنث " الصواع " ، وعني ههنا " السقاية " ، وهي مؤنثة . قال : وهما اسمان لواحد ، مثل " الثوب " و " الملحفة " ، مذكر ومؤنث لشيءٍ واحدٍ .
* * *
وقال بعض نحويي الكوفة في قوله : (ثم استخرجها من وعاء أخيه) ، ذهب إلى تأنيث " السرقة " . قال : وإن يكن " الصواع " في معنى " الصاع (1) فلعل هذا التأنيث من ذلك . قال ، وإن شئت جعلته لتأنيث السقاية . قال : و " الصواع " ذكر ، و " الصاع " يؤنث ويذكر ، فمن أنثه قال ، ثلاث أصوُع ، مثل ثلاث أدور ، ومن ذكره قال " أصواع " ، مثل أبواب .
* * *
وقال آخر منهم : إنما أنّث " الصواع " حين أنث لأنه أريدت به " السقاية " ، وذكّر حين ذكّر ، لأنه أريد به " الصواع " . قال : وذلك مثل " الخوان " و " المائدة " ، و " سنان الرمح " و " عاليته " ، وما أشبه ذلك من الشيء الذي يجتمع فيه اسمان : أحدهما مذكر ، والآخر مؤنث .
* * *
وقوله : (كذلك كدنا ليوسف) ، يقول : هكذا صنعنا ليوسف ، (2) حتى يخلص أخاه لأبيه وأمه من إخوته لأبيه ، بإقرارٍ منهم أن له أن يأخذه منهم ويحتبسه في يديه ، ويحول بينه وبينهم. وذلك أنهم قالوا ، إذ قيل لهم : (ما جزاؤه إن كنتم
__________
(1) في المطبوعة : " وإن لم يكن الصواع " ، زاد " لم " فأفسد الكلام ، وإنما عنى أن " الصاع " يذكر ويؤنث ، فمن أجل ذلك أنث " الصواع " .
(2) انظر تفسير " الكيد " فيما سلف ص : 141 ، تعليق : 1 ، والمراجع هناك .

(16/186)


كاذبين) : جزاءُ من سرق الصُّواع أن من وجد ذلك في رحله فهو مستَرَقٌّ به ، وذلك كان حكمهم في دينهم . فكاد الله ليوسف كما وصف لنا حتى أخذ أخاه منهم ، فصار عنده بحكمهم وصُنْعِ الله له .
* * *
وقوله : (ما كان ليأخذ أخا في دين الملك إلا أن يشاء الله) ، يقول : ما كان يوسف ليأخذ أخاه في حكم ملك مصر وقضائه وطاعته منهم ، لأنه لم يكن من حكم ذلك الملك وقضائه أن يسترقّ أحد بالسَّرَق ، فلم يكن ليوسف أخذ أخيه في حكم ملك أرضه ، إلا أن يشاء الله بكيده الذي كاده له ، حتى أسلم من وجد في وعائه الصواع إخوتُه ورفقاؤه بحكمهم عليه ، وطابت أنفسهم بالتسليم .
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
*ذكر من قال ذلك :
19564 - حدثنا الحسن قال ، حدثنا شبابة قال ، حدثنا ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد قوله : (ما كان ليأخذ أخاه في دين الملك) ، إلا فعلة كادها الله له ، فاعتلّ بها يوسف.
19565 - حدثني محمد بن عمرو قال ، حدثنا أبو عاصم قال ، حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .
19566 - حدثني المثنى قال ، حدثنا أبو حذيفة قال ، حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : (كذلك كدنا ليوسف) كادها الله له ، فكانت علَّةً ليوسف.
19567 - حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد : (ليأخذ أخاه في دين الملك إلا أن يشاء الله) ، قال : إلا فعلة كادها الله ، فاعتلّ بها يوسف قال حدثني حجاج ، عن ابن جريج قوله : (كذلك كدنا ليوسف) ، قال ، صنعنا.

(16/187)


19568 - حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا عمرو ، عن أسباط ، عن السدي : (كذلك كدنا ليوسف) ، يقول : صنعنا ليوسف.
19569 - حدثت عن الحسين قال ، سمعت أبا معاذ يقول ، أخبرنا عبيد بن سليمان قال ، سمعت الضحاك يقول في قوله : (كذلك كدنا ليوسف) ، يقول : صنعنا ليوسف
* * *
واختلف أهل التأويل في تأويل قوله : (ما كان ليأخذ أخاه في دين الملك) .
فقال بعضهم : ما كان ليأخذ أخاه في سلطان الملك .
*ذكر من قال ذلك :
19570 - حدثني محمد بن سعد قال ، حدثني أبي قال ، حدثني عمي قال ، حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قوله : (ما كان ليأخذ أخاه في دين الملك) ، يقول : في سلطان الملك.
19571 - حدثت عن الحسين قال ، سمعت أبا معاذ ، يقول ، حدثنا عبيد بن سليمان قال ، سمعت الضحاك يقول في قوله : (ما كان ليأخذ أخاه في دين الملك) ، يقول : في سلطان الملك.
* * *
وقال آخرون : معنى ذلك : في حكمه وقضائه .
*ذكر من قال ذلك :
19572 - حدثنا بشر قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد ، عن قتادة قوله : (ما كان ليأخذ أخاه في دين الملك إلا أن يشاء الله) ، يقول : ما كان ذلك في قضاء الملك أن يستعبد رجلا بسرقة.
19573 - حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال ، حدثنا محمد بن ثور ، عن

(16/188)


معمر ، عن قتادة : (في دين الملك) ، قال : لم يكن ذلك في دين الملك قال : حكمه.
19574 - حدثني المثنى قال ، حدثنا أبو صالح محمد بن ليث المروزي ، عن رجل قد سماه ، عن عبد الله بن المبارك ، عن أبي مودود المديني قال : سمعت محمد بن كعب القرظي يقول : (قالوا جزاؤه من وجد في رحله فهو جزاؤه)(كذلك كدنا ليوسف ما كان ليأخذ أخاه في دين الملك) ، قال : دين الملك لا يؤخذ به من سرق أصلا ولكن الله كاد لأخيه ، حتى تكلموا ما تكلموا به ، فأخذهم بقولهم ، وليس في قضاء الملك. (1)
19575 - حدثنا الحسن بن يحيى قال ، أخبرنا عبد الرزاق ، عن معمر قال : بلغه في قوله : (ما كان ليأخذ أخاه في دين الملك) ، قال : كان حكم الملك أن من سَرَق ضوعف عليه الغُرْم.
19576 - حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا عمرو ، عن أسباط ، عن السدى : (ما كان ليأخذ أخاه في دين الملك) ، يقول : في حكم الملك.
19577 - حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق : (ما كان ليأخذ أخاه في دين الملك) : ، أي : بظلم ، ولكن الله كاد ليوسف ليضمّ إليه أخاه .
19578 - حدثني يونس قال ، أخبرنا ابن وهب قال ، قال ابن زيد ، في قوله : (ما كان ليأخذ أخاه في دين الملك) ، قال : ليس في دين الملك أن يؤخذ السارق بسرقته . قال : وكان الحكم عند الأنبياء ، يعقوب وبنيه ، أن يؤخذ السارق بسرقته عبدًا يسترقّ.
* * *
__________
(1) الأثر : 19574 - " محمد بن ليث المروزي " ، " أبو صالح " ، لم أجد له ترجمة في شيء من المراجع التي بين يدي .
و " أبو مودود المديني " هو " عبد العزيز بن أبي سليمان الهذلي " ، كان قاصًا لأهل المدينة ، كان من أهل النسك والفضل ، وكان متكلمًا يعظ ، ورأى أبا سعيد الخدري وغيره من الصحابة . ثقة ، مترجم في التهذيب ، وابن أبي حاتم 2 / 2 / 384 .

(16/189)


قال أبو جعفر : وهذه الأقوال وإن اختلفت ألفاظ قائليها في معنى " دين الملك " ، فمتقاربة المعاني ، لأن من أخذه في سلطان الملك عامله بعمله ، فبرضاه أخذه إذًا لا بغيره ، (1) وذلك منه حكم عليه ، وحكمه عليه قضاؤه .
* * *
وأصل " الدين " ، الطاعة. وقد بينت ذلك في غير هذا الموضع بشواهده بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع . (2)
* * *
وقوله : (إلا أن يشاء الله) كما : -
19579 - حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا عمرو ، عن أسباط ، عن السدي : (إلا أن يشاء الله) ، ولكن صنعنا له ، بأنهم قالوا : (فهو جزاؤه).
19580 - حدثني المثنى قال ، حدثنا أبو حذيفة قال ، حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : (إلا أن يشاء الله) إلا بعلة كادَها الله ، فاعتلَّ بها يوسف.
* * *
وقوله : (نرفع درجات من نشاء) ، اختلفت القرأة في قراءة ذلك.
فقرأه بعضهم : " نَرْفَعُ دَرَجَاتِ مَنْ نَشَاءُ " بإضافة " الدرجات " إلى " من " بمعنى : نرفع منازل من نشاء رفع منازله ومراتبه في الدنيا بالعلم على غيره ، كما رفعنا مرتبة يوسف في ذلك ومنزلته في الدنيا على منازل إخوته ومراتبهم . (3)
* * *
وقرأ ذلك آخرون : ( نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ ) بتنوين " الدرجات " ، بمعني : نرفع
__________
(1) في المطبوعة : " فيريناه أخذه إذا لم يغيره " ، وهو كلام مختل لا معنى له ، وهو في المخطوطة غير منقوط بعضه ، وصواب قراءته إن شاء الله ما أثبت ، وأساء الناسخ في كتابته ، لأنه لم يحسن القراءة عن الأم التي نقل منها ، فجعل " فبرضاه " " فيريناه " ، وجعل " لا " ، " لم " ، أما " بغيره " فهي غير منقوطة في المخطوطة .
(2) انظر تفسير " الدين " فيما سلف 3 : 571 / 6 : 273 ، 274 ، وغيرها من المواضع في فهارس اللغة ( دين ) .
(3) انظر تفسير " الدرجة " فيما سلف 14 : 173 ، تعليق : 6 ، والمراجع هناك .

(16/190)


من نشاء مراتب ودرجات في العلم على غيره ، كما رفعنا يوسف . فـ " مَنْ " على هذه القراءة نصبٌ ، وعلى القراءة الأولى خفض . وقد بينا ذلك في " سورة الأنعام " . (1)
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
*ذكر من قال ذلك :
19581 - حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثني حجاج قال ، قال ابن جريح قوله : (نرفع درجات من نشاء) ، يوسف وإخوته ، أوتوا علمًا ، فرفعنا يوسف فوقهم في العلم.
* * *
وقوله : (وفوق كل ذي علم عليم) ، يقول تعالى ذكره : وفوق كل عالم من هو أعلم منه ، حتى ينتهي ذلك إلى الله . وإنما عنى بذلك أنّ يوسف أعلم إخوته ، وأنّ فوق يوسف من هو أعلم من يوسف ، حتى ينتهي ذلك إلى الله .
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
*ذكر من قال ذلك :
19582 - حدثنا محمد بن بشار قال ، حدثنا أبو عامر العقدي قال ، حدثنا سفيان ، عن عبد الأعلى الثعلبي ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، أنه حدّث بحديث ، فقال رجل عنده : (وفوق كل ذي علم عليم) ، فقال ابن عباس : بئسما قلت ! إن الله هو عليم ، وهو فوق كل عالم.
19583 - حدثنا أبو كريب قال ، حدثنا وكيع وحدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا أبي عن سفيان ، عن عبد الأعلى ، عن سعيد بن جبير قال : حدَّث ابن عباس بحديث ، فقال رجل عنده : الحمد لله ، (وفوق كل ذي علم عليم) ! فقال ابن عباس : العالم الله ، وهو فوق كل عالم.
__________
(1) انظر ما سلف 11 : 505 .

(16/191)


19584 - حدثنا الحسن بن يحيى قال ، أخبرنا عبد الرزاق قال ، أخبرنا الثوري ، عن عبد الأعلى ، عن سعيد بن جبير قال : كنا عند ابن عباس ، فحدث حديثًا ، فتعجب رجل فقال ، الحمد لله ، (فوق كل ذي علم عليم) ! فقال ابن عباس : بئسما قلت : الله العليم ، وهو فوق كل عالم.
19585 - حدثنا الحسن بن محمد وابن وكيع قالا حدثنا عمرو بن محمد قال ، أخبرنا إسرائيل ، عن سالم ، عن عكرمة ، عن ابن عباس : (وفوق كل ذي علم عليم) ، قال : يكون هذا أعلم من هذا ، وهذا أعلم من هذا ، والله فوق كل عالم.
19586 - حدثنا الحسن بن محمد قال ، حدثنا سعيد بن منصور قال ، أخبرنا أبو الأحوص ، عن عبد الأعلى ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس : (وفوق كل ذي علم عليم) ، قال ، الله الخبير العليم ، فوق كل عالم.
19587 - حدثني المثنى قال ، حدثنا عبيد الله قال ، أخبرنا إسرائيل ، عن عبد الأعلى ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس : (وفوق كل ذي علم عليم) ، قال : الله فوق كل عالم.
19588 - حدثنا أبو كريب قال ، حدثنا وكيع وحدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا أبي عن أبي معشر ، عن محمد بن كعب قال ، سأل رجل عليًّا عن مسألة ، فقال فيها ، فقال الرجل : ليس هكذا ولكن كذا وكذا. قال عليٌّ : أصبتَ وأخطأتُ ، (وفوق كل ذي علم عليم).
19589 - حدثني يعقوب ، وابن وكيع قالا حدثنا ابن علية ، عن خالد ، عن عكرمة في قوله : (وفوق كل ذي علم عليم) ، قال : علم الله فوق كل أحد.
19590 - حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا ابن نمير ، عن نضر ، عن عكرمة ، عن ابن عباس : (وفوق كل ذي علم عليم) ، قال ، الله عز وجل.

(16/192)


19591 - حدثنا ابن وكيع ، حدثنا يعلى بن عبيد ، عن سفيان ، عن عبد الأعلى ، عن سعيد بن جبير : (وفوق كل ذي علم عليم) ، قال : الله أعلم من كل أحد.
19592 - حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا جرير ، عن ابن شبرمة ، عن الحسن ، في قوله : (وفوق كل ذي علم عليم) ، قال : ليس عالمٌ إلا فوقه عالم ، حتى ينتهي العلم إلى الله.
19593 - حدثنا الحسن بن محمد قال ، حدثنا عاصم قال ، حدثنا جويرية ، عن بشير الهجيمي قال : سمعت الحسن قرأ هذه الآية يومًا : (وفوق كل ذي علم عليم) ، ثم وقف فقال : إنه والله ما أمسى على ظهر الأرض عالم إلا فوقه من هو أعلم منه ، حتى يعود العلم إلى الذي علَّمه.
19594 - حدثنا الحسن بن محمد قال ، حدثنا علي ، عن جرير ، عن ابن شبرمة ، عن الحسن : (وفوق كل ذي علم عليم) ، قال : فوق كل عالم عالم ، حتى ينتهي العلم إلى الله.
19595 - حدثنا بشر قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : (وفوق كل ذي علم عليم) ، حتى ينتهي العلم إلى الله ، منه بدئ ، وتعلَّمت العلماء ، وإليه يعود . في قراءة عبد الله : " وَفَوْقَ كُلِّ عَالِمٍ عَلِيمٌ " .
* * *
قال أبو جعفر : إن قال لنا قائل : وكيف جاز ليوسف أن يجعل السقاية في رحل أخيه ، ثم يُسَرِّق قومًا أبرياء من السّرَق (1) ويقول : (أيتها العير إنكم لسارقون) ؟
قيل : إن قوله : (أيتها العير إنكم لسارقون) ، إنما هو خبَرٌ من الله عن مؤذِّن أذَّن به ، لا خبر عن يوسف . وجائز أن يكون المؤذِّن أذَّن بذلك إذ فَقَد
__________
(1) " يسرق " ، أي ينسبهم إلى السرقة ، " سرقة يسرقه " ( بتشديد الراء ) ، نسبه إلى ذلك .

(16/193)


قَالُوا إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ فَأَسَرَّهَا يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ وَلَمْ يُبْدِهَا لَهُمْ قَالَ أَنْتُمْ شَرٌّ مَكَانًا وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا تَصِفُونَ (77)

الصُّواع (1) ولا يعلم بصنيع يوسف . وجائز أن يكون كان أذّن المؤذن بذلك عن أمر يوسف ، واستجاز الأمر بالنداء بذلك ، لعلمه بهم أنهم قد كانوا سرقوا سَرِقةً في بعض الأحوال ، فأمر المؤذن أن يناديهم بوصفهم بالسَّرق ، ويوسف يعني ذلك السَّرق لا سَرَقهم الصُّواع . وقد قال بعض أهل التأويل : إن ذلك كان خطأ من فعل يوسف ، فعاقبه الله بإجابة القوم إيّاه : (إن يسرق فقد سرق أخ له من قبل) ، وقد ذكرنا الرواية فيما مضى بذلك . (2)
* * *
القول في تأويل قوله تعالى : { قَالُوا إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ فَأَسَرَّهَا يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ وَلَمْ يُبْدِهَا لَهُمْ قَالَ أَنْتُمْ شَرٌّ مَكَانًا وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا تَصِفُونَ (77) }
قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره : (قالوا إن يسرق فقد سرق أخ له من قبل) ، يعنون أخاه لأبيه وأمه ، وهو يوسف ، كما : -
19596 - حدثنا الحسن بن محمد قال ، حدثنا شبابة قال ، حدثنا ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : (إن يسرق فقد سرق أخ له من قبل) ، ليوسف.
19597 - حدثني محمد بن عمرو قال ، حدثنا أبو عاصم ، عن عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .
19598 - حدثني المثنى قال ، حدثنا إسحاق قال ، حدثنا عبد الله ، عن
__________
(1) في المطبوعة والمخطوطة : " أن فقد الصواع " ، والصواب ما أثبت .
(2) انظر ما سلف رقم : 19559 - 19563 ، وذلك أنه كان يستغفر كلما فتش وعاء من أوعيتهم ، تأثمًا مما فعل . وعنى أبو جعفر أن يوسف كان يعلم أنه مخطئ في فعله . أما جواب إخوته له ، فلم يمض له ذكر فيما سلف .

(16/194)


ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قوله : (إن يسرق فقد سرق أخ له من قبل) ، قال : يعني يوسف.
19599 - حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد : (فقد سرق أخ له من قبل) ، قال : يوسف.
* * *
وقد اختلف أهل التأويل في " السَّرَق " الذي وصفُوا به يوسف.
فقال بعضهم : كان صنمًا لجده أبي أمه ، كسره وألقاء على الطريق .
*ذكر من قال ذلك :
19600 - حدثنا أحمد بن عمرو البصري قال ، حدثنا الفيض بن الفضل قال ، حدثنا مسعر ، عن أبي حصين ، عن سعيد بن جبير : (إن يسرق فقد سرق أخ له من قبل) ، قال : سرق يوسف صَنَمًا لجده أبي أمه ، كسره وألقاه في الطريق ، فكان إخوته يعيبونه بذلك. (1)
19601 - حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال ، حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة : (فقد سرق أخ له من قبل) ذكر أنه سرق صنمًا لجده أبي أمه ، فعيَّروه بذلك.
19602 - حدثنا بشر قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : (إن يسرق فقد سرق أخ له من قبل) : أرادوا بذلك عيبَ نبيّ الله يوسف. وسرقته التي عابوه بها ، صنم كان لجده أبي أمه ، فأخذه ، إنما أراد نبيُّ الله بذلك الخير ، فعابوه.
19603 - حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثني حجاج ، عن
__________
(1) الأثر : 19600 " أحمد بن عمرو البصري " ، شيخ الطبري ، مضى برقم : 9875 ، 13928 ، والكلام عنه في الرقم الأول .
و " الفيض بن الفضل البجلي الكوفي " ، مترجم في الكبير 4 / 1 / 140 ، وابن أبي حاتم 3 / 2 / 88 ، ولم يذكرا فيه جرحًا . وكان في المطبوعة : " العيص " وأخطأ لأن المخطوطة واضحة هناك كما أثبتها . وهذا الخبر ، رواه أبو جعفر في تاريخه 1 : 182 .

(16/195)


ابن جريج في قوله : (إن يسرق فقد سرق أخ له من قبل) ، قال : كانت أمّ يوسف أمرت يوسف يسرق صنمًا لخاله يعبده ، وكانت مسلمةً.
* * *
وقال آخرون في ذلك ما : -
19604 - حدثنا به أبو كريب قال ، حدثنا ابن إدريس قال ، سمعت أبي قال : كان بنو يعقوب على طعام ، إذْ نظرَ يوسف إلى عَرْق فخبأه ، (1) فعيّروه بذلك(إن يسرق فقد سرق أخ له من قبل). (2)
* * *
وقال آخرون في ذلك بما : -
19605 - حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا سلمة عن ابن إسحاق ، عن عبد الله بن أبي نجيح ، عن مجاهد أبي الحجاج قال : كان أوّل ما دخل على يوسف من البلاء ، فيما بلغني أن عَمَّته ابنة إسحاق ، وكانت أكبر ولد إسحاق ، وكانت إليها [صارت] منطقة إسحاق (3) وكانوا يتوارثونها بالكبر ، فكان من اختانها ممن وليها (4) كان له سَلَمًا لا ينازع فيه ، (5) يصنع فيه ما شاء . وكان يعقوب حين وُلِد له يوسف ، كان قد حضَنه عَمَّتَهُ (6) فكان معها وإليها ، فلم يحبَّ أحدٌ شيئًا من الأشياء حُبَّهَا إياه . حتى إذا ترعرع وبلغ سنواتٍ ، ووقعت نفس
__________
(1) في المطبوعة والمخطوطة : " اضطر يوسف إلى عرق " ، وهو خطأ محض ، وإنما وصل الكاتب " إذ " بقوله بعده " نظر " . و " العرق " ( بفتح فسكون ) : العظم عليه اللحم . فإن لم يكن عليه لحم ، فهو " عراق " ( بضم العين ) .
(2) الأثر : 19604 - رواه أبو جعفر في تاريخه 1 : 182 ، مطولا .
(3) الزيادة بين القوسين من تاريخ الطبري .
(4) في المطبوعة : " فكان من اختص بها " ، غير ما في المخطوطة ، فأفسد الكلام وأسقطه . والصواب منها ومن التاريخ . " اختانها " ، سرقها .
(5) " السلم " ( بفتحتين ) انقياد المذعن المستخذى ، كالأسير الذي لا يمتنع ممن أسره ، يقال : " أخذه سلمًا " ، إذا أسره من غير حرب ، فجاء به منقادًا لا يمتنع .
(6) في المطبوعة : " قد كان حضنته عمته " ، وأثبت ما في التاريخ . وأما المخطوطة ، فهي غير منقوطة .
وقوله : " حضنه عمته " فهو هنا فعل متعد إلى مفعولين ، وليس هذا المتعدي مما ذكرته كتب اللغة . وإنما ذكر " حضنت المرأة الصبي " ، إذا وكلت به تحفظه وتربيه ، وهي " الحاضنة " ، تضم إليها الطفل فتكفله . وهذا المتعدي إلى مفعولين ، صحيح عريق في قياس العربية ، بمعنى : أعطاها إياه لتحضنه . وهذا مما يزاد عليها إن شاء الله .

(16/196)


يعقوب عليه ، (1) أتاها فقال ، يا أخيَّة سلّمي إليّ يوسف ، فوالله ما أقدر على أن يغيب عني ساعة ! قالت : فوالله ما أنا بتاركته ، (2) والله ما أقدر أن يغيب عني ساعة ! (3) قال : فوالله ما أنا بتاركه ! قالت : فدعه عندي أيامًا أنظرْ إليه وأسكن عنه ، لعل ذلك يسلّيني عنه أو كما قالت . فلما خرج من عندها يعقوب عمدت إلى مِنْطقة إسحاق فحزمتها على يوسف من تحت ثيابه ، ثم قالت : لقد فقدت مِنْطقة إسحاق ، فانظروا من أخذها ومن أصابها ؟ فالتُمِسَتْ ، ثم قالت : كشِّفوا أهل البيت ! (4) فكشفوهم ، فوجدوها مع يوسف ، فقالت : والله إنه لي لسَلَمٌ ، أصنع فيه ما شئت . قال : وأتاها يعقوب فأخبرته الخبر ، فقال لها : أنت وذاك إن كان فعل ذلك ، فهو سَلَمٌ لك ، ما أستطيع غير ذلك . فأمسكته فما قدر عليه حتى ماتت . قال : فهو الذي يقول إخوة يوسف حين صنع بأخيه ما صنع حين أخذه : (إن يسرق فقد سرق أخ له من قبل) . (5)
قال ابن حميد. قال ابن إسحاق : لما رأى بنو يعقوب ما صنع إخْوة يوسف ، ولم يشكُّوا أنه سرق ، قالوا أسفًا عليه ، لما دخل عليهم في أنفسهم (6) تأنيبًا له : (إن يسرق فقد سرق أخ له من قبل) . فلما سمعها يوسف قال : (أنتم شر مكانًا) ،
__________
(1) في والمطبوعة المخطوطة : " وقعت " بغير واو ، والصواب إثباتها ، كما في تاريخ الطبري وقوله : " وقعت نفسه عليه " ، أي اشتاق إليه شديدا . وهذا مجاز لم تذكره معاجم اللغة ، وهو في غاية الحسن والدقة وبلاغة الأداء عن النفس وانظر بعد قوله : " ما أقدر على أن يغيب عني ساعة " ، فهو دليل على المعنى الذي استظهرته .
(2) في المطبوعة : " فقالت : والله ... " غير ما في المخطوطة ، وهو الموافق لما في تاريخ الطبري أيضًا .
(3) قولها : " والله ما أقدر ... " ، ليست في تاريخ الطبري ، فهي زيادة في المخطوطة .
(4) في المطبوعة : " اكشفوا " ، وأثبت ما في المخطوطة والتاريخ .
(5) الأثر : 19605 - إلى هذا الموضع ، رواه أبو جعفر في تاريخه 1 : 170 .
(6) في المطبوعة والمخطوطة : " أسفًا عليهم " ، وهو لا يكاد يستقيم ، وكان في المخطوطة أيضًا : " في أنفسنا " ، فصححها في المطبوعة ، وأصاب .

(16/197)


سِرًّا في نفسه(ولم يبدها لهم) (والله أعلم بما تصفون).
* * *
وقوله : (فأسرها يوسف في نفسه ولم يبدها لهم قال أنتم شر مكانًا والله أعلم بما تصفون) ، يعني بقوله : (فأسرها) ، فأضمرها. (1)
* * *
وقال : (فأسرها) فأنث ، لأنه عنى بها " الكلمة " ، وهي : " (أنتم شر مكانًا والله أعلم بما تصفون. ولو كانت جاءت بالتذكير كان جائزًا ، كما قيل : ( تِلْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ ) [سورة هود : 49] ، و( ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْقُرَى ) ، [سورة هود : 100]
* * *
وكنى عن " الكلمة " . ولم يجر لها ذكر متقدِّم. والعرب تفعل ذلك كثيرًا ، إذا كان مفهومًا المعنى المرادُ عند سامعي الكلام . وذلك نظير قول حاتم الطائي :
أَمَاوِيَّ مَا يُغْنِي الثَّرَاءُ عَنِ الْفَتَى... إِذَا حَشْرَجَتْ يَوْمًا وَضَاقَ بهَا الصَّدْرُ (2)
__________
(1) انظر تفسير " الإسرار " فيما سلف ص : 7 ، تعليق ، والمراجع هناك .
(2) ديوانه : 39 ، وغيره ، من قصيدته المشهورة ، يقول بعده ، وهو من رائع الشعر : إذَا أنَا دَلاَّني الَّذِينَ أُحِبُّهُمْ ... بِمَلْحُودةٍ زَلْخٍ ، جَوَانِبُهَا غُبْرُ
وَرَاحُوا عِجَالاً ينفُضُونَ أكُفَّهُمْ ... يَقُولُونَ : قَدْ دَمَّى أَنَامِلَنَا الحفْرُ !
.
" ملحودة " ، يعني قبرًا قد لحد له . و " زلخ " ، ملساء ، يزل نازلها فيتردى فيها .

(16/198)


يريد : وضاق بالنفس الصدر فكنى عنها ولم يجر لها ذكر ، إذ كان في قوله : " إذا حشرَجَت يومًا " ، دلالة لسامع كلامه على مراده بقوله : " وضاق بها " . ومنه قول الله : ( ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هَاجَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا فُتِنُوا ثُمَّ جَاهَدُوا وَصَبَرُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ ) [سورة النحل : 110] ، فقال : " من بعدها " ، ولم يجر قبل ذلك ذكر لاسم مؤنث .
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
*ذكر من قال ذلك :
19606 - حدثنا بشر قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد ، عن قتادة : (فأسرها يوسف في نفسه ولم يبدها لهم) ، أما الذي أسرَّ في نفسه فقوله : (أنتم شر مكانًا والله أعلم بما تصفون).
19607 - حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال ، حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة : (فأسرها يوسف في نفسه ولم يبدها لهم قال أنتم شر مكانًا والله أعلم بما تصفون) ، قال هذا القول.
19608 - حدثني محمد بن سعد قال ، حدثني أبي قال ، حدثني عمي قال ، حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قوله : (فأسرها يوسف في نفسه ولم يبدها لهم) ، يقول : أسرَّ في نفسه قوله : (أنتم شر مكانًا والله أعلم بما تصفون).
* * *
وقوله : (والله أعلم بما تصفون) ، يقول : والله أعلم بما تكذبون فيما تصفون به أخاه بنيامين . (1)
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
*ذكر من قال ذلك :
__________
(1) انظر تفسير " الوصف " فيما سلف : 15 : 586 ، تعليق : 1 ، والمراجع هناك .

(16/199)


19609 - حدثنا الحسن بن محمد قال ، حدثنا شبابة قال ، حدثنا ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد قوله : (أنتم شر مكانًا والله أعلم بما تصفون) ، يقولون : يوسف يقوله.
19610 - حدثني محمد بن عمرو قال ، حدثنا أبو عاصم قال ، حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .
19611 - حدثني المثنى قال ، أخبرنا إسحاق قال ، حدثنا عبد الله ، عن ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .
19612 - حدثنا بشر قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد ، عن قتادة : (والله أعلم بما تصفون) ، أي : بما تكذبون.
* * *
قال أبو جعفر : فمعنى الكلام إذًا : فأسرها يوسف في نفسه ولم يبدها لهم ، قال : أنتم شرّ عند الله منزلا ممن وصفتموه بأنه سرق ، وأخبث مكانًا بما سلف من أفعالكم ، والله عالم بكذبكم ، وإن جهله كثيرٌ ممن حضرَ من الناس .
* * *
وذكر أن الصّواع لما وُجد في رحل أخي يوسف تلاوَمَ القوم بينهم ، كما : -
19613 - حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا عمرو ، عن أسباط ، عن السدي قال : لما استخرجت السرقة من رحل الغلام انقطعت ظهورهم ، وقالوا : يا بني راحيل ، ما يزال لنا منكم بلاء! متى أخذت هذا الصوع ؟ (1) فقال بنيامين : بل بنو راحيل الذين لا يزال لهم منكم بلاء ، ذهبتم بأخي فأهلكتموه في البرية! وضَع هذا الصواع في رحلي ، الذي وضع الدراهم في رحالكم! فقالوا : لا تذكر الدراهم فنؤخذ بها! فلما دخلوا على يوسف دعا بالصواع فنقرَ فيه ، ثم أدناه من أذنه ، ثم قال ، إن صواعى هذا ليخبرني أنكم كنتم اثني عشر رجلا وأنكم انطلقتم
__________
(1) في المطبوعة : " حتى أخذت " ، والصواب من المخطوطة والتاريخ .

(16/200)


بأخٍ لكم فبعتموه . فلما سمعها بنيامين ، قام فسجد ليوسف ، ثم قال ، أيها الملك ، سل صواعك هذا عن أخي ، أحيٌّ هو ؟ (1) فنقره ، ثم قال ، هو حيٌّ ، وسوف تراه . قال ، فاصنع بي ما شئت ، فإنه إن علم بي فسوف يستنقذني . قال ، فدخل يوسف فبكى ، ثم توضَّأ ، ثم خرج فقال بنيامين : أيها الملك إني أريد أن تضرب صُواعك هذا فيخبرك بالحقّ ، فسله من سرقه فجعله في رحلي ؟ فنقره فقال : إن صواعي هذا غضبان ، وهو يقول : كيف تسألني مَنْ صاحبي ، (2) وقد رأيتَ مع من كنت ؟ (3) قال : وكان بنو يعقوب إذا غضبوا لم يطاقُوا ، فغضب روبيل ، وقال : أيها الملك ، والله لتتركنا أو لأصيحنَّ صيحة لا يبقى بمصر امرأةٌ حامل إلا ألقت ما في بطنها ! وقامت كل شعرة في جسد رُوبيل ، فخرجت من ثيابه ، فقال يوسف لابنه : قم إلى جنب روبيل فمسَّه. وكان بنو يعقوب إذا غضب أحدهم فمسَّه الآخر ذهب غضبه ، فمر الغلام إلى جنبه فمسَّه ، فذهب غضبه ، فقال روبيل : مَنْ هذا ؟ إن في هذا البلد لبَزْرًا من بَزْر يعقوب! (4) فقال يوسف : من يعقوب ؟ فغضب روبيل فقال : يا أيها الملك لا تذكر يعقوب ، فإنه سَرِيُّ الله ، (5) ابن ذبيح الله ، ابن خليل الله . قال يوسف : (6) أنت إذًا كنت صادقًا. (7)
* * *
__________
(1) في التاريخ : " أين هو " ، ولكنه في المخطوطة : " أحي هو " .
(2) في المطبوعة : " عن صاحبي " ، والصواب من المخطوطة والتاريخ .
(3) في المطبوعة وحدها : " وقد رؤيت " .
(4) " البزر " ( بفتح فسكون ) ، الولد . يقال : " ما أكثر بزره " ، أي : ولده .
(5) في التاريخ : " إسرائيل الله " ، وكأن الذي في التفسير هو الصواب ، لأن " إيل " بمعنى " الله " ، و " إسرا " ، يضاف إليه ، وكأن " إسرا " ، بمعنى " سرى " ، وهو بمعنى المختار ، كأنه : " صفي الله " الذي اصطفاه . وفي تفسير ذلك اختلاف كثير .
(6) في المطبوعة ، حذف " إن " من قوله : " إن كنت صادقًا " .
(7) الأثر : 19613 - رواه أبو جعفر في تاريخه مطولا 1 : 182 ، 183 .

(16/201)


قَالُوا يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ إِنَّ لَهُ أَبًا شَيْخًا كَبِيرًا فَخُذْ أَحَدَنَا مَكَانَهُ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (78)

القول في تأويل قوله تعالى : { قَالُوا يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ إِنَّ لَهُ أَبًا شَيْخًا كَبِيرًا فَخُذْ أَحَدَنَا مَكَانَهُ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (78) }
قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره : قالت إخوه يوسف ليوسف : (يأيها العزيز) ، يا أيها الملك (1) (إن له أبًا شيخًا كبيرًا) كلفًا بحبه ، يعنون يعقوب(فخذ أحدنا مكانه) ، يعنون فخذ أحدًا منّا بدلا من بنيامين ، وخلِّ عنه (إنا نراك من المحسنين) ، يقول : إنا نراك من المحسنين في أفعالك .
* * *
وقال محمد بن إسحاق في ذلك ما : -
19614 - حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق : (إنا نراك من المحسنين) ، إنا نرى ذلك منك إحسانا إن فعلتَ.
* * *
__________
(1) انظر تفسير " العزيز " فيما سلف ص : 62 ، تعليق : 5 ، والمراجع هناك .

(16/202)


قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ أَنْ نَأْخُذَ إِلَّا مَنْ وَجَدْنَا مَتَاعَنَا عِنْدَهُ إِنَّا إِذًا لَظَالِمُونَ (79)

القول في تأويل قوله تعالى : { قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ أَنْ نَأْخُذَ إِلا مَنْ وَجَدْنَا مَتَاعَنَا عِنْدَهُ إِنَّا إِذًا لَظَالِمُونَ (79) } قال أبو جعفر : -
يقول تعالى ذكره : قال يوسف لإخوته : (معاذ الله) ، أعوذ بالله .
* * *
وكذلك تفعل العرب في كل مصدر وضعته موضع " يفعل " و " تفعل " ، فإنها تنصب ، كقولهم : " حمدًا لله ، وشكرًا له " بمعنى : أحمد الله وأشكره.
* * *
والعرب تقول في ذلك : " معاذَ الله " ، و " معاذةَ الله " فتدخل فيه هاء

(16/202)


فَلَمَّا اسْتَيْئَسُوا مِنْهُ خَلَصُوا نَجِيًّا قَالَ كَبِيرُهُمْ أَلَمْ تَعْلَمُوا أَنَّ أَبَاكُمْ قَدْ أَخَذَ عَلَيْكُمْ مَوْثِقًا مِنَ اللَّهِ وَمِنْ قَبْلُ مَا فَرَّطْتُمْ فِي يُوسُفَ فَلَنْ أَبْرَحَ الْأَرْضَ حَتَّى يَأْذَنَ لِي أَبِي أَوْ يَحْكُمَ اللَّهُ لِي وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ (80)

التأنيث. كما يقولون : " ما أحسن معناة هذا الكلام " و " عوذ الله " ، و " عوذة الله " ، و " عياذ الله " . ويقولون : اللهم عائذًا بك ، كأنه قيل : " أعوذ بك عائذا " ، أو أدعوك عائذًا .
* * *
(أن نأخذ إلا من وجدنا متاعنا عنده) يقول : أستجير بالله من أن نأخذ بريئًا بسقيم ، (1) كما : -
19615 - حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق : (قال معاذ الله أن نأخذ إلا من وجدنا متاعنا عنده إنا إذا لظالمون) ، يقول : إن أخذنا غير الذي وجدنا متاعنا عنده إنَّا إذًا نفعل ما ليس لنا فعله ونجور على الناس.
19616 - حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا عمرو ، عن أسباط ، عن السدي : (قالوا يا أيها العزيز إن له أبًا شيخًا كبيرًا فخذ أحدنا مكانه إنا نراك من المحسنين قال معاذ الله أن نأخذ إلا من وجدنا متاعنا عنده إنا إذًا لظالمون) ، قال يوسف : إذا أتيتم أباكم فأقرئوه السلام ، وقولوا له : إن ملك مصر يدعو لك أن لا تموت حتى ترى ابنك يوسف ، حتى يعلمَ أنّ في أرض مصر صدِّيقين مثلَه.
* * *
القول في تأويل قوله تعالى : { فَلَمَّا اسْتَيْأَسُوا مِنْهُ خَلَصُوا نَجِيًّا قَالَ كَبِيرُهُمْ أَلَمْ تَعْلَمُوا أَنَّ أَبَاكُمْ قَدْ أَخَذَ عَلَيْكُمْ مَوْثِقًا مِنَ اللَّهِ وَمِنْ قَبْلُ مَا فَرَّطْتُمْ فِي يُوسُفَ فَلَنْ أَبْرَحَ الأرْضَ حَتَّى يَأْذَنَ لِي أَبِي أَوْ يَحْكُمَ اللَّهُ لِي وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ (80) }
قال أبو جعفر يعني تعالى ذكره : (فلما استيأسوا منه) فلما يئسوا منه من أن يخلى يوسف عن بنيامين ، ويأخذ منهم واحدًا مكانه ، وأن يجيبهم إلى ما سألوه من ذلك.
* * *
__________
(1) انظر تفسير " عاذ " فيما سلف ص : 32 ، تعليق : 1 ، والمراجع هناك .

(16/203)


وقوله(استيأسوا) ، " استفعلوا " ، من : " يئس الرجل من كذا ييأس " ، كما : -
19617 - حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق : (فلما استيأسوا منه) يئسوا منه ، ورأوا شدّته في أمره.
* * *
وقوله : (خلصوا نجيًّا) ، يقول بعضهم لبعض يتناجون ، لا يختلط بهم غيرهم .
* * *
و " النجيّ " ، جماعة القوم المنتجين ، يسمى به الواحد والجماعة ، كما يقال : " رجل عدل ، ورجال عدل " ، و " قوم زَوْر ، وفِطْر " . وهو مصدر من قول القائل : " نجوت فلانا أنجوه نجيًّا " ، جعل صفة ونعتًا . ومن الدليل على أن ذلك كما ذكرنا ، قول الله تعالى(وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيًّا ) [ سورة مريم : 52] فوصف به الواحد ، وقال في هذا الموضع : (خلصوا نجيًّا) فوصف به الجماعة ، ويجمع " النجيّ " أنجية ، كما قال لبيد :
وَشَهِدْتُ أنْجِيَةَ الأفَاقَةِ عَاليًا... كَعْبي وَأَرْدَافُ المُلُوكِ شُهُودُ (1)
وقد يقال للجماعة من الرجال : " نَجْوَى " كما قال جل ثناؤه : (وإذْ هُمْ نَجْوَ ى) [سورة الإسراء : 47 ] وقال : (مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ) [سورة المجادلة : 7 ] وهم القوم الذين يتناجون . وتكون " النجوى " أيضا مصدرًا ، كما قال الله :
__________
(1) ديوانه قصيدة : 7 ، بيت : 7 ، ومجاز القرآن لأبي عبيدة 1 : 315 من أبيات يقولها لابنته بسرة ، يذكر طول عمره ، فيقول لها : وَلَقَدْ سَئِمْتُ من الحَيَاةِ وطُولِهَا ... وسُؤَالِ هذَا النَّاسِ : كَيْف لَبِيدُ ?
وَغَنِيتُ سَبْتًا قَبْلَ مَجْرَى دَاحِسٍ ... لَوْ كَانَ للنِّفْسِ اللَّجُوجِ خُلُودُ
وَشَهِدْتُ................. ... . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
" مجرى داحس " ، هو الخبر المشهور عن داحس والغبراء وإجرائهما ، وكانت بسببه الحرب بين عبس وذبيان أربعين سنة ، وقوله : " سبتًا " ، أي : دهرًا .
و " الأفاقة " اسم موضع ، حيث كان اليوم المشهور بين لبيد ، والربيع بن زياد العبسي . و " أرداف الملوك " ، من " الردف " ، وهو الذي يكون مع الملك ، وينوب عنه إذا قام من مجلسه .

(16/204)


( إِنَّمَا النَّجْوَى مِنَ الشَّيْطَانِ ) [سورة المجادلة : 10 ] تقول منه " : نجوت أنجو نجوى " فهي في هذا الموضع ، المناجاة نفسها ، ومنه قول الشاعر (1)
بُنَيَّ بَدَا خِبُّ نَجْوَى الرِّجَالِ... فَكُنْ عِنْدَ سرّكَ خَبَّ النَّجِيّ (2)
فـ " النجوى " و " النجي " ، في هذا البيت بمعنى واحد ، وهو المناجاة ، وقد جمع بين اللغتين .
* * *
وبنحو الذي قلنا في تأويل قوله : (خلصوا نجيًّا) قال أهل التأويل .
*ذكر من قال ذلك :
19618 - حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا عمرو ، عن أسباط ، عن السدي : (فلما استيأسوا منه خلصوا نجيًّا) وأخلص لهم شمعون ، وقد كان ارتهنه ، خَلَوْا بينهم نجيًّا ، يتناجون بينهم .
19619 - حدثنا بشر قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : (خلصوا نجيًّا) خلصوا وحدهم نجيًّا.
19620 - حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق : (خلصوا نجيًّا) : أي خلا بعضهم ببعض ، ثم قالوا : ماذا ترون ؟
* * *
وقوله : (قال كبيرهم) اختلف أهل العلم في المعنيِّ بذلك.
__________
(1) هو الصلتان العبدي .
(2) شرح الحماسة 3 : 112 ، والشعر والشعراء : 479 ، والخزانة 1 : 308 ، وغيرها ، وهو من وصيته المشهورة التي أوصى بها ولده التي يقول فيها : أَشَابَ الصّغيرَ وَأَفْنَى الكَبيرَ ... كَرُّ الغَدَاةِ وَمَرُّ العَشِي
ثم يقول له بعد البيت الشاهد : وَسِرُّكَ مَا كَانَ عِنْدَ امْريٍ ... وَسِرُّ الثَّلاَثَةِ غَيْرُ الخَفِي
و " الحب " ( بكسر الخاء ) ، المكر ، و " الخب " ( بفتحها ) ، المكار .

(16/205)


فقال بعضهم : عنى به كبيرهم في العقل والعلم ، لا في السن ، وهو شمعون. قالوا : وكان روبيل أكبر منه في الميلاد .
*ذكر من قال ذلك :
19621 - حدثني محمد بن عمرو قال ، حدثنا أبو عاصم قال ، حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قول الله : (قال كبيرهم) قال : هو شمعون الذي تخلّف ، وأكبر منهأو : أكبر منهم في الميلاد ، روبيل.
19622 - حدثنا الحسن بن محمد قال ، حدثنا شبابة قال ، حدثنا ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : (قال كبيرهم) : ، شمعون الذي تخلّف ، وأكبر منه في الميلاد روبيل.
19623 - حدثني المثنى قال ، حدثنا أبو حذيفة قال ، حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .
19624 - حدثني المثنى قال ، أخبرنا إسحاق قال ، حدثنا عبد الله بن الزبير ، عن سفيان ، عن ابن جريج ، عن مجاهد : (قال كبيرهم) ، قال : شمعون الذي تخلف ، وأكبرهم في الميلاد روبيل.
* * *
وقال آخرون : بل عنى به كبيرهم في السن ، وهو روبيل .
*ذكر من قال ذلك :
19625 - حدثنا بشر قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد ، عن قتادة : (قال كبيرهم) ، وهو روبيل ، أخو يوسف ، وهو ابن خالته ، وهو الذي نهاهم عن قتله.
19626 - حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال ، حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة : (قال كبيرهم) ، قال : روبيل ، وهو الذي أشار عليهم أن لا يقتلوه.

(16/206)


19627 - حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا عمرو ، عن أسباط ، عن السدي : (قال كبيرهم) في العلم (1) (إن أباكم قد أخذ عليكم موثقًا من الله ومن قبل ما فرطتم في يوسف فلن أبرح الأرض) ، الآية ، فأقام روبيل بمصر ، وأقبل التسعة إلى يعقوب ، فأخبروه الخبرَ ، فبكى وقال : يا بنيّ ما تذهبون مرَّة إلا نقصتم واحدًا! ذهبتم مرة فنقصتم يوسف ، وذهبتم الثانية فنقصتم شمعون ، وذهبتم الآن فنقصتُم روبيل!
19628 - حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق : (فلما استيأسوا منه خلصوا نجيًّا) قال : ماذا ترون ؟ فقال روبيل كما ذكر لي ، وكان كبير القوم : (ألم تعلموا أن أباكم قد أخذ عليكم موثقا من الله لتأتنني به إلا أن يحاط بكم ومن قبل ما فرطتم في يوسف) ، الآية.
* * *
قال أبو جعفر : وأولى الأقوال في ذلك بالصحة ، قول من قال : عنى بقوله : (قال كبيرهم) روبيل ، لإجماع جميعهم على أنه كان أكبرهم سنًّا. ولا تفهم العرب في المخاطبة إذا قيل لهم : " فلان كبير القوم " ، مطلقا بغير وصل ، إلا أحد معنيين : إما في الرياسة عليهم والسؤدد ، وإما في السن. فأما في العقل ، فإنهم إذا أرادوا ذلك وصَلوه ، فقالوا : " هو كبيرهم في العقل " . فأما إذا أطلق بغير صلته بذلك ، فلا يفهم إلا ما ذكرت.
وقد قال أهل التأويل : لم يكن لشمعون وإن كان قد كان من العلم والعقل بالمكان الذي جعله الله به على إخوته رياسةٌ وسؤدد ، فيعلم بذلك أنه عنى بقوله : (قال كبيرهم) فإذا كان ذلك كذلك فلم يبق إلا الوجه الآخر ، وهو الكبر
__________
(1) في المطبوعة والمخطوطة : " في العلم " ، ولم أجد ما أستوثق به من أن يكون الخبر في معنى الترجمة ، أعني مكان " في العلم " ، " في السن " .

(16/207)


في السن ، وقد قال الذين ذكرنا جميعًا " : روبيل كان أكبر القوم سنًّا " ، فصح بذلك القول الذي اخترناه .
* * *
وقوله : (ألم تعلموا أن أباكم قد أخذ عليكم موثقًا من الله ، ) يقول : ألم تعلموا ، أيها القوم ؛ أنَّ أباكم يعقوب قد أخذ عليكم عهودَ الله ومواثيقه : (1) لنأتينه به جميعا ، إلا أن يحاط بكم( ومن قبل ما فرطتم في يوسف ) ، (2) ومن قبل فعلتكم هذه ، تفريطكم في يوسف. يقول : أو لم تعلموا من قبل هذا تفريطكم في يوسف ؟ وإذا صرف تأويل الكلام إلى هذا الذي قلناه ، كانت " ما " حينئذ في موضع نصب .
وقد يجوز أن يكون قوله : (ومن قبل ما فرطتم في يوسف) خبرا مبتدأ ، ويكون قوله : (ألم تعلموا أن أباكم قد أخذ عليكم موثقًا من الله) خبرًا متناهيًا فتكون " ما " حينئذ في موضع رفع ، كأنه قيل : " ومن قبل هذا تفريطكم في يوسف " فتكون " ما " مرفوعة بـ " من " قبلُ.
هذا ويجوز أن تكون " ما " التي هي صلة في الكلام ، (3) فيكون تأويل الكلام : ومن قبل هذا فرطتم في يوسف . (4)
* * *
وقوله : (فلن أبرح الأرض) التي أنا بها ، وهي مصر فأفارقها(حتى يأذن لي أبي) بالخروج منها ، كما : -
19629 - حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق : (فلن أبرح الأرض) التي أنا بها اليوم(حتى يأذن لي أبي) ، بالخروج منها.
19630 - حدثني المثنى قال ، حدثنا أبو حذيفة قال ، حدثنا شبل ، عن
__________
(1) انظر تفسير " الموثق " فيما سلف ص : 163 ، تعليق : 1 ، والمراجع هناك .
(2) زدت نص الآية ، وإن لم يكن ثابتًا في المخطوطة أو المطبوعة .
(3) في المطبوعة : " التي تكون صلة " ، ، وفي المخطوطة : " التي صلة " ، ورجحت ما أثبت
و " الصلة " ، الزيادة ، انظر ما سلف من فهارس المصطلحات .
(4) في المطبوعة " تفريطكم في يوسف " ، والصواب ما أثبت ، لأن " ما " زائدة هنا .

(16/208)


ارْجِعُوا إِلَى أَبِيكُمْ فَقُولُوا يَا أَبَانَا إِنَّ ابْنَكَ سَرَقَ وَمَا شَهِدْنَا إِلَّا بِمَا عَلِمْنَا وَمَا كُنَّا لِلْغَيْبِ حَافِظِينَ (81)

ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : قال شمعون : (لن أبرح الأرض حتى يأذن لي أبي أو يحكم الله لي وهو خير الحاكمين).
* * *
وقوله : (أو يحكم الله لي) ، أو يقضي لي ربي بالخروج منها وترك أخي بنيامين ، وإلا فإني غير خارج(وهو خير الحاكمين) ، يقول : والله خير من حكم ، وأعدل من فصل بين الناس . (1)
* * *
وكان أبو صالح يقول في ذلك بما : -
19631 - حدثني الحسين بن يزيد السبيعي قال ، حدثنا عبد السلام بن حرب ، عن إسماعيل بن أبي خالد ، عن أبي صالح في قوله : (حتى يأذن لي أبي أو يحكم الله لي ، ) قال : بالسيف.
* * *
وكأنَّ أبا صالح وجّه تأويل قوله : (أو يحكم الله لي) ، إلى : أو يقضي الله لي بحرب من مَنَعَني من الانصراف بأخي بنيامين إلى أبيه يعقوب ، فأحاربه .
* * *
القول في تأويل قوله تعالى : { ارْجِعُوا إِلَى أَبِيكُمْ فَقُولُوا يَا أَبَانَا إِنَّ ابْنَكَ سَرَقَ وَمَا شَهِدْنَا إِلا بِمَا عَلِمْنَا وَمَا كُنَّا لِلْغَيْبِ حَافِظِينَ (81) }
قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره ، مخبرًا عن قيل روبيل لإخوته ، حين أخذ يوسف أخاه بالصواع الذي استخرج من وعائه : ارجعوا ، إخوتي ، إلى أبيكم يعقوب فقولوا له يا أبانا إن ابنك بنيامين سرق) .
__________
(1) انظر تفسير " الحكم " فيما سلف من فهارس اللغة ( حكم ) .

(16/209)


* * *
والقرأة على قراءة هذا الحرف بفتح السين والراء والتخفيف : (إن ابنك سرق) .
* * *
ورُوي عن ابن عباس : " إنَّ ابْنَكَ سُرِّقَ " بضم السين وتشديد الراء ، على وجه ما لم يسمَّ فاعله ، بمعنى : أنه سَرَق(وما شهدنا إلا بما علمنا) .
* * *
واختلف أهل التأويل في تأويل ذلك.
فقال بعضهم : معناه : وما قلنا إنه سرق إلا بظاهر علمنا بأن ذلك كذلك ، لأن صواع الملك أصيب في وعائه دون أوعية غيره.
*ذكر من قال ذلك :
19632 - حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق : (ارجعوا إلى أبيكم) فإني ما كنت راجعًا حتى يأتيني أمرُه(فقولوا يا أبانا إن ابنك سرق وما شهدنا إلا بما علمنا ) ، أي : قد وجدت السرقة في رحله ، ونحن ننظر لا علم لنا بالغيب(وما كنا للغيب حافظين).
* * *
وقال آخرون : بل معنى ذلك : وما شهدنا عند يوسف بأن السارق يؤخذ بسرقته إلا بما علمنا .
*ذكر من قال ذلك :
19633 - حدثني يونس قال ، أخبرنا ابن وهب قال ، قال ابن زيد : قال لهم يعقوب عليه السلام : ما يدري هذا الرجل أن السارق يؤخذ بسرقته إلا بقولكم! فقالوا : (ما شهدنا إلا بما علمنا) ، لم نشهد أن السارق يؤخذ بسرقته إلا وذلك الذي علمنا. قال : وكان الحكم عند الأنبياء ، يعقوب وبنيه أن يؤخذ السارق بسرقته عبدًا فيسترقّ.
* * *
وقوله : (وما كنا للغيب حافظين ) ، يقول : وما كنا نرى أن ابنك يسرق

(16/210)


ويصير أمرنا إلى هذا ، وإنما قلنا(ونحفظ أخانا) مما لنا إلى حفظه منه السبيل .
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
*ذكر من قال ذلك :
19634 - حدثنا الحسين بن الحريث أبو عمار المروزي. قال ، حدثنا الفضل بن موسى ، عن الحسين بن واقد ، عن يزيد ، عن عكرمة : (وما كنا للغيب حافظين). قال : ما كنا نعلم أن ابنك يسرق. (1)
19635 - حدثنا الحسن بن محمد قال ، حدثنا شبابة قال ، حدثنا ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : (وما كنا للغيب حافظين) ، لم نشعر أنه سيسرق.
19636 - حدثنا محمد بن عمرو قال ، حدثنا أبو عاصم قال ، حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : (وما كنا للغيب حافظين) قال : لم نشعر أنه سيسرق.
19637 - حدثني المثنى قال ، حدثنا أبو حذيفة قال ، حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : (وما كنا للغيب حافظين) قال : لم نشعر أنه سيسرق.
19638 - حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد وأبو سفيان ، عن معمر ، عن قتادة : (وما كنا للغيب
__________
(1) الأثر : 19634 - " الحسين بن الحريث " ، " أبو عمار المروزي " ، شيخ الطبري ، مضى برقم 11771 .
" الفضل بن موسى السيتاني " ، مضى أيضًا برقم : 11771 .
" الحسين بن واقد المروزي " ، مضى أيضًا برقم : 4810 ، 6311 ، 11771 ، وكان في المخطوطة والمطبوعة هنا أيضًا " الحسن بن واقد " ، وهو خطأ بين ، كما أشرت إليه قبل .

(16/211)


وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا وَالْعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنَا فِيهَا وَإِنَّا لَصَادِقُونَ (82)

حافظين) قال : ما كنا نظن ولا نشعر أنه سيسرق.
19639 - حدثنا بشر قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد ، عن قتادة : (وما كنا للغيب حافظين) قال : ما كنا نرى أنه سيسرق.
19640 - حدثنا محمد بن عبد الأعلى. قال حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة : (وما كنا للغيب حافظين) ، قال : ما كنا نظن أن ابنك يسرق.
* * *
قال أبو جعفر : وأولى التأويلين بالصواب عندنا في قوله : (وما شهدنا إلا بما علمنا) قولُ من قال : وما شهدنا بأن ابنك سرق إلا بما علمنا من رؤيتنا للصواع في وعائه لأنه عَقيِب قوله : (إن ابنك سرق) ؛ فهو بأن يكون خبرًا عن شهادتهم بذلك ، أولى من أن يكون خبرًا عما هو منفصل.
* * *
وذكر أن " الغيب " ، في لغة حمير ، هو الليل بعينه . (1)
* * *
القول في تأويل قوله تعالى : { وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا وَالْعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنَا فِيهَا وَإِنَّا لَصَادِقُونَ (82) }
قال أبو جعفر : يقول : وإن كنتَ مُتَّهمًا لنا ، لا تصدقنا على ما نقول من أن ابنك سرق : ( فاسأل القرية التي كنا فيها ) ، وهي مصر ، يقول : سل من فيها من أهلها(والعير التي أقبلنا فيها) ، وهي القافلة التي كنا فيها ، (2) التي أقبلنا منها معها ، عن خبر ابنك وحقيقة ما أخبرناك عنه من سَرَقِهِ ، (3) فإنك تَخْبُر
__________
(1) هذا معنى عزيز في تفسير " الغيب " ، لم أجده في شيء من كتب اللغة التي بين أيدينا .
(2) انظر تفسير : " العير " فيما سلف ص : 173 ، 174 .
(3) سرق الشيء يسرقه سرقًا ( بفتحتين ) ، وسرقًا ( بفتح السين وكسر الراء ) ، وسرقة .

(16/212)


قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (83)

مصداق ذلك (وإنّا لصادقون) فيما أخبرناك من خبره .
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
*ذكر من قال ذلك :
19641 - حدثنا بشر قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : (واسأل القرية التي كنا فيها) ، وهي مصر.
19642 - حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثني حجاج ، عن ابن جريج قال ، قال ابن عباس : (واسأل القرية التي كنا فيها) قال : يعنون مصر.
19643 - حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق قال : قد عرف رُوبيل في رَجْع قوله لإخوته ، أنهم أهلُ تُهمةٍ عند أبيهم ، لما كانوا صنعوا في يوسف . وقولهم له : (اسأل القرية التي كنا فيها والعير التي أقبلنا فيها) ، فقد علموا ما علمنا وشهدوا ما شهدنا ، إن كنت لا تصدقنا(وإنا لصادقون).
* * *
القول في تأويل قوله تعالى : { قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (83) }
قال أبو جعفر : في الكلام متروك ، وهو : فرجع إخوة بنيامين إلى أبيهم ، وتخلف روبيل ، فأخبروه خبره ، فلما أخبروه أنه سرق قال(بل سوّلت لكم أنفسكم أمرا) ، يقول : بل زينت لكم أنفسكم أمرًا هممتم به وأردتموه (1) (فصبر جميل) ، يقول : فصبري على ما نالني من فقد ولدي ، صبرٌ جميل لا جزع فيه
__________
(1) انظر تفسير : " التسويل " فيما سلف 15 : 583 .

(16/213)


وَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا أَسَفَى عَلَى يُوسُفَ وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ (84)

ولا شكاية (1) عسى الله أن يأتيني بأولادي جميعًا فيردّهم عليّ(إنه هو العليم) ، بوحدتي ، وبفقدهم وحزني عليهم ، وصِدْقِ ما يقولون من كذبه (الحكيم) ، في تدبيره خلقه (2) .
* * *
وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
*ذكر من قال ذلك :
19644 - حدثنا بشر قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : (بل سولت لكم أنفسكم أمرا فصبر جميل) ، يقول : زينت وقوله : (عسى الله أن يأتيني بهم جميعًا) يقول : بيوسف وأخيه وروبيل.
19645 - حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق قال : لما جاءوا بذلك إلى يعقوب ، يعني بقول روبيل لهم ، اتَّهمهم وظن أن ذلك كفعلتهم بيوسف ، ثم قال : (بل سولت لكم أنفسكم أمرًا فصبر جميل عسى الله أن يأتيني بهم جميعا) أي : بيوسف وأخيه وروبيل.
* * *
القول في تأويل قوله تعالى : { وَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا أَسَفَى عَلَى يُوسُفَ وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ (84) }
قال أبو جعفر : يعني تعالى ذكره ، بقوله : (وتولى عنهم) ، وأعرض عنهم يعقوب (3) (وقال يا أسفا على يوسف) ، يعني : يا حَزَنا عليه .
__________
(1) انظر تفسير : " صبر جميل " فيما سلف 15 : 584 .
(2) انظر تفسير : " العليم " و " الحكيم " فيما سلف عن فهارس اللغة ( علم ) ، ( حكم ) .
(3) انظر تفسير : " التولي " فيما سلف من فهارس اللغة ( ولى ) .

(16/214)


* * *
يقال : إن " الأسف " هو أشدُّ الحزن والتندم. يقال منه " : أسِفْتُ على كذا آسَفُ عليه أسَفًا " .
* * *
يقول الله جل ثناؤه : وابيضَّت عينا يعقوب من الحزن(فهو كظيم) ، يقول : فهو مكظوم على الحزن ، يعني أنه مملوء منه ، مُمْسِك عليه لا يُبينه.
* * *
صُرِف " المفعول " منه إلى " فعيل " ، ومنه قوله : (والكَاظِمِينَ الغَيْظَ) [سورة آل عمران : 134 ] ، وقد بينا معناه بشواهده فيما مضى . (1)
* * *
وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
*ذكر من قال ما قلنا في تأويل قوله : (وقال يا أسفا على يوسف) :
19646 - حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق : (وتولى عنهم) ، أعرض عنهم ، وتتَامَّ حزنه ، وبلغ مجهودَه ، حين لحق بيوسف أخوه ، وهيَّج عليه حزنه على يوسف ، فقال : (يا أسَفَا على يوسف وابيضَّت عيناه من الحزن فهو كظيم).
19647 - حدثني محمد بن سعد قال ، حدثني أبي قال ، حدثني عمي قال ، حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : (وتولى عنهم وقال يا أسفَا على يوسف) ، يقول : يا حزني على يوسف.
19648 - حدثنا الحسن بن محمد قال ، حدثنا شبابة قال ، حدثنا ورقاء وحدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا ابن نمير ، عن ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : (يا أسفا على يوسف) ، يا حَزَنَا.
19648 - حدثني محمد بن عمرو قال ، حدثنا أبو عاصم قال ، حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : (يا أسفا على يوسف) ، يا جزعاه.
__________
(1) انظر تفسير " الكظم " فيما سلف 7 : 214 .

(16/215)


19649 - حدثني المثنى قال ، حدثنا أبو حذيفة قال ، حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : (يا أسفا على يوسف) ، يا جَزَعاه حزنًا.
19650 - حدثني المثنى قال ، أخبرنا إسحاق قال ، حدثنا عبد الله ، عن ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : (يا أسفا على يوسف) ، يا جَزَعَا.
19651 - حدثنا بشر قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : (يا أسفا على يوسف) أي : حَزَناه.
19652 - حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال ، حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة : (يا أسفَا على يوسف) ، قال : يا حزناه على يوسف. (1)
19653 - حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا محمد بن حميد المعمري ، عن معمر ، عن قتادة ، نحوه .
19654 - حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثني حجاج ، عن ابن جريج قال ، قال ابن عباس : (وقال يا أسفا على يوسف) ..... (2)
19655 - حدثنا أبو كريب قال ، حدثنا وكيع وحدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا أبي ، عن أبي حجيرة ، عن الضحاك : (يا أسفا على يوسف) ، قال : يا حَزَنَا على يوسف.
19656 - حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا عمرو ، عن أبي مرزوق ، عن جويبر ، عن الضحاك : (يا أسفَا) ، يا حَزَنَاه. (3)
__________
(1) في المطبوعة ، أسقط قوله : " على يوسف " .
(2) لم يذكر مقالة ابن عباس في تفسير الآية ، سقط من النساخ .
(3) الأثر : 19656 - " عمرو " ، لعله " عمرو بن حماد بن طلحة القناد " ، وهو الذي يروي عنه " سفيان بن وكيع " أو " عمرو بن عون " ، وقد أكثر الرواية عنه .
وأما " أبو مرزوق " هذا ، فلم أستطع أن أجد له ذكرًا ، و " أبو مرزوق التجيبي " ، و " أبو مرزوق " الذي روى عن أبي غالب عن أبي أمامة ، أقدم من هذا الذي يروي عن " جوبير " .
فهذا إسناد في النفس منه شيء ، وأخشى أن يكون سقط منه بعض رواته ، فاستبهم على بيانه .

(16/216)


19657 - حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثني حجاج قال ، حدثنا هشيم قال ، أخبرنا جويبر ، عن الضحاك : (يا أسفا) يا حزنا( على يوسف).
19658 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال ، أخبرنا الثوري ، عن سفيان العصفري ، عن سعيد بن جبير قال : لم يُعْطَ أحدٌ غيرَ هذه الأمة الاسترجاع ، (1) ألا تسمعون إلى قول يعقوب : (يا أسفَا على يوسف) ؟
19659 - حدثني المثنى قال ، حدثنا أبو نعيم قال ، حدثنا سفيان ، عن سعيد بن جبير ، نحوه .
* * *
*ذكر من قال ما قلنا في تأويل قوله : (وابيضت عيناه من الحزن فهو كظيم ).
19660 - حدثني محمد بن عمرو قال ، حدثنا أبو عاصم قال ، حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : (فهو كظيم) ، قال : كظيم الحزن.
19661 - حدثنا الحسن بن محمد قال ، حدثنا شبابة قال ، حدثنا ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : (فهو كظيم) ، قال : كظيم الحزن.
19662 - حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا ابن نمير ، عن ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، نحوه .
19663 - حدثني المثنى قال ، أخبرنا إسحاق قال ، حدثنا عبد الله ، عن ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : (فهو كظيم) ، قال : الحزن.
19664 - حدثني المثنى قال ، أخبرنا أبو حذيفة قال ، حدثنا شبل ، عن
__________
(1) " الاسترجاع " ، هو قولنا نحن المسلمين ، إذا أصابتنا مصيبة : { إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ } .

(16/217)


ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : (فهو كظيم) ، مكمود. (1)
19665 - حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد : (فهو كظيم) ، قال : كظيمٌ على الحزن.
19666 - حدثني المثنى قال ، حدثنا عمرو بن عون قال ، أخبرنا هشيم ، عن جويبر ، عن الضحاك ، في قوله : (فهو كظيم) ، قال : " الكظيم " ، الكميد.
19667 - حدثنا ابن وكيع قال : حدثنا المحاربي ، عن جويبر ، عن الضحاك في قوله : (فهو كظيم) ، قال : كميد.
19668 - حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثنا هشيم قال ، أخبرنا جويبر ، عن الضحاك ، في قوله : (كظيم) ، قال : كميد.
19669 - حدثنا بشر قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد ، عن قتادة : (وابيضت عيناه من الحرن فهو كظيم) ، يقول : تردَّدَ حُزْنُه في جوفه ، ولم يتكلّم بسوء.
19670 - حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال ، حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ، في قوله : (فهو كظيم) ، قال : كظيم على الحزن ، فلم يقل بأسًا.
19671 - حدثنا الحسن بن محمد قال ، حدثنا الحسين بن الحسن قال ، حدثنا ابن المبارك قال ، أخبرنا معمر ، عن قتادة ، في قوله : (وابيضت عيناه من الحزن فهو كظيم) قال : كظيم على الحزن فلم يقل إلا خيرًا.
19672 - حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا يحيى بن يمان ، عن يزيد بن زريع ، عن عطاء الخراساني : (فهو كظيم ، ) قال : مكروب.
19673 - حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا عمرو ، عن أسباط ، عن السدى : (فهو كظيم) قال : من الغيظ.
__________
(1) في المخطوطة : " مكنود " ، والصواب ما في المطبوعة .

(16/218)


قَالُوا تَاللَّهِ تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّى تَكُونَ حَرَضًا أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهَالِكِينَ (85)

19674 - حدثني يونس قال ، أخبرنا ابن وهب قال ، قال ابن زيد ، في قوله : (وابيضت عيناه من الحزن فهو كظيم) ، قال : " الكظيم " الذي لا يتكَّلم ، بلغ به الحزن حتى كان لا يكلِّمهم.
* * *
القول في تأويل قوله تعالى : { قَالُوا تَاللَّهِ تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّى تَكُونَ حَرَضًا أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهَالِكِينَ (85) }
قال أبو جعفر : يعني تعالى ذكره : قال ولد يعقوب الذين انصرفوا إليه من مصر له ، حين قال : (يا أسفا على يوسف) : تالله لا تزال تذكر يوسف .
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
*ذكر من قال ذلك :
19675 - حدثني محمد بن عمرو ، قال حدثنا أبو عاصم قال ، حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : (تفتأ) تفتر من حبه.
19676 - حدثنا الحسن بن محمد قال ، حدثنا شبابة قال ، حدثنا ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : (تفتأ) ، تفتر من حبه. (1)
قال أبو جعفر :
هكذا قال الحسن في حديثه ، (2) وهو غلط ، إنما هو : تفتر من حبه ، تزال تذكر يوسف. (3)
19677 - حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا ابن نمير ، عن ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : ( قالوا تالله تفتأ تذكر يوسف ) قال : لا تفتر من حبه.
__________
(1) في المطبوعة : " ما تفتر " بزيادة " ما " هنا ، وأثبت ما في المخطوطة كالذي قبله .
(2) في المطبوعة : " كذا قال " ، وأثبت ما في المخطوطة .
(3) اعتراض الطبري على خبر الحسن بن محمد ، يدل على أن الذي في أصله شيء آخر قوله غير : " تفتر من حبه " ، كما وردت في الخبر ، ولم أستطع أن أتبين كيف هذا الحرف في رواية الحسن .

(16/219)


19678 - حدثني المثنى قال ، حدثنا أبو حذيفة قال ، حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : ( تفتأ ) : تفتر من حبه.
19679 .... - قال ، حدثنا إسحاق قال ، حدثنا عبد الله ، عن ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قوله : ( تالله تفتأ تذكر يوسف ) ، قال : لا تزال تذكر يوسف.
19680 - حدثنا أبو كريب قال ، حدثنا وكيع وحدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا أبي ، عن إسرائيل ، عن سماك ، عن عكرمة ، عن ابن عباس : ( قالوا تالله تفتأ تذكر يوسف ، ) قال : لا تزال تذكر يوسف. قال ، لا تفتر من حبه.
19681 - حدثنا بشر قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : ( تفتأ تذكر يوسف ) قال : لا تزال تذكر يوسف.
19682 - حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال ، حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة : ( تفتأ تذكر يوسف ، ) قال : لا تزال تذكر يوسف. (1)
* * *
يقال منه : " ما فَتِئت أقول ذاك " ، " وما فَتَأت " لغة ، " أفْتِئُ وأفْتَأ فَتأً وفُتوُءًا " (2) . وحكي أيضًا : " ما أفتأت به " ، ومنه قول أوس بن حجر :
فَمَا فَتِئَتْ حَتَّى كأَنَّ غُبَارَهَا... سُرَادِقُ يَوْمٍ ذِي رِيَاحٍ تَرَفَّعُ (3)
وقوله الآخر
__________
(1) الأثر : 19682 - هذا الأثر مكرر في المطبوعة والمخطوطة بإسناده ولفظه ، وبين أنه سهو من الناسخ ، فحذفته .
(2) قوله : " أفتئ " ، هكذا جاءت في المخطوطة والمطبوعة ، و ليس في كتب اللغة ما يؤيد هذا الذي قاله أبو جعفر ، وهو غريب جدًا .
(3) ديوانه ، البيت : 17 ، القصيدة : 12 ، اللسان ( شرم ) ، وروايته فيهما : " فما فتئت خيل كأن غبارها " .

(16/220)


(1)
فَمَا فَتِئَتْ خَيْلٌ تَثُوبَ وَتَدَّعِي... وَيَلْحَقُ مِنْهَا لاحِقٌ وتَقَطَّعُ (2)
بمعنى : فما زالت.
وحذفت " لا " من قوله : ( تفتأ ) وهي مرادة في الكلام ، لأن اليمين إذا كان ما بعدها خبرًا لم يصحبها الجحد ، ولم تسقط " اللام " التي يجاب بها الأيْمان ، وذلك كقول القائل : " والله لآتينَّك " ، وإذا كان ما بعدها مجحودًا تُلُقِّيت بـ " ما " أو بـ " لا " . فلما عرف موقعها حُذِفت من الكلام ، لمعرفة السامع بمعنى الكلام ، (3) ومنه قول امرئ القيس :
فَقُلْتُ يَمِينَ اللهِ أبْرَحُ قَاعِدًا... وَلَوْ قَطَّعُوا رَأْسِي لَدَيْكِ وأوْصَالِي (4)
فحذفت " لا " من قوله : " أبرح قاعدًا " ، لما ذكرت من العلة ، كما قال الآخر :
فَلا وأَبِي دَهْمَاءَ زَالَتْ عَزِيزَةً... عَلَى قَوْمِهَا مَا فَتَّلَ الزَّنْدَ قَادِحُ (5)
يريد : لا زالت .
* * *
وقوله : ( حتى تكون حرضًا ، ) يقول : حتى تكون دَنِفَ الجسم مخبولَ العقل.
* * *
وأصل الحرض : الفساد في الجسم والعقل من الحزن أو العشق ، ومنه قول العَرْجيّ :
__________
(1) هو قول أوس بن حجر أيضًا .
(2) ديوانه القصيدة : 17 ، البيت : 10 ، الجمهرة 3 : 287 ، ومجاز القرآن لأبي عبيدة 1 : 316 ، والمعاني الكبير : 1002 .
(3) انظر معاني القرآن للفراء في تفسير الآية .
(4) مضى البيت وتخريجه فيما سلف 4 : 425 ، ويزاد عليه معاني القرآن للفراء .
(5) معاني القرآن للفراء ، في تفسير الآية ، ومشكل القرآن : 174 ، والخزانة 4 : 45 ، 46 ، وشرح شواهد المغني : 278 ، وكان في المطبوعة والمخطوطة : " ما قبل الزند " ، وهو خطأ صرف .

(16/221)


إنِّي امْرُؤٌ لَجّ بي حُبٌّ فأَحْرَضَني... حَتَّى بَلِيتُ وحَتّى شَفَّني السَّقَمُ (1)
يعني بقوله : " فأحرضني " ، أذابني فتركني مُحْرَضًا. يقال منه : " رجل حَرَضٌ ، وامرأة حَرَضٌ ، وقوم حَرَضٌ ، ورجلان حَرَضٌ " ، على صورة واحدة للمذكر والمؤنث ، وفي التثنية والجمع. ومن العرب من يقول للذكر : " حَارِض " ، وللأنثى " حارضة " . فإذا وُصف بهذا اللفظ ثُنِّي وجُمع ، وذكِّر وأنث. وَوُحِّد " حَرَض " بكل حال ولم يدخله التأنيث ، لأنه مصدر ، فإذا أخرج على " فاعل " على تقدير الأسماء ، لزمه ما يلزم الأسماء من التثنية والجمع والتذكير والتأنيث. وذكر بعضهم سماعًا : " رجُل مُحْرَضٌ " ، إذا كان وَجِعًا ، وأنشد في ذلك بيتًا :
طَلَبَتْهُ الخَيْلُ يَوْمًا كَامِلا... وَلَوَ الْفَتْهُ لأضْحَى مُحْرَضَا (2)
وذكر أنَّ منه قول امرئ القيس :
أَرَى المَرْءَ ذَا الأذْوَادِ يُصْبِحُ مُحْرَضًا... كَإِحْرَاضِ بَكْرٍ في الدِّيَارِ مَريضِ (3)
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
*ذكر من قال ذلك :
19683 - حدثني محمد بن سعد قال ، حدثني أبي قال ، حدثني عمي قال ، حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قوله : ( حتى تكون حرضًا ) يعني : الجَهْدَ في المرض ، البالي.
19684 - حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا ابن نمير ، عن ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : ( حتى تكون حرضًا ) قال : دون الموت.
__________
(1) ديوانه : 5 ، مجاز القرآن لأبي عبيدة : 317 ، واللسان ( حرض ) .
(2) لم أجد البيت ، ولم أعرف قائله .
(3) ديوانه : 77 ، واللسان ( حرض ) .

(16/222)


19685 - حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا ابن فضيل ، عن ليث ، عن مجاهد : ( حتى تكون حرضًا ) قال : الحرض ، ما دون الموت.
19686 - حدثني المثنى قال ، حدثنا أبو حذيفة قال ، حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .
19687 - ...قال ، حدثنا إسحاق قال ، حدثنا عبد الله ، عن ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .
19688 - حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، مثله .
19689 - حدثني محمد بن عمرو قال ، حدثنا أبو عاصم قال ، حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .
19690 - حدثنا الحسن بن محمد قال ، حدثنا شبابة قال ، حدثنا ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .
19691 - حدثنا بشر قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد ، عن قتادة : ( حتى تكون حرضًا ) حتى تبلى أو تهرم.
19692 - حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال ، حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة : ( حتى تكون حرضًا ) حتى تكون هَرِمًا.
19693 - حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا عمرو ، عن أبي بكر الهذلي ، عن الحسن : ( حتى تكون حرضًا ) قال : هرمًا.
19694 - ...قال ، حدثنا المحاربي ، عن جويبر ، عن الضحاك قال : " الحرض " ، الشيء البالي.
19695 - حدثني المثنى قال ، حدثنا عمرو بن عون قال ، أخبرنا هشيم ، عن جويبر ، عن الضحاك ، في قوله : ( حتى تكون حرضًا ) قال : الحرض : الشيء البالي الفاني.
19696.... - قال ، حدثنا سويد بن نصر قال ، أخبرنا ابن المبارك

(16/223)


، عن أبي معاذ ، عن عبيد بن سليمان ، عن الضحاك : ( حتى تكون حَرَضًا ) " الحرضُ " البالي.
19697 - حدثت عن الحسين بن الفرج قال ، سمعت أبا معاذ قال ، حدثنا عبيد بن سليمان ، عن الضحاك يقول في قوله : ( حتى تكون حرضًا ) : هو البالي المُدْبر. (1)
19698 - حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا عمرو ، عن أسباط ، عن السدي : ( حتى تكون حرضًا ) باليًا.
19699 - حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق قال : لما ذكر يعقوبُ يوسفَ قالوا يعني ولده الذين حضروه في ذلك الوقت ، جهلا وظلمًا : ( تالله تفتأ تذكر يوسف حتى تكون حرضًا ، ) أي : تكون فاسدًا لا عقل لك( أو تكون من الهالكين. )
19700 - حدثني يونس قال ، أخبرنا ابن وهب قال ، قال ابن زيد ، في قوله : ( حتى تكون حرضًا أو تكون من الهالكين ) ، قال : " الحرض " : الذي قد رُدَّ إلى أرذل العمر حتى لا يعقل ، أو يهلك ، فيكون هالكًا قبل ذلك.
* * *
وقوله : ( أو تكون من الهالكين ) ، يقول : أو تكون ممن هلك بالموت .
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
*ذكر من قال ذلك :
19701 - حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا ابن فضيل ، عن ليث ، عن مجاهد : ( أو تكون من الهالكين ، ) قال : الموت.
19702 - حدثني المثنى قال ، حدثنا أبو حذيفة قال ، حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : ( أو تكون من الهالكين ، ) من الميتين.
19703 - حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا المحاربي ، عن جويبر ، عن
__________
(1) في المطبوعة : " البالي المندثر " ، وأثبت ما في المخطوطة ، وهو أجود .

(16/224)


قَالَ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (86)

الضحاك ، ( أو تكون من الهالكين ) قال : الميتين.
19704 - حدثني المثنى قال ، حدثنا عمرو بن عون قال ، أخبرنا هشيم ، عن جويبر ، عن الضحاك ، مثله .
19705 - حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا عمرو بن عون ، عن أبي بكر الهذلي ، عن الحسن : ( أو تكون من الهالكين ) ، قال : الميتين.
19706 - حدثنا بشر قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد ، عن قتادة : ( أو تكون من الهالكين ) ، قال : أو تموت.
19707 - حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال ، حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة : ( أو تكون من الهالكين ، ) قال : من الميتين.
19708 - حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا عمرو ، عن أسباط ، عن السدي : ( أو تكون من الهالكين ، ) قال : الميتين. (1)
* * *
القول في تأويل قوله تعالى : { قَالَ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ (86) }
قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره : قال يعقوب للقائلين له من ولده : ( تالله تفتأ تذكر يوسفَ حتى تكون حرضًا أو تكون من الهالكين ) : لست إليكم أشكو بثي وحزني ، وإنما أشكو ذلك إلى الله .
* * *
ويعني بقوله : ( إنما أشكو بثي ) ، ما أشكو هَمِّي وحزني إلا إلى الله.
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
__________
(1) في المطبوعة : " من الميتين " ، بزيادة " من " .

(16/225)


* ذكر من قال ذلك :
19709 - حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثني حجاج ، عن ابن جريج : ( إنما أشكو بثي ) ، قال ابن عباس : " بثي " ، همي.
19710 - حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق قال : قال يعقوب عَنْ عِلْمٍ بالله : ( إنما أشكوا بثي وحزني إلى الله وأعلم من الله ما لا تعلمون ) ، لما رأى من فظاظتهم وغلظتهم وسوء لَفْظهم له : (1) لم أشك ذلك إليكم( وأعلم من الله ما لا تعلمون ).
19711 - حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا أبو أسامة ، عن عوف ، عن الحسن : ( إنما أشكو بثي وحزني إلى الله ) قال : حاجتي وحزني إلى الله.
19712 - حدثنا الحسن بن محمد قال ، حدثنا هوذة بن خليفة قال ، حدثنا عوف ، عن الحسن ، مثله .
* * *
وقيل : إن " البثّ " ، أشد الحزن ، (2) وهو عندي من : " بَثّ الحديث " ، وإنما يراد منه : إنما أشكو خبري الذي أنا فيه من الهمِّ ، وأبثُّ حديثي وحزني إلى الله .
* * *
19713 - حدثني محمد بن عمرو قال ، حدثنا أبو عاصم قال ، حدثنا يحيى بن سعيد ، عن عوف ، عن الحسن ، ( إنما أشكو بثي ) ، قال : حزني.
19714 - حدثنا ابن بشار قال ، حدثني يحيى بن سعيد ، عن عوف ، عن الحسن : ( إنما أشكو بثي وحزني ) ، قال : حاجتي.
__________
(1) في المخطوطة والمطبوعة : " لفظهم به " ، وهو لا يستقيم ، صوابه ما أثبت ، ويعني جفاءهم فيما يخاطبونه به من الكلام .
(2) هو لفظ أبي عبيدة في مجاز القرآن 1 : 317 .

(16/226)


* * *
وأما قوله( وأعلم من الله ما لا تعلمون ) فإن ابن عباس كان يقول في ذلك فيما ذكر عنه ما : -
19715 - حدثني به محمد بن سعد قال ، حدثني أبي قال ، حدثني عمي قال ، حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، في قوله : ( وأعلم من الله ما لا تعلمون ، ) يقول : أعلم أن رؤيا يوسف صادقة ، وأني سأسجد له.
19716 - حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا عمرو ، عن أسباط ، عن السدي قال : ( إنما أشكو بثي وحزني إلى الله وأعلم من الله ما لا تعلمون ) ، قال : لما أخبروه بدعاء الملك ، أحسَّت نفسُ يعقوب وقال : ما يكون في الأرض صِدِّيق إلا نبيّ ! فطمع قال : لعله يوسف. (1)
19717 - حدثنا بشر قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد ، عن قتادة : ( قال إنما أشكو بثي وحزني إلى الله ) الآية ، ذكر لنا أن نبي الله يعقوب لم ينزل به بلاءٌ قط إلا أتى حُسْنَ ظنّه بالله من ورائه.
19718 - حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا حكام ، عن عيسى بن يزيد ، عن الحسن قال ، قيل : ما بلغ وجدُ يعقوب على ابنه ؟ قال : وجد سبعين ثكلى! . قال : فما كان له من الأجر ؟ قال : أجر مئة شهيدٍ . قال : وما ساء ظنه بالله ساعةً من ليل ولا نهارٍ.
19719 - حدثنا به ابن حميد مرة أخرى قال ، حدثنا حكام ، عن أبي معاذ ، عن يونس ، عن الحسن ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، مثله .
19720 - حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا سلمة ، عن المبارك بن مجاهد ، عن رجل من الأزد ، عن طلحة بن مصرِّف الإيامي قال ، ثلاثة لا تذْكُرْهنّ واجتنب ذكرهُنّ : لا تشك مَرَضَك ، ولا تَشكُّ مصيبتك ، ولا تزكِّ نفسك . قال :
__________
(1) هذا خبر مضطرب اللفظ ، أخشى أن يكون فيه سقط أو تحريف .

(16/227)


وأنبئت أنّ يعقوب بن إسحاق دخل عليه جار له ، فقال له : يا يعقوب ما لي أراك قد انهشمت وفنيتَ ، ولم تبلغ من السن ما بلغ أبوك ؟ قال : هَشَمني وأفناني ما ابتلاني الله به من همّ يوسف وذكره! فأوحى الله إليه : يا يعقوب أتشكوني إلى خلقي ؟ فقال : يا رب خطيئة أخطأتُها ، فاغفرها لي ! قال : فإني قد غفرت لك . وكان بعد ذلك إذا سئل قال ، ( إنما أشكو بثي وحزني إلى الله وأعلم من الله ما لا تعلمون ).
19721 - حدثنا عمرو بن علي قال ، حدثني مؤمل بن إسماعيل قال ، حدثنا سفيان ، عن حبيب بن أبي ثابت قال ، بلغني أن يعقوب كبر حتى سقط حاجبَاه على وجنتيه ، فكان يرفعهما بخِرْقَة ، فقال له رجل : ما بلغ بك ما أرى ؟ قال : طول الزمان وكثرة الأحزان . فأوحى الله إليه : يا يعقوب تشكوني ؟ قال : خطيئة فاغفرها.
19722 - حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا يحيى بن واضح قال ، حدثنا ثور بن يزيد قال : دخل يعقوب على فرعون وقد سقط حاجبَاه على عينيه ، فقال : ما بلغ بك هذا يا إبراهيم ؟ فقالوا : إنّه يعقوب ، فقال : ما بلغ بك هذا يا يعقوب ؟ قال : طول الزمان وكثرة الأحزان . فقال الله : يا يعقوب أتشكوني ؟ فقال : يا رب خطيئة أخطأتها ، فاغفرها لي.
19723 - حدثنا عمرو بن علي قال ، حدثنا عبد الوهاب قال ، حدثنا هشام ، عن ليث بن أبي سليم قال ، دخل جبريل على يوسف السجنَ ، فعرفه ، فقال : أيها المَلَكُ الحسن وجهه ، الطيبة ريحُه ، الكريمُ على ربه ، ألا تخبرني عن يعقوب أحيٌّ هو ؟ قال : نعم . قال : أيها الملك الحسنُ وجههُ ، الطيبة ريحه ، الكريم على ربه ، فما بلغ من حزنه ؟ قال : حزن سبعين مُثْكِلة . قال : أيها الملك الحسن وجهه ، الطيبة ريحه ، الكريم على ربه ، فهل في ذلك من أجر ؟ قال : أجر مئة شهيد.

(16/228)


19724 - حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، عن ليث بن أبي سليم ، عن مجاهد قال : حُدّثت أن جبريل أتى يوسف صلى الله عليه وسلم وهو بمصر في صورة رجل ، فلما رآه يوسف عرَفه ، فقام إليه : فقال : أيها الملك الطيبُ ريحه ، الطاهرُ ثيابه ، الكريم على ربه ، هل لك بيعقوب من علم ؟ قال : نعم! قال : أيها الملك الطاهر ثيابه ، الكريم على ربه ، فكيف هو ؟ قال : ذهب بصره . قال : أيها الملك الطاهر ثيابه ، الكريم على ربه ، وما الذي أذهب بصره ؟ قال : الحزنُ عليك . قال : أيها الملك الطيب ريحه ، الطاهر ثيابه ، الكريم على ربه ، فما أعطي على ذلك ؟ قال : أجر سبعين شهيدًا.
19725 - حدثني يونس بن عبد الأعلى قال ، أخبرنا ابن وهب قال ، قال أبو شريح : سمعت من يحدث أن يوسف سأل جبريل : ما بلغ من حزن يعقوب ؟ قال : حزن سبعين ثكلى . قال : فما بلغ أجره ؟ قال : أجر سبعين شهيدًا.
19726 - ... قال : أخبرنا ابن وهب قال ، أخبرني نافع بن يزيد ، عن عبيد الله بن أبي جعفر قال ، دخل جبريل على يوسف في البئر أو في السجن ، فقال له يوسف : يا جبريل ، ما بلغ حزن أبي ؟ قال : حزن سبعين ثكلى . قال : فما بلغ أجره من الله ؟ قال : أجر مئة شهيدٍ.
19727 - حدثني المثنى قال ، حدثنا إسحاق قال ، حدثنا إسماعيل بن عبد الكريم قال ، حدثني عبد الصمد بن معقل قال ، سمعت وهب بن منبه يقول : أتى جبريل يوسف بالبشرى وهو في السجن. فقال : هل تعرفني أيها الصِّدِّيق ؟ قال : أرى صورة طاهرة ورُوحًا طيبة لا تشبه أرواح الخاطئين . قال : فإني رسول رب العالمين ، وأنا الروح الأمين . قال : فما الذي أدخلك على مُدْخَل المذنبين ، وأنت أطيب الطيبين ، ورأس المقربين ، وأمين رب العالمين ؟ قال : ألم تعلم يا يوسف أن الله يطّهر البيوت بطُهْر النبيين ، وأن الأرض التي يدخلونها هي أطهر الأرَضِين ،

(16/229)


وأن الله قد طهَّر بك السجن وما حوله يا أطهر الطاهرين وابن المطهَّرين ؟ (1) إنما يتطهر بفضل طهرك وطهر آبائك الصالحين المخلَصِين! قال : كيف لي باسم الصّدِّيقين ، وتعدُّني من المخلصين ، وقد أدخلت مُدْخَل المذنبين ، وسميت في الضالين المفسدين ؟ (2) قال : لم يُفْتَتَنْ قلبُك ، ولم تطع سيدتك في معصية ربك ، ولذلك سمَّاك الله في الصديقين ، وعدّك من المخلَصين ، وألحقك بآبائك الصالحين . قال : لك علم بيعقوب أيها الروح الأمين ؟ قال : نعم ، وهبه الله الصبر الجميل ، وابتلاه بالحزن عليك ، فهو كظيم . قال : فما قَدْرُ حزنه ؟ قال : حزن سبعين ثكلى . قال : فماذا له من الأجر يا جبريل ؟ قال : قدر مئة شهيدٍ.
19728 - حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا جرير ، عن ليث ، عن ثابت البناني قال ، دخل جبريل على يوسف في السجن ، فعرفه يوسف قال ، فأتاه فسلم عليه ، فقال : أيها الملك الطيبُ ريحه ، الطاهر ثيابه ، الكريم على ربه ، هل لك من علم بيعقوب ؟ قال : نعم . قال : أيها الملك الطيبُ ريحه ، الطاهر ثيابه ، الكريم على ربه ، هل تدري ما فعل ؟ قال : ابيضَّت عيناه . قال : أيها الملك الطيب ريحه ، الطاهر ثيابه ، الكريم على ربه ، ممّ ذاك ؟ قال : من الحزن عليك. (3) قال ، أيها الملك الطيب ريحه ، الطاهر ثيابه ، الكريم على ربه ، وما بلغ من حزنه ؟ قال : حزن سبعين مُثْكِلة . قال : أيها الملك الطيب ريحه ، الطاهر ثيابه ، الكريم على ربه ، هل له على ذلك من أجر ؟ قال : نعم أجر مئة شهيدٍ.
19729 - حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا عمرو ، عن أسباط ، عن السدي قال ، أتى جبرئيل يوسف وهو في السجن فسلّم عليه ، وجاءه في صورة رجلٍ حسن
__________
(1) في المطبوعة و المخطوطة : " يا طهر الطاهرين " ، والصواب ما أثبت .
(2) في المطبوعة والمخطوطة : " وسميت بالضالين المفسدين " ، وهو لا يستقيم ، صوابه ما أثبت . وانظر بعد قوله : " وسماك الله في الصديقين " .
(3) في المخطوطة : " قال : قد ابيضت عيناه من الحزن عليك " ، وحذف ما بين الكلامين من سؤال وجواب .

(16/230)


الوجه طيّب الريح نقيّ الثياب ، فقال له يوسف : أيها المَلك الحسن وجهه ، الكريم على ربه ، الطيب ريحه ، حدثني كيف يعقوب ؟ قال : حزن عليك حزنًا شديدًا . قال : وما بلغ من حزنه ؟ قال : حزن سبعين مُثْكِلة . قال : فما بلغ من أجره ؟ قال : أجر سبعين أو مئة شهيدٍ . قال يوسف : فإلى من أوَى بعدي ؟ قال : إلى أخيك بنيامين . قال : فتراني ألقاه أبدًا ؟ قال : نعم . فبكى يوسف لما لقي أبوه بعده ، ثم قال : ما أبالي ما لقيت إنِ اللهُ أرانيه.
19730 - ... قال : حدثنا عمرو بن محمد ، عن إبراهيم بن يزيد ، عن عمرو بن دينار ، عن عكرمة قال ، أتى جبريل يوسف وهو في السجن ، فسلم عليه ، فقال له يوسف ، أيها الملك الكريم على ربه ، الطيب ريحه ، الطاهر ثيابه ، هل لك من علم بيعقوب ؟ قال : نعم ما أشد حزنه ! قال : أيها الملك الكريم على ربه ، الطيب ريحه ، الطاهر ثيابه ، ماذا لَه من الأجر ؟ قال : أجر سبعين شهيدًا . قال : أفتراني لاقيه ؟ قال : نعم . قال : فطابت نفس يوسف.
19731 - حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا جرير ، عن ليث ، عن سعيد بن جبير قال : لما دخل يعقوب على الملك وحاجباه قد سقطا على عينيه ، قال الملك : ما هذا ؟ قال : السنون والأحزان ، أو : الهموم والأحزان ، فقال ربه : يا يعقوب لم تشكوني إلى خلقي ، ألم أفعل بك وأفعل ؟
19732 - حدثنا الحسن بن يحيى قال ، أخبرنا عبد الرزاق قال ، أخبرنا الثوري ، عن عبد الرحمن بن زياد ، عن مسلم بن يسار يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال : من بثَّ لم يصبر (1) ثم قرأ : ( إنما أشكو بثي وحزني إلى الله ) .
19733 - حدثني عمرو بن عبد الحميد الآملي قال ، حدثنا أبو أسامة ،
__________
(1) في المخطوطة : " من بب فلم نصير " ، غير منقوطة وعلى الجملة حرف ( ط ) دلالة على الخطأ ، والذي في المطبوعة ، هو نص ما في الدر المنثور 4 : 31 .

(16/231)


عن هشام ، عن الحسن قال ، كان منذ خرج يوسف من عند يعقوب إلى يوم رجع ثمانون سنة ، لم يفارق الحزن قلبه ، يبكي حتى ذهبَ بصره . قال الحسن : والله ما على الأرض يومئذ خليقةٌ أكرم على الله من يعقوب صلى الله عليه وسلم.
* * *

(16/232)


يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلَا تَيْئَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ (87)

القول في تأويل قوله تعالى : { يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ (87) }
قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره : حين طمع يعقوب في يوسف ، قال لبنيه : (يا بني اذهبوا) إلى الموضع الذي جئتم منه وخلفتم أخويكم به( فتحسَّسوا من يوسف ) ، يقول : التمسوا يوسف وتعرَّفوا من خبره .
* * *
وأصل " التحسُّس " ، " التفعل " من " الحِسِّ " .
* * *
( وأخيه ) يعني بنيامين( ولا تيأسوا من روح الله ) ، يقول : ولا تقنطوا من أن يروِّح الله عنا ما نحن فيه من الحزن على يوسف وأخيه بفرَجٍ من عنده ، فيرينيهما( إنه لا ييأس من روح الله ) يقول : لا يقنط من فرجه ورحمته ويقطع رجاءه منه (1) ( إلا القوم الكافرون ) ، يعني : القوم الذين يجحدون قُدرته على ما شاءَ تكوينه .
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
*ذكر من قال ذلك :
__________
(1) انظر تفسير " اليأس " فيما سلف 9 : 516 .

(16/232)


19734 - حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا عمرو ، عن أسباط ، عن السدي : ( يا بني اذهبوا فتحسسوا من يوسف وأخيه ) ، بمصر( ولا تيأسوا من روح الله ) ، قال : من فرج الله أن يردَّ يوسف.
19735 - حدثنا بشر قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد ، عن قتادة ، في قوله : ( ولا تيأسوا من روح الله ) ، أي من رحمة الله.
19736 - حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال ، حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة نحوه .
19737 - حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق قال ، ثم إن يعقوب قال لبنيه ، وهو على حسن ظنه بربه مع الذي هو فيه من الحزن : ( يا بني اذهبوا ) إلى البلاد التي منها جئتم( فتحسسوا من يوسف وأخيه ولا تيأسوا من روح الله ) : أي من فرجه( إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون )
19738 - حدثت عن الحسين بن الفرج قال ، سمعت أبا معاذ يقول : أخبرنا عبيد بن سليمان قال ، سمعت الضحاك يقول في قوله : ( ولا تيأسوا من روح الله ) ، يقول : من رحمة الله.
19739 - حدثني يونس قال ، أخبرنا ابن وهب قال ، قال ابن زيد في قوله : ( ولا تيأسوا من روح الله ) ، قال : من فرج الله ، يفرِّج عنكم الغمّ الذي أنتم فيه
* * *

(16/233)


فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَيْهِ قَالُوا يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُزْجَاةٍ فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَا إِنَّ اللَّهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ (88)

القول في تأويل قوله تعالى : { فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَيْهِ قَالُوا يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُزْجَاةٍ فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَا إِنَّ اللَّهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ (88) }
قال أبو جعفر : وفي الكلام متروك قد استغني بذكر ما ظهر عما حذف ، وذلك : فخرجوا راجعين إلى مصر حتى صاروا إليها ، فدَخلوا على يوسف( فلما دخلوا عليه قالوا يا أيها العزيز مسنا وأهلنا الضر ) ، أي الشدة من الجدب والقحط (1) ( وجئنا ببضاعة مزجاة ) . كما : -
19740 - حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق قال ، وخرجوا إلى مصر راجعين إليها(ببضاعة مزجاة) : أي قليلة ، لا تبلغ ما كانوا يتبايعون به ، إلا أن يتجاوز لهم فيها ، وقد رأوا ما نزل بأبيهم ، وتتابعَ البلاء عليه في ولده وبصره ، حتى قدموا على يوسف. فلما دخلوا عليه قالوا : (يا أيها العزيز ) ، رَجَاةَ أن يرحمهم في شأن أخيهم (2) ( مسنا وأهلنا الضر ) .
* * *
وعنى بقوله : ( وجئنا ببضاعة مُزْجاة ) بدراهم أو ثمن لا يجوز في ثمن الطعام إلا لمن يتجاوز فيها .
* * *
وأصل " الإزجاء " : السوق بالدفع ، كما قال النابغة الذبياني :
وَهَبّتِ الرِّيحُ مِنْ تِلْقَاءِ ذِي أُرُلٍ... تُزْجِي مَعَ اللَّيْلِ مِنْ صَرَّادِهَا صِرَمَا (3)
__________
(1) انظر تفسير " الضر " فيما سلف من فهارس اللغة ( ضرر ) .
(2) في المطبوعة : " رجاء " ، وأثبت ما في المخطوطة ، وهو بمثل معناه .
(3) ديوانه : 52 ، و " ذو أرل " ، جبل بديار غطفان . و " الصراد " ، سحاب بارد رقيق تسفره الريح وتسوقه . و " الصرم " جمع صرمة ، وهي قطع السحاب . وقبل البيت : هَلاَّ سَأَلْتَ بَني ذُبْيَانَ ما حَسَبي ... إذَا الدُّخَانُ تَغَشَّى الأشْمَطَ البَرَمَا
من أبيات يذكر فيها كرمه في زمن الجدب والشتاء .

(16/234)


يعني تسوق وتدفع ; ومنه قول أعشى بني ثعلبة :
الوَاهِبُ المِئةَ الهِجَانَ وعَبْدَهَا... عُوذًا تُزَجِّي خَلْفَها أطْفَالَها (1)
وقول حاتم :
لِبَيْكِ عَلَى مِلْحَانَ ضَيْفٌ مُدَفَّعٌ... وَأَرْمَلَةٌ تُزْجِى مَعَ اللَّيلِ أَرْمَلا (2)
يعني أنها تسوقه بين يديها على ضعف منه عن المشي وعجز ; ولذلك قيل : ( ببضاعة مزجاة ) ، لأنها غير نافقة ، وإنما تُجَوَّز تجويزًا على وَضعٍ من آخذيها. (3)
* * *
وقد اختلف أهل التأويل في البيان عن تأويل ذلك ، وإن كانت معاني بيانهم متقاربة .
*ذكر أقوال أهل التأويل في ذلك :
19741 - حدثنا أبو كريب قال ، حدثنا وكيع وحدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا أبي ، عن إسرائيل ، عن سماك ، عن عكرمة ، عن ابن عباس : ( ببضاعة مزجاة ) قال : رديَّةٍ زُيُوفٍ لا تنفق حتى يُوضَع منها.
19742 - حدثنا الحسن بن محمد قال ، حدثنا عمرو بن محمد العنقزي قال ، حدثنا إسرائيل ، عن سماك ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، في قوله : ( وجئنا ببضاعة مزجاة ) ، قال : الردِيّة التي لا تنفق حتى يُوضَع منها.
__________
(1) ديوانه : 25 ، من قصيدته في قيس بن معد يكرب ، مضت منها أبيات . و " الهجان " ، الإبل الأبيض ، وهي كرام الإبل . و " العوذ " جمع عائذ ، وهي الناقة الحديثة النتاج .
(2) ليس في ديوانه ، وأنشده ابن بري غير منسوب ( اللسان : رمل ) ، وظاهر أن الشعر لحاتم ، لأن " ملحان " ، هو ابن عمه " ملحان بن حارثة بن سعد بن الحشرج الطائي " ، وكنت وقفت على أبيات من هذا الشعر ، ثم أضعتها اليوم .
(3) في المخطوطة والمطبوعة : " على نفع من آخذيها " ، والصواب ما أثبتناه ، إن شاء الله ، تدل عليه الآثار الآتية بعد . ولو قرئت " على دفع " ، فلا بأس بذلك .

(16/235)


19743 - حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا ابن عيينة ، عن عثمان بن أبي سليمان ، عن ابن أبي مليكة ، عن ابن عباس : ( وجئنا ببضاعة مزجاة ) ، قال : خَلَقٍ (1) الغِرَارة والحبلُ والشيء.
19744 - حدثنا الحسن بن يحيى قال ، أخبرنا عبد الرزاق قال ، أخبرنا ابن عيينة ، عن عثمان بن أبي سليمان ، عن ابن أبي مليكة قال ، سمعت ابن عباس ، وسئل عن قوله : ( وجئنا ببضاعة مزجاة ) ، قال : رِثَّةُ المتاع ، (2) الحبلُ والغرارةُ والشيء.
19745 - حدثني المثنى قال ، حدثنا إسحاق قال ، حدثنا عبد الرزاق قال ، أخبرنا ابن عيينة ، عن عثمان بن أبي سليمان ، عن ابن أبي مليكة ، عن ابن عباس ، مثله .
19746 - حدثنا محمد بن سعد قال ، حدثني أبي قال ، حدثني عمي قال ، حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : ( وجئنا ببضاعة مزجاة ) ، قال : " البضاعة " ، الدراهم ، (3) و " المزجاة " : غير طائل.
19747 - حدثني المثنى قال ، حدثنا عمرو بن عون قال ، أخبرنا هشيم ، عن ابن أبي زياد ، عمن حدثه ، عن ابن عباس قال ، كاسدة غير طائل.
19748 - حدثنا أبو كريب قال ، حدثنا أبو بكر بن عياش قال ، حدثنا أبو حصين ، عن سعيد بن جبير ، وعكرمة ، : ( وجئنا ببضاعة مزجاة ) ، قال سعيد : ناقصة وقال عكرمة : دراهم فُسُول. (4)
__________
(1) الخلق : البالي .
(2) الرث ( بفتح الراء ) ، والرثة ( بكسرها ) ، والرثيث : الخلق الخسيس البالي من كل شيء .
(3) انظر تفسير " البضاعة " فيما سلف : ص : 4 ، 156 .
(4) " فسول " جمع " فسل " ( بفتح فسكون ) : وهو الردئ الرذل من كل شيء . يقال : " دراهم فسول " ، أي : زيوف .

(16/236)


19749 - حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا أبو بكر بن عياش ، عن أبي حصين ، عن سعيد بن جبير وعكرمة ، مثله .
19750 - حدثنا أبو كريب قال ، حدثنا وكيع وحدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا أبي ، عن إسرائيل ، عن أبي حصين ، عن سعيد بن جبير وعكرمة : ( وجئنا ببضاعة مزجاة ) ، قال أحدهما : ناقصة . وقال الآخر : رديَّةٌ.
19751 - ... وبه قال ، حدثنا أبي عن سفيان ، عن يزيد بن أبي زياد ، عن عبد الله بن الحارث قال ، كان سَمْنًا وصُوفًا.
19752 - حدثنا الحسن قال ، حدثنا علي بن عاصم ، عن يزيد بن أبي زياد قال : سأل رجل عبد الله بن الحارث وأنا عنده عن قوله : ( وجئنا ببضاعة مزجاة ) ، قال : قليلةٌ ، متاعُ الأعراب : الصوفُ والسَّمن.
19753 - حدثنا إسحاق بن زياد القطان أبو يعقوب البصري ، قال ، حدثنا محمد بن إسحاق البلخي ، قال : حدثنا مروان بن معاوية الفزاري ، عن مروان بن عمرو العذري ، عن أبي إسماعيل ، عن أبي صالح ، في قوله : ( وجئنا ببضاعة مزجاة ) ، قالالصنوبر والحبة الخضراء. (1)
19754 - حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا جرير ، عن مغيرة ، عن يزيد بن الوليد ، عن إبراهيم ، في قوله : ( وجئنا ببضاعة مزجاة ) ، قال : قليلة ، ألا تسمع إلى قوله : " فَأَوْقِرْ رِكَابَنَا " ، وهم يقرءون كذلك. (2)
__________
(1) الأثر : 19753 - " إسحاق بن زياد القطان " ، " أبو يعقوب البصري " ، شيخ الطبري لم أجد له بعد ترجمة ، وقد مضى برقم : 14146 ، وهو هناك " العطار النصري " ، ثم في رقم : 17430 ، وهو هناك : " إسحاق بن زيادة العطار ؛ " بزيادة التاء . ولا طاقة لنا بالفصل في ذلك ، حتى نجد ما يدل عليه .
و " محمد بن إسحاق البلخي : مضى برقم : 14146 ، روى عنه هناك " إسحاق بن زياد " أيضًا .
و " مروان بن معاوية الفزاري " ، مضى مرارًا آخرها : 15446 .
أما " مروان بن عمرو العذري " ، فلم أجد له ذكرًا في كتب التراجم ، وأخشى أن كون فيه تحريف وأما " أبو إسماعيل " . فلم أتبين من يكون ، لما في هذا الإسناد من الظلمة .
(2) يعني أصحاب عبد الله بن مسعود ، كما سترى في الأثر التالي .

(16/237)


19755 - حدثني يعقوب بن إبراهيم ، قال : حدثنا هشيم ، قال ، أخبرنا مغيرة ، عن إبراهيم ، أنه قال : ما أراها إلا القليلة ، لأنها في مصحف عبد الله : " وَأَوْقِرْ رِكَابَنا " ، يعني قوله : " مزجاة " .
19756 - حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا جرير ، عن القعقاع بن يزيد ، عن إبراهيم قال ، قليلة ، ألم تسمع إلى قوله : " وَأَوْقِرْ رِكَابنَا " ؟
19757 - حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا عمرو بن محمد ، عن أبي بكر الهذلي ، عن سعيد بن جبير والحسن : بضاعة مزجاة قال سعيد : الرديّة وقال الحسن : القليلة.
19758 - حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا ابن إدريس ، عن يزيد ، عن عبد الله بن الحارث قال ، متاع الأعراب سمنٌ وصوف.
19759 - حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا ابن إدريس ، عن أبيه ، عن عطية قال ، دراهم ليست بطائل. (1)
19760 - حدثني محمد بن عمرو ، قال ، حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : ( مزجاة ) ، قال : قليلة.
19761 - حدثنا الحسن بن محمد ، قال : حدثنا شبابة ، قال : حدثنا ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : ( مزجاة ) قال : قليلة.
19762 - حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .
19763 - ... قال ، حدثنا قبيصة بن عقبة ، قال ، حدثنا سفيان ، عن يزيد بن أبي زياد ، عن عبد الله بن الحارث : ( وجئنا ببضاعة مزجاة ) قال : شيء من صوف ، وشيء من سمن.
__________
(1) ]في المخطوطة : " ليس بطائل " ، ولا بأس به .

(16/238)


19764 - ... قال ، حدثنا عمرو بن عون ، قال ، أخبرنا هشيم ، عن منصور ، عن الحسن قال : قليلة.
19765 - حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا محمد بن بكر ، عن ابن جريج ، عمن حدثه ، عن مجاهد : ( مزجاة ) قال : قليلة.
19766 - حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، مثله .
19767 - ... قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثنا أبو بكر بن عياش ، عن أبي حصين ، عن عكرمة قال : ناقصة وقال سعيد بن جبير : فُسُولٌ.
19768 - ... قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثني حجاج ، عن أبي بكر ، عن سعيد بن جبير : ( وجئنا ببضاعة مزجاة ) ، قال : رديّة.
19769 - حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا المحاربي ، عن جويبر ، عن الضحاك قال : كاسدة لا تنفق .
19770 - حدثني المثنى ، قال : حدثنا عمرو بن عون ، قالأخبرنا هشيم ، عن جويبر ، عن الضحاك قال : كاسدة.
19771 - حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا عبدة ، عن جويبر ، عن الضحاك قال : كاسدة غير طائل.
19772 - حدثت عن الحسين بن الفرج ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : حدثنا عبيد قال ، سمعت الضحاك يقول في قوله : ( ببضاعة مزجاة ) ، يقول : كاسدة غير نافقة.
19773 - حدثنا أحمد بن إسحاق ، قال ، حدثنا أبو أحمد الزبيري ، قال : حدثنا إسرائيل ، عن أبي حصين ، عن سعيد بن جبير : ( وجئنا ببضاعة مزجاة ) ، قالالناقصة وقال عكرمة : فيها تجوُّزٌ.

(16/239)


19774 - ... قال ، حدثنا إسرائيل ، عن سماك ، عن عكرمة ، عن ابن عباس قال : الدراهم الرديّة التي لا تجوز إلا بنقصان.
19775 - ... قال ، حدثنا إسرائيل ، عن أبي يحيى ، عن مجاهد قال : الدراهم الرُّذَال ، (1) التي لا تجوز إلا بنقصان. (2)
19776 - حدثنا ابن وكيع ، قال ، حدثنا عمرو ، عن أسباط ، عن السدي قال : دراهم فيها جَوازٌ.
19777 - حدثنا بشر ، قال ، حدثنا يزيد ، قال ، حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : ( وجئنا ببضاعة مزجاة ) : ، أي : يسيرة.
19778 - حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال ، حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ، مثله .
19779 - حدثنا يونس ، قال ، أخبرنا ابن وهب ، قال ، قال ابن زيد ، في قوله : ( وجئنا ببضاعة مزجاة ) قال : " المزجاة " ، القليلة.
19780 - حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق : ( وجئنا ببضاعة مزجاة ) : ، أي قليلة لا تبلغ ما كنا نشتري به منك ، إلا أن تتجاوز لنا فيها.
* * *
وقوله : ( فأوف لنا الكيل ) ..... بها (3) وأعطنا بها ما كنت تعطينا
__________
(1) ]يقال : " هذا رذل " و " هذا رذال " ( بضم الراء ) أي : دون خسيس رديء . وفي المخطوطة (الرذل) وهو مثله .
(2) الأثر (19775) في المطبوعة (إسرائيل عن ابن أبي نجيح) غير ما في المخطوطة ، فإنه كان فيها : " عن أبي يحيى " كأنه أراد أن يكتب " نجيح " ، ثم صيرها : " يحيى " ، غير منقوطة . و " أبو يحيى " ، هو : " أبو يحيى القتات الكوفي " ، وهو الذي يروي عن مجاهد ، وقد سلف برقم : 12139 ، 15697 .
(3) لا شك عندي أنه قد سقط من كلام أبي جعفر شيء في تفسير " أوف لنا " ، لم يبق منه إلا قوله : " بها " ، فلذلك وضعت هذه النقط . والمراد من ذلك ظاهر ، كأنه كتب : " فأتم لنا حقوقنا في الكيل بها ، وأعطنا ... " ، وانظر تفسير " الإيفاء " فيما سلف 12 : 224 ، 554 .

(16/240)


قبل بالثمن الجيّد والدراهم الجائزة الوافية التي لا تردّ ، كما : -
19781 - حدثنا ابن حميد ، قال ، حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق : ( فأوف لنا الكيل ) : ، أي أعطنا ما كنت تعطينا قَبْلُ ، فإن بضاعتنا مزجاة.
19782 - حدثنا ابن وكيع ، قال ، حدثنا عمرو ، عن أسباط ، عن السدي : ( فأوف لنا الكيل ) قال : كما كنت تعطينا بالدراهم الجياد.
* * *
وقوله : ( وتصدق علينا ) يقول تعالى ذكره : قالوا : وتفضل علينا بما بَيْنَ سعر الجياد والرديّة ، فلا تنقصنا من سعر طَعامك لرديِّ بضاعتنا( إن الله يجزي المتصدقين ) ، يقول : إن الله يثيب المتفضلين على أهل الحاجة بأموالهم . (1)
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
*ذكر من قال ذلك :
19783 - حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا عمرو ، عن أسباط ، عن السدي : ( وتصدق علينا ) ، قال : تفضل بما بين الجياد والرديّة.
19784 - حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثني حجاج ، عن أبي بكر ، عن سعيد بن جبير : ( فأوف لنا الكيل وتصدق علينا ) ، لا تنقصنا من السعر من أجل رديّ دراهمنا.
* * *
واختلفوا في الصدقة ، هل كانت حلالا للأنبياء قبل نبيِّنا محمد صلى الله عليه وسلم ، أو كانت حرامًا ؟
فقال بعضهم : لم تكن حلالا لأحدٍ من الأنبياء عليهم السلام .
*ذكر من قال ذلك :
19785 - حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثني حجاج ، عن أبي بكر ، عن سعيد بن جبير قال ، ما سأل نبيٌّ قطٌّ الصَّدقَة ، ولكنهم قالوا :
__________
(1) انظر تفسير " التصدق " فيما سلف 9 : 31 ، 37 ، 38 / 14 : 369 .

(16/241)


( جئنا ببضاعة مزجاة فأوف لنا الكيل وتصدق علينا ) ، لا تنقصنا من السعر.
* * *
وروي عن ابن عيينة ما : -
19786 - حدثني به الحارث ، قال : حدثنا القاسم قال : يحكى عن سفيان بن عيينة أنه سئل : هل حرمت الصدقة على أحدٍ من الأنبياء قبل النبيّ صلى الله عليه وسلم ؟ فقال : ألم تسمع قوله : ( فأوف لنا الكيل وتصدق علينا إن الله يجزي المتصدقين ).
قال الحارث : قال القاسم : يذهب ابن عيينة إلى أنهم لم يقولوا ذلك إلا والصدقة لهم حلالٌ ، وهم أنبياء ، فإن الصدقة إنما حُرِّمت على محمد صلى الله عليه وسلم ، وعليهم . (1)
* * *
وقال آخرون : إنما عنى بقوله : ( وتصدق علينا ) وتصدق علينا بردّ أخينا إلينا .
*ذكر من قال ذلك :
19787 - حدثنا القاسم ، قال ، حدثنا الحسين ، قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج ، قوله : ( وتصدق علينا ) قال : رُدَّ إلينا أخانا.
* * *
قال أبو جعفر : وهذا القول الذي ذكرناه عن ابن جريج ، وإن كان قولا له وجه ، فليس بالقول المختار في تأويل قوله : ( وتصدَّق علينا ) لأن " الصدقة " في متعارف [العرب] ، (2) إنما هي إعطاء الرجل ذا حاجةٍ بعض أملاكه ابتغاءَ ثواب الله
__________
(1) في المطبوعة : " صلى الله عليه وسلم لا عليهم " ، غير ما في المخطوطة ، كأنه ظن أن قوله : " وعليهم " ، معطوف على قوله : " إنما حرمت على محمد ... وعليهم " ، وظاهر أن المراد : " صلى الله عليه وسلم وعليهم " ، أي : وصلى عليهم .
(2) في المطبوعة : " في المتعارف " ، وفي المخطوطة : " في متعارف إنما هي " ، وفي الكلام سقط لا شك فيه ، وإنما سقط منه لأن " متعارف " هي آخر كلمة في الصفحة ، و " إنما " في أول الصفحة الأخرى ، فسها الناسخ ، فاستظهرت هذه الزيادة التي بين القوسين .

(16/242)


قَالَ هَلْ عَلِمْتُمْ مَا فَعَلْتُمْ بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذْ أَنْتُمْ جَاهِلُونَ (89)

عليه ، (1) وإن كان كلّ معروف صدقةً ، فتوجيه تأويل كلام الله إلى الأغلب من معناه في كلام من نزل القرآن بلسانه أولى وأحرى .
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال مجاهد .
19788 - حدثني الحارث ، قال ، حدثنا القاسم ، قال ، حدثنا مروان بن معاوية ، عن عثمان بن الأسود ، قال : سمعت مجاهدًا ، وسئل : هل يُكْرَهُ أن يقول الرجل في دعائه : اللهم تصدّق عليّ ؟ فقال : نعم ، إنما الصَّدقة لمن يبغي الثوابَ.
* * *
القول في تأويل قوله تعالى : { قَالَ هَلْ عَلِمْتُمْ مَا فَعَلْتُمْ بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذْ أَنْتُمْ جَاهِلُونَ (89) }
قال أبو جعفر : ذكر أن يوسف صلوات الله عليه لما قال له إخوته : ( يا أيها العزيز مسنا وأهلنا الضر وجئنا ببضاعة مزجاة فأوف لنا الكيل وتصدق علينا إن الله يجزي المتصدقين ) ، أدركته الرقّة وباح لهم بما كان يكتمهم من شأنه ، كما : -
19789 - حدثنا ابن حميد ، قال ، حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق قال ، ذكر لي أنهم لما كلموه بهذا الكلام غلبته نفسه ، فارفضَّ دمعه باكيًا ، ثم باح لهم بالذي يكتم منهم ، فقال : ( هل علمتم ما فعلتم بيوسف وأخيه إذ أنتم جاهلون ) ؟ ولم يعن بذكر أخيه ما صنعه هو فيه حين أخذه ، ولكن للتفريق بينه وبين أخيه ، إذ صنعوا بيوسف ما صنعوا.
__________
(1) في المطبوعة : " إعطاء الرجل ذا الحاجة " ، وهو خطأ وتصرف في نص المخطوطة لا وجه له والصواب ما في المخطوطة كما أثبته . وقوله : " ذا حاجة " مفعول المصدر من قوله : " إعطاء الرجل .. . " .

(16/243)


قَالُوا أَئِنَّكَ لَأَنْتَ يُوسُفُ قَالَ أَنَا يُوسُفُ وَهَذَا أَخِي قَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (90)

19790 - حدثنا ابن وكيع ، قال ، حدثنا عمرو ، قال ، حدثنا أسباط ، عن السدي : ( فلما دخلوا عليه قالوا يا أيها العزيز مسنا وأهلنا الضر ) ، الآية ، قال : فرحمهم عند ذلك ، فقال لهم : ( هل علمتم ما فعلتم بيوسف وأخيه إذ أنتم جاهلون ) ؟
* * *
قال أبو جعفر : فتأويل الكلام : هل تذكرون ما فعلتم بيوسف وأخيه ، إذ فرقتم بينهما وصنعتم ما صنعتم إذ أنتم جاهلون ؟ يعني في حال جهلكم بعاقبة ما تفعلون بيوسف ، وما إليه صائر أمره وأمركم.
* * *
القول في تأويل قوله تعالى : { قَالُوا أَئِنَّكَ لأَنْتَ يُوسُفُ قَالَ أَنَا يُوسُفُ وَهَذَا أَخِي قَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (90) }
قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره : قال إخوة يوسف له حين قال لهم ذلك يوسف : ( إنك لأنت يوسف) ؟ ، فقال : نعم أنا يوسف(وهذا أخي قد مَنَّ الله علينا) بأن جمع بيننا بعد ما فرقتم بيننا( إنه من يتق ويصبر ) ، يقولإنه من يتق الله فيراقبه بأداء فرائضه واجتناب معاصيه(ويصبر) ، يقول : ويكفّ نفسه ، فيحبسها عما حرَّم الله عليه من قول أو عمل عند مصيبةٍ نزلتْ به من الله (1) ( فإن الله لا يضيع أجر المحسنين ) ، يقول : فإن الله لا يُبْطل ثواب إحسانه وجزاء طاعته إيَّاه فيما أمره ونهاه .
* * *
وقد اختلف القرأة في قراءة قوله : ( أإنك لأنت يوسف ) .
فقرأ ذلك عامة قرأة الأمصار : ( أَإِنّكَ ) ، على الاستفهام .
__________
(1) انظر تفسير " التقوى " ، و " الصبر " فيما سلف من فهارس اللغة ( وقى ) ، ( صبر ) .

(16/244)


قَالُوا تَاللَّهِ لَقَدْ آَثَرَكَ اللَّهُ عَلَيْنَا وَإِنْ كُنَّا لَخَاطِئِينَ (91)

* * *
وذكر أن ذلك في قراءة أبيّ بن كعب : " أَوَأَنْتَ يُوسُفُ.
* * *
وروي عن ابن محيصن أنه قرأ : " إِنَّكَ لأَنْتَ يُوُسُفُ " ، على الخبر ، لا على الاستفهام .
* * *
قال أبو جعفر : والصواب من القراءة في ذلك عندنا ، قراءةُ من قرأه بالاستفهام ، لإجماع الحجّة من القرأة عليه .
* * *
19791 - حدثنا ابن حميد ، قال ، حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق قال ، لما قال لهم ذلك يعني قوله : ( هل علمتم ما فعلتم بيوسف وأخيه إذ أنتم جاهلون ) كشف الغِطاء فعرفوه ، فقالوا : ( أإنك لأنت يوسف ) ، الآية.
19792 - حدثنا القاسم ، قال ، حدثنا الحسين ، قال ، حدثني من سمع عبد الله بن إدريس يذكر ، عن ليث ، عن مجاهد ، قوله : ( إنه من يتق ويصبر ) ، يقول : من يتق معصية الله ، ويصبر على السِّجن.
* * *
القول في تأويل قوله تعالى : { قَالُوا تَاللَّهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللَّهُ عَلَيْنَا وَإِنْ كُنَّا لَخَاطِئِينَ (91) }
قال أبو جعفر : يقول جل ثناؤه : قال إخوة يوسف له : تالله لقد فضلك الله علينا ، وآثرك بالعلم والحلم والفضل( وإن كنا لخاطئين ) ، يقول : وما كنا في فعلنا الذي فعلنا بك ، في تفريقنا بينك وبين أبيك وأخيك وغير ذلك من صنيعنا الذي صنعنا بك ، إلا خاطئين يعنون : مخطئين.
* * *
يقال منه : " خَطِئَ فلان يَخْطَأ خَطَأ وخِطْأً ، وأخطأ يُخْطِئُ إِخْطاءً " ، (1)
__________
(1) انظر تفسير " خطيء " فيما سلف 2 : 110 / 6 : 134 .

(16/245)


ومن ذلك قول أمية بن الأسكر :
وَإنَّ مُهَاجِرَيْنِ تَكَنَّفَاهُ... لَعَمْرُ اللهِ قَدْ خَطِئا وحَابَا (1)
* * *
__________
(1) مضى البيت وتخريجه وتصويب روايته فيما سلف 2 : 110 / 7 : 529 ، ويزاد عليه ، مجاز القرآن 1 : 113 ، 318 ، وكان في المطبوعة والمخطوطة هنا أيضًا " وخابا " بالخاء ، وقد فسره أبو جعفر في 7 : 529 ، بمعنى : أثما ، من " الحوب " وهو الإثم ، وهو الصواب المحض إن شاء الله .

(16/246)


قَالَ لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (92)

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
*ذكر من قال ذلك :
19793 - حدثنا ابن وكيع ، قال ، حدثنا عمرو ، عن أسباط ، عن السدي قال : لما قال لهم يوسف : ( أنا يوسف وهذا أخي ) اعتذروا إليه وقالوا : ( تالله لقد آثرك الله علينا وإن كنا لخاطئين ) فيما كنا صنعنا بك.
19794 - حدثنا بشر ، قال ، حدثنا يزيد ، قال ، حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : ( تالله لقد آثرك الله علينا ) وذلك بعد ما عرَّفهم أنفسهم ، يقول : جعلك الله رجلا حليمًا.
* * *
القول في تأويل قوله تعالى : { قَالَ لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (92) }
قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره : قال يوسف لإخوته : ( لا تثريب ) يقول : لا تعيير عليكم (1) ولا إفساد لما بيني وبينكم من الحرمة وحقّ الأخوة ، ولكن لكم عندي الصفح والعفو .
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
*ذكر من قال ذلك :
19795 - حدثنا بشر قال ، حدثنا يزيد ، قال ، حدثنا سعيد ، عن قتادة قوله : ( لا تثريب عليكم ) ، لم يثرِّب عليهم أعمالهم.
19796 - حدثني المثنى قال ، حدثنا إسحاق ، قال ، حدثنا عبد الله بن الزبير ، قوله : ( لا تثريب عليكم اليوم ) ، قال : قال سفيان : لا تعيير عليكم.
19797 - حدثنا ابن حميد ، قال ، حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق : ( قال لا تثريب عليكم اليوم ) : ، أي لا تأنيب عليكم اليوم عندي فيما صنعتم.
19798 - وحدثنا ابن وكيع ، قال ، حدثنا عمرو ، عن أسباط ، عن السدي قال ، اعتذروا إلى يوسف فقال : ( لا تثريب عليكم اليوم ، ) يقول : لا أذكر لكم ذنبكم.
* * *
وقوله : ( يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين ) ، وهذا دعاء من يوسف لإخوته بأن يغفر الله لهم ذنبهم فيما أتوا إليه وركبوا منه من الظلم ، يقول : عفا الله لكم عن ذنبكم وظلمكم ، فستره عليكم( وهو أرحم الراحمين ) ، يقول : والله أرحم الراحمين لمن تاب من ذنبه ، (2) وأناب إلى طاعته بالتوبة من معصيته . كما : -
19799 - حدثنا ابن حميد ، قال ، حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق : ( يغفر الله وهو أرحم الراحمين ) حين اعترفوا بذنبهم.
* * *
__________
(1) في المطبوعة والمخطوطة : " تغيير " ، بالغين ، والصواب ما أثبته بالعين المهملة ، وهو صريح اللغة . وقد صححته في كل موضع يأتي بعد هذا .
(2) في المطبوعة والمخطوطة : " ممن تاب " ، وصواب الكلام ما أثبت .

(16/247)


اذْهَبُوا بِقَمِيصِي هَذَا فَأَلْقُوهُ عَلَى وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِيرًا وَأْتُونِي بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ (93) وَلَمَّا فَصَلَتِ الْعِيرُ قَالَ أَبُوهُمْ إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لَوْلَا أَنْ تُفَنِّدُونِ (94)

القول في تأويل قوله تعالى : { اذْهَبُوا بِقَمِيصِي هَذَا فَأَلْقُوهُ عَلَى وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِيرًا وَأْتُونِي بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ (93) }
قال أبو جعفر : ذكر أن يوسف صلى الله عليه وسلم لما عرّف نفسه إخوته ، سألهم عن أبيهم ، فقالوا : ذهب بصره من الحزن! فعند ذلك أعطاهم قميصَه وقال لهم : ( اذهبوا بقميصي هذا ) .
* * *
*ذكر من قال ذلك :
19800 - حدثنا ابن وكيع ، قال ، حدثنا عمرو ، عن أسباط ، عن السدي قال : قال لهم يوسف : ما فعل أبي بعدي ؟ قالوا : لما فاته بنيامين عمي من الحزن. قال : ( اذهبوا بقميصي هذا فألقوا على وجه أبي يأت بصيرًا وأتوني بأهلكم أجمعين ).
* * *
وقوله : ( يأت بصيرًا ) يقول : يَعُدْ بصيرًا (1) ( وأتوني بأهلكم أجمعين ) ، يقول : وجيئوني بجميع أهلكم .
* * *
القول في تأويل قوله تعالى : { وَلَمَّا فَصَلَتِ الْعِيرُ قَالَ أَبُوهُمْ إِنِّي لأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لَوْلا أَنْ تُفَنِّدُونِ (94) }
قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره : ولما فصلت عير بني يعقوب من عند يوسف متوجهة إلى يعقوب ، (2) قال أبوهم يعقوب : ( إني لأجد ريح يوسف ) .
__________
(1) هذا معنى يقيد في معاجم اللغة ، في باب " أتى " ، بمعنى : عاد وهو معنى عزيز لم يشر إليه أحد من أصحاب المعاجم التي بين أيدينا .
(2) انظر تفسير " فصل " فيما سلف 5 : 338 .

(16/248)


ذُكر أن الريح استأذنت ربها في أن تأتي يعقوب بريح يوسف قبل أن يأتيه البشير ، فأذن لها ، فأتته بها .
* * *
*ذكر من قال ذلك :
19801 - حدثني يونس ، قالأخبرنا ابن وهب ، قال : حدثني أبو شريح ، عن أبي أيوب الهوزني حَدّثه قال ، استأذنت الريح أن تأتي يعقوب بريح يوسف حين بعث بالقميص إلى أبيه قبل أن يأتيه البشير ، ففعل. قال يعقوب : ( إني لأجد ريح يوسف لولا أن تفندون ). (1)
19802 - حدثنا أبو كريب ، قال ، حدثنا وكيع ، عن إسرائيل ، عن أبي سنان ، عن ابن أبي الهذيل ، عن ابن عباس ، في قوله : ( ولما فصلت العير قال أبوهم إني لأجد ريح يوسف لولا أن تفندون ) ، قال : هاجت ريح ، فجاءت بريح يوسف من مسيرة ثمان ليالٍ ، فقال : ( إني لأجد ريح يوسف لولا أن تفندون ). (2)
19803 - حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أبي ، عن إسرائيل ، عن أبي سنان ، عن ابن أبي الهذيل ، عن ابن عباس : ( ولما فصلت العير ) قال : هاجت ريح ، فجاءت بريح قميص يوسف من مسيرة ثمان ليال.
19804 - حدثني أبو السائب ، قال : حدثنا ابن فضيل ، عن ضرار ، عن ابن أبي الهذيل قال ، سمعت ابن عباس يقول : وجد يعقوب ريح يوسف ، وهو منه على مسيرة ثمان ليال.
__________
(1) الأثر : 19801 - " أبو شريح " ، وهو : " عبد الرحمن بن شريح بن عبد الله المعافري " ، ثقة روى له الجماعة ، مضى برقم : 6199 .
وأما " أبو أيوب الهوزني " ، فلم أستطع أن أعرف من هو ، وقد ذكره الطبري بكنيته هنا ، وفي تاريخه 1 : 185 ، وساق هذا الخبر بنصه .
(2) الأثر : 19801 - " أبو سنان " ، هو الشيباني الأكبر : " ضرار بن مرة " ، ثقة ، مضى برقم : 17336 ، 17337 ، وسيأتي الخبر بعد رقم : 19804 وما بعده.
و " ابن أبي الهذيل " ، هو " عبد الله ابن أبي الهذيل العنزي " ، ثقة ، مضى برقم : 13932 .

(16/249)


19805 - حدثنا ابن وكيع والحسن بن محمد ، قالا حدثنا سفيان بن عيينة ، عن أبي سنان ، عن ابن أبي الهذيل قال ، كنت إلى جنب ابن عباس ، فسئل : من كم وجد يعقوب ريح القميص ؟ قال : من مسيرة سبع ليالٍ أو ثمان ليال.
19806 - حدثنا ابن وكيع ، قال ، حدثنا جرير ، عن أبي سنان ، عن ابن أبي الهذيل قال : قال لي أصحابي : إنك تأتي ابن عباس ، فسله لنا. قال : فقلت : ما أسأله عن شيء ، ولكن أجلس خلف السرير ، فيأتيه الكوفيون فيسألون عن حاجتهم وحاجتي ، فسمعته يقول : وجد يعقوب ريح قميص يوسف من مسيرة ثمان ليال ، قال ابن أبي الهذيل : فقلت : ذاك كمكان البصرة من الكوفة.
19807 - حدثنا الحسن بن محمد ، قال : حدثنا علي بن عاصم ، عن ضرار بن مرة ، عن عبد الله بن أبي الهذيل ، قال : سمعت ابن عباس يقول : وجد يعقوب ريح قميص يوسف من مسيرة ثمان ليال . قال : فقلت في نفسي : هذا كمكان البصرة من الكوفة
19808 - حدثنا أبو كريب ، قال ، حدثنا وكيع وحدثنا ابن وكيع ، قال ، حدثنا أبي ، عن سفيان ، عن أبي سنان ، عن ابن أبي الهذيل ، عن ابن عباس ، في قوله : ( إني لأجد ريح يوسف ) قال : وجد ريح قميص يوسف من مسيرة ثمان ليال . قال : قلت له : ذاك كما بين البصرة إلى الكوفة . واللفظ لحديث أبي كريب.
19809 - حدثنا الحسين بن محمد ، قال ، حدثنا عاصم وعلي ، قالا أخبرنا شعبة قال ، أخبرني أبو سنان ، قال ، سمعت عبد الله بن أبي الهذيل ، عن ابن عباس في هذه الآية : ( إني لأجد ريح يوسف ) ، قال : وجد ريحه من مسيرة ما بين البصرة إلى الكوفة.
19810 - حدثني المثنى ، قال : حدثنا آدم العسقلاني ، قال ، حدثنا شعبة ، قال : حدثنا أبو سنان ، قال : سمعت عبد الله بن أبي الهذيل يحدث عن ابن عباس ، مثله .

(16/250)


19811 - ... قال : حدثنا أبو نعيم ، قال : حدثنا سفيان ، عن أبي سنان ، عن عبد الله بن أبي الهذيل ، قال : كنا عند ابن عباس فقال : ( إني لأجد ريح يوسف ) قال : وجد ريح قميصه من مسيرة ثمان ليال.
19812 - حدثنا الحسن بن يحيى ، قالأخبرنا عبد الرزاق ، قالأخبرنا إسرائيل ، عن أبي سنان ، عن عبد الله بن أبي الهذيل ، قال : سمعت ابن عباس يقول : ( ولما فصلت العير ) قال : لما خرجت العير ، هاجت ريح فجاءت يعقوبَ بريح قميص يوسف ، فقال : ( إني لأجد ريح يوسف لولا أن تفندون ) قال : فوجد ريحه من مسيرة ثمان ليال.
19813 - حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، عن الحسن : ذكر لنا أنه كان بينهما يومئذ ثمانون فرسخًا ، يوسف بأرض مصر ويعقوب بأرض كنعان ، وقد أتى لذلك زمان طويل. (1)
19814 - حدثنا القاسم ، قال ، حدثنا الحسين ، قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج ، قوله : ( إني لأجد ريح يوسف ) قال : بلغنا أنه كان بينهم يومئذ ثمانون فرسخًا ، وقال : ( إني لأجد ريح يوسف ) وكان قد فارقه قبل ذلك سبعًا وسبعين سنة.
19815 - حدثنا أحمد بن إسحاق ، قال ، حدثنا أبو أحمد ، قال ، حدثنا سفيان ، عن أبي سنان ، عن عبد الله بن أبي الهذيل ، عن ابن عباس ، في قوله : ( إني لأجد ريح يوسف ) قال : وجد ريح القميص من مسيرة ثمانية أيام.
19816 - ... قال : حدثنا أبو أحمد ، قال : حدثنا إسرائيل ، عن أبي سنان ، عن عبد الله بن أبي الهذيل ، عن ابن عباس ، قوله : ( ولما فصلت العير ) قال : فلما خرجت العير هبت ريح ، فذهبت بريح قميص يوسف إلى يعقوب ،
__________
(1) قوله : " وقد أتى لذلك زمان طويل " ، يعني مدة فراق يعقوب ويوسف ، كما يظهر من الأثر التالي .

(16/251)


فقال : ( إني لأجد ريح يوسف ) قال : ووجد ريح قميصه من مسيرة ثمانية أيام.
19817 - حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق قال : لما فصلت العير من مصر استروَح يعقوب ريح يوسف ، فقال لمن عنده من ولده : ( إني لأجد ريح يوسف لولا أن تفنّدون ).
* * *
وأما قوله : ( لولا أن تفندون ) ، فإنه يعني : لولا أن تعنّفوني ، وتعجّزوني ، وتلوموني ، وتكذبوني.
ومنه قول الشاعر : (1)
يَا صَاحِبَيَّ دَعَا لَوْمِي وَتَفْنِيدِي... فَلَيْسَ مَا فَاتَ مِنْ أَمْرِي بمَرْدُودِ (2)
ويقال : " أفند فلانًا الدهر " ، وذلك إذا أفسده ، ومنه قول ابن مقبل :
دَعِ الدَّهْرَ يَفْعَلْ مَا أَرَادَ فإنَّهُ... إِذا كُلِّفَ الإفْنَاد بالنِّاسِ أَفْنَدا (3)
* * *
واختلف أهل التأويل في معناه.
فقال بعضهم : معناه : لولا أن تسفهوني.
*ذكر من قال ذلك :
19818 - حدثنا ابن وكيع ، قال ، حدثنا ابن عيينة ، عن أبي سنان ، عن ابن أبي الهذيل ، عن ابن عباس : ( لولا أن تفندون ) قال : تسفّهون.
19819 - حدثنا أبو كريب ، قال ، حدثنا وكيع وحدثنا ابن وكيع ، قال ، حدثنا أبي ، عن إسرائيل ، عن أبي سنان ، عن ابن أبي الهذيل ، عن ابن عباس ، مثله .
__________
(1) هو هانئ بن شكيم العدوي ، هكذا نسبة أبو عبيدة .
(2) مجاز القرآن 1 : 318 ، وروايته هناك : " عن أمر " ، بغير إضافة .
(3) لم أجد البيت فيما بين يدي من المراجع .

(16/252)


19820 - ... وبه قال ، حدثنا أبي ، عن سفيان ، عن خصيف ، عن مجاهد : ( لولا أن تفندون ) قال : تسفّهون.
19821 - حدثني المثنى وعلي بن داود قالا حدثنا عبد الله ، قال : حدثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس ، قوله : ( لولا أن تفندون ) يقول : تجهِّلون.
19822 - حدثنا أحمد بن إسحاق ، قال ، حدثنا أبو أحمد ، قال ، حدثنا إسرائيل ، عن أبي سنان ، عن عبد الله بن أبي الهذيل ، عن ابن عباس : ( لولا أن تفندون ) ، قال : لولا أن تسفهون.
19823 - حدثنا أحمد ، قال ، حدثنا أبو أحمد وحدثني المثنى ، قال ، حدثنا أبو نعيم قالا جميعًا : حدثنا سفيان ، عن خصيف ، عن مجاهد : ( لولا أن تفندون ) ، قال : لولا أن تسفهون.
19824 - حدثني المثنى ، قال ، حدثنا الحماني ، قال : حدثنا شريك ، عن أبي سنان ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، وسالم عن سعيد : ( لولا أن تفندون ) ، قال أحدهما : تسفهون وقال الآخر : تكذبون.
19825 - حدثني يعقوب ، قال ، حدثنا هشيم ، قال ، أخبرنا عبد الملك بن أبي سليمان ، عن عطاء : ( لولا أن تفندون ) ، قال : لولا أن تكذبون ، لولا أن تسفّهون.
19826 - حدثنا ابن وكيع ، قال ، حدثنا يزيد بن هارون ، عن عبد الملك ، عن عطاء قال ، تسفهون.
19827 - حدثنا بشر ، قال ، حدثنا يزيد ، قال ، حدثنا سعيد ، عن قتادة : ( لولا أن تفندون ) ، يقول : لولا أن تسفهون.
19828 - حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة : ( لولا أن تفندون ) ، يقول : لولا أن تسفهون.
19829 - حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال ، أخبرنا

(16/253)


إسرائيل ، عن أبي سنان ، عن عبد الله بن أبي الهذيل ، قال : سمعت ابن عباس يقول : ( لولا أن تفندون ) ، يقول : تسفهّون.
19830 - حدثنا الحسن بن محمد ، قال : حدثنا شبابة ، قال : حدثنا ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : ( لولا أن تفندون ) ، قال : ذهبَ عقله!
19831 - حدثني محمد بن عمرو ، قال ، حدثنا أبو عاصم ، قال ، حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : ( تفندون ) ، قال : قد ذهبَ عقله!
19832 - حدثني المثنى ، قال ، حدثنا أبو حذيفة ، قال ، حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد
19833 - وحدثني المثنى قال ، حدثنا إسحاق ، قال ، حدثنا عبد الله ، عن ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : ( لولا أن تفندون ) ، قال : قد ذهب عقله!
19834 - حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد : ( لولا أن تفندون ) قال : لولا أن تقولوا : ذهب عقلك!
19835 - حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق : ( لولا أن تفندون ) ، يقول : لولا أن تضعِّفوني.
19836 - حدثني يونس ، قال ، أخبرنا ابن وهب ، قال ، قال ابن زيد ، في قوله : ( لولا أن تفندون ) ، قالالذي ليس له عقل ذلك " المفنّد " ، يقول : لا يعقل. (1)
* * *
وقال آخرون : معناه : لولا أن تكذبون .
*ذكر من قال ذلك :
19837 - حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا سويد بن عمرو الكلبي ، عن شريك ، عن سالم عن سعيد : ( لولا أن تفندون ) قال : تكذبون.
__________
(1) في المطبوعة : " يقولون : لا يعقل " ، وما في المخطوطة صواب محض ، على منهاجهم .

(16/254)


19838 - ... قال : حدثنا عمرو ، عن أسباط ، عن السدي قال : لولا أن تهرِّمون وتكذبون.
19839 - ... قال : حدثنا محمد بن بكر ، عن ابن جريج ، قال : بلغني عن مجاهد قال : تكذبون.
19840 - ... قال : حدثنا عبدة ، وأبو خالد ، عن جويبر ، عن الضحاك قال : لولا أن تكذبون.
19841 - حدثت عن الحسين ، قال ، سمعت أبا معاذ ، يقول ، حدثنا عبيد بن سليمان قال ، سمعت الضحاك يقول في قوله : ( لولا أن تفندون ) تكذبون.
19842 - حدثني المثنى قال ، حدثنا عمرو قال ، أخبرنا هشيم ، عن عبد الملك ، عن عطاء في قوله : ( لولا أن تفندون ) قال : تسفهون أو تكذبون.
19843 - حدثني محمد بن سعد ، قال : حدثني أبي ، قال : حدثني عمي ، قال : حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : ( لولا أن تفندون ) ، يقول : تكذبون .
* * *
وقال آخرون : معناه تهرِّمون.
*ذكر من قال ذلك :
19844 - حدثنا أحمد بن إسحاق ، قال ، حدثنا أبو أحمد ، قال ، حدثنا إسرائيل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : ( لولا أن تفندون ) ، قال : لولا أن تهرِّمون.
19845 - حدثنا ابن وكيع ، قال ، حدثنا عبيد الله ، عن إسرائيل ، عن أبي يحيى ، عن مجاهد ، مثله .
19846 - حدثنا بشر ، قال ، حدثنا يزيد ، قال ، حدثنا سعيد ، عن قتادة ، عن الحسن قال : تهرِّمون.
19847 - حدثني يعقوب ، قال ، حدثنا هشيم ، قال ، أخبرنا أبو الأشهب ،

(16/255)


قَالُوا تَاللَّهِ إِنَّكَ لَفِي ضَلَالِكَ الْقَدِيمِ (95)

عن الحسن : ( لولا أن تفندون ) ، قال : تهرِّمون.
19848 - حدثني المثنى ، قال ، حدثنا عمرو بن عون ، قال ، أخبرنا هشيم ، عن أبي الأشهب وغيره ، عن الحسن ، مثله .
* * *
قال أبو جعفر : وقد بينا أن أصل " التفنيد " : الإفساد . وإذا كان ذلك كذلك فالضعف والهرم والكذب وذهاب العقل وكل معاني الإفساد تدخل في التفنيد ، لأن أصل ذلك كله الفساد والفساد في الجسم : الهرمُ وذهاب العقل والضعف وفي الفعل : الكذب واللوم بالباطل ، ولذلك قال جرير بن عطية :
يا عَاذِليَّ دَعَا المَلامَ وأَقْصِرَا... طَالَ الهَوَى وأَطَلْتُما التَّفْنيدا (1)
يعني : الملامة فقد تبيّن ، إذ كان الأمر على ما وصفنا ، أنّ الأقوال التي قالها من ذكرنا قولَه في قوله : ( لولا أن تفندون ) على اختلاف عباراتهم عن تأويله ، متقاربةُ المعاني ، محتملٌ جميعَها ظاهرُ التنزيل ، إذ لم يكن في الآية دليلٌ على أنه معنيٌّ به بعض ذلك دون بعض .
* * *
القول في تأويل قوله تعالى : { قَالُوا تَاللَّهِ إِنَّكَ لَفِي ضَلالِكَ الْقَدِيمِ (95) }
قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره : قال الذين قال لهم يعقوب من ولده( إني لأجد ريح يوسف لولا أن تفندون ) : تالله ، أيها الرجل ، إنك من حبّ يوسف وذكره لفي خطئك وزللك القديم (2) لا تنساه ، ولا تتسلى عنه .
__________
(1) ديوانه : 169 ، من قصيدة له طويلة ، ورواية البيت خطأ في الديوان ، صوابه ما ههنا ، " وأقصرا " ، بالراء ، من " الإقصار " ، وهو الكف عن فعل الشيء .
(2) في المخطوطة : " لفي حطامك في ذلك القديم " غير منقوطة ، والصواب ما في المطبوعة . ولكنه كتب هناك : " خطئك " مكان " خطائك " ، وهما بمعنى واحد . وسيأتي في مواضع أخرى ، سأصححها على رسم المخطوطة .

(16/256)


وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
*ذكر من قال ذلك :
19849 - حدثني المثنى قال ، حدثنا عبد الله قال ، حدثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس ، قوله : ( إنك لفي ضلالك القديم ) ، يقول : خطائك القديم.
19850 - حدثنا بشر ، قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد ، عن قتادة : ( قالوا تالله إنك لفي ضلالك القديم ) أي : من حب يوسف لا تنساه ولا تسلاه. قالوا لوالدهم كلمةً غليظة ، لم يكن ينبغي لهم أن يقولوها لوالدهم ، ولا لنبيّ الله صلى الله عليه وسلم.
19851 - حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا عمرو ، عن أسباط ، عن السدي : ( قالوا تالله إنك لفي ضلالك القديم ) ، قال : في شأن يوسف.
19852 - حدثنا أحمد قال ، حدثنا أبو أحمد ، قال ، قال سفيان : ( تالله إنك لفي ضلالك القديم ) ، قال : من حبك ليوسف.
19853 - حدثنا ابن وكيع. قال ، حدثنا عمرو ، عن سفيان ، نحوه .
19854 - حدثنا القاسم ، قال ، حدثنا الحسين ، قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج : ( قالوا تالله إنك لفي ضلالك القديم ) ، قال : في حبك القديم.
19855 - حدثنا ابن حميد ، قال ، حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق : ( قالوا تالله إنك لفي ضلالك القديم ) ، أي إنك لمن ذكر يوسف في الباطل الذي أنت عليه.
19856 - حدثني يونس قال ، أخبرنا ابن وهب ، قال ، قال ابن زيد في قوله : ( تالله إنك لفي ضلالك القديم ) ، قال : يعنون : حزنه القديم على يوسف " وفي ضلالك القديم " : لفي خطائك القديم.
* * *

(16/257)


فَلَمَّا أَنْ جَاءَ الْبَشِيرُ أَلْقَاهُ عَلَى وَجْهِهِ فَارْتَدَّ بَصِيرًا قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (96)

القول في تأويل قوله تعالى : { فَلَمَّا أَنْ جَاءَ الْبَشِيرُ أَلْقَاهُ عَلَى وَجْهِهِ فَارْتَدَّ بَصِيرًا قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ (96) }
قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره : فلما أن جاء يعقوبَ البشيرُ من عند ابنه يوسف ، وهو المبشّر برسالة يوسف ، وذلك بريدٌ ، فيما ذكر ، كان يوسف أبردَهُ إليه. (1)
* * *
وكان البريد فيما ذكر ، والبشير : يهوذا بن يعقوب ، أخا يوسف لأبيه .
*ذكر من قال ذلك :
19857 - حدثني محمد بن سعد ، قال : حدثني أبي ، قال : حدثني عمي ، قال : حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : ( فلما أن جاء البشير ألقاه على وجهه ) ، يقول : " البشير " : البريدُ.
19858 - حدثنا القاسم ، قال ، حدثنا الحسين ، قال ، حدثنا هشيم ، قال ، أخبرنا جويبر ، عن الضحاك : ( فلما أن جاء البشير ) قالالبريد .
19859 - حدثنا الحسن بن محمد قال ، حدثنا محمد بن يزيد الواسطي ، عن جويبر ، عن الضحاك : ( فلما أن جاء البشير ) ، قالالبريد.
19860 - ... قال ، حدثنا شبابة ، قال ، حدثنا ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : ( فلما أن جاء البشير ) ، قال : يهوذا بن يعقوب.
19861 - حدثني محمد بن عمرو قال ، حدثنا أبو عاصم قال ، حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : ( البشير ) قال : يهوذا بن يعقوب.
__________
(1) في المطبوعة : " برده إليه " ، وأثبت ما في المخطوطة ، وكلاهما صواب. يقال : " برد بريدًا ، وأبرده " ، أي : أرسله.

(16/258)


19862 - حدثني المثنى ، قال ، حدثنا أبو حذيفة ، قال ، حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد قال : يهوذا بن يعقوب.
19863 - ... قال : حدثنا إسحاق ، قال ، حدثنا عبد الله ، عن ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد قال : هو يهوذا بن يعقوب.
19864 - حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين ، قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج : ( فلما أن جاء البشير ) ، قال : يهوذا بن يعقوب ، كان البشير.
19865 - حدثني المثنى قال ، حدثنا إسحاق قال ، حدثنا عبد الله بن الزبير ، عن سفيان ، عن ابن جريج ، عن مجاهد : ( فلما أن جاء البشير ) ، قال : هو يهوذا بن يعقوب.
قال سفيان : وكان ابن مسعود يقرأ : " وَجَاءَ البَشِيرُ مِنْ بَيْنِ يَدَي العِيرِ " (1) .
19866 - حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا المحاربي ، عن جويبر ، عن الضحاك : ( فلما أن جاء البشير ) ، قالالبريد ، هو يهوذا بن يعقوب.
19867 - ... قال : حدثنا عمرو ، عن أسباط ، عن السدي قال ، قال يوسف : ( اذهبوا بقميصي هذا فألقوه على وجه أبي يأت بصيرا وأتوني بأهلكم أجمعين ) ، قال يهوذا : أنا ذهبتُ بالقميص ، ملطخًا بالدم إلى يعقوب فأخبرته أن يوسف أكله الذئب ، وأنا أذهب اليوم بالقميص وأخبره أنه حيٌّ فأفرحه كما أحزنته . فهو كان البشير.
19868 - حدثنا أحمد بن إسحاق ، قال : حدثنا أبو أحمد قال ، حدثنا هشيم ، عن جويبر ، عن الضحاك : ( فلما أن جاء البشير ) ، قالالبريد.
* * *
__________
(1) هذه قراءة لا يقرأ بها كما سلف مرارًا لمخالفتها ما في المصحف ، ولكن هذه فيها إشكال ، فلو صح أنها : " وجاء البشير " ، لوجب أن تكون القراءة بعدها : " فألقاه " بالفاء . وإلا وجب أن تكون القراءة : " فَلَمَّا أَنْ جَاءَ البشِيرُ مِنْ بَيْنِ يَدَي العِيرِ } .

(16/259)


قال أبو جعفر : وكان بعضُ أهل العربيّة من أهل الكوفة يقول : " أنْ " في قوله : ( فلما أن جاء البشير ) وسقوطُها ، بمعنى واحدٍ ، وكان يقول هذا في : " لما " و " حتى " خاصّة ، ويذكر أن العرب تدخلها فيهما أحيانًا وتسقطها أحيانًا ، كما قال جل ثناؤه : ( وَلَمَّا أَنْ جَاءَتْ رُسُلُنَا ) [سورة العنكبوت : 33] ، وقال في موضع آخر : ( وَلَمَّا جَاءَتْ رُسُلُنَا ) [سورة هود : 77] ، وقال : هي صلة ، (1) لا موضع لها في هذين الموضعين. يقال : " حتى كان كذا وكذا " ، أو " حتى أن كان كذا وكذا " .
* * *
وقوله : ( ألقاه على وجهه ) ، يقولألقى البشير قميص يوسف على وجه يعقوب ، كما : -
19869 - حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق : فلما أن جاء البشير ألقى القميص على وجهه.
* * *
وقوله : ( فارتد بصيرًا ) ، يقول : رجع وعادَ مبصرًا بعينيه ، (2) بعد ما قد عمي( قال ألم أقل لكم إني أعلم من الله ما لا تعلمون ) ، يقول جل وعز وجل : قال يعقوب لمن كان بحضرته حينئذ من ولده : ألم أقل لكم يا بني إني أعلم من الله أنه سيردّ عليَّ يوسف ، ويجمع بيني وبينه ، وكنتم لا تعلمون أنتم من ذلك ما كنت أعلمه ، لأن رؤيا يوسف كانت صادقة ، وكان الله قد قضى أن أخِرَّ أنا وأنتم له سجودًا ، فكنت مُوقنًا بقضائه .
* * *
__________
(1) قوله : " صلة " ، أي زيادة ، وانظر ما سلف : 1 : 190 ، 405 ، 406 ، 548 . 4 : 289 / 5 : 460 ، 462 / 7 : 340 ، 341 / 12 : 325 ، 326 / 13 : 508 / 14 : 30 / 15 : 497 .
(2) انظر تفسير " ارتد " فيما سلف 3 : 163 / 4 : 316 / 10 : 170 ، 409 ، 410 .

(16/260)


قَالُوا يَا أَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ (97) قَالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (98)

القول في تأويل قوله تعالى : { قَالُوا يَا أَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ (97) قَالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (98) }
قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره : قال ولد يعقوبَ الذين كانوا فرَّقوا بينه وبين يوسف : يا أبانا سل لنا ربك يعفُ عنَّا ، ويستر علينا ذنوبنا التي أذنبناها فيك وفي يوسف ، فلا يعاقبنا بها في القيامة ( إنا كنا خاطئين ) ، فيما فعلنا به ، فقد اعترفنا بذنوبنا ( قال سوف أستغفر لكم ربي ) ، يقول جل ثناؤه : قال يعقوب : سوف أسأل ربي أن يعفو عنكم ذنوبكم التي أذنبتموها فيّ وفى يوسف.
* * *
ثم اختلف أهل العلم ، (1) في الوقت الذي أخَّر الدعاء إليه يعقوبُ لولده بالاستغفار لهم من ذنبهم.
فقال بعضهم : أخَّر ذلك إلى السَّحَر .
* ذكر من قال ذلك :
19870 - حدثني أبو السائب ، قال : حدثنا ابن إدريس ، قال : سمعت عبد الرحمن بن إسحاق ، يذكر ، عن محارب بن دثار ، قال : كان عمٌّ لي يأتي المسجدَ ، فسمع إنسانًا يقول " : اللهم دعوتني فأجبت وأمرتني فأطعت ، وهذا سَحَرٌ ، فاغفر لي " قال : فاستمع الصوت فإذا هو من دار عبد الله بن مسعود. فسأل عبد الله عن ذلك ، فقال : إن يعقوب أخَّر بنيه إلى السحر بقوله : ( سوف أستغفر لكم ربي). (2)
__________
(1) في المطبوعة : " أهل التأويل " ، وأثبت ما في المخطوطة .
(2) الأثر : 19870 - " عبد الرحمن بن إسحاق بن سعد الواسطي " ، " أبو شيبة " ، قال أحمد : ليس بشيء ، منكر الحديث ، وضعفه الباقون . مترجم في التهذيب ، وابن أبي حاتم 2 / 2 / 213 .
و " محارب بن دثار السدوسي " ، " أبو مطرف " ، ثقة ، مضى برقم : 11331 .

(16/261)


19871 - حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا ابن فضيل ، عن عبد الرحمن بن إسحاق ، عن محارب بن دثار ، عن عبد الله بن مسعود : ( سوف أستغفر لكم ربي ) ، قال : أخَّرهم إلى السَّحر.
19872 - .... قال : حدثنا أبو سفيان الحميري ، عن العوام ، عن إبراهيم التيميّ في قول يعقوب لبنيه : ( سوف أستغفر لكم ربي ) ، قال : أخّرهم إلى السحر. (1)
19873 - .... قال : حدثنا عمرو ، عن خلاد الصفار ، عن عمرو بن قيس : ( سوف أستغفر لكم ربي ) ، قال : في صلاة الليل.
19874 - حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج : ( سوف أستغفر لكم ربي ) ، قال : أخَّر ذلك إلى السَّحر.
* * *
وقال آخرون : أخَّر ذلك إلى ليلة الجمعة .
* ذكر من قال ذلك :
19875 - حدثني المثنى ، قال : حدثنا سليمان بن عبد الرحمن أبو أيوب الدمشقي ، قال : حدثنا الوليد ، قال : أخبرنا ابن جريج ، عن عطاء وعكرمة ، عن ابن عباس ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( سوف أستغفر لكم ربي ) ، يقول : حتى تأتي ليلة الجمعة . وهو قول ، أخي يعقوب لبنيه. (2)
__________
(1) الأثر : 19872 - " أبو سفيان الحميري " ، هو " سعيد بن يحيى بن مهدي " صدوق ، مضى برقم : 12193 .
(2) الأثر : 19875 - " سليمان بن عبد الرحمن التميمي " ، " أبو أيوب الدمشقي " ، ثقة ، ولكنه حدث بالمناكير ، متكلم في روايته عن غير الثقات ، مضى برقم : 14212 .
و " الوليد بن مسلم الدمشقي القرشي " ، ثقة ، روى له الجماعة ، مضى مرارًا ، آخرها : 13461 .
وسائر رجال الخبر ثقات ، وقد ذكره ابن كثير في تفسيره 4 : 477 ، ثم قال : " وهذا غريب من هذا الوجه ، وفي رفعه نظر ، والله أعلم " .
وهذا الحديث ، من حديث الوليد بن مسلم ، رواه الترمذي من طريق أحمد بن الحسن ، عن سليمان بن عبد الرحمن الدمشقي ، عن الوليد بن مسلم ، في باب (أحاديث شتى من أبواب الدعوات) ، وهو حديث طويل جدًا ، وقال الترمذي : " هذا حديث حسن غريب ، لا نعرفه إلا من حديث الوليد بن مسلم " .
ورواه الحاكم في المستدرك 1 : 316 . من هذه الطريق نفسها ثم قال : " هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ، ولم يخرجاه " .
وقد علق الذهبي فقال : " هذا حديث منكر شاذ ، أخاف لا يكون موضوعًا ، وقد حيرني والله جودة سنده ، فإن الحاكم قال فيه : حدثنا أبو النضر محمد بن محمد الفقيه ، وأحمد بن محمد العنزي قالا حدثنا عثمان بن سعيد الدارمي (ح) وحدثني أبو بكر بن محمد بن جعفر المزكي ، حدثنا محمد بن إبراهيم العبدي ، قالا حدثنا أيوب سليمان بن عبد الرحمن الدمشقي ، حدثنا الوليد بن مسلم ، فذكره مصرحًا بقوله : " حدثنا ابن جريج " ، فقد حدث به سليمان قطعًا وهو ثبت ، فالله أعلم " .
وهذا الإشكال الذي حير الذهبي ، ربما فسره ما قال يعقوب بن سفيان ، في سليمان بن عبد الرحمن : " كان صحيح الكتاب ، إلا أنه كان يحول ، فإن وقع فيه شيء فمن النقل ، وسليمان ثقة " . فإن صح هذا فربما كان هذا الحديث مما وهم في تحويله ، لأن أسانيد هذا الخبر تدور كلها على " سليمان بن عبد الرحمن " ، ولم نجد أحدًا رواه عن الوليد بن مسلم : غير سليمان . والله أعلم.
وسيأتي بإسناد آخر يليه.

(16/262)


19876 - حدثنا أحمد بن الحسن الترمذي ، قال : حدثنا سليمان بن عبد الرحمن الدمشقي ، قال : حدثنا الوليد بن مسلم ، قال : أخبرنا ابن جريج ، عن عطاء وعكرمة مولى ابن عباس ، عن ابن عباس ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : قد قال أخي يعقوب : ( سوف أستغفر لكم ربي ) ، يقول : حتى تأتي ليلة الجمعة. (1)
* * *
وقوله : ( إنه هو الغفور الرحيم ) ، يقول : إن ربي هو الساتر على ذنوب التائبين إليه من ذنوبهم " الرحيم " ، بهم أن يعذبهم بعد توبتهم منها .
* * *
__________
(1) الأثر : 19876 - هذا مكرر الذي سلف.
و " أحمد بن الحسن الترمذي " ، شيخ الطبري ، كان أحد أوعية الحديث ، مضى برقم : 7489 ، 14212 .

(16/263)


فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَى يُوسُفَ آَوَى إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ وَقَالَ ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آَمِنِينَ (99) وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّدًا وَقَالَ يَا أَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجَاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِمَا يَشَاءُ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (100)

القول في تأويل قوله تعالى : { فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَى يُوسُفَ آوَى إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ وَقَالَ ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ (99) وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّدًا وَقَالَ يَا أَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجَاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ مِنْ بَعْدِ أَنْ نزغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِمَا يَشَاءُ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (100) }
قال أبو جعفر : يقول جل ثناؤه : فلما دخل يعقوب وولده وأهلوهم على يوسف (آوى إليه أبويه ) ، يقول : ضم إليه أبويه (1) فقال لهم : ( ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين ) .
* * *
فإن قال قائل : وكيف قال لهم يوسف : ( ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين ) ، بعد ما دخلوها ، وقد أخبر الله عز وجل عنهم أنهم لما دخلوها على يوسف وضَمّ إليه أبويه ، قال لهم هذا القول ؟
قيل : قد اختلف أهل التأويل في ذلك.
فقال بعضهم : إن يعقوب إنما دخل على يوسف هو وولده ، وآوى يوسف أبويه إليه قبل دخول مصر. قالوا : وذلك أن يوسف تلقَّى أباه تكرمةً له قبل أن يدخل مصر ، فآواه إليه ، ثم قال له ولمن معه : ( ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين ) ، بها قبل الدخول .
* ذكر من قال ذلك :
__________
(1) انظر تفسير " الإيواء " فيما سلف ص : 169 ، تعليق : 1 ، " والمراجع هناك .

(16/264)


19877 - حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا عمرو ، عن أسباط ، عن السدي : فحملوا إليه أهلهم وعيالهم ، فلما بلغوا مصر ، كلَّم يوسف الملك الذي فوقه ، فخرج هو والملوك يتلقَّونهم ، فلما بلغوا مصر قال : ( ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين ) ( فلما دخلوا على يوسف آوى إليه أبويه ).
19878 - حدثني الحارث ، قال : حدثنا عبد العزيز ، قال : حدثنا جعفر بن سليمان ، عن فرقد السبخي ، قال : لما ألقي القميص على وجهه ارتد بصيرًا ، وقال : ( ائتوني بأهلكم أجمعين ) ، فحمل يعقوب وإخوة يوسف ، فلما دنا أخبر يوسف أنه قد دنا منه ، فخرج يتلقاه. قال : وركب معه أهلُ مصر ، وكانوا يعظمونه. فلما دنا أحدهما من صاحبه ، وكان يعقوب يمشي وهو يتوكأ على رجل من ولده يقال له يهوذا. قال : فنظر يعقوب إلى الخيل والناس ، فقال : يا يهوذا ، هذا فرعون مصر ؟ قال : لا هذا ابنك! قال : فلما دنا كل واحد منهما من صاحبه ، فذهب يوسف يبدؤه بالسلام ، فمنع من ذلك ، وكان يعقوب أحقّ بذلك منه وأفضل ، فقال : السلام عليك يا ذاهب الأحزان عني هكذا قال : " يا ذاهب الأحزان عني " . (1)
19879 - حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : قال حجاج : بلغني أن يوسف والملك خرجا في أربعة آلاف يستقبلون يعقوب وبنيه.
قال : وحدثني من سمع جعفر بن سليمان يحكي ، عن فرقد السبخي ، قال : خرج يوسف يتلقى يعقوب ، وركب أهل مصر مع يوسف ثم ذكر بقية الحديث ، نحو حديث الحارث ، عن عبد العزيز.
* * *
__________
(1) يعني أنه قال ذلك معديًا " ذهب " من قولهم " ذهب به ، وأذهبه " ، أي : أزاله كأنه قال : يا مذهب الأحزان عني . وهذا غريب ، يقيد لغرابته ، وانظر إلى دقة الرواية عندنا ، حتى في مثل هذه الأخبار ، ولكن أهل الزيغ يريدون أن يعبثوا بهذه الدلائل الواضحة ، ليقع الناس في الشك في أخبار نبيهم ، وفي رواية رواتهم ، والله من ورائهم محيط .

(16/265)


وقال آخرون : بل قوله : ( إن شاء الله ) ، استثناءٌ من قول يعقوب لبنيه : ( استغفر لكم ربي ) . قال : وهو من المؤخر الذي معناه التقديم. قالوا : وإنما معنى الكلام : قال : أستغفر لكم ربي إن شاء الله إنه هو الغفور الرحيم . فلما دخلوا على يوسف آوى إليه أبويه ، وقال ادخلوا مصر ، ورفع أبويه .
* ذكر من قال ذلك :
19880 - حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج : ( قال سوف أستغفر لكم ربي إن شاء الله آمنين وبَيْن ذلك ما بينه من تقديم القرآن.
* * *
قال أبو جعفر : يعني ابن جريج : " وبين ذلك ما بينه من تقديم القرآن " ، أنه قد دخل بين قوله : ( سوف أستغفر لكم ربي ) ، وبين قوله : ( إن شاء الله ) ، من الكلام ما قد دخل ، وموضعه عنده أن يكون عَقِيب قوله : ( سوف أستغفر لكم ربي ) .
* * *
قال أبو جعفر : والصواب من القول في ذلك عندنا ما قاله السدي ، وهو أن يوسف قال ذلك لأبويه ومن معهما من أولادهما وأهاليهم قبل دخولهم مصر حين تلقَّاهم ، لأن ذلك في ظاهر التنزيل كذلك ، فلا دلالة تدل على صحة ما قال ابن جريج ، ولا وجه لتقديم شيء من كتاب الله عن موضعه أو تأخيره عن مكانه إلا بحجّة واضحةٍ .
* * *
وقيل : عُنِي بقوله : ( آوى إليه أبويه ) : ، أبوه وخالتُه. وقال الذين قالوا هذا القول : كانت أم يوسف قد ماتت قبلُ ، وإنما كانت عند يعقوب يومئذ خالتُه أخت أمه ، كان نكحها بعد أمِّه.
* ذكر من قال ذلك :

(16/266)


19881 - حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا عمرو ، عن أسباط ، عن السدي : ( فلما دخلوا على يوسف آوى إليه أبويه ) ، قال : أبوه وخالته.
* * *
وقال آخرون : بل كان أباه وأمه .
* ذكر من قال ذلك :
19882 - حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق : ( فلما دخلوا على يوسف آوى إليه أبويه ) ، قال : أباه وأمه.
* * *
قال أبو جعفر : وأولى القولين في ذلك بالصواب ما قاله ابن إسحاق ; لأن ذلك هو الأغلب في استعمال الناس والمتعارف بينهم في " أبوين " ، إلا أن يصح ما يقال من أنّ أم يوسف كانت قد ماتت قبل ذلك بحُجة يجب التسليم لها ، فيسلّم حينئذ لها.
* * *
وقوله : ( وقال ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين ) ، مما كنتم فيه في باديتكم من الجدب والقحط.
* * *
وقوله : ( ورفع أبويه على العرش ) ، يعني : على السرير ، كما : -
19883 - حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا عمرو ، عن أسباط ، عن السدي : ( ورفع أبويه على العرش ) ، قال : السرير.
19884 - حدثنا الحسن بن محمد ، قال : حدثنا محمد بن يزيد الواسطي ، عن جويبر ، عن الضحاك ، قال : " العرش " ، السرير.
19885 - .... قال : حدثنا شبابة ، قال : حدثنا ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : ( ورفع أبويه على العرش ) ، قال : السرير.
19886 - حدثنا محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا

(16/267)


عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .
19887 - حدثني المثنى ، قال : أخبرنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل عن ابن أبي نجيح عن مجاهد
19888 - وحدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق ، قال : حدثنا عبد الله ، عن ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد مثله .
19889 - حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، مثله .
19890 - حدثني المثنى ، قال : أخبرنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد
19891 - وحدثني المثنى ، قال : حدثنا إسحاق ، قال : حدثنا عبد الله ، عن ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله.
19892 - حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، مثله .
19893 - حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : ( ورفع أبويه على العرش ) ، قال : سريره.
19894 - حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة : ( على العرش ) ، قال : على السرير.
19895 - حدثني محمد بن سعد ، قال : حدثني أبي ، قال : حدثني عمي ، قال : حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس : ( ورفع أبويه على العرش ) ، يقول : رفع أبويه على السرير.
19896 - حدثنا أحمد بن إسحاق ، قال : حدثنا أبو أحمد ، قال : قال سفيان : ( ورفع أبويه على العرش ) ، قال : على السرير.

(16/268)


19897 - حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : ( ورفع أبويه على العرش ) ، قال : مجلسه.
19898 - حدثني ابن عبد الرحيم البرقي ، قال : حدثنا عمرو بن أبي سلمة ، قال : سألت زيد بن أسلم ، عن قول الله تعالى : ( ورفع أبويه على العرش ) ، فقلت : أبلغك أنها خالته ؟ قال : قال ذلك بعض أهل العلم ، يقولون : إن أمّه ماتت قبل ذلك ، وإن هذه خالته.
* * *
وقوله : ( وخرّوا له سجدًا ) ، يقول : وخرّ يعقوب وولده وأمّه ليوسف سجّدًا.
* * *
19899 - حدثني محمد بن سعد ، قال : حدثني أبي ، قال : حدثني عمي ، قال : حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس : ( وخرُّوا له سجدًا ) ، يقول : رفع أبويه على السرير ، وسجدا له ، وسجد له إخوته.
19900 - حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، قال : تحمّل يعني يعقوب بأهله حتى قدموا على يوسف ، فلما اجتمع إلى يعقوب بنوه ، دخلوا على يوسف ، فلما رأوه وقعوا له سجودًا ، وكانت تلك تحية الملوك في ذلك الزمان أبوه وأمه وإخوته.
19901 - حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : ( وخروا له سجّدًا ) وكانت تحية من قبلكم ، كان بها يحيِّي بعضهم بعضًا ، فأعطى الله هذه الأمة السلام ، تحية أهل الجنة ، كرامةً من الله تبارك وتعالى عجّلها لهم ، ونعمة منه.
19902 - حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة : ( وخروا له سجدًا ) ، قال : وكانت تحية الناس يومئذ أن يسجد بعضهم لبعض.

(16/269)


19903 - حدثنا أحمد بن إسحاق ، قال : حدثنا أبو إسحاق ، قال : قال سفيان : ( وخرّوا له سجدًا ) ، قال : كانت تحيةً فيهم.
19904 - حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج : ( وخروا له سجدًا ) ، أبواه وإخوته ، كانت تلك تحيّتهم ، كما تصنع ناسٌ اليومَ.
19905 - حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا المحاربي ، عن جويبر ، عن الضحاك : ( وخروا له سجدًا ) قال : تحيةٌ بينهم.
19906 - حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد في قوله : ( وخرُّوا له سجدًا ) ، قال : قال : ذلك السجود لشرَفه ، كما سجدت الملائكة لآدم لشرفه ، ليس بسجود عبادةٍ.
* * *
وإنما عنى من ذكر بقوله : " إن السجود كان تحية بينهم " ، أن ذلك كان منهم على الخُلُق ، لا على وجه العبادة من بعضهم لبعض. ومما يدل على أن ذلك لم يزل من أخلاق الناس قديمًا قبل الإسلام على غير وجه العبادة من بعضهم لبعض ، قول أعشى بني ثعلبة :
فَلَمَّا أَتَانَا بُعَيْدَ الكَرَى... سَجَدْنَا لَهُ وَرَفَعْنَا عَمَارَا (1)
* * *
__________
(1) ديوان : 39 ، وهذا البيت من قصيدته في تمجيد قيس بن معد يكرب ، وكان خرج معه في بعض غاراته ، فكاد الأعشى أن يؤسر ، فاستنقذه قيس ، فذكر ذلك فقال : فَيَا لَيْلَةً لِيَ فِي لَعْلَعٍ ... كَطَوْفِ الغَرِيبِ يَخَافُ الإسَارَا
فلمَّا أَتَانا ............ ... . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
و " لعلع " مكان بين الكوفة والبصرة . يذكر في البيت الأول قلقه وشدة نزاعه وحيرته ، لما تأخر قيس ، وقد كاد هو يقع في أسر العدو ، فلما جاء قيس استنقذه ومن معه ، فسجدوا له وحيوه . و " العمار " مختلف في تفسير قيل : هو العمامة أو القلنسوة ، وقيل الريحان يرفع للملك يحيا به ، وقيل : رفعنا أصواتنا بقولنا : " عمرك الله " .
وفي المطبوعة : " ورفعنا العمارا " ، واثبت ما في المخطوطة ، وهو الموافق لرواية الديوان وغيره من المراجع .

(16/270)


وقوله : ( يا أبت هذا تأويل رؤياي من قبل قد جعلها ربي حقًّا ) ، يقول جل ثناؤه : قال يوسف لأبيه : يا أبت ، هذا السجود الذي سجدتَ أنت وأمّي وإخوتي لي( تأويل رؤياي من قبل ) ، يقول : ما آلت إليه رؤياي التي كنت رأيتها ، (1) وهي رؤياه التي كان رآها قبل صنيع إخوته به ما صنعوا : أنَّ أحد عشر كوكبًا والشمس والقمر له ساجدون ( قد جعلها ربي حقًّا ) ، يقول : قد حقّقها ربي ، لمجيء تأويلها على الصحَّة.
* * *
وقد اختلف أهل العلم في قدر المدة التي كانت بين رؤيا يوسف وبين تأويلها.
فقال بعضهم : كانت مدّةُ ذلك أربعين سنة .
* ذكر من قال ذلك :
19907 - حدثني محمد بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا المعتمر ، عن أبيه ، قال : حدثنا أبو عثمان ، عن سلمان الفارسي ، قال : كان بين رؤيا يوسف إلى أن رأى تأويلها أربعون سنة.
19908 - حدثني يعقوب بن برهان ويعقوب بن إبراهيم ، قالا حدثنا ابن علية قال : حدثنا سليمان التيمي ، عن أبي عثمان النهدي ، قال : قال عثمان : كانت بين رؤيا يوسف وبين أن رأى تأويله. قال : فذكر أربعين سنة. (2)
19909 - حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا ابن علية ، عن التيمي ، عن أبي عثمان ، عن سلمان ، قال : كان بين رؤيا يوسف وتأويلها أربعون سنة.
__________
(1) انظر تفسير " التأويل " فيما سلف ص : 119 ، تعليق : 1 ، والمراجع هناك .
(2) الأثر : 19908 - " يعقوب بن برهان " ، شيخ الطبري ، لم أجد له ذكرًا في شيء من دواوين الرجال .
وأنا أخشى أن يكون هو : " يعقوب بن ماهان " ، شيخ الطبري أيضًا ، روى عنه فيما سلف رقم : 4901 ، وقال : " حدثني يعقوب بن إبراهيم ، يعقوب بن ماهان ، قالا ، حدثنا هشيم ... " ، وهو شبيه بهذا الإسناد كما ترى ، وكأن الناسخ أساء القراءة ، فنقل مكان " ماهان " " برهان " .

(16/271)


19910 - حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو نعيم ، قال : حدثنا سفيان ، عن أبي سنان ، عن عبد الله بن شداد ، قال : رأى تأويل رؤياه بعد أربعين عامًا.
19911 - .... قال : حدثنا سفيان ، عن سليمان التيمي ، عن أبي عثمان ، عن سلمان ، مثله .
19912 - حدثني أبو السائب ، قال : حدثنا ابن فضيل ، عن ضرار ، عن عبد الله بن شداد أنه سمع قومًا يتنازعون في رؤيا رآها بعضهم وهو يصلي ، فلما انصرف سألهم عنها ، فكتموه ، فقال : أما إنه جاء تأويل رؤيا يوسف بعد أربعين عامًا.
19913 - حدثنا أبو كريب ، قال ، حدثنا وكيع وحدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أبي عن إسرائيل ، عن ضرار بن مرة أبي سنان ، عن عبد الله بن شداد ، قال : كان بين رؤيا يوسف وتأويلها أربعون سنة.
19914 - حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا ابن فضيل وجرير ، عن أبي سنان ، قال : سمع عبد الله بن شداد قومًا يتنازعون في رؤيا ، فذكر نحو حديث أبي السائب ، عن ابن فضيل .
19915 - حدثنا أحمد ، قال : حدثنا أبو أحمد ، قال : حدثنا سفيان ، عن سليمان التيمي ، عن أبي عثمان ، عن سلمان ، قال : رأى تأويل رؤياه بعد أربعين عامًا.
19916 - حدثنا الحسن بن محمد ، قال : أخبرنا ابن عيينة ، عن أبي سنان ، عن عبد الله بن شداد ، قال : وقعت رؤيا يوسف بعد أربعين سنة ، وإليها ينتهي أقصى الرؤيا. (1)
19917 - .... قال : حدثنا معاذ بن معاذ ، قال : حدثنا سليمان
__________
(1) في المطبوعة : " وإليها تنتهي أيضًا الرؤيا " ، وهو كلام فارغ ، ولم يحسن قراءة المخطوطة ، لأنها غير منقوطة ، ولأن رسم " أقصى " فيها : " أنصا " .

(16/272)


التيمي ، عن أبي عثمان ، عن سلمان ، قال : كان بين رؤيا يوسف وبين أن رأى تأويلها أربعون سنة.
19918 - .... قال ، حدثنا عبد الوهاب بن عطاء ، عن سليمان التيمي ، عن أبي عثمان ، عن سلمان ، قال : كان بين رؤيا يوسف وبين عبارتها أربعون سنة.
19919 - .... قال ، حدثنا سعيد بن سليمان ، قال : حدثنا هشيم ، عن سليمان التيمي ، عن أبي عثمان ، عن سلمان ، قال : كان بين رؤيا يوسف وبين أن رأى تأويلها أربعون سنة.
19920 - .... قال ، حدثنا سعيد بن سليمان ، قال : حدثنا هشيم ، عن سليمان التيمي ، عن أبي عثمان ، عن سلمان ، قال : كان بين رؤيا يوسف وبين أن رأى تأويلها أربعون سنة.
19921 - .... قال ، حدثنا عمرو بن محمد العنقزي ، قال : حدثنا إسرائيل ، عن أبي سنان ، عن عبد الله بن شداد ، قال : كان بين رؤيا يوسف وبين تعبيرها أربعون سنة.
* * *
وقال آخرون : كانت مدة ذلك ثمانين سنة .
* ذكر من قال ذلك :
19922 - حدثنا عمرو بن علي ، قال : حدثنا عبد الوهاب الثقفي ، قال : حدثنا هشام ، عن الحسن ، قال : كان منذ فارق يوسف يعقوب إلى أن التقيا ، ثمانون سنة ، لم يفارق الحزن قلبه ، ودموعه تجري على خديه ، وما على وجه الأرض يومئذ عبدٌ أحبَّ إلى الله من يعقوب.
19923 - حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن أبي جعفر جسر بن فرقد ، قال : كان بين أن فقد يعقوب يوسف إلى يوم رد عليه ثمانون سنة. (1)
__________
(1) الأثر : 19923 - " جسر بن فرقد " ، " أبو جعفر القصاب " ، ليس بذاك ، مضى برقم : 16940 ، 16941 ، وكان في المطبوعة هنا " حسن بن فرقد " ، لم يحسن قراءة المخطوطة .

(16/273)


19924 - حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا حسن بن علي ، عن فضيل بن عياض ، قال : سمعت أنه كان بين فراق يوسف حجر يعقوب إلى أن التقيا ، ثمانون سنة.
19925 - حدثنا الحسن بن محمد ، قال : حدثنا داود بن مهران ، قال : حدثنا عبد الواحد بن زياد ، عن يونس ، عن الحسن ، قال : ألقي يوسف في الجب وهو ابن سبع عشرة سنة ، وكان بين ذلك وبين لقائه يعقوب ثمانون سنة ، وعاش بعد ذلك ثلاثًا وعشرين سنة ، ومات وهو ابن عشرين ومائة سنة.
19926 - .... قال : حدثنا سعيد بن سليمان ، قال : حدثنا هشيم ، عن يونس ، عن الحسن ، نحوه غير أنه قال : ثلاث وثمانون سنة .
19927 - قال : حدثنا داود بن مهران ، قال : حدثنا ابن علية ، عن يونس ، عن الحسن ، قال : ألقي يوسف في الجب وهو ابن سبع عشرة سنة ، وكان في العبوديّة وفي السجن وفي الملك ثمانين سنة ، ثم جمع الله عز وجل شمله ، وعاش بعد ذلك ثلاثًا وعشرين سنة.
19928 - حدثني الحارث ، قال : حدثنا عبد العزيز ، قال : حدثنا مبارك بن فضالة ، عن الحسن ، قال : ألقي يوسف في الجب وهو ابن سبع عشرة ، فغاب عن أبيه ثمانين سنة ، ثم عاش بعدما جمع الله له شمله ورأى تأويل رؤياه ثلاثًا وعشرين سنة ، فمات وهو ابن عشرين ومائة سنة.
19929 - حدثنا مجاهد ، قال : حدثنا يزيد ، قال : أخبرنا هشيم ، عن الحسن ، قال : غاب يوسف عن أبيه في الجب وفي السجن حتى التقيا ثمانين عامًا ، فما

(16/274)


جفَّت عينا يعقوب ، وما على الأرض أحد أكرمَ على الله من يعقوب. (1)
* * *
وقال آخرون : كانت مدة ذلك ثمان عشرة سنة .
* ذكر من قال ذلك :
19930 - حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، قال : ذكر لي ، والله أعلم ، أن غيبة يوسف عن يعقوب كانت ثمان عشرة سنة. قال : وأهل الكتاب يزعمون أنها كانت أربعين سنة أو نحوها ، وأنّ يعقوب بقي مع يوسف بعد أن قدم عليه مصر سبع عشرة سنة ، ثم قبضه الله إليه.
* * *
وقوله : ( وقد أحسن بي إذ أخرجني من السجن وجاء بكم من البدو ) ، يقول جل ثناؤه ، مخبرًا عن قيل يوسف : وقد أحسن الله بي في إخراجه إياي من السجن الذي كنت فيه محبوسًا ، وفي مجيئه بكم من البدو . وذلك أن مسكن يعقوب وولده ، فيما ذكر ، كان ببادية فلسطين ، كذلك : -
* * *
19931 - حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، قال : كان منزل يعقوب وولده ، فيما ذكر لي بعض أهل العلم ، بالعَرَبات من أرض فلسطين ، ثغور الشأم. وبعضٌ يقول بالأولاج من ناحية الشِّعْب ، وكان صاحب بادية ، له إبلٌّ وشاء.
19932 - حدثنا ابن وكيع ، قال : حدنا عمرو ، قال : أخبرنا شيخ لنا أن يعقوب كان ببادية فلسطين.
19933 - حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : ( وقد أحسن بي إذ أخرجني من السجن وجاء بكم من البدو ) ، وكان يعقوب وبنوه بأرض كنعان ، أهل مواشٍ وبرّية.
__________
(1) الأثر : 19929 - " مجاهد " هذا ، هو : " مجاهد بن موسى بن فروخ الخوارزمي " ، شيخ الطبري ، مضى برقم : 510 ، 3396 .

(16/275)


19934 - حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج : ( وجاء بكم من البدو ) ، قال : كانوا أهل بادية وماشية.
* * *
و " الَبْدوُ " مصدر من قول القائل : " بدا فلان " : إذا صار بالبادية ، " يَبْدُو بَدْوًا " .
* * *
وذكر أن يعقوب دخل مصر هو ومن معه من أولاده وأهاليهم وأبنائهم يوم دخلوها ، وهم أقلّ من مائة. وخرجوا منها يوم خرجوا منها وهم زيادة على ست مائة ألف.
* ذكر الرواية بذلك :
19935 - حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا زيد بن الحباب وعمرو بن محمد ، عن موسى بن عبيدة ، عن محمد بن كعب القرظي ، عن عبد الله بن شداد ، قال : اجتمع آل يعقوب إلى يوسف بمصر وهم ستة وثمانون إنسانًا ، صغيرهم وكبيرهم ، وذكرهم وأنثاهم. وخرجوا من مصر يوم أخرجهم فرعون وهم ست مائة ألف ونَيّف.
19936 - .... قال : حدثنا عمرو ، عن إسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن أبي عبيدة ، عن عبد الله ، قال : خرج أهل يوسف من مصر وهم ست مائة ألف وسبعون ألفًا ، فقال فرعون : ( إِنَّ هَؤُلاءِ لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ ) [سورة الشعراء : 54] .
19937 - حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثني حجاج ، عن إسرائيل والمسعودي ، عن أبي إسحاق ، عن أبي عبيدة ، عن ابن مسعود ، قال : دخل بنو إسرائيل مصر وهم ثلاث وستون إنسانًا ، وخرجوا منها وهم ست مائة ألف قال إسرائيل في حديثه : ست مائة ألف وسبعون ألفًا.
19938 - حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا عمرو ، عن إسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن مسروق ، قال : دخل أهل يوسف مصر وهم ثلاث مائة وتسعون من بين رجل وامرأة.
* * *

(16/276)


وقوله : ( من بعد أن نزغ الشيطان بيني وبين إخوتي ) ، يعني : من بعد أن أفسد ما بيني وبينهم ، وجَهِل بعضنا على بعض.
* * *
يقال منه " : نزغ الشيطان بين فلان وفلان ، يَنزغ نزغًا و نزوغًا. (1)
* * *
وقوله : ( إن ربي لطيف لما يشاء ) ، يقول : إن ربي ذو لطف وصنع لما يشاء ، (2) ومن لطفه وصنعه أنه أخرجني من السجن ، وجاء بأهلي من البَدْوِ بعد الذي كان بيني وبينهم من بُعد الدار ، وبعد ما كنت فيه من العُبُودة والرِّق والإسار ، كالذي : -
19939 - حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : ( إن ربي لطيف لما يشاء ) ، لطف بيوسف وصنع له حتى أخرجه من السجن ، وجاء بأهله من البدو ، ونزع من قلبه نزغ الشيطان ، وتحريشه على إخوته.
* * *
وقوله : : ( إنه هو العليم ) ، بمصالح خلقه وغير ذلك ، لا يخفى عليه مبادي الأمور وعواقبها ( الحكيم ) ، في تدبيره.
* * *
__________
(1) انظر تفسير " نزغ " فيما سلف 13 : 333 ، وهذا المصدر الثاني " النزوخ " ، مما لم تذكره كتب اللغة ، فيجب إثباته في مكانه منها .
(2) انظر تفسير " اللطيف " فيما سلف 12 : 22 .

(16/277)


رَبِّ قَدْ آَتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ (101)

القول في تأويل قوله تعالى : { رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الأحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ (101) }
قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره : قال يوسف بعد ما جمع الله له أبويه وإخوته ، وبسط عليه من الدنيا ما بسط من الكرامة ، ومكنه في الأرض ، متشوِّقًا إلى لقاء آبائه الصالحين : ( رب قد آتيتني من الملك ) ، يعني : من ملك مصر ( وعلمتني من تأويل الأحاديث ) ، يعني من عبارة الرؤيا ، (1) تعديدًا لنعم الله عليه ، وشكرًا له عليها ( فاطر السموات والأرض ) ، يقول : يا فاطر السموات والأرض ، يا خالقها وبارئها (2) ( أنت وليي في الدنيا والآخرة ) ، يقول : أنت وليي في دنياي على من عاداني وأرادني بسوء بنصرك ، وتغذوني فيها بنعمتك ، وتليني في الآخرة بفضلك ورحمتك .( (3) توفني مسلمًا ) ، يقول : اقبضني إليك مسلمًا (4) .( وألحقني بالصالحين ) ، يقول : وألحقني بصالح آبائي إبراهيم وإسحاق ومن قبلهم من أنبيائك ورسلك .
* * *
وقيل : إنه لم يتمن أحدٌ من الأنبياء الموتَ قبل يوسف .
* ذكر من قال ذلك :
19940 - حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا عمرو ، قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : ( رب قد آتيتني من الملك وعلمتني من تأويل الأحاديث ) ، الآية ،
__________
(1) انظر تفسير " التأويل " فيما سلف ص : 271 ، تعليق : 1 ، والمراجع هناك .
(2) انظر تفسير " فاطر " فيما سلف 15 : 357 ، تعليق : 2 ، والمراجع هناك .
(3) انظر تفسير " الولي " فيما سلف من فهارس اللغة ( ولي ) .
(4) انظر تفسير " التوفي " فيما سلف 15 : 218 ، تعليق : 1 ، والمراجع هناك .

(16/278)


كان ابن عباس يقول : (1) أول نبي سأل الله الموت يوسف.
19941 - حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج ، قال : قال ابن عباس ، قوله : ( رب قد آتيتني من الملك ) ... ، الآية ، قال : اشتاق إلى لقاء ربه ، وأحبَّ أن يلحق به وبآبائه ، فدعا الله أن يتوفَّاه ويُلْحِقه بهم. ولم يسأل نبيّ قطّ الموتَ غير يوسف ، فقال : ( رب قد آتيتني من الملك وعلمتني
__________
(1) في المطبوعة والمخطوطة : " قال ابن عباس يقول " ، وبين صواب ما أثبت ، وانظر الخبر التالي رقم : 19942 .

(16/279)


من تأويل الأحاديث) ، الآية قال ابن جريج : في بعض القرآن من الأنبياء (1) : " توفني " (2)
19942 - حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : ( توفني مسلمًا وألحقني بالصالحين ) ، لما جَمَع شمله ، وأقرَّ عينه ، وهو يومئذ مغموس في نَبْت الدنيا وملكها وغَضَارتها ، (3) فاشتاق إلى الصالحين قبله . وكان ابن عباس يقول : ما تمنى نبي قطّ الموت قبل يوسف.
19943 - حدثني المثنى ، قال : أخبرنا إسحاق ، قال : أخبرنا عبد الله بن الزبير ، عن سفيان ، عن ابن أبي عروبة ، عن قتادة ، قال : لما جمع ليوسف شمله ، وتكاملت عليه النعم سأل لقاء ربّه فقال : ( رب قد آتيتني من الملك وعلمتني من تأويل الأحاديث فاطر السموات والأرض أنت وليي في الدنيا والآخرة توفّني مسلمًا وألحقني بالصالحين ) قال قتادة : ولم يتمنَّ الموت أحد قطُّ ، نبي ولا غيره إلا يوسف.
19944 - حدثني المثنى ، قال : حدثنا هشام ، قال : حدثنا الوليد بن مسلم ، قال : حدثني غير واحد ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : أن يوسف النبي صلى الله عليه وسلم ، لما جمع بينه وبين أبيه وإخوته ، وهو يومئذ ملك مصر ، اشتاق إلى الله وإلى آبائه الصالحين إبراهيم وإسحاق ، فقال : ( رب قد آتيتني من الملك وعلمتني من تأويل الأحاديث فاطر السموات والأرض أنت وليي في الدنيا والآخرة توفني مسلمًا وألحقني بالصالحين. )
19945 - حدثني المثنى ، قال : أخبرنا إسحاق ، قال : حدثنا هشام ، عن مسلم بن خالد ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قوله : ( وعلمتني من تأويل الأحاديث ) ، قال : العِبَارة.
19946 - حدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ ، يقول : أخبرنا عبيد بن سليمان ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : ( توفني مسلمًا وألحقني بالصالحين ) ، يقول : توفني على طاعتك ، واغفر لي إذا توفَّيتني.
19947 - حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، قال : قال يوسف حين رأى ما رأى من كرامة الله وفضله عليه وعلى أهل بيته حين جمع الله له شمله ، وردَّه على والده ، وجمع بينه وبينه فيما هو فيه من الملك والبهجة : ( يا أبت هذا تأويل رؤياي من قبل قد جعلها ربي حقًّا ) ، إلى قوله : ( إنه هو العليم الحكيم ) . ثم ارعوى يوسف ، وذكر أنّ ما هو فيه من الدنيا بائد وذاهب ، فقال : ( رب قد قد آتيتني من الملك وعلمتني من تأويل الأحاديث فاطر السموات والأرض أنت وليي في الدنيا والآخرة توفّني مسلمًا وألحقني بالصالحين).
* * *
__________
(1) في المخطوطة : " في بعض القرآن قد قال الأنبياء توفني " ، وصوابها ما أثبت ، أما المطبوعة فقد كتبت : " في بعض القرآن من الأنبياء من قال توفني " ، غير مكان الكلام لغير حاجة .
(2) لم أجد للذي قاله ابن جريج دليلا في القرآن ! فلعله وهم ، فإن النهي عن تمني الموت صريح في السنة .
(3) في المطبوعة : " مغموس في نعيم الدنيا " ، وفي المخطوطة : " مغموس في نعيم الدنيا " غير منقوطة ، وهذا صواب قراءتها . وعنى بالنبت هنا : المال الكثير الوفير ، والنعمة النامية ، وقد جاء في الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لقوم من العرب : أنتم أهل بيت أو نبت ؟ فقالوا نحن أهل بيت وأهل نبت . وقالوا في تفسيره : أي نحن في الشرف نهاية ، وفي النبت نهاية ، أي : ينبت المال على أيدينا
وهذا الذي قلته أصح في تأويل الحديث ، وفي تأويل هذا الخبر .

(16/280)


وذُكِر أن بَني يعقوب الذين فعلوا بيوسف ما فعلوا ، استغفر لهم أبوهم ، فتاب الله عليهم وعفا عنهم وغفر لهم ذنبهم
* ذكر من قال ذلك :
19948 - حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثني حجاج ، عن صالح المريّ ، عن يزيد الرقاشي ، عن أنس بن مالك ، قال : إن الله تبارك وتعالى لما جمع ليعقوب شمله ، وأقر عينه ، خَلا ولده نَجِيًّا ، فقال بعضهم لبعض : ألستم قد علمتم ما صنعتم ، وما لقي منكم الشيخ ، وما لقي منكم يوسف ؟ قالوا : بلى! قال : فيغرُّكم عفوهما عنكم ، فكيف لكم بربكم ؟ فاستقام أمرهم على أن أتوا الشيخ فجلسوا بين يديه ، ويوسف إلى جنب أبيه قاعدٌ ، قالوا : يا أبانا ، أتيناك في أمر لم نأتك في أمرٍ مثله قط ، ونزل بنا أمر لم ينزل بنا مثله! حتى حرّكوه ، والأنبياء أرحم البرية ، فقال : مالكم يا بَني ؟ قالوا : ألستَ قد علمت ما كان منا إليك ، وما كان منا إلى أخينا يوسف ؟ قال : بلى! قالوا : أفلستما قد عفوتُما ؟ قالا بلى! قالوا : فإن عفوكما لا يغني عنّا شيئًا إن كان الله لم يعفُ عنا! قال : فما تريدون يا بني ؟ قالوا : نريد أن تدعو الله لنا ، فإذا جاءك الوحي من عند الله بأنه قد عفا عمّا صنعنا ، قرّت أعيننا ، واطمأنت قلوبنا ، وإلا فلا قرّةَ عَين في الدنيا لنا أبدًا . قال : فقام الشيخ واستقبل القبلة ، وقام يوسف خلف أبيه ، وقاموا خلفهما أذلةً خاشعين . قال : فدعا وأمَّن يوسف ، ، فلم يُجَبْ فيهم عشرين سنة قال صالح المرِّي : يخيفهم. قال : حتى إذا كان رأس العشرين ، نزل جبريل صلى الله عليه وسلم على يعقوب عليه السلام ، فقال : إن الله تبارك وتعالى بعثني إليك أبشرك بأنه قد أجاب دعوتك في ولدك ، وأنه قد عفا عما صنعوا ، وأنه قد اعتَقَد مواثيقهم من بعدك على النبوّة. (1)
__________
(1) الأثر : 19948 - " صالح المري " ، هو " صالح بن بشير بن وداع المري " ، منكر الحديث ، قاص متروك الحديث ، مضى برقم : 9234 .
و " يزيد الرقاشي " ، هو " يزيد بن أبان الرقاشي " ، قاص ، متروك الحديث ، مضى قبل مرارًا ، آخرها : 11408 .
وهذا خبر هالك ، من جراء هذين القاصين المتروكين ، صالح المري ، ويزيد الرقاشي .

(16/281)


19949 - حدثني المثنى ، قال : حدثنا الحارث ، قال : حدثنا عبد العزيز ، قال : حدثنا جعفر بن سليمان ، عن أبي عمران الجوني ، قال : والله لو كان قتلُ يوسف مضى لأدخلهم الله النارَ كُلَّهم ، ولكن الله جل ثناؤه أمسك نفس يوسف ليبلغ فيه أمره ، ورحمة لهم . ثم يقول : والله ما قصَّ الله نبأهم يُعيّرهم بذلك إنهم لأنبياء من أهل الجنة ، ولكن الله قصَّ علينا نبأهم لئلا يقنط عبده.
* * *
وذكر أن يعقوب توفي قبل يوسف ، وأوصى إلى يوسف وأمره أن يدفنه عند قبر أبيه إسحاق .
* ذكر من قال ذلك :
19950 - حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا عمرو ، عن أسباط ، عن السدي ، قال : لما حضر الموتُ يعقوبَ ، أوصى إلى يوسف أن يدفنه عند إبراهيم وإسحاق ، فلما مات ، نُفِخ فيه المُرّ وحمل إلى الشأم. قال : فلما بلغوا إلى ذلك المكان أقبل عيصا أخو يعقوب (1) فقال : غلبني على الدعوة ، فوالله لا يغلبني على القبر! فأبى أن يتركهم أن يدفنوه . فلما احتبسوا ، قال هشام بن دان بن يعقوب (2) وكان هشامٌ أصمَّ لبعض إخوته : ما لجدّي لا يدفن! قالوا : هذا عمك يمنعه! قال : أرونيه أين هو ؟ فلما رآه ، رفع هشام يده فوجأ بها رأس العيص وَجْأَةً سقطت عيناه على فخذ يعقوب ، فدفنا في قبر واحد.
* * *
__________
(1) في المطبوعة : " عيص " ، وأثبت ما في المخطوطة ، وسيأتي بعد : " العيص " ، بالتعريف ، وهو في كتاب القوم " عيسو " ، وهو ولد إسحاق الأكبر ، وهو أخو يعقوب .
(2) في المطبوعة : " هشام بن دار " ، لم يحسن قراءة المخطوطة ، وولد يعقوب في كتاب القوم هو " دان " كما أثبته .
و " هشام " هذا ، هو في كتاب القوم " حوشيم " .

(16/282)


ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ أَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ وَهُمْ يَمْكُرُونَ (102)

القول في تأويل قوله تعالى : { ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ أَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ وَهُمْ يَمْكُرُونَ (102) }
قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره : هذا الخبر الذي أخبرتك به من خبر يوسف ووالده يعقوب وإخوته وسائر ما في هذه السورة ( من أنباء الغيب ) ، يقول : من أخبار الغيب الذي لم تشاهده ، ولم تعاينه ، (1) ولكنا نوحيه إليك ونعرّفكه ، لنثبِّت به فؤادك ، ونشجع به قلبك ، وتصبر على ما نالك من الأذى من قومك في ذات الله ، وتعلم أن من قبلك من رسل الله إذ صبروا على ما نالهم فيه ، وأخذوا بالعفو ، وأمروا بالعُرف ، وأعرضوا عن الجاهلين فازوا بالظفر ، وأيِّدوا بالنصر ، ومُكِّنوا في البلاد ، وغلبوا من قَصَدوا من أعدائهم وأعداء دين الله . يقول الله تبارك وتعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : فبهم ، يا محمد ، فتأسَّ ، وآثارهم فقُصَّ ( وما كنت لديهم إذ أجمعوا أمرهم وهم يمكرون ) ، يقول : وما كنت حاضرًا عند إخوة يوسف ، إذ أجمعوا واتفقت آراؤهم ، (2) وصحت عزائمهم ، على أن يلقوا يوسف في غيابة الجب. وذلك كان مكرهم الذي قال الله عز وجل : ( وهم يمكرون ) ، كما : -
19951 - حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : ( وما كنت لديهم ) ، يعني محمدًا صلى الله عليه وسلم ، يقول : ما كنت لديهم وهم يلقونه في غيابة الجب ( وهم يمكرون ) ، أي : بيوسف.
19952 - حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن عطاء الخراساني ، عن ابن عباس : ( وما كنت لديهم إذ أجمعوا أمرهم وهم يمكرون ) ، الآية ، قال : هم بنو يعقوب.
* * *
__________
(1) انظر تفسير " النبأ " و " الغيب " فيما سلف من فهارس اللغة ( نبأ ) و ( غيب ) .
(2) انظر تفسير " الإجماع " فيما سلف 15 : 147 ، 148 ، 573 .

(16/283)


وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ (103)

القول في تأويل قوله تعالى : { وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ (103) }
قال أبو جعفر : يقول جل ثناؤه : وما أكثر مشركي قومك ، يا محمد ، ولو حرصت على أن يؤمنوا بك فيصدّقوك ، ويتبعوا ما جئتهم به من عند ربك ، بمصدِّقيك ولا مُتَّبِعيك .
* * *

(16/284)


وَمَا تَسْأَلُهُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ (104)

القول في تأويل قوله تعالى : { وَمَا تَسْأَلُهُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ هُوَ إِلا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ (104) }
قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره لمحمد صلى الله عليه وسلم : وما تسأل ، يا محمد ، هؤلاء الذين ينكرون نبوتك ، ويمتنعون من تصديقك والإقرار بما جئتهم به من عند ربك ، على ما تدعوهم إليه من إخلاص العبادة لربك ، وهجر عبادة الأوثان وطاعةِ الرحمن ( من أجر ) ، يعني : من ثواب وجزاء منهم ، (1) بل إنما ثوابك وأجر عملك على الله. يقول : ما تسألهم على ذلك ثوابًا ، فيقولوا لك : إنما تريد بدعائك إيّانا إلى اتباعك لننزلَ لك عن أموالنا إذا سألتنا ذلك. وإذ كنت لا تسألهم ذلك ، فقد كان حقًّا عليهم أن يعلموا أنك إنما تدعوهم إلى ما تدعوهم إليه ، اتباعًا منك لأمر ربك ، ونصيحةً منك لهم ، وأن لا يستغشُّوك.
* * *
وقوله : ( إن هو إلا ذكر للعالمين ) ، يقول تعالى ذكره : ما هذا الذي أرسلك
__________
(1) انظر تفسير " الأجر " فيما سلف من فهارس اللغة ( أجر ) .

(16/284)


وَكَأَيِّنْ مِنْ آَيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ (105)

به ربك ، يا محمد ، من النبوة والرسالة ( إلا ذكر ) ، يقول : إلا عظة وتذكير للعالمين ، ليتعظوا ويتذكَّروا به. (1)
* * *
القول في تأويل قوله تعالى : { وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ (105) }
قال أبو جعفر : يقول جل وعز : وكم من آية في السموات والأرض لله ، وعبرةٍ وحجةٍ ، (2) وذلك كالشمس والقمر والنجوم ونحو ذلك من آيات السموات ، وكالجبال والبحار والنبات والأشجار وغير ذلك من آيات الأرض ( يمرُّون عليها ) ، يقول : يعاينونها فيمرُّون بها معرضين عنها ، لا يعتبرون بها ، ولا يفكرون فيها وفيما دلت عليه من توحيد ربِّها ، وأن الألوهةَ لا تنبغي إلا للواحد القهَّار الذي خلقها وخلق كلَّ شيء ، فدبَّرها.
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
* ذكر من قال ذلك :
19953 - حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : ( وكأين من آية في السموات والأرض يمرون عليها ) ، وهي في مصحف عبد الله : : " يَمْشُونَ عَلَيْهَا " ، السماء والأرض آيتان عظيمتان.
* * *
__________
(1) انظر تفسير " الذكر " فيما سلف من فهارس اللغة ( ذكر ) .
(2) انظر تفسير " كأين " فيما سلف 7 : 263 .

(16/285)


وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ (106)

القول في تأويل قوله تعالى : { وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلا وَهُمْ مُشْرِكُونَ (106) }
قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره : وما يُقِرُّ أكثر هؤلاء الذين وصَفَ عز وجل صفتهم بقوله : ( وكأين من آية في السموات والأرض يمرُّون عليها وهم عنها معرضون ) بالله أنه خالقه ورازقه وخالق كل شيء ( إلا وهم مشركون ) ، في عبادتهم الأوثان والأصنام ، واتخاذهم من دونه أربابًا ، وزعمهم أنَّ له ولدًا ، تعالى الله عما يقولون.
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
* ذكر من قال ذلك :
19954 - حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا عمران بن عيينة ، عن عطاء بن السائب ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس : ( وما يؤمن أكثرهم بالله ) الآية ، قال : من إيمانهم ، إذا قيل لهم : مَن خلق السماء ؟ ومن خلق الأرض ؟ ومن خلق الجبال ؟ قالوا : الله . وهم مشركون.
19955 - حدثنا هناد ، قال : حدثنا أبو الأحوص ، عن سماك ، عن عكرمة ، في قوله : ( وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون ) ، قال : تسألهم : مَن خلقهم ؟ ومن خلق السماوات والأرض ، فيقولون : الله . فذلك إيمانهم بالله ، وهم يعبدون غيره.
19956 - حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا وكيع ، عن إسرائيل ، عن جابر ، عن عامر ، وعكرمة : ( وما يؤمن أكثرهم بالله ) الآية ، قالا يعلمون أنه ربُّهم ، وأنه خلقهم ، وهم يشركون به. (1)
__________
(1) في المطبوعة : " مشركون به " ، وأثبت ما في المخطوطة .

(16/286)


19957 - حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أبي ، عن إسرائيل ، عن جابر ، عن عامر ، وعكرمة ، بنحوه.
19958 - .... قال : حدثنا ابن نمير ، عن نضر ، عن عكرمة : ( وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون ) ، قال : من إيمانهم إذا قيل لهم : من خلق السماوات ؟ قالوا : الله. وإذا سئلوا : من خلقهم ؟ قالوا : الله. وهم يشركون به بَعْدُ.
19959 - .... قال : حدثنا أبو نعيم ، عن الفضل بن يزيد الثمالي ، عن عكرمة ، قال : هو قول الله : ( وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ ) [سورة لقمان : 25/ سورة الزمر : 38]. فإذا سئلوا عن الله وعن صفته ، وصفوه بغير صفته ، وجعلوا له ولدًا ، وأشركوا به. (1)
19960 - حدثنا الحسن بن محمد ، قال : حدثنا شبابة ، قال : حدثنا ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : ( وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون ) ، إيمانهم قولهم : الله خالقُنا ، ويرزقنا ويميتنا.
19961 - حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : ( وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون ) ، فإيمانهم قولُهم : الله خالقنا ويرزقنا ويميتنا.
19962 - حدثني المثنى ، قال : أخبرنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : ( وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون ) ، إيمانُهم قولهم : الله خالقنا ويرزقنا ويميتنا. ، فهذا إيمان مع شرك عبادتهم غيرَه.
19963 - .... قال ، حدثنا إسحاق ، قال : حدثنا عبد الله ، عن ورقاء ،
__________
(1) الأثر : 19959 - " الفضل بن يزيد الثمالي البجلي " ، كوفي ثقة ، مترجم في التهذيب ، والكبير 4 / 1 / 116 ، وابن أبي حاتم 3 / 2 / 69 .
وكان في المخطوطة والمطبوعة : " الفضيل " بالتصغير ، وهو خطأ صرف .

(16/287)


عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : ( وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون ) قال : إيمانهم قولهم : الله خالقنا ويرزقنا ويميتنا
19964 - حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا هانئ بن سعيد وأبو معاوية ، عن حجاج ، عن القاسم ، عن مجاهد ، قال : يقولون : " الله ربنا ، وهو يرزقنا " ، وهم يشركون به بعدُ.
19965 - حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، قال : إيمانهم قولُهم : الله خالقنا ، ويرزقنا ويميتنا.
19966 - .... قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثنا أبو تميلة ، عن أبي حمزة ، عن جابر ، عن عكرمة ، ومجاهد ، وعامر : أنهم قالوا في هذه الآية : ( وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون ) ، قال : ليس أحد إلا وهو يعلم أن الله خلقه وخلق السموات والأرض ، فهذا إيمانهم ، ويكفرون بما سوى ذلك.
19967 - حدثنا بشر ، قال ، حدثنا يزيد ، قال حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : ( وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون ) ، في إيمانهم هذا. إنك لست تلقى أحدًا منهم إلا أنبأك أن الله ربه ، وهو الذي خلقه ورزقه ، وهو مشرك في عبادته.
19968 - حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة : ( وما يؤمن أكثرهم بالله ) الآية ، قال : لا تسأل أحدًا من المشركين : مَنْ رَبُّك ؟ إلا قال : ربِّيَ الله! وهو يشرك في ذلك.
19969 - حدثني محمد بن سعد ، قال : حدثني أبي ، قال : حدثني عمي ، قال : حدثني أبي عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : ( وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون ) ، يعني النصارى ، يقول : ( وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ ) ، [سورة لقمان : 25/ سورة الزمر : 38 ] ، ( وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ ) [سورة الزخرف : 87] ، ولئن سألتهم من يرزقكم من السماء والأرض ؟ ليقولن : الله .

(16/288)


وهم مع ذلك يشركون به ويعبدون غيره ، ويسجدون للأنداد دونه. ؟
19970 - حدثني المثنى ، قال : أخبرنا عمرو بن عون ، قال ، أخبرنا هشيم ، عن جويبر ، عن الضحاك ، قال : كانوا يشركون به في تلبيتهم.
19971 - حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا ابن نمير ، عن عبد الملك ، عن عطاء : ( وما يؤمن أكثرهم بالله ) ، الآية ، قال : يعلمون أن الله ربهم ، وهم يشركون به بعدُ.
19972 - حدثني المثنى ، قال : حدثنا عمرو بن عون ، قال : أخبرنا هشيم ، عن عبد الملك ، عن عطاء ، في قوله : ( وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون ) ، قال : يعلمون أن الله خالقهم ورازقهم ، وهم يشركون به.
19973 - حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال : سمعت ابن زيد يقول : ( وما يؤمن أكثرهم بالله ) ، الآية ، قال : ليس أحدٌ يعبد مع الله غيره إلا وهو مؤمن بالله ، ويعرف أن الله ربه ، وأن الله خالقه ورازقه ، وهو يشرك به. ألا ترى كيف قال إبراهيم : ( أَفَرَأَيْتُمْ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمُ الأقْدَمُونَ فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلا رَبَّ الْعَالَمِينَ ) [سورة الشعراء : 75 - 77] ؟ قد عرف أنهم يعبدون رب العالمين مع ما يعبدون. قال : فليس أحد يشرك به إلا وهو مؤمن به. ألا ترى كيف كانت العرب تلبِّي تقول : " لبيك اللهم لبيك ، لبيك لا شريك لك ، إلا شريك هو لك ، تملكه وما ملك " ؟ المشركون كانوا يقولون هذا.
* * *

(16/289)


أَفَأَمِنُوا أَنْ تَأْتِيَهُمْ غَاشِيَةٌ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ أَوْ تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (107)

القول في تأويل قوله تعالى : { أَفَأَمِنُوا أَنْ تَأْتِيَهُمْ غَاشِيَةٌ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ أَوْ تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ (107) }
قال أبو جعفر : يقول جل ثناؤه : أفأمن هؤلاء الذين لا يقرُّون بأن الله ربَّهم إلا وهم مشركون في عبادتهم إياه غيرَه ( أن تأتيهم غاشية من عذاب الله ) ، تغشاهم من عقوبة الله وعذابه ، على شركهم بالله (1) أو تأتيهم القيامة فجأةً وهم مقيمون على شركهم وكفرهم بربِّهم (2) فيخلدهم الله عز وجل في ناره ، وهم لا يدرون بمجيئها وقيامها.
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
* ذكر من قال ذلك :
19974 - حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : ( أن تأتيهم غاشية من عذاب الله ) ، قال : تغشاهم.
19975 - حدثنا الحسن بن محمد ، قال : حدثنا شبابة ، قال : حدثنا ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : ( غاشية من عذاب الله ) ، قال : تغشاهم.
19976 - حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .
19977 - .... قال : حدثنا إسحاق ، قال : حدثنا عبد الله ، عن ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .
__________
(1) انظر تفسير " الغاشية " فيما سلف 12 : 435 ، 436 .
(2) انظر تفسير " الساعة " فيما سلف 11 : 324 .
وتفسير " البغتة " فيما سلف 11 : 325 ، 360 ، 368 / 12 : 576 / 13 : 297 .

(16/290)


قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (108)

19978 - حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، مثله .
19979 - حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : ( أفأمنوا أن تأتيهم غاشية من عذاب الله ) ، أي : عقوبة من عذاب الله.
19980 - حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة : (غاشية من عذاب الله ) ، قال : " غاشية " ، وقيعة تغشاهم من عذاب الله. (1)
* * *
القول في تأويل قوله تعالى : { قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (108) }
قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : ( قل ، يا محمد ، هذه الدعوة التي أدعو إليها ، والطريقة التي أنا عليها من الدعاء إلى توحيد الله وإخلاص العبادة له دون الآلهة والأوثان ، والانتهاء إلى طاعته ، وترك معصيته ( سبيلي ) ، وطريقتي ودعوتي ، (2) ( أدعو إلى الله وحده لا شريك له ( على بصيرة ) ، بذلك ، ويقينِ عليمٍ منّي به أنا ، ويدعو إليه على بصيرة أيضًا من اتبعني وصدقني وآمن بي (3) ( وسبحان الله ) ، يقول له تعالى ذكره : وقل ، تنزيهًا لله ، وتعظيمًا له من أن يكون له شريك في ملكه ، (4) أو معبود سواه في سلطانه : ( وما أنا من المشركين ) ، يقول : وأنا بريءٌ من أهل الشرك به ، لست منهم ولا هم منّي.
* * *
__________
(1) في المطبوعة : " واقعة " ، وأثبت ما في المخطوطة ، وهو صواب محض .
(2) انظر تفسير : السبيل " فيما سلف من فهارس اللغة ( سبل ) .
(3) انظر تفسير " البصيرة " فيما سلف 12 : 23 ، 24 / 13 : 343 ، 344 .
(4) انظر تفسير " سبحان " فيما سلف من فهارس اللغة ( سبح ) .

(16/291)


وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
* ذكر من قال ذلك :
19981 - حدثني المثنى ، قال : أخبرنا إسحاق ، قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع بن أنس ، في قوله : ( قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة ) ، يقول : هذه دعوتي .
19982 - حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : ( قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة ) ، قال : " هذه سبيلي " ، هذا أمري وسنّتي ومنهاجي ( أدعوا إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني ) ، قال : وحقٌّ والله على من اتّبعه أن يدعو إلى ما دعا إليه ، ويذكِّر بالقرآن والموعظة ، ويَنْهَى عن معاصي الله.
19983 - حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثني حجاج ، عن أبي جعفر ، عن الربيع بن أنس ، قوله : ( قل هذه سبيلي ) : ، هذه دعوتي.
19984 - حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا حكام ، عن أبي جعفر ، عن الربيع : ( قل هذه سبيلي ) ، قال : هذه دعوتي.

(16/292)


وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَدَارُ الْآَخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا أَفَلَا تَعْقِلُونَ (109)

* * *
القول في تأويل قوله تعالى : { وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلا رِجَالا نُوحِي إِلَيْهِمْ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَدَارُ الآخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا أَفَلا تَعْقِلُونَ (109) }
قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره : وما أرسلنا ، يا محمد ، من قبلك إلا رجالا لا نساءً ولا ملائكة ( نوحي إليهم ) آياتنا ، بالدعاء إلى طاعتنا وإفراد العبادة لنا ( من أهل القرى ) ، يعني : من أهل الأمصار ، دون أهل البوادي ، (1) كما : -
19985 - حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : ( وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا نوحي إليهم من أهل القرى ) ، لأنهم كانوا أعلم وأحلم من أهل العَمُود (2) .
* * *
وقوله : ( أفلم يسيروا في الأرض ) ، يقول تعالى ذكره : أفلم يسر هؤلاء المشركون الذين يكذبونك ، يا محمد ، ويجحدون نبوّتك ، وينكرون ما جئتهم به
__________
(1) انظر تفسير " القرية " فيما سلف 8 : 453 / 12 : 299 .
(2) قوله " أهل العمود " ، العمود ( بفتح العين ) : وهو الخشبة القائمة في وسط الخباء ، والأخبية بيوت أهل البادية ، فقوله " أهل العمود " ، يعني أهل البادية ، كما يدل عليه السياق هنا ، وكما بينه ابن زيد في تفسير هذه الآية إذ قال : " أهل القرى أعلم وأحلم من أهل البادية " ( تفسير أبي حيان 5 : 353 ) . وقال الزمخشري في الأساس " ويقال لأصحاب الأخبية : هم أهل عمود ، وأهل عماد ، وأهل عمد " ، وروى صاحب اللسان بيتًا ، وهو : ومَا أهْلُ العَمُود لنَا بأَهْلٍ ... ولاَ النَّعَمُ المُسَامُ لَنا بمَالٍ
فهذا قول رجل يبرأ من أن يكون من أهل البادية ، فذكر الخصائص التي يألفها أهل البادية ، ويكونون بها أهل بادية .

(16/293)


من توحيد الله وإخلاص الطاعة والعبادة له ( في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم ) ، إذ كذبوا رسُلنا ؟ ألم نُحِلّ بهم عقوبتنا ، فنهلكهم بها ، وننج منها رسلنا وأتباعنا ، فيتفكروا في ذلك ويعتبروا ؟
* * *
* ذكر من قال ذلك :
19986 - حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثني حجاج ، قال : قال ابن جريج : قوله : ( وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا نوحي إليهم ) ، قال : إنهم قالوا : ( مَا أَنزلَ اللَّهُ عَلَى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ [سورة الأنعام : 91]) ، قال : وقوله : ( وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ وَمَا تَسْأَلُهُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ ) [سورة يوسف : 103 ، 104] ، وقوله : ( وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا ) [سورة يوسف : 105] ، وقوله : ( أَفَأَمِنُوا أَنْ تَأْتِيَهُمْ غَاشِيَةٌ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ ) [سورة يوسف : 107] ، وقوله : ( أفلم يسيروا في الأرض فينظروا ) ، من أهلكنا ؟ قال : فكل ذلك قال لقريش : أفلم يسيروا في الأرض فينظروا في آثارهم ، فيعتبروا ويتفكروا ؟
* * *
وقوله : ( ولدار الآخرة خير ) ، يقول تعالى ذكره : هذا فِعْلُنا في الدنيا بأهل ولايتنا وطاعتنا ، أَنّ عقوبتنا إذا نزلت بأهل معاصينا والشرك بنا ، أنجيناهم منها ، وما في الدار الآخرة لهم خير.
* * *
وترك ذكر ما ذكرنا ، اكتفاء بدلالة قوله : ( ولدار الآخرة خير للذين اتقوا ) ، عليه ، وأضيفت " الدار " إلى " الآخرة " ، وهي " الآخرة " ، لاختلاف لفظهما ، كما قيل : ( إِنَّ هَذَا لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ ) ، [سورة الواقعة : 95] ، وكما قيل :

(16/294)


" أتيتك عام الأوَّل ، وبارحة الأولى ، وليلة الأولى ، ويوم الخميس " ، (1) وكما قال : الشاعر : (2)
أَتَمْدَحُ فَقْعَسًا وَتَذُمُّ عَبْسًا... أَلا للهِ أُمُّكَ مِنْ هَجِينِ... وَلَوْ أَقْوَتْ عَلَيْكَ دِيَارُ عَبْسٍ... عَرَفْتَ الذُّلَّ عِرْفَانَ اليَقِينِ (3)
يعني : عرفانًا له يقينًا . (4)
* * *
قال أبو جعفر : فتأويل الكلام : وللدار الآخرة خير للذين اتقوا الله ، بأداء فرائضه واجتناب معاصيه .
* * *
وقوله : ( أفلا تعقلون ) ، يقول : أفلا يعقل هؤلاء المشركون بالله حقيقةَ ما نقول لهم ونخبرهم به ، من سوء عاقبة الكفر ، وغِبّ ما يصير إليه حال أهله ، مع ما قد عاينوا ورأوا وسمعوا مما حلّ بمن قبلهم من الأمم الكافرة المكذبةِ رسلَ ربّها ؟ (5)
* * *
__________
(1) هذا موجز كلام الفراء في معاني القرآن ، في تفسير الآية .
(2) لم أعرف قائله .
(3) رواهما الفراء في معاني القرآن ، في تفسير الآية . وكان في المطبوعة : " ولو أفزت " ، وهو خطل محض ، وفي المخطوطة " ولو أفرت " ، غير منقوطة ، وهو تصحيف .
و " الهجين " ، ولد العربي لغير العربية . و " أقوت الدار " : أقفرت وخلت من سكانها . وظاهر هذا الشعر ، أن قائله يقوله في رجل من بني عبس ، كان هجينًا ، فمدح فقعسًا وذم قومه لخذلانهم إياه . فهو يقول له : لو فارقت عبس مكانها وأفردتك فيه ، لعرفت الذل عرفانًا يقينًا .
(4) في المطبوعة والمخطوطة : " عرفانا به " ، وكأن الصواب ما أثبت . وفي الفراء : " عرفانًا يقينًا " ، بغير " له " ، وهو أجود .
(5) في المطبوعة : " بما قبلهم من الأمم " ، والصواب من المخطوطة .

(16/295)


حَتَّى إِذَا اسْتَيْئَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَنْ نَشَاءُ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ (110)

القول في تأويل قوله تعالى : { حَتَّى إِذَا اسْتَيْئَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَنْ نَشَاءُ وَلا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ (110) }
قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره : ( وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا نوحي إليهم من أهل القُرَى ) ، فدعوْا من أرسلنا إليهم ، فكذبوهم ، وردُّوا ما أتوا به من عند الله ( حتى إذا استيأسَ الرسل ) ، الذين أرسلناهم إليهم منهم أن يؤمنوا بالله ، (1) ويصدِّقوهم فيما أتوهم به من عند الله وظن الذين أرسلناهم إليهم من الأمم المكذِّبة أن الرسل الذين أرسلناهم قد كذبوهم فيما كانوا أخبروهم عن الله ، من وَعده إياهم نصرَهم عليهم ( جاءهم نصرنا ).
* * *
وذلك قول جماعة من أهل التأويل .
* ذكر من قال ذلك :
19987 - حدثنا أبو السائب سلم بن جنادة ، قال : حدثنا أبو معاوية ، عن الأعمش ، عن مسلم ، عن ابن عباس ، في قوله : (حتى إذا استيأس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا) ، قال : لما أيست الرسل أن يستجيب لهم قومُهم ، وظنَّ قومهم أن الرسل قد كذَبَوهم ، جاءهم النصر على ذلك ، فننجّي من نشاء.
19988 - حدثنا الحسن بن محمد ، قال : حدثنا أبو معاوية الضرير ، قال : حدثنا الأعمش ، عن مسلم ، عن ابن عباس ، بنحوه غير أنه قال في حديثه ، قال : " أيست الرسل " ، ولم يقل : " لما أيست " . (2)
__________
(1) انظر تفسير " استيأس " فيما سلف ص : 203 ، 204 ، وفهارس اللغة ( يأس ) .
(2) مرة أخرى ، أوقفك على هذه الدقة البليغة في رواية أخبارنا ، فضلاً عن رواية حديث نبينا صلى الله عليه وسلم . ومع ذلك كله فالسفهاء يقولون ، متبعين أهواء أصحاب الضلالة من المستشرقين وأشباههم . فليت قومي يعلمون أي تراث يضيعون ، وأي سخف يتبعون . انظر ما سلف ص : 265 ، تعليق : 1 .

(16/296)


19989 - حدثنا محمد بن بشار ، قال : حدثنا مؤمل ، قال : حدثنا سفيان ، عن عطاء بن السائب ، عن سعيد بن جبير : (حتى إذا استيأس الرسل) ، أن يسلم قومهم ، وظنّ قوم الرسل أن الرسل قد كَذَبُوا جاءهم نصرنا.
19990 - حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا مؤمل ، قال : حدثنا سفيان ، عن الأعمش ، عن أبي الضحى ، عن ابن عباس ، مثله .
19991 - حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا عمران بن عيينة ، عن عطاء ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس : (حتى إذا استيأس الرسل وظنوا أنهم قد كُذِبوا) ، قال : حتى إذا استيأس الرسل من قومهم ، وظن قومهم أن الرسل قد كَذَبوا ، (جاءهم نصرنا).
19992 - حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا عبد الرحمن ، قال : حدثنا سفيان ، عن حصين ، عن عمران السلمي ، عن ابن عباس : (حتى إذا استيأس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا) ، أيس الرسل من قومهم أن يصدِّقوهم ، وظن قومهم أن الرسل قد كذبتهم. (1)
19993 - حدثنا عمرو بن عبد الحميد ، قال : حدثنا جرير ، عن حصين ، عن عمران بن الحارث السلمي ، عن عبد الله بن عباس ، في قوله : (حتى إذا استيأس الرسل ) ، قال : استيأس الرسل من قومهم أن يستجيبوا لهم (وظنوا أنهم قد كذبوا) ، قال : ظن قومهم أنهم جاؤوهم بالكذب.
19994 - حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا ابن إدريس ، قال : سمعت حصينًا ، عن عمران بن الحارث ، عن ابن عباس : حتى إذا استيأس الرسل من أن يستجيب لهم قومهم ، وظنَّ قومهم أن قد كذبوهم (جاءهم نصرنا).
__________
(1) الأثر : 19992 - " عمران السلمي " ، هو " عمران بن الحارث السلمي " ، " أبو الحكم " تابعي كوفي ثقة ، روى عن ابن عباس ، وابن الزبير ، وابن عمر . مترجم في التهذيب ، وابن أبي حاتم 3 / 1 / 296 .
وستأتي روايته هذه في الأخبار التالية إلى رقم : 19998 .

(16/297)


19995 - حدثني أبو حصين عبد الله بن أحمد بن يونس ، قال : حدثنا عبثر ، قال : حدثنا حصين ، عن عمران بن الحارث ، عن ابن عباس ، في هذه الآية : (حتى إذا استيأس الرسل ) ، قال : استيأس الرسل من قومهم أن يؤمنوا ، وظنَّ قومُهم أن الرسل قد كَذَبوهم فيما وعدوا وكذبوا ( جاءهم نصرنا ). (1)
19996 - حدثنا محمد بن المثنى ، قال : حدثنا ابن أبي عدي ، عن شعبة ، عن حصين ، عن عمران بن الحارث ، عن ابن عباس ، قال : ( حتى إذا استيأس الرسل ) ، من نصر قومهم ( وظنوا أنهم قد كذبوا ) ، ظن قومهم أنهم قد كَذَبوهم.
19997 - حدثنا الحسن بن محمد ، قال : حدثنا محمد بن الصباح ، قال : حدثنا هشيم ، قال : أخبرنا حصين ، عن عمران بن الحارث ، عن ابن عباس ، في قوله : ( حتى إذا استيأس الرسل ) ، قال : من قومهم أن يؤمنوا بهم ، وأن يستجيبوا لهم ، وظن قومهم أن الرسل قد كذبوهم( جاءهم نصرنا ) ، يعني الرسلَ.
19998 - حدثني المثنى ، قال : حدثنا عمرو بن عون ، قال : أخبرنا هشيم ، عن حصين ، عن عمران بن الحارث ، عن ابن عباس ، بمثله سواء .
19999 - حدثنا الحسن بن محمد ، قال : حدثنا عبد الوهاب بن عطاء ، عن هارون ، عن عباد القرشي ، عن عبد الرحمن بن معاوية ، عن ابن عباس : ( وظنوا أنهم قد كُذِبوا ) خفيفة ، وتأويلها عنده : وظن القومُ أن الرسل قد كذبوا. (2)
__________
(1) الأثر : 19995 - " عبد الله بن أحمد بن يونس " ، هو " عبد الله بن أحمد بن عبد الله ابن يونس اليربوعي " ، " أبو حصين " ، شيخ الطبري ، سلف برقم : 12336 .
و " عبثر " ، هو " عبثر بن القاسم الزبيدي " ، ثقة ، مضى برقم : 12336 ، 12402 ، 17106 .
(2) الأثر : 19999 - " عبد الوهاب بن عطاء " ، هو الخفاف ، مضى مرارًا آخرها رقم : 16842
و " هرون " ، كأنه " هرون بن سفيان بن بشير " ، " أبو سفيان " ، المعروف بالديك ، مستملي يزيد بن هارون ، روى عن معاذ بن فضالة ، وأبي زيد النحوي ، ومطرف بن عبد الله المديني ، ومحمد بن عمر الواقدي . مترجم في تاريخ بغداد 14 : 25 ، رقم : 7357 .
و " عباد القرسي " ، هو " عباد بن موسى القرشي البصري " ، ثقة ، روى عن إسرائيل بن يونس ، وإبراهيم بن طهمان ، وسفيان الثوري ، وروى عنه هرون بن سفيان المستملي ، مترجم في التهذيب .
و " عبد الرحمن بن معاوية " ، هو " عبد الرحمن بن معاوية بن الحويرث الأنصاري ، الزرقي " ، " أبو الحويرث " ، روى عن ابن عباس ، وغيره ، مضى برقم : 15756 .

(16/298)


20000 - حدثنا أبو بكر ، قال : حدثنا طلق بن غنام ، عن زائدة ، عن الأعمش ، عن مسلم ، عن ابن عباس ، قال : ( حتى إذا استيأس الرسل ) ، من قومهم أن يصدِّقوهم ، وظن قومُهم أن قد كذبتهم رُسُلهم ( جاءهم نصرنا ) . (1)
20001 - حدثني المثنى ، قال : حدثنا عبد الله بن صالح قال : حدثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس ، قوله : ( حتى إذا استيأس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا ) ، يعني : أيس الرسل من أن يتّبعهم قومهم ، وظن قومُهم أن الرسل قد كَذَبوا ، فينصر الله الرسل ، ويبعثُ العذابَ.
20002 - حدثني محمد بن سعد ، قال : حدثني أبي ، قال : حدثني عمي ، قال : حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قوله : ( حتى إذا استيأس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا جاءهم نصرنا ) ، حتى إذا استيأس الرسلُ من قومهم أن يطيعوهم ويتبعوهم ، وظنَّ قومُهم أن رسلهم كذبوهم ( جاءهم نصرنا ).
20003 - حدثني المثنى ، قال : حدثنا إسحاق ، قال : حدثنا محمد بن فضيل ، عن حصين ، عن عمران بن الحارث ، عن ابن عباس : ( حتى إذا استيأس الرسل ) ، من قومهم ( وظنوا أنهم قد كذبوا ) ، قال : فما أبطأ عليهم إلا من ظن أنهم قد كَذَبوا.
20004 - .... قال : حدثنا آدم العسقلاني ، قال : حدثنا شعبة ، قال :
__________
(1) الأثر : 20000 - " أبو بكر " ، لم أعرف من هو من شيوخ أبي جعفر ، وظني أن صوابه " أبو كريب " ، فهو الذي ذكروا أنه يروي عن طلق بن غنام .
و " طلق بن غنام بن طلق بن معاوية النخعي " ثقة ، لم يكن بالمتبحر في العلم ، مترجم في التهذيب ، والكبير 2 / 2 / 361 ، وابن أبي حاتم 2 / 1 / 491 .

(16/299)


أخبرنا حصين بن عبد الرحمن ، عن عمران بن الحارث قال : سمعت ابن عباس يقول : ( وظنوا أنهم قد كذبوا ) خفيفةً . وقال ابن عباس : ظن القومُ أنّ الرسل قد كَذَبوهم ، خفيفةً.
20005 - حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا جرير ، عن عطاء ، عن سعيد بن جبير ، في قوله : ( حتى إذا استيأس الرسل ) ، من قومهم ، وظنّ قومُهم أن الرسل قد كَذَبوهم .
20006 - .... قال : حدثنا محمد بن فضيل ، عن خصيف ، قال : سألت سعيد بن جبير ، عن قوله : ( حتى إذا استيأس الرسل ) ، من قومهم ، وظن الكفار أنهم هم كَذَبوا.
20007 - حدثني يعقوب والحسن بن محمد ، قالا حدثنا إسماعيل بن علية . قال : حدثنا كلثوم بن جبر ، عن سعيد بن جبير ، قوله : ( حتى إذا استيأس الرسل ) ، من قومهم أن يؤمنوا ، وظن قومُهم أن الرسل قد كَذَبتهم.
20008 - حدثني المثنى ، قال : حدثنا عارم أبو النعمان ، قال : حدثنا حماد بن زيد ، قال : حدثنا شعيب ، قال : حدثني إبراهيم بن أبي حرة الجزري ، قال : سأل فتى من قريش سعيد بن جبير ، فقال له : يا أبا عبد الله ، كيف تقرأ هذا الحرف ، فإني إذا أتيت عليه تمنَّيت أن لا أقرأ هذه السورة : ( حتى إذا استيأس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا ) ؟ قال : نعم ، حتى إذا استيأس الرسل من قومهم أن يصدِّقوهم ، وظن المرسَلُ إليهم أن الرُّسُل كَذَبوا . قال : فقال الضحاك بن مزاحم : ما رأيت كاليوم قط رجلا يدعى إلى علم فيتلكَّأ!! لو رحلت في هذه إلى اليمن كان قليلا! (1)
__________
(1) الأثر : 20008 - " شعيب " ، هو " شعيب بن الحبحاب الأزدي " ، ثقة ، مضى برقم : 6180 ، 6442 .
و " إبراهيم بن أبي حرة الجزري " ، وثقه ابن معين ، وأحمد ، وقال ابن أبي حاتم : ثقة ، لا بأس به وضعفه الساجي ، وذكره ابن حبان في الثقات . كان قليل الحديث . مترجم في لسان الميزان 1 : 46 ، والكبير 1 / 1 / 281 ، وابن أبي حاتم 1 / 1 / 96 ، وابن سعد 7 / 2 / 179 .
وكان في المطبوعة : " ابن أبي حمزة " ، لم يحسن قراءة المخطوطة ، ولأن الناسخ وضع أمام هذا السطر علامة الشك .
والفتى المذكور هنا ، هو " مسلم بن يسار : كما يظهر من الأثر التالي .
وأما كلمة الضحاك بن مزاحم ، فهي كلمة رجل قد ملأ حب العلم قلبه ، وقل من الناس من يمتلئ قلبه بحب العلم حتى يقول مثل هذه المقالة ، إلا ما كان من أسلافنا هؤلاء ، فإن الله قد نشأهم أحسن تنشئة في حجور الأنبياء والصالحين من صحابة رسولنا صلى الله عليه وسلم .

(16/300)


20009 - حدثني المثنى ، قال : حدثنا الحجاج ، قال : حدثنا ربيعة بن كلثوم ، قال : حدثني أبي ، أن مسلم بن يسار ، سأل سعيد بن جبير ; فقال : يا أبا عبد الله ، آية بلغت مني كل مبلغ : ( حتى إذا استيأس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا ) ، فهذا الموتُ ، أن تظنّ الرسل أنهم قد كُذِبوا ، أو نظنّ أنهم قد كَذَبوا ، مخففة! (1) قال : فقال سعيد بن جبير : يا أبا عبد الرحمن ، حتى إذا استيأس الرسل من قومهم أن يستجيبوا لهم ، وظن قومُهم أن الرسل كذبتهم ( جاءهم نصرنا فنجى من نشاء ولا يرد بأسنا عن القوم المجرمين ) . قال : فقام مسلم إلى سعيد ، فاعتنقه وقال : فرّج الله عنك كما فرّجت عني (2)
20010 - حدثنا الحسن بن محمد ، قال : حدثنا يحيى بن عباد ، قال : حدثنا وهيب ، قال : حدثنا أبو المعلى العطار ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس : ( حتى إذا استيأس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا ) قال : استيأس الرسل من إيمان قومهم ; وظنَّ قومهم أن الرسل قد كَذَبوهم ، ما كانوا يخبرونهم ويبلِّغونهم. (3)
__________
(1) في المخطوطة : " وظنوا أنهم قد كذبوا ، ونظن أنهم قد كذبوا مخففة ... " ، سقط من الكلام ما أتمه ناشر المطبوعة الأولى من الدر المنثور للسيوطي 4 : 41 .
(2) الأثر : 20009 - " ربيعة بن كلثوم بن جبر البصري " ، ثقة ، مضى برقم 6240 ، 12522 .
وأبوه : " كلثوم بن جبر البصري " ، ثقة ، مضى أيضًا برقم : 6240 ، 12522 .و " مسلم بن يسار البصري " ، أبو عبد الله الفقيه ، روى عن أبيه ، وابن عباس ، وابن عمر تابعي ثقة ، مترجم في التهذيب ، والكبير 4 / 1 / 275 ، وابن أبي حاتم 4 / 1 / 198 .
وانظر الخبر الآتي رقم : 20014 .
(3) الأثر : 20010 - " الحسن بن محمد بن الصباح الزعفراني " ، شيخ الطبري ، مضى مرارًا آخرها رقم : 18807 ، 18817 .
و " يحيى بن عباد الضبعي " ، " أبو عباد البصري " ، ثقة ، حدث عنه أهل بغداد ، وقال الخطيب : أحاديثه مستقيمة ، لا نعلمه روى منكرًا . مترجم في التهذيب ، والكبير 4 / 2 / 292 ، وابن أبي حاتم 4 / 2 / 173 ، وتاريخ بغداد 14 : 144 - 146 .
و " وهيب " هو " وهيب بن خالد بن عجلان الباهلي " ، ثقة ، روى له الجماعة ، مضى برقم : 4345 ، 12444 .
و " أبو المعلى العطار " ، هو " يحيى بن ميمون " ، ثقة ليس به بأس ، مضى برقم : 8346 ، 8347 ، 11162 .

(16/301)


20011 - .... قال : حدثنا شبابة ، قال : حدثنا ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله ;( حتى إذا استيأس الرسل ) أن يصدقهم قومهم ، وظن قومهم أن الرسل قد كَذَبوا ، جاء الرسل نَصرُنا.
20012 - حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .
20013 - حدثني المثنى : قال : حدثنا الحجاج ، قال : حدثنا حماد ، عن عطاء بن السائب ، عن سعيد بن جبير ، في هذه الآية : حتى إذا استيأس الرسل من قومهم ، وظن قومهم أن الرسل قد كَذَبت.
20014 - .... قال : حدثنا حماد ، عن كلثوم بن جبر ، قال : قال لي سعيد بن جبير : سألني سيد من ساداتكم عن هذه الآية فقلت : استيأس الرسل من قومهم ، وظنَّ قومهم أن الرسل قد كذبت. (1)
20015 - حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : ( حتى إذا استيأس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا ) ، قال : استيأس الرسل أن يؤمن قومهم بهم ، وظنَّ قومهم المشركون أن الرسل قد كَذَبوا ما وعدهم الله من نصره إياهم عليهم ، وأخْلِفُوا ، وقرأ : ( جاءهم نصرنا ) ، قال : جاء الرسلَ النصرُ حينئذ. قال : وكان أبيّ يقرؤها : " كُذِبُوا " .
20016 - حدثنا الحسن بن محمد ، قال : حدثنا عبد الوهاب بن عطاء ، عن سعيد ، عن أبي المتوكل ، عن أيوب ابن أبي صفوان ، عن عبد الله بن الحارث ،
__________
(1) الأثر : 20014 - انظر الخبرين السالفين رقم : 20008 ، 20009 .

(16/302)


أنه قال : ( حتى إذا استيأس الرسل ) ، من إيمان قومهم ( وظنوا أنهم قد كذبوا ) ، وظن القوم أنهم قد كذبوهم فيما جاءوهم به. (1)
20017 - حدثنا الحسن بن محمد ، قال : حدثنا عبد الوهاب ، عن جويبر ، عن الضحاك ، قال : ظن قومهم أن رسلهم قد كَذَبوهم فيما وعدوهم به.
20018 - حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثنا محمد بن فضيل ، عن جحش بن زياد الضبي ، عن تميم بن حذلم ، قال : سمعت عبد الله بن مسعود يقول في هذه الآية : " حتى إذا استيأس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا " ، قال : استيأس الرسل من إيمان قومهم أن يؤمنوا بهم ، وظن قومهم حين أبطأ الأمر أنهم قد كَذَبوا بالتخفيف. (2)
20019 - حدثنا أبو المثنى ، قال : حدثنا محمد بن جعفر ، قال : حدثنا شعبة ،
__________
(1) الأثر : 20016 - " سعيد " ، هو " سعيد بن أبي عروبة " .
وأما " أبو المتوكل " فلا أدري ما هو ، وسيأتي أنه عند البخاري و ابن أبي حاتم : " المتوكل " ، ومع ذلك ، فلست أدري من يكون على التحقيق .
و " أيوب بن أبي صفوان " ، هكذا جاء في ترجمة " أيوب بن صفوان " في التاريخ الكبير للبخاري ، أي هكذا يقال فيه أيضًا ، وأما ابن أبي حاتم فاقتصر على أنه : " أيوب بن صفوان " ، مولى عبد الله بن الحارث ، وفي ترجمة أبي حاتم تخليط كثير .
قال البخاري في ترجمته : " قال عبد الأعلى ، حدثنا سعيد ، عن متوكل ، عن أيوب بن صفوان ، مولى عبد الله بن الحارث الهاشمي ، عن عبد الله بن الحارث ، عن أم هانئ ، عن النبي صلى الله عليه وسلم " ، يعني في صلاة الضحى " . ثم ذكره في إسناد آخر هكذا " أيوب بن أبي صفوان " ، كالذي هنا .
وأما ابن أبي حاتم فقال : " أيوب بن صفوان ، مولى عبد الله بن الحارث بن نوفل ، روى عن المتوكل ، عن عبد الله بن الحارث ، روى عنه سعيد بن أبي عروبة " ، وهو خلط أرجح أن صوابه : " روى عنه المتوكل ، عن عبد الله بن الحارث ، وروى عن المتوكل سعيد بن أبي عروبة " .
وهذا خبر مشكل إسناده كما ترى ، ولا حيلة لنا فيه ، حتى نجد شيئًا يهدي إلى الصواب فيه .
(2) الأثر : 20018 - " جحش بن زياد الضبي " ، روى عن تميم بن حذلم ، روى عنه سفيان الثوري ، وجرير ، ومحمد بن فضيل ، وأبو بكر بن عياش . لم يذكروا فيه جرحًا ، مترجم في الكبير 1 / 2 / 251 ، وابن أبي حاتم 1 / 1 / 550 .
و " تميم بن حذلم الضبي " ، من أصحاب ابن مسعود ، ثقة ، قليل الحديث ، روى له الجماعة ، مضى برقم : 13623 . في ترجمة ولده .

(16/303)


عن أبي المعلى ، عن سعيد بن جبير ، في قوله : ( حتى إذا استيأس الرسل ) ، قال : استيأس الرسل من نصر قومهم ، وظنّ قومُ الرسل أن الرسل قد كَذَبوهم. (1)
20020 - حدثنا أحمد بن إسحاق ، قال : حدثنا أبو أحمد ، قال : حدثنا عمرو بن ثابت ، عن أبيه ، عن سعيد بن جبير : حتى إذا استيأس الرسل أن يصدِّقوهم ، وظن قومُهم أن الرسل قد كذبوهم. (2)
20021 - .... قال : حدثنا أبو أحمد ، قال : حدثنا إسرائيل ، عن عطاء بن السائب ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس : حتى إذا استيأس الرسل أن يصدّقهم قومهم ، وظن قومُهم أن الرسل قد كَذَبوهم.
20022 - حدثت عن الحسين بن الفرج ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : حدثنا عبيد بن سليمان ، قال : سمعت الضحاك في قوله : ( حتى إذا استيأس الرسل ) ، يقول : استيأسوا من قومهم أن يجيبوهم ، ويؤمنوا بهم " وظنوا " ، يقول : وظن قوم الرسل أن الرسل قد كَذَبوهم الموعد.
* * *
قال أبو جعفر : والقراءة على هذا التأويل الذي ذكرنا في قوله : ( كُذِبُوا ) بضم الكاف وتخفيف الذال. وذلك أيضًا قراءة بعض قرأة أهل المدينة وعامة قرأة أهل الكوفة .
وإنما اخترنا هذا التأويل وهذه القراءة ، لأن ذلك عقيب قوله : ( وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا نوحي إليهم من أهل القرى أفلم يسيروا في الأرض فينظروا كيف
__________
(1) الأثر : 20019 - " أبو المعلي " ، هو العطار ، " يحيى بن ميمون " ، مضى قريبًا برقم : 20010 .
(2) الأثر : 20020 - " عمرو بن ثابت بن هرمز البكري " ، روى عن أبيه ، ضعيف جدًا ليس بثقة ، مضى برقم : 641 ، 680 ، 5969 .
وأبوه " ثابت بن هرمز " ، الحداد ، " أبو المقدام " ، ثقة ، مضى برقم : 641 ، 680 ، 5969 ، 16645 .

(16/304)


كان عاقبة الذين من قبلهم ) ، فكان ذلك دليلا على أن إياس الرسل كان من إيمان قومهم الذين أهلكوا ، وأن المضمر في قوله : ( وظنوا أنهم قد كذبوا ) ، إنما هو من ذكر الذين من قبلهم من الأمم الهالكة ، وزاد ذلك وضوحًا أيضًا ، إتباعُ الله في سياق الخبر عن الرسل وأممهم قوله : ( فنجي من نشاء ) ، إذ الذين أهلكوا هم الذين ظنوا ان الرسل قد كذبتهم ، (1) فكَذَّبوهم ظنًّا منهم أنهم قد كَذَبوهم.
* * *
وقد ذهب قوم ممن قرأ هذه القراءة ، إلى غير التأويل الذي اخترنا ، ووجّهوا معناه إلى : حتى إذا استيأس الرسل من إيمان قومهم ، وظنَّتِ الرسل أنهم قد كُذِبوا فيما وُعِدُوا من النصر .
* ذكر من قال ذلك :
20023 - حدثنا الحسن بن محمد ، قال : حدثنا عثمان بن عمر ، قال : حدثنا ابن جريج ، عن ابن أبي مليكة ، قال : قرأ ابن عباس : ( حتى إذا استيأس الرسل وظنوا أنهم قد كُذِبوا ) ، قال : كانوا بشرًا ضَعفُوا ويَئِسوا.
20024 - .... قال : حدثنا حجاج بن محمد ، عن ابن جريج ، قال : أخبرني ابن أبي مليكة ، عن ابن عباس ، قرأ : ( وظنوا أنهم قد كُذِبوا ) ، خفيفة ، قال ابن جريج : أقول كما يقول : أخْلِفوا. قال عبد الله : قال لي ابن عباس : كانوا بشرًا. وتلا ابن عباس : ( حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ ) [سورة البقرة : 214] قال ابن جريج : قال ابن أبي مليكة : ذهب بها إلى أنهم ضَعُفوا فظنوا أنهم أخْلِفوا.
20025 - حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا مؤمل ، قال : حدثنا سفيان ، عن الأعمش ، عن أبي الضحى ، عن مسروق ، عن عبد الله ، أنه قرأ : ( حتى إذا
__________
(1) في المخطوطة : " إن الذين أهلكوا " ، والصواب ما في المطبوعة .

(16/305)


استيأس الرسل وظنوا أنهم قد كُذِبوا ) ، مخففة. قال عبد الله : هو الذي تَكْرَه.
20026 - .... قال : حدثنا أبو عامر ، قال : حدثنا سفيان ، عن سليمان ، عن أبي الضحى ، عن مسروق ، أن رجلا سأل عبد الله بن مسعود : ( حتى إذا استيأس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا ) ، قال : هو الذي تكره مخففةً.
20027 - .... قال : حدثنا محمد بن جعفر ، قال : حدثنا شعبة ، عن أبي بشر ، عن سعيد بن جبير ، أنه قال في هذه الآية : ( حتى إذا استيأس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا ) ، قلت : " كُذِبوا " ! قال : نعم ألم يكونوا بشرًا ؟
20028 - حدثنا الحارث ، قال : حدثنا عبد العزيز ، قال : حدثنا إسرائيل ، عن سماك ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، في قوله : (حتى إذا استيأس الرسل وظنوا أنهم قد كُذِبوا ) ، قال : كانوا بشرًا ، قد ظنُّوا.
* * *
قال أبو جعفر : وهذا تأويلٌ وقولٌ ، غيرُه من التأويل أولى عندي بالصواب ، (1) وخلافه من القول أشبه بصفات الأنبياء ، والرسل إن جاز أن يرتابوا بوعدِ الله إياهم ويشكوا في حقيقة خبره ، مع معاينتهم من حجج الله وأدلته ما لا يعاينه المرسَل إليهم فيعذروا في ذلك ، فإن المرسَلَ إليهم لأوْلى في ذلك منهم بالعذر. (2) وذلك قول إن قاله قائلٌ لا يخفى أمره.
* * *
وقد ذُكِر هذا التأويل الذي ذكرناه أخيرًا عن ابن عباس لعائشة ، فأنكرته أشد النُكرة فيما ذكر لنا.
* ذكر الرواية بذلك عنها ، رضوانُ الله عليها :
20029 - حدثنا الحسن بن محمد ، قال : حدثنا عثمان بن عمر ، قال : حدثنا
__________
(1) في المطبوعة والمخطوطة : " هذا تأويل وقول غيره من أهل التأويل ... " بزيادة " أهل " ، وهو لا يستقيم ، لأنه لو عنى ذلك لقال : " وقول غيرهما " ، لأن الراوية قبل عند عبد الله بن عباس ، وعبد الله بن مسعود . ويصحح ما فعلت من حذف هذه الزيادة ، قوله بعد : " وخلافه من القول .... " .
(2) في المطبوعة و المخطوطة : " أن المرسل إليهم " بغير الفاء ، وهي واجبة في جواب الشرط من قوله : " والرسل إن جاز أن يرتابوا ... فإن المرسل إليهم ... " .

(16/306)


ابن جريج ، عن ابن أبي مليكة ، قال : قرأ ابن عباس : ( حتى إذا استيأس الرسل وظنوا انهم قد كذبوا ) ، فقال : كانوا بشرًا ، ضعفوا ويئسوا قال ابن أبي مليكة : فذكرت ذلك لعروة ، فقال : قالت عائشة : معاذ الله! ما حدَّث الله رسوله شيئًا قطُّ إلا علم أنه سيكون قبل أن يموت ، ولكن لم يزل البلاء بالرسل حتى ظن الأنبياء أن من تبعهم قد كذّبوهم . فكانت تقرؤها : " قَدْ كُذِّبُوا " ، تثقلها. (1)
20030 - .... قال : حدثنا حجاج ، عن ابن جريج ، قال : أخبرني ابن أبي مليكة ، أن ابن عباس قرأ : ( وظنوا أنهم قد كُذِبوا ) ، خفيفة ، قال عبد الله : ثم قال لي ابن عباس : كانوا بشرًا وتلا ابن عباس : ( حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ ) [سورة البقرة : 214] قال ابن جريج : قال ابن أبي مليكة : يذهب بها إلى أنهم ضَعُفوا ، فظنوا أنهم أُخْلِفوا . قال ابن جريج : قال أبن أبي مليكة : وأخبرني عروة عن عائشة ، أنها خالفت ذلك وأبته ، وقالت : ما وعد الله محمدًا صلى الله عليه وسلم من شيء إلا وقد علم أنه سيكون حتى مات ، ولكنه لم يزل البلاء بالرسل حتى ظنوا أنَّ من معهم من المؤمنين قد كذَّبوهم. قال ابن أبي مليكة في حديث عروة : كانت عائشة تقرؤها : " وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِّبُوا " مثقَّله ، للتكذيب. (2)
20031 - .... قال : حدثنا سليمان بن داود الهاشمي ، قال : حدثنا إبراهيم بن سعد ، قال : حدثني صالح بن كيسان ، عن ابن شهاب ، عن عروة ،
__________
(1) الأثر : 20029 - " عثمان بن عمر بن فارس العبدي " ، ثقة ، روى له الجماعة ، مضى مرارًا . وابن جريج ، هو الإمام المشهور .
و " ابن أبي مليكة " ، هو " عبد الله بن عبيد الله بن أبي مليكة " ، روى له الجماعة ، مضى مرارًا كثيرة .
وهذا إسناد صحيح ، رواه البخاري في صحيحه ( الفتح 8 : 140 ) ، من طريق إبراهيم بن موسى ، عن هشام ، عن ابن جريج .
(2) الأثر : 20030 - مكرر الذي قبله ، وهو إسناد صحيح .

(16/307)


عن عائشة قال : قلت لها قوله : ( حتى إذا استيأس الرسل وظنوا أنهم قد كُذِبوا ) ، قال : قالت عائشة : لقد استيقنوا أنهم قد كُذِّبوا . قلت : " كُذِبوا " . قالت : معاذ الله ، لم تكن الرُّسل تظُنُّ بربها ، (1) إنما هم أتباع الرُّسُل ، لما استأخر عنهم الوحيُ ، واشتد عليهم البلاء ، ظنت الرسل أن أتباعهم قد كذَّبوهم ( جاءهم نصرنا ). (2)
20032 - حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن الزهري ، عن عروة ، عن عائشة ، قالت : حتى إذا استيأس الرجل ممن كذبهم من قومهم أن يصدّقوهم ، وظنَّت الرسل أن من قد آمن من قومهم قد كَذَّبوهم ، جاءهم نصر الله عند ذلك. (3)
* * *
قال أبو جعفر : فهذا ما روي في ذلك عن عائشة ، غير أنها كانت تقرأ : " كُذِّبُوا " ، بالتشديد وضم الكاف ، بمعنى ما ذكرنا عنها : من أن الرسل ظنَّت بأتباعها الذين قد آمنوا بهم ، أنهم قد كذَّبوهم ، فارتدُّوا عن دينهم ، استبطاءً منهم للنصر .
وقد بيّنا أن الذي نختار من القراءة في ذلك والتأويل غيرَه في هذا الحرف خاصّةً.
* * *
وقال آخرون ممن قرأ قوله : " كُذِّبُوا " بضم الكاف وتشديد الذال ، معنى ذلك : حتى إذا استيأس الرسل من قومهم أن يؤمنوا بهم ويصدِّقوهم ، وظنَّت الرسل ، بمعنى : واستيقنت ، أنهم قد كذّبهم أممهم ، جاءَتِ الرُّسل نُصْرَتنا . وقالوا :
__________
(1) في المطبوعة والمخطوطة : " تظن يومًا " ، ورجحت أن هذا تصحيف من الناسخ ، لم يحسن قراءة " بربها " ، فكتب مكانها " يومًا " ، لشبه ما بينها في الرسم ، والذي في حديث البخاري : " تظن ذلك بربها " ، وهو يؤيد ما ذهبت إليه .
(2) الأثر : 20031 - بهذا الإسناد ، عن " عبد العزيز بن عبد الله ، عن إبراهيم بن سعد ، عن صالح بن كيسان " ، رواه البخاري في صحيحه ( الفتح 8 : 277 - 279 ) مطولا .
ولفظ أبي جعفر مختصر أشد الاختصار . وكتب ابن حجر فصلاً جيدًا مستوفى في شرح هذا الحديث .
(3) الأثر : 20032 - وهذا إسناد صحيح إلى عائشة .

(16/308)


" الظن " في هذا بمعنى العلم ، (1) من قول الشاعر : (2)
فَظُنُّوا بِأَلْفَيْ فَارِسٍ مُتَلَبِّبٍ... سَرَاتُهُمْ فِي الفَارِسِيّ المُسَرَّدِ (3)
* * *
* ذكر من قال ذلك :
20033 - حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، عن الحسن وهو قول قتادة : حتى إذا استيأس الرسل من إيمان قومهم ، وظنوا أنهم قد كُذِّبوا " ، أي : استيقنوا أنه لا خير عند قومهم ، ولا إيمان ( جاءهم نصرنا).
* * *
20034 - حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة : ( حتى إذا استيأس الرسل ) ، قال : من قومهم ( وظنوا أنهم قد كذِّبوا ) ، قال : وعلموا أنهم قد كذبوا ( جاءهم نصرنا).
* * *
قال أبو جعفر : وبهذه القراءة كانت تقرأ عامة قرأة المدينة والبصرة والشأم ، أعني بتشديد الذال من " كُذِّبُوا " وضم كافها.
* * *
وهذا التأويل الذي ذهب إليه الحسن وقتادة في ذلك ، إذا قرئ بتشديد الذال وضم الكاف ، خلافٌ لما ذكرنا من أقوال جميع من حكينا قوله من الصحابة ، لأنه لم يوجه " الظن " في هذا الموضع منهم أحدٌ إلى معنى العلم واليقين ، مع أن " الظنّ " إنما استعمله العرب في موضع العلم فيما كان من علم أدرك من جهة الخبر أو من غير وجه المشاهده والمعاينة. فأما ما كان من علم أدرك من وجه المشاهدة والمعاينة ، فإنها لا تستعمل فيه " الظن " ، لا تكاد تقول : " أظنني حيًّا ، وأظنني إنسانًا " ، بمعنى : أعلمني إنسانًا ، وأعلمني حيًا . والرسل الذين كذبتهم أممهم ، لا شك أنها كانت لأممها شاهدة ، ولتكذيبها إياها منها سامعة ، فيقال فيها : ظنّت بأممها أنها كَذَّبتها.
* * *
وروي عن مجاهد في ذلك قولٌ هو خلاف جميع ما ذكرنا من أقوال الماضين الذين سَمَّينا أسماءهم وذكرنا أقوالهم ، وتأويلٌ خلاف تأويلهم ، وقراءةٌ غير قراءة
__________
(1) انظر تفسير " الظن " بهذا المعنى فيما سلف من فهارس اللغة ( ظنن ) .
(2) هو دريد بن الصمة .
(3) مضى البيت بغير هذه الرواية 2 : 18 ، تعليق : 1 ، وبينت ذلك هناك .

(16/309)


جميعهم ، وهو أنه ، فيما ذُكِر عنه ، كان يقرأ : " وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كَذَبُوا " بفتح الكاف والذال وتخفيف الذال.
* ذكر الرواية عنه بذلك :
20035 - حدثني أحمد بن يوسف ، قال : حدثنا أبو عبيد ، قال : حدثنا حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، أنه قرأها : " كَذَبُوا " بفتح الكاف بالتخفيف.
* * *
وكان يتأوّله كما : -
20036 - حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد : استيأس الرجل أن يُعَذَّبَ قومهم ، وظن قومهم أن الرسل قد كَذَبوا ( جاءهم نصرنا ) ، قال : جاء الرسلَ نصرنا . قال مجاهد : قال في " المؤمن " (1) ( فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَرِحُوا بِمَا عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ ) ، قال : قولهم : " نحن أعلم منهم ولن نعذّب " . وقوله : ( وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ ) ، [سورة غافر : 83] ، قال : حاق بهم ما جاءت به رسلهم من الحق.
* * *
قال أبو جعفر : وهذه قراءة لا أستجيز القراءة بها ، (2) لإجماع الحجة من قرأة الأمصار على خلافها. ولو جازت القراءة بذلك ، لاحتمل وجهًا من التأويل ، وهو أحسن مما تأوله مجاهد ، وهو : حتى إذا استيأس الرسل من عذاب الله قومَها المكَذِّبة بها ، وظنَّت الرسل أن قومها قد كَذَبوا وافتروا على الله بكفرهم بها ويكون " الظن " موجِّهًا حينئذ إلى معنى العلم ، على ما تأوَّله الحسن وقتادة.
* * *
وأما قوله : ( فنجي من نشاء ) فإن القرأة اختلفت في قراءته.
فقرأه عامة قرأة أهل المدينة ومكة والعراق : " فَنُنْجِى مَنْ نَشَاء " ، مخفّفة بنونين ، (3)
__________
(1) " المؤمن " هي سورة غافر ، أي : سورة مؤمن آل فرعون .
(2) في المطبوعة وحدها : " وهذه القراءة " ، غير الكلام بلا معنى .
(3) في المطبوعة أسقط " مخففة " ، وكان في المخطوطة : " فننجي مخففة من نشاء بنونين " ، والذي أثبته أولى وأجود .

(16/310)


بمعنى : فننجي نحنُ من نشاء من رسلنا والمؤمنين بنا ، دون الكافرين الذين كَذَّبوا رُسلنا ، إذا جاء الرسلَ نصرُنا.
* * *
واعتلّ الذين قرءوا ذلك كذلك ، أنه إنما كتب في المصحف بنون واحدة ، وحكمه أن يكون بنونين ، لأن إحدى النونين حرف من أصل الكلمة ، من : " أنجى ينجي " ، والأخرى " النون " التي تأتي لمعنى الدلالة على الاستقبال ، من فعل جماعةٍ مخبرةٍ عن أنفسها ، لأنهما حرفان ، أعني النونين ، من جنس واحدٍ يخفى الثاني منهما عن الإظهار في الكلام ، فحذفت من الخط ، واجتزئ بالمثبتة من المحذوفة ، كما يفعل ذلك في الحرفين اللذين يُدْغم أحدهما في صاحبه.
* * *
وقرأ ذلك بعض الكوفيين على هذا المعنى ، غير أنه أدغم النون الثانية وشدّد الجيم.
* * *
وقرأه آخر منهم بتشديد الجيم ونصب الياء ، على معنى فعل ذلك به من : " نجَّيته أنجّيه " .
* * *
وقرأ ذلك بعض المكيين : " فَنَجَا مَنْ نَشَاءُ " بفتح النون والتخفيف ، من : " نجا ينجو " . (1)
* * *
قال أبو جعفر : والصواب من القراءة في ذلك عندنا ، قراءة من قرأه : " فَنُنْجِى مَنْ نَشَاءُ " بنونين ، لأن ذلك هو القراءة التي عليها القرأة في الأمصار ، وما خالفه ممن قرأ ذلك ببعض الوجوه التي ذكرناها ، فمنفرد بقراءته عما عليه الحجة مجمعة من القرأة. وغير جائز خلاف ما كان مستفيضًا بالقراءة في قرأة الأمصار.
* * *
__________
(1) في المخطوطة : " من نجا عذاب الله من نشاء ينجو " وفي المطبوعة : " من نجا من عذاب الله من نشاء ينجو " ، زاد " من " ليستقيم الكلام . بيد أني أقطع بأن الصواب هو ما أثبت ، كما فعل في أخواتها السالفة ، وإنما زاد الناسخ ما زاد سهوًا .

(16/311)


لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (111)

قال أبو جعفر : وتأويل الكلام : فننجي الرسلَ ومن نشاء من عبادنا المؤمنين إذا جاء نصرنا ، كما : -
20037 - حدثني محمد بن سعد ، قال : حدثني أبي ، قال حدثني عمي : قال : حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس : " فننجى من نشاء " ، فننجي الرسل ومن نشاء ( ولا يردّ بأسنا عن القوم المجرمين ) ، وذلك أن الله تبارك وتعالى بَعَث الرسل ، فدعوا قومهم ، وأخبروهم أنه من أطاع نجا ، ومن عصاه عُذِّب وغَوَى.
* * *
وقوله( ولا يردّ بأسنا عن القوم المجرمين ) ، يقول : ولا تردُّ عقوبتنا وبطشنا بمن بطشنا به من أهل الكفر بنا وعن القوم الذين أجرموا ، فكفروا بالله ، وخالفوا رسله وما أتوهم به من عنده.
* * *
القول في تأويل قوله تعالى : { لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لأولِي الألْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (111) }
قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره : لقد كان في قصص يوسف وإخوته عبرة لأهل الحجا والعقول يعتبرون بها ، وموعظة يتّعظون بها. (1) وذلك أن الله جل ثناؤه بعد أن ألقي يوسف في الجبّ ليهلك ، ثم بِيع بَيْع العبيد بالخسيس من الثمن ، وبعد الإسار والحبس الطويل ، ملّكه مصر ، ومكّن له في الأرض ، وأعلاه على من بغاه سوءًا من إخوته ، وجمع بينه وبين والديه وإخوته بقدرته ، بعد المدة الطويلة ، وجاء بهم إليه من الشُّقّة النائية البعيدة ، فقال جل ثناؤه للمشركين من قريش من
__________
(1) انظر تفسير " القصص " فيما سلف 15 : 558 ، تعليق : 1 ، والمراجع هناك .
وتفسير " العبرة " فيما سلف 6 : 242 ، 243 .

(16/312)


قوم نبيّه محمدٍ صلى الله عليه وسلم : لقد كان لكم ، أيها القوم ، في قصصهم عبرةٌ لو اعتبرتم به ، أن الذي فعل ذلك بيوسف وإخوته ، لا يتعذَّر عليه فعلُ مثله بمحمد صلى الله عليه وسلم ، (1) فيخرجه من بين أظهُرِكم ، ثم يظهره عليكم ، ويمكن له في البلاد ، ويؤيده بالجند والرجال من الأتباع والأصحاب ، وإن مرَّت به شدائد ، وأتت دونه الأيام والليالي والدهور والأزمان.
* * *
وكان مجاهد يقول : معنى ذلك : لقد كان في قصصهم عبرة ليوسف وإخوته.
* ذكر الرواية بذلك :
20038 - حدثنا محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قوله : ( لقد كان في قصصهم عبرة ) ، ليوسف وإخوته.
20039 - حدثنا الحسن بن محمد ، قال : حدثنا شبابة ، قال : حدثنا ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : عبرة ليوسف وإخوته.
20040 - حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .
20041 - حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، قوله : ( لقد كان في قصصهم عبرة لأولى الألباب ) ، قال : يوسف وإخوته.
* * *
قال أبو جعفر : وهذا القول الذي قاله مجاهد ، وإن كان له وجه يحتمله التأويل ، فإن الذي قلنا في ذلك أولى به ; لأنّ ذلك عَقِيب الخبر عن نبينا صلى الله عليه وسلم وعن قومه من المشركين ، وعَقِيب تهديدهم ووعيدهم على الكفر بالله وبرسوله محمد صلى الله عليه وسلم ، ومنقطع عن خبر يوسف وإخوته ، ومع ذلك
__________
(1) في المطبوعة : " أن يفعل مثله " ، أساء قراءة المخطوطة ، وزاد " أن " من عند نفسه .

(16/313)


أنه خبرٌ عام عن جميع ذوي الألباب ، أنَّ قصصهم لهم عبرة ، وغير مخصوص بعض به دون بعض. فإذا كان الأمر على ما وصفنا في ذلك ، فهو بأن يكون خبرًا عن أنه عبرة لغيرهم أشبه. (1) والرواية التي ذكرناها عن مجاهد [من] رواية ابن جريج (2) أشبه به أن تكون من قوله ; لأن ذلك موافقٌ القولَ الذي قلناه في ذلك.
* * *
وقوله : ( ما كان حديثًا يفترى ) ، يقول تعالى ذكره : ما كان هذا القول حديثًا يختلق ويُتَكذَّب ويُتَخَرَّص ، (3) كما : -
20042 - حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : ( ما كان حديثًا يفترى ) ، و " الفرية " : الكذب.
* * *
( ولكن تصديق الذي بين يديه ) ، يقول : ولكنه تصديق الذي بين يديه من كتب الله التي أنزلها قبله على أنبيائه ، كالتوراة والإنجيل والزبور ، يصدِّق ذلك كله ويشهد عليه أنّ جميعه حق من عند الله ، كما : -
20043 - حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : ( ولكن تصديق الذي بين يديه ) ، والفرقان تصديق الكتب التي قبله ، ويشهد عليها.
* * *
وقوله : ( وتفصيل كل شيء ) ، يقول تعالى ذكره : وهو أيضًا تفصيل كل ما بالعباد إليه حاجة من بيان أمر الله ونهيه ، وحلاله وحرامه ، وطاعته ومعصيته. (4)
* * *
وقوله : ( وهدى ورحمة لقوم يؤمنون ) ، يقول تعالى ذكره : وهو بيان أمره ،
__________
(1) قوله : " أشبه " ليست في المخطوطة ، لأنها مضطربة هنا ، وهي زيادة حكمية .
(2) زدت " من " بين القوسين ليستقيم الكلام ، وليست في المطبوعة ولا المخطوطة .
(3) انظر تفسير " الافتراء " فيما سلف من فهارس اللغة ( فرى ) .
(4) انظر تفسير " التفصيل " فيما سلف من فهرس اللغة ( فصل ) .

(16/314)


ورشاده لمن جهل سبيل الحق فعمي عنه ، (1) إذا اتبعه فاهتدى به من ضلالته " ورحمة " لمن آمن به وعمل بما فيه ، ينقذه من سخط الله وأليم عذابه ، ويورِّثه في الآخرة جنانه ، والخلودَ في النعيم المقيم ( لقوم يؤمنون ) ، يقول : لقوم يصدِّقون بالقرآن وبما فيه من وعد الله ووعيده ، وأمره ونهيه ، فيعملون بما فيه من أمره ، وينتهون عما فيه من نهيه .
* * *
آخر تفسير سورة يوسف
صلَّى الله عليه وسلم (2)
__________
(1) في المطبوعة : " ورشاد من جهل ... " وفي المخطوطة : " ورشاده من جهل " ، فجعلتها " لمن جهل " ، وهو صواب إن شاء الله .
(2) في المخطوطة هنا ، بعد هذا ، ما نصه
" يتلوه : تفسير السورة التي يذكر فيها الرعد
وصلي الله على محمد وآله وسلم كثيرًا " .

(16/315)


* * *

(16/316)


تفسير سورة الرعد

(16/317)


المر تِلْكَ آَيَاتُ الْكِتَابِ وَالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يُؤْمِنُونَ (1)

(أول تفسير السورة التي يذكر فيها الرعد)
(بسم الله الرحمن الرحيم)
(ربِّ يسِّر)
القول في تأويل قوله تعالى : { المر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ وَالَّذِي أُنزلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يُؤْمِنُونَ (1) }
قال أبو جعفر : قد بينا القول في تأويل قوله(الر)
و(المر) ، ونظائرهما من حروف المعجم التي افتتح بها أوائل بعض سور القرآن ، فيما مضى ، بما فيه الكفاية من إعادتها (1) غير أنا نذكر من الرواية ما جاء خاصًّا به كل سورة افتتح أولها بشيء منها.
فما جاء من الرواية في ذلك في هذه السورة عن ابن عباس من نقل أبي الضحى مسلم بن صبيح وسعيد بن جبير عنه ، التفريقُ بين معنى ما ابتدئ به أولها ، مع زيادة الميم التي فيها على سائر السور ذوات( الر ) (2) ومعنى ما ابتدئ به أخواتها (3) مع نقصان ذلك منها عنها.
ذكر الرواية بذلك عنه :
__________
(1) انظر ما سلف 1 : 205 - 224 / 6 : 149 / 12 : 293 ، 294 / 15 : 9 ، 225 ، 549 .
(2) في المطبوعة والمخطوطة : " على سائر سور ذوات الراء " ، والصواب ما أثبت .
(3) السياق : " ... التفريق بين معنى ما ابتدئ به أولها ... ومعنى ما ابتدئ به أخواتها " .

(16/318)


20044 - حدثنا ابن المثنى قال : حدثنا عبد الرحمن ، عن هشيم ، عن عطاء بن السائب ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس : (المر) قال : أنا الله أرى .
20045 - حدثنا أحمد بن إسحاق قال : حدثنا أبو أحمد قال : حدثنا شريك ، عن عطاء بن السائب ، عن أبي الضحى ، عن ابن عباس : قوله : (المر) قال : أنا الله أرى .
20046 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو نعيم الفضل بن دكين قال : حدثنا سفيان ، عن مجاهد : (المر) : فواتح يفتتح بها كلامه .
* * *
وقوله : (تلك آيات الكتاب) يقول تعالى ذكره : تلك التي قصصت عليك خبرَها ، آيات الكتاب الذي أنزلته قبل هذا الكتاب الذي أنزلته إليك إلى من أنزلته إليه من رسلي قبلك .
* * *
وقيل : عنى بذلك : التوراة والإنجيل .
*ذكر من قال ذلك :
20047 - حدثنا بشر قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : (المر تلك آيات الكتاب) الكتُب التي كانت قبل القرآن .
20048 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو نعيم قال : حدثنا سفيان ، عن مجاهد : (تلك آيات الكتاب) قال : التوراة والإنجيل .
* * *
وقوله : (والذي أنزل إليك من ربك الحق ) [القرآن] ، (1) فاعمل بما فيه واعتصم به.
__________
(1) الزيادة بين القوسين واجبة ، يدل على وجوبها ما بعدها من الآثار .

(16/320)


وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
*ذكر من قال ذلك :
20049 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو نعيم الفضل بن دكين قال : حدثنا سفيان ، عن مجاهد : (والذي أنزل إليك من ربك الحق) قال : القرآن .
20050 - حدثنا بشر قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : (والذي أنزل إليك من ربك الحق) : أي : هذا القرآن .
* * *
وفي قوله : (والذي أنزل إليك) وجهان من الإعراب :
أحدهما : الرفع ، على أنه كلام مبتدأ ، فيكون مرفوعا بـ " الحق " و " الحق به " . وعلى هذا الوجه تأويل مجاهد وقتادة الذي ذكرنا قبل عنهما .
* * *
والآخر : الخفض على العطف به على(الكتاب) ، فيكون معنى الكلام حينئذ : تلك آياتُ التوراة والإنجيل والقرآن. ثم يبتدئ(الحق) بمعنى : ذلك الحق فيكون رفعه بمضمر من الكلام قد استغنى بدلالة الظاهر عليه منه .
* * *
ولو قيل : معنى ذلك : تلك آيات الكتاب الذي أنزل إليك من ربك الحق وإنما أدخلت الواو في " والذي " ، وهو نعت للكتاب ، كما أدخلها الشاعر في قوله :
إلَى المَلِكِ القَرْمِ وَابْنِ الهُمَامِ... وَلَيْثَ الكَتِيبَةِ فِي المُزْدَحَمْ (1)
فعطف بـ " الواو " ، وذلك كله من صفة واحد ، كان مذهبًا من التأويل. (2)
__________
(1) مضى البيت وتخريجه وشرحه فيما سلف 3 : 352 ، 353 ، وقوله : " ليث " ، منصوب على المدح ، كما بينه الطبري هناك .
(2) السياق : " ولو قيل : معنى ذلك ... كان مذهبًا من التأويل " .

(16/321)


اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى يُدَبِّرُ الْأَمْرَ يُفَصِّلُ الْآَيَاتِ لَعَلَّكُمْ بِلِقَاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ (2)

ولكن ذلك إذا تُؤُوِّل كذلك فالصواب من القراءة في(الحق) الخفض ، على أنه نعت لـ(الذي).
* * *
وقوله : (ولكن أكثر الناس لا يؤمنون) ولكن أكثر الناس من مشركي قومك لا يصدقون بالحقّ الذي أنزل إليك من ربك ، (1) ولا يقرّون بهذا القرآن وما فيه من محكم آيه .
* * *
القول في تأويل قوله تعالى : { اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لأجَلٍ مُسَمًّى يُدَبِّرُ الأمْرَ يُفَصِّلُ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ بِلِقَاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ (2) }
قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره : الله ، يا محمد ، هو الذي رفع السموات السبع بغير عَمَد ترونها ، فجعلها للأرض سقْفًا مسموكًا .
* * *
و " العَمَد " جمع " عمود " ، وهي السَّواري ، وما يعمد به البناء ، كما قال النابغة :
وَخَيِّسِ الجِنَّ إنِّي قَدْ أذِنْتُ لَهُمْ... يَبْنُون تَدْمُرَ بِالصُّفَّاحِ وَالعَمَدِ (2)
__________
(1) في المطبوعة والمخطوطة ، أسقط لفظ الآية ، فأثبتها .
(2) ديوانه : 29 ، ومجاز القرآن 1 : 320 ، وشمس العلوم لنشوان الحميري : 37 ، وغيرها كثير ، من قصيدته المشهورة التي اعتذر فيها للنعمان ، لما قذفوه بأمر المتجردة ، يقول قبله : ولاَ أَرَى فَاعلاً فِي النَّاسِ يُشْبِهُهُ ... ولاَ أُحَاشِي مِنَ الأقْوامِ مِنْ أَحَدِ
إلاَّ سُلَيْمَانَ إذْ قَالَ الإلهُ لَهُ ... قُمْ فِي البَرِيَّةِ فَاحْدُدْهَا عن الفَنَدِ
وقوله : " وخيس الجن " ، أي : ذللها ورضها . و " الصفاح " ، حجارة رقاق عراض صلاب .
و " تدمر " مدينة بالشام . قال نشوان الحميري في شمس العلوم : " مدينة الشأم مبنية بعظام الصخر ، فيها بناء عجيب ، سميت بتدمر الملكة العمليقية بنت حسان بن أذينة ، لأنها أول من بناها . ثم سكنها سليمان بن داود عليه السلام بعد ذلك . فبنت له فيها الجن بناء عظيمًا ، فنسبت اليهود والعرب بناءها إلى الجن ، لما استعظموه " .
وهذا نص جيد من أخبارهم وقصصهم في الجاهلية .

(16/322)


وجمع " العمود : " " عَمَد ، " كما جمع الأديم : " أدَم " ، ولو جمع بالضم فقيل : " عُمُد " جاز ، كما يجمع " الرسول " " رسل " ، و " الشَّكور " " شكر " .
* * *
واختلف أهل التأويل في تأويل قوله : (رفع السموات بغير عمد ترونها) .
فقال بعضهم : تأويل ذلك : الله الذي رفع السموات بعَمَدٍ لا ترونها .
*ذكر من قال ذلك :
20051 - حدثنا أحمد بن هشام قال : حدثنا معاذ بن معاذ قال : حدثنا عمران بن حدير ، عن عكرمة قال : قلت لابن عباس : إن فلانًا يقول : إنها على عمد يعنى السماء ؟ قال : فقال : اقرأها(بغير عمَدٍ ترونها) : أي لا ترونها .
20052 - حدثنا الحسن بن محمد بن الصباح قال : حدثنا معاذ بن معاذ ، عن عمران بن حدير ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، مثله .
20053 - حدثنا الحسن بن محمد قال : ثنا عفان قال : حدثنا حماد قال : حدثنا حميد ، عن الحسن بن مسلم ، عن مجاهد في قوله : (بغير عمد ترونها) ، قال : بعمد لا ترونها .
20054 - حدثني المثنى قال : حدثنا الحجاج قال : حدثنا حماد ، عن حميد ، عن الحسن بن مسلم ، عن مجاهد ، في قول الله : (بغير عمد ترونها) قال : هي لا ترونها (1) .
__________
(1) الأثران : 20053 ، 20054 - " الحسن بن مسلم بن يناق المكي " ، ثقة ، وله أحاديث مترجم في التهذيب ، والكبير 1 / 2 / 304 ، وابن أبي حاتم 1 / 2 / 36 .

(16/323)


20055 - حدثنا الحسن بن محمد قال : حدثنا شبابة قال : حدثنا ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد(بغير عمد) يقول : عمد [لا ترونها] . (1)
20056 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .
20057 - ...... قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا عبد الرزاق ، عن معمر ، عن الحسن وقتادة قوله : (الله الذي رفع السموات بغير عمد ترونها) قال قتادة : قال ابن عباس : بعَمَدٍ ولكن لا ترونها .
20058 - حدثنا أحمد بن إسحاق قال : حدثنا أبو أحمد قال : حدثنا شريك ، عن سماك ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، قوله : (رفع السموات بغير عمد ترونها) قال : ما يدريك ؟ لعلها بعمد لا ترونها.
* * *
ومن تأوَّل ذلك كذلك ، قصد مذهب تقديم العرب الجحدَ من آخر الكلام إلى أوله ، كقول الشاعر (2)
وَلا أرَاهَا تَزَالُ ظَالِمَةً... تُحْدِثُ لِي نَكْبَةً وتَنْكَؤُهَا (3)
يريد : أراها لا تزال ظالمة ، فقدم الجحد عن موضعه من " تزال " ، وكما قال الآخر : (4)
__________
(1) ما بين القوسين زيادة لا بد منها ، وليست في المخطوطة .
(2) هو ابن هرمة .
(3) شرح شواهد المغني 277 ، 279 من تسعة أبيات ، ومعاني القرآن للفراء في تفسير الآية ، والأضداد لابن الأنباري : 234 .
وقد زعموا أنه قيل لابن هرمة : إن قريشًا لا تهمز ، فقال : لأقولن قصيدة أهمزها كلها بلسان قريش ، وأولها : إنَّ سُلَيْمي والله يكْلَؤهَا ... ضَنَّتْ بِشَيء مَا كَان يَرْزَؤُها
وعَوَّدَتْنِي فِيما تُعَوِّدُني ... أَظْمَاءُ وِرْدٍ ما كُنْتُ أجزَؤُهَا
ولا أرَاهَا تَزَال ظَالِمةً ... . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
(4) لم أعرف قائله .

(16/324)


إذَا أَعْجَبَتْكَ الدَّهْرَ حَالٌ مِنَ امْرِئٍ... فَدَعْهُ وَوَاكِلْ حَالَهُ وَاللَّيَاليَا (1) يَجِئْنَ عَلَى مَا كَانَ مِنْ صَالحٍ بِهِ... وَإنْ كَانَ فِيما لا يَرَى النَّاسُ آلِيَا
يعني : وإن كان فيما يرى الناس لا يألو .
* * *
وقال آخرون ، بل هي مرفوعة بغير عمد .
*ذكر من قال ذلك :
20059 - حدثنا محمد بن خلف العسقلاني قال : أخبرنا آدم قال : حدثنا حماد بن سلمة ، عن إياس بن معاوية ، في قوله : (رفع السموات بغير عمد ترونها) قال : السماء مقبّبة على الأرض مثل القبة . (2)
20060 - حدثنا بشر قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : (بغير عمد ترونها) قال : رفعها بغير عمد .
* * *
قال أبو جعفر : وأولى الأقوال في ذلك بالصحة أن يقال كما قال الله تعالى : (الله الذي رفع السموات بغير عمد ترونها) فهي مرفوعة بغير عمد نَراها ، كما قال ربنا جل ثناؤه . ولا خبر بغير ذلك ، ولا حجة يجب التسليم لها بقول سواه . (3)
* * *
وأما قوله : (ثم استوى على العرش) فإنه يعني : علا عليه .
* * *
وقد بينا معنى الاستواء واختلاف المختلفين فيه ، والصحيح من القول فيما قالوا فيه ، بشواهده فيما مضى ، بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع . (4)
* * *
__________
(1) معاني القرآن للفراء في تفسير الآية ، والأضداد لابن الأنباري : 234 ، وقوله : " واكل حاله " ، أي : دع أمره لليالي . من " وكل إليه الأمر " ، أي : صرف أمره إليه . وقوله : " يجئن على ما كان من صالح به " ، أي يقضين على صالح أمره ويذهبنه . و " الآلي " ، المقصر .
(2) الأثر : 20059 - " إياس بن معاوية بن قرة المزني " ، " أبو واثلة " قاضي البصرة ، ثقة ، وكان فقيهًا عفيفًا ، وكان عاقلا فطنًا من الرجال ، يضرب به المثل في الحلم والدهاء . مترجم في التهذيب ، والكبير 1 / 1 / 442 ، وابن أبي حاتم 1 / 1 / 282 ، وابن سعد 7 / 2 / 4 ، 5 .
(3) أي احتياط وفقه وعقل وورع ، كان أبو جعفر يستعمل في تفسيره ! .
(4) انظر تفسير " الاستواء " فيما سلف 1 : 428 - 431 / 12 : 482 ، 483 / 15 : 18 .
وتفسير " العرش " فيما سلف 15 : 245 ، تعليق : 1 ، والمراجع هناك .

(16/325)


وقوله : (وسخر الشمس والقمر) يقول : وأجرى الشمس والقمر في السماء ، فسخرهما فيها لمصالح خلقه ، وذلَّلَهما لمنافعهم ، ليعلموا بجريهما فيها عدد السنين والحساب ، ويفصلوا به بين الليل والنهار .
* * *
وقوله : (كل يجري لأجل مسمَّى) يقول جل ثناؤه : كل ذلك يجري في السماء(لأجل مسمى) : أي : لوقت معلوم ، (1) وذلك إلى فناء الدنيا وقيام القيامة التي عندها تكوَّر الشمس ، ويُخْسف القمر ، وتنكدر النجوم.
وحذف ذلك من الكلام ، لفهم السامعين من أهل لسان من نزل بلسانه القرآن معناه ، وأن(كلّ) " لا بدَّ لها من إضافة إلى ما تحيط به . (2)
* * *
وبنحو الذي قلنا في قوله : (لأجل مسمى) قال أهل التأويل .
*ذكر من قال ذلك :
20061 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : (وسخر الشمس والقمر كل يجري لأجل مسمّى) قال : الدنيا . (3)
* * *
وقوله : (يدبِّر الأمر) يقول تعالى ذكره : يقضي الله الذي رفع السموات بغير عمد ترونها أمورَ الدنيا والآخرة كلها ، ويدبِّر ذلك كله وحده ، بغير شريك ولا ظهير ولا معين سُبْحانه . (4)
* * *
__________
(1) انظر تفسير " الأجل المسمى " فيما سلف 6 : 43 / 11 : 256 - 259 ، 407 .
(2) انظر تفسير " كل " وأحكامها فيما سلف 15 : 540 ، تعليق : 1 ، والمراجع هناك . وانظر ما قاله أبو عبيدة في مجاز القرآن 1 : 321 .
(3) قوله " الدنيا " ، كأنه يعني : فناء الدنيا ، فاقتصر على ذكر " الدنيا " ، لأنه معلوم بضرورة الدين أنها فانية ، وإنما الخلود في الآخرة .
(4) انظر تفسير " التدبير " فيما سلف 15 : 18 ، 19 ، 84 .

(16/326)


وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
*ذكر من قال ذلك :
20062 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد(يدبر الأمر) يقضيه وحده .
20063 - ......... قال حدثنا إسحاق قال : حدثنا عبد الله ، عن ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، بنحوه .
20064 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، بنحوه .
* * *
وقوله : (يفصل الآيات) يقول : يفصل لكم ربُّكم آيات كتابه ، فيبينها لكم (1) احتجاجًا بها عليكم ، أيها الناس (لعلكم بلقاء ربكم توقنون) يقول : لتوقنوا بلقاء الله ، والمعاد إليه ، فتصدقوا بوعده ووعيده ، (2) وتنزجروا عن عبادة الآلهة والأوثان ، وتخلصوا له العبادة إذا أيقنتم ذلك . (3)
* * *
وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
*ذكر من قال ذلك :
20065 - حدثنا بشر قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : (لعلكم بلقاء ربكم توقنون) ، وإن الله تبارك وتعالى إنما أنزل كتابه وأرسل رسله ، لنؤمن بوعده ، ونستيقن بلقائه .
* * *
__________
(1) انظر تفسير " تفصيل الآيات " فيما سلف 15 : 227 ، تعليق : 2 ، والمراجع هناك .
(2) انظر تفسير " الإيقان " فيما سلف 10 : 394 / 11 : 475 .
(3) في المطبوعة : " تيقنتم " ، وأثبت ما في المخطوطة ، وهو لب الصواب .

(16/327)


وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الْأَرْضَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْهَارًا وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ جَعَلَ فِيهَا زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (3)

القول في تأويل قوله تعالى : { وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الأرْضَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْهَارًا وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ جَعَلَ فِيهَا زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (3) }
قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره : والله الذي مَدَّ الأرض ، فبسطها طولا وعرضًا .
* * *
وقوله : (وجعل فيها رواسي) يقول جل ثناؤه : وجعل في الأرض جبالا ثابتة.
* * *
و " الرواسي : " جمع " راسية " ، وهي الثابتة ، يقال منه : " أرسيت الوتد في الأرض " : إذا أثبته ، (1) كما قال الشاعر : (2)
بهِ خَالِدَاتٌ مَا يَرِمْنَ وهَامِدٌ... وَأشْعَثُ أرْسَتْهُ الوَلِيدَةُ بِالفِهْرِ (3)
يعني : أثبتته .
* * *
وقوله : (وأنهارًا) يقول : وجعل في الأرض أنهارًا من ماء .
* * *
وقوله : (ومن كل الثمرات جعل فيها زوجين اثنين فـ(من) في
__________
(1) انظر تفسير " الإرساء " فيما سلف 13 : 293 .
(2) هو الأحوص .
(3) مجاز القرآن لأبي عبيدة 1 : 321 ، واللسان ( رسا ) ، وروايته " سوى خالدات " و " ترسيه الوليدة " . و " الخالدات " ، و " الخوالد " صخور الأثافي ، سميت بذلك لطول بقائها بعد دروس أطلال الديار . : ما يرمن " ، ما يبرحن مكانهن ، من " رام المكان يريمه " ، إذا فارقه . و " الهامد " الرماد المتلبد بعضه على بعض . و " الأشعث " ، الوتد ، لأنه يدق رأسه فيتشعث ويتفرق ، و " الوليدة " : الجارية ، و " الفهر " حجر ملء الكف ، يدق به .

(16/328)


قوله(ومن كل الثمرات جعل فيها زوجين اثنين) من صلة(جعل) الثاني لا الأول .
* * *
ومعنى الكلام : وجعل فيها زوجين اثنين من كل الثمرات . وعنى بـ(زوجين اثنين) : من كل ذكر اثنان ، ومن كل أنثى اثنان ، فذلك أربعة ، من الذكور اثنان ، ومن الإناث اثنتان في قول بعضهم .
* * *
وقد بينا فيما مضى أن العرب تسمي الاثنين : (زوجين) ، والواحد من الذكور " زوجًا " لأنثاه ، وكذلك الأنثى الواحدة " زوجًا " و " زوجة " لذكرها ، بما أغمى عن إعادته في هذا الموضع . (1)
ويزيد ذلك إيضاحًا قول الله عز وجل : ( وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالأنْثَى ) [سورة النجم : 45] فسمى الاثنين الذكر والأنثى(زوجين) .
وإنما عنى بقوله : (زوجين اثنين) ، (2) نوعين وضربين .
* * *
وقوله : (يغشى الليل النهار) ، يقول : يجلِّل الليلُ النهارَ فيلبسه ظلمته ، والنهارُ الليلَ بضيائه ، (3) كما : -
20066 - حدثنا بشر قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : (يغشي الليل النهار) أي : يلبس الليل النهار .
* * *
وقوله : (إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون) ، يقول تعالى ذكره :
__________
(1) انظر تفسير " الزوج " فيما سلف 1 : 397 ، 514 / 7 : 515 / 12 : 184 / 15 : 322 - 324 .
(2) في المخطوطة والمطبوعة : " من كل زوجين اثنين " ، وهم الناسخ ، فزاد في الكلام ما ليس منه هنا ، وإنما ذلك من قوله تعالى في آية أخرى . فحذفت " من كل " ، ليبقى نص الآية التي يفسرها هنا .
(3) انظر تفسير " الإغشاء " فيما سلف 12 : 483 / 15 : 75 .

(16/329)


وَفِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجَاوِرَاتٌ وَجَنَّاتٌ مِنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ يُسْقَى بِمَاءٍ وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (4)

إن فيما وصفت وذكرت من عجائب خلق الله وعظيم قدرته التي خلق بها هذه الأشياء ، لَدلالات وحججًا وعظات ، لقوم يتفكرون فيها ، فيستدلون ويعتبرون بها ، فيعلمون أن العبادة لا تصلح ولا تجوز إلا لمن خلقها ودبَّرها دون غيره من الآلهة والأصنام التي لا تقدر على ضر ولا نفع ولا لشيء غيرها ، إلا لمن أنشأ ذلك فأحدثه من غير شيء تبارك وتعالى وأن القدرة التي أبدع بها ذلك ، هي القدرة التي لا يتعذَّر عليه إحياء من هلك من خلقه ، وإعادة ما فني منه وابتداع ما شاء ابتداعَه بها . (1)
* * *
القول في تأويل قوله تعالى : { وَفِي الأرْضِ قِطَعٌ مُتَجَاوِرَاتٌ وَجَنَّاتٌ مِنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ يُسْقَى بِمَاءٍ وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الأكُلِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (4) }
قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره(وفي الأرض قطع متجاورات) ، وفي الأرض قطع منها متقاربات متدانيات ، يقرب بعضها من بعض بالجوار ، وتختلف بالتفاضل مع تجاورها وقرب بعضها من بعض ، فمنها قِطْعة سَبَخَةٌ لا تنبت شيئًا في جوار قطعة طيبة تنبت وتنفع .
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
*ذكر من قال ذلك :
__________
(1) السياق : " وهي القدرة التي لا يتعذر عليه ... بها " .

(16/330)


20067 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا وكيع ، عن سفيان ، عن ليث ، عن مجاهد : (وفي الأرض قطع متجاورات) قال : السَّبَخة والعَذِيَة ، (1) والمالح والطيب .
20068 - حدثنا أحمد بن إسحاق قال : حدثنا أبو أحمد قال : حدثنا سفيان ، عن ليث ، عن مجاهد ، قوله : (وفي الأرض قطع متجاورات) قال : سِبَاخٌ وعَذَويّة .
20069 - حدثني المثنى قال : ثنا أبو نعيم قال : حدثنا سفيان ، عن ليث ، عن مجاهد ، مثله .
20070 - حدثنا الحسن بن محمد قال : حدثنا سعيد بن سليمان قال : حدثنا إسحاق بن سليمان ، عن أبي سنان ، عن ابن عباس في قوله : (وفي الأرض قطع متجاورات) قال : العَذِيَة والسَّبخة .
20071 - حدثني محمد بن سعد قال : حدثني أبي قال : حدثني عمي قال : حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : (وفي الأرض قطع متجاورات) يعني : الأرض السبخة ، والأرض العذية ، يكونان جميعًا متجاورات ، يُفضِّل بعضها على بعض في الأكُل . (2)
20072 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج قال : قال ابن عباس : (قطع متجاورات) العذية والسبخة ،
__________
(1) " السبخة " ( بفتح السين والباء ، وبفتح السين وكسر الباء ) : هي الأرض المالحة ، ذات الملح والنز ، ولا تكاد تنبت إلا بعض الشجر . و " العذية " ( بفتح العين وسكون الذال ، وفتح الياء بغير تشديد ) ، و " العذاة " أيضًا : وهي الأرض التربة ، الكريمة المنبت ، التي ليست بسبخة ، ولا تكون ذات وخامة ولا وباء .
(2) في المخطوطة والمطبوعة ، ذكر بعد هذا الخبر التالي رقم : 20072 ، مبتور الآخر ، ثم عاد فروى هذا الخبر ( رقم : 20071 ) بنصه وإسناده ، ثم اتبعه الخبر رقم : 20072 ، فحذفت ما بين ذلك ، لأنه تكرار لا شك فيه ، وسهو من ناسخ الكتاب .

(16/331)


متجاورات جميعًا ، تنبت هذه ، وهذه إلى جنبها لا تُنْبِت .
20073 - حدثنا الحسن بن محمد قال : حدثنا شبابة قال : حدثنا ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : (قطع متجاورات) طيِّبها : عذبُها ، وخبيثها : السَّباخ .
20074 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، بنحوه .
20075 - ...... قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا عبد الله ، عن ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .
20076 - حدثنا بشر قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : (وفي الأرض قطع متجاورات) قُرًى قَرُبت متجاورات بعضها من بعض .
20077 - حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة : (وفي الأرض قطع متجاورات) قال : قُرًى متجاورات .
20078 - حدثني المثنى قال : حدثنا عمرو قال : حدثنا هشيم ، عن أبي إسحاق الكوفي ، عن الضحاك ، في قوله : (قطع متجاورات) قال : الأرض السبخة ، (1) تليها الأرض العَذِية . (2)
20079 - حدثت عن الحسين بن الفرج قال : سمعت أبا معاذ يقول ، حدثنا عبيد بن سليمان قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : (وفي الأرض قطع
__________
(1) في المطبوعة : " الأرض السبخة بينها الأرض العذية " ، لم يحسن قراءة المخطوطة ، لأنها غير منقوطة .
(2) الأثر : 20078 - " أبو إسحاق الكوفي " ، " عبد الله بن ميسرة الحارثي " ، كنيته " أبو ليلى " ، وكناه هشيم : " أبا إسحاق " تارة و " أبا عبد الجليل " تارة أخرى ، كأنه يدلس بكنيته وهو ضعيف ، مضى برقم : 6920 ، 9250 ، 13489 .

(16/332)


متجاورات) يعني الأرض السَّبِخة والأرض العَذِيَة ، متجاورات بعضها عند بعض .
20080 - حدثنا الحارث قال : حدثنا عبد العزيز قال : حدثنا إسرائيل ، عن عطاء بن السائب ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، في قوله : (وفي الأرض قطع متجاورات) قال : الأرض تنبت حُلوًا ، والأرض تنبت حامضًا ، وهي متجاورة تسقى بماءٍ واحد.
20081 - حدثنا أحمد بن إسحاق قال : حدثنا أبو أحمد قال : حدثنا إسرائيل ، عن عطاء بن السائب ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس : (وفي الأرض قطع متجاورات) قال : يكون هذا حلوًا وهذا حامضًا ، وهو يسقى بماء واحد ، وهن متجاورات .
20082 - حدثني عبد الجبار بن يحيى الرملي قال : حدثنا ضمرة بن ربيعة ، عن ابن شوذب في قوله : (وفي الأرض قطع متجاورات) قال : عَذِيَة ومالحة . (1)
* * *
وقوله : (وجنات من أعناب وزرع ونخيل صِنْوان وغير صنوان يسقى بماء واحدٍ ونفضّل بعضها على بعض في الأكُل) يقول تعالى ذكره : وفي الأرض مع القطع المختلفات المعاني منها ، بالملوحة والعذوبة ، والخبث والطيب ، (2) مع تجاورها وتقارب بعضها من بعض ، بساتين من أعناب وزرع ونخيلٍ أيضًا ، متقاربةٌ في الخلقة مختلفة في الطعوم والألوان ، مع اجتماع جميعها على شرب واحد. فمن طيّبٍ طعمُه منها حسنٍ منظره طيبةٍ رائحته ، ومن حامضٍ طعمه ولا رائحة له .
* * *
__________
(1) الأثر : 20082 - " عبد الجبار بن يحيى الرملي " ، شيخ الطبري ، لم نجد له بعد ترجمة . ومضى برقم : 7425 ، 7446 .
(2) في المطبوعة : " والخبيث " ، والصواب ما في المخطوطة .

(16/333)


وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
*ذكر من قال ذلك :
20083 - حدثنا ابن حميد قال : ثنا جرير ، عن عطاء بن السائب ، عن سعيد بن جبير ، في قوله : (وجنات من أعناب وزرع ونخيل صنوان وغير صنوان) قال : مجتمع وغير مجتمع " تسقى بماء واحد ونفضل بعضها على بعض في الأكل " ، قال : الأرض الواحدة يكون فيها الخوخ والكمثرى والعنب الأبيض والأسود ، وبعضها أكثر حملا من بعض ، وبعضه حلو ، وبعضه حامض ، وبعضه أفضل من بعض .
20084 - حدثنا الحسن بن محمد قال : حدثنا شبابة ، عن ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : (وجنات) قال : وما معها .
20085 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد
20086 - قال المثنى ، وحدثنا إسحاق قال : حدثنا عبد الله ، عن ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .
* * *
واختلفت القرأة في قراءة قوله : (وزرع ونخيل) فقرأ ذلك عامة قراء أهل المدينة والكوفة : (وَزَرْعٍ وَنَخِيلٍ) بالخفض عطفًا بذلك على " الأعناب " ، بمعنى : وفي الأرض قطعٌ متجاوراتٌ ، وجناتٌ من أعناب ومن زرع ونخيل .
وقرأ ذلك بعض قرأة أهل البصرة : (وَزَرْعٌ ونَخِيلٌ) بالرفع عطفًا بذلك على " الجنات " ، بمعنى : وفي الأرض قطعٌ متجاوراتٌ وجناتٌ من أعناب ، وفيها أيضًا زرعٌ ونخيلٌ .
* * *

(16/334)


قال أبو جعفر : والصواب من القول في ذلك أن يقال : إنهما قراءتان متقاربتا المعنى ، وقرأ بكل واحدةٍ منهما قرأة مشهورون ، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب.
وذلك أن " الزرع والنخيل " إذا كانا في البساتين فهما في الأرض ، وإذا كانا في الأرض فالأرض التي هما فيها جنة ، فسواءٌ وُصِفَا بأنهما في بستانٍ أو في أرضٍ .
* * *
وأما قوله : (ونخيل صنوان وغير صنوان) .
فإن " الصنوان : " جمع " صنو " ، وهي النخلات يجمعهن أصل واحد ، لا يفرَّق فيه بين جميعه واثنيه إلا بالإعراب في النون ، وذلك أن تكون نونه في اثنيه مكسورةً بكل حال ، وفي جميعه متصرِّفة في وجوه الإعراب ، ونظيره " القِنْوان " : واحدها " قِنْوٌ " .
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
*ذكر من قال ذلك :
20087 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا وكيع ، عن سفيان ، عن أبي إسحاق ، عن البراء : (صنوان) قال : المجتمع(وغير صنوان) : المتفرِّق .
20088 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا يحيى بن واضح قال : حدثنا الحسين ، عن أبي إسحاق ، عن البراء قال : (صنوان) : هي النخلة التي إلى جنبها نخلاتٌ إلى أصلها ، (وغير صنوان) : النخلة وحدَها .
20089 - حدثنا محمد بن بشار قال : حدثنا أبو عاصم قال : حدثنا سفيان ، عن أبي إسحاق ، عن البراء بن عازب : (صنوان وغير صنوان) قال : " الصنوان " : النخلتان أصلهما واحد ، (وغير صنوان) النخلة والنخلتان المتفرّقتان .
20090 - حدثنا محمد بن المثنى قال : حدثنا محمد بن جعفر قال : حدثنا

(16/335)


شعبة ، عن أبي إسحاق قال : سمعت البراء يقول في هذه الآية قال : النخلة تكون لها النخلات(وغير صنوان) النخل المتفرّق .
20091 - حدثنا الحسن بن محمد قال : حدثنا عمرو بن الهيثم أبو قطن ، ويحيى بن عباد وعفان ، واللفظ لفظ أبي قطن قال ، حدثنا شعبة ، عن أبي إسحاق ، عن البراء ، في قوله : (صنوان وغير صنوان) قال : " الصنوان " : النخلة إلى جنبها النخلات(وغير صنوان) : المتفرق . (1)
20092 - حدثنا الحسن قال : حدثنا شبابة قال : حدثنا إسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن البراء في قوله : (صنوان وغير صنوان) قال : " الصنوان " ، النخلات الثلاث والأربع والثنتان أصلهن واحد(وغير صنوان) ، المتفرّق .
20093 - حدثنا أحمد بن إسحاق قال : حدثنا أبو أحمد قال : حدثنا سفيان وشريك ، عن أبي إسحاق ، عن البراء في قوله : (صنوان وغير صنوان) قال : النخلتان يكون أصلهما واحد(وغير صنوان) : المتفرّق .
20094 - حدثني المثنى قال : حدثنا عبد الله بن صالح قال : حدثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس ، قوله : (صنوان) يقول : مجتمع .
20095 - حدثني محمد بن سعد قال : حدثني أبي قال : حدثني عمي قال : حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : (ونخيل صنوان وغير صنوان) يعني بالصنوان : النخلة يخرج من أصلها النخلات ، فيحمل بعضه ولا يحمل بعضه ، فيكون أصله واحدا ورءوسه متفرقة .
20096 - حدثني الحارث قال : حدثنا عبد العزيز قال : حدثنا إسرائيل ،
__________
(1) الأثر : 20091 - " عمرو بن الهيثم بن قطن الزبيدي " ، " أبو قطن " ، ثقة ، من أصحاب شعبة ، مضى برقم : 18674 .
و " يحيى بن عباد الضبعي " ، مضى برقم : 20010 .
و " عفان " هو " عفان بن مسلم الصفار " ، ثقة روى له الجماعة ، مضى برقم : 5392 ، 16369 .

(16/336)


عن عطاء بن السائب ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، في قوله : (صنوان وغير صنوان) النخيل في أصل واحد وغير صنوان : النخيل المتفرّق .
20097 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا جرير ، عن عطاء ، عن سعيد بن جبير : (ونخيل صنوان وغير صنوان) قال : مجتمع ، وغير مجتمع .
20098 - حدثني المثنى قال : حدثنا النفيلي قال : حدثنا زهير قال : حدثنا أبو إسحاق ، عن البراء قال : " الصنوان " : ما كان أصله واحدًا وهو متفرق(وغير صنوان) : الذي نبت وحدَه . (1)
20099 - حدثنا الحسن بن محمد قال : حدثنا شبابة قال : حدثنا ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قوله : (صنوان) النخلتان وأكثر في أصل واحد (وغير صنوان) وحدَها .
20100 - حدثنا المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : (صنوان) : النخلتان أو أكثر في أصل واحد ، (وغير صنوان) واحدة .
20101 - ...... قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا عبد الله ، عن ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .
20102 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا وكيع ، عن سلمة بن نبيط ، عن الضحاك : (صنوان وغير صنوان) قال : الصنوان : المجتمع أصله واحد ، وغير صنوان : المتفرق أصله .
20103 - حدثني المثنى قال : حدثنا عمرو بن عون قال : أخبرنا هشيم
__________
(1) الأثر : 20098 - " النفيلي " ، هو " عبد الله بن محمد بن علي بن نفيل " ، " أبو جعفر " ثقة حافظ ، مضى برقم : 9253 ، 9254 .
و " زهير " ، هو " زهير بن معاوية الجعفي " ، ثقة روى له الجماعة ، مضى مرارًا آخرها رقم 17513 .

(16/337)


، عن جويبر ، عن الضحاك ، في قوله : (صنوان وغير صنوان) قال : " الصنوان " : المجتمع الذي أصله واحد(وغير صنوان) : المتفرّق .
20104 - حدثنا بشر قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : (ونخيل صنوان وغير صنوان) أما " الصنوان " : فالنخلتان والثلاث أصولُهن واحدة وفروعهن شتى ، (وغير صنوان) ، النخلة الواحدة .
20105 - حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة : (صنوان وغير صنوان) قال : صنوان : النخلة التي يكون في أصلها نخلتان وثلاث أصلهنّ واحدٌ .
20106 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله : (ونخيل صنوان وغير صنوان) قال : " الصنوان " : النخلتان أو الثلاث يكنَّ في أصل واحد ، فذلك يعدُّه الناس صنوانًا . (1)
20107 - حدثنا ابن عبد الأعلى قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر قال : حدثني رجل : أنه كان بين عمر بن الخطاب وبين العباس قول ، فأسرع إليه العباس ، (2) فجاء عمر إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال : يا رسول الله ، ألم تر عباسًا فعل بي وفعل! فأردت أن أجيبه ، فذكرتُ مكانه منك فكففت : فقال : يرحمك الله ، إنّ عمّ الرجل صِنْوُ أبيه . (3)
__________
(1) الأثر : 20106 - في المخطوطة : " حدثنا يوسف " ، مكان : يونس " ، وصححه في المطبوعة . وهو إسناد دائر في التفسير .
(2) " أسرع إليه " ، عجل إليه بالشر وبادره ، مثله " تسرع إليه " ، ومن هذا المجاز قال المرار الفقعسي : إذا شِئتَ يوْمًا أنْ تسودَ عَشِيرَةً ... فَبِالحِلْمِ سُدْ ، لاَ بِالتَّسَرُّعِ والشَّتْمِ
(3) الأثر : 20107 - هذا خبر ضعيف ، لجهالة الرجل الذي روى عن عمر ، وسيأتي الخبر من طرق بعد كلها مرسل .
وقوله : " عم الرجل صنو أبيه " ، هذا الحديث رواه مسلم في صحيحه ( 7 : 56 ، 57 ) ، من حديث أبي الزناد ، عن الأعرج ، عن أبي هريرة ، ومن هذه الطريق نفسها رواه أحمد في مسنده 2 : 322 ، 323 ، ورواه الترمذي في باب مناقب العباس مختصرًا وقال : " هذا حديث حسن غريب لا نعرفه من حديث أبي الزناد إلا من هذا الوجه " .
وروى أحمد في مسند علي رضي الله عنه من حديث الأعمش ، عن عمرو بن مرة ، عن أبي البختري ، عن علي ، وهو حديث طويل ، وإسناده ضعيف انقطاعه ، فأحاديث أبي البحتري عن علي مرسلة .
وانظر التعليق على الأخبار التالية .

(16/338)


20108 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة : ((صنوان)) : النخلة التي يكون في أصلها نخلتان وثلاث أصلهن واحد ; قال : فكان بين عمر بن الخطاب وبين العباس رضي الله عنهما قولٌ ، فأسرع إليه العباس ، فجاء عمر إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا نبي الله ألم تر عباسًا فعل بي وفعل! فأردت أن أجيبه. فذكرتُ مكانه منك فكففت عند ذلك ، فقال : يرحمك الله إن عم الرجل صِنْو أبيه (1) .
20109 - ............... قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا ابن عيينة ، عن داود بن شابور ، عن مجاهد : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : لا تؤذوني في العباس فإنه بقية آبائي ، وإنّ عمّ الرجل صنو أبيه .
20110 - حدثني يعقوب قال : حدثنا هشيم قال : أخبرنا حجاج ، عن عطاء ، وابن أبي مليكة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعمر : يا عمر أما علمت أن عم الرجل صِنْوُ أبيه ؟. (2)
20111 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج قال : أخبرني القاسم بن أبي بزة ، عن مجاهد : (صنوان) قال : في أصل واحد ثلاث نخلات ، كمثل ثلاثةٍ بني أم وأب يتفاضلون في العمل ، كما
__________
(1) الأثر : 20108 - هذا خبر مرسل ، رواه ابن سعد في الطبقات 4 / 1 / 17 ، من طريق محمد بن حميد ، عن معمر .
ورواه ابن سعد من طرق أخرى ( 4 / 1 / 17 ) وانظر التعليق على الخبر السالف .
(2) الأثران 20109 ، 20110 - خبران مرسلان ، وانظر التعليق السالف .

(16/339)


يتفاضل ثمر هذه النخلات الثلاث في أصل واحد قال ابن جريج : قال مجاهد : كمثل صالح بنى آدم وخبيثهم ، أبوهم واحد .
20112 - حدثنا الحسن بن محمد قال : حدثنا حجاج بن محمد ، عن ابن جريج قال : أخبرني إبراهيم بن أبي بكر بن عبد الله ، عن مجاهد ، نحوه . (1)
20113 - حدثني القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج ، عن أبي بكر بن عبد الله ، عن الحسن قال : هذا مثل ضربه الله لقلوب بني آدم.
كانت الأرض في يد الرحمن طينةً واحدة ، فسطحها وبَطَحها ، فصارت الأرض قطعًا متجاورة ، فينزل عليها الماء من السماء ، فتخرج هذه زهرتها وثمرها وشجرها. وتخرج نباتها وتحيي مواتها ، وتخرج هذه سبَخَها وملحها وخَبَثَها ، وكلتاهما تسقى بماء واحد.
فلو كان الماء مالحا ، قيل : إنما استسبخت هذه من قبل الماء! كذلك الناس خلقوا من آدم ، فتنزل عليهم من السماء تذكرة ، فترقّ قلوب فتخشع وتخضع ، وتقسو قلوب فتلهو وتسهو وتجفو .
قال الحسن : والله من جالس القرآن أحدٌ إلا قام من عنده بزيادة أو نقصان قال الله : ( وَنُنزلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلا خَسَارًا ) [سورة الإسراء : 82]. (2)
* * *
وقوله : (تسقى بماء واحد) اختلفت القرأء في قوله(تسقى).
فقرأ ذلك عامة قراء أهل المدينة والعراق من أهل الكوفة والبصرة : (تُسْقَى) " بالتاء ، بمعنى : تسقى الجناتُ والزرع والنخيل . وقد كان بعضهم يقول : إنما قيل : (تسقى) ،
__________
(1) الأثر : 20112 - " إبراهيم بن أبي بكر بن عبد الله الأخنسي " ، لم أجد ذكر جده إلا في هذا الخبر ، وقد سلف لي كلام في تحقيق اسمه ، في الخبرين 10758 ، 10759 ، والمراجع هناك .
(2) الأثر : 20113 - : حجاج " فيما أرجح ، " حجاج بن أرطأة " .
و " أبو بكر بن عبد الله " ، هو فيما أرجح " أبو بكر بن عبد الله بن أبي الجهم العدوي " ، ولم يذكروا روايته عن " الحسن " ، وهو خليق أن يروى عنه ، مضى برقم : 10334 ، 10335 .
وقوله : " استسبخت " ، مما ينبغي أن يزاد على مشتقات " السبخة " في كتب اللغة .

(16/340)


بالتاء لتأنيث " الأعناب " .
* * *
وقرأ ذلك بعض المكيين والكوفيين : (يُسْقَى) بالياء .
* * *
وقد اختلف أهل العربية في وجه تذكيره إذا قرئ كذلك ، وإنما ذلك خبرٌ عن الجنات والأعناب والنخيل والزرع أنها تسقى بماء واحد.
فقال بعض نحويي البصرة : إذا قرئ ذلك بالتاء ، فذلك على " الأعناب " كما ذكّر الأنعام (1) في قوله : (مِمَّا فِي بُطُونِهِ) [سورة النحل : 66] وأنث بعدُ فقال : ( وَعَلَيْهَا وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ ) ، [سورة المؤمنون : 22/ سورة غافر : 80].
فمن قال : (يسقى) بالياء جعل " الأعناب " مما تذكّر وتؤنث ، مثل " الأنعام " .
* * *
وقال بعض نحويي الكوفة : من قال و(تسقى) ذهب إلى تأنيث " الزرع والجنات والنخيل " ، ومن ذكَّر ذهب إلى أن ذلك كله يُسْقَى بماء واحد ، وأكلُه مختلفٌ حامض وحلو ، ففي هذا آية . (2)
* * *
قال أبو جعفر : وأعجب القراءتين إليّ أن أقرأ بها ، قراءة من قرأ ذلك بالتاء : ( تُسْقَى بِمَاءٍ وَاحِدٍ) على أن معناه : تسقى الجنات والنخل والزرع بماء واحد ، لمجيء(تسقى) بعد ما قد جرى ذكرها ، وهي جِمَاعٌ من غير بني آدم ، وليس الوجه الآخر بممتنع على معنى يسقى ذلك بماء واحد : أي جميع ذلك يسقى بماءٍ واحدٍ عذب دون المالح .
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
*ذكر من قال ذلك :
__________
(1) في المخطوطة والمطبوعة : " كما ذكروا " ، والصواب ما أثبت .
(2) هذه مقالة الفراء في معاني القرآن ، في تفسير الآية .

(16/341)


20114 - حدثنا الحسن بن محمد قال : حدثنا شبابة قال : حدثنا ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قوله : (تسقى بماء واحد) ماء السماء ، كمثل صالح بني آدم وخبيثهم أبوهم واحدٌ .
20115 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا وكيع ، عن سفيان ، عن ليث ، عن مجاهد : (تسقى بماء واحد) قال : ماء السماء .
20116 - حدثنا أحمد بن إسحاق قال : حدثنا أبو أحمد قال : حدثنا سفيان ، عن ليث ، عن مجاهد ، مثله .
20117 - حدثني المثنى قال : حدثنا عمرو قال : أخبرنا هشيم ، عن أبي إسحاق الكوفي ، عن الضحاك : (تسقى بماء واحد) قال : ماء المطر . (1)
20118 - حدثني المثنى قال : حدثنا سويد قال : أخبرنا ابن المبارك ، قرأه ابن جريج ، عن مجاهد : (تسقى بماء واحد) قال : ماء السماء ، كمثل صالح بني آدم وخبيثهم أبوهم واحدٌ .
20119...... قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل وحدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا عبد الله ، عن ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، بنحوه .
20120 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، نحوه .
20121 - حدثنا عبد الجبار بن يحيى الرملي قال : حدثنا ضمرة بن ربيعة ، عن ابن شوذب : (تسقى بماء واحد) قال : بماء السماء . (2)
* * *
__________
(1) الأثر : 20117 - " أبو إسحاق الكوفي " ، ضعيف واهي الحديث ، سلف برقم : 20078 ، وكان في المطبوعة والمخطوطة هنا " أبو إسحاق الصوفي " ، وهو خطأ محض .
(2) الأثر : 20121 - " عبد الجبار بن يحيى الرملي " ، انظر ما سلف قريبًا رقم : 20082 .

(16/342)


وقوله : (ونفضّل بعضها على بعض في الأكل) (1) اختلفت القرأة في قراءة ذلك.
فقرأه عامة قرأة المكيين والمدنيين والبصريين وبعض الكوفيين : (وَنُفَضِّلُ) ، بالنون بمعنى : ونفضّل نحن بعضها على بعض في الأكل .
* * *
وقرأته عامة قرأة الكوفيين : (وَيُفَضِّلُ) بالياء ، ردا على قوله : (يغشي الليل النهار) ويفضل بعضها على بعض .
* * *
قال أبو جعفر : وهما قراءتان مستفيضتان بمعنى واحد ، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب. غير أن " الياء " أعجبهما إليّ في القراءة ؛ لأنه في سياق كلام ابتداؤه(الله الذي رفع السموات) ، فقراءته بالياء ، إذ كان كذلك أولى .
* * *
ومعنى الكلام : إن الجنات من الأعناب والزرع والنخيل الصنوان وغير الصنوان ، تسقى بماء واحد عذب لا ملح ، ويخالف الله بين طعوم ذلك ، فيفضّل بعضها على بعض في الطعم ، فهذا حلو وهذا حامضٌ .
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
*ذكر من قال ذلك :
20122 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا وكيع ، عن سفيان ، عن عطاء ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس : (ونفضل بعضها على بعض في الأكل) قال : الفارسيّ والدَّقَل ، (2) والحلو والحامض .
__________
(1) انظر تفسير " الأكل " فيما سلف 5 : 538 / 12 : 157 .
(2) " الفارسي " ، من التمر ، لم أجد من ذكره ، وأنا أرجح أن يكون عنى به { البرني } وهو ضرب من التمر أصفر مدور ، عذب الحلاوة ، وهو أجوده . وقالوا إن لفظ " البرني " فارسي معرب ويرجع ذلك عندي أن الرواية ستأتي عن سعيد بن جبير أيضًا أنه قال : " برني " ، رقم : 20124 .
و " الدقل " أردأ أنواع التمر .
وسيأتي ذكر " الفارسي " في الخبرين التاليين : 20126 ، 20127 .

(16/343)


20123 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا جرير ، عن عطاء بن السائب ، عن سعيد بن جبير : (ونفضل بعضها على بعض في الأكل) قال : الأرض الواحدة يكون فيها الخوخ والكمثرى والعنب الأبيض والأسود ، وبعضها أكثر حملا من بعض ، وبعضه حلو وبعضه حامض ، وبعضه أفضل من بعض .
20124 - حدثني المثنى قال : حدثنا عارم أبو النعمان قال : حدثنا حماد بن زيد ، عن عطاء بن السائب ، عن سعيد بن جبير : (ونفضل بعضها على بعض في الأكل) قال : بَرْنيّ وكذا وكذا ، وهذا بعضه أفضل من بعض .
20125 - حدثنا محمد بن بشار قال : حدثنا مؤمل قال : حدثنا سفيان ، عن عطاء بن السائب ، عن سعيد بن جبير ، في قوله : (ونفضل بعضها على بعض في الأكل) قال : هذا حامض ، وهذا حلو ، وهذا مُزٌّ .
20126 - حدثني محمود بن خداش قال : حدثنا سيف بن محمد بن أخت سفيان الثوري قال : حدثنا الأعمش عن أبي صالح ، عن أبي هريرة قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم في قوله : (ونفضل بعضها على بعض في الأكل) قال : الدَّقَل والفارسيّ والحلو والحامض. (1)
__________
(1) الأثر : 20126 - " محمود بن خداش الطالقاني " ، شيخ الطبري ، ثقة صدوق ، مضى برقم : 178 ، 18487 .
و " سيف بن محمد الثوري " ، " ابن أخت سفيان الثوري " ، لم يرو له من أصحاب الكتب الستة غير الترمذي ، قال البخاري في تاريخه : " ضعفه أحمد " ، وروى عبد الله بن أحمد بن حنبل عن أبيه ، أنه قال : " كذاب " ، وقال يحيى بن معين : " كان شيخًا ههنا كذابًا خبيثًا " ، وقال أحمد أيضًا : " لا يكتب حديثه ، ليس بشيء ، كان يضع الحديث " . وقال النسائي : " ضعيف متروك وليس بثقة " ، مترجم في التهذيب والكبير 2 / 2 / 173 ، وابن أبي حاتم 2 / 1 / 277 ، وميزان الاعتدال 1 : 438 .
وهذا الخبر رواه الترمذي ، عن محمود بن خداش أيضًا ، بهذا الإسناد واللفظ في تفسير الآية ، ثم قال : " هذا حديث حسن غريب ، وقد رواه زيد بن أبي أنيسه ( وهو الإسناد التالي ) عن الأعمش ، نحو هذا . وسيف بن محمد هو أخو عمار بن محمد ، وعمار أثبت منه ، وهو ابن أخت سفيان الثوري " .
فالعجب للترمذي كيف يحسن إسنادًا فيه هذا الكذاب " سيف بن محمد " . وانظر تخريج الأثر التالي .
وكان في المطبوعة : " حدثنا سيف بن محمد بن أحمد ، عن سفيان الثوري " ، أساء ناشرها لأنه لم يدرس الإسناد ، وغير ما في المخطوطة ، وكان فيها : " حدثنا سيف بن محمد بن أحمد سفيان الثوري " ، وفي الهامش علامة الشك والتوقف ، وصوابه ما أثبت .
انظر تفسير " الفارسي " فيما سلف ص : 343 ، تعليق : 2 .

(16/344)


20127 - حدثنا أحمد بن الحسن الترمذي قال : حدثنا سليمان بن عبد الله الرقي قال : حدثنا عبيد الله بن عمر الرقي ، عن زيد بن أبي أنيسة ، عن الأعمش ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، في قوله : (ونفضل بعضها على بعض في الأكل) قال : الدَّقل والفارسيّ والحلو والحامض. (1)
* * *
وقوله : (إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون) يقول تعالى ذكره : إن في مخالفة الله عز وجل بين هذا القطع [من] الأرض المتجاورات وثمار جناتها وزروعها على ما وصفنا وبينَّا ، (2) لدليلا واضحًا وعبرة لقوم يعقلون اختلاف ذلك ، أن الذي خالف بينه على هذا النحو الذي خالف بينه ، هو المخالف بين خلقه فيما قسم لهم من هداية وضلال وتوفيق وخذلان ، فوفّق هذا وخذل هذا ، وهدى ذا وأضل ذا ،
__________
(1) الأثر : 20127 - " أحمد بن الحسن الترمذي " ، شيخ الطبري ، كان أحد أوعية الحديث ، ثقة ، مضى مرارًا ، آخرها رقم : 19876 .
و " سليمان بن عبيد الله الأنصاري الرقي " ، " أبو أيوب الحطاب " ، قال ابن أبي حاتم : صدوق ، وذكره ابن حبان في الثقات ، وقال النسائي : " ليس بالقوى ، وقال ابن معين : " ليس بشيء " ، ولم يذكر فيه البخاري جرحا ، مترجم في التهذيب والكبير 2 / 2 / 26 ، وابن أبي حاتم 2 / 1 / 127 ، وميزان الاعتدال 1 : 418 .
و " عبيد الله بن عمرو الرقي " ، ثقة ، روى له الجماعة ، مضى مرارًا ، آخرها رقم : 16945 .
و " زيد بن أبي أنيسة الجزري " ، ثقة ، روى له الجماعة ، مضى مرارًا آخرها رقم : 16945 .
وهذا الخبر أشار إليه الترمذي ، كما أسلفت في التعليق السابق ، وذكره الذهبي في ميزان الاعتدال 1 : 418 ، في ترجمة " سليمان بن عبيد الله " ، بهذا الإسناد تامًا ، ثم قال : " قال العقيلي ، لم يأت به غير سليمان ، وإنما يعرف بسيف بن محمد عن الأعمش . قلت : وسيف هالك " .
فهذا إسناد كما ترى ، فيه من الهلاك ، وانفراد الضعيف به ما فيه ، فكيف جاز للترمذي أن يحسنه مع هذه القوادح التي تقدح فيه من نواحيه . ( وانظر علل الحديث لابن أبي حاتم 2 : 80 ، رقم : 1723 ( .
انظر تفسير " الفارسي فيما سلف ص : 343 ، تعليق : 2 .
(2) في المخطوطة والمطبوعة : " هذه القطع الأرض " ، فالزيادة واجبة .

(16/345)


وَإِنْ تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ أَئِذَا كُنَّا تُرَابًا أَئِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ الْأَغْلَالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (5)

ولو شاء لسوَّى بين جميعهم ، كما لو شاء سوَّى بين جميع أكل ثمار الجنة التي تشرب شربًا واحدًا ، وتسقى سقيًا [واحدًا] ، (1) وهي متفاضلة في الأكل .
* * *
القول في تأويل قوله تعالى : { وَإِنْ تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ أَئِذَا كُنَّا تُرَابًا أَئِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ الأغْلالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (5) }
قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره : (وإن تعجب) يا محمد ، من هؤلاء المشركين المتَّخذين ما لا يضرُّ ولا ينفع آلهةً يعبدونها من دوني فعجب قولهم(أئذا كنا ترابا) وبَلِينا فعُدِمنا(أئنا لفي خلق جديد) إنا لمجدَّدٌ إنشاؤنا وإعادتنا خلقًا جديدًا كما كنا قبل وفاتنا!! تكذيبًا منهم بقدرة الله ، وجحودًا للثواب والعقاب والبعث بعد الممات ، كما : -
20128 - حدثنا بشر قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : (وإن تعجب فعجب) إن عجبت يا محمد ، (فعجب قولهم أئذا كنا ترابا أئنا لفي خلق جديد) ، عجب الرحمن تبارك وتعالى من تكذيبهم بالبعث بعد الموت .
20129 - حدثني يونس قال ، أخبرنا ابن وهب قال ، قال ابن زيد في قوله : (وإن تعجب فعجب قولهم) قال : إن تعجب من تكذيبهم ، وهم قد رأوا من قدرة الله وأمره وما ضرب لهم من الأمثال ، فأراهم من حياة الموتى في الأرض الميتة ، إن تعجب من هذه فتعجَّب من قولهم : (أئذا كنا ترابًا أئنا لفي خلق جديد) ،
__________
(1) ما بين القوسين زيادة واجبة هنا أيضًا .

(16/346)


أو لا يرون أنا خلقناهم من نطفة ؟ فالخلق من نطفة أشدُّ أم الخلق من ترابٍ وعظام ؟ (1) .
* * *
واختَلَف في وَجْه تكرير الاستفهام في قوله : (أئنا لفي خلق جديد) ، بعد الاستفهام الأول في قوله : (أئذا كنا ترابا) ، أهلُ العربية. (2)
فقال بعض نحويي البصرة : الأوّل ظرف ، والآخر هو الذي وقع عليه الاستفهام ، كما تقول : أيوم الجمعة زيدٌ منطلق ؟ قال : ومن أوقع استفهامًا آخر على قوله : (أَئِذَا كُنَّا تُرَابًا) ، (3) جعله ظرفًا لشيء مذكور قبله ، كأنهم قيل لهم : " تبعثون " ، فقالوا : (أَئِذَا كُنَّا تُرَابًا) ؟ ثم جعل هذا استفهامًا آخر . قال : وهذا بعيدٌ . قال : وإن شئت لم تجعل في قولك : (أئذا) استفهامًا ، وجعلت الاستفهام في اللفظ على(أئنا) ، كأنك قلت : أيوم الجمعة أعبد الله منطلق ؟ وأضمرت نفيه. (4) فهذا موضعُ ما ابتدأت فيه بـ(أئذا) ، (5) وليس بكثير في الكلام لو قلت : " اليوم إنّ عبد الله منطلق " ، (6) لم يحسن ، وهو جائز ، وقد قالت العرب : " ما علمت إنَّه لصالح ، تريد : إنه لصالح ما علمت . (7)
* * *
__________
(1) الأثر : 20129 - في المطبوعة وحدها مكان " ابن وهب " : " إبراهيم " ، لا أدري من أين جاء بهذا ؟ وهو إسناد دائر في التفسير .
(2) " أهل العربية " ، فاعل قوله آنفًا : " واختلف ... " .
(3) في المطبوعة والمخطوطة : " أئذا متنا وكنا ترابًا " ، وأثبت نص الآية التي في هذه السورة .
(4) في المطبوعة والمخطوطة : " وأضمر نفيه " ، والأجود ما أثبت . ويعني بقوله : " نفيه " أي إلغاءه وإسقاطه .
(5) في المطبوعة : " قد ابتدأت فيه أئذا " ، وفي المخطوطة : " قد ابتدأت فيه بأئذا " ، ولكنه خلط كتابة " بأئذا " ، ورأيت أن الصواب أن تكون مكان " قد " " ما " . وفي المخطوطة والمطبوعة بعد هذا " بكبير في الكلام " ، وهذا أجود .
(6) في المطبوعة وحدها : " اليوم أإن " بهمزة الاستفهام ، زاد ما ليس في المخطوطة وأساء غاية الإساءة .
(7) أشار أبو جعفر فيما سلف 7 : 260 ، إلى أنه سيأتي على الصواب من القول في ترك إعادة الاستفهام ثانية ، وأن الاستفهام في أول الكلام دال على موضعه ومكانه . وهذا هو الموضع الذي أشار إليه ، فيما أرجح ، فراجع ما سلف 7 : 259 ، 260 . * * *
حاشية مهمة : كلام أبي جعفر في هذا الموضع يحتاج إلى بيان ، فإنه قد أغمض القول فيه إغماضًا مخلًا ، حتى ألجأ ناشر النسخة الأولى أن يصحح ما صحح ، ويغير ما غير ، لغموض ما كتب أبو جعفر ههنا ، ولذلك فارقت ما لزمته قبل ، من ترك التعليق على ما في التفسير من أبواب النحو . وأنا أخشى أن يكون سقط من الكلام شيء .
وكلام أبي جعفر في هذه الفقرة ، أراد به بيان تكرير الاستفهام ، كما ذكر في ترجمة اختلاف أهل العربية ، ولكنه أضمر الكلام إضمارًا هذا بيانه وشرحه .
1 - قوله : " فقال بعض نحويي البصرة : الأولى ظرف . والآخر هو الذي وقع عليه الاستفهام ، كما تقول : أيوم الجمعة زيد منطلق " .
يريد أن " إذا " ظرف ، يتعلق بمحذوف بعده يدل عليه قوله : " أننا لفي خلق جديد " ، وهو " البعث " ، كأنه قال " أئذا كنا ترابًا ، نبعث " ؟ فالظرف " إذا " متعلق بمحذوف هو " نبعث " ، والمعنى : أنبعث إذا كنا ترابًا . فهذا كما تقول : أيوم الجمعة زيد منطلق ؟ ومعناه : أزيد منطلق يوم الجمعة ؟ فالاستفهام واقع في الأول على " نبعث " ، وفي المثال الآخر على : " زيد منطلق " ، وهذا تأويل نحويي البصرة ، كما جاء في كتب التفسير .
2 - ثم قال بعده : " ومن أوقع استفهامًا آخر على قوله : " أئذا كنا ترابًا " ، جعله ظرفًا لمذكور قبله ، كأنهم قيل لهم : تبعثون ؟ فقالوا : " أئذا كنا ترابًا " ، ثم جعل هذا استفهامًا آخر . قال : وهذا بعيد " .
يريد أن " إذا " ، الظرف ، متعلق بمحذوف قبله ، وهو الذي قيل لهم : " تبعثون " ، فقالوا : أئذا كنا ترابًا ؟ فالاستفهام واقع هنا على " إذا " ، أي على الظرف . وهذا مستبعد ، لأنه أتى بمحذوف قبل الظرف لا دليل عليه في الكلام .
3 - ثم قال : " قال : وإن شئت لم تجعل في " أئذا " استفهامًا ، وجعلت الاستفهام في اللفظ على " أئنا " ، كأنك قلت : أيوم الجمعة أعبد الله منطلق ؟ وأضمرت نفيه . فهذا موضع ما ابتدأت فيه ب " أئذا " ، وليس بكثير في الكلام " .
يريد أن الاستفهام الأول فضلة وزيادة في " أئذا " ، وأنت تضمر نفيها ، فكررت الاستفهام ، كما كررته في قولك : أيوم الجمعة أعبد الله منطلق ؟ وهذا التكرار ليس بكثير في الكلام .
4 - ثم قال : " لو قلت : اليوم إن عبد الله منطلق ، لم يحسن ، وهو جائز . وقد قالت العرب : ما علمت إنه لصالح ، تريد : إنه لصالح ما علمت " .
يعني أن هذا الوجه الرابع غير حسن ، وإن كان جائزًا ، وذلك أنه يقتضي أن تكون " إذا " عندئذ ، ظرفاً متعلقاً بقوله : " لفي خلق جديد " ، أي بخبر " إن " ، وخبر " إن " لا يتقدم عليها ، فأولى أن يتقدم عليها معمول خبرها . ولذلك لم يحسن قولك : " اليوم إن عبد الله منطلق " ، لأن " اليوم " معمول " منطلق " وهو خبر " إن " ، فتقديمه على " إن " ، غير حسن ، وإن جاز . لأن " إن " لا يعمل ما بعدها فيما قبلها . واستدل على جوازه بقول العرب : ما علمت إنه لصالح ، و " ما " هنا ظرفية ، أي : " في علمي ، أو زمن علمي " ، فقدمت العرب " ما علمت " على " إن " وهي تعني " إنه صالح ما علمت " وهذا البيان الذي توسعت فيه ، لشرح مقالة أبي جعفر ، لم أجد أحدًا من أصحاب كتب التفسير ، أو أصحاب كتب إعراب القرآن ، تعرض له تعرض أبي جعفر في بيانه . وكلهم قد تخطى هذا وأوجزه ، ولم يشرحه شرح أبي جعفر . وأبو حيان ، وهو من هو في تتبع أقوال النحاة ، وفي تقصي مقالة الطبري في تفسيره ، أغفل هو أيضًا بيانه وتجاوزه . وذلك لغموض عبارة أبي جعفر في هذا الموضع . فأرجو أن أكون قد بلغت في بيانها مبلغًا مرضيًا إن شاء الله .

(16/347)


وقال غيره : (أئذا) جزاء وليست بوقت ، (1) وما بعدها جواب لها ، إذا لم يكن في الثاني استفهام ، والمعنى له ، لأنه هو المطلوب ، وقال : ألا ترى أنك تقول : " أإن تقم يقوم زيد ، ويقم ؟ " ، (2) من جزم فلأنه وقع موقع جواب الجزاء ، ومن رفع فلأن الاستفهام له ، واستشهد بقول الشاعر : (3)
حَلَفْتُ لَهُ إنْ تُدْلِجِ الليلَ لا يَزَلْ... أَمَامَكَ بَيْتٌ مِنْ بُيُوتِيَ سَائِرُ (4)
فجزم جواب اليمين لأنه وقع موقع جواب الجزاء ، والوجه الرفع . (5) قال : فهكذا هذه الآية . قال : ومن أدخل الاستفهام ثانية ، فلأنه المعتمد عليه ، وترك الجزء الأوّل .
* * *
وقوله : (أولئك الذين كفروا بربهم) يقول تعالى ذكره : هؤلاء الذين أنكروا البعث وجَحدُوا الثواب والعقاب ، وقالوا : ( أَئِذَا كُنَّا تُرَابًا أَئِنَّا لَفِي خَلْقٍ
__________
(1) " الجزاء " ، هو " الشرط " و " الوقت " ، هو " ظرف الزمان " .
(2) في المطبوعة والمخطوطة : " إن تقم يقوم ... " ، والصواب إثبات همزة الاستفهام ، كما يدل عليه الكلام .
(3) البيت للراعي .
(4) مضى البيت وتخريجه وشرحه فيما سلف 7 : 259 ، تعليق : 2 .
(5) يعني أن الاستفهام إذا دخل على شرط ، كان الاستفهام للجواب دون الشرط . وقد قال فيما سلف آنفًا 7 : 259 : " كل استفهام دخل على جزاء ، فمعناه أن يكون في جوابه ، لأن الجواب خبر يقوم بنفسه ، والجزاء شرط لذلك الخبر " . وكذلك اليمين إذا تقدم الشرط ، كان الجواب له دون الشرط . فهو يقول إن الاستفهام في " أئذا " ، و " إذا شرط ، واقع على جوابها ، هو " إنا لفي خلق جديد " ، هذا إذا خلت الآية من الاستفهام ، ولكنها لم تخل منه . فقال بعد ذلك : إنه إنما أدخل الاستفهام ثانية على الجواب ، بعد إدخاله على الشرط ، لأن الاستفهام للجواب ، فإدخاله على الجواب هو الأصل . فلما أدخله عليه ، فكأنه ألغى الاستفهام الأول الداخل على الشرط .

(16/348)


جَدِيدٍ ) هم الذين جحدوا قدرة ربِّهم وكذبوا رسوله ، وهم الذين في أعناقهم الأغلال يوم القيامة في نار جهنم ، (1) فأولئك(أصحاب النار) ، يقول : هم سكان النار يوم القيامة(هم فيها خالدون) يقول : هم فيها ماكثون أبدًا ، لا يموتون فيها ، ولا يخرجون منها .
* * *
__________
(1) انظر تفسير " الأغلال ، فيما سلف 13 : 168 ، ولم يبينها هنا ولا هناك بيانًا كافيًا كعادته .

(16/350)


وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ وَقَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمُ الْمَثُلَاتُ وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ عَلَى ظُلْمِهِمْ وَإِنَّ رَبَّكَ لَشَدِيدُ الْعِقَابِ (6)

القول في تأويل قوله تعالى : { وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ وَقَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمُ الْمَثُلاتُ وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ عَلَى ظُلْمِهِمْ وَإِنَّ رَبَّكَ لَشَدِيدُ الْعِقَابِ (6) }
قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره : (ويستعجلونك) يا محمد ، (1) مشركو قومك بالبلاء والعقوبة قبل الرخاء والعافية ، فيقولون : ( اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ ) [سورة الأنفال : 32] وهم يعلمون ما حَلَّ بمن خلا قبلهم من الأمم التي عصت ربها وكذبت رسلها من عقوبات الله وعظيم بلائه ، (2) فمن بين أمة مسخت قردة وأخرى خنازير ، ومن بين أمّة أهلكت بالرَّجْفة ، وأخرى بالخسف ، وذلك هو(المثلات) التي قال الله جل ثناؤه .(وقد خلت من قبلهم المثلات) .
و(المثلات) ، العقوبات المنكِّلات ، والواحدة منها : " مَثُلة " بفتح الميم وضم الثاء ، ثم تجمع " مَثُلات " ، كما واحدة " الصَّدُقَات " " صَدُقَة " ، ثم تجمع " صَدُقَات " . (3) وذكر أن تميمًا من بين العرب تضم الميم والثاء جميعًا من " المُثُلات " ،
__________
(1) انظر تفسير " الاستعجال " فيما سلف 15 ، 33 ، 101 .
(2) انظر تفسير " خلا " فيما سلف 12 : 415 ، تعليق : 4 ، والمراجع هناك .
(3) الصدقة " ، مهر المرأة ، وقد مضى آنفًا في سورة النساء ، آية : 4 في 7 : 552 ، ولم يشرحها كل الشرح هناك .

(16/350)


فالواحدة على لغتهم منها : " مُثْلة " ، ثم تجمع " مُثُلات " ، مثل " غُرْفة " وغُرُفات ، والفعل منه : " مَثَلْت به أمْثُلُ مَثْلا " بفتح الميم وتسكين الثاء ، فإذا أردت أنك أقصصته من غيره ، قلت : " أمثلته من صاحبه أُمْثِلُه إمْثالا وذلك إذا أقصصته منه .
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
*ذكر من قال ذلك :
20130 - حدثنا بشر قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : (وقد خلت من قبلهم المثلات) ، وقائع الله في الأمم فيمن خلا قبلكم وقوله : (ويستعجلونك بالسيئة قبل الحسنة) ، وهم مشركو العرب استعجلوا بالشرّ قبل الخير ، وقالوا : ( اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ ) ، [سورة الأنفال : 32].
20131 - حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة : (ويستعجلونك بالسيئة قبل الحسنة) قال : بالعقوبة قبل العافية(وقد خلت من قبلهم المثلات) قال : العقوبات .
20132 - حدثنا الحسن بن محمد قال : حدثنا شبابة قال : حدثنا ورقاء ، عن ابن أبى نجيح ، عن مجاهد ، قوله : (المثلات) قال : الأمْثَال .
20133 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد
20134 - وحدثني المثنى : قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا عبد الله ، عن ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .
20135 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد ، في

(16/351)


قوله : (وقد خلت من قبلهم المثلات) قال : (المثلات) ، الذي مَثَل الله به الأممَ من العذاب الذي عذَّبهم ، (1) تولَّت المثلات من العذاب ، قد خلت من قبلهم ، وعرفوا ذلك ، وانتهى إليهم ما مَثَلَ الله بهم حين عصَوه وعَصوا رُسُله .
20136 - حدثني الحارث قال : حدثنا عبد العزيز قال : حدثنا سليم قال : سمعت الشعبي يقول في قوله : (وقد خلت من قبلهم المثلاث) ، قال : القردة والخنازير هي المثلات .
* * *
وقوله : (وإن ربك لذو مغفرة للناس على ظلمهم) ، يقول تعالى ذكره : وإن ربك يا محمد لذو سترٍ على ذنوب من تاب من ذنوبه من الناس ، فتاركٌ فضيحته بها في موقف القيامة ، وصافحٌ له عن عقابه عليها عاجلا وآجلا(على ظلمهم) ، يقول : على فعلهم ما فعلوا من ذلك بغير إذني لهم بفعله (2) (وإن ربك لشديد العقاب) ، لمن هلك مُصِرًّا على معاصيه في القيامة ، إن لم يعجِّل له ذلك في الدنيا ، أو يجمعهما له في الدنيا والآخرة .
* * *
قال أبو جعفر : وهذا الكلام ، وإن كان ظاهره ظاهرَ خبرٍ ، فإنه وعيدٌ من الله وتهديدٌ للمشركين من قوم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، إن هم لم ينيبوا ويتوبوا من كفرهم قبل حُلول نقمة الله بهم .
* * *
20137 - حدثني علي بن داود قال : حدثنا عبد الله بن صالح قال : حدثني معاوية ، عن علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : (وإن ربك لذو مغفرة للناس) ، يقول : ولكنّ ربَّك .
* * *
__________
(1) في المطبوعة : " مثل الله في الأمم " ، وأثبت ما في المخطوطة ، وهو صواب .
(2) في المطبوعة : " بغير إذن " ، وأثبت ما في المخطوطة .

(16/352)


وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آَيَةٌ مِنْ رَبِّهِ إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ (7)

القول في تأويل قوله تعالى : { وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلا أُنزلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ (7) }
قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره : (ويقول الذين كفروا) يا محمد ، من قومك(لولا أنزل عليه آية من ربه) هلا أنزل على محمد آية من ربه ؟ (1) يعنون علامةً وحجةً له على نبوّته (2) وذلك قولهم : ( لَوْلا أُنزلَ عَلَيْهِ كَنز أَوْ جَاءَ مَعَهُ مَلَكٌ ) [سورة هود : 12] يقول الله له : يا محمد(إنما أنت منذر) لهم ، تنذرهم بأسَ الله أن يحلّ بهم على شركهم (3) .(ولكل قوم هاد) . يقول ولكل قوم إمام يأتمُّون به وهادٍ يتقدمهم ، فيهديهم إما إلى خيرٍ وإما إلى شرٍّ .
* * *
وأصله من " هادي الفرس " ، وهو عنقه الذي يهدي سائر جسده . (4)
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل على اختلاف منهم في المعنيِّ بالهادي في هذا الموضع.
فقال بعضهم : هو رسول الله صلى الله عليه وسلم .
*ذكر من قال ذلك :
20138 - حدثنا بشر قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : (ويقول الذين كفروا لولا أنزل عليه آية من ربه) هذا قول مشركي العرب قال الله : (إنما أنت منذر ولكلّ قوم هاد) لكل قوم داعٍ يدعوهم إلى الله .
20139 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا وكيع. عن سفيان. عن السدي.
__________
(1) انظر تفسير " لولا " فيما سلف 15 : 205 ، تعليق (1) : والمراجع هناك ثم 15 : 210 .
(2) انظر تفسير الآية " فيما سلف من فهارس اللغة ( أبى ) .
(3) انظر تفسير " الإنذار " فيما سلف من فهارس اللغة نذر .
(4) انظر تفسير " الهادي " فيما سلف 2 : 293 .

(16/353)


عن عكرمة ومنصور ، عن أبي الضحى : (إنما أنت منذر ولكل قوم هاد) قالا محمد هو " المنذر " وهو " الهاد " .
20140 - حدثنا محمد بن بشار قال : حدثنا عبد الرحمن قال : حدثنا سفيان ، عن السدي ، عن عكرمة ، مثله .
20141 - حدثني الحارث قال : حدثنا عبد العزيز قال : حدثنا سفيان ، عن أبيه ، عن عكرمة ، مثله .
* * *
وقال آخرون : عنى بـ " الهادي " في هذا الموضع : الله .
*ذكر من قال ذلك :
20142 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا وكيع ، عن سفيان ، عن عطاء بن السائب ، عن سعيد بن جبير : (إنما أنت منذر ولكل قوم هاد) قال : محمد " المنذر " ، والله " الهادي " . (1)
20143 - حدثنا ابن بشار قال : حدثنا أبو عاصم قال : حدثنا سفيان ، عن عطاء بن السائب ، عن سعيد بن جبير : (وإنما أنت منذر ولكل قوم هاد) قال محمد " المنذر " ، والله " الهادي " .
20144 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا الأشجعي ، عن سفيان ، عن عطاء بن السائب ، عن سعيد بن جبير : (إنما أنت منذر) قال : أنت يا محمد منذر ، والله " الهادي " .
20145 - حدثني المثنى قال : حدثنا عمرو بن عون قال : أخبرنا هشيم ، عن عبد الملك ، عن قيس ، عن مجاهد في قوله : (إنما أنت منذر ولكل قوم هاد) ، قال : " المنذر " ، النبي صلى الله عليه وسلم(ولكل قوم هاد) قال : الله هادي كل قوم .
__________
(1) الأثر : 20142 - سقط آخر الخبر من المخطوطة ، وقف عند قوله : " هاد " ، وكأنه أتمه من الذي يليه .

(16/354)


20146 - حدثني محمد بن سعد قال : حدثني أبي قال : حدثني عمي قال : حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قوله : (إنما أنت منذر ولكل قوم هاد) يقول : أنت يا محمد منذر ، وأنا هادي كل قوم .
20147 - حدثت عن الحسين قال : سمعت أبا معاذ يقول : حدثنا عبيد بن سليمان قال : سمعت الضحاك يقول : (إنما أنت منذر ولكل قوم هاد) ، " المنذر " : محمد صلى الله عليه وسلم ، و " الهادي " : الله عز وجل .
* * *
وقال آخرون : " الهادي " في هذا الموضع معناه نبيٌّ .
*ذكر من قال ذلك :
20148 - حدثنا محمد بن بشار قال : حدثنا أبو عاصم قال : حدثنا سفيان ، عن ليث ، عن مجاهد قال : " المنذر " محمد صلى الله عليه وسلم .(ولكل قوم هاد) قال : نبيٌّ .
20149 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا حكام ، عن عنبسة ، عن محمد بن عبد الرحمن ، عن القاسم بن أبي بزة ، عن مجاهدٍ في قوله : (إنما أنت منذر ولكل قوم هاد) قال : نبيٌّ .
20150 - ............ قال : حدثنا جرير ، عن ليث ، عن مجاهد ، عن عبد الملك ، عن قيس ، عن مجاهد ، مثله .
20151 - حدثنا الحسن بن محمد قال : حدثنا أسباط بن محمد ، عن عبد الملك ، عن قيس ، عن مجاهد ، في قوله : (إنما أنت منذر ولكل قوم هاد) ، قال : لكل قوم نبي ، والمنذر : محمد صلى الله عليه وسلم .
20152 - ......... قال : حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال : حدثني عبد الملك ، عن قيس ، عن مجاهد ، في قول الله : (ولعل قوم هاد) قال : نبيّ .
20153 - ......... قال : حدثنا شبابة قال : حدثنا ورقاء ، عن ابن

(16/355)


أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : (ولكل قوم هاد) يعني : لكل قوم نبيّ .
20154 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : (ولعل قوم هاد) قال : نبيّ .
20155 - حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة : (ولكل قوم هاد) قال : نبيّ يدعوهم إلى الله .
20156 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد ، في قوله : (ولكل قوم هاد) قال : لكل قوم نبيّ. " الهادي " ، النبي صلى الله عليه وسلم ، و " المنذر " أيضًا النبي صلى الله عليه وسلم . وقرأ : ( وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلا خَلا فِيهَا نَذِيرٌ ) . ، [سورة فاطر : 24] ، وقال : ( نَذِيرٌ مِنَ النُّذُرِ الأولَى ) [سورة النجم : 56] قال : نبي من الأنبياء .
* * *
وقال آخرون ، بل عني به : ولكل قوم قائد .
*ذكر من قال ذلك :
20157 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا جابر بن نوح ، عن إسماعيل بن أبي خالد ، عن أبي صالح : (إنما أنت منذر ولكل قوم هاد) ، قال : إنما أنت ، يا محمد ، منذر ، ولكل قوم قادة .
20158 - ......... قال : حدثنا الأشجعي قال : حدثني إسماعيل أو : سفيان ، عن إسماعيل بن أبي خالد ، عن أبي صالح : (ولكل قوم هاد) قال : لكل قوم قادة .
20159 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا عبد الله بن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع ، عن أبي العالية : (إنما أنت منذر ولكل قوم هاد) قال : " الهادي " : القائد ، والقائد : الإمام ، والإمام : العمل .
20160 - حدثني الحسن قال : حدثنا محمد ، وهو ابن يزيد عن إسماعيل ،

(16/356)


عن يحيى بن رافع ، في قوله : (إنما أنت منذر ولكل قوم هاد) قال : قائد .
* * *
وقال آخرون : هو عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه .
*ذكر من قال ذلك :
20161 - حدثنا أحمد بن يحيى الصوفي قال : حدثنا الحسن بن الحسين الأنصاري قال : حدثنا معاذ بن مسلم ، بيّاع الهرويّ ، عن عطاء بن السائب ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس قال : لما نزلت(إنما أنت منذر ولكل قوم هاد) ، وضع صلى الله عليه وسلم يده على صدره فقال : أنا المنذر(ولكل قوم هاد) ، وأومأ بيده إلى منكب عليّ ، فقال : أنت الهادي يا عليّ ، بك يهتدي المهتدون بَعْدي (1) .
* * *
وقال آخرون : معناه : لكل قوم داع .
*ذكر من قال ذلك :
20162 - حدثني المثنى قال : حدثنا عبد الله قال : حدثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس قوله : (ولكل قوم هاد) ، قال : داع .
* * *
__________
(1) الأثر : 20161 - " أحمد بن يحيى الصوفي " ، شيخ الطبري ، ثقة ، مضى برقم : 779 و " الحسن بن الحسين الأنصاري ، العرني " ، كأنه قيل له " العرني " ، لأنه كان يكون في مسجد " حبة العرني " . كان من رؤساء الشيعة ، ليس بصدوق ، ولا تقوم به حجة . وقال ابن حبان : " يأتي عن الأثبات بالملزقات ، ويروي المقلوبات والمناكير " . مترجم في ابن أبي حاتم 1 / 2 / 6 ، وميزان الاعتدال 1 : 225 ، ولسان الميزان 2 : 198 .
و " معاذ بن مسلم بياع الهروي " ، لم يذكر بهذه الصفة " بياع الهروي " في غير التفسير ، و " الهروي " ثياب إلى هراة . وجعلها في المطبوعة : " حدثنا الهروي " ، فأفسد الإسناد إفسادًا
و " معاذ بن مسلم " مجهول ، هكذا قال ابن أبي حاتم ، وهو مترجم في ابن أبي حاتم 4 / 1 / 248 ، وميزان الاعتدال 3 : 178 ، ولسان الميزان 6 : 55 .
وهذا خبر هالك من نواحيه ، وقد ذكره الذهبي وابن حجر في ترجمة " الحسن بن الحسين الأنصاري " قالا بعد أن ساقا الخبر بإسناده ولفظه ، ونسبته لابن جرير أيضًا : " معاذ نكرة ، فلعل الآفة منه " ، وأقول : بل الآفة من كليهما : الحسن بن الحسين ، ومعاذ بن مسلم .

(16/357)


اللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثَى وَمَا تَغِيضُ الْأَرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدَارٍ (8)

وقد بينت معنى " الهداية " ، وأنه الإمام المتبع الذي يقدُم القوم . (1) فإذ كان ذلك كذلك ، فجائز أن يكون ذلك هو الله الذي يهدي خلَقه ويتَّبع خلقُه هداه ويأتمون بأمره ونهيه.
وجائز أن يكون نَبِيَّ الله الذي تأتمُّ به أمته.
وجائز أن يكون إمامًا من الأئمة يُؤْتَمْ به ، ويتّبع منهاجَه وطريقته أصحابُه.
وجائزٌ أن يكون داعيًا من الدعاة إلى خيرٍ أو شرٍّ .
وإذ كان ذلك كذلك ، فلا قول أولى في ذلك بالصواب من أن يقال كما قال جل ثناؤه : إن محمدًا هو المنذر من أرسل إليه بالإنذار ، وإن لكل قوم هاديًا يهديهم فيتّبعونه ويأتمُّون به .
* * *
القول في تأويل قوله تعالى : { اللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثَى وَمَا تَغِيضُ الأرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدَارٍ (8) }
قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره : (وإن تعجب فعجبٌ قولهم أئذا كنا ترابًا أئنا لفي خلق جديد) منكرين قدرة الله على إعادتهم خلقًا جديدًا بعد فنائهم وبلائهم ، ولا ينكرون قدرته على ابتدائهم وتصويرهم في الأرحام ، وتدبيرهم وتصريفهم فيها حالا بعد حال فابتدأ الخبر عن ذلك ابتداءً ، والمعنى فيه ما وصفت ، (2) فقال جل ثناؤه : (الله يعلم ما تحمل كل أنثى وما تغيض الأرحام وما تزداد) ، يقول : وما تنقص الأرحام من حملها في الأشهر التسعة بإرسالها دم الحيض
__________
(1) انظر ما سلف ص : 353 .
(2) في المطبوعة والمخطوطة : " ما وصف " ، والصواب ما أثبت .

(16/358)


(1) (وما تزداد) في حملها على الأشهر التسعة لتمام ما نقص من الحمل في الأشهر التسعة بإرسالها دم الحيض( وكل شي عنده بمقدار) لا يجاوز شيء من قَدَره عن تقديره ، ولا يقصر أمر أراده فَدَبَره عن تدبيره ، كما لا يزداد حمل أنثى على ما قُدِّرَ له من الحمل ، ولا يُقصِّر عما حُدّ له من القدر.
* * *
و " المقدار " ، مِفْعال من " القدر " .
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
20163 - حدثني يعقوب بن ماهان قال : حدثنا القاسم بن مالك ، عن داود بن أبي هند ، عن عكرمة ، عن ابن عباس في قوله : (يعلم ما تحمل كل أنثى وما تغيض الأرحام) ، قال : ما رأت المرأة من يوم دمًا على حملها زاد في الحمل يومًا . (2)
20164 - حدثني محمد بن سعد قال : حدثني أبي قال : حدثني عمي قال : حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قوله : (الله يعلم ما تحمل كل أنثى وما تغيض الأرحام) ، يعني السِّقْط(وما تزداد) ، يقول : ما زادت الرحم في الحمل على ما غاضت حتى ولدته تمامًا. وذلك أن من النساء من تحمل عشرة أشهر ، ومنهن من تحمل تسعة أشهر ، ومنهن من تزيد في الحمل ، ومنهن من تنقص. فذلك الغيض والزيادة التي ذكر الله ، وكل ذلك بعلمه .
20165 - حدثنا سعيد بن يحيى الأموي قال : حدثنا عبد السلام قال : حدثنا خصيف ، عن مجاهد أو سعيد بن جبير في قول الله : (وما تغيض الأرحام) قال : غَيْضُها ، دون التسعة والزيادة فوق التسعة .
__________
(1) انظر تفسير " الغيض " فيما سلف 15 : 334 ، وما بعدها .
(2) الأثر : 20163 - " يعقوب بن ماهان البغدادي " ، ثقة ، مضى برقم : 4901 ، 10339 ، 19908 .
و " القاسم بن مالك المزني " ، ثقة من شيوخ أحمد ، مضى برقم : 10339 .

(16/359)


20166 - حدثني يعقوب قال : حدثنا هشيم قال : أخبرنا أبو بشر ، عن مجاهد ، أنه قال : " الغيض " ، ما رأت الحامل من الدم في حملها فهو نقصان من الولد ، و " الزيادة " ما زاد على التسعة أشهر ، فهو تمام للنقصان وهو زيادة .
20167 - حدثنا محمد بن المثنى قال : حدثنا عبد الصمد قال : حدثنا شعبة ، عن أبي بشر ، عن مجاهد ، في قوله : (وما تغيض الأرحام وما تزداد) قال : ما ترى من الدم ، وما تزداد على تسعة أشهر .
20168 - حدثنا محمد بن بشار قال : حدثنا محمد بن جعفر قال : حدثنا شعبة ، عن أبي بشر ، عن مجاهد ، أنه قال : (يعلم ما تغيض الأرحام وما تزداد) ، قال : ما زاد على التسعة الأشهر(وما تغيض الأرحام) ، قال : الدم تراه المرأة في حملها .
20169 - حدثني المثنى حدثنا عمرو بن عون ، والحجاج بن المنهال قالا حدثنا هشيم ، عن أبي بشر ، عن مجاهد ، في قوله : (وما تغيض الأرحام وما تزداد) قال : الغيض : الحامل ترى الدم في حملها فهو " الغيض " ، وهو نقصانٌ من الولد. وما زاد على تسعة أشهر فهو تمام لذلك النقصان ، وهي الزيادة .
20170 - حدثنا أحمد بن إسحاق قال : حدثنا أبو أحمد قال : حدثنا عبد السلام ، عن خصيف ، عن مجاهد : (وما تغيض الأرحام وما تزداد) قال : إذا رأت دون التسعة ، زاد على التسعة مثل أيام الحيض .
20171 - حدثنا أحمد قال : حدثنا أبو أحمد قال : حدثنا سفيان ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : (وما تغيض الأرحام) قال : خروج الدم(وما تزداد) قال : استمساك الدم .
20172 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : (وما تغيض الأرحام) إراقة المرأة حتى يخِسّ الولد(وما تزداد) قال : إن لم تُهْرِق المرأةُ تَمَّ الولد وعَظُم .

(16/360)


20173 - حدثنا الحسن بن محمد قال : حدثنا شبابة قال : حدثنا شعبة ، عن جعفر ، عن مجاهد ، في قوله : (وما تغيض الأرحام وما تزداد) قال : المرأة ترى الدم ، وتحمل أكثر من تسعة أشهر .
20174 - حدثنا الحسن قال : حدثنا محمد بن الصباح قال : حدثنا هشيم قال : أخبرنا أبو بشر ، عن سعيد بن جبير ، في قوله : (وما تغيض الأرحام) ، قال : هي المرأة ترى الدم في حملها .
20175 - ...... قال : حدثنا شبابة ، قال : حدثنا ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : (وما تغيض الأرحام وما تزداد) إهراقُ الدم حتى يخسّ الولد و " تزداد " إن لم تهرق المرأة تَمَّ الولد وعَظُم .
20176 - ...... قال : حدثنا الحكم بن موسى قال : حدثنا هقل ، عن عثمان بن الأسود قال : قلت لمجاهد : امرأتي رأت دمًا ، وأرجو أن تكون حاملا! قال أبو جعفر : هكذا هو في الكتاب (1) فقال مجاهد : ذاك غيضُ الأرحام : (يعلم ما تغيض الأرحام وما تزداد وكل شيء عنده بمقدار) ، الولد لا يزال يقع في النقصان ما رأت الدَّم ، فإذا انقطعَ الدم وقع في الزيادة ، فلا يزال حتى يتمّ ، فذلك قوله : (وما تغيض الأرحام وما تزداد وكل شيء عنده بمقدار) . (2)
__________
(1) موضع الإشكال الذي شكك فيه أبو جعفر أن عثمان بن الأسود قال : " امرأتي رأت الدم " ، وذلك يعني الطمث ، وهي إذا رأت الدم لم تكن حاملا . ثم قال : " وأرجو أن تكون حاملا " ، يوهم أنه من جل رؤية الدم ، رجا أن تكون حاملا . ولكني أخالف أبا جعفر ، وأجعل " أرجو " بمعنى التحقيق لا بمعنى الرجاء ، كأنه قال : " امرأتي رأت الدم وهي حامل " ، وهم يضعون " أرجو " بهذا المكان من التحقيق في كثير من كلامهم . هذا ، وبعض النساء ترى الدم وهي حامل في ميقات طمثها ، هكذا أخبرني النساء .
(2) الأثر : 20176 - " الحكم بن موسى بن أبي زهير البغدادي " ، ثقة ، روى عنه البخاري تعليقًا ومسلم . مترجم في التهذيب ، والكبير 1 / 2 / 342 ، وابن أبي حاتم 1 / 2 / 128
و " هقل " هو : " الهقل بن زياد بن عبد الله الدمشقي " ، كاتب الأوزاعي ، و " هقل " لقب ، قيل اسمه : " محمد " ، وقيل : " عبد الله " ، ثقة الثقات ، من أعلى أصحاب الأوزاعي . مترجم في التهذيب ، والكبير 4 / 2 / 248 ، وابن أبي حاتم 4 / 2 / 122 .
و " عثمان بن الأسود بن موسى المكي " ، ثقة ، روى له الجماعة ، مضى مرارًا .

(16/361)


20177 - ...... قال : حدثنا محمد بن الصباح قال : حدثنا هشيم قال : أخبرنا أبو بشر ، عن مجاهد ، في قوله : (وما تغيض الأرحام وما تزداد) ، قال : " الغيض " : الحامل ترى الدم في حملها ، وهو " الغيض " وهو نقصان من الولد. فما زادت على التسعة الأشهر فهي الزيادة ، وهو تمامٌ للولادة .
20178 - حدثنا ابن المثنى قال : حدثنا عبد الوهاب قال : حدثنا داود ، عن عكرمة في هذه الآية : (الله يعلم ما تحمل كل أنثى وما تغيض الأرحام) ، قال : كلما غاضت بالدم ، زاد ذلك في الحمل .
20179 - ...... قال : حدثنا عبد الأعلى قال : حدثنا داود ، عن عكرمة نحوه.
20180 - حدثنا أحمد بن إسحاق قال : حدثنا أبو أحمد قال : حدثنا عباد بن العوّام ، عن عاصم ، عن عكرمة : (وما تغيض الأرحام) قال : غيض الرحم : الدم على الحمل كلما غاض الرحم من الدم يومًا زاد في الحمل يومًا حتى تستكمل وهي طاهرةٌ .
20181 - ...... قال : حدثنا عباد ، عن سعيد ، عن يعلى بن مسلم ، عن سعيد بن جبير ، مثله .
20182 - حدثنا الحسن بن محمد قال : حدثنا الوليد بن صالح قال : حدثنا أبو يزيد ، عن عاصم ، عن عكرمة في هذه الآية : (وما تغيض الأرحام) ، قال : هو الحيض على الحمل(وما تزداد) قال : فلها بكل يوم حاضت على حملها يوم تزداده في طهرها حتى تستكمل تسعة أشهر طاهرًا .
20183 - ...... قال : حدثنا يزيد بن هارون قال : أخبرنا عمران بن حدير ، عن عكرمة في قوله : (وما تغيض الأرحام وما تزداد) قال : ما رأت الدم في حملها زاد في حملها .
20184 - حدثنا عبد الحميد بن بيان قال : أخبرنا إسحاق ، عن جويبر ،

(16/362)


عن الضحاك ، في قوله : (وما تغيض الأرحام وما تزداد) ما " تغيض " : أقل من تسعة وما تزداد : أكثر من تسعة .
20185 - حدثنا أحمد بن إسحاق قال : حدثنا أبو أحمد قال : حدثنا ابن المبارك ، عن الحسن بن يحيى قال : سمعت الضحاك يقول : قد يولد المولود لسنتين. قد كان الضحاك وُلد لسنتين ، و " الغيض " : ما دون التسعة(وما تزداد) فوق تسعة أشهر .
20186 - ...... قال : حدثنا أبو أحمد قال : حدثنا سفيان ، عن جويبر ، عن الضحاك : (وما تغيض الأرحام وما تزداد) قال : دون التسعة ، وما تزداد : قال : فوق التسعة .
20187 - ...... قال : حدثنا أبو أحمد قال : حدثنا سفيان ، عن جويبر ، عن الضَّحاك قال : ولدت لسنتين .
20188 - حدثني المثنى قال : حدثنا سويد بن نصر قال : أخبرنا ابن المبارك ، عن الحسن بن يحيى قال : حدثنا الضحاك : أن أمه حملته سنتين. قال : (وما تغيض الأرحام) قال : ما تنقص من التسعة(وما تزداد) قال : ما فوق التسعة . (1)
20189 - ... قال : حدثنا عمرو بن عون ; قال : أخبرنا هشيم ، عن جويبر ، عن الضحاك في قوله : (الله يعلم ما تحمل كل أنثى وما تغيض الأرحام) ، قال : كل أنثى من خلق الله .
20190 - ... قال : حدثنا هشيم ، عن جويبر ، عن الضحاك ومنصور ، عن الحسن قالا " الغيض " ما دون التسعة الأشهر .
__________
(1) الآثار : 20185 ، 20187 ، 20188 - " الضحاك بن مزاحم " ، صاحب التفسير ، مضى مرارًا لا تحصى ، ولكن يزاد هنا هذا الخبر في ترجمته أنه قال عن نفسه أنه ولد لسنتين . ثم انظر رقم : 20199 ، أنه ولد وقد نبتت ثناياه .

(16/363)


20191 - ... قال : حدثنا سويد قال : أخبرنا ابن المبارك ، عن داود بن عبد الرحمن ، عن ابن جريج ، عن جميلة بنت سعد ، عن عائشة قالت : لا يكون الحمل أكثر من سنتين ، قدر ما يتحوَّل ظِلُّ مِغْزَل .
20192 - حدثنا أحمد بن إسحاق قال : حدثنا أبو أحمد قال : حدثنا فضيل بن مرزوق ، عن عطية العوفي : (وما تغيض الأرحام) قال : هو الحمل لتسعة أشهر وما دون التسعة(وما تزداد) قال : على التسعة .
20193 - ... قال : حدثنا أبو أحمد قال : حدثنا عمرو بن ثابت ، عن أبيه ، عن سعيد بن جبير : (وما تغيض الأرحام) قال : حيضُ المرأة على ولدها .
20194 - حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة : (وما تغيض الأرحام وما تزداد) . قال : " الغيض " ، السَّقْط(وما تزداد) ، فوق التسعة الأشهر .
20195 - حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن سعيد بن جبير : إذا رأت المرأة الدمَ على الحمل ، فهو " الغيض " للولد . يقول : نقصانٌ في غذاء الولد ، وهو زيادة في الحمل .
20196 - حدثنا بشر بن معاذ قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة قوله : (الله يعلم ما تحمل كل أنثى وما تغيض الأرحام وما تزداد) قال : كان الحسن يقول : " الغيضوضة " ، (1) أن تضع المرأة لستة أشهر أو لسبعة أشهر ، أو لما دون الحدّ قال قتادة : وأما الزيادة ، فما زاد على تسعة أشهر .
20197 - حدثني الحارث قال : حدثنا عبد العزيز قال : حدثنا قيس ، عن سالم الأفطس ، عن سعيد بن جبير قال : غيض الرحم : أن ترى الدم على
__________
(1) " الغيضوضة " ، مصدر " غاض " ، لم تذكره كتب اللغة ، وهو حقيق أن يثبت فيها ، لأنه من كلام الحسن البصري ، وناهيك به فصيحًا وحجة في العربية .

(16/364)


حملها. فكل شيء رأت فيه الدم على حملها ، ازدادت على حملها مثل ذلك .
20198 - ....قال حدثنا عبد العزيز قال : حدثنا حماد بن سلمة ، عن قيس بن سعد ، عن مجاهد قال : إذا رأت الحاملُ الدمَ كان أعظمَ للولد .
20199 - حدثت عن الحسين قال : سمعت أبا معاذ يقول : حدثنا عبيد بن سليمان قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : (وما تغيض الأرحام وما تزداد) ، " الغيض " : النقصان من الأجل ، " والزيادة " : ما زاد على الأجل. وذلك أن النساء لا يلدن لعدّةٍ واحدة ، يولد المولود لستة أشهر فيعيش ، ويولد لسنتين فيعيش ، وفيما بين ذلك . قال : وسمعت الضحاك يقول : ولدت لسنتين ، وقد نبتت ثناياي .
20200 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد ، في قوله : (وما تغيض الأرحام) قال : غيض الأرحام : الإهراقة التي تأخذ النساء على الحمل ، وإذا جاءت تلك الإهراقة لم يعتدَّ بها من الحمل ، ونقص ذلك حملها حتى يرتفع ذلك. وإذا ارتفع استقبلت عِدّةً مستقبلةً تسعة أشهر. وأما ما دامت ترى الدم ، فإن الأرحام تغيض وتنقص ، والولد يرقّ. فإذا ارتفع ذلك الدم رَبَا الولد واعتدّت حين يرتفع عنها ذلك الدم عدّة الحمل تسعة أشهر ، وما كان قبله فلا تعتدُّ به ، هو هِرَاقةٌ ، يبطل ذلك أجمع أكتع .
* * *
وقوله : (وكل شيء عنده بمقدار) .
20201 - حدثنا بشر قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة قوله : (وكل شيء عنده بمقدار) إي والله ، لقد حفظ عليهم رزقهم وآجالهم ، وجعل لهم أجلا معلومًا .
* * *

(16/365)


عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ (9) سَوَاءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَسَارِبٌ بِالنَّهَارِ (10)

القول في تأويل قوله تعالى : { عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ (9) }
قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره : والله عالم ما غاب عنكم وعن أبصاركم فلم تروه ، وما شاهدتموه ، فعاينتم بأبصاركم ، لا يخفى عليه شيء ، لأنهم خلقه (1) وتدبيره " الكبير الذي كل شيء دونه " ، (2) " المتعال " المستعلي على كل شيء بقدرته.
وهو " المتفاعل " من " العلو " مثل " المتقارب " من القرب و " المتداني " من الدنوّ . (3)
* * *
القول في تأويل قوله تعالى : { سَوَاءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَسَارِبٌ بِالنَّهَارِ (10) }
قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره : معتدلٌ عند الله منكم ، (4) أيها الناس ، الذي أسر القول ، (5) والذي جهر به ، (6) والذي هو مستخفٍ بالليل في ظلمته بمعصية الله " وسارب بالنهار " ، يقول : وظاهر بالنهار في ضوئه ، لا يخفى عليه شيء من ذلك. سواء عنده سِرُّ خلقه وعلانيتهم ، لأنه لا يستسرّ عنده شيء ولا يخفى.
* * *
__________
(1) انظر تفسير " الغيب والشهادة " فيما سلف 11 : 464 ، 465 .
(2) انظر تفسير " الكبير " فيما سلف 8 : 318 .
(3) وانظر تفسير " التعالي " فيما سلف 15 : 47 ، تعليق : 1 ، والمراجع هناك .
(4) انظر تفسير " سواء " فيما سلف من فهارس اللغة ( سوى ) .
(5) انظر تفسير " الإسرار " فيما سلف ص : 198 ، تعليق : 1 ، والمراجع هناك .
(6) انظر تفسير " الجهر " فيما سلف 9 : 343 - 349 ، 358 /11 : 368 / 13 : 353 ، تعليق : 4 ، والمراجع هناك .

(16/366)


يقال منه : " سَرَبَ يَسْرَبُ سُرُوبًا " إذا ظهر ، كما قال قيس بن الخطيم :
أَنَّى سَرَيْتِ وَكُنْتِ غَيْرَ سَرُوبِ... وَتُقَرِّبُ الأحْلامُ غَيْر قَرِيب (1)
يقول : كيف سريت بالليل [على] بُعْد هذا الطريق ، (2) ولم تكوني تبرُزين وتظهرين ؟
وكان بعضهم يقول : هو السَّالك في سَرْبه : أي في مذهبه ومكانه . (3)
واختلف أهل العلم بكلام العرب في " السّرب " .
فقال بعضهم : " هو آمن في سَرْبه " ، بفتح السين.
وقال بعضهم : " هو آمن في سِرْبه " بكسر السين .
* * *
وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
*ذكر من قال ذلك :
20202 - حدثني محمد بن سعد قال : حدثني أبي قال : حدثني عمي قال : حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : (سواء منكم من أسرّ القول ومن جهر به ومن هو مستخفٍ بالليل وسارب بالنهار) ، يقول : هو صاحبُ ريبة مستخف بالليل. وإذا خرج بالنهار أرَى الناس أنه بريء من الإثم .
20203 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج قال : قال ابن عباس : (وسارب بالنهار) ، ظاهر .
20204 - حدثنا ابن بشار قال : حدثنا ابن أبي عدي ، عن عوف ، عن أبي رجاء ، في قوله : (سواء منكم من أسرّ القول ومن جهر به ومن هو مستخفٍ
__________
(1) ديوانه : 5 ، واللسان ( سرب ) وغيرها كثير . ويروى " سربت " بالباء الموحدة أيضًا وقوله : " غير سروب " ، أي : غير مبعدة في مذهبك ، أو كما قال أبو جعفر في تفسيره بعد .
(2) الزيادة بين القوسين لا بد منها لتصحيح معنى الكلام .
(3) أرجح أنه يعني أبا عبيدة في مجاز القرآن 1 : 323 ، ولكن لفظه : " سالك في سربه ، أي مذاهبه ووجوهه " ، وهو أجود مما في التفسير ، وأخشى أن يكون من تحريف الناسخ أو سهوه .

(16/367)


بالليل وساربٌ بالنهار) قال : إن الله أعلم بهم ، سواء من اسر القول ومن جهر به ، ومن هو مستخف بالليل وسارب بالنهار .
20205 - حدثنا الحسن بن محمد قال : حدثنا علي بن عاصم ، عن عوف ، عن أبي رجاء : (سواء منكم من أسرّ القول ومن جهر به ومن هو مستخف بالليل وسارب بالنهار) قال : من هو مستخف في بيته(وسارب بالنهار) ، ذاهب على وجهه. علمه فيهم واحدٌ .
20206 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : (سواء منكم من أسرّ القول ومن جهر به) ، يقول : السر والجهر عنده سواء(ومن هو مستخف بالليل وسارب بالنهار) أما " المستخفي " ففي بيته ، وأما " السارب " : الخارج بالنهار حيثما كان. المستخفي غَيْبَه الذي يغيب فيه والخارجُ ، عنده سواء .
20207 - ... قال : حدثنا الحماني قال : حدثنا شريك ، عن خصيف ، في قوله : (مستخف بالليل) قال : راكب رأسه في المعاصي(وسارب بالنهار) قال : ظاهر بالنهار .
20208 - حدثنا بشر قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة قوله : (سواء منكم من أسر القول ومن جهر به) كل ذلك عنده تبارك وتعالى سواء ، السر عنده علانية قوله : (ومن هو مستخف بالليل وسارب بالنهار) ، أي : في ظلمه الليل ، و " سارب " : أي : ظاهر بالنهار .
20209 - حدثنا أحمد بن إسحاق قال : حدثنا أبو أحمد قال : حدثنا شريك ، عن خصيف ، عن مجاهد وعكرمة : (وسارب بالنهار) قال : ظاهر بالنهار.
* * *
و " مَنْ " في قوله : (من أسرّ القول ومَنْ جهر به ومَنْ هو مستخف بالليل) رفع الأولى منهن بقوله : " سواء " . والثانية معطوفة على الأولى ، والثالثة على الثانية .
* * *

(16/368)


لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ (11)

القول في تأويل قوله تعالى : { لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ (11) }
قال أبو جعفر : اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك.
فقال بعضهم : معناه : لله تعالى ذكرهُ معقِّباتٌ قالوا : " الهاء " في قوله : " له " من ذكر اسم الله.
و " المعقبات " التي تعتقب على العبد. (1) وذلك أن ملائكة الليل إذا صعدت بالنهار أعقبتها ملائكة النهار ، فإذا انقضى النهار صعدت ملائكة النهار ثم أعقبتها ملائكة الليل. وقالوا : قيل " معقبات " ، و " الملائكة " : جمع " ملك " مذكر غير مؤنث ، وواحد " الملائكة " " معقِّب " ، وجماعتها " مُعَقبة " ، ثم جمع جمعه أعني جمع " معقّب " بعد ما جمع " مُعَقّبة " وقيل " معقِّبات " ، كما قيل : " سادات سعد " ، (2) " ورجالات بني فلان " ، جمع " رجال " .
* * *
وقوله : (من بين يديه ومن خلفه) ، يعني بقوله : (من بين يديه) ، من قدام هذا المستخفي بالليل والسارب بالنهار (3) (ومن خلفه) ، من وراء ظهره .
*ذكر من قال ذلك :
20210 - حدثنا محمد بن المثنى قال : حدثنا محمد بن جعفر قال : حدثنا
__________
(1) في المطبوعة والمخطوطة : تتعقب " ، والصواب ما أثبت .
(2) في المطبوعة " ابناوات سعد " ، وهي في المخطوطة غير منقوطة والصواب ما أثبت يقال " سيد " و " سادة و " سادات " .
(3) انظر تفسير بين يديه " فيما سلف 10 : 438 ، 12 : 492.

(16/369)


شعبة ، عن منصور ، يعني ابن زاذان ، عن الحسن في هذه الآية : (له معقبات من بين يديه ومن خلفه) قال : الملائكة .
20211 - حدثني المثنى قال : حدثنا إبراهيم بن عبد السلام بن صالح القشيري قال : حدثنا علي بن جرير ، عن حماد بن سلمة ، عن عبد الحميد بن جعفر ، عن كنانة العدوي قال : دخل عثمان بن عفان على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله أخبرني عن العبد كم معه من ملك ؟ قال : ملك على يمينك على حسناتك ، وهو أمينٌ على الذي على الشمال ، (1) فإذا عملتَ حسنة كُتِبت عشرًا ، وإذا عملت سيئة قال الذي على الشمال للذي على اليمين : اكتب! قال : لا لعله يستغفر الله ويتوب! فإذا قال ثلاثًا قال : نعم اكتب أراحنا الله منه ، فبئس القرين ، ما أقل مراقبته لله ، وأقل استحياءَه منّا! يقول الله : ( مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ ) ، [سورة ق : 18] ، وملكان من بين يديك ومن خلفك ، يقول الله : (له معقبات من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من أمر الله) ، وملك قابض على ناصيتك ، فإذا تواضعت لله رفعك ، وإذا تجبَّرت على الله قصمك . وملكان على شفتيك ليس يحفظان عليك إلا الصَّلاة على محمد. وملك قائم على فيك لا يدع الحيّة تدخل في فيك ، (2) وملكان على عينيك. فهؤلاء عشرة أملاك على كلّ آدميّ ، ينزلون ملائكة الليل على ملائكة النهار ، [لأن ملائكة الليل سوى ملائكة النهار] (3) فهؤلاء عشرون ملكًا على كل آدمي ، وإبليس بالنهار وولده بالليل. (4)
__________
(1) في المطبوعة وابن كثير : " وهو أمير " ، وأثبت ما في المخطوطة والدر المنثور .
(2) في المخطوطة : " تدخل فيك " ، والصواب ما في المطبوعة والدر المنثور .
(3) زيادة من ابن كثير والدر المنثور ، ولا غنى عنها .
(4) الأثر : 20211 - هذا إسناد قد سلف مثله برقم : 1386 ، 1395 . وهو إسناد مشكل منكر .
" إبراهيم بن عبد السلام بن صالح القشيري " ، وسلف " التستري " وكان في ذلك الموضع في ابن كثير " القشيري " ، لا ندري أيهما الصواب ، ولم نجد له ذكرًا في شيء من كتب الرجال .
و " علي بن جرير " ، لا يدري منه هو أيضًا ، كما قلنا فيما سلف ، إلا أني أزيد أن ابن أبي حاتم ترجم في الجرح والتعديل : " علي بن جرير البارودي روى عنه ... سئل أبي عن علي بن جرير البارودي ، فقال : صدوق " ، ولا أظنه هذا الذي في إسنادنا ، كأن هذا متأخر ، ابن أبي حاتم 3 / 1 / 178 وأما " عبد الحميد بن جعفر ، فثقة ، سلف برقم : 1386 .
وأما " كنانة العدوي " ، فهو " كنانة بن نعيم العدوي " ، تابعي ثقة ، لم يذكر أنه أدرك عثمان بن عفان أو روى عنه .
فهذا حديث فيه نكارة وضعف شديد ، وانفرد بروايته أبو جعفر الطبري عن المثنى . انظر تفسير ابن كثير 4 : 503 ، والدر المنثور 4 : 48 . وقال ابن كثير : إنه حديث غريب جدًا .

(16/370)


20212 - حدثنا الحسن بن محمد قال : حدثنا شبابة قال : حدثنا ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قوله : (له معقبات من بين يديه ومن خلفه) الملائكة(يحفظونه من أمر الله) .
20213 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .
20214 - ... قال : حدثنا عمرو بن عون قال : أخبرنا هشيم ، عن عبد الملك ، عن قيس ، عن مجاهد ، في قوله : (له معقبات من بين يديه ومن خلفه يحفظونه) ، قال : مع كل إنسان حَفَظَةٌ يحفظونه من أمر الله .
20215 - ... قال : حدثنا عبد الله بن صالح قال : حدثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس ، قوله : (له معقبات من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من أمر الله) ، فالمعقبات هن من أمر الله ، وهي الملائكة .
20216 - حدثنا ابن وكيع قال : حدثنا أبي ، عن إسرائيل ، عن سماك ، عن عكرمة ، عن ابن عباس : (يحفظونه من أمر الله) قال : ملائكة يحفظونه من بين يديه ومن خلفه ، فإذا جاء قدره خَلَّوا عنه .
20217 - حدثني الحارث قال : حدثنا عبد العزيز قال : حدثنا إسرائيل ، عن سماك ، عن عكرمة ، عن ابن عباس : (له معقبات من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من أمر الله) فإذا جاء القدر خَلَّوا عنه .
20218 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا جرير ، عن منصور ، عن إبراهيم

(16/371)


في هذه الآية قال : الحَفَظَة .
20219 - حدثنا ابن وكيع قال : حدثنا أبي ، عن سفيان ، عن منصور ، عن إبراهيم : (له معقبات من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من أمر الله) ، قال : ملائكة .
20220 - حدثنا أحمد بن حازم قال ، حدثنا يعلى قال : حدثنا إسماعيل بن أبي خالد ، عن أبي صالح في قوله : (له معقبات) قال : ملائكة الليل ، يعقُبُون ملائكة النهار .
20221 - حدثنا بشر قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : (له معقبات من بين يديه ومن خلفه) هذه ملائكة الليل يتعاقبون فيكم بالليل والنهار. وذكر لنا أنهم يجتمعون عند صلاة العصر وصلاة الصبح وفي قراءة أبيّ بن كعب : ( لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَرَقِيبٌ مِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِن أَمْرِ اللهِ).
20222 - حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ، قوله : (له معقبات من بين يديه) ، قال : ملائكة يتعاقبونه .
20223 - حدثنا القاسم قال حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج قال ، قال ابن عباس : (له معقبات من بين يديه ومن خلفه) قال : الملائكة قال ابن جريج : " معقبات " ، قال : الملائكة تَعَاقَبُ الليلَ والنهار.
وبلغنا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : يجتمعون فيكم عند صلاة العصر وصلاة الصبح وقوله : (يحفظونه من بين يديه ومن خلفه ) ، قال ابن جريج : مثل قوله : ( عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ ) ، [سورة ق : 17]. قال : الحسنات من بين يديه ، والسيئات من خلفه. الذي عن يمينه يكتب الحسنات والذي عن شماله يكتب السيئات .
20224 - حدثنا سوّار بن عبد الله قال : حدثنا المعتمر بن سليمان قال ،

(16/372)


سمعت ليثًا يحدث ، عن مجاهد أنه قال : ما من عبدٍ إلا له ملك موكَّل يحفظه في نومه ويقظته من الجنّ والإنس والهوامّ ، فما منها شيء يأتيه يريده إلا قال : وراءَك! إلا شيئًا يأذن الله فيه فيصيبه .
20225 - حدثني محمد بن سعد قال : حدثني أبي : قال : حدثني عمي قال : حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : (له معقبات من بين يديه ومن خلفه) ، قال : يعني الملائكة .
* * *
وقال آخرون : بل عني بـ " المعقبات " في هذا الموضع ، الحرَس ، الذي يتعاقب على الأمير .
*ذكر من قال ذلك :
20226 - حدثنا أبو هشام الرفاعي قال : حدثنا ابن يمان قال : حدثنا سفيان عن حبيب بن أبي ثابت ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس : (له معقبات من بين يديه ومن خلفه) قال : ذلك ملك من مُلوك الدنيا له حَرسٌ من دونه حرَس .
20227 - حدثني محمد بن سعد قال : حدثني أبي قال : حدثني عمي قال : حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قوله : (له معقبات من بين يديه ومن خلفه) ، يعني : ولىَّ الشيطان ، يكون عليه الحرس . (1)
20228 - حدثنا محمد بن المثنى قال : حدثنا محمد بن جعفر قال : حدثنا شعبة ، عن شَرْقيّ : أنه سمع عكرمة يقول في هذه الآية : (له معقبات من بين يديه ومن خلفه ) قال : هؤلاء الأمراء . (2)
20229 - حدثني الحارث قال : حدثنا عبد العزيز قال : حدثنا عمرو بن
__________
(1) في المطبوعة : " ولي السلطان " ، غير ما في المخطوطة ، وهو الصواب ، يعني البغاة العصاة الأمراء ، يحرسون أنفسهم . وانظر ما يأتي ص : 377 ، تعليق : 1 . روى عنه شعبة ، ذكره ابن حبان في الثقات. وقال ابن أبي حاتم : ليس بحديثه بأس. مترجم في التهذيب. .
(2) الأثر : 20228 - " شرقي البصرى " ، روى عن عكرمة عن ابن عباس في تفسير هذه الآية ن والكبير 2 / 2 / 255 ، وابن أبي حاتم 2 / 1 / 376 .

(16/373)


نافع قال : سمعت عكرمة يقول : (له معقبات من بين يديه ومن خلفه) قال : المواكب من بين يديه ومن خلفه . (1)
20230 - حدثت عن الحسين بن الفرج قال : سمعت أبا معاذ يقول : حدثنا عبيد بن سليمان قال ، سمعت الضحاك يقول في قوله : (له معقبات من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من أمر الله) ، قال : هو السلطان المحترس من الله ، وهم أهل الشرك . (2)
* * *
قال أبو جعفر : وأولى التأويلين في ذلك بالصواب ، قولُ من قال : " الهاء " ، في قوله : (له معقبات) من ذكر " مَنْ " التي في قوله : (ومَنْ هو مستخف بالليل) " وأن المعقبات من بين يديه ومن خلفه " ، هي حرسه وجلاوزته ، (3) كما قال ذلك من ذكرنا قوله .
وإنما قلنا : " ذلك أولى التأويلين بالصواب " ، لأن قوله : (له معقبات) أقرب إلى قوله : (ومن هو مستخف بالليل) منه إلى عالم الغيب ، فهي لقربها منه أولى بأن تكون من ذكره ، وأن يكون المعنيَّ بذلك هذا ، مع دلالة قول الله : (وإذا أراد الله بقوم سوءا فلا مرد له) على أنهم المعنيُّون بذلك.
وذلك أنه جل ثناؤه ذكر قومًا أهل معصيةٍ له وأهلَ ريبة ، يستخفون بالليل ويظهرون بالنهار ، ويمتنعون عند أنفسهم بحرس يحرسهم ، ومَنْعَة تمنعهم من أهل طاعته أن يحولوا بينهم وبين ما يأتون من معصية الله. ثم أخبر أنّ الله تعالى ذكره إذا أراد بهم سوءًا لم ينفعهم حَرَسهم ، ولا يدفع عنهم حفظهم .
* * *
__________
(1) الأثر : 20229 - " عمر بن نافع الثقفي " ، روى عن أنس وعكرمة . قال ابن معين : ليس بشيء . وذكره ابن حبان في الثقات . وذكره الساجي وابن الجارود في الضعفاء . مترجم في التهذيب ، وابن أبي حاتم 3 / 1 / 138 ، وميزان الاعتدال 2 : 272 .
(2) في المطبوعة : " المحروس من أمر الله " ، وأثبت ما في المخطوطة .
(3) الجلاوزة جمع جلواز ( بكسر الجيم وسكون اللام ) . وهو الشرطي الذي يخف بين يدي الأمير ويأتمر بأمره .

(16/374)


وقوله : (يحفظونه من أمر الله) اختلف أهل التأويل في تأويل هذا الحرف على نحو اختلافهم في تأويل قوله : (له معقبات) .
فمن قال : " المعقبات " هي الملائكة قال : الذين يحفظونه من أمر الله هم أيضًا الملائكة.
ومن قال : " المعقبات " هي الحرس والجلاوزة من بني آدم قال : الذين يحفظونه من أمر الله هم أولئك الحرس .
* * *
واختلفوا أيضًا في معنى قوله : (من أمر الله) .
فقال بعضهم : حفظهم إيّاه من أمره .
وقال بعضهم : (يحفظونه من أمر الله) بأمر الله .
*ذكر من قال : الذين يحفظونه هم الملائكة ، ووجَّه قوله : (بأمر الله) إلى معنى أن حفظها إيّاه من أمر الله :
20231 - حدثني المثنى قال : حدثنا عبد الله بن صالح قال : حدثني معاوية ، عن علي عن ابن عباس قوله : (يحفظونه من أمر الله) ، يقول : بإذن الله ، فالمعقبات : هي من أمر الله ، وهي الملائكة.
20232 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا جرير ، عن عطاء بن السائب ، عن سعيد بن جبير : (يحفظونه من أمر الله) ، قال : الملائكة : الحفظة ، وحفظهم إياه من أمر الله .
20233 - حدثنا الحسن بن محمد قال : حدثنا محمد بن عبيد قال : حدثني عبد الملك ، عن ابن عبيد الله ، عن مجاهد في قوله : (له معقبات من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من أمر الله) ، قال : الحفظة هم من أمر الله .
20234 - ... قال : حدثنا علي يعني ابن عبد الله بن جعفر قال : حدثنا سفيان ، عن عمرو ، عن ابن عباس : (له معقبات من بين يديه) ، رقباء

(16/375)


(ومن خلفه) من أمر الله(يحفظونه). (1)
20235 - ... قال : حدثنا عبد الوهاب ، عن سعيد ، عن قتادة ، عن الجارود ، عن ابن عباس : (له معقبات من بين يديه) ، رقيب(ومن خلفه) .
20236 - حدثني الحارث قال : حدثنا عبد العزيز قال : حدثنا إسرائيل ، عن خصيف ، عن مجاهد : (له معقبات من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من أمر الله) ، قال : الملائكة من أمر الله .
20237 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج قال : قال ابن عباس : (يحفظونه من أمر الله) ، قال : الملائكة من أمر الله .
20238 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا جرير ، عن منصور ، عن إبراهيم : (له معقبات من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من أمر الله) قال : الحفظة .
* * *
*ذكر من قال : عنى بذلك : يحفظونه بأمر الله :
20239 - حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة : (يحفظونه من أمر الله) : أي بأمر الله .
20240 - حدثنا بشر بن معاذ قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : (يحفظونه من أمر الله) ، وفي بعض القراءات(بِأَمْرِ اللهِ).
20241 - حدثني المثنى قال : حدثنا عمرو بن عون قال ، أخبرنا هشيم ، عن عبد الملك ، عن قيس ، عن مجاهد في قوله : (له معقبات من بين يديه ومن
__________
(1) الأثر : 20234 - " علي بن عبد الله بن جعفر بن نجيح السعدي " وهو " ابن المديني " ، صاحب التصانيف ، ثقة ، روى عنه البخاري في التاريخ ، وأبو داود . مترجم في التهذيب ، وابن أبي حاتم 3 / 1/ 193 .
و " سفيان " ، هو " سفيان بن عيينة " ، الثقة المشهور .
و " عمرو " ، هو " عمر بن دينار المكي " ، الثقة المشهور .

(16/376)


خلفه) قال : مع كل إنسان حَفَظَة يحفظونه من أمر الله .
* * *
*ذكر من قال : تحفظه الحرس من بني آدم من أمر الله :
20242 - حدثني محمد بن سعد قال : حدثني أبي قال : حدثني عمي قال : حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس : (يحفظونه من أمر الله) يعني : ولّى الشيطان ، (1) يكون عليه الحرس يحفظونه من بين يديه ومن خلفه ، يقول الله عز وجل : يحفظونه من أمري ، فإني إذا أردت بقوم سوءًا فلا مرد له وما لهم من دونه من والٍ .
20243 - حدثني أبو هريرة الضبعي قال : حدثنا أبو قتيبة قال ، حدثنا شعبة ، عن شَرْقيّ ، عن عكرمة : (يحفظونه من أمر الله) قال : الجلاوزة . (2)
* * *
وقال آخرون : معنى ذلك : يحفظونه من أمر الله ، و " أمر الله " الجن ، ومن يبغي أذاه ومكروهه قبل مجيء قضاء الله ، فإذا جاء قضاؤه خَلَّوْا بينه وبينه .
*ذكر من قال ذلك :
20244 - حدثني أبو هريرة الضبعي قال : حدثنا أبو داود قال : حدثنا ورقاء ، عن منصور ، عن طلحة ، عن إبراهيم : (يحفظونه من أمر الله) قال : من الجن . (3)
20245 - حدثنا سوّار بن عبد الله قال : حدثنا المعتمر قال : سمعت ليثًا
__________
(1) في المطبوعة " ولي السلطان " ، والصواب ما في المخطوطة ، ولكنه غيرها كما سلف آنفًا ص : 373 ، تعليق : 1 .
(2) الأثر : 20243 - " أبو هريرة الضبعي " ، هو " محمد بن فراس الضبعي الصيرفي " ، شيخ أبي جعفر ، ثقة صدوق ، مترجم في التهذيب ، وابن أبي حاتم 4 / 1 / 60 .
و " أبو قتيبة " ، هو " سلم بن قتيبة الشعيري " ، ثقة ، مضى مرارًا ، آخرها رقم : 12904 .
و " شعبة " هو " شعبة بن الحجاج " ، الإمام المشهور ، مضى مرارًا . وكان هنا في المطبوعة والمخطوطة : " سعيد " ، وهو خطأ محض ، فإن الذي يروي عن " شرقي البصري " ، هو شعبة ، كما مضى آنفًا رقم : 20228 .
" وشرقي البصري " ، مضى برقم : 20228 .
(3) الأثر : 20244 - " أبو هريرة الضبعي " ، مضى في الأثر السالف .
و " أبو داود " ، هو الطيالسي .

(16/377)


يحدث ، عن مجاهد أنه قال : ما من عبد إلا له ملك موكّل يحفظه في نومه ويقظته من الجنّ والإنس والهوامّ ، فما منهم شيء يأتيه يريده إلا قال : وراءَك إلا شيئًا يأذن الله فيصيبه .
20246 - حدثنا الحسن بن عرفة قال : حدثنا إسماعيل بن عياش ، عن محمد بن زياد الألهاني ، عن يزيد بن شريح ، عن كعب الأحبار قال : لو تجلَّى لابن آدم كلّ سهلٍ وحزنٍ لرأى على كل شيء من ذلك شياطين. لولا أن الله وكَّل بكم ملائكة يذبُّون عنكم في مطعمكم ومشربكم وعوراتكم إذًا لتُخُطِّفتم .
20247 - حدثني يعقوب قال : حدثنا ابن علية قال : حدثنا عمارة بن أبي حفصة ، عن أبي مجلز قال : جاء رجل من مُرادٍ إلى عليّ رضي الله عنه وهو يصلي ، فقال : احترس ، فإنّ ناسًا من مراد يريدون قتلك! فقال : إنّ مع كل رجل ملكين يحفظانه مما لم يقدَّر ، فإذا جاء القدَرُ خلَّيا بينه وبينه ، وإن الأجل جُنَّةٌ حصينة .
20248 - حدثنا الحسن بن محمد قال : حدثنا عبد الوهاب ، عن الحسن بن ذكوان ، عن أبي غالب ، عن أبي أمامة قال : ما من آدمي إلا ومعه ملك موكَّل يذود عنه حتى يسلمه للذي قُدِّر له .
* * *
وقال آخرون : معنى ذلك : يحفظون عليه من الله .
*ذكر من قال ذلك :
20249 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج : (يحفظونه من أمر الله) ، قال : يحفظون عليه من الله .
* * *
قال أبو جعفر : يعني ابن جريج بقوله : " يحفظون عليه " ، الملائكة الموكلة بابن آدم ، بحفظ حسناته وسيئاته ، وهي " المعقبات " عندنا ، تحفظ على ابن آدم حسناته وسيئاته من أمر الله.
* * *

(16/378)


قال أبو جعفر : وعلى هذا القول يجب أن يكون معنى قوله : (من أمر الله) ، أنّ الحفظة من أمر الله ، أو تحفظ بأمر الله ويجب أن تكون " الهاء " التي في قوله : (يحفظونه) وُحِّدت وذُكِّرت وهي مراد بها الحسنات والسيئات ، لأنها كناية عن ذكر " مَنْ " الذي هو مستخف بالليل وسارب بالنهار وأن يكون " المستخفي بالليل " أقيم ذكره مقام الخبر عن سيئاته وحسناته ، كما قيل : ( وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا وَالْعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنَا فِيهَا ) ، [سورة يوسف : 82].
وكان عبد الرحمن بن زيد يقول في ذلك خلاف هذه الأقوال كلها : -
20250 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد ، في قوله : (ومن هو مستخف بالليل وساربٌ بالنهار) قال : أتى عامر بن الطفيل ، وأربد بن ربيعة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، (1) فقال عامر : ما تجعل لي إن أنا اتبعتك ؟ قال : أنت فارس ، أعطيك أعنة الخيل. قال : لا . قال : " فما تبغي ؟ قال : لي الشرق ولك الغرب . قال : لا . قال : فلي الوَبَر ولك المَدَر . قال : لا. قال : لأملأنها عليك إذًا خيلا ورجالا. قال : يمنعك الله ذاك وابنا قيلة (2) يريد الأوس والخزرج . قال : فخرجا ، فقال عامر لأربد : إن كان الرجل لنا لممكنًا لو قتلناه ما انتطحت فيه عنزان ، ولرضوا بأن نعقله لهم وأحبوا السلم وكرهوا الحرب إذا رأوا أمرًا قد وقع . فقال الآخر : إن شئت فتشاورا ،
__________
(1) " أربد بن ربيعة " ، هكذا جاء هنا عن ابن زيد ، وكذلك جاء عن محمد بن علي القرشي فيما رواه عنه ابن سعد في طبقاته 1 / 2 / 51 .
و " أربد " هو : " أربد بن قيس بن جزء بن خالد بن جعفر بن كلاب " ، وهو أخو لبيد لأمه ، و " لبيد " هو " لبيد بن ربيعة بن مالك بن جعفر بن كلاب " ، فكأن ابن زيد ومحمد بن علي القرشي إنما قالا : " أربد بن ربيعة " ، من قبل أخوته للبيد بن ربيعة ، ولا أدري كيف قالا هذا ؟ ولم قالاه ؟ ولم أجده في غير هذين الموضعين . وانظر كتاب " جوامع السيرة " ، لابن حزم ص : 12 ، تعليق : 1 .
(2) في المطبوعة : " وأبناء قيلة " ، والصواب ما في المخطوطة على التثنية . و " قيلة " أم الأوس والخزرج .

(16/379)


وقال : ارجع وأنا أشغله عنك بالمجادلة ، وكن وراءه فاضربه بالسيف ضربةً واحدة. فكانا كذلك : واحدٌ وراء النبي صلى الله عليه وسلم ، والآخر قال : اقصص علينا قصصك. قال : ما تقول ؟ قال : قرآنك! (1) فجعل يجادله ويستبطئه ، (2) حتى قال : مالك حُشِمت ؟ (3) قال : وضعت يدي على قائم سيفي [فيبست] ، (4) فما قدرتُ على أن أُحْلِي ولا أُمِرُّ ولا أحرّكها . قال : فخرجا ، فلما كانا بالحَرة ، سمع بذلك سعد بن معاذ وأسيد بن حُضير ، فخرجا إليهما ، على كل واحد منهما لأمته ، ورمحه بيده ، وهو متقلد سيفه. فقالا لعامر بن الطفيل : يا أعور [حسا] يا أبلخ ، (5) أنت الذي يشرط على رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ (6) لولا أنك في أمانٍ من رسول الله صلى الله عليه وسلم ما رِمْتَ المنزل حتى نضرب عنقك ، (7) ولكن [لا نستعين]. (8) وكان أشدّ الرجلين عليه أسيد بن الحضير ، [فقال : من هذا ؟ فقالوا : أسيد بن حضير] ؟ (9) فقال : لو كان أبوه حيًا لم يفعل بي هذا! ثم قال لأربد : اخرج أنت يا أربد إلى ناحية عَدَنَة ، (10) وأخرج أنا إلى نجد ، فنجمع الرجال فنلتقي عليه . فخرج أربد حتى إذا كان بالرَّقَم ، (11) بعث الله سحابة من الصيف فيها صاعقة! فأحرقته . قال : وخرج عامر حتى إذا كان بوادٍ يقال له الجرير ، أرسل الله عليه الطاعون ، فجعل يصيح : يا آل عامر ، أغُدَّة كغدَّة البكر تقتلني! يا آل عامر ، أغدةٌ كغدة البكر تقتلني ، وموتٌ أيضًا في بيت سلولية ! وهي امرأة من قيس. فذلك قول الله : (سواء منكم من أسر القول ومن جهر به) فقرأ حتى بلغ : (يحفظونه) تلك المعقبات من أمر الله ، هذا مقدّم ومؤخّر لرسول الله صلى الله عليه وسلم معقبات يحفظونه من بين يديه ومن خلفه ، تلك المعقبات من أمر الله . وقال لهذين : (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم) فقرأ حتى بلغ : (يرسل الصواعق فيصيب بها من يشاء) الآية ، فقرأ حتى بلغ : (وما دُعاء الكافرين إلا في ضلال) . قال وقال لبيد في أخيه أربد ، وهو يبكيه :
أَخْشَى عَلَى أَرْبَدَ الحُتُوفَ وَلا... أَرْهَبُ نَوْءَ السِّمَاكِ وَالأسَدِ (12)
__________
(1) في المطبوعة : " قال ما يقول قرآنك " ، حذف من الكلام " قال " ، وأثبت ما في المخطوطة ويعني قال : اقرأ علي قرآنك .
(2) قوله : " فجعل يجادله ويستبطئه " وما بعدها ، كلام فيه اضطراب ، وأخشى أن يكون فيه خرم وسقط ، والسياق يدل على أنه جعل يجادل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وينظر إلى أربد يستبطئه . فلما انصرفا قال عامر لأربد : مالك حشمت ؟
(3) في المطبوعة : " مالك أجشمت " بزيادة الهمزة ، وبالجيم ، وليس له معنى ، وفي المخطوطة : " حسمت " غير منقوطة ، وصواب قراءتها ما أثبت . يقال : " حشم " بالبناء المجهول ، إذا أعيي وانقبض .
(4) الزيادة بين القوسين ، زادها الناشر الأول على الدر المنثور .
(5) في المطبوعة : " يا أعور يا خبيث يا أملخ " ، غير ما في المخطوطة ، والذي فيها : " ناعور حسما يا أبلخ " ، ولم أستطع أن أجد الخبر في مكان آخر فأصححه ، وقد أعياني كشف ما فيه من التحريف ، فأثبته كما هو . و " الأبلخ " هو العظيم في نفسه ، الجريء على ما أتى من الفجور .
(6) في المطبوعة : " تشترط " ، وأثبت ما في المخطوطة .
(7) في المطبوعة : " ضربت " ، وأثبت ما في المخطوطة .
(8) وهذه كلمة أخرى أثبتها كما هي في المخطوطة غير منقوطة لم أهتد إلى قراءتها ، ولكن ناشر المطبوعة جعلها : " لا تستبقين " ، فنقطها ، فصارت بلا معنى ، أما السيوطي في الدر المنثور ، فقد حذفها كعادته واستراح من همها .
(9) زيادة لا بد منها ، أثبتها من الدر المنثور .
(10) في المطبوعة : " إلي عذية " ، وليس في بلاد العرب موضع بهذا الاسم ، والذي فيها " عدنة " ( بفتح العين والدال ) ، وهي أرض لبني فزارة ، في جهة الشمال من الشربة ، قال الأصمعي في تحديد نجد : " ووادي الرمة يقطع بين عدنة والشربة ، فإذا جزعت الرمة مشرقًا أخذت في الشربة ، وإذا جزعت الرمة إلى الشمال أخذت في عدنة " ، أرجو أن يكون ما قرأت هو الصواب .
(11) " الرقم " ، ظاهر أنه موضع ، انظر معجم البلدان ، ومعجم ما استعجم ، وصفة جزيرة العرب للهمداني : 176 ، فأنا في شك من هذا كله .
(12) ديوانه قصيدة رقم : 5 ، البيت : 2 ، 3 / وسيأتيان في ص : 394 ، وقبل البيتين ، وهو أولها : ما إنْ تُعرِّي المَنُونُ مِنْ أَحَدٍ ... لا وَالِدٍ مُشْفِقٍ ولا وَلدِ
و " الحتوف " ، هي الآجال . وقوله : " نوء السماك والأسد " ، فإنه يعني السماك الأعزل ، ونوؤة أربع ليال في تشرين الأول ( شهر أكتوبر ) . وهو نوء غزير . وأما " الأسد " ، فإنه يعني " زبرة الأسد " ونوؤها أربع ليال في أواخر آب ( شهر أغسطس ) . ويكون في نوء الزبرة مطر شديد ( انظر كتاب الأنواء لابن قتيبة ص : 58 ، 59 / 64 ، 65 ) . وذلك كله في زمن الصيف .
يقول لبيد : كنت أخشى عليه كل حتف أعرفه ، إلا هذا الحتف المفاجئ من صواعق الصيف .
وقوله : " فجعني الدهر " ، أي أنزل بي الفجيعة الموجعة ، والرزية المؤلمة . و " يوم الكريهة " ، يوم الشدة في الحرب ، حيث تكره النفوس الموت . و " النجد " ( بفتح فضم ) ، هو الشجاع الشديد البأس ، السريع الإجابة إلى ما دعي إليه من خير أو شر ، مع مضاء فيما يعجز عنه غيره .

(16/380)


فَجّعَنِي الرَّعْدُ وَالصَّوَاعِقُ بِال... فَارِسِ يَوْمَ الكَرِيهَةِ النَّجُدِ (1)
* * *
قال أبو جعفر : وهذا القول الذي قاله ابن زيد في تأويل هذه الآية ، قولٌ بعيد من تأويل الآية ، مع خلافِه أقوالَ من ذكرنا قوله من أهل التأويل.
وذلك أنه جعل " الهاء " في قوله : (له معقبات) من ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولم يجر له في الآية التي قبلها ولا في التي قبل الأخرى ذكرٌ ، إلا أن يكون أراد أن يردّها على قوله : (إنما أنت منذر ولكل قوم هاد له معقبات) فإن كان ذلك ، (2) فذلك بعيدٌ ، لما بينهما من الآيات بغير ذكر الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم .
وإذا كان ذلك ، فكونها عائدة على " مَنْ " التي في قوله : (ومَنْ هو مستخف بالليل) أقربُ ، لأنه قبلها والخبر بعدها عنه .
فإذا كان ذلك كذلك ، فتأويل الكلام : سواء منكم ، أيها الناس من أسرّ القول ومن جهر به عند ربكم ، ومن هو مستخف بفسقه وريبته في ظلمة الليل ، وساربٌ يذهب ويجيء في ضوء النهار ممتنعًا بجنده وحرسه الذين يتعقبونه من أهل طاعة الله أن يحولوا بينه وبين ما يأتي من ذلك ، وأن يقيموا حدَّ الله عليه ، وذلك قوله : (يحفظونه من أمر الله) .
* * *
وقوله : (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم) يقول تعالى ذكره : (إن الله لا يغير ما بقوم) ، من عافية ونعمة ، فيزيل ذلك عنهم ويهلكهم(حتى يغيروا ما بأنفسهم) من ذلك بظلم بعضهم بعضًا ، واعتداء بعضهم على بعض ،
__________
(1) الأثر : 20250 - رواه السيوطي في الدر المنثور 4 : 48 ، 49 ، ونسبه لابن جرير وأبي الشيخ ، ولم أجده في غير هذين المكانين .
(2) في المطبوعة : " فإن كان أراد ذلك " ، زاد من عنده ما لا حاجة إليه .

(16/382)


فَتَحلَّ بهم حينئذ عقوبته وتغييره .
* * *
وقوله : (وإذا أراد الله بقوم سوءًا فلا مردّ له) يقول : وإذا أراد الله بهؤلاء الذين يستخفون بالليل ويسربون بالنهار ، لهم جند ومنعة من بين أيديهم ومن خلفهم ، يحفظونهم من أمر الله هلاكًا وخزيًا في عاجل الدنيا ، (فلا مردّ له) يقول : فلا يقدر على ردّ ذلك عنهم أحدٌ غيرُ الله . يقول تعالى ذكره : (وما لهم من دونه من وال) يقول : وما لهؤلاء القوم و " الهاء والميم " في " لهم " من ذكر القوم الذين في قوله : (وإذا أراد الله بقوم سوءًا) . من دون الله(من والٍ) يعني : من والٍ يليهم ويلي أمرهم وعقوبتهم .
* * *
وكان بعض أهل العلم بكلام العرب يقول : " السوء " : الهلكة ، ويقول : كل جذام وبرص وعَمى وبلاء عظيم فهو " سوء " مضموم الأول ، وإذا فتح أوله فهو مصدر : " سُؤْت " ، ومنه قولهم : " رجلُ سَوْءٍ " . (1)
واختلف أهل العربية في معنى قوله : (ومن هو مستخف بالليل وسارب بالنهار) .
فقال بعض نحويي أهل البصرة : معنى قوله : (ومن هو مستخف بالليل) ومن هو ظاهر بالليل ، من قولهم : " خَفَيْتُ الشيء " : إذا أظهرته ، وكما قال أمرؤ القيس :
فَإِنْ تَكْتُمُوا الدَّاء لا نَخْفِه... وإنْ تَبْعَثُوا الحَرْبَ لا نَقْعُدِ (2)
وقال : وقد قرئ( أَكَادُ أُخْفِيهَا ) [سورة طه : 15] بمعنى : أظهرها .
وقال في قوله : (وسارب بالنهار) ، " السارب " : هو المتواري ، كأنه وجَّهه إلى
__________
(1) هو نص كلام أبي عبيدة في مجاز القرآن 1 : 324 .
(2) ديوانه : 16 ، واللسان ( خفا ) ، وغيرهما ، وسيأتي في التفسير 16 : 114 ( بولاق ) ، مع اختلاف يسير في الرواية .

(16/383)


أنه صار في السَّرَب بالنهار مستخفيًا . (1)
* * *
وقال بعض نحويي البصرة والكوفة : إنما معنى ذلك : (ومن هو مستخف) ، أي مستتر بالليل من الاستخفاء(وسارب بالنهار) : وذاهبٌ بالنهار ، من قولهم : " سَرَبت الإبل إلى الرَّعي ، وذلك ذهابها إلى المراعي وخروجها إليها .
وقيل : إن " السُّرُوب " بالعشيّ ، و " السُّروح " بالغداة .
* * *
واختلفوا أيضًا في تأنيث " معقبات " ، وهي صفة لغير الإناث.
فقال بعض نحويي البصرة : إنما أنثت لكثرة ذلك منها ، نحو : " نسّابة " ، و " علامة " ، ثم ذكَّر لأن المعنيَّ مذكّر ، فقال : " يحفظونه " .
* * *
وقال بعض نحويي الكوفة : إنما هي " ملائكة معقبة " ، ثم جمعت " معقبات " ، فهو جمع جمع ، ثم قيل : " يحفظونه " ، لأنه للملائكة .
* * *
وقد تقدم قولنا في معنى : " المستخفي بالليل والسارب بالنهار " . (2)
وأما الذي ذكرناه عن نحويي البصريين في ذلك ، فقولٌ وإن كان له في كلام العرب وجهٌ ، خلافٌ لقول أهل التأويل. (3) وحسبه من الدلالة على فساده ، خروجه عن قولِ جميعهم .
* * *
وأما " المعقبات " ، فإن " التعقيب " في كلام العرب ، العود بعد البدء ، والرجوع إلى الشيء بعد الانصراف عنه ، (4) من قول الله تعالى : ( وَلَّى مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ ) ، أي : لم يرجع ، وكما قال سلامة بن جندل :
__________
(1) " السرب " ( بفتحتين ) : حفير تحت الأرض .
(2) انظر ما سلف ص : 366 - 368 .
(3) سياق الكلام : " فقول .. خلاف لقول أهل التأويل " .
(4) سلف أيضًا تفسير " المعقبات " ص : 369 ، وما بعدها .

(16/384)


وَكَرُّنا الخَيْلَ فِي آثَارِهِمْ رُجُعًا... كُسَّ السَّنَابِكِ مِنْ بَدْءٍ وَتَعْقِيبِ (1)
يعني : في غزوٍ ثانٍ عقَّبُوا ، وكما قال طرفة :
وَلَقَدْ كُنْت عَلَيْكُمْ عَاتِبًا... فَعَقَبْتُمْ بِذَنُوبٍ غَيْرِ مُرّ (2)
يعني بقوله : " عقبتم " ، رجعتم.
وأتاها التأنيث عندنا ، وهي من صفة الحرس الذي يحرسون المستخفي بالليل والسارب بالنهار ، لأنه عني بها " حرس مُعَقبّة " ، ثم جمعت " المعقبة " فقيل : " معقبات " فذلك جمع جمع " المعقِّب " ، و " المعقِّب " ، واحد " المعَقِّبة " ، كما قال لبيد :
حَتَّى تَهَجَّرَ فِي الرّوَاحِ وَهَاجَهُ... طَلَبَ المُعَقِّبِ حَقَّهُ المَظْلُومُ (3)
و " المعقبات " ، جمعها ، ثم قال : " يحفظونه " ، فردّ الخبر إلى تذكير الحرَس والجند .
* * *
وأما قوله : (يحفظونه من أمر الله) فإن أهل العربية اختلفوا في معناه.
__________
(1) ديوانه : 8 ، شرح المفضليات : 227 ، قصيدة مشهورة ، وروايتها . وَكَرُّنَا خَيْلَنَا أدْرَاجَهَا رُجُعًا
وهي أجود الروايتين ، وكان في المطبوعة : " في آثارها " . وقوله : " أدراجها " ، أي من حيث جاءت ذهبت . و " رجع " جمع " رجيع " ، وهو الدابة الذي هزله السفر . و " كس السنابك " ، جمع " أكس " ، وهو الحافر المتثلم الذي كسره طول السير ، أي تحاتت سنابكها من طول السير . و " البدء " الغزو الأول ، و " التعقيب " ، الرجوع من الغزو ، أو الغزو الثاني بعد الأول .
(2) أشعار الستة الجاهليين : 334 ، و " الذنوب " ، الدلو العظيمة يكون فيها ماء . يقول : " كنت عليكم واجدًا غاضبًا ، فرجعتم بحلو المودة دون مرها ، فخلص قلبي لكم مرة أخرى .
(3) ديوانه قصيدة رقم : 16 ، بيت 26 ، اللسان ( عقب ) ، وهو من أبيات في صفة حمار الوحش ، وشرح البيت يطول ، وخلاصته أن الحمار " تهجر من الرواح " ، أي : عجل في الرواح إلى الماء ، و " هاجه " ، أي : حركه حب الماء ، فعجل إليه عجلة طالب الحق يطلبه مرة بعد مرة ، وهو " المعقب " .
ورفع " المظلوم " ، وهو نعت للمعقب على المعنى والمعقب خفض في اللفظ ، ومعناه أنه فاعل " طلب " .

(16/385)


هُوَ الَّذِي يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا وَيُنْشِئُ السَّحَابَ الثِّقَالَ (12) وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلَائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ وَيُرْسِلُ الصَّوَاعِقَ فَيُصِيبُ بِهَا مَنْ يَشَاءُ وَهُمْ يُجَادِلُونَ فِي اللَّهِ وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَالِ (13)

فقال بعض نحويي الكوفة : معناه : له معقبات من أمر الله يحفظونه ، وليس من أمره [يحفظونه] ، (1) إنما هو تقديم وتأخير . قال : ويكون يحفظونه ذلك الحفظ من أمر الله وبإذنه ، كما تقول للرجل : " أجبتك من دعائك إياي ، وبدعائك إياي " .
* * *
وقال بعض نحويي البصريين ، معنى ذلك : يحفظونه عن أمر الله ، كما قالوا : " أطعمني من جوع ، وعن جوع " و " كساني عن عري ، ومن عُرْيٍ " .
وقد دللنا فيما مضى على أن أولى القول بتأويل ذلك أن يكون قوله : (يحفظونه من أمر الله) ، من صفة حرس هذا المستخفي بالليل ، وهي تحرسه ظنًّا منها أنها تدفع عنه أمرَ الله ، فأخبر تعالى ذكره أن حرسه ذلك لا يغني عنه شيئًا إذا جاء أمره ، فقال : (وإذا أراد الله بقوم سوءًا فلا مرد له وما لهم من دونه من والٍ) .
* * *
القول في تأويل قوله تعالى : { هُوَ الَّذِي يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا وَيُنْشِئُ السَّحَابَ الثِّقَالَ (12) وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ وَيُرْسِلُ الصَّوَاعِقَ فَيُصِيبُ بِهَا مَنْ يَشَاءُ وَهُمْ يُجَادِلُونَ فِي اللَّهِ وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَالِ (13) }
قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره : (هو الذي يريكم البرق) ، يعني أن الرب هو الذي يري عباده البرق وقوله : (هو) كناية اسمه جلّ ثناؤه.
* * *
وقد بينا معنى " البرق " ، فيما مضى ، وذكرنا اختلاف أهل التأويل فيه بما أغنى
__________
(1) ما بين القوسين زيادة يقتضيها السياق .

(16/386)


عن إعادته في هذا الموضع . (1)
* * *
وقوله : (خوفًا) يقول : خوفًا للمسافر من أذاه . وذلك أن " البرق " ، الماء ، في هذا الموضع كما : -
20251 - حدثني المثنى قال : حدثنا حجاج قال : حدثنا حماد قال : أخبرنا موسى بن سالم أبو جهضم ، مولى ابن عباس قال : كتب ابن عباس إلى أبي الجَلْد يسأله عن " البرق " ، فقال : " البرق " ، الماء . (2)
* * *
وقوله(وطمعًا) يقول : وطمعًا للمقيم أن يمطر فينتفع . كما : -
20252 - حدثنا بشر قال : حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد ، عن قتادة قوله : (هو الذي يريكم البرق خوفًا وطمعًا) ، يقول : خوفًا للمسافر في أسفاره ، يخاف أذاه ومشقته(وطمعًا ، ) للمقيم ، يرجو بركته ومنفعته ، ويطمع في رزق الله.
20253 - حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة : (خوفا وطمعا) خوفا للمسافر ، وطمعا للمقيم .
* * *
وقوله : (وينشئ السحاب الثقال) : ويثير السحاب الثقال بالمطر ويبدؤه.
* * *
يقال منه : أنشأ الله السحاب : إذا أبدأه ، ونشأ السحاب : إذا بدأ ينشأ نَشْأً .
* * *
و " السحاب " في هذا الموضع ، وإن كان في لفظ واحد ، فإنها جمعٌ ، واحدتها " سحابة " ، ولذلك قال : " الثقال " ، فنعتها بنعت الجمع ، ولو كان جاء : " السحاب " الثقيل كان جائزًا ، وكان توحيدًا للفظ السحاب ، كما قيل : ( الَّذِي جَعلَ لَكُمْ
__________
(1) انظر تفسير " البرق " فيما سلف 1 : 342 - 346 .
(2) الأثر : 20251 - " موسى بن سالم " ، " أبو جهضم " ، ثقة ، روايته عن ابن عباس مرسلة ، سلف برقم : 434 .
و " أبو الجلد " ، هو " جيلان بن فروة الأسدي " ، ثقة ، مضى برقم : 434 ، 723 ، 1913 .

(16/387)


منَ الشَّجَرِ الأخْضَرِ نَارًا ) [سورة يس : 80] .
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
*ذكر من قال ذلك :
20254 - حدثنا الحسن بن محمد قال : حدثنا شبابة قال : حدثنا ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : (وينشئ السحاب الثقال) ، قال : الذي فيه الماء .
20255 - حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .
20256 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .
20257 - ... قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا عبد الله ، عن ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .
20258 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال ، حدثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد : (وينشئ السحاب الثقال) قال : الذي فيه الماء .
* * *
وقوله : (ويسبح الرعد بحمده) .
* * *
قال أبو جعفر : وقد بينا معنى الرعد فيما مضى ، بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع . (1)
* * *
وذكر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا سمع صوت الرعد قال كما :
20259 - حدثنا الحسن بن محمد قال : حدثنا كثير بن هشام قال : حدثنا جعفر قال : بلغنا أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا سمع صوت الرعد الشديد
__________
(1) انظر تفسير " الرعد " فيما سلف 1 : 338 - 342 .

(16/388)


قال : " اللهم لا تقتلنا بغضبك ، ولا تهلكنا بعذابك ، وعافنا قبل ذلك " . (1)
20260 - حدثنا أحمد بن إسحاق قال : حدثنا أبو أحمد قال : حدثنا إسرائيل ، عن أبيه ، عن رجل ، عن أبي هريرة رفع الحديث : أنه كان إذا سمع الرعد قال : " سبحان من يسبح الرعد بحمده " .
20261 - حدثنا الحسن بن محمد قال : حدثنا مسعدة بن اليسع الباهلي ، عن جعفر بن محمد ، عن أبيه ، عن علي رضي الله عنه ، كان إذا سمع صوت الرعد قال : " سبحان من سَبَّحتَ له " . (2)
20262 - ... قال : حدثنا إسماعيل بن علية ، عن الحكم بن أبان ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، أنه كان إذا سمع الرعد قال : " سبحان الذي سَبَّحتَ له . (3)
20263 - حدثنا أحمد بن إسحاق قال : حدثنا أبو أحمد قال : حدثنا يعلى بن الحارث قال : سمعت أبا صخرة يحدث عن الأسود بن يزيد ، أنه كان إذا سمع الرعد قال : " سبحان من سبَّحتَ له أو " سبحان الذي يسبح الرعد بحمده ، والملائكة من خيفته " . (4)
__________
(1) الأثر : 20259 - رواه أحمد بهذا اللفظ في المسند رقم : 5763 من حديث ابن عمر ، ورواه البخاري في الأدب المفرد برقم : 721 ، وخرجه أخي السيد أحمد رحمه الله في المسند .
(2) الأثر : 20261 - " مسعدة بن اليسع بن قيس اليشكري الباهلي " قال ابن أبي حاتم : " هو ذاهب الحديث ، منكر الحديث ، لا يشتغل به ، يكذب على جعفر بن محمد عندي ، والله أعلم " .
وقال أحمد : " مسعدة بن اليسع ، ليس بشيء ، خرقنا حديثه ، وتركنا حديثه منذ دهر " . مترجم في الكبير 4 / 2 / 26 ، وابن أبي حاتم 4 / 1 / 370 ، وميزان الاعتدال 3 : 163 ، ولسان الميزان 6 : 23 .
(3) الأثر : 20262 - رواه البخاري في الأدب المفرد رقم : 722 ، مطولا ، و " الحكم بن أبان العدني " تكلم أهل المعرفة بالحديث في الاحتجاج بخيره ، كذلك قال ابن خزيمة في صحيحه ، وهو ثقة إن شاء الله ، قال ابن حبان : ربما أخطأ ، مترجم في التهذيب ، والكبير 1 / 2 / 334 ، وابن أبي حاتم 1 / 2 / 113 .
(4) الأثر : 20263 - " يعلى بن الحارث بن حرب المحاربي " ثقة ، مترجم في التهذيب ، والكبير 4 / 2/ 418 ، وابن أبي حاتم 4 / 2 / 304 .
" أبو صخرة " ، هو " جامع بن شداد المحاربي " ثقة مضى برقم : 17982 ، وظني أنه لم يسمع " الأسود بن يزيد النخعي " ، بل سمع ذلك من أخيه " عبد الرحمن بن يزيد النخعي " ، و " عبد الرحمن " سمع من أخيه .

(16/389)


20264 - ...قال : حدثنا أبو أحمد قال : حدثنا ابن علية ، عن ابن طاوس ، عن أبيه وعبد الكريم ، عن طاوس أنه كان إذا سمع الرعد قال : " سبحان من سبحتَ له .
20265 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثنا حجاج ، عن ميسرة ، عن الأوزاعي قال : كان ابن أبي زكريا يقول : من قال حين يسمع الرعد : " سبحان الله وبحمده ، لم تصبه صاعقةٌ. (1)
* * *
ومعنى قوله : (ويسبح الرعد بحمده) ، ويعظم اللهَ الرعدُ ويمجِّده ، فيثنى عليه بصفاته ، وينزهه مما أضاف إليه أهل الشرك به ومما وصفوه به من اتخاذ الصاحبة والولد ، تعالى ربنا وتقدّس . (2)
* * *
وقوله : (من خيفته) يقول : وتسبح الملائكة من خيفة الله ورَهْبته. (3)
* * *
وأما قوله : (ويرسل الصواعق فيصيب بها من يشاء) .
* * *
فقد بينا معنى الصاعقة ، فيما مضى ، بما أغنى عن إعادته ، بما فيه الكفاية من الشواهد ، وذكرنا ما فيها من الرواية . (4)
* * *
وقد اختلف فيمن أنزلت هذه الآية.
فقال بعضهم : نزلت في كافر من الكفّار ذكر الله تعالى وتقدَّس بغير ما ينبغي ذكره به ، فأرسل عليه صاعقة أهلكته .
__________
(1) الأثر : 20265 - " ابن أبي زكريا " ، هو : " عبد الله بن أبي زكريا الخزاعي الشامي " ، " أبو يحيى " ، كان من فقهاء أهل دمشق ، من أقران مكحول ، تابعي ثقة قليل الحديث ، صاحب غزو . مترجم في التهذيب ، وابن سعد 7/2/163 ، وابن أبي حاتم 2 / 2 / 62 .
(2) انظر تفسير " التسبيح " فيما سلف 1 : 472 - 474 ، وفهارس اللغة ( سبح ) .
(3) انظر تفسير " الخفية " فيما سلف 13 : 353 / 15 : 389 .
(4) انظر تفسير " الصاعقة " فيما سلف 2 : 82 ، 83 / 9 : 359 / 13 : 97 .

(16/390)


*ذكر من قال ذلك :
20266 - حدثنا الحسن بن محمد قال : حدثنا عفان قال : حدثنا أبان بن يزيد قال : حدثنا أبو عمران الجوني ، عن عبد الرحمن بن صُحار العبدي : أنه بلغه أن نبي الله صلى الله عليه وسلم بعث إلى جَبَّار يدعوه ، فقال : " أرأيتم ربكم ، أذهبٌ هو أم فضةٌ هو أم لؤلؤٌ هو ؟ " قال : فبينما هو يجادلهم ، إذ بعث الله سحابة فرعدت ، فأرسل الله عليه صاعقة فذهبت بقِحْف رأسه فأنزل الله هذه الآية : (ويرسل الصواعق فيصيب بها من يشاء وهم يجادلون في الله وهو شديد المحال) . (1)
20267 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق بن سليمان ، عن أبي بكر بن عياش ، عن ليث ، عن مجاهد قال : جاء يهودي إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال : أخبرني عن ربّك من أيّ شيء هو ، من لؤلؤ أو من ياقوت ؟ فجاءت صاعقة فأخذته ، فأنزل الله : (ويرسل الصواعق فيصيب بها من يشاء وهم يجادلون في الله وهو شديد المحال) .
20268 - حدثني المثنى قال : حدثنا الحماني قال : حدثنا أبو بكر بن عياش ، عن ليث ، عن مجاهد ، مثله .
20269 - ... قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا عبد الله بن هاشم قال : حدثنا سيف ، عن أبي روق ، عن أبي أيوب ، عن علي قال : جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا محمد حدثني من هذا الذي تدعو إليه ؟ أياقوت
__________
(1) الأثر : 20266 - عفان هو " عفان بن مسلم الصفار " ، ثقة ، روى له الجماعة ، مضى مرارًا آخرها رقم : 20091 .
و " أبان بن يزيد العطار " ، ثقة إن شاء الله ، مضى مرارًا .
و " أبو عمران الجوني " هو " عبد الملك بن حبيب الأزدي " ، ثقة ، روى له الجماعة ، مضى برقم : 80 ، 13042 ، 17413 .
و " عبد الرحمن بن صحار بن صخر العبدي " ، لأبيه صحبة ، تابعي ثقة ، روى عن أبيه ، مترجم في ابن أبي حاتم 2 / 2 / 244 .
وهذا خبر مرسل صحيح الإسناد .

(16/391)


هو ، أذهب هو ، أم ما هو ؟ قال : فنزلت على السائل الصاعقة فأحرقته ، فأنزل الله : (ويرسل الصواعق)الآية . (1)
20270 - حدثنا محمد بن مرزوق قال : حدثنا عبد الله بن عبد الوهاب قال : حدثني علي بن أبي سارة الشيباني قال : حدثنا ثابت البناني ، عن أنس بن مالك قال : بعث النبي صلى الله عليه وسلم مرةً رجلا إلى رجل من فراعنة العرب ، أن ادْعُه لي ، فقال : يا رسول الله ، إنه أعتى من ذلك! قال : اذهب إليه فادعه. قال : فأتاه فقال : رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعوك! فقال : مَنْ رسول الله ؟ وما الله ؟ أمن ذهب هو ، أم من فضة ، أم من نحاس ؟ قال : فأتى الرجل النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره ، فقال : ارجع إليه فادعه " قال : فأتاه فأعاد عليه وردَّ عليه مثل الجواب الأوّل. فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره ، فقال : ارجع إليه فادعه ! قال : فرجع إليه . فبينما هما يتراجعان الكلام بينهما ، إذ بعث الله سحابة بحيالِ رأسه فرَعَدت ، فوقعت منها صاعقة فذهبت بقِحْفِ رأسه ، فأنزل الله : (ويرسل الصواعق فيصيب بها من يشاء وهم يجادلون في الله وهو شديد المحال) . (2)
* * *
__________
(1) الأثر : 20269 - " إسحاق " ، هو " إسحاق بن سليمان العبدي الرازي " ، نزل الري ، ثقة روى له الجماعة ، سلف مرارًا ، آخرها : 16940 .
وأما " عبد الله بن هاشم " ، فقد سلف في مثل هذا الإسناد برقم : 7329 ، 7938 ، 12128 ، وقلت في آخرها ، " لم أعرف من يكون " ، ولكني أستظهر الآن أنه : " عبد الله بن هاشم الكوفي " ، نزيل الري . مترجم في ابن أبي حاتم 2 / 2 / 196 .
وأما " سيف " ، فهو " سيف بن عمر الضبي " ، الأخباري ، صاحب الفتوح ، وهو ضعيف ساقط الحديث ، ليس بشيء . مضى مرارًا ، آخرها 12203 ، ومضى في مثل هذا الإسناد نفسه برقم 7329 ، 7938 ، 12128 . وسيأتي مثله برقم : 20273 ، 20282 ، 20286 . وهذا إسناد منكر .
(2) الأثر : 20270 - " محمد بن مرزوق " ، هو " محمد بن محمد بن مرزوق الباهلي " ، شيخ الطبري ، ثقة ، مضى برقم : 28 ، 8224 ، 17249 .
و " عبد الله بن عبد الوهاب الحجبي " ، ثقة صدوق ، مضى برقم : 7911 .
و " علي بن أبي سارة الشيباني " ، ويقال له : " علي بن محمد بن سارة " ، شيخ ضعيف الحديث .
قال البخاري : في حديثه نظر . وقال أبو داود : ترك الناس حديثه . وقال ابن حبان : غلب على روايته المناكير فاستحق الترك . وقال العقيلي : " علي بن أبي سارة عن ثابت البناني ، لا يتابع عليه ، ثم روى له عن ثابت عن أنس في قوله تعالى : {ويرسل الصواعق} ، ثم قال : ولا يتابعه عليه إلا من هو مثله أو قريب منه " . مترجم في التهذيب ، وابن أبي حاتم 3 / 1 / 189 ، وميزان الاعتدال 2 : 226 ، وذكر الحديث بإسناده هذا وبتمام لفظه ، وعده من الأحاديث التي أنكرت عليه .
فهذا إسناد ضعيف جدًا .
وقال الهيثمي في مجمع الزوائد 7 : 42 : " رواه أبو يعلى البزار ، ورجال البزار رجال الصحيح ، غير ديلم بن غزوان ، وهو ثقة " .

(16/392)


وقال آخرون : نزلت في رجل من الكفار أنكر القرآن وكذب النبيّ صلى الله عليه وسلم .
*ذكر من قال ذلك :
20271 - حدثنا بشر بن معاذ قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة قال : ذكر لنا أن رجلا أنكر القرآن وكذّب النبيَّ صلى الله عليه وسلم ، فأرسل الله عليه صاعقة فأهلكته ، فأنزل الله عز وجل فيه : (وهم يجادلون في الله ، وهو شديد المحال) .
* * *
وقال آخرون : نزلت في أربد أخي لبيد بن ربيعة ، وكان همّ بقتل رسول الله صلى الله عليه وسلم هو وعامر بن الطفيل .
*ذكر من قال ذلك :
20272 - حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثني حجاج ، عن ابن جريج قال : نزلت يعني قوله : (ويرسل الصواعق فيصيب بها من يشاء) في أربد أخي لبيد بن ربيعة ، لأنه قدم أربدُ وعامرُ بن الطفيل بن مالك بن جعفر على النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال عامر : يا محمد أأسلم وأكون الخليفة من بعدك ؟ قال : لا! قال : فأكون على أهل الوَبَر وأنتَ على أهل المدَرِ ؟ قال : لا! قال : فما ذاك ؟ قال : " أعطيك أعنة الخيل تقاتل عليها ، فإنك رجل فارس. قال : أو ليست أعِنّة الخيل بيدي ؟ أما والله لأملأنها عليك خيلا ورجالا من بني عامر ! قال لأربد : إمّا أن تكفينيه وأضربه بالسيف ، وإما أن أكفيكه وتضربه بالسيف.

(16/393)


قال أربد : اكفنيه وأضربه. (1) فقال ابن الطفيل : يا محمد إن لي إليك حاجة. قال : ادْنُ! فلم يزل يدنو ويقول النبي صلى الله عليه وسلم : " ادن " حتى وضع يديه على ركبتيه وحَنَى عليه ، واستلّ أربد السيف ، فاستلَّ منه قليلا فلما رأى النبي صلى الله عليه وسلم بَريقه تعوّذ بآية كان يتعوّذ بها ، فيبِسَت يدُ أربد على السيف ، فبعث الله عليه صاعقة فأحرقته ، فذلك قول أخيه :
أَخْشَى عَلَى أَرْبَدَ الحُتُوف وَلا... أَرْهَبُ نَوْءَ السِّمَاك وَالأسَدِ... فَجَّعنِي الْبَرْقُ والصّوَاعِقُ بال... فَارِس يَوْمَ الكَرِيهَةِ النَّجُدِ (2)
* * *
وقد ذكرت قبل خبر عبد الرحمن بن زيد بنحو هذه القصة . (3)
* * *
وقوله : (وهم يجادلون في الله) ، يقول : وهؤلاء الذين أصابهم الله بالصواعق أصابهم في حال خُصومتهم في الله عز وجل لرسوله صلى الله عليه وسلم . (4)
* * *
وقوله : (وهو شديد المحال) يقول تعالى ذكره : والله شديدةٌ مماحلته في عقوبة من طغى عليه وعَتَا وتمادى في كفره .
* * *
و " المحال " : مصدر من قول القائل : ما حلت فلانًا فأنا أماحله مماحلةً ومِحَالا و " فعلت " منه : " مَحَلت أمحَلُ محْلا إذا عرّض رجلٌ رجلا لما يهلكه ; ومنه قوله : " وَمَاحِلٌ مُصَدَّقٌ " ، (5) ومنه قول أعشى بني ثعلبة :
__________
(1) في المخطوطة والمطبوعة : " أكفيكه " ، والصواب ما أثبت .
(2) مضى الشعر وتفسيره وتخريجه فيما سلف ص : 381 ، تعليق : 3 .
(3) هو الأثر رقم : 20250 .
(4) انظر تفسير " المجادلة " فيما سلف 15 : 402 ، تعليق : 1 ، والمراجع هناك .
(5) هذا حديث جابر رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
" القرآن شافع مشفع ، وما حل مصدق ، من جعله أمامه قاده إلى الجنة ، ومن جعله خلف ظهره ساقه إلى النار "
رواه ابن حبان في صحيحه 1 : 287 رقم : 124 ، وخرجه أخي السيد أحمد هناك . وهو في مجمع الزوائد 1 : 17 / 7 / : 164 ، ورواه أيضًا عن ابن مسعود ، ولكنه ضعف إسناده . وانظر أمالي القالي 2 : 269 ، بغير هذا اللفظ . هذا الخبر مشهور عن ابن مسعود ، وإن كان صحيحه عند جابر .

(16/394)


فَرْعُ نَبْعِ يَهْتَزُّ فِي غُصُنِ المَجْ... دِ غَزِيرُ النّدَى شَديدُ المِحَالِ (1)
هكذا كان ينشده معمر بن المثنى فيما حُدِّثت عن علي بن المغيرة عنه . وأما الرواة بعدُ فإنهم ينشدونه :
فَرْعُ فَرْعٍ يَهْتَزُّ فِي غُصُنِ المَجْ... دِ كِثيرُ النَّدَى عَظِيمُ المِحَال (2)
وفسّر ذلك معمر بن المثنى ، وزعم أنه عنى به العقوبة والمكر والنَّكال ; ومنه قول الآخر : (3)
وَلَبْسٍ بَيْنَ أَقْوَاٍم فَكُلٌ... أَعَدَّ لَهُ الشَّغَازِبَ وَالمِحَالا (4)
* * *
__________
(1) ديوانه : 10 ، ومجاز القرآن لأبي عبيدة 1 : 325 ، واللسان ( محل ) ، وغيرها .
و " النبع " ، شجر ينبت في قلة الجبل ، وهو أصفر العود رزينة ، ثقيله في اليد ، وإذا تقادم أحمر ، وتتخذ منه القسي ، فهي أجودها وأجمعها للأرز واللين معًا ، و " الأرز " الشدة .
(2) قوله " فرع فرع " من قولهم : " هو فرع قومه " ، للشريف منهم الذي فرعهم أي علاهم بالشرف . يقول : هو سيد لسادات . وهذه عندي أجود روايات البيت .
(3) هو ذو الرمة .
(4) ديوانه : 445 ، ومجاز القرآن لأبي عبيدة 1 : 326 ، وأمالي القالي 2 : 268 ، واللسان ( شغزب ) ، ( محل ) ، وغيرها . وهو من قصيدته في مدح بلال بن أبي بردة بن أبي موسى الأشعري ، وهذا البيت من صميم مدحه ، يقول بعده : وكُلُّهُمُ ألدُّ أخُو كِظاَظٍ ... أَعَدَّ لِكُلِّ حالِ القومِ حَالا
أبرَّ على الخُصُوم فليسَ خَصْمٌ ... ولا خَصْمَانِ يغْلبُهُ جِدالا
قَضْيتَ بِمرَّةٍ فأَصَبْتَ منهُ ... فُصُوصَ الحقِّ فانفصلَ انفصاَلا
و " اللبس " اختلاط الأمر ، وهو مشكله ، و " الشغازب " ، جمع " شغزبة " ، وهي الكيد والغرة والحيلة ، وأصله اعتقال المصارع رجل آخر برجله ليلقيه ويصرعه . و " أبر " علا ، وغلب . و " قضى بمرة " ، أي بقوة وإحكام ، و " فصوص الحق " ، لبه ومعقده . وهذا كلام بارع في الخصومة والقضاء .

(16/395)


وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
*ذكر من قال ذلك :
20273 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا عبد الله بن هاشم قال : حدثنا سيف ، عن أبي روق ، عن أبي أيوب ، عن علي رضي الله عنه : (وهو شديد المحال) قال : شديد الأخذ . (1)
20274 - حدثنا أحمد بن إسحاق قال : حدثنا أبو أحمد قال : حدثنا إسرائيل ، عن أبي يحيى ، عن مجاهد : (وهو شديد المحال) قال : شديد القوة .
20275 - حدثنا بشر قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : (وهو شديد المحال) أي القوة والحيلة .
20276 - حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن الحسن : (شديد المحال) يعني : الهلاك قال : إذا محل فهو شديد وقال قتادة : شديد الحيلة.
20277 - حدثني الحارث قال : حدثنا عبد العزيز قال : حدثنا رجل ، عن عكرمة : (وهم يجادلون في الله وهو شديد المحال) ، قال : جدال أربد (2) (وهو شديد المحال) قال : ما أصاب أربد من الصاعقة .
20278 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج : (وهو شديد المحال) قال : قال ابن عباس : شديد الحَوْل .
20279 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد ، في قوله : (وهو شديد المحال) قال : شديد القوة ، " المحال " : القوة .
* * *
قال أبو جعفر : والقول الذي ذكرناه عن قتادة في تأويل " المحال " أنه الحيلة ، والقول الذي ذكره ابن جريج عن ابن عباس يدلان على أنهما كانا يقرآن
__________
(1) الأثر : 20273 - انظر التعليق على الأثر السالف رقم : 20269 .
(2) في المطبوعة : " قال : المحال جدال أربد " ، وهو كلام فاسد ، والمخطوطة هي الصواب .

(16/396)


: " ( وهُوَ شَدِيدُ المَحَالِ ) بفتح الميم ، لأن الحيلة لا يأتي مصدرها " مِحَالا " بكسر الميم ، ولكن قد يأتي على تقدير " المفعلة " منها ، فيكون محالة ، ومن ذلك قولهم : " المرء يعجزُ لا مَحالة ، (1) و " المحالة " في هذا الموضع ، " المفعلة " من الحيلة ، فأما بكسر الميم ، فلا تكون إلا مصدرًا ، من " ماحلت فلانًا أماحله محالا " ، و " المماحلة " بعيدة المعنى من " الحيلة " .
* * *
قال أبو جعفر : ولا أعلم أحدًا قرأه بفتح الميم. (2) فإذا كان ذلك كذلك ، فالذي هو أولى بتأويل ذلك ما قلنا من القول .
* * *
__________
(1) هذا مثل ذكره الميداني 2 : 221 ، وأبو هلال في الجمهرة : 193 ، وسمط الآلي : 888 ، وخرجه ، ومنه قول الشاعر : حاولْتُ حين صَرَمْتَنِي ... والمرْءُ يَعجِزُ لا المحَالهْ
والدَّهْرُ يلعبُ بالفتى ... والدّهْرُ أرْوَغُ من ثُعالهْ
والمرءُ يَكْسِبُ مالهُ ... بالشُّحِّ يورِثه كَلالهْ
والعبدُ يُقْرعُ بالعَصَا ... والحرُّ تكفيهِ المَقالهْ
(2) بل قرأها الأعرج والضحاك كذلك ، انظر تفسير أبي حيان 5 : 376 ، وشواذ القراءات لابن خالويه : 66 .