المقدمة
بسم الله الرحمن الرحيم
وبه نستعينالحمد لله حمداً يكون لقائله ذخراً والصلاة على نبيه محمد القائل إن من البيان لسحراً صلاةً دائمةً على ممر الأيام تترى وعلى آله وأصحابه الذين أخفى بهم نجم الشرك قهراً وقسرا.
وأدام الله أيام سيدنا ومولانا الإمام المفترض الطاعة على جميع الأنام أبي أحمد المستعصم بالله أمير المؤمنين وخليقة رب العالمين:
خَلِيفَةٌ يُخْلِفُ الأَنْواء نائِلُهُ ... إِذا تَهَلَّلَ قلتَ: العارضُ الهَطِلُ
رِباعُهُ في جِوارِ اللّهِ واسِطَةٌ ... وحَبْلُهُ برسولِ اللّهِ مُتَّصلُ
رضوان الله على آبائه الراشدين والأئمة المهديين.
وبعد، فإنه لما كانت المجاميع الشعرية صقال الأذهان، ولأنواع المعاني كالترجمان وكان مولانا الملك الناصر صلاح الدنيا والدين ناصر الإسلام والمسلمين أبو المظفر يوسف بن الملك العزيز بن الملك الظاهر لا زال نافذ الأوامر في كل نجدٍ وغائر لهجاً بأشعار العرب التي هي ديوان الأدب، توخيت في تحرير مجموع محتوٍ على قلائد أشعارهم، وغرر أخبارهم، مجتنباً للإطالة والإطناب، بما تضمنته أبواب الكتاب لخزانته المعمورة، مما وقع لي من المجاميع المشهورة كأمالي العلماء، وحماسات الأدباء، ودواوين الشعراء، من فحول المحدثين والقدماء ومختارات الفضلاء كأشباه، الخالديين المحتوية على درر النظام، وجواهر الكلام، غير أنهما نسبا فيها أشياء إلى غير قائليها، ولم يقيدا الكتاب بترجمة أبواب، فغدت فرائده متبددة النظام، مستصعبةً على الحفظ والإفهام، فجاء مشتملاً على غرائب البديع، وملح الترصيف والترصيع.
ثم إن الشعر على اختلاف معانيه، وأصوله ومبانيه، ينقسم إلى نعوتٍ وأوصاف: فما وصف به الإنسان من الشجاعة والشدة في الحرب والصبر في مواطنها سمي حماسةً وبسالةً. وما وصف به من حسب وكرم وطيب محتد سمي مدحاً وتقريظاً وفخراً وما أثني عليه بشيءٍ من ذلك ميتاً يسمى رثاء وتأبينا. وما وصفت به أخلاقه المحمودة من حياء وعفة وإغضاء عن الفحشاء ومسامحة زلات الأخلاء سمي أدباً. وما وصف به النساء من حسن وجمال وغرام بهن سمي غزلاً ونسيباً. وما وصف به من إيقاد النيران ونباح الكلاب سمي قرىً وضيافة. وما وصف به من بخل وجبن وسوء خلق ونميمة سمي هجاء. وما وصفت به الأشياء على اختلاف أجناسها وأنواعها سمي نعتاً ووصفاً وملحاً وما ذكر من الإنابة إلى الله ورفض الدنيا سمي زهداً وعظةً، والله أعلم.
باب الحماسة
قال
عمرو بن الإطنابة الأنصاريأَبَتْ لِي عِفَّتِي وأَبَى بَلائِي ... وأَخْذِي الحَمْدَ بالثَّمَنِ الرَّبِيحِ
وإِقْدامِي على المَكْرُوهِ نَفْسِي ... وضَرْبِي هامَةَ البَطَلِ المُشِيحِ
وَقَوْلِي كلَّما جَشَأَتْ وجاشَتْ ... مَكانَكِ، تُحْمَدِي أَو تَسْتَرِيحِي
لأُكْسِبَها مآثِرَ صالِحات ... وأَحْمِي بَعْدُ عن عِرْضٍ صَحِيحِ
بِذِي شُطَب كمِثْلِ المِلْحِ صافٍ ... ونَفْسٍ ما تَقِرُّ على القَبيحِ
قال
العباس بن مرداس السلمي
مخضرمأَلاَ هل أَتَى عِرْسِي مَكَرِّي ومُقْدَمِي ... بوادِي حُنَيْنٍ والأَسِنَّةُ شُرَّعُ
وَقَوْلِي إذا ما النَّفْسُ جاشَتْ لها قِرِي ... وهامٌ تَدَههْدَى بالسُّيُوفِ وأَذْرُعُ
كَأَنَّ السِّهامَ المُرْسَلاتِ كَواكِبٌ ... إذا أَدْبَرَتْ عن عَجْسِها وهْيَ تَلْمَعُ
قال
عمرو بن معد يكرب الزبيدي
مخضرمويكنى أبا ثور
ولَمَّا رَأَيْتُ الخَيْلَ زُوراً كَأَنَّها ... جَداوِلُ زَرْعٍ أُرْسِلَتْ فاسْبَطَرَّتِ
فجاشَتْ إِلَيَّ النَّفْسُ أَوَّلَ مَرَّةٍ ... فرُدَّتْ على مَكْرُوهِها فاسْتَقَرَّتِ
عَلامَ تَقُولُ الرُّمْحُ يُثْقِلُ عاتِقِيإِذا أَنا لَمْ أَطْعَنْ إِذا الخَيْلُ كُرَّتِ
لَحَا اللّهُ جَرْماً كُلَّما ذَرَّ شارِقٌ ... وُجُوهَ كلابٍ هَارَشَتْ فازْبَأَرَّتِ
فَلمْ تُغْنِ جَرْمٌ نَهْدَها إِذْ تَلاقَتا ... ولكنَّ جَرْماً في اللِّقاءِ ابْذَعَرَّتِ
ظَلِلْتُ كأَنِّي للرِّمَاحِ دَرِيَّةٌ ... أُقاتِلُ عن أَبْناءِ جَرْمٍ وفَرَّتِ
فَلَوْ أَنَّ قَوْمِي أَنْطَقَتْنِي رماحُهُمْ ... نَطَقْتُ ولكنَّ الرِّماحَ أَجَرَّتِ
قال
حسان بن ثابت الأنصاريمَتَى ما تَزُرْنا مِن مَعَدٍّ بعُصْبَةٍ ... وغَسَّانَ نَمْنَعْ حَوْضَنا أَنْ يُهَدَّمَا
بِكُلِّ فَتَى عَارِي الأَشَاجِع لاَحَهُ ... قِرَاعُ الكُمَاةِ يَرْشَحُ المِسْكَ والدَّمَا
وَلَدْنا بَنِي العَنْقَاءِ وابْنَ مُحَرِّقٍفأَكْرِمْ بِنا خالاً وأَكْرِمْ بِنا ابْنَمَا
يُسَوَّدُ ذو المالِ القَليلِ إِذا بَدَتْ ... مُرُوءتُهُ فِينا وإِنْ كانَ مُعْدِمَا
أَلَسْنا نَرُدُّ الكَبْشَ عن طِيَّةِ الهَوَى ... ونَقْلِبُ مُرَّانَ الوَشِيجِ مُحَطَّما
لنا الجَفَناتُ الغرُّ يَلْمَعْنَ بالضُّحَّى ... وأَسْيافنا يَقْطُرءنَ من نَجْدَةٍ دَمَا
أَبَى فِعْلنا المَعْرُوفَ أَنْ نَنْطِقَ الخَنا ... وقائِلنا بالعُرْفِ إِلاَّ تَكَلُّمَا
قال
النعمان بن بشير الأنصاريمُعاوِيَ إِلاَّ تعْطِنا الحَقَّ تَعْتَرِفْ ... لِحَي الأَزْدِ مَشْدُوداً عليها العَمائِمُ
أَيَشْتُمُنا عَبْدُ الأَراقِمِ ضَلَّةً ... وما الذي تجْدِي عليكَ الأَراقِمُ
متى تَلْقَ مِنَّا عُصْبَةً خَزْرَجِيَّةً ... أَوِ الأَوْسَ يوماً تَخْتَرِمْكَ المَخارِمُ
فإِنْ كنتَ لم تَشْهَدْ بِبَدْرٍ وقِيعَةً ... أَذَلَّتْ قرَيْشاً والأُنوف روَاغِمُ
فسائِلْ بِنا حَيَّىْ لُؤَيِّ بن غالِبٍ ... وأَنتَ بما تُخْفِي مِن الأَمْرِ عالِمُ
أَلَمْ تَبْتَدِرْكمْ يومَ بَدْرٍ سُيوفنا ... ولَيْلكَ عمَّا نَابَ قَوْمَكَ نائِمُ
ضَرَبْناكم حتى تَفَرَّقَ جَمْعُكمْ ... وطارَت أَكفٌّ منكمُ وجَماجِمُ
وعاذَتْ على البيتِ الحرامِ عَوابِسٌ ... وأَنْتَ على خَوْفِ عليكَ التَّمائِمُ
وعَضَّتْ قريشٌ بالأَنامِلِ بِغْضَةً ... ومِنْ قَبْلُ ما عُضَّتْ علينا الأَباهِمُ
وإِنِّي لأُغْضِي عن أُمُور كثيرة ... سَتَرْقَى بها يوماً إِليكَ السَّلالِمُ
وقال
الفرزدق
همام بن غالب، أموي الشعرأَأَسْلَمْتَنِي للمْوتِ أُمُّكَ هابِلٌ ... وأَنتَ دَلَنْظَى المَنْكِبَيْنِ سَمِين
خَمِيصٌ من الوُدِّ المُقَرِّبِ بَيْننا ... مِن الشَّنء رابِي القُصْريَيْنِ بَطِين
فإِنْ تك قد سالَمْتَ دُونِي فلا تقِمْ ... بِدارٍ بِها هُون العَزِيزِ يَكون
ولا تَأْمَنَنَّ الحَرْبَ إِنَّ اشْتِغارَها ... كَضَبَّةَ إذْ قالَ الحَدِيث شجُون
وقال
الأخنس بن شهاب بن شريقوَكَمْ مِن فارِسٍ لا تَزْدَرِيهِ ... إذا شَخَصَتْ لمَوْفِقِه العُيُون
يَذِلُّ له العَزِيزُ وكُلُّ لَيْثٍ ... حَدِيدِ النَّابِ مَسْكَنُهُ العَرِينُ
عَلَوْتُ بَياضَ مَفْرِقِهِ بعَضْبٍ ... يَطِيرُ لِوَقْعِهِ الهَامُ السُّكُونُ
فَأَضْحَتْ عِرْسهُ ولَها عَلَيْه ... هُدُوّاً بَعدَ رَقْدَتِها أَنِينُ
كصَخْرَة إذْ تُسائِلُ في مِراجٍ ... وفِي جَرْمِ وعِلْمُهُما ظُنُونُ
تُسائِلُ عن أَخِيها كُلَّ رَكْب ... وعندَ جُهَيْنَةَ الخَبَرُ اليَقينُ
وقال
المرار بن سعيد الفقعسي
أموي الشعرأَنا ابنُ التَّارِكِ البَكْرِيِّ بِشْرٍ ... عليه الطَّيْرُ تَرْقُبُه وُقُوعا
عَلاهُ بضَرْبَةٍ بَعَثَتْ بلَيْلٍ ... نَوائِحَهُ وأَرْخَصَتِ البُضُوعا
وقادَ الخَيْلَ عائِدَةً لكَلْبٍ ... تَرَى لِوَجِيفِها رَهَجاً سَرِيعا
عَجبْتُ لِقائِلِينَ صِهٍ لِهَدْر ... عَلاهُمْ يَقْرَعُ الشَّرَفَ الرَّفِيعا
قال
النابغة قيس بن حيان الجعدي
مخضرمبَلَغْنا السَّماء مَجْدُنا وجُدُودُنا ... وإِنَّا لَنرْجُو بَعْدَ ذلكَ مَظْهَرا
لَقِيتُ الأُمُورَ صَعْبَهَا وذَلُولَها ... ولاقَيْتُ أَيَّاماً تُشِيبُ الحَزَوَّرا
وإِنَّا أُناسٌ ما نُعَوِّدُ خَيْلَنا ... إِذَا ما الْتَقَيْنا أَنْ تَحِيدَ وتَنْفِرَا
ونُنْكِرُ يومَ الرَّوْعِ أَلْوانَ خَيْلِنامِن الطَّعْنِ حتَّى نَحْسِبَ الجَوْنَ أَشَقَرا
ولَيْسَ بمَعْرُوفٍ لَنا أَنْ نَرُدَّها ... صحاحاً ولا مُسْتَنْكَراً أَن تُعَقَّرا
إِذا الوَحْشُ ضَمَّ الوَحْشَ في ظُلُلاتِها ... سَواقِطُ مِن حَرٍّ وقَدْ كانَ أَظْهَرا
ولا خَيْرَ في حِلْمٍ إِذا لمْ يَكُنْ لهُ ... بَوادِرُ تَحْمِي صَفْوهُ أَنْ يُكَدرا
ولا خَيْرَ في جَهْلٍ إِذا لمْ يَكُن لهُ ... حليم إِذا ما أَوْرَدَ الأَمْرَ أَصْدَرا
وإِنْ جاء أَمْرٌ لا تُطيقان دَفْعَهُ ... فلا تَجْزَعا ممَّا قَضَى اللّهُ واصْبرا
أَلَمْ تَعْلَما أَنَّ المَلامَةَ نَفْعُها ... قَلِيلٌ إِذا ما الأَمْرُ وَلَّى فأَدْبَرا
تَذَكَّرْتُ والذِّكْرَى تُهَيِّجُ ذا الهَوَى ... ومِنْ عادةِ المَحْزُون أَنْ يَتَذَكَّرا
نَدَامايَ عِنْدَ المُنْذِرِ بن مُحَرِّقٍ ... فَأَصْبَحَ مِنْهُمْ ظاهِرُ الأَرْضِ مُقْفِرا
قال
أبو عطاء بن يسار السندي
من شعراء الدولتينويَوْمٍ كَيَوْمِ البَعْثِ ما فِيهِ حاكِمٌ ... ولا عاصِمٌ إِلاَّ قَناً ودُرُوعُ
حَبَسْتُ به نَفْسِي على مَوقِفِ الرَّدَى ... حِفاظاً، وأَطْرافُ الرِّماحِ شُرُوعُ
وما يَسْتَوي عندَ المُلِمَّاتِ إِنْ عَرَت ... صَبُورٌ على مَكْرُوهِها وَجَزُوعُ
قال
أبو أمامة زياد الأعجم
أموي الشعروَفِينا كُلُّ أَرْوَعَ لَمْ يُرَوَّعْ ... بمُزْدَلَفِ الجُمُوعِ إِلى الجُمُوعِ
جلاءُ جُفُونِهِ رَهَجُ السَّرايا ... وطِيبُ ثِيابِه صَدَأُ الدُّروعِ
قال
عبد الله بن سبرة الحرشي
إسلاميوتروى للأغر بن عبد الله اليشكري
إِذا شالَتِ الجَوْزاءُ والنَّجْمُ طالِعٌ ... فكُلُّ مخَاضَاتِ الفُراتِ معَابرُ
وإِنِّي إذا ضَنَّ الأَمِيرُ بإِذْنِهِ ... على الإِذْن مِنْ نَفْسِي إذا شِئْتُ قادِرُ
قال
حريث بن عناب الطائي
إسلامي ونسبها أبو تمامإلى أبان عبدة وليست له
إِذا نَحْنُ سِرْنا بَيْنَ شَرْقٍ ومَغْرِبٍ ... تَحَرَّكَ يَقْظَانُ التُّراب ونائِمُهْ
إِذا ما خَرَجْنا خَرَّتِ الأُكْمُ سُجَّداً ... لِعِزٍّ عَلا حَيْزُومُهُ وعلاَجمُهْ
بجَيْشٍ تضِلُّ البُلْقُ في حَجَراتِهِ ... بيَثْرِبَ أُخْراهُ وبالشَّامِ قادِمُهْ
وبِيضٍ خِفافٍ مُرْهفاَتٍ قَواطعٍ ... لِداوُدَ فيها أَثْرُهُ وخَواتِمُهْ
وزُرْق كَسَتْها رِيشَها مَضْرَحِيَّةٌ ... أَثِيتٌ خوَافِي رِيشِها وقَوَادِمُهْ
قال
بشار بن برد العقيليإِذَا المَلِكُ الجَبَّارُ صَعَّرَ خَدَّهُ ... مَشَيْنا إِليهِ بالسُّيوفِ نُعاتِبُهْ
وكُنَّا إِذا دَبَّ العَدُوُّ لِسُخْطِنا ... ورَاقَبَنا في ظاهِرٍ لا نُراقِبُهْ
دَلَفْنا له جَهْراً بكُلِّ مُثَقَّفٍ ... وأَبْيَضَ تَسْتَسْقِي الدِّماء مَضَاربُهْ
وجَيْشٍ كمِثْلِ الليلِ يَرْجُفُ بالقَنا ... وبالشَّوْكِ والخَطِّيِّ، حُمْرٌ ثَعالِبُهْ
غَدوْنا لهُ والشَّمسُ في سُتُراتِها ... تُطالِعُنا والطَّلُ لم يَجْرِ ذائِبُهْ
بِضَرْبٍ يَذُوقُ المَوْتَ من ذاقَ طَعْمَهُ ... وتُدْرِكُ مَنْ نَجَّى الفِرارُ مثَالِبُهْ
كَأَنَّ مُثارَ النَقْعِ فَوْقَ رُءُوسِنا ... وأَسْيافَنَا لَيْلٌ تَهاوَى كَواكِبُهْ
وأَرْعَنَ تَعْشَى الشَّمسُ دُونَ حَدِيدِه ... وتَخْلِسُ أَبْصارَ الكُماةِ كَتائِبُهْ
تَغَصُّ به الأَرضُ الفَضَاءُ إِذا غَدا ... تُزاحِمُ أَركانَ الجِبال مَناكِبُهْ
تَرَكْنا به كَلْباً وقَحْطانَ تَبْتَغِي ... مُجيراً مِن المَوْتِ المُطِلِّ مقَانِبُهْ
قال
القحيف بن خمير الخفاجيلَعَمْرِي لَقَدْ أَمْسَتْ حَنِيفَةُ أَيْقَنَتْبِأَنْ لَيْسَ إِلاَّ بالرِّماحِ عِتابُها
فَخلُّوا طَرِيقَ الحَرْبِ لا تَعْرِضُوا لَها ... إِذ مُضَرُ الحَمْراءُ عَبَّ عُبابُها
فيا حَبَّذا قَيْسٌ لَدَى كُلِّ مَوْطِنٍ ... تُزايِلُ هامَ القَوْمِ فِيه رِقابُها
ومَنْ ذا الذي لا يَجْتَوي حَرْبَ عامِر ... إِذا ما تَلاقَتْ كَعْبُها وكِلابُها
لَعَمْري لَقدْ ضاقَتْ دِمَشْقٌ بأَهْلِها ... غَداةَ رَأَوْا قَيْساً تَرِفُّ عُقابُها
قال
معبد بن علقمة
جاهليفقُلْ لزُهَيْرٍ إِنْ شَتَمْتَ سَراتَنا ... فَلَسْنا بشَتَّامِينَ لِلْمُتَشَتِّمِ
ولكِنَّنا نَأْبَى الظِّلاَم، ونَعْتَصِي ... بكُلِّ رَقِيق الشَّفْرَتَيْن مُصَمِّم
ونَجْهَلُ أَحْياناً، ويَحْلُمُ رَأْيُنا، ... ونَشْتِمُ بالأَفْعال لا بالتَّكَلُّم
وإِنَّ التَّمادِي في الذي كان بَيْنَنَا ... بكَفَّيْكَ، فاسْتَأْخِرْ لهُ أَو تَقَدَّم
قال
أبو محجن
عبد الله بن حبيب الثقفي، مخضرملا تَسْأَلِي النَّاسَ عن مَالِي وَكَثْرَتِهِوسائِلِي النَّاسَ عن فِعْلِي وعَنْ خُلُقِي
قد يَعْلَمُ القَوْمُ أَنِّي مِن سَراتِهِمُ ... إِذا سَما بَصَرُ الرِّعدِيدَةِ الفَرق
أُعْطِي السِّنانَ غَداةَ الرَّوْعِ حِصَّتَهُ ... وعامِلُ الرُّمْح أُرْويهِ مِن العَلَقِ
وأَطْعُنُ الطَّعْنَةَ النَّجْلاء عن عُرُض ... تَنْفِي المَسابيرَ بالإِزْباد والفَهَق
وأَكْشِفُ المَأْزِقَ المَكْرُوبَ غُمَّتُهُ ... وأَكْتُمُ السِّرَّ ضَرْبَةُ العُنُقِ
عَفُّ المَطالِبِ عَمَّا لَسْتُ نائِلَهُ ... وإِنْ ظُلِمْتُ شَدِيدُ الحِقْدِ والحَنَقِ
وقَدْ أَجُودُ وما مالِي بِذِي فَنَعٍ ... وقد أَكُرُّ وراء المُجْحَرِ البَرِقِ
سَيَكْثُرُ المالُ يَوماً بَعْدَ قِلَّتِهِويَكْتَسِي العُودُ بَعْدَ اليُبْسِ بالوَرَقِ
قال
العباس بن مرداس السلمي
مخضرمأَكُلَيْبُ مالَكَ كُلَّ يومٍ ظالِماً ... والظُّلْمُ أَنْكَدُ غِبُّهُ مَلْعُونُ
أَتُرِيدُ قَوْمَكَ ما أَرَادَ بِوائِل ... يومَ القَلِيبِ سَمِيُّكَ المَطْعُونُ
وأَظُنُّ أَنَّكَ سَوْفَ يُنْفِذُ مِثْلَها ... في صَفْحَتَيْكَ سِنانِيَ المَسْنُونُ
قد كانَ قَوْمُكَ يَحْسِبُونَكَ سَيداً ... وإِخالُ أَنَّكَ سَيدٌ مَعْيُونُ
قال
جرير بن عطية
بن الخطفي اليربوعيأَبَنِي حَنِيفَةَ حَكمُوا سُفهاءكُمْ ... إِني أَخافُ عَلَيْكُمُ أَنْ أَغْضَبَا
أَبَنِي حَنِيفَةَ إِنَّنِي إِنْ أَهْجُكُمْ ... أَدَع اليَمَامَةَ لا تُوارى أَرنَبَا
قال
عمرو بن كلثوم
أخو بني عميس الكنانيلَنَا حُصُونُ من الخَطِّيِّ عالِيَةٌ ... فِيها جدَاوِلُ من أَسْيافِنا البُتُر
فَمَنْ بَنَى مَدَراً مِن خَوْف حادِثَة ... فإِنَّ أَسْيافَنا تُغْنِي عن المَدَر
قال
لقيط بن وداعة الحنفي
إِذا ما ابْتَنَى النَّاسُ الحُصُونَ مَخَافَة ... حُصُونُ بَنِي لأْمٍ مُثَقَّفَةٌ سُمْرُ
وأَرْضٌ فَضاءُ لَيْسَ فِيها مَعاقِلٌ ... ولا وَزَرٌ إِلاَّ الصَّوارمُ والصَّبْرُ
قال
بشير بن عبد الرحمن الأنصاريإِذا النَّاسُ عاذُوا بالحُصُونِ مخَافَةً ... جَعَلْنَا مَعاذاً بالسُّيُوف الصَّوارِمِ
وَلَوْلا دِفاعُ اللّهِ ثُمَّ قِراعُنا ... بأَسْيافِنا ما جازَ نَقْشُ الدَّراهِمِ
ولا قامَ سُلْطانٌ لأَهْلِ خِلافَةٍ ... ولا أَمَّ أَهْلَ الحَق أَهْلُ المَواسِم
أَبَى ذَمَّنا أَنَّا مَصالِيتُ في الوَغَى ... وأَنَّ قِرانا عاجلٌ غيرُ عاتِم
قال
آخردَعُوا الحَيَّةَ النَّضْنَاضَ لا تَعْرِضُوا لهفإِنَّ المَنايا بَيْنَ أَنْيابِهِ الخُضْرِ
ونحنُ إذا كاننَ البِناءُ على الثَّرَى ... بَنَيْنا على الشَّمْسِ المُنيرَةِ والبَدْرِ
قال
سويد بن الصامت
إسلاميإِذا ما البِيضُ يَوْمَ الرَّوْعِ أَبْدَتْ ... مَحاسِنَها وأَبْرَزَتِ الخِداما
أَتَتْنِي مالِكٌ بلُيُوثِ غاب ... ضَراغِمَ لا يَرَوْنَ القَتْلَ ذاما
مَعاقِلُهُمْ صوارمُ مُرْهَفَاتٌ ... يُساقُونَ الكُماةَ بها السماما
قال
الأخنس بن شهاب التغلبي
جاهليلِكُل أُناسٍ مِن مَعَدٍّ عمارَةٌ ... عَرُوضٌ إِلَيْها يَلْجَئُون وجانبُ
ونحنُ أُناسٌ لا حِجازَ بأَرْضِنا ... سِوَى مُرْهَفات تَجْتَوِيها الكتَائِبُ
تَرَى رائِداتِ الخَيْلِ حَوْلَ بُيُوتِنا ... كمِعْزَى الحِجازِ أَعْوَزَتْها الزَّرائِبُ
فَوارِسُها مِن تَغْلِبَ ابنةِ وائِلٍ ... حُماةٌ كُماةٌ لَيْس فِيها أَشائِبُ
إِذا قَصُرَتْ أَسْيافُنا كانَ وَصْلُها ... خُطانا إِلى أعْدائِنا فنُضارِبُ
فللَّهِ قَومٌ مِثْلُ قَوْمِي سُوقَةً ... إِذا اجْتَمَعَتْ عندَ المُلُوكِ العَصائِبُ
أَرَى كلَّ قَوْمٍ قارَبُوا قَيْدَ فَحْلِهِم ... ونحنُ خَلَعْنا قَيْدَهُ فَهْوَ سارِبُ
أَرَى كُلَّ قَوْمٍ يَنْظُرُون إِليهمُ ... كما تَتَراءى في السَّماءِ الكَواكِبُ
قالت
ليلى بنت عبد الله الأخيلية
أموية الشعريا أَيُّها السَّدِمُ المُلَوي رَأْسَهُ ... لِيَقُودَ من أَهْلِ الحِجازِ بَريما
لا تَقْرَبَنَّ الدَّهْرَ آلَ مُطَرِّفٍ ... لا ظالِماً أَبداً ولا مَظْلُوما
قَومٌ رِباطُ الخَيْلِ حَوْلَ بُيُوتِهمْ ... وأَسِنَّةٌ زُرْقٌ تُخالُ نُجُوما
أَتُرِيدُ عَمْرَو بنَ الخَلِيعِ ودُونَهُ ... كَعْبٌ إِذَنْ لَوَجَدْتَهُ مَرْءُوما
إِنَّ الخَلِيعَ وَرَهْطَهُ في عامِر ... كالقَلْبِ أُلْبِسَ جُؤْجُؤاً وحَزيما
لا تُسْرعَنَّ إِلى رَبيعَةَ إِنَّهم ... جَمَعُوا سَواداً للعَدُوِّ عَظِيما
شَعْباً تَفَرَّقَ مِن جماعٍ واحِدٍ ... عَدَلَتْ مَعَدّاً تابِعاً وصمِيما
أَقْصِرْ فإِنَّكَ لو طَلَبْتَ بلادَهُمْ ... لاقَتْ بَكارَتُكَ الحِقاقُ قُرُوما
وتَعَاقَبَتْكَ كتَائِبُ ابنِ مُطَرِّفٍ ... فَأَرَتْكَ في وَضَحِ النَّهارِ نُجُوما
ومُخَرَّقٍ عَنْه القَمِيص تَخَالُهُ ... وَسْطَ البُيُوتِ مِن الحَياءِ سَقِيما
حتَّى إِذا رُفِع اللِّواءُ رَأيْتَهُ ... تَحْتَ اللِّواءِ على الخَمِيسِ زَعِيما
قال
قيس بن الخطيم
بن عدي الأوسي، جاهليطعَنْتُ ابنَ عبدِ اللّهِ طَعْنَةَ ثائِرٍ ... لها نَفَذٌ لَوْلاَ الشَّعاعُ أَضاءها
مَلَكْتُ بها كَفِّي فأَنْهَرْتُ فَتْقَها ... يَرَى قائِمٌ مِنْ دُونِها ما وَراءها
يَهُونُ عَلَيَّ أَنْ تَرُدَّ جراحُها ... عُيُونَ الأَواسي إِذْ حَمدْتُ بَلاءها
وكنتُ امرءاً لا أَسْمَعُ الدَّهْرَ سُبَّةً ... أُسَبُّ بِها إِلاَّ كَشَفْتُ غِطاءها
وإِنِّيَ في الحَرْبِ العَوانِ مُوَكَّلٌ ... بإِقْدامِ نَفْسٍ لا أُرِيدُ بقَاءها
مَتَى يَأْتِ هذا المَوْتُ لم تُلْفَ حاجَةٌ ... لنَفْسِيَ إِلاَّ قد قَضَيْتُ قَضاءها
قال
العباس بن مرداس السلميأَلاَ مَن مُبْلِغٌ عَنِّي خُفافاً ... أَلُوكاً بَيْتُ أَهْلِكَ مُنتَهاها
أَنا الرَّجُلُ الذي حُدِّثتَ عنهُ ... إِذا الخَفِراتُ لَمْ تَسْتُرْ بُراها
فأَيِّى ما وَأَيُّكَ كانَ شَرّاً ... فَسِيقَ إِلى المقَامَةِ لا يرَاها
أَشُدُّ على الكَتِيبَةِ لا أُبالِي ... أَحَتفِي كانَ فِيها أَمْ سِواها
ولِي نَفسٌ تَتُوقُ إِلى المعَالِي ... سَتَتْلَفُ أَو أُبَلِّغُها مُناها
قال
الفرعل الطائيوتروى لهني بن أحمر الكناني، وهو الأكثر
يا ضَمْرُ أَخبِرْنِي ولَسْتَ بِكاذِبٍ ... وأَخُوكَ ناصِحُكَ الذي لا يَكذِبُ
هل في السَّويَّةِ أَن إِذا اسْتَغنَيْتُمُ ... وأَمِنتُمُ فأَنا البَعِيدُ الأَجْنَبُ
وإِذا الشَّدائِدُ مَرَّةً أَشجَتْكُمُ ... فأَنا الأَحَبُّ إِليكُمُ والأَقْرَب
وإِذا تَكُونُ كَريهَةٌ أُدْعَى لَها ... وإذا يُحاسُ الحَيْسُ يُدْعَى جُنْدَبُ
عَجَبٌ لتلكَ قَضِيَّةً، وإِقامَتِي ... فِيكُمْ على تِلْكَ القَضِيَّةِ أَعجَبُ
هذا لَعَمْرُكُمُ الصَّغارُ بعَيْنِه ... لا أُمَّ لِي إنْ كانَ ذاكَ ولا أَبُ
أَلِمالِكِ خِصْبُ البلادِ ورعْيُها ... وليَ الثِّمادُ ورعْيُهُنَّ المُجْدِبُ
قال
الحارث بن كلدة الثقفي
إسلاميأَلا رُبَّ مَنْ يَغْشَى الأَباعِدَ نَفْعُهُ ... وتَشْقَى به حتَّى المَماتِ أَقَارِبُهْ
فَخلِّ ابنَ عَمِّ السَّوْءِ والدَّهْرَ، إِنَّهُ ... سَيَكْفِيكَهُ أَيَّامُهُ وتَجاربُهْ
أَرانِي إِذا اسْتَغْنَيْتُمُ فَعَدوُّكُمْوأُدْعَى إِذا ما الدَّهْرُ نابَتْ نَوائِبُهْ
فإِنْ يَكُ خَيْرٌ فَالبَعِيدُ ينَالُهُ ... وإِنْ يَكُ شَرٌّ فابنُ عَمِّكَ صاحِبُهْ
لَعَلَّكَ يوماً أَنْ يَسُرَّكَ مَشْهَدِي ... إِذا جاء خَصْمٌ كالحُباب تُشاغِبُهْ
قال
ذؤيب بن حاضر التنوخيوكُنَّا طَلَبْنا صُلْحَهُمْ قَبْلَ حَرْبهِمْفَلَجُّوا، وما كانَ اللَّجاجُ مِن الحَزْم
وقالُوا: شُتِمْنا، واسْتُخِفَّ بِجارِنَا،وضَرْبُ الطُّلَى بالبِيض أَدْهَى مِن الشَّتْمِ
فَلَمَّا وصَلْنا بالسُّيُوفِ أَكُفَّنَا ... وزالَ الحيَا رامُوا السَّلاَمةَ بالسِّلمِ
فهَلاَّ وفِي قَوْسِ المُرُوءةِ مَنْزَعٌ ... طَلَبْتُمْ رضانا قَبْلَ بادِرَةِ السَّهْم
قال
الأخطل غياث بن غوث التغلبي
أموي شعرلَقَدْ حَمَلْتَ قَيْسَ بنَ عَيْلانَ حَرْبُنَاعلى يابِسِ السِّيْسَاءِ مُحْدَوْدِبِ الظَّهْر
تَنِقُّ بلا شَيْءٍ شُيوَخُ مُحارِبٍ ... وما خِلْتُها كانَتْ تَريشُ ولا تَبْرِي
ضَفادِعُ في ظَلْماءِ لَيْلٍ تجَاوَبَتْ ... فَدَلَّ عَلَيْها صَوْتُها حَيَّةَ البَحْرِ
ونَجَّى ابنَ بَدْرٍ رَكْضُهُ مِن رِماحِنا ... ونَضَّاخَةُ الأَعْطافِ مُلْهَبَةُ الحُضْرِ
إِذا قُلْتُ نالَتْهُ الرِّماحُ تَقَاذَفَتْبه سَوْحَقُ الرِّجْلَيْنِ سابِحَةُ الصَّدْرِ
كَأَنَّهُما والآلُ يَنْشَقُّ عَنْهُما ... إِذا هَبَطا فِيهِ يَعُومانِ في بَحْرِ
وظَلَّ يُفَدِّيها، وظَلَّتْ كَأَنَّها ... عُقابٌ دَعاها جُنْحُ لَيْلٍ إِلى وَكْرِ
يُسِرُّ إِلَيْها، والرِّماحُ تَنُوشُهُ: ... فِدىً لَكِ أُمِّي إِنْ سَبَقْتِ إِلى العَصْر
وتاللّهِ لو أَدْرَكْنَه لَقَذَفْنَهُ ... إلى صَعْبَةِ الأَرْجاءِ مُظْلِمَةِ القَعْر
قال
وعلة بن عبد الله الجرميونسبها بعضهم إلى النجاشي واسمه قيس بن عمرو، مخضرم
ونَجَّى ابْنَ حَرْبٍ سابِحٌ ذُو عُلالَةٍ ... أَجَشُّ هَزِيمٌ، والرِّماحُ، دَوانِ
إِذا قُلْتُ أَطْرافُ الرِّماح تَنُوشُهُ ... مَرَتْهُ بهِ السَّاقانِ والقَدَمان
قال
صالح بن جناح اللخميلئِنْ كنتُ مُحْتاجاً إلى الحِلْمِ إِنَّني ... إِلى الجَهْلِ في بَعْضِ الأَحايينِ أَحْوَجُ
ولِي فَرَسٌ لِلْحِلْمِ بالحِلْمِ ملْجَمٌ ... ولِي فَرَسٌ للْجَهْلِ بالجَهْل مُسْرَج
فمَنْ شاء تَقْوِيمِي فإِنِّي مقَوَّمٌ ... ومَنْ شاء تَعْويجي فإِنِّي مُعَوَّج
وما كنتُ أَرْضَى الجَهْلَ خِدْناً ولا أَخاً ... ولكنَّنِي أَرْضَى بهِ حينَ أُحْرَج
فإنْ قال بَعْضُ النَّاسِ: فيهِ سَماجَةٌ، ... لقَدْ صَدَقُوا، والذُّلُّ بالحرِّ أَسْمَج
قال
عنترة بن شداد العبسي
جاهليأَحَوْلِي تَنْفُضُ اسْتُكَ مِذْ رَوَيْها ... لِتَقْتُلَنِي، فَها أَنا ذا عُمَارا
مَتى ما تَلْقَنِي فَرْدَيْن تَرْجُفْ ... رَوانِفُ أَلْيَتَيْكَ وتُسْتَطارا
وسَيْفِي صارِمٌ قَبَضَتْ عَلَيْهِ ... أَشاجعُ لا تَرَى فِيها إنْتِشَارا
حُسامٌ كالعَقِيقَةِ فَهْوَ كِمْعِي ... سِلاحِي، لا أَفَلَّ ولا فُطارا
ومُطَّرِدُ الكُعُوب أَحَصُّ صَدْقٌ ... تخَالُ سِنانَهُ في اللَّيلِ نَارا
سَتَعْلَمُ أَيُّنا للمَوْت أَدْنَى ... إذا دانَيْتَ لي الأَسَلَ الحِرارا
وخَيْلٍ قد دَلَفْتُ لَها بخَيْل ... عَلَيْها الأُسْدُ تَهْتَصرُ اهْتصارا
قال
خزز بن لوذان
جاهليوتروى لعنترة بن شداد
لا تَذكُري فَرسِي وما أَطعمْتُهُ ... فيكُونَ جلدُكِ مِثلَ جلدِ الأَجْرَب
كَذَبَ العَقِيقُ وماءُ شَنٍّ بارِدٌ ... إن كُنتِ سائِلَتِي غَبُوقاً فاذهَبي
إِنَّ الغَبُوقَ لَهُ وأَنتِ مَسُوءةٌ ... فَتَأَوَّهِي ما شِئتِ ثُمَّ تَحَوَّبِي
إِنَّ العَدُوَّ لَهُمْ إِلَيْكِ وَسِيلَةٌ ... أَن يَأْخُذُوكِ، تَكَحَّلِي وَتَخَضَّبي
ويكُونُ مَرْكَبُكِ القَعُودَ وحِدْجَهُ ... وابنُ النَّعامَةِ عِندَ ذلكَ مَرْكَبي
وأَنا امْروءٌ إن يَأْخُذُونِي عَنوَةً ... أُقرَن إِلى شَرِّ الرِّكاب وأُجْنَبُ
قال
الحارث بن عباد البكري
جاهليقَرِّبا مَرْبَطَ النَّعامَةِ مِنِّي ... لَقحَت حَرْبُ وائل عَن حيال
قَرِّباها في مُقربَاتٍ عِجالٍ ... عابِساتٍ يَثِبْنَ وَثْبَ السَّعالِي
قَرِّبا مَرْبَطَ النَّعامَةِ مِنِّي ... جَدَّ أَمْرٌ للمُعْضِلاتِ الثِّقالِ
قَرِّبا مَرْبَطَ النَّعامَةِ مِنِّي ... تَبْتَغِي اليومَ قُوَّتِي واحْتِيالِي
قَرِّبا مَرْبَطَ النَّعامَةِ مِنِّي ... باذِلاً مُهجَتِي لِزُرْقِ النِّصالِ
لَمْ أَكُن مِن جُناتِها عَلِمَ اللَّ ... هُ، وإِنِّي بحَرِّها اليومَ صال
قال
بشار بن برد العقيليإِذا ما غَضِبْنا غَضبةً مُضَريَّةً ... هَتكنا حِجَابَ الشَّمْسِ أَو قَطَرت دَما
إِذا ما أَعَرْنا سَيِّداً مِن قَبيلة ... ذُرَا مِنبَر صَلَّى عَلَيْنا وسَلَّما
قال
عنترة بن شداد العبسي
جاهليإِنِّي امْرُءٌ مِن خَيْر عَبْسٍ مَنصِباً ... شَطرِي، وأَحْمِي سائِرِي بالمُنصُل
وَلَقَدْ أَبِيتُ على الطَّوَى وأَظَلُّهُ ... حتَّى أَنالَ بهِ كَريمَ المَأْكَلِ
والخَيْلُ تَعْلَمُ والفَوارسُ أَنَّنِي ... فَرَّقتُ جَمْعَهُمُ بطَعْنَةِ فَيْصَل
بَكَرَت تُخَوِّفُنِي الحُتُوفَ كَأنَّنِي ... أَصْبَحْتُ عن غَرَضِ الحُتُوفِ بِمَعْزل
فأَجَبْتُها إِنَّ المَنِيَّةَ مَنهَلٌ ... لابُدَّ أَن أُسْقَى بِذاكَ المَنهَلِ
فاقَنيْ حَياءكِ لا أَبالَكِ واعْلَمِي ... أَنِّي امْرءٌ سأَمُوتُ إِن لمْ أُقتَلِ
ولقَدْ لَقِيتُ المَوْتَ يومَ لَقِيتُهُ ... مُتَسَرْبِلاً، والموتُ لم يَتَسَرْبَلِ
والخَيْلُ ساهِمَةُ الوُجُوهِ كَأنَّما ... سُقِيَت فَوارسُها نَقِيعَ الحَنظَلِ
إن يُلحَقُوا أَكرُرْ، وإِن يُسْتَلحَمُوا ... أَشدُدْ، وإِن نَزَلُوا بضَنك أَنزل
قال
زهير بن أبي سلمى
في معناهمَن يَلقَ يوماً على عِلاَّتِهِ هَرِماً ... يَلقَ السَّماحَةَ مِنه والنَّدَى خُلُقا
قد جَعَلَ المُبْتَغُون الخَيْرَ في هَرِمٍ ... والسَّائِلُونَ إِلى أَبْوابهِ طُرُقَا
وليسَ مانِعَ ذِي قُرْبَى وذِي حَسَبٍ ... يوماً ولا مُعْدِماً من خابِطٍ وَرَقا
لَيْثٌ بِعَثَّرَ يَصْطادُ الرِّجالَ إِذا ... ما كَذَّبَ اللَّيْثُ عن أَقْرانِهِ صَدَقا
يَطْعُنُهمْ ما ارْتَمَوْا، حتَّى إِذا اطَّعَنُواضارَبَ، حتَّى إِذا ما ضَارَبُوا اعْتَنَقَا
لو نالَ حَيٌّ من الدُّنْيا بمَنْزِلَة ... أُفْقَ السَّماءِ لنَالَتْ كَفُّهُ الأُفُقَا
قال
آخرتَرَكْتُ الرِّكابَ لأَرْبابها ... وأَكْرَهْتُ نَفْسِي على ابْنِ الصَّعِقْ
جَعَلْتُ يَدَيَّ وشاحاً لهُ ... وبَعْضُ الفَوارِسِ لا يَعْتَنِقْ
قال
آخريا عَمْرُو لو نالَتْكَ أَرْماحُنا ... كنتَ كَمَنْ تَهْوى بهِ الهاويَهْ
أُلْفِيتَا عَيْناكَ عِنْدَ القَفا ... أَوْلَى فأَوْلَى لكَ ذا واقيَهْ
قال
عمرو بن معديكرب الزبيديالحَرْبُ أَوَّلُ ما تَكُون فُتَيَّةً ... تَسْعَى بِزِينَتِها لِكُلِّ جَهُولِ
حتَّى إِذا حَمِيَتْ، وشُبَّ ضِرامُها، ... عادَتْ عَجُوزاً غَيْرَ ذاتِ حَلِيلِ
شَمْطاءَ، جَزَّتْ رَأْسَها وَتَنَكَّرَتْ، ... مَكْرُوهَةً للشَّمِّ والتَّقْبِيلِ
قال
علي بن أبي طالب
كرم الله وجههوتروى لحسان بن ثابت
نحنُ الخِيارُ من البَرِيَّةِ كُلِّها ... ونِظامُها وزِمامُ كُلِّ زمامِ
والخائِضُو غَمَراتِ كُلِّ كَرِيهَة ... والدَّافِعُون حَوادِثَ الأَيَّامِ
والمُبْرِمُونَ قُوَى الأُمُورِ بِعِزِّهِمْ ... والنَّاقِضُون مَرائرَ الإِبْرامِ
في كُلِّ مَعْرَكَةٍ تُطِيرُ سُيُوفُنا ... فيها الجَماجِمَ عن فِراخِ الهامِ
وتَرُدُّ عَادِيَةَ الخَمِيسِ رِماحُنَا ... وتُقيِمُ رَأْسَ الأَصْيَدِ القَمْقامِ
فاللّهُ أَكْرَمَنا بنَصْر نَبيِّهِ ... وبِنا أَقامَ دَعائِمَ الإِسْلامِ
قال
معاوية بن أبي سفيانأَتانِيَ أَمْرٌ فيه للنَّاسِ غُمَّةٌ ... وفيه اجْتِداعٌ للأُنُوفِ أَصِيلُ
مُصابُ أَمِير المُؤْمِنينَ وهَدَّةٌ ... تَكَادُ لها صُمُّ الجِبال تَزُولُ
سأَبْكِي أَبا عَمْرٍو بكُلِّ مُثَقَّفٍ ... وبِيضٍ لَها في الدَّارِعِينَ صَلِيلُ
فلِلَّهِ عَيْنا مَنْ رَأَى مَثْلَ هالِكٍ ... أُصِيبَ بلا ذَنْب، وذاكَ جَلِيلُ
فأَمَّا التي فِيها المَوَدَّةُ بَيْنَنا ... فَلَيْس إِلَيْها ما حِيَيتُ سَبيلُ
سأُلْقِحُها حَرْباً عَواناً مُلِحَّةً ... وإِنِّي بها من عامِها لَكَفِيلُ
قال
أبو العلاء ثابت قطنة العتكي
أموي الشعرالمالُ نَهْبُ الدَّهْرِ ما أَخَّرْتَهُ ... ويكُونُ حَظُّكَ مِنْه ما يَتَقَدَّمُ
أَمْضِي، وظِلُّ المَوْتِ تَحءتَ ذُوءابتِي ... ويَظُنُّ صَحْبِيَ أَنَّنِي لا أَسْلَمُ
فسَلِمْتُ، والسَّيْفُ الحُسَامُ، وصَعْدَةٌ ... سَمْراءُ يَجْرِي بَيْنَ أَكْعُبِها الدَّمُ
وأَنا ابْنُ عَمِّكَ يَوْمَ ذلكَ دِنْيَةً ... وأَنا البَعِيدُ اليومَ مِنْكَ المُجْرِمُ
قال
أبو محجن الثقفيلما حبسه سعد بن أبي وقاص
كَفَى حَزَناً أَنْ تَرْتَدِي الخَيْلُ بالقَنا ... وأُتْرَكُ مَشْدُوداً عَلَيَّ وَثَاقِيا
وقَدْ كُنْتُ ذا مالٍ كَثيرٍ وإِخْوَةٍ ... فقَدْ تَرَكُونِي واحِداً لا أَخَا لِيا
وقَدْ شَفَّ جِسْمِي أَنَّنِي كُلَّ شارِقٍ ... أُعالِجُ كَبْلاً مُصْمَتاً قد بَرانِيا
حَبِيساً عن الحَرْبِ العَوانِ وقَدْ بَدَتْ ... وإِعْمالُ غَيْرِي يومَ ذاكَ العَوالِيا
إِذا قُمْتُ عَنَّانِي الحَدِيدُ، وأُغْلِقَتْ ... مَصارِيعُ مِن دُونِي تُصِمُّ المُنادِيا
فلِلَّهِ دَرِّي يَوْمَ أُتْرَكُ مُوثَقاً ... وتَذْهَلُ عَنِّي أُسْرَتِي ورِجالِيا
وللّهِ عَهْدٌ لا أَخِيسُ بعَهْده ... لَئِنْ فُرِّجَتْ أَلاَّ أَزُورَ الحَوانِيا
قال
الأعشى عبد الله بن خارجة
الشيباني، أموي الشعروما أَنا في أَمْرِي ولا في خُصُومَتِي ... بمُهْتَضَمٍ حَقِّي ولا قَارعٍ سِنِّي
ولا مُسْلِمٍ مَوْلايَ عندَ جِنايَةٍ ... ولا مُظْهِرٍ خِذْلانَهُ عِنْدما يَجْنِي
وإِنَّ فُؤَاداً بَيْنَ جَنْبَيَّ عالِمٌ ... بما أَبْصَرَتْ عَيْنِي وما سَمِعَتْ أُذْنِي
وفَضَّلَنِي في العِلْمِ والشِّعْر أَنَّنِي ... أَقُولُ على عِلْمٍ وأَعْلَمُ ما أَعْنِي
قال
عبد الملك بن معاوية الحارثي
أموي الشعريَلقَى السُّيُوفَ بوَجْههِ وبنَحْرهِ ... ويُقِيمُ هامَتَهُ مَقامَ المِغفَر
ما إِن يُريدُ، إِذا الرِّماحُ شَجَرْنَهُ، ... دِرْعاً سِوَى سِرْيالِ طِيب العُنصُر
ويَقولُ للطِّرْفِ أَصْطَبرْ لِشَبا القَنا ... فَعَقَرْتُ رُكنَ المَجْدِ إِنْ لَمْ تُعْقَر
وإِذا تَأَمَّلَ شَخْصَ ضَيْفٍ مُقْبلٍ ... مُتَسَرْبلٍ أَثْوابَ مَحْلٍ أَغْبَرِ
أَوْ ما إِلى الكَوْماءِ هذا طارِقٌ ... نَحَرَتْنِيَ الأَعْداءُ إِنْ لَمْ تُنْحَري
قال
المثقب عائذ بن محصن العبدي
جاهليوتروى لعلبة بن يزيد أحد بني سليم، وهو الأكثر
تَهَزَّأَتْ عِرْسِيَ واسْتَنْكَرَتْ ... شَيْبِي، فَفِيها جَنَفٌ وازْورارْ
لا تُكْثِري هُزْءًا ولا تَعْجَبِي ... فلَيْسَ بالشَّيْبِ على المَرءِ عارْ
عَمْرَكِ هل تَدْرِينَ أَنَّ الفَتى ... شَبابُهُ ثَوْبٌ عليه مُعارْ
ولا أَرَى مالاً إِذا لم يَكُنْ ... زَعْفٌ وخَطَّارٌ ونَهْدٌ مُغارْ
مُسْتَشْرِفُ القُطرَيْنِ عَبْلُ الشَّوَى ... مُحَنَّبُ الرِّجْلَيْنِ فيه اقوِرارْ
وأَطرُقُ الحانِيَّ في بَيْتِهِ ... بالشَّرْبِ حتَّى تُسْتَباحَ العُقارْ
فذاكَ عَصْرٌ قد خَلا، والفَتى ... تُلوِي ليَالِيهِ به والنَّهارْ
لا يَنفَعُ الهارِبَ إِيغالُهُ ... ولا يُنَجِّي ذا الحِذار الحِذارْ
قال
القطامي عمير بن شييم
أموي الشعروإِنْ ثَوَّبَ الدَّاعِي بشَيْبانَ زُعْزِعَت ... رِماحٌن وجاشَت مِن جَوانِبِها القِدْرُ
هُمُ يومَ ذي قار أَناخُوا فجَالَدُوا ... كتَائبَ كِسْرَى بَعْدَ ما وَقَدَ الجَمْرُ
قال
عنترة بن شداد العبسي
جاهلي
يا شاةَ ما قَنَصٍ لِمَنْ حَلَّتْ لهُ ... حَرُمَتْ عليّ ولَيْتَها لَمْ تَحْرُمِ
هَلاَّ سَأَلْتِ الخَيْلَ يا ابنَةَ مالِكٍ ... إِنْ كنتِ جاهِلَةً بما لم تَعْلَمِي
إِذْ لا أَزالُ على رِحالَةِ سابِحٍ ... نَهْدٍ تَعاوَرَهُ الكُماةُ مُكَلَّمِ
طَوْراً يُجَرَّدُ للطِّعانِ وتارَةً ... يَأَوِي إِلى حَصِدِ القِسِيّ عَرَمْرَمِ
يُخْبِرْكِ مَنْ شَهِدَ الوَقِيعَةَ أَنَّنِي ... أَغْشَى الوَغَى وأَعِفُّ عِنْد المَغْنَمِ
ومُدَدِّجٍ كَرِهَ الكُمَاةُ نِزَالَهُ ... لا مُمْعِنٍ هَرَباً ولا مُسْتَسْلِمِ
بَطَلٌ كَأنَّ ثِيابَهُ في سَرْحَةٍ ... يُحْذَى نِعالَ السِّبْت لَيْسَ بتَوْأَمِ
جادَتْ يَدايَ لهُ بعاجِلِ طَعْنَةٍ ... بِمُثَقَّفٍ صَدْقِ الكُعُوبِ مُقَوَّمِ
فشَكَكْتُ بالرُّمحِ الطَّوِيلِ ثِيابَهُ ... لَيْسَ الكَرِيمُ على القَنا بِمُحَرَّمِ
فتَرَكْتُهُ جَزَرَ السِّباعِ يَنْشْنَهُ ... ما بَيْنَ قُلَّةِ رَأْسِهِ والمِعْصَمِ
وَمَشكِّ سابِغَةٍ هَتَكْتُ عُرُوشَها ... بالسَّيْفِ عن حامِي الحَقِيقَةِ مُعْلِمِ
لمَّا رَآنيَ قد نَزَلْتُ أُرِيدُهُ ... أَبْدَى نَواجِذَهُ لِغَيْرِ تَبَسُّمِ
فطَعَنْتُهُ بالرُّمْحِ ثم عَلَوْتُهُ ... بِمُهَنَّدٍ صافِي الحَدِيدَةِ مِخْذَمِ
لمَّا رَأَيْتُ القَوْمَ أَقْبَلَ جَمْعُهُمْ ... يتَذَامَرُونَ كَرَرْتُ غَيْرَ مُذَمَّمِ
ولقَدْ رَأَيْتُ القَوْمَ أَقْبَلَ جَمْعُهُمْ ... يتَذَامَرُونَ كَرَرْتُ غَيْرَ مُذَمَّمِ
ولقَدْ شَفَى نَفْسِي وأَبْرَأ سُقْمَها ... قَوْلُ الفَوارِسِ وَيْكَ عَنْتَرُ أَقْدِمِ
يَدْعُونَ عَنْتَرَ والرِّماحُ كَأَنَّها ... أَشْطانُ بِئْرٍ في لَبانِ الأَدْهَمِ
إِذْ يَتَّقُونَ بيَ الأَسِنَّةَ لَمْ أَخِمْ ... عَنْها ولكنِّي تَضايَقَ مُقْدَمِي
ما زِلْتُ أَرْميهِمْ بثُغْرَةِ نَحْرِهِ ... ولَبانِهِ حتَّى تَسَرْبَلَ بالدَّمِ
فازْوَرَّ مِن وَقْعِ القَنا بِلبَانِهِ ... وشَكا إِليَّ بِعَبْرَةٍ وتَحَمْحُمِ
لو كان يَدْرِي ما المُحاوَرَةُ اشْتَكَى ... ولَكانَ لو عَلِمَ الكَلامَ مُكَلِّمِي
والخَيْلُ تَقْتَحِمُ الخَبارَ عَوابِساً ... ما بَيْنَ شَيْظَمَة وأَجْرَدَ شَيْظَمِ
نُبِّئْتُ عَمْراً غيرَ شاكِرِ نِعْمَتي ... والكُفْرُ مَخْبَثَةٌ لِنَفْسِ المُنْعِمِ
وإِذا ظُلِمْتُ فِإنَّ ظُلْمِيَ باسِلٌ ... مُرٌّ مَذاقَتُهُ كَطَعْمِ العَلْقَمِ
ولَقَدْ شَرِبْتُ مِن المُدامَةِ بَعْدَ ما ... رَكَد الهَواجِرُ بالمَشُوفِ المُعْلَمِ
فإِذا شَرِبْتُ فإِنَّنِي مُسْتَهْلِكٌ ... مالِي وعِرْضِي وافِرٌ لم يُكْلَمِ
وإِذا صَحَوْتُ فما أُقَصِّرُ عن نَدىً ... وكما عَلِمْتِ شَمائِلي وتَكَرُّمِي
وحَليلِ غانِيَةٍ تَرَكْتُ مُجَدَّلاً ... تَمْكُو فَرِيصَتُهُ كَشِدْقِ الأَعْلَمِ
سَبَقَتْ يَدايَ له بعاجلِ طَعْنَةٍ ... ورَشاشِ نافِذَةٍ كَلَوْنِ العَنْدَمِ
ولقَدْ خَشِيتُ بأَنْ أَمُوتَ ولَمْ تَكُنْ ... للحَرْبِ دائِرَةٌ على ابَنَيْ ضمْضَمِ
الشَّاتِمَيْ عِرْضِي ولَمْ أَشْتُمْهُما ... والنَّاذِرَيْنِ إِذا لَمُ أَلْقَهُما دَمِي
إِنْ يَفْعَلا فَلَقَدْ تَرَكْتُ أَباهُما ... جَزَرَ السِّباعِ وكُلِّ نَسْر قَشْعَمِ
قال
مهلهل بن ربيعة الجشمي
جاهلي واسمه امرؤ القيس
أَلَيْلَتَنا بذِي حُسُمٍ أَنِيري ... إِذا أَنْتِ انْقَضَيْتِ فلا تَحُورِي
فإِنْ يَكُ بالذَّنائِبِ طالَ لَيْلِي ... فقَدْ يُبْكَ مِن الليلِ القَصِيرِ
وأَنْقَذَنِي بَياضُ الصُّبْحِ مِنْها ... لقَدْ أُنْقِذْتُ مِن شَرٍّ كَبِيرِ
كَأنَّ كَواكِبَ الجَوْزاءِ عُوذٌ ... مُعَطَّفَةٌ على رُبَعٍ كَسِيرِ
تَلأْلأُ، واسْتَقَلَّ لها سُهَيْلٌ، ... يَلُوحُ كَقِمَّةِ الجَمَلِ الغَديرِ
وتَحْنُو الشِّعْرِيان إلى سُهَيْلٍ ... كفِعْلِ الطَّالِبِ القَذَفِ الغَيُورِ
كأَنَّ العُذْرَتَيْنِ بكَفِّ سَاعٍ ... أَلَحَّ على ثِمَائِلِهِ ضَرِيرِ
كَانَّ بَناتَ نَعْش تَالِيات ... قِطارٌ عامِدٌ للشَّامِ، زُورِ
تَتَابَعُ، مِشْيَةَ الإِبِلِ الزَّهارَى، ... لِتَلْحَقَ كُلَّ تَالِيَةٍ عَبُورِ
كَأَنَّ الفَرْقَدَيْنِ يَدا مُفِيضٍ ... أَلَحَّ على إِفاضَتِهِ قَمِيرِ
كَأنَّ الجَدْيَ، في مَثْناةِ رِبْقٍ، ... أَسِيرٌ أَو بِمَنْزِلَةِ الأَسِيرِ
كَأَنَّ مَجَرَّةَ النَّسْرَيْنِ نَهْجٌ ... لكُلِّ حَزِيقَةٍ تُحْدَى وعِيرِ
كَأَنَّ التَّابِعَ المِسْكِينَ فيها ... أَجِيرٌ أَوْ بِمَنْزِلَةِ الأَجِيرِ
كَأَنَّ المُشْتَرِي حُسْناً ضِياءً ... بِنيقٍ قاهِرٍ مِن فَوْقِ قُورِ
كَأَنَّ النَّجْمَ إِذْ وَلَّى سُحَيْراً ... فِصالٌ جُلْنَ في يومٍ مَطِيرِ
كَواكِبُ لَيْلَةٍ طالَتْ وغَمَّتْ ... فَهذا الصُّبْحُ صاغِرَةً فغُورِ
فلو نُبشَ المَقابِرُ عن كُلَيْبٍ ... فيُخْبِرَ بالذَّنائِبِ أَيُّ زِيرِ
وإِنِّي قد تَرَكْتُ بواردات ... بُجَيْراً في دَمٍ مِثْل العَبيرِ
هَتَكْتُ به بُيُوتَ بَنِي عُبادٍ ... وبعْضُ القَتْلِ أَشْفَى للصُّدُورِ
وهَمَّامَ بنَ مُرَّةَ قد تَرَكْنَا ... عليه القَشْعَمانِ مِن النُّسُورِ
فِدىً لِبَنِي الشَّقِيقَةِ يومَ جاءُوا ... كأُسْدِ الغابِ لَجَّتْ في زَئِيرِ
كَأَنَّ رِماحَهُمْ أَشْطانُ بِئْرٍ ... مَخُوفٍ هَدْمُ عَرْشَيْها جَرُورِ
كَأَنَّا غُدْوَةً وَبَنِي أَبِينا ... بجَنْبِ عُنَيْزَةٍ رَحَيا مُدِيرِ
تَظَلُّ الخَيْلُ عاكِفَةً عليهِمْ ... كَأَنَّ الخَيْلَ تُرْحَضُ في غَدِيرِ
فَلَوْلا الرِّيحُ أُسْمِعَ أَهْلُ حَجْر ... نَقافَ البيضِ تُقْرَعُ بالذُّكُورِ
قال
تأبط شراً
ثابت بن جابر من بني فهم، جاهليتقولُ سُلَيْمَى لِجاراتِها ... أَرَى ثابِتاً قد غَدا مُرْمِلا
لها الوَيْلُ ما وَجَدَتْ ثابتاً ... أَلَفَّ اليَدَيْن ولا زُمَّلا
ولا رَعِشَ السَّاق عِنْدَ الجِرا ... ءِ إِذا بادَرَ الحَمْلَةَ الهَيْضَلا
يفُوتُ الجِيادَ بِتَقْرِيبِهِ ... ويَكْسُو هوَادِيهَا القَسْطَلا
وأَدْهَمَ قد جُبْتُ جِلْبابَهُ ... كما اجْتابَتِ الكاعِبُ الخَيْعَلا
علا ضَوْءُ نارٍ تَنَوَّرْتُها ... فبِتُّ لها مُدْبِراً مُقْبِلا
إِلى أَن حَدا الصُّبْحُ أَثْناءهُ ... ومَزَّقَ جِلْبابَهُ الأَلْيَلا
فَأَصْبَحْتُ والغُولُ لِي جارَةٌ ... فيا جارَتِي أَنتِ ما أَهْوَلا
وطالَبْتُها بُضْعَها فالْتَوَتْ ... فكانَ مِن الرَّأْي أَنْ تُقْتَلا
عَظايَةُ أَرْضٍ لها حُلَّتا ... نِ مِنْ وَرَقِ الطَّلْحِ لم تُغْزَلا
فمَنْ كانَ يَسْأََلْ عن جارَتِي ... فإِنَّ لَها باللِّوى مَنْزلا
قال
النابغة الذبياني
واسمه زيادقالت بنُو عامِرٍ خالُوا بَنِي أَسَدٍ ... يا بُؤْسَ للجَهْلِ ضَرَّاراً لأَقْوامِ
إِنِّي لأَخْشَى أَنْ يكُونَ لكُمْ ... من أَجْلِ بَغْضائِكُمْ يَوْمٌ كأَيَّامِ
تَبْدُو كَواكِبُهُ والشَّمْسُ طالِعَةٌ ... نُورٌ بنُور وإِظْلامٌ بإِظْلامِ
قال
آخروقُلْتُمْ لنا: كُفُّوا الحُرُوبَ، لَعَلَّنانَكُفُّ، وَوَثَّقْتُمْ لَنا كُلَّ مَوْثِقِ
فَلَمَّا كَفَفْنا الحَرْبَ كانتْ عُهُودُكمْ ... كَلَمْع سَراب بالمَلا مُتَأَلِّقِ
قال
زفر بن الحارث الكلابيلَعَمْرِي لقد أَبْقَتْ وَقِيعَةُ راهِطٍ ... لِمَرْوانَ صَدْعاً بَيْنَنَا مُتَشائِيا
فلَمْ تَر مِنِّي نَبْوَةٌ قَبْلَ هذِه ... فِرارِي وتَرْكِي صاحِبَيَّ ورَائِيا
عَشِيَّةَ أَجْرِي في الصَّعِيدِ ولا أَرَى ... مِن النَّاسِ إِلاَّ مَنْ عَلَيَّ ولا لِيا
أَيَذْهَبُ يومٌ واحِدٌ إِنْ أَسَأَتُهُ ... بصالِحِ أَعْمالِي وحُسْنِ بَلائِيا
وقَدْ يَنْبُتُ المَرْعَى على دِمَنِ الثَّرَى ... وتَبْقَى حزَازاتُ النُّفُوس كما هِيا
أَرينِي سِلاحِي لا أَبالَك إِنَّنِي ... أَرَى الحَرْبَ لا تَزْدادُ إِلاَّ تَمادِيا
قال
هبيرة بن أبي وهب المخزومي
إسلاميلَعَمْرُكَ ما وَلَّيْتُ ظَهْري محمداً ... وأَصْحابَهُ جُبْناً، ولا خِيفَةَ القَتْلِ
ولكنَّنِي قَلَّبْتُ أَمْرِي فَلَمْ أَجِدْ ... غَناءً لِسَيْفِي إِنْ ضَرَبْتُ ولا نَبْلِي
وقَفْتُ، فَلَمَّا خِفْتُ ضَيْعَةَ مَوْقِفِي ... نَجَوْتُ كَضِرْغَامٍ هِزَبْرٍ أَبي شبْلِ
قال
أوس بن حجر
جاهليوفي رواية تنسب لعمرو بن معديكرب
أَجاعِلَةٌ أُمُّ الحُصَيْنِ خَزايَةً ... عليَّ فِرارِي أَنْ لَقِيتُ بَنِي عَبْسِ
لَقِيتُ أَبا شَأْسٍ وشَأْساً ومالِكاً ... وقَيْساً فَجاشَتْ مِن لقائِهِمُ نَفْسِي
كأَنَّ جُلُودَ النُّمْرِ جِيبَتْ عَلَيْهِمُإِذا جَعْجَعُوا بَيْنَ الإِناخَةِ والحَبْسِ
أَتَوْنا فَضَمُّوا جانِبَيْنا بِصادِقٍمِن الطَّعْنِ فِعْلَ النَّارِ بالحَطَبِ اليَبْسِ
ولَمَّا دَخَلْنا تَحْتَ فَيْىءِ رِماحِهِمْخَبَطْتُ بكَفِّي أَطْلُبُ الأَرْضَ باللَّمْسِ
فأُبْتُ سَلِيماً لَمْ تُمَزَّقْ عِمامَتِي ... ولكنَّهُمْ بالطَّعْنِ قد خَرَّقُوا تُرْسِي
ولَيْسَ يُعابُ المَرْءُ مِن جُبْن يَوْمه ... وقَدْ عُرِفَتْ مِنْهُ الشَّجاعَةُ بالأَمْس
قال
الفرار السلمي
مخضرم وبه سمي الفراروكَتِيبةٍ لَبَّسْتُها بكَتِيبَةٍ ... حتَّى إِذا الْتَبَسَتْ نَفَضْتُ لَها يَدِي
فَتَرَكْتُهُمْ تَقِصُ الرِّماحُ ظُهُورَهُمْ ... مِنْ بَيْنِ مُنْعَفِرٍ وآخَرَ مُسْنَدِ
ما كانَ يَنْفَعُنِي مَقالُ نِسائِهِمْ ... وقُتِلْتُ دُونَ رِجالِها: لا تَبْعَد
قال
الحارث بن هشام المخزومي
مخضرماللّهُ يَعْلَمُ ما تَرَكْتُ قِتالَهُمْ ... حتَّى عَلَوْا فَرَسِي بأَشْقَرَ مُزْبد
وعَلِمْتُ أَنِّي إِنْ أُقاتِلْ واحِداً ... أُقْتَلْ، ولا يَضْرُرْ عَدُوِّي مَشْهَدِي
ووَجَدْتُ رِيحَ المَوْتِ مِنْ تِلْقائِهِمْ ... في مَأْزِقٍ، والخَيْلُ لَمْ تَتَبَدَّدِ
فصَدَدْتُ عَنْهُمْ، والأَحِبَّةُ فِيهمُ ... طَمَعاً لَهُمْ بِعقابِ يَوْم مُرْصَدِ
قال
حسان بن ثابت
في الحارث بن هشامإِنْ كُنْتِ كاذِبَةَ الذي حَدَّثْتِنِي ... فنَجَوْتِ مَنْجَى الحارِثِ بنِ هِشامِ
تَرَكَ الأَحِبَّةَ أَنْ يُقاتِلَ دُونَهُمْ ... ونَجا بِرَأْسِ طِمِرَّةٍ ولِجامِ
جَرْداء تَمْزَعُ في الغُبارِ كَأَنَّها ... سِرْحانُ غَابٍ في ظِلالِ غمَامِ
مَلأَتْ به الفَرْجَيْنِ فارْمَدَّتْ بهِ ... فَثَوَى أَحِبَتُّهُ بِشَرِّ مُقَامِ
لَوْلا الإِلَهُ وجَرْيُها لَتَرَكْتَهُ ... جَزَرَ السِّباعِ ودُسْنَه بحَوامِ
قال
عمرو بن عنترة الطائيولَمَّا سَمِعْتُ الخَيْلَ تَدْعو مُقَاعِساً ... عَلِمْتُ بأَنَّ اليومَ أَغْبَرُ فاجِرُ
نَجَوْتُ نَجاءً لَيْسَ فِيهِ وَتِيرَةٌ ... كأَنِّي عُقَابٌ دونَ تَيْمَنَ كاسِرُ
قال
الطرماح بن حكيم
أموي الشعرلقَدْ زادَنِي حُبّاً لِنَفْسِيَ أَنَّنِي ... بَغِيضٌ إِلى كُلِّ امْرِىءٍ غَيْر طائِلِ
وأَنِّي شَقِيٌّ باللِّئامِ ولَنْ تَرَى ... شَقِيّاً بِهِمْ إِلاَّ كَرِيمَ الشَّمائِلِ
إِذا ما رآنِي قَطَّعَ الطَّرْفَ بَيْنَهُ ... وبَينِيَ فِعْلَ العارِفِ المُتَجاهِلِ
مَلأْتُ عليه الأَرْضَ، حتَّى كأنَّها ... مِنَ الضِّيقِ في عَيْنَيْهِ كِفَّةُ حابِلِ
أَكُلُّ امرىءٍ أَلْفَى أَباهُ مُقَصِّراً ... مُعادٍ لأَهْلِ المَكْرُماتِ الأَوائِلِ
إِذا ذُكِرَتْ مَسْعاةُ والدِهِ اضْطَنَى ... ولا يَضْطَنِي مِنْ شَتْمِ أَهْلِ الفَضائِلِ
وما مُنِعَتْ دارٌ، ولا عَزَّ أَهْلُها ... مِن النَّاسِ إِلاَّ بالقَنا والقَنابِلِ
ومَنْ يَلْتَمِسْ مِ، طَيِّىءٍ تِرَةً لهُ ... يَكُنْ كالثُّرَيّا مِنْ يَدِ المُتَناول
قال
عبيد بن أيوب
بن ضرار العنبري، إسلاميكأَنَّ بلادَ اللّهِ، وهْيَ عَرِيضَةٌ ... على الخائِفِ المَطْرُودِ، كِفَّةُ حابِلِ
يُؤَتَّى إِليه أَنَّ كُلَّ ثَنِيَّة ... تَطَلَّعَها تَرْمِي إِلَيهِ بَقاتِلِ
قال
النابغة الذبياني
واسمه زياد بن معاوية، جاهليتَوَهَّمْتُ آياتٍ لها فَعَرَفْتُها ... لسِتَّةِ أَعْوامٍ، وذا العامُ سابِع
كأَنَّ مَجَرَّ الرَّامِساتِ ذُيُولَها ... عَلَيْها قَضِيمٌ نَمَّقَتْهُ الصَّوانِعُ
على حِينَ عاتَبْتُ المَشِبَ عَلَى الصِّبا ... فقلتُ: أَلَمَّا تَصْحُ، والشَّيْبُ وازِعُ
وقَدْ حالَ هَمٌّ دُونَ ذلكَ شاغِلٌ ... وُلُوجَ الشِّغاف تَبْتَغِيهِ الأَصابعُ
وَعِيدُ أَبِي قابُوسَ في غَيْرِ كُنْهِهِ ... أَتانِي، ودُونِي راكِسٌ فالضَّواجعُ
فبِتُّ، كأَنِّي ساوَرَتْنِي خَئِيلَةٌ ... مِنَ الرُّقْشِ، في أَنْيابِها السُّمُّ ناقِعُ
يُسَهَّدُ مِنْ نَوْمِ العِشاءِ سَلِيمُها ... لحَلْيِ النِّساءِ في يَدَيْهِ قَعاقعُ
تَناذَرَها الرَّاقُونَ مِنْ سُوءِ سَمِّها ... تُطَلِّقُهُ عَصْراً وعَصْراً تُراجِعُ
وخُبِّرْتُ خَيْرَ النَّاسِ أَنَّكَ لُمْتَنِي ... وتلكَ التي تَسْتَكُّ مِنْها المَسامِعُ
تَوَعَّدُ عَبْداً لم يَخُنْكَ أَمانَةً ... وتَتْرُكُ عَبْداً ظالِماً وهْوَ ضالِعُ
لكلَّفْتِني ذَنْبَ امْرِىءٍ وتَرَكْتَهُ ... كَذِي العُرِّ يُكْوَى غَيْرُهُ وهْوَ راتِعُ
حَلَفْتُ فَلَمْ أَتْرُكْ لِنَفْسِكَ رِيبَةً،وهَلْ يَأْثَمَنْ ذُو أُمَّةٍ وهْوَ طائِعُ
لَعَمْرِي، وما عَمْرِي عليَّ بِهَيِّنٍ ... لقَدْ نَطَقَتْ بُطْلاً عليَّ الأَقارِعُ
أَقارِعُ عَوْفٍ، لا أُحاوِلُ غَيْرَها، ... وُجُوهٌ كِلابٍ تَبْتَغِي مَن تُجادِعُ
فإِنْ كنتَ لاذا الضِّغْنِ عنِّي مُكَذِّباً، ... ولا حَلفِي على البَراءةِ نافِعُ
ولا أَنا مَأْمُونٌ بقَوْلٍ أَقُولُهُ ... وأَنْتَ بِأَمْرٍ لا مَحالَةَ واقِعُ
فإنَّكَ كاللَّيْلِ الذي هو مُدْرِكِي ... وإِنْ خِلْتُ أَنَّ المُنْتَأَى عَنْكَ واسِعُ
خَطاطِيفُ حُجْنٌ في حِبالٍ مَتِينَة ... تَمُدُّ بِها أَيْد إِليكَ نَوازِعُ
سيَبْلُغُ عُذْراً أَو نجَاحاً مِن امْرِىءٍ ... إِلى رَبِّهِ، رَبِّ البَريَّةِ، راكِعُ
مضرس بن ربعي
جاهلييا أَيُّها الرَّجُلُ المُهْدِي قَوارِصَهُ ... أَبْصِر طَريقَكَ، لا يَشْخَصْ بكَ البَصَرُ
لا يُلْقِيَنَّكَ في أَفْواهِ مَهْلَكَة ... قَوْلُ السِّفاهِ، وضَعْفٌ حينَ تَأْتَمِرُ
يا ابْنَ اسْتِهاطُلْتَ لمَّا بنْتُ عَنْكَ ولَوْرَأَيْتَ في النَّوْمِ شَخْصِي نالكَ القصَرُ
فإِنْ قَرُبَتْ، فلا أَهْلٌ ولا رَحُبَتْ ... أَرْضٌ عليكَ، ولا اخْتِيرَتْ لكَ الخِيَرُ
وإِنْ بَعُدْتَ، فأَقْصاها وأَبْعَدُها ... في مَنْزِلٍ ما بِهِ شَمْسٌ ولا قَمَرُ
شَحْطَ المَزارِ على عَلْياء شامِخَةٍ ... مِنْ دُونِ قُنَّتِها يُسْتَنْزَلُ المَطَرُ
لا زِلْتَ حَرْباً ولا سالَمْتَنا أَبَداً ... فما لَدَيْكَ لَنا نَفْعٌ ولا ضَرَرُ
نَحْنُ الذين لَنا مَجْدٌ ومَكْرُمَةٌ ... والسَّابِقُون إِذا ما أُغْلِيَ الخَطَرُ
والمانِعُونَ إِذا كانَتْ مُمانَعَةٌ ... والعائِدُونَ بِحُسْناهُمْ إِذا قَدَرُوا
قال
الأشجع السلمي
من شعراء الدولة العباسيةوعلى عَدُوِّكَ يا ابنَ عمِّ محمدٍ ... رَصَدان، ضَوْءُ الصُّبْحِ والإِظْلامُ
فإِذا تَنَبَّهَ رُعْتَهُ، وإِذا هَدَا ... سَلَّتْ عليهِ سُيُوفَكَ الأَحْلامُ
قال
علي بن جبلة
العكوكوما لامْرىءٍ حاوَلْتَهُ منكَ مَهْرَبٌ ... ولَوْ رَفَعَتْهُ في السَّماءِ المطَالعُ
ولا هاربٌ لا يَهْتَدِي لمكانه ... ظَلامٌ ولا ضَوْءٌ مِن الصُّبْح ساطِعُ
قال
قيس بن رفاعة الواقفي
من بني واقف بن امرئ القيسأَنَا النَّذِيرُ لَكُمْ منِّي مُجاهَرَةً ... كيْ لا أُلامَ على نَهْيٍ وإِنْذارِ
فإِنْ عَصَيْتُمْ مَقالِي فاعْتَرِفُوا ... أَنْ سَوْفَ تَلْقُونَ خِزْياً ظاهِرَ
لَتَرْجِعُنَّ أَحادِيثاً مُلَعَّنَةً ... لَهْوَ المُقِيمِ ولَهْوَ المُدْلِجِ السَّارِي
مَنْ كانَ في نَفْسِهِ حَوْجاءُ يَطْلُبُها ... عِنْدِي فإِنِّي له رَهْنٌ بإِصْحارِ
أُقِيمُ عَوْجَتَهُ إِنْ كانَ ذا عِوَجٍ ... كما يُقَوِّمُ قِدْحَ النَّبْعَةِ الباري
وصاحِبُ الوتْر لَيْس الدَّهْرَ مُدْركَهُ ... عِنْدِي وإِنِّي لَدَرَّاكٌ بأَوْتاري
مَنْ يَصْلَ ناري بلا ذَنْب ولا تِرَة ... يَصْلَ بنارِ كَريمٍ غَيْر غَدَّار
قال
أبو الطفيل عامر بن وائلة الليثي
إسلاميرَأَتْني فقالتْ: أَنتَ شَيْخٌ، وإِنَّما ... يَرُوقُ الغَوانِي مُجْدِبُ الخَدِّ خَالِعُ
لكِ الخَيْرُ لو أَبْصَرْتِنِي يوم مَأْزقٍ ... وقَدْ لَمَعَتْ فيه السُّيوفُ القَواطِعُ
وعندَ النَّدَى، ناهِيكِ بِي مِنْ أَخِي الندى ... وعندَ حِجاجِ القَوْمِ قَوْلِي قاطِعُ
يَعُدُّونَنِي شَيْخاً، وقَدْ عِشْتُ حِقْبَةً ... وهُنَّ عن الأَزْواجِ نَحْوي نَوازع
وما شابَ رَأْسِي مِن سِنِينَ تَتَابَعَتْ ... عليَّ، ولكنْ شَيَّبَتْنِي الوقَائِعُ
وما قَصَّرَتْ بي هِمَّتِي دُونَ بُغْيَتِي ... ولا دَنَّسَتْنِي منذُ كنتُ المَطامِعُ
قال
حارثة بن بدر الغدانيوإِنَّا لَتَسْتَحْلِي المَنايا نُفُوسُنا ... ونَتْرُكُ أُخْرَى مُرَّةً لا نَذُوقُها
وشَيَّبَ رَأْسِي قَبْلَ حِين مَشِيبةِ ... رُعُودُ المَنايا بَيْنَنا وبُرُوقُها
قال
عمرو بن معديكرب الزبيديأَشابَ الرَّأْسَ أَيَّامٌ طِوالٌ ... وَهمٌّ ما تُفارِقُهُ الضُّلُوعُ
وسَوْقُ كَتِيبَةٍ دَلَفَتْ لأُخْرَى ... كأَنَّ زُهاءها رَأْسٌ صَلِيعُ
دَنَتْ، واسْتَأَخَرَ الأَوْغالُ عَنْهَا ... وخُلِّيَ بَيْنَهُمْ إِلاَّ الوَرِيعُ
إِذا لمْ تَسْتَطِعْ شَيْئاً فَدَعْهُ ... وجاوِزْهُ إِلى ما تَسْتَطِيعُ
وصِلْهُ بالزَّماعِ فكُلُّ أَمْرٍ ... سَما لَكَ أَوْ سَمَوْتَ لهُ وَلُوعُ
قال
في معناه
الأعشى عبد الرحمن بن عبد الله
الهمداني، أموي الشعرإِذا حاجَةٌ وَلَّتْكَ لا تَسْتَطِيعُها ... فَخُذْ طَرَفاً مِن حاجَةٍ حِينَ تَسْبِقُ
فذلكَ أَحْرى أَنْ تَنالَ جَسيمَها ... ولَلْقَصْدُ أَبْقَى في الأُمُور وأَوْفَقُ
قال
القتال الكلابي
عبيد بن مجيب بن المضرحيوكنيته أبو المسيب، إسلامي
نَشَدْتُ زياداًن والمَقامَةُ بَيْنَنَا، ... وذَكَّرْتُُ أَرْحامَ سِعْرٍ وهَيْثَم
ولمَّا دَعانِي لَمْ أُجِبْهُ لأَنَّنِي ... خَشِيتُ عليه وَقْعَةً مِن مُصَمِّمِ
فلمَّا أَعادَ الصَّوْتَ لمْ أَكُ عاجزاً ... ولا وَكِلاَ في كُلِّ دَهْيَاء صَيْلَم
فلمَّا رَأَيتُ أَنَّه غيرُ مُنْتَه ... أَمَلْتُ له كَفِّي بلَدْن مُقَوَّمِ
فلمَّا رَأَيتُ أَنَّنِي قد قَتَلْتُهُ ... نَدِمْتُ عليهِ، أَيَّ ساعَةِ مَنْدَمِ
قال
نهشل بن حري
بن ضمرة الدارمي، مخضرمويومٍ، كَأَنَّ المُصْطَلِينَ بِحَرِّهِ، ... وإِنْ لمْ يَكُنْ جَمْرٌ، قِيامٌ على الجَمْر
صَبَرْنا لهُ حتَّى يَبُوخَ وإنَّما ... تُفَرَّجُ أَيَّامُ الكَرِيهَةِ بالصَّبْر
ومَنْ عَدَّ مَسْعاةً فلا تُكْذَبَنَّها ... ولا تَكُ كالأَعْمَى يقولُ ولا يَدْري
قال
عمرو بن معديكرب الزبيديأَعاذِلَ إِنَّما أَفْنَى شَبابِي ... رُكُوبِي في الصَّرِيخِ إِلى المُنادِي
أَعاذِلَ شِكَّتِي سَيْفِي ورُمْحي ... وكُلُّ مُقَلِّسٍ سَلِسِ القِيادِ
ولَوْ لاقَيْتَنِي ومعِي سِلاحِي ... تَكَشَّفَ شَخْمُ قَلْبِكَ عن سَوادِ
أُرِيدُ حياتَهُ ويُرِيدُ قَتْلِي ... عَذِيرَكَ مِن خَلِيلِكَ مِن مُرادِ
ويَبْقَى بَعْدَ حِلْمِ القَوْمِ حِلْمِي ... ويَنْفَدُ قَبْلَ زادِ القَوْمِ زادِي
قال
أنيف بن زيان النهشليولمَّا التَقَى الصَّفَّانِ واشْتَجَرَ القَنا ... نِهالاً، وأَسْبابُ المَنايا نِهالُها
تَبَيَّنَ لِي أَنَّ القَمَاءَةَ ذِلَّةٌ، ... وأَنَّ أَعِزَّاء الرِّجالِ طِوالُها
فلمَّا أَتَيْنا السَّفْحَ مِن بَطْنِ حائِلٍ ... بحيْثُ تَلاقَى طَلْحُها وسَيالُها
دَعَوْا لِنِزارٍ، وانْتَمَيْنا لِطِّيءٍ، ... كأُسْدِ الشَّرَى إِقْدامُها ونِزالُها
ولمَّا الْتَقَيْنا بَيَّنَ السَّيْفُ بَيْنَنَا ... لِسائِلَةٍ عَنَّا حَفِيٍّ سُؤالُها
ولمَّا عَضِينا بالسُّيُوفِ تَقَطَّعَتْ ... وسائِلُ كانتْ قَبْلُ سِلْماً حِبالُها
فَوَلَّوْا، وأَطْرَافُ الرِّماحِ عَلَيْهِمُ ... قَوادِرُ، مَرْبُوعاتُها وطِوالُها
ولمَّا تَدانَوْا بالرِّماحِ تَضَلَّعَتْ ... صُدورُ القَنا مِنْهُم، وعَلَّتْ نِهالُها
قال
الفرزدق
همام بن غالب، أموي الشعرتَصَرَّمَ عَنِّي وُدُّ بَكْرِ بنِ وائِلٍ ... وما خِلْتُ مِنِّي وُدُّهُمْ يَتَصَرَّمُ
قَوارصُ تَأْتِينِي ويَحْتَقِرُونَها ... وقَدْ يَمْلأُ القَطْرُ الإِناء فَيَفْعَمُ
قال
عبيد بن أيوب
بن ضرار العنبريوطالَ احْتِضانِي السَّيْفَ، حتَّى كَأنَّما ... يُلاطُ بِكَشْحِي جَفْنُهُ وحَمائِلُهْ
أَخُو عَزَمات، صاحَبَ الجِنَّ وانْتَأَى ... عن الإِنْسِ حتَّى قد تَقَضَّتْ وسائِلُهْ
لهُ نَسَبُ الإِنْسِيِّ يُعْرَفُ نَجْرُهُ، ... ولِلْجِنِّ مِنْهُ شَكْلُهُ وشَمائِلُهُ
قال
معن بن أوس المزنيتَكَنَّفَهُ الوُشاةُ فأَزْعَجُوهُ ... ودَسُّوا مِن فَضالَةَ غَيْرَ وانِي
فَلَوْلا أَنَّ أُمَّ أُبِيهِ أُمِّي ... وأَنِّي مَنْ هَجاهُ فقَدْ هجانِي
إِذَنْ لأَصابَهُ مِنِّي هجاءٌ ... تَناقَلُهُ الرُّواةُ على لِسانِي
أُعَلِّمُهُ الرِّمايَةَ كُلَّ يَوْمٍ ... فلمَّا اشْتَدَّ ساعدُهُ رَمانِي
قال
كعب بن معدان الأشقري
أموي الشعركأَنَّ القَنا الخَطِّيَّ فِينا وفِيهمُ ... شَواطِنُ بِئْر هَيَّجَتْها المَواتِحُ
هُناك قَذَفْنا بالرِّماحِ، فما يُرَى ... مِن القَوْمِ في جَمْعِ الفَرِيقَيْنِ رامِحُ
ودُرْنا كما دَارتْ على قُطْبها الرَّحَى ... ودارَتْ على هامِ الرِّجالِ الصَّفائِحُ
قال
آخرولَمْ أَرَ كالمِقْدامِ أَبْعَدَ هِمَّةً ... وأَرْبَطَ جَأْشاً حِينَ تَخْتَلِفُ السُّمْرُ
فتىً إِنْ هو اسْتَغْنَى تَخَرَّقَ في الغِنَىوإِنْ قَلَّ مالاً لمْ يَضَعْ مَتْنَهُ الفَقْرُ
ولَسْتَ تَراهُ جازعاً لِمُصيبَة ... ولا فَرحاً بالدَّهْر إِنْ أَسْعَدَ الدَّهْرُ
قال
عبد القيس بن خفاف البرجميصَحَوْتُ وزَايَلَنِي باطِلِي ... لَعَمْرُ أَبِيكَ زِيالاً طَوِيلا
وَأَصْبَحْتُ أَعْدَدْتُ لِلنَّائِبا ... تِ عِرْضاً بَرِيئاً وغَضْباً صَقيلا
وَوَقْعَ لسانٍ كَحَدِّ السِّنانِ ... ورُمْحاً مِن الخَطِّ لدْناً طَوِيلا
وسابغَةً من جِياد الدُّرُو ... عِ تَسْمَعُ للسَّيفِ فيها صَلِيلا
كَمَتْنِ الغَدِيرِ زَفَتْهُ الدَّبُورُ ... يَجُرُّ المُدَجِّجُ مِنْها فُضولا
فهذا عَتادِي، وإِنِّي امْرُؤٌ ... أُوالِي الكَرِيمَ وأَجْفُو البَخِيلا
ونارٍ دَعَوْتُ بها الطَّارِقِي ... نَ واللَّيْلُ مُلْقٍ عَلَيْها سُدُولا
إِلى مَلِقٍ بضُيُوفِ الشِّتاءِ ... إِذا الرِّيحُ هَبَّتْ بِلَيْلٍ بَلِيلا
حَلِيمٌ، ولكنَّهُ في الحُرُوبِ ... إِذا ما تَلَظَّتْ تَراهُ جَهُولا
رَأَى أَنَّه جَزَرٌ للمَنُونِ ... ولَوْ عاشَ في الدَّهْرِ عُمْراً طَوِيلا
فطاوَعَ رائِدَهُ في الهَوَى ... وعاصَى على ما أَحَبَّ العَذُولا
قال
آخرتَراهُ كَمَتْنِ السَّيْفِ، أَصْدَأَ مَتْنَهُ ... تَقادُمُهُ، والنَّصْلُ ماضِي المضَارِبِ
تَغَرَّبَ يَبْغِي اليُسْرَ، لَيْسَ لِنَفْسِهِ ... خُصُوصاً، ولكنْ لابْنِ عَمٍّ وصاحِبِ
ومَنْ لَمْ يَزَلْ يَخْشَى العَواقِبَ لمْ يَزَلْ ... مَهيناً رَهِيناً في حِبالِ العَواقِبِ
رَأَى العَجْزَ في طُولِ الثَّواءِ بِلا غِنىً ... فأَعْمَلَ فيهِ يَعْمَلاتِ الرَّكائِبِ
وأَشْفَقَ مِن أَسْرِ التَّبَلُّدِ مُقْتِراً ... فلَمْ يُنْجِهِ إِلاَّ نَجاءُ النَّجائِب
قال
أبو تمام الطائي
في معناهأَعاذِلَتي ما أَخْشَنَ اللَّيْلَ مَرْكَباً ... وأَخْشَنُ مِنْهُ في المُلِمَّاتِ راكبُهْ
دَعِيني وأَهْوالَ الزَّمان أُفانِها ... فأَهْوالُهُ العُظْمَى تَلِيها رغَائِبُهْ
أَلَمْ تَعْلَمِي أَنَّ الزِّمَاعَ على السُّرَىأَخُو النُّجْحِ عِنْدَ النَّائِباتِ وصاحِبُهْ
وقَلْقَلَ نَأْيٌ مِنْ خُراسَانَ جَأْشَهافَقُلْتُ: اطْمَئِنِّي، أَنْضَرُ الرَّوْضِ عازِبُهْ
قال
قطري بن الفجاءة
أحد الخوارجأَقولُ لها، وقَدْ طارَتْ شعَاعاً ... مِن الأَبْطال: وَيْحكِ لا تُرَاعِي
فإِنَّكِ لو سَأَلْتِ بقَاء يَوْمٍ ... على الأَجَلِ الذي لَكِ لَنْ تُطاعي
فَصَبْراً في مَجالِ المَوْتِ صَبْراً ... فَما نَيْلُ الخُلُودِ بِمُسْتَطاعِ
ولا ثَوْبُ البقَاءِ بثَوْبِ عِزٍّ ... فيُطْوَى عن أَخِي الخَنَعِ اليَراع
سَبِيلُ المَوْتِ غايَةُ كُلِّ حَيٍّ ... فَداعِيهِ لأَهْلِ الأَرْضِ داعِي
ومَنْ لا يُعْتَبَط " ْ يَسْأَمْ ويَهْرَمْ ... وتُسْلمْهُ المَنُونُ إِلى انْقِطاعِ
وما للْمرءِ خَيْرٌ في حَياة ... إذا ما عُدَّ مِن سَقَطِ المتاع
قال
أيضاً
لا يرْكَنَنْ أَحَدٌ إِلى الإِحْجامِ ... يوْمَ الوَغَى مُتَخَوِّفاً لِحِمامِ
فلَقَدْ أَرانِي للرِّماحِ دَرِيَّةً ... مِن عن يَمِينِي مَرَّةً وأَمامِي
حتَّى خَضَبْتُ بِما تَحَدَّرَ من دَمِي ... أَكْنافَ سَرْجِي أَو عِنانَ لِجامِي
ثُمَّ انْصَرَفْتُ وقَدْ أَصَبْتُ ولَمْ أُصَبْ ... جَذَعَ البَصِيرَةِ قارِحَ الإِقْدام
قال
المثقب العبديلَعَمْرُكَ إِنَّنِي وأَبا رياحٍ ... على طُولِ التَّهاجُر مُنْذُ حِينِ
لأُبْغِضُهُ ويُبْغضُنِي وأَيْضاً ... يَرانِي دُونَهُ وأَراهُ دُونِي
فَلَوْ أَنَّا على حَجَرٍ ذُبحْنا ... جَرَى الدَّميَان بالخَبَر اليَقين
فإِمَّا أَنْ تَكُونَ أَخِي بحَقٍّ ... فأَعْرفَ منكَ غَثِّي مِن سَمِينِي
وإِلاَّ فاطَّرحْنِي واتَّخِذْنِي ... عَدُوّاً أَتَّقِيكَ وتَتَّقِينِي
وما أَدْري إِذا يَمَّمْتُ أَرْضاً ... أُريدُ الخَيْرَ أَيُّهُما يَلِينِي
أَأَلْخَيْرُ الذي أَنَا أَبْتَغِيه ... أَم الشَّرُّ الذي هو يَبْتَغِينِي
قال
العريان بن سهلة النبهاني
من طيئأَقولُ للنَّفْسِ تَأْساءً وتَعْزِيَةً ... إِحْدَى يَدَيَّ أَصابَتْنِي ولَمْ تُردِ
كِلاهُما خَلَفٌ مِن فَقْد صاحِبهِ ... هذا أَخِي حِينَ أَدْعُوهُ، وَلَدِي
قال
المتلمس عبد المسيح بن جرير
جاهليوكُنَّا إِذا الجَبَّارُ صَعَّرَ خَدَّهُ ... أَقَمْنا لهُ مِن زَيْغِهِ فَتَقَوَّما
أَمُنْتَفِلاً مِن نَصْر بُهْثَةَ خِلْتَنِيأَلاَ إِنَّنِي مِنْهُمْ وإِنْ كنتُ أَيْنَما
لِذِي الحِلمِ قَبْلَ الْيَوْمِ مَا تُقرَعُ الْعَصَاوَمَا عُلِّمَ الإِنسَانُ إِلاَّ لِيَعْلَمَا
وَلَوْ غَيْرُ أَخْوالِي أَرادُوا نَقِيصَتِيجَعَلْتُ لَهُمْ فَوْقَ العَرانِينِ مِيسَما
وما كنتُ إِلاَّ مِثْلَ قاطِعِ كَفِّهِ ... بكَفٍّ لهُ أُخْرَى، فأَصْبَحَ أَجْذَما
فلمَّا أَصابَتْ هَذِهِ حَتْفَ هَذِهِ ... فلَمْ تَجدِ الأُخْرَى عَلَيْها مُقَدَّما
فلمَّا اسْتَقادَ الكَفَّ بالكَفِّ لم يَجِدْ ... لهُ دَركاً في أَن تَبِينا فأَحْجَما
فَأَطْرَقَ إِطْراقَ الشُّجاعِ، ولَوْ يَرَى ... مساغاً لِنابَيْهِ الشُّجاعُ لَصَمَّما
أَحَارثُ إِنَّا لو تُساطُ دِماؤُنا ... تَزايَلْنَ حتَّى لا يَمَسَّ دَمٌّ دَما
وأَصْبَحْتَ تَرْجُو أَنْ أَكُونَ لِعَقْبِكُمْزَنِيماً، فما أُحْرزْتُ أَنْ أَتَكَلَّما
تُعَيِّرُنِي أُمِّي رجالٌ ولَنْ تَرَى ... أَخا كَرَم إِلاَّ بأَنْ يَتَكَرَّما
إِذا ما أَدِيمُ القَوْمِ أَنْهَجَهُ البِلَى ... فلا بُدَّ يوماً للقُوَى أَنْ تَجَذَّمَا
والأصل فيه أن عامر بن الظرب العدواني كان حكيم العرب، يقضي بينهم. فلما أسن تغير عقله وصار يخطىء في حكومته. وكان له ابن عم يتصدى موضعه. فقال له أهله: إنك ربما خلطت في حكومتك، ونحن نخاف أن يزول بنا فلان عنن هذا الأمر. فقال: فاجعلوا بيني وبينكم علامةً، إذا خلطت عرفوني من غير كلام فأنتبه لذلك. فقالوا: نقيم لك أمتك فلانة.
وكانت فهمةً لبيبةً. فكانت إِذا خلط قرعت له العصا علامة أنه قد أخطأ، فيرجع إلى فكره ويزول عن تخليطه.
قال
يزيد بن الحكم الكلابي
إسلاميدَفَعْناكُمُ بالقَوْلِ حَتَّى بَطِرْتُمُ ... وبالرَّاحِ حَتَّى كانَ دَفْعَ الأَصابِعِ
فلمَّا رَأيْنا جَهْلَكُمْ غَيْرَ مُنْتَهٍ ... وما غابَ مِن أَحْلامِكُمْ غَيْرَ راجعِ
مَسِسْنا مِن الآباءِ شَيْئاً، وكُلُّنا ... إِلى حَسَبٍ في قَوْمِهِ غير واضِعِ
فلمَّا بَلَغْنا الأُمَّهات وَجَدْتُمُ ... بَنِي عَمِّكُمْ كانُوا كِرامَ المَضاجع
ويروى أن الأمين كتب إلى المأمون: يا ابن السوداءفكتب إليه المأمون يقول:
لا تَحْقِرَنَّ امْرءًا مِن أَنْ تَكُونَ له ... أُمٌّ مِن الرُّومِ أَو سَوْداءُ عَجْماءُ
فإِنَّما أُمَّهاتُ القَوْم أَوْعيَةٌ ... مسْتَوْدَعاتٌ، وللأَحْساب آباءُ
فَرُبَّ مُعْرَبَةٍ لَيْسَتْ بمُنْجِبَةٍ ... وَرُبَّما أَنْجَبَتْ لِلْفَحْل سَوْداءُ
قال
الهيثم بن الأسود النخعي
جاهليوأَعْلَم عِلْماً ليسَ بالظَّنِّ أَنَّه ... إِذا ذَلَّ مَوْلَى المَرْءِ فهْوَ ذَلِيلُ
وأَنَّ لِسانَ المَرْءِ ما لَمْ تَكُنْ له ... حَصاةٌ على عَوَراتِهِ لَدَلِيلُ
قال
طرفة بن العبد
جاهليأًَبا منْذِرٍ أَفْنَيْتَ، فاسْتَبْق بَعْضَناحَنانَيْكَ، بَعْضُ الشَّرِّ أَهْوَنُ مِن بَعْضِ
أَبا منْذِرٍ كانتْ غُروراً صَحِيفَتِي ... ولَمْ أُعْطِكُمْ في الطَّوْعِ مالِي ولا عِرْضِي
رَدِيتُ، ونَجَّا اليَشْكُريَّ حِذارهُ ... وحادَ كما حادَ الأَزَبُّ عن الدَّحْضِ
قال
آخرسَمَوْنا لَهُمْ بالخَيْلِ تَرْدِي كأَنَّها ... سَعالٍ وعِقْبانُ اللِّوى حِينَ يُرْكَبُ
فقالُوا لَنا: إِنَّا نُرِيدُ لِقَاءكُمْ، ... فقُلْنا لَهُمْ: أَهْلٌ تَمِيمٌ ومَرْحَبُ
أَلَمْ تَعْلَمُوا أَنَّا نَفُلُّ عَدُوَّناإِذا احْشَوْشَدُوا في جَمْعِهِمْ وتَأَشَّبُوا
بِضَرْب يَفُضُّ البَيْضَ شِدَّةُ وَقْعِهِ ... ووَخْزٍ تُرَى منْهُ الأَسِنَّةُ تُخْضَبُ
قال
هدبة بن خشرم
إسلاميطَرِبْت، وأَنْتَ أَحْياناً طَرُوبُ ... وكَيْفَ! وقَدْ تَغَشَّاكَ المَشِيبُ
يُجِدُّ النَّأْيُ ذِكْرَكِ في فُؤادِي ... إِذا ذَهَلَتْ على النَّأْيِ القُلُوب
عَسَى الهَمُّ الذي أَمْسَيْتُ فِيهِ ... يكُونُ وَراءه فَرَجٌ قَريب
فَيأْمَنَ خائِفٌ، وَيُفَكَّ عانٍ، ... ويَأْتِيَ أَهْلَه الرَّجُلُ الغَرِيبُ
أَلاَ لَيْتَ الرِّياحَ مُسَخَّراتٌ ... لِحاجَتِنا تُباكِرُ أَو تَؤُوبُ
فتُخْبِرَنا الشَّمالُ إِذا أَتَتْنا ... وتُخْبِرَ أَهْلَنا عَنَّا الجَنُوبُ
بَأَنَّا قد نَزَلْنَا دارَ بَلْوى ... فتُخْطِئُنا المَنِيَّةُ أَو تُصِيبُ
فإِنْ يَكُ صَدْرُ هذا اليومِ وَلَّى ... فإنَّ غَداً لِناظِرِهِ قَرِيبُ
وقَدْ عَلِمَتْ سُلَيْمَى أَنَّ عُودِي ... على الحَدَثانِ ذُو أَيْدٍ صَلِيبُ
وَأنَّ خَلائِقِي كَرَمٌ، وأَنِّي ... إِذا أَبْدَتْ نَواجِذَها الخُطُوبُ
أُعِينُ على مَكارِمِها، وأَغْشَى ... مَكارهَها إِذا هابَ الهَيُوبُ
وإِنِّي في العَظائِمِ ذُو غَناءٍ ... وأُدْعَى للسَّماحِ فأَسْتَجِيبُ
وإِنِّي لا يَخافُ الغَدْرَ جارِي ... ولا يَخْشَى غَوائِلِيَ القَرِيبُ
على أَنَّ المَنِيَّةَ قد تُوافِي ... لِوَقْتٍ والنَّوائِبُ قد تَنُوبُ
قال
السموأل بن عاديا
جاهليويروى لعبد الملك بن عبد الرحيم الحارثي، من شعراء الدولة العباسية
إِذا المَرْءُ لَمْ يَدْنَسْ مِن اللُّؤْمِ عِرْضَهُ ... فكُلُّ رِداءٍ يَرْتَدِيهِ جَمِيلُ
وإِنْ هُو لَمْ يَحْمِلْ على النَّفْسِ ضَيْمَها ... فَلَيْسَ إلى حُسْنِ الثَّناءِ سبيلُ
وقائِلَةٍ: ما بالُ أُسْرَةِ عادِيا ... تَبارَى، وفِيهمْ قِلَّةٌ وخُمُولُ
تُعَيِّرُنا أَنَّا قَلِيلٌ عَدِيدُنا ... فقلتُ لها: إِنَّ الكِرَامَ قَلِيلُ
وما ضَرَّنا أَنَّا قَلِيلٌ وجَارُنا ... عَزِيزٌ، وجارُ الأَكْثَرِينَ ذَلِيلُ
وما قَلَّ مَنْ كانَتْ بَقاياهُ مثْلَنا ... شَبابٌ تَسامَى لِلْعُلا وَكُهُولُ
لَنا جَبَلٌ يَحْتَلُّه مَنْ نُجِيره ... مُنِيفٌ، يَردُّ الطَّرْفَ وهْوَ كَلِيلُ
رَسَا أَصْلُه تَحْتَ الثَّرَى، وسَما بِهِ ... إِلى النَّجْمِ فَرْعٌ لا يُنال طَويل
هو الأَبْلَقُ الفَرْدُ الذي سارَ ذِكْرُهُ ... يَعِزُّ على مَنْ رَامهُ فيَطُولُ
وإِنَّا لَقَوْمٌ ما نَرَى القَتْلَ سُبَّةً ... إِذا ما رَأَتْهُ عامِرٌ وَسُلُولُ
يُقَرِّبُ حُبُّ المَوْتِ آجالنَا لَنا ... وتَكْرَهُهُ آجالُهُمْ فتَطُولُ
وما ماتَ مِنَّا سَيِّدٌ حَتْفَ أَنْفِهِ ... ولا طُلَّ مِنَّا حَيْثُ كانَ قَتِيلُ
تَسِيل على حَدِّ الظُّباتِ نُفُوسنا ... ولَيْسَتْ على غَيْرِ الظُّباتِ تَسِيلُ
صَفَوْنا فَلَمْ نَكْدَرْ، وأَخْلَصَ سِرَّنا ... إِناثٌ أَطابَتْ حَمْلَنا وفُحُولُ
عَلَوْنا إِلى خَيْرِ الظُّهُورِ، وحَطَّنا ... لِوَقْتٍ إِلى خَيْرِ البُطُونِ نُزُولُ
فنَحْنُ كماءِ المُزْنِ، ما فِي نِصابِنا ... كهَامٌ، ولا فِينا يُعَدُّ بَخِيلُ
ونُنْكِرُ إِنْ شِينَا على النَّاسِ قَوْلَهُمْ ... ولا يُنْكِرُونَ القَوْلَ حِينَ نَقُولُ
إِذا سَيِّدٌ مِنَّا خَلا قامَ سَيِّدٌ ... قَؤُولٌ لِما قال الكِرامُ فَعُولُ
وما أُخْمِدَتْ نارٌ لنَا دُونَ طارِقٍ ... ولا ذَمَّنا في النَّازِلِينَ نَزِيلُ
وَأيَّامُنا مَشْهُورَةٌ في عَدُوِّنا ... لَها غُرَرٌ مَعْلُومَةٌ وحُجُولُ
وأَسْيافُنا في كُلِّ شَرْقٍ ومَغْرِبٍ ... بِها مِن قِراعِ الدَّارِعينَ فُلُولُ
مُعَوَّدَةً أَلاَّ تُسَلَّ نِصالُها ... فتُغْمَدَ حتَّى يُسْتَباحَ قَبِيلُ
سَلِي، إِنْ جَهِلْت، النَّاسَ عَنَّا وعَنْهُمُ ... فلَيْسَ سَواءً عالِمٌ وجَهُولُ
فإِنَّ بَنِي الدَّيّان قُطْبٌ لقَوْمِهِمْ ... تَدُورُ رحَاهُمْ حَوْلَهُمْ وتَجُولُ
قال
جعفر بن علبة الحارثيلا يَكْشِف الغَمَّاءَ إِلاَّ ابنُ حُرَّةٍ ... يَرَى غَمَراتِ المَوْتِ ثمَّ يَزُورُها
نُقَاسِمُهُمْ أَسْيافَنا شَرَّ قِسْمَةِ ... فَفِينا غَواشِيها وفِيهمْ صُدُورُها
قال
جرير بن عطية بن الخطفيلمَّا تَذَكَّرْتُ بالدَيْرَيْنِ أَرَّقَنِي ... صَوْتُ الدَّجاجِ وقَرْعٌ بالنَّواقِيسِ
فقلتُ للرَّكْبِ، إِذْ جَدَّ الرَّحِيل بِنا: ... يَا بُعْدَ يَبْرِينَ مِن بابِ الفَرادِيسِ
عَلَّ الهَوَى مِنْ بَعِيدٍ أَنْ يُقَرِّبَهُ ... أُمُّ النُّجومِ، ومَرُّ القَوْمِ بالعِيسِ
إِني، إِذا الشَّاعِرُ المَغْرورُ حَرَّبَنِي، ... جارٌ لِقَبْرٍ على مَرَّانَ مَرْموسِ
نَحْمِي، ونَغْتَصِب الجَبَّارَ نَجْنُبُه ... في مُحْصَدٍ مِن حِبالِ القِدِّ مَخْموسِ
وابن اللَّبونِ إِذا ما لُزَّ فِي قَرَنِ ... لَمْ يَسْتَطِعْ صَوْلَةَ البُزْلِ القَناعِيسِ
أَقْصِرْ، فإِنَّ نِزاراً لَنْ يفاخِرَهمْ ... فَرْعٌ لَئِيمٌ وأَصْلٌ غَيْر مَغْروسِ
هَلْ مِنْ حلومٍ لأَقْوامٍ فننذِرَهمْ ... ما جَرَّبَ النَّاس مِن عَضِّي وتَضْريسِي
قال
الفرزدق همام بن غالبومَغْبوقَة دونَ العِيالِ، كأَنَّها ... جَرادٌ إِذا أَجْلَى مع الفَزَعِ الفَجْرُ
تَرَكْنَ ابنَ ذِي الجَدَّيْنِ يَنْشِج مُسْنَداً ... ولَيْسَ له إِلاَّ أَلاءتَه قَبْرُ
إِذا سُوِّمَتْ للبَأْسِ أَغْشَى صُدُورَها ... أُسُودٌ عليها المَوْتُ عادَتُهَا الهَصْرُ
غَداةَ أَحَلَّتْ لابْنِ أَصْرَمَ طَعْنَةٌ ... حُصَيْنٍ عَبِبيطاتِ السَّدائِفِ والخَمْرُ
قال
ربيعة بن مقروم الصبيأَمِنْ آلِ هِنْدٍ عَرَفْتَ الرُّسُوما ... بحُمْرانَ قَفْراً أَبَتْ أَنْ تَرِيما
وَقَفْت، أُسائِلها، ناقَتِي ... وما أَنا أَمْ ما سُؤالِي الرُّسُوما
وذَكَّرَنِي العَهْدُ أيَّامَها ... فهاجَ التَّذَكُّرُ قَلْباً سَقِيما
فإِنْ تَسْأَلِينِي فإِنِّي امْرُؤٌ ... أُهِينُ اللَّئِيمَ وأَحْبُو الكَرِيما
وقَوْمِي، فإِنْ أَنْتَ كَذَّبْتَنِي ... بِقَوْلِيَ فاسْأَلْ بِقَوْمِي عَلِيما
طِوالُ الرماحِ غَداةَ الصَّباحِ ... ذَوُو نَجْدَةٍ يَمْنَعُونَ الحَرِيما
بَنو الحَرْبِ يَوْماً إِذا اسْتَلأَمُوا ... حَسِبْتَهمُ في الحَدِيدِ القُرُوما
ودارِ هَوانٍ أَنِفِنا المُقامَ ... بِها، فحَلَلْنا مَحَلاًّ كَرِيما
وثَغْرٍ مَخُوفٍ أَقَمْنا بهِ ... يَهابُ به غَيْرُنا أَنْ يُقِيما
جَعَلْنا السُّيُوفَ به والرِّماحَ ... مَعاقِلَنا والحَدِيدَ النَّظِيما
قال
زهير بن أبي سلمىيا حارِ لا أُرْمَيَنْ منكمْ بداهِيَة ... لَمْ يَلْقَها سُوقَةٌ قَبْلِبي ولا مَلِكُ
ارْدُدْ يَساراً، ولا تَعْنُفْ عَلَيَّ، ولاتَمْعَكْ بِعِرْضِكَ، إِنَّ الغادِرَ المَعِكُ
تَعَلَّمْنْ هَا لَعْمَرُ اللّهِ ذا قَسَماً ... فاقْصِدْ بذَرْعِكَ وانْظرْ أَين تَنْسَلِكُ
لَئِنْ حَلَلْتَ بجَوٍّ في بَنِي أَسَدٍ ... في دِينِ عَمْرٍو، وحالَتْ بَيْنَنَا فَدَكُ
لَيَأْتِينَّكَ مِني مَنْطِقٌ قَذَعٌ ... باقٍ، كما دَنَّسَ القُبْطِيَّةَ الوَدَكُ
وقال امروء القيس بن حجر الكندي
قولا، لدُودانَ عَبِيدِ العَصا: ... ما غَرَّكمْ بالأَسَدِ الباسِلِ
قد قَرَّتِ العَيْنانِ مِن مالِكٍ ... ومِنْ بَنِي عَمْرٍو ومِن كاهِلِ
يا راكِباً بَلِّغ إِخْوانَنا ... مَنْ كانَ مِن كِنْدَةَ أَو وائِلِ
ليَجْلِسُوا، نحن كَفَيْناهُمُ ... ضَرْبَ الجَبانِ العاجِزِ الخاذِلِ
نَطْعَنُهُمْ، سُلْكَى ومُخْلُوجَةً ... كَرَّكَ لأْمَيْنِ على نابِلِ
حَلَّتْ لِيَ الخَمْرُ وكنتُ امْرءاً ... عن شُرْبِها في شُغْلٍ شاغِلِ
فاليومَ أَشْرَبْ غَيْرَ مُسْتَحْقِب ... إثْماً مِن اللّهِ ولا واغِلِ
قال
أيضاً
أَرَى أُمَّ عَمْرٍو دَمْعُها قد تَحَدَّرا ... بُكاءً على عَمْرٍو، وما كانَ أَصْبَرا
إِذا قلتُ: هذا صاحِبٌ قد رَضِيتُهُ ... وقَرَّتْ به العَيْنانِ بُدِّلْتُ آخَرا
كذلكَ حَظي، لا أُصاحِبُ صاحِباً ... مِن النَّاسِ إِلاَّ خانَنِي وتَغَيَّرا
وكُنَّا أُناساً قَبْلَ غَزْوَةِ قَرْمَلٍ ... وَرِثْنا الغِنى والمَجْدَ أَكْبَرَ أَكْبَرَا
أَشِيمُ مَصابَ البَرْقِ، أَيْنَ مَصابُهُ ... ولا شَيْء يَشْفِي مِنْكِ يا ابْنَةَ عَفْزَرا
مِن القاصِراتِ الطَّرْفِ، لو دَبَّ مُحْوِلٌ ... مِن الذَّر فوقَ الإِتْبِ مِنْها لأَثَّرا
فدَعْها، وسَل الهَمَّ عنكَ بجَسْرَةٍ ... ذَمُولٍ إِذا صامَ النَّهارُ وهَجَّرا
تُقَطِّعُ غِيطاناً كأَنَّ مُتُونَها، ... إِذا أَظْهَرَتْ، تُكْسَى مُلاءً مُنَشَّرا
تُطايِرُ شُذَّانَ الحَصا بِمَناسِمٍ ... صِلابِ العُجَى مَلْثُومُها غَيْرُ أَمْعَرا
عَلَيْها فَتىً لَمْ تَحْمِلِ الأَرْضُ مِثْلَهُ ... أَبَرَّ بِميثاقٍ وأَوْفَى وأَصْبَرا
أَلا هَلْ أَتاها والحَوادِثُ جَمَّةٌ ... بأَنَّ امرأَ القَيْسِ بن تَمْلِكَ بَيْقَرا
تَذَكَّرْتُ أَهْلِي الصَّالِحينَ، وقَدْ أَتَتْ ... على حَمَلٍ خُوصُ الركاب وأَوْجَرا
ولمَّا بَدَتْ حَوْرانُ، والآلُ دُونَها،نَظَرْتَ، فَلَمْ تَنْظُرْ بعَيْنَيْكَ مَنْظَرا
تَقَطَّعُ أَسْبابُ اللُّبانَةِ والهَوَى ... عَشِيَّةَ جاوَزْنا حَماةَ وشَيْزَرا
بَكَى صاحِبي لمَّا رَأَى الدَّرْبَ دُونَهُ ... وأَيْقَنَ أَنَّا لاحِقانِ بقَيْصَرا
فقلتُ له: لا تَبْكِ عَيْنُكَ، إِنَّما ... نُحاوِلُ مُلْكاً أَو نَمُوتَ فَنُعْذَرا
فإِنِّي أَذِينٌ إِنْ رَجَعْتُ مُمَلَّكاً ... بسَيْرٍ تَرَى مِنْه الفُرانِقَ أَزْوَرا
على ظَهْرِ عادِيٍّ يُحارُ به القَطا ... إِذا ساقَهُ العَوْدُ الدِّيافِيُّ جَرْجَرا
لقَدْ أَنْكَرَتْنِي بَعْلَبَكُّ وأَهْلُها ... وَلاَبْنُ جُرَيْجٍ كانَ في حِمْصَ أَنْكَرا
وما جَبُنَتْ خَيْلِي، ولكنْ تَذَكَّرَتْ ... مَرابِطَها مِن بَرْ بَعِيصَ ومَيْسَرا
أَلا رُبَّ يومٍ صالحٍ قد شَهِدْتُهُ ... بِتاذِفَ ذاتِ التَّلِّ مِنْ فَوْقِ طَرْطَرا
ولا مِثْلَ يَوْمٍ في قُدارَ ظَلِلْتُهُ ... كأَنِّي وأَصْحَابِي على قَرْنِ أَعْفَرا
تَبَصَّرْ خَلِيلِي، هل تَرَى ضَوْء بارقٍ ... يُضِيءُ الدُّجَى والليلَ مِن سَرْوِ حِمْيرا
قال
أيضاً
أَلا انْعَمْ صَباحاً أَيُّها الطَّلَلُ الباليوهل يَنْعَمَنْ مَنْ كان في العُصُرِ الخالِي
وهَلْ يَنْعَمَنْ إِلاَّ سَعِيدٌ مُخَلَّدٌ ... قَلِيلُ الهُمُومِ ما يَبِيتُ بأَوْجال
وهلْ يَنْعَمَنْ مَن كان آخِرُ عَهْدِهِ ... ثلاثينَ شَهْراً في ثَلاثةِ أَحْوالِ
دِيارٌ لِسَلْمَى عافِياتٌ بِذِي الخالِ ... أَلَحَّ عَلَيْها كُلُّ أَسْحَمَ هَطَّالِ
لَيالِيَ سَلْمَى إِذْ تُرِيكَ مُنَصَّباً ... وجِيداً كجِيدِ الرِّثْمِ ليس بِمِعْطال
لَطِيفَةُ طَيِّ الكَشْحِ، غَيْرَ مُفاضَةٍ ... إذا انْحَرَفَتْ مُرْتَجَّةً غَيْرُ مِتْفالِ
كَأَنَّ على لَبّاتِها جَمْرُ مُصْطَلٍ ... أَصابَ غَضاً جَزْلاً وكُفَّ بأَجْزالِ
إِذا ما الضَّجِيعُ ابْتَزَّها مِن ثِيابِها ... تَمِيلُ عليه هَوْنَةً غَيْرَ مِجْبالِ
يُضِيءُ الفِراشَ وَجْهُها لِضَجيعِها ... كمِصْباحِ زَيْتٍ في قَنادِيلِ ذُبّالِ
أَلا زَعَمَتْ بسْباسَةُ اليومَ أَنَّنِي ... كَبرْتُ، وأَنْ لا يَشْهَدُ اللَّهْوَ أَمْثالي
كَذَبْتِ، لقَدْ أُصْبى على المَرْءِ عِرْسَهُوأَمْنَعُ عِرْسِي أَنْ يُزَنَّ بِها الخالِي
ومِثْلِكِ بَيْضاءِ التَّرائِبِ طَفْلَةٍ ... لَعُوبٍ تُنَسِّينِي إِذا قُمْتُ سِرْبالِي
تَنَوَّرْتُها مِن أَذْرِعاتٍ وأَهْلُها ... بيثْرِبَ أَدْنَى دارِها نَظَرٌ عالِ
نَظَرْتُ إِليها والنُّجُومُ كَأَنَّها ... مَصابِيحُ رُهْبانٍ تُشَبُّ لِقُفَّالِ
سَمَوْتُ إليها بَعْدَ ما نامَ أَهْلُها ... سُمُوَّ حَبابِ الماءِ حالاً على حالِ
فقالتْ سَباكَ اللّهُ إِنَّكَ فاضِحِي ... أَلَسْتَ تَرَى السُّمّارَ والنَّاسَ أَحْوالِي
فقلتُ يَمِينَ اللّهِ أَبْرَحُ قاعِداً ... ولَوْ قَطَّعُوا رَأْسِي لَدَيكِ وأَوْصالِي
فلمَّا تنازعْنا الحديث وأَسْمَحَتْ ... هَصَرْتُ بفوْدَيْ ذِي شمارِيخ مَيَّال
فصِرْنا إِلى الحُسْنَى ورَقَّ كلامُنا ... ورُضْتُ فذلَّتْ صَعْبَةً أَيَّ إِذْلالِ
حَلفْتُ لها باللّهِ حَلْفةَ فاجِرٍ ... لنامُوا فما إِنْ مِن حديثٍ ولا صال
وأَصبحتُ مَعْشُوقُا وأَصبحَ بَعْلُها ... عليه القَتامُ كاسِفَ الظَّنِّ والبالِ
يَغِطُّ غَطِيطَ البَكْرِ شُدَّ خِناقُهُ ... لِيَقْتُلَنِي، والمَرْءُ ليس بقَتَّالِ
ولَيْس بذِي سَيْفٍ فَيَقْتُلَنِي بهِ، ... وليسَ بذِي رُمْحٍ ولي بِنَبَّال
كَأَنِّي لَمْ أَرْكَبْ جَواداً لِلذَّةٍ، ... ولَمْ أَتَبَطَّنْ كاعِباً ذات خَلْخالِ
ولَمْ أَسْبَإِ الزِّقَّ الرَّوِيَّ، ولَمْ أَقُلْلِخَيْلِيَ: كُرِّي كَرَّةً، بَعْدَ إِجْفَالِ
ولَمْ أَشْهَدِ الخَيْلَ المُغِيرَةَ بالضُّحَى ... على هَيْكَلٍ فَهْدِ المَراكِلِ جَوَّالِ
سَلِيمِ الشَّظا، عَبْلِ الشَّوَى، شَنِخِ النَّسا ... ، له حَجَباتٌ مُشْرِفاتٌ على الغالِ
وصُمِّ حَوامٍ ما يَقِينَ مِن الوَجَى ... كَأنَّ مكانَ الرِّدْفِ مِنْه على رالِ
كَأَنِّي بفَتْخاءِ الجَناحَيْنِ لِقْوَةٍ ... صَيُودٍ مِن العِقْبانِ طَأْطَأْتُ شِمْلالِي
تَخَطَّفُ خِزَّانَ الأُنَيْعِمِ بالضُّحَى ... وقَدْ جَحَرَتْ مِنْها ثَعالِبُ أَوْرالِ
كأَنَّ قلُوبَ الطَّيْرِ، رَطْباً ويابِساًلَدَى وَكْرِها، العُنَّابُ والحَشَفُ البالِي
فلَوْ أَنَّ ما أَسْعَى لأَدْنَى مَعِيشَةٍ ... كَفانِي، ولَمْ أَطْلُبْ، قَلِيلٌ مِن المالِ
ولكنَّما أَسْعَى لِمَجْدٍ مُؤَثَّلٍ، ... وقَدْ يُدْركُ المَجْدَ المُؤَثَّلَ أَمْثالي
قال
حسان بن ثابت الأنصاريما أُبالِي أَنَبَّ بالحَزْنِ تَيْسٌ ... أَمْ لَحانِي بظَهْرِ غَيْبٍ لَئِيمُ
إَنَّ خالِي خَطِيبُ جابِيَةِ الجَوْ ... لانِ عِنْدَ النُّعْمانِ حينَ يَقُومُ
وأَبِي في سُمَيْحَةَ القائِلُ الفا ... صِلُ يومَ التقَتْ عليه الخُصوم
وأَنا الصَّقْرُ عِنْدَ بابِ ابنِ سَلْمَى ... يوْمَ نُعْمانُ في الكُبُولِ مُقِيمُ
وُأبَيٌّ ووافِدٌ أُطْلِقا لي ... ثُم رُحْنا وقُفْلُهُمْ مَحْطُومُ
وَسَطَتْ نِسْبَتِي الذَّوائِبَ فِيهِمْ ... كُلُّ دارٍ مِنْها أَبٌ لِي عَظِيمُ
رُبَّ حِلْمٍ أَضاعَهُ عَدَمُ الما ... لِ، وجَهْلٍ غَطَّى عليه النَّعِيمُ
وقُرَيْشٌ تَلُوذُ مِنَّا لِواذاً ... لمْ يُقِيمُوا وخَفَّ مِنْها الحُلُومُ
قال
قيس بن زهير
جاهليأَلَمْ يَأَتِيكَ، والأَنْباءُ تَنْمِي ... بما لاقَتْ لَبُونُ بَنِي زِيادِ
ومَحْبِسُها على القُرَشِيِّ تُشرَى ... بأَدْراعٍ وأَسْيافٍ حِدادِ
كما لاَقيْتُ مِن حَمَلِ بنِ بَدْر ... وإخْوَتِهِ على ذاتِ الإِصادِ
فهُمْ فَخَرُوا عليَّ بِغَيْرِ فَخْر ... ورَدُّوا، دُونَ غَايَتِهِ، جَوادِي
وكنتُ إِذا مُنِيتُ بخَصْمِ سَوْءٍ ... دَلَفْتُ له بداهِيَةٍ نَآدِ
وقَدْ دَلَفُوا إِليَّ بفِعْلِ سَوْءٍ ... فأَلْفَوْنِي لهمْ صَعْبَ القِيادِ
أُطَوِّفُ ما أُطَوِّفُ ثُم آوي ... إِلى جارٍ كجَارِ أَبِي دُؤادِ
قال
الأفوه الأودي
صلاءة بن عمرو، جاهليإِنْ تَرَىْ رَأْسِيَ فِيه قَزَعٌ ... وشَواتِي خَلَّةٌ فِيها دُوارُ
أَصْبَحَتْ مِنْ بَعْدِ لَوْنٍ واحِدٍ ... وَهْيَ لَوْنانِ، وفِي ذاكَ اعْتِبارُ
فصُرُوفُ الدَّهْرِ في أَطْباقِهِ ... خِلْفَةٌ، فِيها ارْتِفاعٌ وانْحِدارُ
بَيْنَما النَّاسُ على عَلْيائِها ... إِذْ هَوَْا في هُوَّةٍ فِيها فَغَارُوا
إِنَّما نِعْمَةُ قَوْمٍ مُتْعَةٌ ... وحَياةُ المَرْءِ ثَوْبٌ مُسْتَعار
ولَيالِيهِ إِلالٌ لِلقُوَى ... مِن مُداةٍ تَخْتَلِيها وشِفار
تَقْطَع اللَّيلةُ مِنْهُ قُوَّةً ... وكَما كَرَّتْ عليه لا تُغار
حَتَمَ الدَّهْر عَلَيْنا أَنَّهُ ... ظَلَفٌ ما نالَ مِنَّا وجُبَار
فلَه في كُلِّ يَوْمٍ عَدْوَةٌ ... لَيْس عَنْها لامرىءٍ طارَ مطَار
رَيَّشَتْ جُرْهُمٌ نَبْلاً فَرَمَى ... جُرْهُماً مِنْهُنَّ فُوقُ وغِرارُ
عَلَّمُوا الطَّعْنَ مَعَدّاً في الكُلَى ... وادِّراعَ الَّلأَمِ، فالطَّرْفُ يَحارُ
ورُكُوبَ الخَيْلِ تَعْدُو المَرَطَى ... قد عَلاها نَجَدٌ فِيه احِمْرارُ
يا بَنِي هاجَرَ ساءتْ خُطَّةً ... أَنْ تَرُومُوا النِّصْفَ مِنَّا ونُجارُ
إِنْ يَجُلْ مُهْرِيَ فيكُمْ جَوْلَةً ... فعَلَيْهِ الكَرُّ فِيكُمْ والفِرارُ
كشِهابِ القَذْفِ يَرْمِيكُمْ به ... فارِسٌ في كَفِّهِ للحَرْبِ نارُ
فارِسٌ صَعْدتُهُ مَسْمُومَقٌ ... يَخْضِبُ الرُّمْحَ إِذا طارَ الغُبارُ
مُسْتَطِيرٌ، لَيْسَ مِن جَهْلٍ، وهَلْ ... لأَخِي الحِلْمِ على الحَرْبِ وَقَارُ
يَحْلُمُ الجاهِلُ للسِّلْمِ ولا ... يَقِرُ الحِلْمُ إِذا ما القَوْمُ غارُوا
نحنُ قُدْنا الخَيْلَ حتَّى انْقَطَعَتْ ... شُدَّنُ الأَفْلاءِ عَنْها والمِهارُ
كُلَّما سِرْنا تَرَكْنا مَنْزِلاً ... فِيه شَتَّى مِن سِباعِ الأَرْضِ عَارُوا
وتَرَى الطَّيْرَ على آثارِنا ... رَأْيَ عَيْنٍ، ثِقَةً أَنْ سَتُعارُ
جَحْفَلٌ أَوْرَقُ، فيهِ هَبْوَةٌ ... ونُجُومٌ تَتَلَظَّى، وشَرارُ
قال
عمرو بن معديكرب الزبيديلَيْسَ الجَمالُ بِمِئْزَرٍ، ... فاعْلَمْ، وإِنْ رُدِّيتَ بُرْدَا
إِنَّ الجَمالَ مَعادِنٌ ... ومَناقِبٌ أَوْرَثْنَ مَجْدَا
أَعْدَدْتُ لِلحَدَثَانِ سا ... بِغَةً وعَدَّاءً عَلَنْدْى
نَهْداً، وذا شُطَبٍ يَقُ ... دُّ البَيْضَ والأَبْدَان قَدَّا
وَعِلْمِتُ أَنِّي يومَ ذا ... كَ مُنازِلٌ كَعْباً ونَهْدَا
قَوْمٌ إِذا لَبِسُوا الحَدِي ... دَ تَنَمَّرُوا حَلَقاً وقِدَّا
كُلُّ امْرِىءٍ يَجْرِي إلى ... يَوْمِ الهِياجِ بِما اسْتَعَدَّا
لَمَّا رَأَيْتُ نِساءَنا ... يَفْحَصْنَ بالمَعْزاءِ شَدَّا
وبَدَتْ لَمِيسُ كأَنَّها ... قَمَرُ السَّماءِ إِذا تَبَدّى
وبَدَتْ مَحاسِنُها التي ... تَخْفَى، وكانَ الأَمْرُ جِدّا
نازَلْتُ كَبْشَهُمُ ولَمْ ... أَرَ مِن نِزالِ الكَبْشِ بُدّا
هُمْ يَنْذِرُونَ دَمِي، وأَنْ ... ذِرُ إِنْ لَقِيتُ بأَنْ أَشُدّا
كَمْ مِن أَخٍ لِيَ صالِحٍ ... بَوَّأْتُهُ بِيَدَيَّ لَحْدا
ما إِنْ جَزِعْتُ ولا هَلِعْ ... تُ ولا يَرُدُّ بُكايَ زَنْدا
أَلْبَسْتُهُ أَثْوابَهُ ... وخُلِقْتُ، يومَ خُلِقْتُ، جَلْدا
أُغْنِي غَناء الذَّاهِبي ... نَ، أُعَدُّ لِلأَعْداءِ عَدّا
ذَهَبَ الذينَ أُحِبُّهُمْ ... وبَقِيتُ مَثْلَ السَّيْفِ فَرْدا
قال
أبو قيس
الحارث بن الأسلت الأوسيقالتْ، ولَمْ تَقْصِدْ، لِقِيلِ الخَنا ... مَهْلاً! فَقَدْ أَبْلَغْتِ أَسْماعِي
مَنْ يَذُقْ الحَرْبَ يَجِدْ طَعْمَها ... مُرَّا، وتَحْبِسْهُ بجَعْجَاع
قد حَصَّتِ البَيْضَةُ رَأْسِي، فما ... أَطْعَمُ نَوْماً غَيْرَ تَهْجَاعِ
أَعْدَدْتُ للأَعْداءِ مَوْضُونَةً ... مُفاضَةً كالنَّهَيِ بالقاعِ
هَلاَّ سَأَلْتِ القَوْمَ إِذ قَلَّصَتْ ... ما كانَ إِبْطائِي وإِسْراعِي
أَحْفِزُها عَنِّي بذِي رَوْنَقٍ ... مُهَنِّدِ كالمِلْحِ قَطَّاعِ
قد أَبْذُلُ المالَ على حُبِّهِ ... فِيهمْ، وآتِي دَعْوَةَ الدَّاعِ
وأَضْرِبُ القَوْنَسَ يومَ الوَغَى ... بالسَّيْفِ، لَمْ يَقْصُرْ به باعِي
أَسْعَى على حَيِّ بَنِي مالِكٍ ... كُلُّ امْرِىءٍ في شَأْنِهِ ساع
قال
سويد بن خذاق العبديلَنْ تَجْمَعُوا وُدِّي ومَعْتَبَتِي ... أَو يُجْمَعَ السَّيْفانِ في غَمْدِ
ومَكَرْتَ مُلْتَمِساً مَوَدَّتَنا ... والمَكْرُ مِنْكَ عَلامةُ العَمْدِ
وشَهَرْتَ سَيْفَكَ كَيْ تُحاربنَا ... فانْظُرْ لنَفْسكَ مَنْ به تُرْدِي
قال
الحصين بن الحمام المري
مخضرمتَأَخَّرْتُ أَسْتَبْقِي الحَياةَ، فَلَمْ أَجِدْلِنَفْسِي حَياةً مِثْلَ أَنْ أَتَقَدَّما
فلَسْنا على الأَعْقابِ تَدْمَى كُلُومُنا ... ولكنْ على أَقْدامِنا يَقْطُر الدَّما
نفَلِّق هاماً مِن رِجالٍ أَعِزَّةٍ ... عَلَيْنا، وهُمْ كانوا أَعَقَّ وأَظْلَما
ولمَّا رَأَيْنا الصَّبْرَ قد حِيلَ دُونَهُ، ... وإِنْ كان يَوماً ذا كَواكِبَ مُظْلِما
صَبَرْنا، فكان الصَّبْرُ مَنَّا سَجِيَّةً ... بأَسْيافِنا يَقْطَعْنَ كَفّاً ومِعْصَما
فُلسْت بمُبْتاعِ الحياةِ بسُبَّةٍ ... ولا مُرْتَقٍ من خَشْيَةِ الموْتِ سُلَّما
ولمَّا رَأَيْت الوُدَّ ليس بنافِع ... عَمَدْت إِلى الأَمْر الذي كان أَحْزَما
قال
العباس بن عبد المطلب
مخضرمأَبَى قَوْمُنا أَنْ يُنْصِفونا، فأَنْصَفَتْ ... قواطِعُ في أَيْمانِنَا تَقْطرُ الدَّما
إِذا خالَطَتْ هامَ الرِّجالِ رَأَيْتَها ... كبَيْضِ نَعامٍ في الوَغَى قد تَحَطَّما
وَزَعْناهُمُ وَزْعَ الخَوامِسِ بُكْرَةً ... بكلِّ يَمانِيٍّ إِذا عَضَّ صَمَّما
تَرَكْناهُمُ لا يَسْتَحِلُّونَ بَعْدَها ... لِذي رَحِمٍ يَوْماً مِن النَّاسِ مَحْرَما
قال
زفر بن الحارث الكلابي
إسلاميوكُنَّا حَسِبْنا كلَّ بَيْضَاء شَحْمَةً ... لَيالِيَ لاقَيْنا جُذامَ وحِمْيَرا
فلمَّا قَرَعْنا النَّبْعَ بالنَّبْعِ بَعْضَهُ ... بِبَعْضٍ أَبَتَ عِيدانهُ أَنْ تَكَسَّرا
ولمَّا لَقِينا عُصْبَةً تَغْلِبِيَّةً ... يَقودُونَ جُرْداً للمَنِيَّةِ ضمَّرا
سَقَيْناهُمُ كَأَساً، سَقَوْنا بِمِثْلِها ... ولكنَّهمْ كانوا على المَوْتِ أَصْبَرا
قيل إن منصفات العرب ثلاث، فأولها قصيدة عامروقال عامر بن أسحم بن عدي النكري، جاهلي
أَلَمْ تَرَ أَنَّ جِيرَتَنا اسْتَقَلُّوا ... فِنيَّتنا ونِيَّتهمُ فَرِيق
تَلاَقَيْنا بِسَبْسَبِ ذِي طُرَيْفٍ ... وبَعْضهمْ على بَعْضٍ حَنِيقُ
فجاءُوا عارِضاً بَرِداً، وجئْنا ... كمِثْلِ السَّيْل أَزَّ به الطَّريقُ
كَأنَّ النَّبْلَ بَيْنَهمُ جَرادٌ ... تصَفِّقهُ شآمِيَةٌ خَرِيقُ
كَأنَّ هَزِيزَنا لمَّا التَقَيْنا ... هَزِيز أَباءةٍ فِيها حَرِيقُ
بكلِّ قَرارَةٍ مِنَّا ومِنْهمْ ... بَنان فَتىً وجُمْجُمَةٌ فَلِيقُ
فكَمْ مِن سَيِّدٍ فينا وفِيهمْ ... بذي الطَّرْفاءِ مَنْطِقهُ شَهِيقُ
فأَشْبَعَنا السِّباعَ وأَشْبَعُوها ... فراحَتْ كلُّها تَئِقٌ يَفوقُ
وأَبكيْنا نِساءهُم وأَبْكَوْا ... نِساءً ما يَجِفُّ لهنَّ مُسوقُ
يُجاوِبْنَ النِّباحَ بكلِّ فَجْرٍ ... وقَدْ بَحَّتْ مِن النَّوْحِ الحُلوقُ
تَرَكْنا الأَبْيَضَ الوَضَّاحَ مِنْهمْ ... كَأنَّ سَوادَ لِمّتِهِ العُذوقُ
تَعاوَرَهُ رِماحُ بَنِي لكَيْزٍ ... فخَرَّ كأَنَّهُ سَيْفٌ ذَلِيقُ
وقَدْ قَتَلوا به مِنَّا غُلاماً ... كَرِيماً، لَمْ تأَشِّبْهُ العُرُوقُ
فلمَّا اسْتَيْقَنوا بالصَّبْر مِنَّا ... تذكِّرَتِ الأَواصِرُ والحُقوقُ
فأَبْقَيْنا، ولَوْ شِئْنا تَرَكْنا ... لُجَيْماً لا تَقُودُ ولا تَسُوقُ
قال
عبد الشارق بن عبد العزى
الجهني، جاهليأَلاَ حُيِّيتِ عَنَّا يا رُدَيْنا ... نُحَيِّيها وإِنْ عَزَّتْ عَلَيْنا
رُدَيْنَةُ لو شَهِدْتِ غَداةَ جِئْنا ... على أَضَماتِنا وقَدْ اجْتَوَبْنَا
فأَرْسَلْنا أَبا عَمْرٍو رَبيّاً ... فقال: أَلاَ انْعَمُوا بالقَوْمِ عَيْنا
ودَسُّوا فارِساً مِنْهُمْ عِشاءً ... فلَمْ نَغْدِرْ بفارِسِهمْ لَدَيْنا
فجاءُوا عارِضاً بَرِداً وجِئْنا ... كمِثْلِ السَّيْلِ نَرْكَبُ وازِعَيْنا
فنادَوْا: يا لَبُهْثَةَ، إِذْ رَأَوْنا ... فقُلْنا: أَحْسِنِي مَلاً جُهَيْنا
سَمِعْنا نَبْأَةً عن ظَهْرِ غَيْبٍ ... فجُلْنا جَوْلَةً ثُم ارْعَوَيْنا
فلمَّا أَنْ تَواقَفْنا قَلِيلاً ... أَنَخْنا لِلْكلاكِلِ فأَرْتَمَيْنا
فلمَّا لَمْ نَدَعْ قَوْساً ورمُحاً ... مَشَيْنا نَحْوَهُمْ ومَشَوا إِلَيْنا
فمَنْ يرَنَا يَقلْ: سَيْلٌ عَزِيفٌ ... نَكُرُّ عليهُمُ وهُمُ عَلَيْنا
تَلأَلُؤَ مُزْنَةٍ بَرَقَتْ لأُخْرَى ... إِذا حَجَلُوا بأَسْيافٍ رَدَيْنا
شَدَدْنا شَدَّةً فقَتَلْتُ مِنْهُمْ ... ثَلاثَةَ فِتْيَةٍ وقَتَلْتُ قَيْنا
وشَدُّوا شَدَّةً أُخْرَى فَجَرُّوا ... بأَرْجُلِ مِثْلِهِمْ ورَمَواْ جَوَيْنا
وكانَ أَخِي جُوَيْنٌ ذا حِفاظٍ ... وكان القَتْلُ لِلْفِتْيانِ زَيْنا
فآبُوا بالرِّماحِ مُكَسَّراتٍ ... وأُبْنا بالسُّيوفِ قدِ انْحَنَيْنا
وباتُوا بالصَّعِيدِ لهُمْ أُحاحٌ ... ولَوْ خَفَّتْ لنا الكَلْمَى سَرَيْنا
قال
العباس بن مرداس السلميسَمَوْنا لهُمْ سَبْعَاً وعِشْرِينَ ليلةً ... نَجُوبُ مِن الأَعْراضِ قَفْراً بسابِسَا
فلَمْ أَرَ مِثْلَ الحَيِّ حَيّاً مُصَبَّحاً ... ولا مِثْلَنا يومَ التَقَيْنا فَوارِسا
أَكَرَّ وأَحْمَى للحَقِيقةِ منهمُ ... وأَضْرَبَ مِنَّا بالسُّيوفِ القَوانِسا
إِذا ما شَدَدْنا شَدَّةً نَصَبُوا لَنا ... صُدُورُ المَذاكِي والرِّماحَ المَداعِسا
إِذا الخَيْلُ جالَتْ عن صَريعٍ نُكِرُّها ... عليهمْ، فما يَرْجِعَنَ إِلاَّ عَوابسا
وكنتُ أَمامَ القَوْمِ أَوَّلَ ضارِبٍ ... وطاعَننْتُ، إِذْ كان الطِّعانُ تَخالُسا
وكانَ شُهُودِي مَعْبَدٌ ومُخارِقٌ ... وبِشْرٌ، وما اسْتَشْهَدْتُ ِإلاَّ الأَكايِسا
ومارَسَ زَيْدٌ، ثُم أَقْصَرَ مُهْرُهُ، ... وحُقَّ له في مِثْلِها أَنْ يُمارِسا
ولَوْ ماتَ مِنْهُمْ مَنْ جَرَحْنا لأَصبح ... تْ ضِباعٌ بأَكْنافِ الأَراكِ عَرائِسا
ولكنَّهُمْ في الفارِسِيِّ، فلا تَرَى ... مِن القَوْمِ إِلاَّ في المُضاعَفِ لابِسا
فإِنْ يَقْتُلُوا مِنَّا كًمِيَّاً، فإِنَّنا ... أَبَأنا به قَتْلَى تُذِلُّ المَعاطِسا
قَتَلْنا به في مُلْتَقَى القَوْمِ خَمْسَةً ... وقاتِلَهُ زِدْنا مع اللَّيْلِ سادِسا
وكُنَّا إِذا ما الحَرْبُ شُبَّتْ نَشُبُّها ... ونَضْرِبُ فِيها الأَبْلَجَ المتُقَاعِسا
قال
أبو ثمامة العازب بن براء الضبيأَقولُ، لِمُحْرِزٍ لمَّا التَقَيْنا: ... تَنَكَّبْ، لا يُقَطِّرْكَ الزِّحامُ
أَتَسْأَلُنِي السَّوِيَّةَ وَسْطَ عَمْرٍو؟ ... أَلاَ إِنَّ السَّوِيَّةَ أَنْ تُضامُوا
فجارُكَ عِنْدَ بَيْتِكَ لَحْمُ ظَبْيٍ ... وجارىَ عِنْدَ بَيْتِي لا يُرامُ
قال
فلحس الأسودوقد ضربه مولاه
ولَوْلا عُرَيْقٌ فيَّ مِن حَبَشِيَّةٍ ... يَرُدُّ إِباقِي بَعْدَ حَوْلٍ مُجَرَّمِ
وبَعْدَ السُّرَى في كُلِّ طَخْياء حِنْدِسِ ... وبَعْدَ طُلُوعِي مَخْرِمَا بَعْدَ مَخْرِمِ
عَلمْتَ بأَنِّي خَيْرُ عَبْدٍ لنَفْسِهِ ... وأَنَّكَ عِنْدِي مَغْنَمٌ أَيُّ مَغْنَمِ
أَيَضْرِبُنِي فَرْداًن ولَوْ كان مُفْرَداً ... تَبَيَّنَ أَنَّ اللَّيْتَ غَيْرُ مُقَلَّم
قال
آخروكان أعزل فوقع عليه صاحب سيف فأخذ سلبه
فَلْو كان في كَفِّي الذي في يَمِينِهِ ... لَعادَ، كَما قد عُدْتُ، مُخْتَلَسَ الرَّحْل
ولكنْ رآنِي حاسِراً، وبكَفِّهِ ... كمِثْلِ شُعاعِ الشَّمْسِ يُومِضُ بالقَتْل
فَفازَ بأَثْوابي، وفُزْتُ بحَسْرَة ... لَها بَيْنَ أَثْناءِ الحَشا لَوْعَةٌ تَغْلِي
قال
سلمي بن ربيعة
من بني السيدزَعَمَتْ تُماضِرُ أَنَّنِي إِمَّا أَمُتْ ... يَسْدُدْ أُبَيْنُوها الأَصاغِرُ خَلَّتِي
تَرِبَتْ يَداك، وهَلْ رَأَيْتِ لقَوْمِهِ ... مِثْلِي، على يُسْرِي وحينَ تَعِلَّتِي
رَجُلاً إِذا ما النَّائِباتُ غَشِينَهُ ... أَكْفَى لمُعْضِلَةٍ وإِنْ هي جَلَّتِ
ولَقَدْ رأبت ثأي العَشِيرةِ بَيْنَها ... وكَفَيْتُ جانِيَها اللَّتَيَّا والَّتِي
وصَفَححْتُ عن ذِي جَهْلِها، ومَحَضْتُها ... نُصْحِي، ولَمْ تُصِبِ العَشِيرَةُ زَلَّتِي
وكَفَيْتُ مَوْلايَ الأَحَمَّ جَرِيرَتِي ... وحَبَسْتُ سائِمَتِي على ذِي الخَلَّةِ
ومُناخِ نازِلَةٍ كَفَيْتُ، وفارِسٍ ... نَهَلَتْ قَناتِي مِن مَطاهُ وعَلَّتِ
وإِذا العَذارَى بالدُّخانِ تَقَنَّعَتْ ... واسْتَعْجَلَتْ نَصْبَ القُدُورِ فَمَلَّتِ
دارَتْ بأَرْزاقِ العُفاهِ مَغالِقٌ ... بَيَدَىَّ مِن قَمَعِ العِشارِ الجِلَّةِ
قال
آخرلا غَرْوَ إِنَّا مَعْشَرٌ ... حامُو الحقِيقَةِ والذِّمار
نَحْمِي الحَواصِنَ إِنِّها ... قَيْدُ الكَريمِ مِن الفِرار
قال
أعرابي من ربيعة
جاهليولمَّا التَقَتْ حَلَقاتُ البطان ... ودَرَّ سَحابُ الرَّدَى فاكْفَهَرَّ
لَبِسْتُ لبَكْرٍ وأَشْياعِها ... وقَدْ حَمِسَ البَأْسُ جَلْدَ النَّمِرْ
فأَوْرَدْتُهُمْ مَوْرِداً لَمْ يَكُنْ ... لهُمْ عَنْهُ إِذْ وَرَدُوهُ صَدَرْ
فَوَلَّوْا شِلالاَ ولا يَعْلَمُونَ ... أَمَرْخٌ خيامُهُمُ أَمْ عُشَرْ
عَبادِيدَ شَتَّى أَيادِي سَبَا ... يَسوقُهُمُ عارِضٌ مُنْهَمِرْ
إِذا الغِرُّ رَوَّعَهُ ذُعْرُهُ ... ثَناهُ إِلى الحَرْبِ كَهْلُ مِكَرّ
ومَنْ رامَ بالخَفْضِ نَيْلَ العُلا ... فقَدْ رامَ مِنْه مَراماً عَسِرْ
وما العَزْمُ إِلاَّ لِمُسْتَأْثِرٍ ... إِذا هَمَّ بالأَمْرِ لَمْ يَسْتَثِرْ
وقَدْ يُنْكَبُ المَرْءُ في أَمْنِهِ ... ويَأْمَنُ مَكْرُوهَ ما يَنْتَظِرْ
وإِنِّي لأَصْفَحُ عن قُدْرَةٍ ... وأَعْذُبُ حِيناًن وحِيناً أُمِرْ
ويُعْجَمُ عُودِي إِذا رابَنِي ... مِن الدَّهْرِ رَيْبٌ فلا يَنْكَسِرْ
وأَجْزي القُرُوضَ بأَمْثالِها ... فبالخَيْر خَيْراً وبالشَرِّ شَرّ
قال
الفند الزمانيأَيَأ طَعْنَةَ ما شَيْخٍ ... كَبِيرٍ يَفَنٍ بالِ
تَفَتّيْتُ بها إِذْ كَ ... ره الشِّكَّةَ أَمْثالِي
تُقِيمُ المَأَتَمَ الأَعْلَى ... على جُهْدٍ وإِعْوالِ
كَجَيْبٍ الدِّفْنِسِ الوَرْها ... ءِ رِيعَتْ بَعْدَ إِجْفَالِ
ولَوْلا نَبْلُ عَوْضٍ في ... حُظُبَّايَ وأَوْصالِي
لَطاعَنْتُ صُدُورَ الخَيْ ... لِ طَعْناً لَيْس بالآلِي
ولا تُبْقِي صُرُوفُ الدَّهْ ... ر إنْساناً على حالِ
قال
سويد بن كراعلَئِنْ ظَفِرْتُمْ بشَيْخٍ مِن مَشاِيخِنالا يَحْمِلُ الرُّمْح والصَّمْصامَةَ الذَّكَرا
ولا يَخُوضُ غِمارَ الحَرْبِ مُنْصَلِتاً ... ولا يَرَى لِلرَّدَى ورْداً ولا صَدَرا
فكَمْ قَتَلْنا لكُمْ فِتْيانَ مَلْحَمَة ... رَأْدَ الضُّحَى، وَجَبينُ الشَّمْسِ قد ظَهَرا
قال
نفيع بن منظور الفقعسيأَبا مالِكٍ! لا يُدْرَكُ الوتْرُ بالخَنا ... ولكنْ بأَطْرافِ المُثَقَّفَةِ السُّمْرِ
قَتَلْتُمْ عُمَيْراً، لا تَعُدُّونَ غَيْرَهُ ... وكَمْ قد قَتَلْنا مِن عُمَير ومِن عَمْر
قال
أبو كبير الهذلي
جاهليولقَدْ سَرَيْتُ على الظَّلامِ بِمِغْشَمٍ ... جَلْدٍ مِن الفِتْيانِ غَيْرِ مُثَقَّلِ
مِمَّنْ حَمَلْنَ به وهُنَّ عَواقِدٌ ... حُبُكَ النِّطاق، فشَبَّ غَيْرَ مُهَبَّلِ
ومُبَرَّىءٍ مِن كُلِّ غُبَّرِ حَيْضَةٍ، ... وفَسادِ مُرْضِعةٍ، وداءٍ مُغْيلِ
حَمَلَتْ به في لَيْلَةٍ مَزْءُودَةٍ ... كَرْهاً، وعَقْدُ نِطاقِها لَمْ يُحْلَلِ
فَأَتَتْ به حُوشَ الفُؤادِ، مُبَطَّناً ... سُهُداً، إِذا ما نامَ لَيْلُ الهَوْجَلِ
فإِذا نَبَذْتَ له الحَصاةَ رَأَيْتَهُ ... ينزُو لوقعَتها طمور الأخيلِ
وإذا يهب من المنام رأيته ... كَرُتُوبِ كَعْبِ السَّاقِ ليس بزمل
ما إن يمس الأرض إلا منكب ... منه وحرف الساق طَيَّ المِحْمَلِ
وإِذا رَمَيْتَ به الفِجاجَ رَأَيْتَهُ ... يَهْوِي مَخارِمَها هُوِيَّ الأجْدَلِ
وإِذا نَظَرْتَ إشلى أَسِرَّةِ وَجْهِهِ ... بَرَقَتْ، كَبَرْقِ العارِضِ المُتَهَلِّلِ
صَعْبُ الكَرِيهَةِ، لا يُرامُ جَنابةُ ... ماضِي العَزِيمَةِ كالحُسامِ المِقْصَل
يَحْمِي الصِّحَابَ إِذا تكُونُ كَرِيهَةٌ ... وإِذا هُمُ نَزَلُوا فَمَأْوَى العُيَّل
قال
سعد بن ناشب المازني
إسلاميتُفَنِّدُنِي، فِيما تَرَى مِن شَراسَتِي ... وشِدَّةِ نَفْسِي، أُمُّ سَعْد وما تَدْرِي
فقلْتُ لَها: إِنَّ الكَرِيمَ وإِنْ حَلا، ... لَيُلْفَى على حالٍ أَمَرَّ مِن الصَّبْرِ
وفي اللِّينِ ضَعْفٌ، والشَّراسَةُ هَيْبَةٌ،ومَنْ لمْ يُهَبْ يُحْمَلْ على مَرْكَبٍ وَعْرِ
وما بِي على مَن لانَ لِي مِن فَظاظَةٍ ... ولكنَّنِي فَظٌّ أَبِيٌّ على القَسْرِ
أُقِيمُ صغَا ذِي المَيْلِ حتَّى أَرُدَّهُ ... وأَخْطِمُهُ حتَّى يَعُودَ إلى القَدْرِ
فإنْ تَعْذُلِينِي، تَعْذُلِي بِي مُرَزَّءًاكَرِيمَ نَثا الإِعْسارِ، مُشْتَرَكَ اليُسْرِ
إِذا هَمَّ أَلْقَى بَيْنَ عَيْنَيْهِ عَزْمَهُوصَمَّمَ تَصْمِيمَ السُّرَيْجِيِّ ذِي الأَثْرِ
قال
الربيع بن زياد العبسييصف الحرب
قِيدَتْ لَهُمْ فَيْلَقٌ شَهْباءُ كالِحَةٌ ... بالمَوْتِ تُمْرَى وللأَبْطالِ تَقْتَسِرُ
صَرِيفُ أَنْيابِها صَوْتُ الحَدِيدِ إِذا ... فَضَّ الحَدِيدَ بِها أَبْناؤُها الوُقُرُ
ودَرُّها المَوْتُ يَقْرِي في مَحالِبَها ... لِلْوارِدينَ يُوافِي ورْدَها الصَّدَرُ
مَنِ اقْتَراها اقْتَرَتْ كَفَّاهُ حَقَّهُما ... أَوِ اجْتلاها بَدا مِنْها لهُ عِبَرُ
في جَوِّها البِيضُ والماذِيُّ مُخْتَلِطٌ ... والجُرْدُ والمُرْدُ والخَطِّيَّةُ السُّمُرُ
حتَّى إِذا واجَهَتْها وهْيَ كالِحَةً ... شَوْهاءُ مِنْها حِمامُ المَوْتِ يُنْتَظَرُ
جاءتْ بكُلِّ كَمِيٍّ مُعْلِمٍ ذَكَرٍ ... في كَفِّه ذَكَرٌ يَسْعَى به ذَكَرٌ
مُسْتَوْرِدِينَ الوَغَى للمَوْتِ رَدُّهُم ... يَوْمَ الحِفاظِ على ذُوّادِهِمْ عَسِرٌ
لهُمْ سَرابِيل مِن ماءِ الحَدِيدِ ومِنْ ... نَضْحِ الدِّماءِ سَرابِيلٌ لَهُمْ أُخَرُ
مُظاهَرَاتٌ عليهِمْ يَوْمَ بَأْسِهمْ ... لَوْنانِ جَوْنٌ وأُخْرَى فَوْقَها حُمُرُ
في يَوْمِ حَتْفٍ يُهالُ النَّاظِرُونَ لهُ ... ما إِنْ يَبِينُ لَهُمْ شَمْسٌ ولا قَمَرُ
فالبِيضُ يَهْتِفْنَ والأَبْصارُ خاشِعَةٌ ... مِمَّا تَرَى وخُدُودُ القَوْمِ تَنْعَفِرُ
تَكْسُوُهم مرْهَفاتٌ غَيْر مخْزِيَةٍ ... يَشْفِي اخْتِلاس ظُباها مَنْ به صَعَر
هِنْدِيَّةٌ كاشْتعالِ النَّارِ يَعْصِمهُمْ ... بِها مَغاوير عن أَحْسابِهِمْ غُيرُ
قال
أدهم بن خازم الضبيبَنِي عامِرٍ أَضْرَمْتُمُ الحَرْبَ بَيْنَنَا ... وبَيْنَكُمُ بَعْدَ المَوَدَّةِ والقُرْبِ
غَدَرْتُمْ ولَمْ نَغْدِرْ، وقُمْتُمْ ولَمْ نَقُمإِلى حَرْبِنا لمَّا قَعَدْنا عن الحَرْبِ
وكُنَّا وأَنْتُمْ مِثْلَ كَفٍّ وساعِدٍ ... فصِرْنا وَأَنْتُمْ مِثْلَ شَرْقٍ إِلى غَرْبِ
فما نَسْلُبُ القَتْلَى كما قد فَعَلْتُمُولا نَمْنَعُ الأَسْرَى مِن الأَكْلِ والشُّرْب
وسَلْبُ ثِيابِ المَيْتِ عارٌ وذِلَّةٌ ... ومَنْعُ الأَسِيرِ الزَّادَ مِن أَقْبَح السَّب
قال
مالك بن مخارق العبديومَنْ يَسْلُبُ القَتْلَى، فإِنَّ قَتِيلَنا ... وإِنْ كان مَشْنُوءًا، يُجَنُّ ويُقْبَرُ
وإِنَّا لَوَرَّادُونَ في كُلِّ حَوْمَة ... إذا جَعَلَتْ صُمُّ القَنا تَتَكَسَّرُ
قال
إياس بن مالك
بن عبد الله الطائيسَمَوْنا إِلى جَيْشٍ الحَرُورِيِّ بَعْدَما ... تَناذَرَهُ أَعْرابُهُمْ والمُهاجِرُ
بجَمْعٍ تَظَلُّ الأُكْمُ ساجِدَةً لهُ ... وأَعْلامُ سَلْمَى والهِضابُ النَّوادِرُ
دَلَفْنا إِليهِمْ، والسُّيُوفُ عِصِيُّنا ... وكُلٌّ لِكُلِّ يَوْمَ ذلكَ واتِر
كِلا ثَقَلَيْنا طامِعٌ في غَنِيمَةٍ ... وقَدْ قَدَّرَ الرَّحمنُ ما هو قادِرُ
فلَمَّا أُدَّرَكْناهُمْ وقَدْ قَلَّصَتْ بِهِمْ ... إلى الحَيِّ خُوصٌ كالحَنِيِّ ضَوامِرُ
فلَمْ أَر يَوْماً كان أَكْثَرَ سالِباً ... ومُسْتَلَبَاً، والنَّقْعُ في الجَوِّ ثائِرُ
وأَكْثَرَ مِنَّا يافِعاً يَبْتَغِي العُلا ... يُضاربُ قِرْناً دَارعاً، وهْوَ حاسِرُ
فما كَلَّتِ الأَيْدِي، ولا أنْأَ طَرَا القَنا،ولا عَثَرَتْ مِنَّا الجُدُودُ العَواثِرُ
قال
زيد الخيل
بن مهلهل الطائي مخضرمبَنِي عامِرٍن هل تَعْرفُونَ إِذا غَدا ... أَبُو مُكْتِفٍ قد شَدَّ عَقْدَ الدَّوابِرِ
بجَيْشٍ تَضَلُّ البُلْقُ في حَجَراتِهِ ... تَرَى الأُكْمَ فِيه سُجَّداً لِلْحَوافِرِ
وجَمْعٍ كَمِثْلِ اللَّيلِ، مُرْتَجِسِ الوَغَى ... كَثِيرٍ تَوالِيهِ، سَرِيعِ البَوادِرِ!
أَبَتْ عادَةٌ لِلْوَرْدِ أَنْ يَكْرَهَ الوَغَى ... وحاجَةُ رُمْحِي في نُمَيْرِ بن عامِرِ
قال
رجل من محاربمَعاقِلُنا في الحَرْبِ جُرْدٌ كأَنَّها ... أَجادِلُ في جَوِّ السَّماءِ كواسِرُ
وسُمْرٌ مِن الخَطِّيِّ ذاتُ أَسِنَّةٍ ... وبِيضٌ كأَمْثالِ البُرُوق بوَاتِرُ
إِذا ما انْتَضَيْناها ليومِ كَريهَةٍ ... رَأَيْتَ له هامَ العِدَى يَتَطايَرُ
قال
الحارث بن وعلة الحرمي
جاهليوقيل وعلة بن لحارث. وقيل لابن ذئبة الثقفي. وقيل هي لكنانة ابن عبد ياليل الثقفي. وكان عبد الملك ابن مروان يتمثل بها عند جلوسه للمظالم
ما بالُ مَنْ أَسْعَى لأَجْبُرَ عَظْمَهُ ... حِفاظاً، ويَنْوِي مِن سَفاهَتِهِ كَسْري
أًظُنُّ خُطُوبَ الدَّهْرِ بَيْنِي وبَيْنَهُمْسَتَحْمِلُهُمْ مِنِّي على مَرْكَبٍ وَعْر
وإِنِّي وإِيَّاكُمْ كَمَنْ نَبَّهَ القَطاولَوْ لَمْ تُنَبَّهْ باتَتِ الطَّيْرُ لا تَسْرِي
أَعُودُ على ذِي الجَهْلِ مِنْهُمْ تَكَرُّماًبحِلْمِي، ولَوْ عاقَبْتُ ما جُرْتُ في الأَمْرِ
أَناةً وحِلْماً وانْتِظاراً بِهِمْ غَداً ... فما أَنا بالوانِي ولا الضَّرَعِ الغمْرِ
أَلَمْ تَعْلَمُوا أَنِّي تخاف عَرامَتِي ... وأَنَّ قَناتِي لا تَلِين على القَسْرِ
قال
بلعاء بن قيس الكنانيوتمثل بها المنصور
دَعَوْت أَبا لَيْلَى إِلى السِّلْمِ كَيْ يَرَىبَرَأْيٍ أَصِيلٍ، أًَو يَؤولَ إلى حِلْمِ
دَعانِي أَشُّبُ الحَرْبَ بَيْنِي وبَيْنَهُ ... فقلْتُ له: مَهْلاً، هَلُمَّ إِلى السِّلْمِ
فلمَّا أَبَى، أَرْسَلْتُ فَضْلَةَ ثَوْبِهِ ... إِلَيْه، فَلَمْ يَرْجعْ بحَزْمٍ ولا عَزْمِ
وحِينَ رَمانِيها رَمَيْتُ سَوادَهُ ... ولابُدَّ أَنْ يُرْمَى سَوادُ الذي يَرْمِي
فكانَ صَرِيعَ الخَيْلِ أَوَّلَ وَهْلَةٍ ... فبُعْداً له مُخْتارَ عَجْزٍ على عِلْمِ
إِذا أَنْتَ حَرَّكْتَ الوَغَى وشَهِدْتَها ... وأَفْلَتَّ مِنْ قَتْل، فلابُدَّ مِن كَلْمِ
وقال آخر
إِذا كان في نَفْسِ ابنِ عَمِّكَ إحْنَةٌ ... فلا تَسْتَثِرْها، سَوْفَ يَبْدُو دَفِينُها
فإِنِّي رَأَيْتُ النَّارَ تَكْمُنُ في الصَّفا ... ولابُدَّ يَوْماً أَنْ يَلُوحَ كَمِينُها
وقال تأبط شراً، ثابت بن جابر الفهمي، جاهلي
إِذا المَرْءُ لَمْ يَحْتَلْ، وقَدْ جَدَّ جِدُّهُ ... أَضاعَ، وقاسَى أَمْرَه وهْوَ مدْبِر
ولكنْ أَخُو الحَزْمِ الذي لَيْس نازلاً ... به الخَطْبُ إِلاَّ وهْوَ لِلقَصْدِ مُبْصِرُ
فذاكَ قَرِيعُ الدَّهْرِ ما عاشَ حُوَّلٌ ... إِذا سُدَّ مِنْه مَنْخِرٌ جاشَ مَنْخِرُ
أَقولُ لِلْحِيانٍ وقَدْ صَفِرَتْ لَهُمْ ... وِطابِي، ويَوْمِي ضَيِّقُ الجُحْرِ مُعْورُ
هُما خُطتَّا إِمَّا إِسارٌ ومِنَّةٌ ... وإِما دَمٌ، والقَتْلُ بالحُرِّ أَجْدَرُ
وأُخْرَى أُصادِي النَّفْسَ عَنْها وإِنَّها ... لمَوْرِدُ حَزْمٍ إِنْ فَعَلْتُ ومَصْدَرُ
فرَشْتُ لها صَدْرِي، فزَلَّ عن الصَّفا ... به جُوْءجُوءُ عَبْلٌ، ومَتْنٌ مخَصَّر
فخالَطَ سَهْلَ الأَرْضِ، لَمْ يَكْدِحِ الصَّفابه كَدْحَةً، والمَوْتُ خَزْيانُ يَنْظُرُ
فأُبْتُ إِلى فَهْم، وما كِدْتُ آيباً، ... وكَمْ مِثْلِها فارَقْتُها وهْي تَصْفرُ
قال
عبد الله بن جذل الطعان
الكناني، جاهليلَعَمْرِي لقَدْ سَحَّتْ دُمُوعُكَ سَحَّةَ ... تُبَكِّي على قَتْلَى سُلَيْمٍ وأَشْجَعا
فَهَلاَّ شُتَيْراً أَو مَعادَ بنَ خالِدبَكَيْتَ، ولَمْ يَتُْكْ لكَ الدَّهْرُ مَجْزَعا
تُبَكِّي على قَتْلَى سُلَيْمٍ سفَاهَةً ... وتَتْرُكُ مَنْ أَمْسَى مُقِيماً بصَلْفَعا
كمُرْضِعَةً أَوْلادَ أُخْرَى وضَيَّعَتْ ... بَنِيها، فَلَمْ تَرْقَعْ بذلكَ مَرْقَعا
قال
عدي بن زيد العبادي
جاهليذَرِينِي، إِنَّ أَمْرَكِ لَنْ يُطاعا ... وما أَلْفَيْتِنِي أَمْرِي مُضاعا
أَلا تلكَ الثَّعالِبُ قد تَعاوَتْ ... عليَّ، وحالَفَتْ عُرْجاً ضِياعا
فإِنْ لَمْ تَنْدَمُوا فَثَكِلتُ عَمْراً ... وهاجَرْتُ المُرَوَّقَ والسَّماعا
ولا مَلَكَتْ يَدايَ عِنانَ طِرْفٍ ... ولا أَبْصَرْتُ مِن شَمْس شُعاعا
وخُطَّةَ ماجِد كَلَّفْتُ نَفْسِي ... إِذا ضاقُوا رَحُبْتُ بها ذِراعا
قال
المنخل اليشكري
جاهليإِنْ كُنْتِ عاذِلَتِي فَسِيرِي ... نَحْوَ العِراقِ، ولا تَحُورِي
لا تَسْأَلِي عن جُلِّ ما ... لِي وآسْأَلِي كَرَمِي وخِيري
وفَوارِسٍ كأُوار حَ ... رِّ النَّارِ، أَحْلاسِ الذُّكُور
شَدُّوا دَوابِرَ بَيْضهِمْ ... في كُلِّ مُحْكَمَةِ القَتِيرِ
واسْتَلأَمُوا وتَلَبَّبُوا، ... إِنَّ التَلَبُّبَ لِلْمُغِيرِ
وعلى الجِيادِ المُضْمَرا ... تِ فَوارِسٌ مِثْلُ الصُّقُورِ
يَخْرُجْنَ مِن خَلَلِ الغُبا ... رِ يَجفْنَ بالنَّعَمِ الكَثِيرِ
يَرْفُلْنَ، في المِسْكِ الذَّكِيِّ ... وصائِكٍ كَدَمِ النَحِير
يَعْكفْنَ مِثْلَ أَساودِ ال ... تَنُّومِ لَمْ تُعْكَفْ لِزُور
أَقْرَرْتُ عَيْنِي مِن أُول ... ئِكَ والفَوائِحِ بالعَبِيرِ
فإِذا الرِّياحُ تَناوَحَتْ ... بِجوانِبِ البَيْتِ الكَسِيرِ
أَلْفَيْتَنِي هَشَّ اليَدَيْ ... نِ بَمْريِ قِدْحِي أَوْ شَجِيرِي
ولقَدْ دَخَلْتُ على الفَتَا ... ةِ الخِدْرِ في اليومِ المَطِيرِ
الكاعِبِ الحَسْناءِ تَرْ ... فُلُ في الدِّمَقْسِ وفي الحَرِيرِ
فدَفَعْتُها فَتدافَعَتْ ... مَشْيَ القَطاةِ إِلى الغَدِيرِ
ولَثَمْتُها فتَنَفَّسَتْ ... كَتَنَفُّسِ الظَّبْيِ البَهِيرِ
فدَنَتْ وقالَتْ: يا مُنَخَّ ... لُ، ما بجِسْمِكَ مِن حَرُورِ
ما شَفَّ جِسْمِي غَيْرُ حُ ... بِّكِ فاهْدَئِي عَنِّي وسِيرِي
وأُحِبُّها وتُحِبُّنِي ... ويُحِبُّ ناقَتَها بَعِيرِي
يَا رَبَّ يَومٍ لِلمُنحَّلِ ... قد لَهَا فِيهِ، قصير
ولقَدْ شَرِبْتُ مِن المُدا ... مَةِ بالصَّغِيرِ وبالكَبِيرِ
وشَرِبْتُ بالخَيْلِ الإِنا ... ثِ وبالمُطَهَّمَةِ الذُّكُورِ
فإِذا انْتَشَيْتُ فإِنَّنِي ... رَبُّ الخَورْنَق والسَديرِ
وإِذا صَحَوْتُ فإِنَّنِي ... رَبُّ الشُّوَيْهَةِ والبَعِيرِ
يا هِنْدُ مَنْ لِمُتَيَّمٍ ... يا هِنْدُ لِلْعانِي الأَسِيرِ
قال
حباب بن أفعى العجليوقِرْنٍ، قد رَأَيْتُ له، كَمِيٍّ ... فلَمْ يُدْبِرْ وأَقْبَلَ إِذْ رَآنِي
يَجُرُّ قَناتَهُ حتَّى اتَّجَهْنا ... كِلانا وارِدانِ إِلى الطِّعانِ
فأَخْطَأَ رُمْحُهُ، وأَصابَ رُمْحِي ... وما عَيَّ القِتالَ ولا أَلانِي
وإِنَّ مَنِيَّتِي قَدْ أَنْسَأَتْنِي ... إِلى أَنْ شِبْتُ، أَو ضَلَّتْ مَكانِي
قال
حرثان ذو الإصبع
العدواني، جاهليلاهِ ابن عَمِّكَ لا أَفْضَلْتَ في حَسَب ... عَنِّي، ولا أَنتَ دَيّانِي فتَخْزونِي
ولا تَقُوتُ عِيالِي يَوْمَ مَسْغَبَةٍ ... ولا بنَفْسِكَ في العَزَّاءِ تَكْفِينِي
يا عَمْرُو إِلاَّ تَدَعْ شَتْمِي ومَنْقَصَتِي ... أَضْربْكَ حيث تقولُ الهامةُ اسْقونِي
إِنِّي لَعَمْرُكَ ما بابِي بِذِي غَلَقٍ ... على الصَّدِيقِ، ولا خَيْرِي بمَمْنُون
فإِنْ ترِدْ عَرَضَ الدُّنيا بمَنْقَصَتِي ... فإِنَّ ذلكَ مِمَّا ليس يُشْجِينِي
لَوْلا أَواصِرُ قرْبَى لَسْتَ تَحْفَظها ... ورَهْبَةُ اللّهِ في مَوْلىً يُعادِينِي
إِذاً بَرَيْتكَ بَرْياً لا انْجِبارَ لَهُ ... إِنِّي رأَيْتكَ لا تَنْفَكُّ تَبْرِينِي
إِليكَ عَنِّي، فمَا أُمِّي بِراعِيَةٍ ... تَرْعَى المَخاضَ، ولا رَأْيِي بِمَغْبُونِ
إِنَّ الذي يَقْبِض الدُّنْيا ويَبْسُطها ... إِنْ كانَ أَغْناكَ عنِّي سَوْفَ يُغْنِينِي
كلُّ امْرِىءٍ راجعٌ يوماً لِشيمَتِهِ ... وإِنْ تَخَلَّقَ أَخْلاقاً إِلى حِينِ
وأَنْتُمُ مَعْشَرٌ زَيْدٌ على مائةٍ ... فأَجْمِعُوا أَمْرَكمْ كُلاً فَكِيدُونِي
فَإِنْ عَرَفْتُمْ سَبِيلَ الرُّشْدِ فانْطَلِقواوإِنْ جَهِلْتمْ سَبِيلَ الرُّشْدِ فَأْتونِي
ماذا عَلَّي، وإِن كنتمْ ذَوي رَحِمٍ ... أَلاَّ أَحِبَّكمُ إِذْ لَمْ تحِبُّونِي
واللّهِ لو كَرهَتْ كَفِّي مُصاحَبَتِي ... لقلْت، إِذْ كَرِهَتْ قرْبِي لها: بِينِي
قلْ للذي لست أَدْري مِن تَلَوُّنهِ ... أَناصِحٌ أَمْ على غِشٍّ يُداجِينِي
إِنِّي لأُكْثِرُ مِمَّا سُمْتَنِي عَجَباً ... يَدٌ تَشجُّ، وأُخرَى مِنكَ تَأْسُونِي
تَغتابُنِي عِندَ أَقوامٍ، وتَمْدَحُنِي ... في آخَرِينَ، وكلٌّ عنكَ يَأْتِينِي
لو كنتُ أَعْرِف مِنكَ الوُدَّ، هانَ له ... عليَّ بَعْضَ الذي أَصْبَحْت تولِينِي
قد كنت أُولِيكمُ مالِي، وأَمْنَحَكمْ ... وُدِّي علَى مُثبَتٍ في الصَّدْرِ مَكنونِ
لو تَشرَبُونَ دَمي لَمْ يَرْوَ شاربُكمْ ... ولا دِماؤكمْ جَمْعاً ترَوِّينِي
لا يُخرجُ الكَرْهُ مِنِّي مَأْبيَةٍ ... ولا أَلِين لمَن لا يَبْتَغِي لِينِي
ليس الصَّدِيق الذي تخشَى غَوائِلهُ ... ولا العَدُوُّ على حال بمَأْمُون
قال
سلمة بن مرة الشيباني
جاهليوكان أسر امرأ القيس بن عمرٍو، وكان سلمة قصيراً. فأطلق امرأ القيس على الفداء. فلما جاءه يطلبه، نظرت إليه بنت امرىء القيس فاحتقرته لقصره، فقال:
أَلا زَعَمَتْ بِنتُ امْرىءِ القَيْسِ أَنَّنِي ... قَصِيرٌ، وقَدْ أَعْيا أَباها قَصِيرُها
ورُبَّ طوِيلٍ قد نزعْتُ ثِيابَهُ ... وعانقتهُ، والخيْلُ تَدْمَى نحُورُها
وقدْ عَلِمتُ خَيْلُ امرىءِ القَيْسِ أَنَّنِيكَرَرْتُ، ونارُ الحَرْبِ تَغْلِي قُدُورُها
ولَوْ شَهدَتْنِي يومَ أَلْقَيْتُ كَلْكَلِي ... على شَيْخِها، ما كانَ يَبْدُو نَكِيرُها
قال
نضلة السلميوكان حقيراً دميماًن ذا عزةٍ وبأس
أَلَمْ تَسَلِ الفَوارِسَ يومَ غَوْلٍ ... بنَضْلَةَ، وهْوَ مَوْتُورٌ مُشِيحُ
رَأَوْهُ فازْدَرَوْهُ، وهْوَ حُرٌّ ... ويَنْفَعُ أَهْلَهُ الرَّجُلُ القَبِيحُ
فشَدَّ عليهُم بالسَّيفِ صَلْتاً ... كما عَنَّى الشَّبا الفَرَسُ الجَمُوحُ
وأَطْلَقَ غُلَّ صاحِبِهِ وأَرْدَى ... قَتِيلاً منهمُ ونَجا جَرِيحُ
ولَمْ يَخْشَوْا مصَالَتَهُ عليهمْ ... وتحتَ الرَّغْوَةِ اللَّبَنُ الصَّرِيحُ
قال
أبو الوليد الأنصاري
حسان بن ثابتلَعَمْرُكَ ما المُعْتَزُّ، يَأْتِي بِلادَنا ... لِنَمْنَعَهُ، بالضَّائِعِ المُتَهَضَّمِ
ولا ضَيْفُنا عِنْدَ القِرَى بمُدَفَّعٍ ... ولا جارُنا في النَّائِباتِ بمُسْلَمِ
ولا السَّيِّدُ الجَبَّارُ، حينَ يُريدُنا ... بكَيْدٍ، على أَرْماحِنا بمُحَرَّمِ
نُبِيحُ حِمَى ذي العِزِّ حينَ نَكِيدُهُ ... ونَحْمِي حِمانا بالوَشِيج المُقَوَّمِ
ونحنُ إِذا لَمْ يُبْرِمِ النَّاسُ أَمْرَهُمْ ... نكونُ على أَمْرٍ مِن الحَقِّ مُبْرَم
ولَوْ وُزِنَتْ رَضْوَى بحِلْمِ سرَاتِنا ... لَمالَ برَضْوَى حِلْمُنا ويَلَمْلَمِ
نكُون زِمامَ القائِدِينَ إِلى الوَغَى ... إِذا الفَشِلُ الرِّعْدِيدُ لَمْ يَتَقَدَّمِ
فنحنُ كذاكَ الدَّهْرَ ما هَبَّتِ الصَّبا ... نُعودُ على جُهَّالِهِمْ بالتَّحَلُّمِ
فلَوْ فَهِمُوا أَو وُقِّفُوا رُشْدَ أَمْرِهِمْلَعُدْنا عليهمْ بَعْدَ بُؤْسَى بأَنْعُمِ
قال
آخريَزِيدُ اتِّساعاً في الكَريهَةِ صَدْرَهُ ... تَضايُقُ أَطْرافِ الوَشِيجِ المُقَوَّمِ
فما شارِبٌ بَيْنَ النَّدامَى مُعَلَّلٌ ... بِأَطْرَبَ مِنْهُ بَيْنَ سَيْفٍ ولَهْذَمِ
كأَنَّ نُفُوسَ النَّاسِ في سَطَواتِهِ ... فَراشٌ تَهاوَى في حَريق مُضَرَّم
قال
المقشعر بن جديع النصريوكان قد طعن محمد بن طلحة التيمي يوم الجمل، واسم الجمل: عسكر
وأَشْعَثَ قَوَّامٍ بآياتِ رَبِّهِ ... قَلِيلِ الأَذَى فِيما تَرَى العَيْنُ مُسْلِمِ
هَتَكْتُ له بالرُّمْحِ جَيْبَ قَمِيصِهِ ... فخَرَّ صَريعاً لليَدَيْنِ وللفَمِ
يُذَكِّرُنِي حاسمِيمَ، والرُّمْحُ شاجرٌ ... فهَلاَّ تَلا حامِيمَ قَبْلَ التَّقَدُّمِ
على غَيْرِ شَيْءٍ غَيْرَ أَنْ ليس تابِعاًعَلِيَّا، ومَنْ لا يَتْبَعِ الحَقَّ يَنْدَمِ
قال
شبيب بن يزيد بن نعيم
الشيباني الشارييعير الحجاج لما هرب من غزالة امرأته وهي في تسعمائة فارس وتروى لعمران بن حطان
أَسَدٌ عليَّ وفي الحُرُوب نَعامَةٌ ... رَبْداءُ تَجْفِلُ مِن صَعِيرِ الصَّافِرِ
هَلاَّ بَرَزْتَ إِلى غَزالَةَ في الوَغَى ... بَلْ كان قَلْبُكَ في جَناحَيْ طائِرِ
صَدَعَتْ غَزالَةُ جَمْعَهُمْ بفَوارِسٍ ... جَعَلَتْ كَتائِبَهُمْ كأَمْسِ الدَّابِرِ
قال
شريك بن الأعور الحارثي
إسلاميأَيَشْتِمُنِي مُعاوِيَةُ بنُ حَرْبٍ ... وسَيْفِي صارِمٌ ومَعِي لِسانِي
وحَوْلِي مِنْ بَنِي يَمَنٍ لُيُوثٌ ... ضَراغِمَةٌ تَهَشُّ إِلى الطِّعانِ
فلا تَبْسُطْ لِسانَكَ يا ابْنَ حَرْبٍ ... فإِنَّكَ قد بَلَغْتَ مَدَى الأَمَانِ
فإِنْ تَكُ مِن أُميَّةَ في ذُراها ... فإِنِّي مِن ذُرَى عَبْدِ المَدانِ
وإِنْ تَكُ للشَّقاءِ لنا أَمِيراً ... فإِنَّا لا نُقِيمُ على الهَوانِ
مَتَى ما تَدْعُ قَوْمَكَ أَدْعُ قَوْمِي ... وتَخْتَلِفُ الأَسِنَّةُ بالطِّعانِ
قال
الأشتر النخعي
واسمه مالكابن الحارث بن عبد يغوث بن سلمة بن ربيعة
بَقَّيْتُ وَفْرى وانْحَرَفْتُ عن العُلا ... ولَقِيتُ أَضْيافِي بوَجْهِ عَبُوسِ
إِنْ لَمْ أَشُنَّ على ابْنِ حَرْبٍ غارَةً ... لَمْ تَخْلُ يوماً مِن نِهابِ نُفُوسِ
خَيْلاً كَأَمْثالِ السَّعالِي شُزَّباً ... تَعْلُو بِبيضٍ في الكَرِيهَةِ شُوسِ
حَمِيَ الحَدِيدُ عليهمُ فكأَنَّهُ ... وَمَضانُ بَرْقٍ أَو شُعاعُ شُمُوسِ
قال
أبو علي البصير
عباسيأَكْذَبْتُ أَحْسَنَ ما يَظُنُّ مُؤَمِلِّي ... وهَدَمْتُ ما شادَتْهُ لِي أَسْلافِي
وعَدِمْتُ عاداتِي التي عُوِّدْتُها ... قِدْماً مِن الإِتْلافِ والإِخْلافِ
وغَضَضْتُ مِن نارِي لِيَخْفَى ضَوْؤُها ... وقَرَيْتُ عُذْراً كاذِباً أَضْيافِي
إِنْ لَمْ أَشُنَّ على عَليٍّ حُلَّةً ... تُضْحِي قَذىً في أَعْيُنِ الأَشْرافِ
قالالقَتال الكلابي
عبادة بن مجيب بن المضرحيإِذا هَمَّ هَمّاً لَمْ يَرَ اللَّيلَ غُمَّةً ... عليهِ، ولَمْ تَصْعُبْ عليه المَراكِبُ
قَرَى الهَمَّ، إِذْ ضافَ، الزَّماعَ وأَصْبَحَتْمَنازِلُهُ تَعْتَسُّ فِيها الثَّعالِبُ
يَرَى أَنَّ بَعْدَ العُسْر يُسْراً ولا يَرَى ... إِذا كانَ يُسْرٌ أَنَّهُ الدَّهْرَ لازبُ
قال
عامر بن الطفيل العامريوإِنِّي وإِنْ كنتُ ابنَ فارِسِ بهُمَةٍ ... وفِي السِّرِّ مِنْها والصَّرِيحِ المُهَذَّبِ
فما سَوَّدَتْنِي عامِرٌ عن كَلالَةٍ ... أَبَى اللّهُ أَنْ أَسْمُو بأُمٍّ ولا أَبِ
ولكنَّنِي أَحْمِي حِماها، وأَتَّقِي ... أَذاها، وأَرْمي مَن رَماها بمِقْنَبِ
قال
بشامة بن الغدير
جاهليوَجَدْتُ أَبِي فِيهِمْ وجَدِّيَ قَبْلَهُ ... يُطاعُ ويُؤْتَى أَمْرُهُ وهْوَ مُحْتَبِ
فلَمْ أَتَعَمَّدْ للرِّياسَةِ فيهمُ ... ولكنْ أَتَتْنِي طائِعاً غَيْرَ مُتْعَبِ
قال
آخرقد قال قَوْمٌ أَعْطِهِ لِقَدِيمِهِ ... جَهِلُوا، ولكنْ أَعْطِنِي لِتَقَدُّمِي
فأَنا ابنُ نَفْسِي لا ابنُ عِرْضِيَ، أَجْتَدِي ... بالسَّيْفِ، لا برُفاتِ تلكَ الأَعْظُمِ
وقالت
كبشة بنت معديكرب
الزبيدية، جاهليةترثي أخاها عبد الله بن معد يكرب
أَرْسَلَ عبدُ اللّهِ إِذْ حانَ يَوْمُهُ ... إِلى قَوْمِهِ: لا تَعْقِلُوا لهُمُ دَمِي
ولا تَأْخُذُوا مِنْهُمْ إِفالاً وأَبْكُراً ... وأُتْرَكَ في بَيْتٍ بِصَعْدَةَ مُظْلِمِ
ودَعْ عَنْكَ عَمْراً، إِنَّ عَمْراً مُسالِمٌوهَلْ بَطْنُ عَمْرٍو غَيْرُ شِبْر لمَطْعَمِ
فإِنْ أَنْتثمُ لَمْ تَثْأَرُوا بأَخِيكُمُ ... فمَشُّوا بِآذان النَّعام المُصَلَّمِ
ولا تَشْرَبُوا إِلاَّ فُضُولَ نِسائِكُمْ ... إِذا ارْتَمَلَتْ أَعقابُهُنَّ مِن الدَّمِ
قال
سالم بن دارة
مخضرمأَيا راكِباً إِمَّا عَرَضْتَ فَبَلِّغَنْ ... على نَأْيِهمْ مِنِّي القَبائِلَ مِن عُكْلِ
فلا صُلْحَ حتى تَنْحِطَ الخَيْلُ بالقَنَا ... وتُوقَدَ نار الحَرْب بالحَطَب الجَزْل
وجُرْدٍ تَعالَى بالكُماةِ كأَنَّما ... تُلاحِظُ من غَيْظٍ بأَعْيُنِها القُبْلِ
عليها رِجالٌ جالدُوا يومَ مَنْعَجٍ ... ذَوِي التَّاجِ ضَرَّبُو المُلوكِ على وَهْلِ
بضَرْبٍ يُزِيلُ الهامَ عن سَكَناتِهِ ... وطَعْن كأَفْواهِ المُقَرِّحَةِ الهُدْل
وكُنَّا حَسِبْنا فَقْعَساً قَبْلَ هَذِه ... أَذَلَّ على وَقْعِ الهَوانِ مِن النَّعْلِ
فقَدْ نَظَرَتْ نَحْوَ السَّماءِ، وسَلَّمَتْعلى النَّاسِ واعْتاضَتْ بخِصْبٍ عن المَحْل
فإِنْ أَنتُم لَمْ تَثْأَرُوا بأَخِيكُمُ ... فكُونُوا نِساءً للخُلُوقِ ولِلكُحْلِ
وبِيعُوا الرُّدَيْنِيّاتِ بالحَلىْ، واقْعُدُواعن الحَرْبِ، واعْتاضُوا المَغازِلَ بالنَّبْلِ
قال
آخرخُذُوا العَقْلَ إِنْ أَعْطاكُمُ القَوْمُ عَقْلَكُمْوَكُونوا كَمَنْ سِيْمَ الهَوانَ فَأَرْبَعَا
ولا تُكْثِرُوا فِيها الضِّجاجَ، فإِنَّهُ مَحا ... السَّيْفُ ما قالَ ابنُ دَارَةَ أَجْمَعا
قال
عمرو بن أسد الفقعسيرَأَيْتُ مَوالِيَّ الأُلَى يَخْذُلُونَنِي ... على حَدَثانِ الدَّهْر إِذْ يَتَقَلَّبُ
فهَلاَّ أَعَدُّونِي لِمثْلِي، تَفاقَدُوا ... وفي الأَرْضِ مَبْثُوثاً شُجَاعٌ وعَقْرَبُ
وهَلاَّ أَعَدُّونِي لِمثْلِي، تَفاقَدُواإِذا الخَصْمُ أَبْزَى مائِلُ الرَّأْسِ أَنْكَبُ
فلا تَأْخُذُوا عَقْلاً مِن القَومِ، إِنَّنِي ... أَرَى العار يَبْقَى والمَعاقِل تَذْهَبُ
كأَنَّكَ لم تُسْبَقْ مِن الدَّهْرِ ليلةً ... إِذا أَنْتَ أَدْرَكْتَ الذي كنتَ تَطْلُبُ
قال
القطاميلَم تَرَ قَوْماً هُمُ شَرٌّ لإِخْوتِهِمْ ... مِنَّا، عَشِيَّةَ يَجْرِي بالدَّم الوادِي
نَقْرِيهُمُ لَهْذَمِيَّاتٍ نَقُدُّ بها ... ما كانَ خاطَ عَلَيْهِمْ كُلُّ زَرَّادِ
قال
جرير بن الخطفيكيفَ العَزاءُ، ولَمْ أَجدْ مُذْ بِنْتُمُ ... قَلْباً يَقِرُّ ولا شَراباً يَنْقَعُ
ولقَد صَدَقْتُكِ في الهَوَى، وكَذَبْتِنِي ... وخَلَبْتِنِي بمَواعِد لا تَنْفَعُ
بانَ الشَّبابَ حَمِيدَةٌ أَيَّامُهُ ... لو أَنَّ ذلكَ يُشْتَرَى أَو يَرْجِعُ
رَجَفَ العِظامُ مِن البِلَى، وتَقاذَفَتْ ... سِنِّي، وفيَّ لمُصْلِحٍ مُسْتَمَعُ
أَعْدَدْتُ للشُّعراءِ كَأْساً مُرَّةً ... عِنْدِي يُخالِطُها السِّمامُ المُنَقَعُ
هَلاَّ سَأَلْتِ بَنِي تَمِيمٍ أَيُّنا ... يَحْمِي الذِّمارَ، ويُسْتَجارُ فيَمْنَعُ
مَنْ كان يَسْتَلِبُ الجَبَابِرَ تاجَهُمْ ... ويَضُرُّ إِنْ رفِعَ الحَدِيثُ ويَنْفَعُ
زَعَمَ الفَرَزْدَقُ أَنْ سَيَقْتُلُ مَرْبعاً ... أَبْشِرْ بطُولِ سَلامَةٍ يا مَرْبَعُ
قال
معقر بن حمار البارقيأَمِنْ آلِ شَعْثاء الحُمُولُ البوَاكِرُ ... معَ الصُّبحِ قد زالَتْ بهِنَّ الأَباعِرُ
وحَلَّتْ سُلَيمَى بَينَ هَضْبٍ وأَيْكْةٍ ... فلَيْسَ عَلَيْها يومَ ذلكَ قادِرُ
فأَلْقَتْ عصاها واستَقَرَّتْ بها النَّوَى ... كما قَرَّ عَيناً بالإِياب المُسافِرُ
فصَبَّحَا أَمْلاكُها بكَتِيبَةٍ ... عَلَيها إِذا أَمسَتْ مِن اللّهِ ناظِرُ
يُفَرِّجُ عَنَّا ثَغْرَ كُلِّ مَخُوفَةٍ ... جَوادٌ كسِرْحانِ الأَباءةِ ضامِرُ
وكُلُّ طَمُوحٍ في الجراءِ كَأنَّها ... إِذا غُمِسَتْ في الماءِ فَتْخاءُ كامرُ
قال
المتلمس الضبعي
واسمه جريرفلا تَقْبَلَنْ ضَيْماً مَخافَةَ مِيتَةٍ ... ومُوتَنْ بِها حُرّاً، وجِلْدُكَ أَمْلَسُ
فمِنْ طَلَبِ الأَوْتارِ ما حَزَّ أَنْفَهُ ... قَصِيرٌ، وخاضَ الموتَ بالسَّيْفِ بَيْبَسُ
نَعامَة لمَّا صَرَّعَ القَومُ رَهطَهُ ... تَبَيَّنَ في أَثْوابِهِ كيفَ يَلْبَسُ
وما النَّاسُ إِلاَّ ما رَأَوْا وتَحَدَّثواوما العَجْز إِلاَّ أَنْ يُضامُوا فيَجْلِسُوا
قال
زيد الخيل بن مهلهل الطائي
مخضرمتَذَكَّرَ وَطْبَهُ لمَّا رآنِي ... أُقَلِّبُ صَعْدَةً مِثْلَ الهِلالِ
وأَسْلَمَ عِرْسَهُ لمَّا التَقَينَا ... وأَيْقَنَ أَنَّنا صُهْبُ السِّبالِ
فإِنْ يَبْرَأْ فلَم أَنْفِثْ عليه ... وإِنْ يَهْلِكْ فإِنِّي لا أُبالِي
وقَدْ عَلِمَتْ مَعَدٌّ أَنْ سَيفِي ... كَرِيهٌ كلَّما دُعِيَتْ نَزالِ
أُغادِيهِ بصَقْلٍ كلَّ يوم ... وأَعْجُمُهُ بِهاماتِ الرِّجالِ
قال
أيضاً
نَجَّا سلامَة والرِّماحُ شَواجِرٌ ... دَعْواهُمُ دَعْوَى بَنِي الصَّيْداءِ
لَوْلاَ ادِّعاؤهُمُ بدعوَى غَيرهِم ... ورَدَتْ نساؤهُم على الأَطْواءِ
قال
أيضاً
يا بَنِي الصَّيداءِ رُدُّوا فَرَسِي ... إِنَّما يُفْعَلُ هذا بالذَّلِيلْ
إِنَّهُ مُهْرِي وقَدْ عَوَّدتهُ ... دَلَجَ اللَّيلِ وإِبطاء القَتِيلْ
قال
أيضاً
رَأَتْنِي كأَشْلاءِ اللِّجامِ، ولَنْ تَرَىأَخا الحَرْبِ إِلاَّ أشْعَثَ اللَّوْنِ أَغْبَرا
أَخا الحَرْبِ إِنْ عَضَّتْ به الحَرْبُ عَضَّهاوإِن شَمَّرَتْ عن ساقِها الحَرْبُ شَمَّرا
قال
شداد بن معاوية العبسيفمَنْ يَك سائِلً عنِّي فإِنِّي ... وجرْوَةَ لا تباعُ ولا تعارُ
مُقَرَّبَة الشِّتاءِ ولا تَراها ... وراء الحَيِّ تَتْبَعُها المِهارُ
أَلاَ أَبْلِغْ بَنِي العُشَراءِ عنِّي ... عَلانِيَةً، وما يُغْنِي السِّرارُ
قَتَلْت سَراتَكمْ وَتَرَكْت مِنْكمْ ... خشاراً، قَلَّما نَفَعَ الخشارُ
قال
القحيف العجليأَبَيْتَ اللَّعْنَ، إِنَّ سَكابِ عِلْقٌ ... نَفِيسٌ لا تعارُ ولا تباعُ
مُفَدَّاةٌ مُكَرَّمَةٌ عَلَيْنا ... تجاعُ لها العِيالُ ولا تجاع
سَلِيلَة سابِقَيْنِ تَناجَلاها ... إِذا نسِبا يَضمُّهما الكراعُ
فلا تَطْمَعْ أَبَيْتَ اللَّعْنَ فِيها ... ومَنْعُكَها لَشَيْءٌ يُسْتَطاعُ
قال
قطري بن الفجاءةلَعَمْرُكَ إِنِّي في الحياةِ لَزاهِدٌ ... وفي العَيْشِ ما لَمْ أَلْقَ أُمَّ حَكِيمِ
مِن الخَفِراتِ البِيضِ لَمْ أَرَ مِثْلَها ... شِفاءً لِذِي داءٍ ولا لِسَقِيمِ
فلَوْ شَهِدَتْنِي يومَ دُولابَ أَبْصَرتْ ... طِعانَ فَتىً في الحربِ غَيْرِ مُلِيمِ
غَداةَ طَفَتْ عَلْماءِ بَكْرُ بن وائِلٍ ... وأُلاَّفها مِن يَحْصُبٍ وسَلِيمِ
ومالَ الحجازِيُّونَ نحوَ بلادِهمْ ... وعُجْنا صُدورَ الخيلِ نحوَ تَمِيمِ
قال
معاوية بن مالك
بن جعفر بن كلابإِذا سَقَط السَّماءُ بأَرْضِ قَوْمٍ ... رَعَيْناهُ، وإِنْ كانوا غِضابا
بِكلِّ مُقَلِّصٍ عَبْلٍ شَواهُ ... إِذا وُضِعَتْ أَعِنَّتهنَّ ثابا
ودافِعَةِ الحِزامِ بمِرْفَقَيْها ... كَشاةِ الرَّبْلِ آنَسَتِ الكِلابا
قال
الحارث بن ظالم اليربوعيرَفَعْت السَّيْفَ إِذ قالوا قرَيْشاً ... وبَيَّنْتُ الشَّمائِلَ والقبابا
فما قَوْمِي بثَعْلَبَةَ بن سَعْدٍ ... ولا بغَزارَةَ الشُّعْرِ الرِّقابا
وقَوْمِي إِنْ سَأَلْتِ بَنو لؤَيٍّ ... بمكَّةَ، عَلَّمُوا مُضَرَ الضِّرابا
أَقَمْنا للكَتائِبِ كلَّ يَوْم ... سُيوفَ المَشْرَفِيَّةِ والحِرابا
قال
الراجزإِنِّي وكلُّ شاعِرٍ مِن البَشَرْ ... شَيْطانه أُنْثَى وشَيْطانِي ذَكَرْ
فَما رآنِي شاعِرٌ إِلاَّ اسْتَتَرْ ... فِعْلَ نجومِ الليلِ عايَنَّ القَمَرْ
قال
عمرو بن عبد الجن
جاهليأَمَا ودِماءٍ مائِراتٍ تخَالها ... على قُنَّةِ العُزَّى أَوِ النَّشْرِ عَنْدَما
وما قَدَّسَ الرُّهْبان في كلِّ هَيْكَلٍ ... أَبيلَ الأَبِيلِينَ المسِيحَ بنَ مَرْيَما
لقَدْ هَزَّ منِّي عامِرٌ يومَ لَعْلَعٍ ... حُساماً، إِذا لاقَى الضَّرِيبَةَ صَمَّما
قال
قراد بن حنش الصارديإِذَأ اجْتَمَعَ العَمْران عَمْرُ وبن جابرٍ ... وبَدْرُ بن عَمْرٍو خِلْتَ ذبْيانَ تبَّعا
وأَلْقَوْا مَقالِيدَ الأُمورِ إِليهمُ ... جميعاً قِماءً كارِهِينَ وطُوَّعا
هُمُ صَلَبُوا العَبْدِيَّ في جِذْعِ نَخْلَة ... فلا عَطَسَتْ شَيبانُ إِلاَّ بأجدَعا
قال
عبيد الله بن الحر الجعفي
وقَدْ عَلِمَتْ خَيْلِي بِساباطَ أَنَّنِي، ... إِذا حِيلَ دُونَ الطَّعْنِ، غَيْرُ عَنُودِ
أَكُرُّ ورَاء المُجْحَرِينَ، وأَدَّعِي ... مَوارِيثَ آباءٍ لنا وجُدُودِ
قال
مقبل بن عبد العزى
جاهليأَيُوعُدِنِي أَبو عَمْرٍو ودُونِي ... رِجالٌ لا يُنَهْنِهُها الوَعِيدُ
رجالٌ مِن بَنِي سَهْم بن عَمْرٍو ... إِلى أَبْياتِهِمْ يَأْوِي الطَّرِيدُ
وكَيْف أَخافُ أَو أَخْشَى وَعِيداً ... ونَصْرُهُمُ إِذا أَدْعُو عَتِيدُ
قال
بشر بن صفوان الكلبي
إسلاميأَقادَتْ بنو مَرْوانَ قَيْساً دِماءنا ... وفِي اللّهِ إِنْ لمْ يُنْصِفُوا حَكَمٌ عَدْلُ
كَأَنَّكُمْ لمْ تَشْهَدُوا مَرْجَ رَاهِطٍولَمْ تَعْلَمُوا مَنْ كانَ ثَمَّ لهُ الفَضْلُ
وَقَيْناكُمُ حَرَّ القَنا بِنُحُورِنا ... ولَيْس لَكُمْ خَيْلٌ هناكَ ولا رَجْلُ
ولمَّا رَأَيْتُمْ واقِدَ الحَرْبِ قد خَبا ... وطابَ لَكُمْ مِنْها المَشارِبُ والأَكْلُ
تَناسَيْتُمُ مَسْعاتَنا وبَلاءنا ... وخامَرَكُمْ مِنْ سُوءِ بَغْيِكُمُ جَهْلُ
فلا تَعْجَلُوا إِنْ دَارَتِ الحَرْبُ بَيْنَناوَزلَّتْ عن المَوْطاةِ بالقَدَمِ النَّعلُ
قال
خداش بن زهير العامريأَلَمْ تَعْلَمِي، والعِلْمُ يَنْفَعُ أَهْلَهُ ... ولَيْس الذي يَدْري كآخَرَ لا يَدْري
بأَنَّا على سَرَّائِنا غَيْرُ جُهَّلٍ ... وأَنَّا على ضَرَّائِنا مِن ذَوي الصَّبْرِ
ونَفْرِي سَرابِيلَ الكُماةِ عليهمُ ... إِذا ما التَقَيْنا بالمُهَنَّدَةِ البُتْرِ
وقَدْ عَلِمَتْ قَيْسُ بنُ عَيْلانَ أَنَّنا ... نَحُلُّ، إِذا خافَ القَنابلُ، بالثَّغْرِ
وَنَصْبِرُ لِلمَكْرُوهِ عندَ لِقائِهِ ... فنَرْجعُ عنه بالغَنِيمَةِ والذِّكْرِ
قال
عبيد بن الأبرص الأسدي
جاهلييا ذَا المُخَوِّفُنا بِقَتْ ... لِ أَبِيهِ إِذْلالاً وحَيْنا
إِنَّا إِذا عَضَّ الثِّقا ... فُ برَأْسِ صَعَدَتِنا لَوَيْنا
نَحْمِي حَقِيقَتَنا وبَعْ ... ضُ القَوْمِ يَسْقُطُ بَيْنَ بَيْنا
هَلاَّ سَأَلْتَ جُمُوعَ كِنْ ... دَةَ يومَ وَلَّوْا أَيْنَ أَينا
أَيَّامَ نَضْرِبُ هامَهُمُ ... بِبَواتِرٍ حتَّى انْحَنَيْنا
نحنُ الأُلَى، فاجْمَعْ جُمُو ... عَكَ ثُمَّ وَجِّهْهُم إِلينا
قال
طرفة بن العبد
جاهليأَلاَ أَيُّهَا الَّلائِمِي أَحْضُرُ الوَغَىوأَنْ أَشْهَدَ اللَّذَّاتِ هل أَنتَ مُخْلِدِي
فإِنْ كنتَ لا تَسْتطِيعُ دَفْعَ مَنِيَّتِي ... فدَعْنِي أُبادِرْها بما مَلَكَتْ يَدِي
أَرَى قَبْرَ نَحَّامٍ بَخِيلٍ بِمِسالِهِ ... كقَبْرِ غَوِيٍّ في البطَالَةِ مُفْسِدِ
أَرَى المَوْتَ بَعْتامُ الكِرامَ ويَصْطَفى ... عَقِيلَةَ مالِ الفاحِشِ المُتَشَدِّدِ
أَرَى الدَّهْرَ كَنْزاً ناقِصاً كُلَّ ليلةٍوما تَنْقُصِ الأَيَّامُ والدَّهْرُ يَنْفَدِ
لَعَمْرُكَ إِنَّ المَوْت ما أَخْطَأَ الفَتى ... لكا لْطِّوَلِ المُرْخَى وثِنْياهُ باليَدِ
فما لِي أَرانِي وابنَ عَمِّيَ مالِكاً ... مَتَى أَدْنُ مِنْه يَنْأَ عنِّي ويَبْعُدِ
وقَرَّبْتُ بالقُرْبَى، وجَدِّكَ إِنَّهُ ... متَى يَكُ أَمْرٌ للنَّكِيثَةِ أشْهَدِ
وإِن أُدْعَ للجُلَّى أَكُنْ من حُماتِها ... وإِنْ يَأْتِكَ الأَعْداءُ بالجَهْدِ أَجْهَدِ
وإِنْ يَقْذِفُوا بالقَذْعِ عِرْضَكَ أَسْقِهمْبكأَسِ حِياضِ المَوْتِ قَبْلَ التَّهَدُّدِ
وظُلْمُ ذَوِي القُرْبَى أَشَدُّ مَضاضَةً ... على المَرْءِ مِن وَقْعِ الحُسامِ المُهَنَّدِ
أَنَا الرَّجلُ الضَّرْبُ الذي تَعْرِفُونَهُ ... خَشاشٌ كَرأْسِ الحَيَّةِ المُتَوَقِّدِ
فآلَيْتُ لا يَنْفكُّ كَشْحِي بِطانَةً ... لِعَضْبٍ رَقِيقِ الشَّفْرَتَيْنِ مُهَنَّدِ
حُسامٍ إِذا ما قُمْتُ مُنْتَصِراً به ... كَفَى العَوْدَ مِنْه البَدْءُ لَيْسَ بمُعْضَدِ
أَخِي ثِقَةٍ لا يَنْثَنِي عن ضَرِيبَةٍ ... إِذَا قِيلَ مَهْلاَ قال حاجزُهُ قَدِ
إِذا ابْتَدَرَ القَوْمُ السِّلاحَ وَجَدْتَنِيمَنِيعاً إِذا ابْتَلَّتْ بقائِمِهِ يَدِي
فإِنْ مُتُّ فانْعَيْنِي بما أَنا أَهْلُهُ ... وشُقِّي عليَّ الجَيْبَ يا ابنةَ مَعْبَدِ
ولا تَجْعَلِينِي كامْرِىءٍ لَيْس هَمُّهُ ... كَهَمِّي، ولا يُغْنِي غَنائِي ومَشْهَدِي
بَطِيءٍ عن الجُلَّى سَرِيعٍ إِلى الخَنا ... ذَلِيلٍ بأَجْماعِ الرِّجالِ مُلَهَّدِ
ولكننْ نَفَى عنِّي الأَعادِيَ جُرْأَتِي ... عليهمْ، وإِقْدامِي وصِدْقِي ومَحْتِدِي
ويَوْمَ حَبَسْتُ النَّءسَ عندَ عِراكِهِ ... حِفاظاً على عَوْراتِهِ والتَّهَدُّدِ
على مَوْطِنٍ يَخْشَى الفَتى عندَه الرَّدَى ... مَتَى تَعْتَرِكْ فيه الفَرائِصُ تُرْعَدِ
قال
سهم بن حنظلة الغنويوتروى لكعب بن سعد بن عمرو بن عقبة الغنوي
لا يَحْمِلَنَّكَ إِقتارٌ على زَهَدٍ ... ولا تَزَلْ في عَطاءِ اللّهِ مُرْتَغِبا
بَيْنَا الفَتى في نَعِيمٍ يَطْمَئِنُّ بهِ ... أَخْنَى ببُؤْس عليه الدَّهْرُ فانْقَلَبا
فاعْصِ العَواذِلَ، وارْمِ الليلَ عن عُرُضٍ ... بِذِي سَبِيبٍ يُقاسِي لَيْلَهُ خَبَبا
شَهْمِ الفُؤادِ، قَبِيضِ الشَّدِّ مُنْجَرِدٍفَوْتِ النَّواظِرِ، مَطْلُوباً وإِنْ طَلَبا
كالسِّمْعِ، لَمْ يَنْقُب البَيْطارُ سُرَّتَهُولَمْ يَدِجْهُ ولَمْ يَغْمِزُ لهُ عَصَبا
حتَّى تُصادِفَ مالاً، أَو يُقالَ فتىً ... لاقَى التي تَشْعَبُ الفِتْيانَ فانْشَعَبا
قال
جريبة بن الأشيم الفقعسي
أموي الشعرإِذا الخيلُ صاحَتْ صِياحَ النُّسُورِ ... جَزَزْنا شَراسِيفَها بالجِذَمْ
إِذا الدَّهْرُ عَضَّتْكَ أَنْيابُهُ، ... لَدَى الشَّرِّ، فأْزِمْ بهِ ما أَزَمْ
عَرَضْنا: نَزالِ، فلَمْ يَنْزِلُوا ... وكانتْ نَزالِ عليهمْ أَطَمْ
قال
بشر بن أبي خازم
جاهليأَتُوعِدُنِي بقَوْمِكَ يا ابنَ سُعْدَى ... وما بَيْنِي وبَيْنَكَ مِن ذِمامِ
متَى ما أَدْعُ في أَسَدٍ تُجِبْني ... مُسَوَّمَةٌ على خَيْلٍ صِيامِ
تَتابَعُ نَحو داعِيها سِراعاً ... كما انْسَلَّ الفَريدُ مِن النِّظامِ
قال
الأعشى ميمون
جاهليصَدَّتْ هُرَيْرَةُ عنَّا ما تُكلِّمُنا ... جَهْلاً بأُمِّ خُلَيْدٍ، حَبْلَ مَنْ تَصِلُ
أَأَنْ رَأَتْ رَجُلاً أَعْشَى أَضَرَّ بهِ ... رَيْبُ المَنُونِ وذَهْرٌ مُفْنِدٌ خَبلُ
قالتْ هُرَيرةُ لمَّا جئْتُ زائِرها ... وَيْلِي عليكَ، وويْلِي منكَ يا رجُلُ
وقَدْ غَدَوْتُ إِلى الحانُوتِ يتْبَعُنِي ... شاوٍ مِشَلٌّ شَلُولٌ شُلْشُلٌ شَوِلُ
في فِتْيَةٍ كسُيوفِ الهِنْدِ قد عَلِمُوا ... أَنْ هالِكٌ كُلٌّ مَنْ يَحْفَى ويَنْتَعِلُ
سائِلْ بَنِي أَسَدٍ عَنَّا فقَدْ عَلِمُوا ... أَنْ سَوْف يَأْتِيكَ مِن أَنْبائِنا شَكَلُ
إِنْ تَرْكَبُوا، فرُكُوبُ الخَيْلِ عادَتُنا ... أو تَنْزِلُوننَ، فإِنَّا مَعْشَرٌ نُزُلُ
أَبْلِغْ يَزِيدَ بنِي شَيْبانَ مَأْلُكَةً ... أَبا ثُبَيْتٍ أَمَا تَنْفَكُّ تَأْتَكِلُ
أَلَسْتَ مُنْتَهِياً عن نَحْتِ أَثْلَتِنا ... ولَسْتَ واطِئَها ما أَطَّتِ الإِبِلُ
كناطِحٍ صَخْرَةً يوماً لِيَفْلِقَها ... فلَمْ يَضْرِها، وأَوْهَى قَرْنَهُ الوَعْلُ
لَئِنْ مُنِيتُمْ بِنا عن غِبِّ مَعْرَكَةٍ ... لا تُلْفِنا مِن دِماءِ القَوْمِ نَنْتَفِلُ
أَتَنْتَهُونَ، ولا يَنْهَى ذَوِي شَطَطٍ ... كالطَّعْنِ، يَذْهبُ فيهِ الزَّيْتُ والفُتُلُ
قال
الفرزدقهَيْهَاتَ مَا سَغِبَتْ أُمَيَّةُ رَأْيَها ... فاسْتَجْهَلَتْ حُلَمَاءهَا سُفَهَاؤُهَا
حَرْبٌ تَشَاجَرَ بَيْنَهُمْ بضَغَائِن ... قد كَفَّرَتْ آباءها أَبْناؤُها
قال
آخروأَنا النَّذِيرُ إِليكُمُ مُسْوَدَّةً ... يَصِلُ الأَعَمُّ إِليكُمُ أَقْوادَها
أَبْناؤُها مُتَكَنِّفُونَ أَباهُمُ ... حَنِقُو الصُّدُورِ، وما هُمُ أَوْلادَها
قال
عمرو بن لاي بن عائذ
بن تيم اللاتيا رُبَّ مَنْ يُبْغِضُ أَذْوادَنا ... رُحْنَ على بَغْضائِهِ واغْتَدَيْنْ
لو يَنْبُتُ المَرْعَى على أَنْفِهِ ... لَرُحْنَ مِنْهُ أُصُلاً قد رَعَيْنْ
قال
المرقش الأكبرلَيْسَ على طُولِ الحياةِ نَدَمْ ... ومِنْ وَراءِ المَرْءِ ما يَعْلَمْ
لا يُبْعِدِ اللّهُ التَّلَبُّبَ وال ... غاراتِ إِذْ قالَ الخَمِيسُ: نَعَم
والعَدْوَ بَيْنَ المَجْلِسَيْن إِذا ... أَدَ العَشِيُّ وتَنادَى العَم
قال
عمرو بن الإطنابة الخزرجيإِنِّي مِن القَوْمِ الذين إِذا انْتَدَوْا ... بَدَءُوا بِحَقِّ اللّهِ ثُمَّ النَّائِلِ
المَانِعِينَ مِن الخَنا جاراتِهِمْ ... والحاشِدِينَ على طَعامِ النَّازِلِ
والعاطِفِينَ على الطِّعانِ خُيُولَهُمْ ... والنَّازِلِينَ لِضَرْبِ كُلِّ مُنازِلِ
والخالِطِينَ حَلِيفَهُمْ بِصَرِيحِهِمْ ... والباذِلِينَ عَطاءهُمْ للسَّائِلِ
والضَّارِبِينَ الكَبْشَ يَبْرُقُ بَيْضُهُ ... ضَرْبَ المُهَجْهِجِ عن حِياضِ الآبِل
والقائِلينَ فلا يُعابُ خَطِيبُهُمْ ... يومَ المَقامَةِ بالكلامِ الفاصِلِ
خُزْرٌ عُيُونُهُمُ إِلى أَعْدائِهِمْ ... يَمْشُونَ مَشْيَ الأُسْدِ تحتَ الوابِلِ
قال
عنترة بن الأخرس الطائيوتروى لبهدل بن أم قرفة الطائي وقرفة أمه واسمها فاطمة بنت ربيعة ابن بدر الفزاري
أَطِلْ حَمْلَ الشَّناءةِ لِي وبُغْضِي ... وعِشْ ما شِئْتَ، وانْظُرْ مَنْ تَضِيرُ
فما بِيَدَيْكَ خَيْرٌ أَرْتَجِيهِ ... وغَيْرُ صُدُودِكَ الخَطْبُ الكَبِيرُ
إِذا أَبْصَرْتَنِي أَعْرَضْتَ عَنِّي ... كأَنَّ الشَّمسَ مِن قِبَلِي تَدُورُ
أَلَمْ تَرَ أَنَّ شِعْريَ سارَ عنِّي ... وشِعْرُكَ حَوْلَ بَيْتِكَ لا يَسِيرُ
قال
رجل من لخميحرض الأسود اللخمي، وذلك أنه كانت حربٌ بين ملوك غسان وملوك العراق وهم لخمٍ. فظفر الغسانيون باللخميين، وقتلوا جماعةً منهم. ثم من آخر السنة التقوا في ذلك الموضع، وكان قد جمع اللخميون جمعاً عظيماً فظفروا بالغسانيين وأسروا منهم جماعةً، وأراد ملكهم الأسود بن المنذر البقيا عليهم. فقام رجلٌ من قومه وكان قد قتل أخٌ له يحرضه على قتلهم فقال:
ما كُلُّ يومٍ يَنالُ المَرْءُ ما طَلَبا ... ولا يُسَوِّغُهُ المِقْدارُ ما وَهَبا
وأَحْزَمُ النَّاسِ مَنْ إِنْ نالَ فُرْصَتَهُلَمْ يَجْعَلِ السَّبَبَ المَوْصُولَ مُقْتَضَبا
وأَنْصَفُ النَّاسِ في كُلِّ المَواطِنِ مَنْ ... سَقَى المُعادِينَ بالكَأْسِ الذي شَرِبا
ولَيْسَ يَظْلِمُهُمْ مَنْ راحَ يَضْرِبُهُمْ ... بِحَدِّ سَيْفٍ بهِ مِنْ قَبْلِهِ ضُرِبا
والعَفْوُ إِلاَّ عن الأَكْفاءِ مَكْرُمَةً ... مَن قالَ غَيْرَ الذي قد قُلْتُهُ كَذَبا
قَتَلْتَ عَمْراً، وتَسْتَبْقِي يَزِيدَ لقَدْرَأَيْتَ رَأْياً يَجُرُّ الوَيْلَ والحَرَبا
لا تَقْطَعَنْ ذَنَبَ الأَفْعَى وتُرْسِلَهاإِنْ كنتَ شَهْماً فأَلْحِقْ رَأْسَها الذَّنَبا
هُمْ جَرَّدُوا السَّيْفَ فاجْعَلْهُمْ له جَزَراًوأَضْرَمُوا النَّارَ فاجْعَلْهُمْ لها حَطَبا
واذْكُرْ لمَنْجاهُمُ مَثْوَى أَبِي كَرِبٍ ... وحَبْسَ آلِ عَدِيِّ عِنْدَهُمْ حِقَبا
أَمْسَتْ تُضَرَّبُ بالبَلْقَاءِ هامَتُهُ ... ونحنُ نَسْتَعْمِلُ اللَّذَّاتِ والطَرَبا
إِنْ تَعْفُ عنهمْ، يقولُ النَّاسُ كُلُّهُمُ ... لَمْ تَعْفُ حِلماً، ولكنْ عَفْوُهُ رَهَبا
أَنِمْ حُقُوداً لنا فِيهمْ مُماطَلَةً ... وما تَنامُ إِذا لَمْ تُنْبهِ الغَضَبا
وكانَ أَحْسَنَ مِن ذا العَفْوِ لو هَرَبُوا ... لكنَّهُمْ أَنِفُوا مِن مِثْلكَ الهَرَبا
لا عَفْوَ عن مِثْلِهِمْ في مِثْل ما طَلَبُوافإِنْ يَكُنْ ذاكَ، كانَ الهُلْكَ والعَطَبا
إِنْ حاوَلُوا المُلْكَ، قالَ النَّاسُ: حَقُّهُمُولَيْسَ طالِبُ حَقٍّ مِثْلَ مَنْ غَصَبا
هُمُ أَهِلَّة غَسَّانٍ، ومَجْدُهُمُ ... عالٍ، فإِنْ حاوَلُوا مُلْكاً فلا عَجَبا
وعَرَّضُوا بَفِدَاءٍ واصِفِينَ لنا ... خَيْلاً وإِبْلاً تَرُوقُ العُجْمَ والعَرَبا
أَيَحْلِبُونَ دَماً مِنَّا ونَحْلُبُهُمُ ... رسْلاً، لقد شَرَفُونا في الوَرَى حَلَبا
علامَ نَقْبَلُ إِبْلاً منهمُ، وهُمُ ... لا فِضَّةً قبِلُوا مِنَّا ولا ذَهَبا
اسْقِ الكِلابَ دَماً مِ، عُصْبَةٍ دَمُهُمْ ... عندَ البَرِيَّةِ تَسْتَشْفِي به الكَلَبا
لَمْ يَتْرُكُوا سَبَباً للصُّلْحِ جُهْدَهُم ... فلا تَكُنْ أَنتَ أَيضاً تارِكاً سَبَبا
لو لَمْ تَسِرْ جازَ أَنْ تَعْفُو مُحاجَزَةًواللَّيْثُ لا يُحْسِنُ البُقْيا إِذا وَثَبا
قال
لقيط بن حارثة بن معبد الإيادي
جاهلييحذر قومه من غزو كسرى ويحثهم على قتاله
يا دارَ عَمْرَةَ مِن مُحْتَلِّها الجَرَعا ... هاجَتْ لكَ الهَمَّ والأَحْزانَ والوَجَعا
بل يا أَيُّها الرَّاكِبُ المُزْجى مَطِيَّتَهُ ... إِلى الجَزِيرَةِ مُرْتاداً ومُنْتَجِعا
أَبْلِغْ إِياداً، وخَلِّلْ في سَراتِهِمُإِنِّي أَرَى الرَّأْيَ، إِنْ لَمْ أُعْصَ قد نَصَعا
يا لَهْفَ نَفْسِيَ إِنْ كانَتْ أُمُورُكُمُشَتَّى، وأُحْكِمَ أَمْرُ النَّاسِ فاجْتَمَعا
أَلاَ تَخافُونَ قَوْماً لا أَبَا لَكُمُ ... أَمْسَوا إِليكمْ كأَمْثالِ الدَّبا سِرَعا
لو أَنَّ جَمْعَهُمُ رامُوا بِهَدَّتِهِ ... شُمَّ الشَّماريخِ مِن تَهْلان لانْصَدَعا
في كُلِّ يومٍ يَسُنُّونَ الحِرابَ لكم ... لا يَهْجَعُون إِذا ما غافِلٌ هَجَعا
لا حَرْثَ يَشْغَلُهُمْ بل لا يَرَوْنَ لهمْ ... مِن دُونِ قَتْلِكُمُ رَيّاً ولا شِبَعا
وأَنتمُ تَحْرُثُونَ الأَرْضَ عن سَفَهٍ ... في كلِّ ناحيةٍ تَبْغُون مُزْدَرَعا
وتُلْقِحُونَ حِيالَ الشَّوْلِ آوِنَةً ... وتَنْتِجُونَ بدارِ القُلْعَةِ الرُّبُعا
وتَلْبَسُونَ ثِيابَ الأَمْنِ ضاحِيَةً ... لا تَجْمَعُون، وهذا الجَيْشُ قد جَمَعا
مالِي أَراكُمْ نِياماً في بُلَهْنِيَةٍ ... وقد تَرَوْنَ شِهابَ الحَرْبِ قد سَطَعا
وقَدْ أَظَلَّكُمُ مِن شَطْرِ ثَغْرِكُمُ ... هَوْلٌ، له ظُلَمٌ، تَغْشاكُمُ قِطَعا
صُونُوا جِيادَكُمُ، واجْلُوا سُيُوفَكُمُ ... وجَدِّدُوا للقِسِيِّ النَّبْلَ والشِّرَعا
واشْرُوا تِلادَكُمُ في حِرْزِ أَنْفُسِكُمْ ... وحِرْزِ نِسْوَتِكُمْ لا تَهْلِكُوا جَزَعا
أَذْكُوا العُيُونَ وَراء السَّرْحِ، واحْتَرِسُواحتَّى تُرَى الخَيْلُ مِن تَعْدائِها رُجُعا
لا تُثْمِرُوا المالَ للأَعْداءِ إنَّهمُ ... إنْ يَظْهَرُوا يَحْتَوُوكُمْ والتِّلادَ مَعا
هَيْهاتَ ما زالتِ الأَمْوالُ مُذْ أَبَدٍ ... لأَهْلِها إِنْ أجِيبُوا مَرَّةً تَبَعا
قُومُوا قِياماً على أَمْشاطِ أَرْجُلِكُمْثُمَّ افْزَعُوا، قد يَنالُ الأَمْرَ مَن فَزِعا
وَقَلِّدُوا أَمْرَكُمُ، للّهِ دَرُّكُمُ، ... رَحْبَ الذِّراعِ، بأَمْرِ الحربِ مُضْطَلِعا
لا مُتْرَفاً إِنْ رَخاءُ العَيْشِ ساعَدَهُ ... ولا إِذا عَضَّ مَكْرُوهٌ بهِ خَشَعا
مُسَهَّدُ النَّوْمِ، تَعْنِيهِ أُمورُكُمُ ... يَرُومُ فِيها إلى الأَعْداءِ مُطَّلَعا
ما انْفَكَّ يَحْلُبُ هذا الدَّهْرَ أَشْطُرَهُ ... يكُونُ مُتَّبَعاً يوماً ومُتَّبِعا
لا يَطْعَمُ النَّومَ إِلاَّ رَيْثَ يَحْفِزُهُ ... هَمٌّ، يكَأدُ شَباهُ يَحْطِمُ الضِّلَعا
حتَّى اسْتَمَرَّتْ على شَزْرٍ مَرِيرَتُهُمُسْتَحْكِمُ الرَّأْيِ، لا قَحْماً ولا ضرَعا
عَبْلَ الذِّراعِ أَبِيّاً ذا مُزابَنَةٍ ... في الحَرْبِ يَحْتَبِلُ الرِّنْبالَ والسَّبُعا
لقَدْ مَحَنْتُ لكمْ وُدِّي بِلا دَخَلٍفاسْتَيْقِظُوا، إِنَّ خَيْرَ العِلْمِ ما نَفَعا
قال
سديف بن ميمون
مولى السفاحأَصْبَحَ المُلْكُ ثابِتَ الآساسِ ... بالبَهالِيلِ مِن بَنِي العَبَّاسِي
يا كَريمَ المُطَهَّلاِينَ مِن الرِّجْ ... سِ ويا راسَ كُلِّ طَوْدٍ وارسِ
أَنتَ مَهْدِيُّ هاشِمٍ وهُداها ... كَم أُناسٍ رَجَوْكَ بَعْدَ أُناسِ
لا تُقِيلَنَّ عَبْدَ شَمْسٍ عِثاراً ... وارْمِها بالمَنُونِ والإِتْعاسِ
ذُلُّها أَظْهَرَ التَّوَدُّدَ مِنْها ... وبها منكمُ كَحَزِّ المَواسِي
ولقَدْ ساءَنِي وساء سَوائِي ... قُرْبُها مِن نَمارِقٍ وكَراسِ
لا تَلِينُوا لقَوْلِها وازْجُرُوها ... فالدَّواهِي تُجَنُّ بالأَحْلاسِ
أَنْزِلُوها بحيثُ أَنْزَلَها اللَّ ... هُ بدارِ الهَوانِ والإِنْكاسِ
واذْكُرُوا مَصْرَعَ الحُسَيْنِ وزَيْدٍ ... وقَتِيلاً بجانِبِ المِهْراسِ
والقَتِيلَ الذي بِحَرَّانَ أَضْحَى ... ثاوِياً بَيْنَ غُرْبَةٍ وتَناسِ
نِعْمَ شِبْلُ الهِراشِ مَوْلاكَ شِبْلٌ ... لو نَجا مِن حَبائِلِ الإِفْلاسِ
قال
أيضاً
يا ابنَ عَمِّ النَّبِيِّ أَنتَ ضِياءُ ... اسْتَبَنَّا بكَ المُبِينَ الجَلِيَّا
جَرِّدِ السَّيْفَ، وارْفَعِ السَّوْطَ حتَّى ... لا تَرَى فوقَ ظَهْرِها أُمَوِيَّا
لا يَغُرَّنْكَ ما تَرَى مِن رِجالٍ ... إِنَّ تحتَ الضُّلُوعِ داءً دَوِيَّا
بَطَنَ البُغْضُ في القَدِيمِ، فأَضْحَى ... ثاوِياً في قُلُوبِهِمْ مَطْويَّا
قال
عبد يغوث بن وقاص الحارثي
جاهليوكان قد أسرته تميم فشدوا لسانه بنسعةٍ، خوفاً أن يهجوهم، إلا في وقت أكله وشربه.
فقال: أطلقوا لساني حتى أذم قومي واقتلوني قتلة كريمةً بأن تسقوني خمراً وتقطعوا الأكحلين مني فأنزف حتى أموت، ففعلوا فقال في ذلك:
أَلاَ لا تَلُومانِي كَفَى اللَّوْمَ ما بِيا ... فما لَكُما في اللَّوْمِ خَيْرٌ ولا لِيا
أَلَمْ تَعْلَما أَنَّ المَلامَةَ نَفْعُها ... قَلِيلٌ، وما لَوْمِي أَخِي مِن شِمالِيا
فيا راكِباً إِمَّا عَرَضْتَ فبَلِّغَنْ ... نَدامايَ مِن نَجْرانَ أَلاَّ تَلاقِيا
أَقولُ، وقَدْ شَدُّوا لِسانِي بنِسْعَة: ... مَعاشِرَ تَيْمٍ أَطْلِقُوا عن لِسانِيا
مَعاشِرَ تَيْمٍ قد مَلَكْتُمْ فأَسْجِحُوا ... فإِنَّ أَخاكُمْ لَمْ يكُنْ مِن بَوائِيا
وتَضْحَكُ منِّي شَيْخَةٌ عَبْشَمِيَّةٌ ... كأَنْ لَمْ تَرَى قَبْلِي أَسِيراً يَمانِيا
كأَنِّي لمْ أَرْكَبْ جَواداًن ولَمْ أَقُلْ ... لخَيْلِيَ: كُرِّي قاتِلِي مِن وَرائِيا
ولَمْ أَسْبَأ الزِّقَّ الرَّوِيَّ، ولَمْ أَقُلْلأَيْسارِ صِدْقٍ: أَعْظِمُوا ضَوْءَ نارِيا
وقد عَلِمْتْ عِرْسِي مُلَيْكَةُ أَنَّنِي ... أَنا اللَّيْثُ مَعْدُوّاً عليه وعادِيا
وقد كُنتُ نَحَّارَ الجَزُورِ ومُعْمِلَ ال ... مَطِيِّ، وأَمْضِي حيثُ لا خَلْقَ ماضِيا
وأَنْحَرُ للشَّرْبِ الكرامِ مَطِيَّتِي ... وأَقْسِمُ بينَ القَيْنَتَيْن ردائِيا
وعادِيَةٍ سَوْمَ الجَرادِ وَزَعْتُها ... بكَفِّي، وقَدْ أَنْحَوْا إِليَّ العَوالِيا
تَطَلُّ نِساءُ التَّيْمِ حَوْلِي رَواكِداً ... يُراوِدْنَ منِّي ما تُرِيدُ نِسائِيا
وكنتُ، إِذا ما الخيلُ شَمَّصَها القَنا ... ، لَبيقاً بتَصْرِيفِ القَناةِ بَنانِيا
قال
عمرو بن الأهتم المنقريجَزَى اللّهُ خَيْراً مِنْقَراً مِن قَبِيلةٍ ... إِذا الموتُ بالموتِ ارْتَدَى وتَأَزَّرا
دَعَوْتُهُمُ فاسْتَعْجَلُونِي بنَصْرِهِمْ ... إِليَّ غِضاباً يَنْفُنُونَ السَّنَوَّرا
قال
الأشهب بن رميلة النهشليوما نَفَى عنكَ قَوْماً أَنتَ خائِفُهُمْ ... كمِثْلِ وَقْمِكَ جُهَّالاً بجُهَّالِ
فاقعَس إِذا حَدِبُوا، واحْدَبْ إِذا قَعَسُوا ... وَوازِنِ الشَّرَّ مِثْقالاً بمِثْقالِ
قال
الشنقري الأزدي
جاهليلا تَقْبُرُونِي إِنَّ قَبْرِي مُحَرَّمٌ ... عليكمْ، ولكنْ أَبْشِرِي أُمَّ عامِرِ
إِذا احْتُمِلَتْ رَأْسِي، وفي الرَّأْسِ أَكْثرِي وغُودِرَ عندَ المُلْتَقَى ثُمَّ سائِرِي
هُنالِكَ لا أَرْجُو حَياةً تَسْرُّنِي ... سَجِيسَ اللَّيالي مُبْسَلاً بالجَرائِرِ
قال
سويد بن أبي كاهل
أموي الشعروكان الحجاج يملأ صوته بها على المنبر
بَسَطَتْ رابعَةُ الحَبْلَ لنا ... فوَصَلْنا الحَبْلَ مِنْها فانْقَطَعْ
تَمْنَحُ المِرْآةَ وَجْهاً واضِحاً ... كشُعاعِ الشَّمْسِ في الغَيْمِ سَطَحْ
هَيَّجَ الشَّوْقَ خَيالٌ زائِرٌ ... مِن حَبِيبٍ خَفِرٍ فِيه قَدْعْ
شاحِط جازَ إِلى أَرْحُلِنا ... عُصَبَ الغاب طُرُوقاً لَمْ يُرَعْ
آنِسٍ كانَ إِذا ما اعْتَادَنِي ... حالَ دُونَ النَّوْمِ مِنِّي فامْتَنَعْ
وكذاكَ الحُبُّ ما أَشْجَعَهُ ... يَرْكَبُ الهَوْلَ ويَعْصِي مَنْ وَزَعْ
وأَبِيتُ الليلَ ما أَرْقُدُهُ ... وبِعَيْنَيَّ إِذا نَجْمٌ طَلعْ
فإِذا ما قُلْتُ: ليْلٌ قد مَضى، ... عَطف الأَوَّلُ مِنْه فرَجَعْ
يَسْحَبُ الليلُ نُجُوماً ظُلَّعاً ... فتوالِيها بَطِيئاتُ التَّبَعْ
كم جَشِمْنا دُون سَلْمى مَهْمَهاً ... نازِحَ الغوْرِ إِذا الآلُ لمعْ
وَفلاةٍ واضِحٍ أَقْرابُها ... بالِياتٌ مِثْلُ مُرْفَتِّ القَزَعْ
فَركِبْناها على مُجْهُولِها ... بصِلابِ الأَرْضِ فِيهِنَّ شَجَعْ
يَدَّرِعْنَ الليلَ يَهْوِينَ بنا ... كَهَوِيِّ الكُدْرِ صَبَّحْنَ الشَّرَعْ
مِن بَنِي بَكْرٍ بها مَمْلَكَةٌ ... مَنْظَرٌ فِيهمْ، وفِيهمْ مُسْتَمَعْ
مِن أُناسٍ لَيْس مِن أَخْلاقِهِمْ ... عاجِلُ الفُحْشِ ولا سُوءُ الجَزَعْ
وُزُنُ الأَحْلامِ إِنْ هُمْ وازَنُوا ... صادِقُو البَأَسِ إِذا البَأْسُ نَصَعْ
وإِذا ما حُمِلُّوا لَمْ يَظْلَعُوا ... وإِذا حَمَّلْتَ ذا الشِّفِّ ظَلَعْ
عادةً كانتْ لهمْ مَعْلُومَةً ... في قَدِيمِ الدَّهْرِ لَيْستْ بالبِدَعْ
رُبَّ مَنْ أَنْضَجْتُ غَيْظاً قَلْبَهُ ... قد تَمَنَّى لِيَ مَوْتاً لمْ يُطَعْ
ويَرانِي كالشَّجا في حَلْقِهِ ... عَسِراً مَخْرَجُهُ، ما يُنْتَزَعْ
مُزْبِدٌ يَخْطِرُ ما لَمْ يَرَنِي ... فإِذا أَسْمَعْتُهُ صَوْتِي انْقَمَعْ
ويُحَيِّينِي إِذا لاقَيْتَهُ ... وإِذا يَخْلُو لهُ لَحْمِي وَقَعْ
قد كَفانِي اللّهُ ما في نَفْسِهِ ... ومَتَى ما يَكْفِ شَيْئاً لَمْ يُضَعْ
أَنْفُضُ الغَيْبَ برَجْمٍ صائِبٍ ... لَيْس بالطَّيْشِ ولا بالمُرْتَجَعْ
كم مُسِرٍّ لِيَ حِقْداً قَلْبُهُ ... فإِذا قابَلَهُ شَخْصِي رَكَعْ
وَرِثَ البغضة عن آبائِهِ ... حافِظُ العَقْلِ لما كانَ اسْتَمَعْ
فسَعَى مَسْعاتَهُمْ في قَوْمِهِ ... ثُمَّ لمْ يَظْفَرْ ولا عَجْزاً وَدْعْ
زَرَعَ الدَّاءَ، ولَمْ يُدْرِكْ بهِ ... تِرَةً فاتَتْ، ولا وَهْياً رَقَعْ
مُقْعِياً يَرْدِي صَفاةً لَمْ تُرَمْ ... في ذُرَى أَعْيَطَ وَعْرِ المُطَّلَعْ
لا يَراها النَّاسُ إِلاَّ فَوْقَهُمْ ... فَهْيَ تَأَتِي كَيْف شاءتْ وتَدَعْ
وعَدُوٍّ جاهِدٍ ناضَلْتُهُ ... في تَراخِي النَّاسِ عنَّا والجُمَعْ
ساجِدِ المَنْخِرِ لاَ يَرْفَعُهُ ... خاشِعِ الطَّرْفِ، أَصَمَّ المُسْتَمَعْ
فتَساقَيْنا بِسُرٍّ ناقِعٍ ... في مَقامٍ لَيْسَ يَثْنِيهِ الوَرَعْ
فَرَّ منِّي هارِباً شَيْطانُهُ ... حيثُ لا يُعْطِي ولا شَيْئاً مَنَعْ
وَرَأَى منِّي مَقاماً صادِقاً ... ثابِتَ المَوْطِنِ كَتَّامَ الوَجَعْ
ولِساناً صَيْرَفِيّاً صارماً ... كحُسامِ السَّيْفِ ما مَسَّ قَطَعْ
قال
المرار بن منقذعَجِبَتْ خَوْلَةُ إِذْ تُنْكِرُنِي ... أَمْ رَأَتْ خَوْلَةُ شَيْخاً قد كَبِرْ
وكَساهُ الدَّهْرُ شِيْباً ناصِعاً ... وتَحَقَّ الظَّهْرُ مِنْهُ فأُطِرْ
إِنْ تَرَى سِبَّا فإِنِّي ماجِدٌ ... ذُو بَلاءٍ حَسَنٍ، غَيْرُ غُمُرْ
ما أَنا اليومَ على شَيْءٍ مَضَى ... يا ابنةَ القَوْمِ تَوَلَّى بِحَسِرْ
قد لَبسْتُ الدَّهْرَ من أَفْنانِهِ ... كُلَّ فَنٍّ حَسَنٍ مِنْه حَبِرْ
كم تَرى مِن شانِىءٍ يَحْسُدُنِي ... قد وَراهُ الغَيْظُ في صَدْرٍ وَغِرْ
وحَشَوْتُ الغَيْظَ في أَضْلاعِهِ ... فَهْوَ يَمْشِي حَظَلاناً كالنَّقِرْ
لَمْ يَضِرْنِي، ولقَدْ بَلَّعْتُهُ ... قِطَعَ الغَيْظِ بِصابٍ وصَبِرْ
فهْوَ لا يَبْرَأُ ما في صَدْرِه ... مِثْلَ ما وَقَّدَ عَيْنَيْهِ النَّمِر
ويَرَى دُونِي، فلا يَسْطِيعُنِي،، ... خَرْطَ شَوءكٍ مِن قَتادٍ مُسْمَهِرْ
أَنا مِن خِنْدِفَ في صُيَّابِها ... حيثُ طابَ القِبْصُ مِنْهُ وكَثُرْ
ولِي النَّبْعَةُ مِن سُلاَّفِها ... ولِيَ الهامَةُ مِنْها والكُبُرْ
ولِيَ الزَّنْدُ الذي يُورَى بهِ ... إِنْ كَبا زَنْدُ لَئِيمٍ أَو قَصُرْ
وأَنا المَذْكُورُ في فِتْيانِها ... بِفَعالِ الخَيْرِ، وإِنْ فِعْلٌ ذُكِرْ
أَعْرِفُ الحَقَّ فلا أُنْكِرُهُ ... وكِلابِي أُنُسٌ غَيُرْ عُقُرْ
ر تَرَى كَلْبِيَ إِلاَّ آنِساً ... إِنْ أَتَى خابِطُ لَيْلٍ لَمْ يَهِرْ
كَثُرَ النَّاسُ فما يُنْكِرِهُمْ ... مِنْ أَسِيفٍ يَبْتَغِي الخَيْرَ وَحُرُّ
وَهَوَى الْقَلْب الَّذِي أَعْجَبَهُ ... صَورَةٌ أَحْسَنُ مَنْ لاثَ الأُزُرْ
راقَهُ مِنْها بَياضٌ ناصِعٌ ... يُؤْنِقُ العَيْنَ، وفَرْعٌ مُس بَكِرْ
جَعْدَةٌ فَرْعاءُ في جُمْجُمَة ... ضَخْمَةٍ تَفْرُقُ عَنْها كالضُّفُرْ
وَهْيَ هَيْفاءُ هَضِيمٌ كَشْحُها ... فَخْمَةٌ حيثُ يُشَدُّ المُؤْتَزَرْ
وإِذا تَمْشِي إِلى جارتِها ... لمْ تَكَدْ تَبْلُغُ حتَّى تَنْبَهِرْ
ثُمَّ تَنْهَدُّ على أَنْماطِها ... مِثْلَ ما مالَ كَثِيبٌ مُنْقَعِرْ
صُورَةُ الشَّمْسِ على صُورَتِها ... كُلَّما تَغْرُبُ شَمْسٌ أَو تَذُرْ
تَرَكَتْنِي لَيْس بالحَيِّ ولا ... مَيِّتٍ لاقَى وَفاةً فَقُبِرْ
ما أَنا الدَّهْرَ بِناسٍ ذِكْرَها ... ما غَدَتْ وَرْقاءُ تَدْعُو ساقَ حُرْ
قال
الرماح بن ميادةوقالتْ: حَذارِ القَوْمَ إِنَّ صُدُورَهُمْ، ... وعَيْشِ أَبِي، حِقْداً عليكَ تَفُورُ
فقلتُ لها قد يُؤْخَذُ الظَّبْيُ غِرَّةً ... وتُصْطادُ شاةُ الكَلْبِ وَهْوَ عَقُورُ
وقالإذا تَخازَرْتُ وما بِي مِن خَزَرْ
ثُمَّ كَسَرْتُ العَيْنَ مِن غَيْر عَوَرْ
ألْفَيْتَنِي أَلْوَى بَعِيدَ المُسْتَمَرْ
أَحْمِلُ ما حُمِّلْتُ مِنْ خَيْرٍ وشَرّ
كالحَيَّةِ النَّضْناضِ في أَصْلِ الحَجَرْ
قال
عامر بن الطفيل العامريوقَدْ عَلِمَتْ عُلْيا هَوازِنَ أَنَّنِي ... أَنا الفارِسُ الحامِي حَقِيقَةَ جَعْفَرٍ
وقَدْ عَلِمَ المَزْنُوقُ أَنِّي أَكُرُّهُ ... عَلى جَمْعِهِمْ كَرَّ المَنِيحِ المُشَهَّر
إِذا ازْوَرَّ مِن وَقْعِ الرِّماحِ زَجَرْتُهُوقلتُ له: ارْجِعْ مُقْبِلاً غَيْرَ مُدْبِرِ
أَلَسْتَ تَرَى أَرْمَاحَهُمْ فِيَّ شُرَّعاً ... وأَنتَ حِصانٌ ماجِدُ العِرْقِ، فاصْبِرِ
أَرَدْتُ لكيْ ما يَعْلَمَ النَّاسُ أَنَّنِيصَبَرْتُ، وأَخْشَى مِثْلَ يَوْمِ المُشَقَّرِ
قال
زهير بن مسعود الضبيورويت شذاً لعنترة بن شداد العبسي
هَلاَّ سَأَلْتِ مَداكِ اللّهُ، ما حَسَبِي ... عندَ الطِّعانِ إِذا ما احْمَرَّتِ الحَدَقُ
وجالَتِ الخَيْلُ بالأَبْطالِ مُعْلَمَةً ... شُعْثَ النَّواصِي عليها البِيضُ تَأْتَلِقُ
هل أَتْرُكُ القِرْنَ مُصْفَرّاً أَنامِلُهُقَدْ بَلَّ أَثْوابَهُ مِن جَوْفِهِ العَلَقُ
وقَدْ غَدَوْتُ أَمامَ الحَيِّ، يَحْمِلُنِي ... فَهْدُ المَراكِلِ في أَقْرابِهِ بَلَقُ
حتَّى أَنالَ عليه كُلَّ مَكْرُمَة ... إِذا تَضَجَّعَ عنها الواهِنُ الحَمِقُ
قال
عمرو بن يربوع الغنوييخاطب عمرو بن معد يكرب الزبيدي الأكبر، جاهلي
ولَوْ كنتَ يا عَمرُو أَنتَ الخَبِيرَ ... بِشِيبِ غَنِيٍّ وشُبَّانِهَا
وبالكَرِّ مِنْها على المُعْلِمِينَ ... وبالضَرْبِ مِن بَعْد قَطْعانِها
لَكُنْتَ نَجَوتَ على سَلْهَبٍ ... تُثِيرُ الغُبارَ بِصَوَّانِها
نَكَحْنا نِساءهُمُ عَنْوَةً، ... بِبِيضِ الصفاحِ ومُرَّانِها
قال
بعض اللصوصإذا ما كنتُ ذا فَرَسٍ ورُمْحٍ ... فما أَنا بالفَقِيرُ إِلى الرِّجالِ
لَعَلَّكِ أَنْ يَسُوءكِ أَنْ تَرَيْنِي ... أُريغُ المالَ بالأَسَلِ الطِّوالِ
ذَرِينِي أَبْتَغِي نَشَباً، فإِنِّي ... رَأَيْتُ الفَقْرَ داعِيَةَ السُّؤَالِ
رأَيتُ الفَقْرَ وَيْبَ أَبِيكِ ذُلاًّ ... ولَمْ أَرَ مَنْ يَعِزُّ بغَيْرِ مالِ
قال
أعشى تغلب
ربيعة بن تجوان، وكان نصرانياً
كأَنَّ بَنِي مَرْوانَ بَعْدَ وَلِيدِهِمْ ... جَلامِيدُ ما تَنْدَى وإِنْ بَلَّها القَطْرُ
وكانُوا أُناساً يَنْضَحُونَ فأَصْبَحُوا ... وأَكْثَرُ ما يُعْطُونَكَ النَّظَرُ الشَّزْرُ
أَلَمْ يَكُ غَدْراً ما فَعَلْتُمْ بشَمْعَلٍوقَدْ خابَ مَنْ كانتْ سَرِيرَتَهُ الغَدْرُ
وكائِنْ دَفَعْنا عنكُمُ مِن عَظِيمةٍ ... ولكنْ أَبَيْتُمْ، لا وَفاءُ ولا شُكْرُ
فإِنْ تَكْفُرُوا ما قَدْ عَلِمْتُمْ فرُبَّماأُتِيحَ لكنْ قَسْراً بأَسْيافِنا النَّصْرُ
قال
لقيط بن مرة الأسديوأَبْقَتْ لِيَ الأَيَّامُ بَعْدَك مُدْرِكاً ... ومُرَّةَ، والدُّنْيا قَلِيلٌ عِتابُها
قَزِينَيْنِ كالذِّئْبَيْنِ يَقْتَسِمَانِنِي ... وشَرُّ صَحاباتِ الرِّجالِ ذِئابُها
إِذا رَأَيا لِي غَفْلَةً آسَدا لها ... أَعادِيَّ، والأَعْداءُ كَلْبَي كِلابُها
فقَدْ جَعَلَتْ نَفْسِي تَطِيبُ لِضَغْمَةٍ ... لِضَغْمِهِمَاهَأ يَقْرَعُ العَظْمَ نابُها
فَلَوْلاَ رَجاءٌ أَنْ تَثُوبا، ولا أَرَى ... عُقُولَكُما إِلاَّ بَعِيداً ذَهابُها
سَقَيْتُكُما قَبْلَ التَّفَرُّقِ شَرْبَةً ... شَدِيداً على باغِي الظِّلامِ طِلابُها
قال
ضابئ بن أرطاة البرجميوقائِلَة لا يُبْعِدُ اللّهُ ضابئاً ... إِذا القِرْنُ لَمْ يُوجَدْ له مَنْ يُنازلُهْ
هَمَمْتُ، ولَمْ أَفْعَلْ، وكِدْتُ، ولَيْتَني ... تَرَكْتُ على عُثْمانَ تَبْكِي حَلائِلُهْ
فلا يُعْطِيَنْ بَعْدِي امْرُوءٌ ضَيْمَ خُطَّةحِذارَ لِقاءِ المَوْتِ، والموتُ قاتِلُهْ
قال
عبد الله بن الزبير الأسديأَقولُ لإِبراهيمَ لمَّا لَقِيتُهُ: ... أَرَى الأَمْرَ أَمْسَى هالِكاً مُتَشَعِّبا
تَخَيَّرْ، فإِمَّا أَنْ تَزُورَ ابنَ ضابِىءٍعُمَيْراً، وإِمَّا أَنْ تَزُورَ المُهَلَّبا
هُما خُطَّتا خَسْفٍ، ننَجاؤُكَ مِنْهُما ... رُكُوبُكَ حَوْلِيّاً مِن الثَّلْجِ أَشْهَبا
وإِلاَّ فما الحَجَّاجُ مُغْمِدَ سَيْفِهِيَدَ الدَّهْرِ، حتَّى يَنْزِلَ الطِّفْلُ أَشْيَبا
قال
عبد الله بن الزبعري
مخضرمكُلُّ بُؤْسٍ ونَعِيمٍ زائِلٌ ... وبَناتُ الدَّهْرِ يَلْعَبْنَ بكُلّ
والعَطِيَّاتُ خِساسٌ بَيْنَنا ... وسَواءٌ قَبْرُ مُثْرٍ ومُقِلْ
لَيْت أَشْياخِي بِبَدْرٍ شَهِدُوا ... جَزَعَ الخَزْرَجِ مِن وَقَعِ الأَسَلْ
حِينَ حَكَّتْ بِقَناةٍ بَرْكَها ... واسْتَحرَّ القَتْلُ في عَبد الأَشَلْ
فقَبِلْنا النِّصْفَ من سادَتِهمْ ... وعَدَلْنا مَيْلَ بَدْرٍ فاعْتَدَلْ
قال
خفاف بن ندبة
جاهليفإِنْ تَكُ خَيْلِي قد أُصِيبَتْ صَمِيمُها ... فعَمْداً على عَيْنِي تَيَمَّمْتُ مالِكا
وَقَفْتُ له عَلْوَى، وقَدُ خامَ صُحْبَتِي ... لأَبْنِيَ مَجْداً أَو لأَثْأَرَ هالِكا
لَدُنْ ذَرَّ قَرْنُ الشَّمسِ حينَ رَأَيْتُهُمْ ... سِراعاً على خَيْلٍ تَؤُمُّ المَسالِكا
تَيَمَّمْتُ كَبْشَ القَوْمِ لمَّا عَرَفْتُهُ ... وجانَبْتُ شُبَّانَ الرِّجال الصَّعالِكا
وجادَتْ له مِنِّي يَمِينِي بطَعْنَةٍ ... كَسَتْ مَتْنَهُ مِن أسْوَدِ اللَّونِ حالِكا
وقلتُ له، والرُّمْحُ يَأْطِرُ مَتْنَهُ: ... تَأَمَّلْ خُفافاً، إِنَّنِي أَنا ذَلِكا
فَخَرَّ صَرِيعاً، وانْتَقَذْنا جَوادَهُ ... وحالَفَ بَعْدَ الأَهْلِ صُمّاً دَكادِكا
قال
آخرأَلَمْ نُطْلِقْكُمُ فَكَفَرْتُمُونا ... ولَيْسَ الكُفْرُ مِن شِيَمِ الكِرام
فَخافُوا عَوْدَةً للدَّهْرِ فِيكُمْ ... فإِنَّ الدَّهْرَ يَغْدُرُ بالأَنامِ
قال
سحيم بن وثيل الرياحي
إسلاميأَنا ابنُ جَلا وطَلاَّعُ الثَّنايا ... مَتى أَضَعِ العِمامةَ تَعْرِفُونِي
صَلِيبُ العُودُ مِن سَلَفَىْ نِزارٍ ... كنَصْلِ السَّيفِ وضَّاحُ الجَبِينِ
أَخُو خَمْسِينَ مُجْتَمِعٌ أَشُدِّي ... ونَجَّذَنِي مُعاوَدَةُ الشُّئُونِ
عَذَتُ البُزْلَ إِذْ هيَ قَارَعَتْنِي ... فما شَأْنِي وشَأْنُ بَنِي اللَّبُونِ
قال
رشيد بن رميض العنزينامَ الحُداةُ وابنُ هِنْدٍ لم يَنَمْ
هذا أوانَ الشَّدِّ فاشْتَدِّي زِيَمْ
باتَ يُقاسِيها غُلامٌ كالزَّلَمْ
خَدَلَّجُ السَّاقَيْنِ خَفَّافُ القَدَمْ
قد لَفَّها اللَّيلُ بسَوَّاقٍ حُطَمْ
لَيْس بِراعِي إِبِلٍ ولا غَنَمْ
ولا بجَزَّارٍ على ظَهْرِ وَضَمْ
مَنْ يَلْقَنِي يُودِ كما أَوْدَتْ إِرَمْ
قال
آخروكائِنْ مِن عَدُوٍّ ظِلْتُ أُبْدِي ... له وُدّاً به القَنِيصُ
أُكاشِرُهُ، وأَعْلَمُ أَنْ كِلانا ... على ما ساء صاحِبَهُ حَريصُ
قال
آخرأَيا قَوْمَنا قد ذُقْتُمُ حَرْبَ قَوْمِكُمْ ... وجَرَّبْتمُوها، والسُّيوف تَوَقَّدُ
وحاوَلْتمُ صُلْحاً، ولَسْنا نريدُهُ ... ولكنْ رَأَيْنا البَغْيَ عاراً يُخَلَّدُ
وفِينا، وإِنْ اصْطَلَحْنا، ضَغائِنٌ ... فإِنْ عُدْتمُ للحَرْبِ، فالعَوْدُ أَحْمَدُ
قال
شقيقي بن جزء الباهليأَتوعِدُنِي بقَوْمِكَ يا ابنَ جَحْل ... أُشاباتٍ يُخالونَ العِبادا
بما جَمَّعْتَ مِن حَضَنٍ وعَمْرٍو ... وما حَضَنٌ وعَمْرٌو والجيادا
قال
النجاشي الحارثي
أموي الشعرأَبْلِغْ شِهاباًن وخَيْرُ القَوْلِ أَصْدَقهُ ... إِنَّ الكَتائِبَ لا يُهْزَمْنَ بالكتب
تُهْدِي الوَعِيدَ بأَعْلَى الرَّمْلِ مِن إِضَمٍفإِنْ أَرَدْتَ مِصاعَ القَوْمِ فاقْتَرب
وإِنْ تَغِبْ في جُمادَى عن وقَائِعِنا ... فسَوْفَ نَلْقاكَ في شَعْبانَ أَو رَجَب
قال
بشر بن عوانة
جاهليأَفاطِمَ لو شَهِدْتِ ببَطْنِ خَبْتٍ ... وقد لاقَى الهِزَبْرُ أَخاكِ بِشْرا
إِذَنْ لَرَأَيْتِ لَيْثاً أَمَّ ليثاً ... هِزَبْراً أَغْلَباً يَبْغِي هِزَبْرا
تَبَهْنَسَ إِذْ تَقاعَسَ عنه مُهْرِي ... مُحاذَرَةً فقلْت: عُقِرْتَ مُهْر
أَنِلْ قَدَمَيَّ ظَهْرَ الأَرْضِ إِنِّي ... وَجَدْت الأَرْضَ أَثْبَتَ منكَ ظَهْرا
وقلتُ لهُ وقَدْ أَبْدى نِصالاً ... مُحَدَّدَةً ووَجْهاً مُكْفَهِرا
يُدِلُّ بِمخْلَبٍ وبحَدِّ نابٍ ... وباللَّحَظاتِ تَحْسَبُهنَّ جَمْرا
وفِي بُمْنايَ ماضِي الحَدِّ أَبْقَى ... بمَضَرِبِهِ قِراعُ الخَطْبِ أُثْرا
أَلَمْ يَبْلغْكَ ما فَعَلَتْ ظباهُ ... بكاظِمَةٍ غداةَ لَقِيت عَمْرا
وقَلْبِي مِثْلُ قَلْبِكَ كيفَ يَخْشَى ... مُصاوَلَةً، ولَسْت أَخاف ذُعْرا
وأَنتَ تَرُومُ للأَشْبالِ قوتاً ... ومطَّلَبِي لِبنْتِ العَمِّ مَهْرا
ففيم تَرُمُ مِثْلِي أَنْ يُوَلى ... وَيَتْرُكَ في يَدَيكَ النَّفْسَ قَسْرا
نَصَحْتكَ فالْتَمِسْ يا لَيْث غَيْرِي ... طَعاماً، إِنَّ لَحْمِي كانَ مرَّا
فلَمَّا ظَنَّ أَنَّ الغِشَّ نُصْحِي ... وخالَفَنِي كأَنِّي قلْت هُجْرا
مَشَى ومَشَيْت مِن أَسدَيْننِ راما ... مَراماً كانَ إِذْ طَلَباهُ وَعْرا
يُكَفْكِفُ غِيلَةً إِحْدَى يَدَيْهِ ... ويَبْسُطُ للوُثُوب عَلَيَّ أُخْرَى
هَزَزْتُ له الحُسامَ فخِلْتُ أَنِّي ... شَقَقْتُ به لَدَى الظَّلْماءِ فَجْرا
وجُدْتُ له بجائِشَةٍ رَآها ... بأَنْ كَذَبَتْهُ ما مَنَّتْهُ غَدْرا
وأَطْلَقْتُ المُهَنَّدَ مِن يَمِينِي ... فقَدَّ له مِن الأَضْلاعِ عشْرا
بضَرْبَةِ فَيْصَلٍ تَرَكَتْهُ شَفْعاً ... وكانَ كأَنَّه الجُلْمُودُ وَتْرا
فخَرَّ مُضَرَّجاً بِدَمٍ كأَنِّي ... هَدَمْت به بناءً مُشْمَخِرَّا
وقلتُ له: يَعِزُّ عَلَيَّ أَنِّي ... قَتلتُ مُناسِبِي جَلَداً وقَهْرا
ولكنْ رُمْتَ شَيْئاً لَمْ يَرُمْهُ ... سِواكَ، فَلَمْ أَطِقْ يا لَيْثُ صَبْرا
تُحاوِلُ أَنْ تُعَلِّمَنِي فِراراً ... لَعَمْرُ أَبِي لَقدْ حاولتَ نُكْرا
فلا تَبْعَدْ فَقَدْ لاقَيْتَ حُرّاً ... يُحاذِرُ أَنْ يُعابَ فمُتَّ حُرّا
قال
قيس بن زهير
جاهليتَعَلَّمْ أَنَّ خَيْرَ النَّاسِ مَيْتاً ... على جَفْر الهَباءةِ لا يَريمُ
ولولا ظُلْمَهُ ما زلْتُ أَبْكِي ... عليه الدَّهْرَ ما طَلَعَ النُّجُومُ
ولكنَّ الفَتَى حَمَلَ بنَ بنَ بَدْرٍ ... بَغَى، والبَغْيُ مَرْتَعُهُ وَخِيمُ
أَظُنُّ الحِلْمَ دَلَّ عليَّ قَوْمِي ... وقَدْ يُسْتَجْهَلُ الرَّجُلُ الحَلِيم
ومارَسْتُ الرِّجالَ ومارَسُونِي ... فمُعْوَجٌّ عليَّ ومُسْتَقِيمُ
قال
عطارد بن قرانخَلِيلَيّ مِن عُلْيا نِزارٍ سُقِيتُما ... وأُعْفِيتُما مِن سَيِّىءِ الحَدَثان
أَلَمْ تُخْبراني اليومَ أَنْ قد عَرَفْتُما ... بذِي الشِّيحِ داراً ثم لا تَقِفان
لقَدْ هَزئَتْ منِّي بنَجْرانَ أَنْ رَأَتْ ... مَقامِيَ في الكَبْلَيْن أُمُّ أَبَانِ
كأَنِّي جَوادٌ ضَمَّهُ القَيْدُ بَعْدَما ... جَرَى سابقاً في حَلْبَةٍ ورهان
كأَنْ لَمْ تَرَ قَبْلِي أَسِيراً مُكَبَّلاً ... ولا رَجُلاً يُرْمَى به الرَّجَوان
خَلِيلَيَّ لَيْس الرَّأْيُ في صَدْر واحِدٍ ... أَشِيرا عليَّ اليومَ ما تَرَيان
أَأَرْكَبُ صَعْبَ الأَمْر، إِنَّ ذَلُولَهُ ... بنَجْرانَ لا يُقْضَى لحِين أَوان
قال
شمعلة بن الأخضرويومَ شَقِيقَةِ الحَسَنَيْنِ لاقَتْ ... بَنُو شَيْبانَ أَعْماراً قِصارا
هَزَمْنا جَيْشَهُمْ لمَّا التَقَيْنا ... وما صَبَرُوا لنا إِلاَّ غِرارا
شَكَكْنا بالرِّماحِ وهُنَّ صُورٌ ... صِماخَيْ شَيْخِهِمْ حتَّى اسْتَدارا
فخَرَّ على الأَلاءةِ لَمْ يُوسَّدْ ... وقَدْ صارَ الدِّماءُ له خِمارا
تَرَكْناهُ يَمُجُّ دماً نَجِيعاً ... يَرَى لِبُطُونِ راحَتِهِ اصْفِرارا
قال
نصر بن سيار
أموي الشعرأَرَى خَلَلَ الرَّمادِ وَمِيضَ جَمْرٍ ... ويُوشِكُ أَنْ يكُونَ له ضِرامُ
فإِنْ لَمْ يُطْفِهِ عُقَلاءُ قَوْمٍ ... فإِنَّ وَقُودَهُ جُثَثٌ وهامُ
فإِنَّ النَّارَ بالعُودَيْنِ تُذْكَى ... وإِنَّ الحَرْبَ أَوَّلُها كَلامُ
فقلتُ مِن التَّعَجُّب: لَيْتَ شِعْرِي! ... أَأَيْقاظٌ أُمَيَّةُ أَمْ نِيَامُ
فإِنْ يَكُ قَوْمُنا أَمْسَوْا رُقُوداً ... فقُلْ: هُبُّوا، فَقَدْ حانَ القِيامُ
تَعَزَّوْا عن زَمانِكُمُ وقُولُوا: ... على الإسْلامِ والعَرَبِ السَّلامُ
قال
أبو مسلم الخراسانيأَدْرَكْتُ بالحَزْمِ والكِتْمان ما عَجَزَ ... تْ عنه مُلُوكُ بني مَرْوانَ إِذْ حَشَدُوا
مازِلْتُ أَسْعَى عليهمْ في دِيارهُمُ ... والقَوْمُ في مُلْكِهِمْ في الشَّام قَدْ رَقَدُوا
حتَّى ضَرَبْتُهُم بالسَّيفِ فانْتَبَهُوا ... مِن رَقْدَةٍ لَمْ يَنَمْها قَبْلَهُمْ أَحَدُ
ومَنْ رَعَى غَنَماً في أَرْضِ مَسْبَعَةِ ... ونامَ عَنْها تَوَلَّى رَعْيَها الأَسَدُ
قال
ماجد بن مخارق الغنوي
إِذا ما وُتِرْنا لَمْ نَنَمْ عن تِراتِنا ... ولَمْ نَكُ أَوْغالاً نُقِيمُ البَواكِيا
ولكنَّنا نَعْلُو الجِيادَ شَوازِباً ... فنَرْمِي بها نحوَ التِّراتِ المَرامِيا
وقائِلةٍ، خَوْفاً عليَّ مِن الرَّدَى ... وقَدْ قلتُ: هاتِي ناولِيني سِلاحيا
لكَ الخَيْرُ، لا تَعْجَلْ إِلى حَرْبِ مَعْشَرٍفَريداً وَحِيداً، وابْغِ نَفْسَكَ ثانِيا
فقلتُ: أَخِي سَيْفِي، ورُمْحِي نَاصِرِي ... ودِرْعِيَ لِي حِصْنٌ، ومُهْرِي قِلاعِيا
ولَسْتُ بباقٍ حينَ تَدْنُو مَنِيَّتِي ... ولا هالِكٍ مِن قَبْل يَدْنُو حِمامِيا
سأُتْلِفُ نَفْسِي أَو سأَبْلُغُ هِمَّتِي ... فأَغْنَى وأُغْنِي مَن أَرَدْتُ بِمالِيا
وأَظْلِمُ نَفْسِي للصَّدِيقِ حَفِيظَةً ... وتَظْلِمُ أَعْدائِي يَدِي ولِسانيا
وما النَقْرُ أَنْجانِي، ولا العَجْزُ عافَنِي ... ولكنَّ مالِي ضاقَ بِي عن فَعالِيا
قال
السليك بن السلكةفلا يَغْرُرْكَ صُعْلُوكٌ نَؤُومٌ ... إِذا أَمْسَى يُعَدُّ مِن العِيالِ
إِذَا أَضْحَى تَفَقَّدَ مَنْكِبَيْهِ ... وأَبْصَرَ لَحْمَهُ حَذَرَ الهُزالِ
ولكنْ كُلُّ صُعْلُوكٍ ضَرُوبٍ ... بنَصْلِ السَّيفِ هاماتِ الرِّجالِ
قال
عروة الصعاليك
جاهليإِذا المَرْءُ لَمْ يَطْلُبُ مَعاشاً لِنَفْسِهِشَكا الفَقْرَ أَو لامَ الصَّدِيقَ فأَكْثَرا
وصارَ على الأَدْنَيْنَ كَلاِّ وأَوْشَكَتْ ... قُلُوبُ ذَوِي القُرْبَى له أَنْ تَنَكَّرا
وما طالِبُ الحاجاتِ مِنْ حَيْثُ تُبْتَغَى ... مِن النَّاسِ إلاَّ مَنْ أَبَرَّ وشَمَّرا
فسِرْ في بلادِ اللّهِ والتَمِسِ الغِنَى ... تَعِشْ ذا يَسارٍ أَو تَمُوتَ فتُعْذَرا
ولا تَرْضَ مِنْ عَيْشٍ بدُونٍ ولا تَنَمْ ... وكَيْف ينامُ الليلَ مَن كانَ مُعْسِرا
قال
عبيد بن أيوب
بن ضرار العنبري، وكان لصاً
تقولُ، وقَدْ أَلْمَمْتُ بالجِنِّ لَمَّةً ... مُخَصَّبَةُ الأَطْرافِ خُرْسُ الخَلاخِلِ
أَهَذا خَدِينُ الذِّئْبِ والغُولِ والذي ... يَهِيمُ بِرَيَّاتِ الحِجالِ الهَراكِلِ
رَأَتْ خَلَقَ الدِّرْسَيْنِ أَسْوَدَ شاحِباًمِن القَوْمِ بَسَّاماً كَرِيمَ الشَّمائِلِ
تَعَوَّدَ مِن آبائِهِ فَتَكاتِهِمْ ... وإِطْعامَهُمْ في كُلِّ غَيْراء ماحِلِ
إِذا صادَ صَيْداً لفه بضِرامَةٍ ... وَشِيكاًن ولَمْ يُنْظِرْ لِغَلْيِ المَراجِلِ
فَنَهْساً كنَهْسِ الصَّقْرِ ثُم مِراسَهُ ... بكَفَّيْهِ رَأْسَ الشِّيخَةِ المُتمايِلِ
إِذا ما أَرادَ اللّهُ ذُلَّ قَبِيلَةٍ ... رَماها بتَشْتِيتِ الهَوَى والتَّخَاذُلِ
وأَوَّلُ عَجْزِ القَوْمِ عَمَّا يَنُوبُهُمْ ... تَدافُعُهُمْ عنه وطُولُ التَّواكُلِ
قال
أيضاً
لقَدْ خِفْتُ، حتَّى لو تَمُرُّ حَمامةٌ ... لَقلتُ: عَدُوٌّ أَو طَلِيعَةُ مَعْشَرِ
وخِفْتَ خَلِيلِي ذا الصَّغاءِ ورابَنِي ... وقِيلَ: فُلانٌ أَو فُلانَةُ فاحْذَرِ
فأَصْرَحْتُ كالوَحْشِيِّ يَتْبَعُ ما خَلا ... ويترُك مَأْنُوسَ البلادِ المُدَعْثَرِ
إِذا قِيلَ خَيْرٌ، قلتُ: هَذِي خَدِيعَةٌ، ... وإِنْ قِيلَ شَرٌّ، قلتُ: حَقٌّ فشمِّرِ
قال
عمرو بن براقة
الهمداني، جاهليتقولُ سُلَيْمَى لا تَعَرَّضْ لِتَلْفَةٍ ... ولَيْلُكَ عن لَيْلِ الصَّعالِيكِ نائِمُ
وكَيْف يَنامُ الليلَ مَن جُلُّ مالِهِ ... حُسامٌ كلَوْنِ المِلْحِ أَبْيَضُ صارِمُ
أَلَمْ تَعْلَمِي أَنَّ الصَّعالِيكَ نَوْمُهمْ ... قَلِيلٌ إِذا نامَ الخَلِيُّ المُسالِمُ
كَذَبْتُمْ، وبَيْتِ اللّهِ لا تَأْخُذُونَها ... مُراغَمَةً ما دامَ للسَّيفِ قائِمُ
متى تَجْمَعِ القَلْبَ الذَّكِيَّ وصارماً ... وأَنْفاً حَمِيّاً تَجْتَنِبْكَ المَظالِمُ
متى تَجْمَعِ المالَ المُمَنَّعَ بالقَنا ... تَعِشْ ماجِداً أَو تَخْتَرِمْكَ المَخارِمُ
وكنتُ إِذا قَوْمٌ غَزَوْنِي غَزَوْتُهمْ ... فهَلْ أَنا في ذا يالَ هَمْدانَ ظالِمُ
فلا صُلْحَ حتَّى تُقْرَعَ الخيلَ بالقَنا ... وتُضْرَبَ بالبيضِ الرِّقاق الجَماجم
قال
عروة بن الورد
العبسي، جاهليقلتُ لِقَوْمٍ بالكَنِيفِ: تَرَوَّحُوا ... عَشِيَّةَ بِتْنا عندَ ماوانَ رُزَّحِ
تَنالُوا الغِنَى، أَو تَبْلُغُوا بنُفُوسِكُم ... إِلى مُسْتراحٍ مِن حِمامٍ مُبَرِّحِ
ومَن يَكُ مِثْلِي ذا عِيالٍ ومُقْتِراً ... مِن المالِ يَطْرَحْ نَفْسَه كلَّ مَطْرَحِ
لِيَبْلُغَ عُذْراً أَو يُصِيبَ غَنِيمَةً ... ومُبْلِغُ نَفْس عُذْرَها مِثْلُ مُنْجِحِ
قال
أبو النشناش النهشلي
أموي الشعروسائِلَةٍ أَيْنَ ارْتِحالِي وسائِلٍ ... ومَن يَسأَلُ الصُّعْلُوكَ أَينَ مَذاهِبُهْ
إِذ المَرْءُ لَمْ يَسْرَحْ سَواماً ولَمْ يُرِحْسَواماً ولَمْ تَعْطِفْ عليهِ أَقاربُهْ
فَللْمَوْتُ خَيْرٌ للفَتَى مِن قُعُودِهِ ... عَدِيماً ومِن مَوْلىً تَدِبُّ عَقارِبُهْ
فلَمْ أَرَ مِثْلَ الفَقْرِ ضاجَعَهُ الفَتَى ... ولا كَسَوادِ اللَّيلِ أَخْفَقَ طالِبُهْ
فمُتْ مُعْدِماً أَوْ عِشْ كَرِيماً فإِنَّنِيأَرَى المَوْتَ لا يَنْجُو مِن الموتِ هارِبُهْ
ودَعْ عنكَ مَوْلَى السَّوْءِ والدَّهْرَ إِنَّهُ ... سَيَكْفِيكَهُ أَيَّامُهُ وتَجارِبُهْ
قال
جابر بن الثعلب الطائيوقامَ إِليَّ العاذِلاتُ يَلُمْنَنِي ... يَقُلْنَ: أَلاَ تَنْفَكُّ تَرْحَلُ مَرْحَلا
فإِنَّ الفَتَى ذا الحَزْمِ رامٍ بنَفْسِهِ ... جَواشِنَ هذا الليلِ كَيْ يَتَمَوَّلا
ومَنْ يَفْتَقِر في قَوْمِهِ يَحْمَدِ الغِنَى ... وإِنْ كانَ فيهِمْ واسِطَ العَمِّ مُخْولا
كأَنَّ الفَتَى لَمْ يَعْرَ يوماً إِذا اكْتَسَى ... ولم يَكُ صُعْلُوكاً إِذا ما تَمَوَّلا
ولَمْ يَكُ في بُؤْسٍ إِذا نامَ لَيْلَهُ ... يُناغِي غَوالاً فاتِرَ الطَّرْفِ أَكْحَلا
ويُزْري بعَقْلِ المرءِ قِلَّةُ مالِهِ ... وإِنْ كان أَسْرَى مِن رجالٍ وأَحْوَلا
إِذا جانِبٌ أَعْياكَ فاعْمِدْ لجانِبٍ ... فإِنَّكَ لاقٍ في بِلاد مُعَوَّلا
قال
أحمر بن سالم
إسلاميمُقِلٌ رَأَى الإِقْلالَ عارً، فلَمْ يَزَلْ ... يَجُوبُ بِلادَ اللّهِ حتَّى تَمَوَّلا
إِذا جابَ أَرْضاً يَنْتَوِيها رَمَتْ به ... مَهامِهَ أُخْرَى عِيسُهُ فتَغَلْغَلا
ولَمْ يثْنِهِ عمَّا أَرادَ مَهابَةٌ ... ولكنْ مَضَى قُدْماً وإِنْ كانَ مُبْسَلا
يُلاقِي الرَّزايا عَسْكَراً بَعْدَ عَسْكَرٍويَغْشَى المَنايا جَحْفَلاً ثُمَّ جَحْفَلا
على ثِقَةٍ أَنْ سَوْفَ يَغْدُو مُجَدِّلاً ... على المالِ قِرْناً أَو يَرُوحُ مُجَدَّلا
فلمَّا أَفادَ المالَ جادَ بفَضْلِهِ ... لِمَنْ جاءهُ يَرْجُو جَداهُ مُؤَمَّلا
وإِنَّ امْرَءاً قد باعَ بالمالِ نَفْسَهُ ... وجاد به أَهْلٌ لأَنْ لا يُبخَّلا
قال
الحريش السعدي
أموي الشعرآلا خَلِّنِي أَذْهَبْ لِشَأَنِي، ولا أَكُنْ ... على النَّاسِ كَلاًّ، إِنَّ ذا لَشَدِيدُ
أَرَى الضَّرْبَ في البُلْدانِ يُغْنِي مَعاشِراً ... ولَمْ أَرَ مَن يُجْدِي عليه قُعُودُ
أَتَمْنَعُنِي خَوْفَ المَنايا، ولَمْ أَكُنْ ... لأَهْرُبَ مِمَّا لَيْس عنه مَحِيدُ
فلَوْ كنتُ ذا مالٍ لَقُرِّبَ مَجْلِسِي ... وقِيلَ إِذ أَخْطَأْتُ أَنتَ سَدِيدُ
فدَعْنِي أُطَوِّفْ في البلادِ لَعَلَّنِي ... أَسُرُّ صَدِيقاً أَو يُساءُ حَسُودُ
قال
هدبة بن خشرمولَسْتُ بِمفْراحٍ إِذا الدَّهْرُ سَرَّنِي ... ولا جازِعٍ مِن صَرْفِهِ المُتَقَلِّب
ولستُ بِباغِي الشَّرِّ والشَّرُّ تارِكِي ... ولكنْ مَتى أُحْمَلْ على الشَّرِّ أَرْكَب
قال
بعض بني سليمفإِنْ تَسْأَلِينِي كَيْف أَنتَ فإِنَّنِي ... صَبُورٌ على رَيْبِ الزَّمانِ صَلِيبُ
يَعِزُّ عليَّ أَنْ تُرَى بِي كآبَةٌ ... فيَشْمَتُ عادٍ أَو يُساءُ حَبِيبُ
قال
الوليد بن عقبةأَلاَ أَبْلِغْ مُعاوِيَةً بن حَرْبٍ ... فإِنَّكَ مِن أَخِي ثِقَةٍ مُسليمُ
قَطَعْتَ الدَّهْرَ كالسَّدِم المُعَنَّى ... تُهَدِّرُ مِن دمَشْقَ ولا تَرِيمُ
فإِنَّكَ والكِتابَ إِلى عليٍّ ... كَدابِغَةٍ وقَدْ حَلِمَ الأَدِيمُ
فلَوْ كنتَ القَتِيلَ وكانَ حَيّاً ... لَشَمَّرَ لا أَلَفُّ ولا سَؤُومُ
قال
آخرلولا ابنُ عَفَّانَ الإِمامُ لقَدْ ... أَغْضَيْتَ مِن شَتْمِي على رَغْمِ
كانتْ عُقُوبَةُ ما صَنَعْتَ كما ... كانَ الزِّناءُ عُقُوبَةَ الرَّجْمِ
قال
عبد العزيز بن زرارةوكان معاوية بن أبي سفيان ينشدها كثيراً
قد عِشْتُ في النَّاسِ أَطْواراً على خُلُق ... شَتَّى، وقاسَيْتُ فِيها اللِّينَ والفَظَعا
كُلاًّ بَلَوْتُ، فلا النَّعْماءُ تُبْطِرُنِي ... ولا تَخَشَّعْتُ مِن مَكْرُوهَةٍ جَزَعا
لا يَمْلأُ الهَوْلُ صَدْري قَبْلَ مَوْقِعِهِ ... ولا أَضِيقُ به ذَرْعاً إِذا وَقَعا
باب المديح والتقريظ
قال
سواد بن قاربوكان رئيه قد أتاه ثلاث ليالٍ في حال سنته. يضربه برجله ويقول له: قم يا سواد بن قارب واعقل إن كنت تعقل. إنه قد بعث نبيٌّ من لؤي بن غالب يدعو الله وإلى عبادته. فقصد النبي صلى الله عليه وسلم، ووقع في قلبه حبه الإسلام. فلما شاهده أنشده:
أَتانِي رَئِيمُيِّ بَعْدَ هَدْىءٍ وَرَقْدَةٍ ... ولَمْ يكُ فِيما قد بَلَوْتُ بكاذِب
ثلاثَ ليالٍ قَوْلُهُ كُلَّ ليلةٍ ... أَتاكَ رَسولٌ مِن لُؤَيِّ بن غالِب
فشَمَّرْتُ عن ذَيْلِ الرِّداءِ ووَسَّطَتْبِيَ الذِّعْلِبُ الوَجْناءُ بَيْنَ السَّباسِب
فأَشْهَدُ أَنَّ اللّهَ لا شَيْءَ غَيْرُهُ ... وأَنَّكَ مَأْمُونٌ على كلِّ غائِبِ
وأَنَّكَ أَدْنَى المُرْسَلِينَ وَسِيلَةً ... إِلى اللّهِ يابنَ الأَكْرَمِينَ الأَطايبِ
فَمْرنا بما يَأَتِيكَ يا خَيْرَ مُرْسَلٍ ... وإِنْ كانَ فيما جِئْتَ شَيْبُ الذَّوائِب
وكُنْ لي شَفِيعاً يومَ لا ذُو شَفاعَةٍ ... سِواكَ بمُغْن عن سَوادِ بنِ قارِب
ثم أسلم على يد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفرح النبي بإسلامه.
قال
مالك بن عوف اليربوعيما إِنْ رَأَيْتُ ولا سَمِعْتُ بواحِدٍ ... في النَّاسِ كُلِّهِمُ بمِثْلِ محمدِ
أَوْفَى وأَعْطَى للجَزيلِ إِذا اجْتُدِي ... وإِذا يَشَأَ يُخْبرْكَ عمَّا في غَد
قال
أبو طالب بن عبد المطلب
بن عبد منافوأَبْيَضُ يُسْتَسْقَى الغَمامُ بوَجْهِهِ ... ثِمالُ اليَتَامَى عِصْمَةٌ للأَرَامِلِ
يَلُوذُ به الهُلاَّكُ مِن آلِ هاشِمٍ ... فَهُمْ عندَهُ في نِعْمَةٍ وفَواضِلِ
وأَصبحَ فِينا أَحمدٌ في أُرُومَةٍ ... تُقَصِّرُ عنها سَوْرَةُ المُتَطاوِلِ
حَلِيمٌ رَشِيدٌ عادِلٌ غَيْرُ طائِشٍ ... يُوالِي إِلاهاً ليسَ عنه بغافِل
قال
الأعشى ميمون بن قيس
بن جندلأَلَمْ تَغْتَمِضْ عَيْناكَ لَيْلةَ أَرْمَدا ... وعادَكَ ما عادَ السَّلِيمَ المُسَهَّدا
وما ذاكَ مِن عِشْقِ النِّساءِ وإِنَّما ... تَناسَيْتَ قبلَ اليومِ خُلَّةَ مَهْدَدا
ولكنْ أَرَى الدَّهْر الذي هو خاتِرٌ ... إِذا أَصْلَحَتْ كَفَّايَ عادَ فَأَفْسَدا
شَبابٌ وشَيْبٌ وافْتِقارٌ وثَرْوَةٌ ... فللَّهِ هذا الدَّهرُ كيفَ تَرَدَّدا
أَلاَ أَيُّهذا السَّائِلِي أَيْنَ يَمَّمَتْ ... فإِنَّ لها في أَهْلِ يَثْرِبَ مَوْعِدا
أَجَدَّتْ برِجْلَيْها نَجاءً وراجَعَتْ ... يداها خِنافاً لَيِّناً غَيرَ أَحْرَدا
فأَمَّا إِذا ما أَدْلَجَتْ فَتَرى لها ... رَقِيبَيْن: جَدْياً لا يَغِيبُ وفَرْقَدا
وفِيها إِذا ما هَجَّرَتْ عَجْرَفِيَّةٌ ... إِذا خِلْتَ حِرْباء الوَدِيقَةِ أَصْيَدا
فآلَيْتُ لا أَرْثِي لها مِن كَلالَةٍ ... ولا مِن حَفىً حتَّى تُلاقِي محمَّدا
متى ما تُناخِي عند بابِ ابنِ هاشِم ... تُرِيحي، وتَلْقَى مِن فَواضِلِهِ يَدا
نَبِيٌّ يَرَى ما لا تَرَوْنَ وذِكْرُهُ ... أَغارَ لَعَمْرِي في البلادِ وأَنْجَدا
له صَدَقاتٌ ما تُغِبُّ ونائِلٌ ... وليسَ عَطاءُ اليوم مانِعَهُ غَدا
إِذا أَنتَ لَمْ تَرْحَلْ بِزادٍ مِن التُّقَى ... ولاقَيْتَ بعدَ الموتِ مَن قد تَزَوَّدا
نَدِمْتَ على أَنْ لا تكُونَ كمِثْلِهِ ... وأَنَّكَ لَمْ تُرْصِدْ لما كانَ أَرْصَدا
فإِيَّاكَ والمَيْتاتِ لا تَقْرَبَنَّها ... ولا تَأَخُذَنْ سَهْماً حَدِيداً لِتَفْصِدا
وصَلِّ على حين العَشِيَّاتِ والضُّحَى ... ولا تَعْبُدِ الشَّيْطانَ، واللّهَ فاعْبُدا
قال
العباس بن مرداس السلمي
مخضرميا أَيُّها الرَّجُلُ الذي تَهْوِي بهِ ... وَجْناءُ مُجْمَرَةُ المَناسِمِ عِرْمِسُ
إِذْ ما أَتَيْتَ على الرَّسُولِ فقُلْ لهُ ... حَقّاً عليكَ إِذا اطْمَأَنَّ المَجْلِسُ
يا خيرَ مَن رَكِبَ المَطِيّ ومَنْ مَشَى ... فوقَ التُّرابِ إِذا تُعَدُّ الأَنْفُسُ
إِنَّا وَفَيْنا بالذي عاهَدْتَنا ... والخَيْلُ تُقْدَعُ بالكُماةِ وتُضْرَسُ
إِذْ سالَ مِن أَفْناءِ بُهْثَةَ كُلِّها ... جَمْعٌ تَظَلُّ به المَخارمُ تَرْجُسُ
حتَّى صَبَحْنا أَهْلَ مَكَّةَ فَيْلَقاً ... شَهْباء يَقْدُمُها الهُمامُ الأَشْوَسُ
مِن كلِّ أَغْلَبَ مِن سُلَيْمٍ فَوْقَه ... بَيْضاءُ محكمة الدِّخالِ وقَوْنَسُ
يَغْشَى الكَتِيبَةَ مُعْلِماً وبكَفِّهِ ... عَضْبٌ يَقُدُّ بهِ، ولَدْنٌ مِدْعَسُ
كانُوا أَمامَ المؤمنينَ دَريَّةً ... والشَّمسُ يومئذ عليهمْ أَشْمُسُ
قال
امرؤ القيسوتَعْرِفُ فِيه مِن أَبِيهِ شَمائِلاً ... ومِن خالِه ومِن يَزِيدَ ومِن حُجُرْ
سَماحَةَ ذا وبِرَّ ذا ووَفاء ذا ... ونائِلَ ذا إِذا صَحا وإِذا سَكِرْ
قال
النابغة الذبيانيكِلِينِي لِهَمِّ يا أُمَيْمَةَ ناصِب ... ولَيْلٍ أُقاسِيهِ بَطِيءِ الكَواكِبِ
تَقاعَسَ، حتَّى قلتُ: لَيْس بمُنْقَض ... ى ولَيْس الذي يَرْعَى النُّجومَ بآيبِ
وصَدْرٍ أَرَاحَ الليلُ عازِبَ هَمِّهِ ... تَضاعَفَ فيه الحُزْنُ مِنْ كُلِّ جانِب
عَلَيَّ لعَمْرٍو نِعْمَةٌ بَعْدَ نِعْمَةٍ ... لِوالِدِهِ لَيْسَتْ بِذاتِ عَقاربِ
لَهُمْ شِيَمٌ لَمْ يُعْطِها اللّهُ غَيْرَهُمْ ... مِن النَّاسِ، والأَحْلامُ غَيْرُ عَوازب
بَنُو عَمِّهِ دِنْياً وعَمْرِو بن عامِرٍ ... أُولئكَ قَوْمٌ بَأَسُهُمْ غَيْرُ كاذِبِ
إِذا ما غَزْوا بالجَيْشِ حَلَّقَ فَوْقَهُمْ ... عَصائِبُ طَيْرٍ تَهْتَدِي بعَصائِبِ
يُصاحِبْنَهُمْ حتَّى يُغِرْنَ مَغارَهُمْ ... مِن الضَّارِياتِ بالدِّماءِ الدَّوارِبِ
تَراهُنَّ خَلْفَ القَوْمِ خُزْراً عُيُونُها ... جُلُوسَ الشُّيُوخِ في مُسُوكِ الأَرانِب
جَوانحُ، قد أَيْقَنَّ أَنَّ قَبيلَهُ ... إِذا ما الْتَقَى الجَمْعان أَولُ غالِب
لَهُنَّ عَلَيْهمْ عادَةٌ قد عَرَفْنَها ... إِذا عُرِّضَ الخَطِّيُّ فَوْقَ الكَوالب
على عارفاتٍ للطِّعان عَوابس ... بهنَّ كُلُومٌ بَيْنَ دامٍ وجالِب
إِذا اسْتُنْزِلُوا عَنْهُنَّ لِلطَّعْنِ أَرْقَلُواإِلى المَوْتِ إِرْقالَ الجِمالِ المَصاعِب
ولا عَيْبَ فِيهِمْ غَيْرَ أَنَّ سُيُوفَهُمْ ... بهِنَّ فُلُولٌ مِن قِراعِ الكَتائِب
تَقُدَّ السَّلُوقِيَّ المُضاعَفَ نَسْجُهُ ... ويُوقِدْنَ بالصُّفَّاحِ نارَ الحُباحِبِ
ولا يَحْسِبُونَ الخَيْرَ لا شَرَّ بَعْدَهُ ... ولا يَحْسِبُونَ الشَّرَّ ضَرْبَةَ لازب
قال
أيضاً
حَلَفْتُ فَلَمْ أَتْرُكْ لِنَفْسِكَ رِيبَةً ... ولَيْسَ وَراء اللّهِ للمَرْءِ مَذْهَبُ
لَئِنْ كنتَ قد بُلِّغْتَ عنِّي خِيانَةً ... لَمُبْلِغُكَ الواشِي أَغَشُّ وأَكْذَبُ
ولسْتَ بمُسْتَبْبقٍ أَخاً لا تَلُمُّهُ ... على شَعَثٍ، أَيُّ الرِّجال المُهَذَّبُ
ولكنَّنِي كنتُ امْرأَ لِيَ جانِبٌ ... مِن الأَرْضِ فِيه مُسْتَرادٌ ومَطْلَبُ
مُلُوكٌ وإِخْوانٌ إِذا ما أَتَيْتُهُمْ ... أُحَكَّمُ في أَمْوالِهِمْ وأُقَرَّبُ
كفِعْلِكَ في قَوْمٍ أَراكَ اصْطَنَعْتَهُم ... فَلَمْ تَرَهُمْ في شُكْرِ ذلكَ أَذْنَبُوا
أَلَمْ تَر أَنَّ اللّهَ أَعْطاكَ سُورَةً ... تَرَى كلَّ ملْكِ دُونَها يَتَذَبْذَبُ
فإِنَّكَ شَمْسٌ والمُلُوكُ كَواكِبٌ ... إِذا طَلَعَتْ لَمْ يَبْدُ مِنْهنَّ كَوْكَبُ
قال
زهير بن أبي سلمىإِنَّ البَخِيلَ مُلَوَّمٌ حيثُ كانَ ول ... كِنَّ الجَوادَ على عِلاَّتِهِ هَرِمُ
هو الجوادُ الذي يُعْطِيكَ نائِلَهُ ... عَفْواًن ويُظْلَمُ أَحْياناً فيَظَّلِمُ
وإِنْ أَتاهُ خَلِيلٌ يومَ مَسْغَبَةٍ ... يقُولُ لا غائِبٌ مالِي ولا حَرِمُ
ومِنْ ضَريبَتِهِ التَّقْوَى، ويَعْصِمُهُ ... مِنْ سَيِّىءِ العَثَراتِ اللّهُ والرَّحِمُ
مُوَرَّثُ المَجْدِ، لا يَغْتالُ هِمَّتَهُ ... عن الرِّيَاسَةِ لا عَجْزٌ ولا سَأَمُ
كالْهَنْدُوانِيِّ لا يُخْزيكَ مَشْهَدُهُ ... وَسْطَ السُّيُوفِ إِذا ما تُضْرَبُ البُهَمُ
قال
أيضاً
وفِيهِمْ مَقاماتٌ حِسانٌ وُجُوهُها ... وأَنْدِيَةٌ يَنْتَابُها القَوْلُ والفِعْلُ
فإِنْ جِئْتَهُمْ أَلْفَيْتَ حَوْلَ بُيُوتِهمْ ... مَجالِسَ قد يُشْفَى بأَحْلامِها الجَهْل
بعَزْمَةِ مَأَمُورٍ مُطِيعٍ وآمِرٍ ... مُطاعٍ، فلا يُلْفَى لحَزْمِهِمُ مِثْلُ
على مُكْثِر بِهِمْ رِزْقُ مَنْ يَعْتَرِيهمْ ... وعندَ المُقِلِّينَ السَّماحَةُ والبَذْلُ
سَعَى بَعْدَهُمْ قَوْمٌ لِكَي يُدْركُوهُمُفلَمْ يَفْعَلُوا، ولَمْ يُلامُوا، ولَمْ يَأْلُوا
فما كانَ مِن خَيْرٍ أَتَوْهُ فإِنَّما ... تَوارَثَهُ آباءُ آبائِهِمْ قَبْلُ
وهَلْ يُنْبِتُ الخَ " ِّيَّ إِلاَّ وَشِيجُهُ ... وتُغْرَسُ إِلاَّ في مَنابِتها النَّخْلُ
قال
الكميت زيد بن الأخنس
طَرِبْتُ وما شَوْقاً إِلى البِيضِ أَطْرَبُ ... ولا لَعِباً منِّي وذو الشَّيْبِ يَلْعَبُ
وَلَمْ تُلْهِنِي دارٌ ولا رَسْمُ منْزِلٍ ... ولَمْ يَتَطَرَّبْنِي بَنانٌ مُخَضَّبُ
ولا أَنا مِمَّا يَزْجُرُ الطَّيْرَ هَمُّهُ ... أَصاحَ غُرابٌ أَمْ تَعَرَّضَ ثَعْلَبُ
ولا السَّانِحاتُ البارحاتُ عَشِيَّةً ... أَمَرَّ سَلِيمُ القَرْنِ أَمْ مَرَّ أَعْضَبُ
ولكنْ إِلى أَهْلِ الفَضائِلِ والنُّهَى ... وخَيْرِ بَنِي حَوَّاء، والخَيْرُ يُطْلَبُ
إِلى النَّفَرِ البِيضِ الذين بحُبِّهمْ ... إِلى اللّهِ فِيما نابَنِي أَتَقَرَّبُ
بَنِي هاشِمٍ رَهْطِ النَّبِيِّ وأَهْلِهِ ... بهِمْ ولَهُمْ أَرْضَى مِراراً وأغْضَبُ
خَفَضْتُ لَهُمْ مِنِّي جَنَاحَيْ مَوَدَّةٍ ... إِلى كَنَفٍ وعِطْفاهُ أَهْلٌ ومَرْحَبُ
وكنتَ لَهُمْ مِن هَؤُلاءِ وهَؤُلا ... مِجَنّاً، على أَنِّي أُذَمُّ وأُقْصَبُ
فلا زِلْتُ فِيهِمْ حيثُ يَتَّهِمُونَنِي ... ولا زِلْتُ في أَشْباعِهِمْ أَتَقَلَّبُ
فما لِيَ إِلاَّ آلَ أَحمدَ شِيعَةٌ ... وما لِيَ إِلاَّ مَذْهَب الحَقِّ مَذْهبُ
إِليكمْ ذوي آلِ النَّبِيِّ تَطَلَّعَتْ ... نَوازِعُ مِن قَلْبِي ظِماءُ وأَلْبُبُ
بأَيِّ كتابٍ أَم بأَيَّةِ سُنَّةٍ ... يُرَى حُبُّهُمْ عاراً عليَّ ويُحْسَبُ
يُشِيرُونَ بالأَيْدِي إِليَّ، وَقَوْلُهُمْ ... أَلا خابَ هذا، والمُشِيرُونَ أَخْبَبُ
وَجَدْنا لكمْ في آلِ حامِيمَ آيَةً ... تَأَوَّلَها مِنَّا تَقِيٌّ ومُعْربُ
على أَيِّ جُرْمٍ أَمْ بأَيَّةِ سِيرَةٍ ... أُعَنَّفُ في تَقْرِيبِهِمْ وأُكَذَّبُ
أُناسٌ بهِمْ عَزَّتْ قُرَيْشٌ فأَصْبَحَتْ ... وفِيهِمْ خِباءُ المَكْرماتِ المَطَنَّبُ
أُولئِكَ إِنْ شَطَّتْ بهِمْ غَرْبَةُ النَّوَىأَمانِيُّ نَفْسِي، والهَوَى حيثُ يَقْرُبُوا
مَضَوْا سَلَفاً، لابُدَّ أَنَّ طَريقَنا ... إِليهمْ تغادٍ نَحْوَهُمْ مُتَأَوِّبُ
فَيا مُوقِداً ناراً لِغَيْركَ ضَوْءُها ... ويا حاطِباً في حَبْل غَيْركَ تَحْطِبُ
قال
جندب بن خارجة
بن سعد الطائيإِلى أَوْسِ بْنِ حارِثَةَ بنِ لأَمٍ ... لِيَقْضِيَ حاجَتِي فِيمَنْ قَضاها
فَما وَطِىء الحَصَى مِثْلُ ابن سُعْدَى ... ولا لَبسَ النِّعالَ ولا احْتَذاها
إِذا ما رايَةٌ رُفِعَتْ لِمَجْدٍ ... سَما أَوْسٌ إِليها فاحْتَواها
قال
الشماخ بن ضرار الذبياني
إسلاميولَسْتُ إِذا الهُمُومُ تَجَرَّضَتْنِي ... بأَخْضَعَ في الحَوادِثِ مُسْتَكِينِ
فَسلِّ الهَمَّ عنكَ بذاتِ لَوْث ... عُذافِرَةٍ مُضَبَّرَة أَمُون
إِذا بَلَّغْتِنِي وحَمَلْتِ رَحْلِي ... عَرابَةَ، فاشْرَقِي بدَمِ الوَتِينِ
إِليكَ بَعَثْتُ رَاحِلَتِي تَشَكَّى ... حُرُوثاً بَعْدَ مَحْفِدِها السَّمِينِ
إِذا الأَرْطَى تَوَسَّدَ أَبْرَدَيْهِ ... خُدُودُ جَوازِىءٍ بالرَّمْلِ عِينِ
رَأَيْتُ عَرابَةَ الأَوْسِيَّ يَسْمُو ... إِلى الخَيْراتِ مُنْقَطِعَ القَرين
إِذا ما رايَةٌ رُفِعَتْ لمَجْد ... تَلَقَّاها عرابَةُ باليَمِينِ
فِدىً لِعَطائِكَ الحَسَن المُوَفَّى ... رَجاءُ المُخْلِفاتِ مِن الظُّنُون
قال
أبو نواس الحكميأَقُولُ لِناقَتِي إِذْ بَلَّغَتْنِي ... لقَدْ أَصْبَحتِ عندِي باليَمِين
ولَمْ أَجْعَلْكِ لِلْغِرْبان نَهْباً ... ولا قُلْتُ اشْرَقِي بدَمِ الوَتِين
حَرُمْتِ على الأَزمَّةِ والوَلايا ... وأَعْلاق الرِّحالَةِ والوَضين
قال
الفرزدقأَقُولُ لِناقَتِي لَمَّا تَرامَتْ ... بِنا بِيدٌ مُسَرْبَلَةُ القتَامِ
إِلامَ تَلَفَّتِينَ وأَنْتِ تَحْتي ... وخَيْرُ النَّاسِ كُلِّهمُ أَمامي
مَتَى تَردِي الرُّصافَةَ تَسْتَريحِي ... مِن التَّهْجير والدَّبَر الدَّوامي
قال
أبو نواس الحكميفإِذا المَطِيُّ بِنا بَلَغْنَ محمداً ... فظُهُورُهُنَّ على الرِّجالِ حرامُ
قَرَّبننا مِن خَيْر مَن وَطِىء الحَصَى ... فَلَها عَلَيْنا حُرْمَةٌ وذِمامُ
قال
عبد الله بن رواحة
إسلاميإِذا بَلَّغْتِنِي وحَمَلْتِ رَحْلِي ... مَسِيرَةَ أَرْبَعٍ بَعْدَ الحِساءِ
فَشأْنَكِ، فانْعَمِي وخَلاكِ ذَمٌّ ... ولا أَرْجعُ إِلى أَهْلِي ورَائِي
قال
ذو الرمةأَقُولُ لها، إِذْ شَمَّرَ السَّيْرُ واسْتَوَتْ ... بها البيدُ واسْتَنَّتْ عليها الحَرائرُ
إِذا ابنُ أَبي مُوسَى بلالٌ بَلَغْتِهِ ... فقامَ بفَأْسٍ بَيْنَ عَيْنَيْكِ جازرُ
وأَنتَ امْرُؤٌ مِن أَهْلِ بَيْتِ ذُؤَابَةٍ ... لَهُمْ قَدَمٌ مَعْرُوفَةٌ ومَفاخِرُ
أُسُودٌ إِذا ما أَبْدَتِ الحَرْبُ ساقَها ... وفي سائِر الدَّهْر الغُيوثُ المَواطِرُ
يَطِيبُ تُرابُ الأَرْضِ إِنْ نَزَلُوا بها ... وتَخْتالُ أَنْ تَعْلُو عليها المَنابرُ
وما زلْتَ تَسْمُو للمُعالي، وتَحْتَبي ... حُبا المَجْدِ مُذْ شُدَّت عليكَ المَآزرُ
قال
داود بن سلم
في قثم بن العباسنَجَوْتِ مِن حَلٍّ ومِن رِحْلَةٍ ... يا ناقَ إِنْ قَرّيْتِنِي مِن قُثَمْ
إِنَّكِ إِنْ بَلَّغْتِنِيهِ غداً ... عاشَ لنا اليُسْرُ وماتَ العَدَمْ
في باعِهِ طُولٌ، وفي وَجْهِهِ ... نُورٌن وفي العِرْنِين مِنْه شَمَمْ
لَمْ يَدْرِ مالاً، وبَلَى قد دَرَى ... فَعافَها، واعْتاضَ عَنْها نَعَمْ
أَصَمُّ عن ذِكْرِ الخَنا سَمْعُهُ ... وما عن الخبر بهِ مِن صَمَمْ
قال
ذو الرمةسَمِعْتُ، النَّاسُ يَنْتَجعُونَ غَيْثاً ... فقُلْتُ لِصَيْدَحَ: انْتَجِعِي بِلالا
تُناخِي عندَ خَيْرِ فتىً يَمانٍ ... إِذا النَّكْباءُ عارَضَتِ الشَّمالا
وأَبْعَدِهِمْ مَسافَةَ غَوْرِ عَقْلٍ ... إِذا ما الأَمْرُ ذُو الشُّبُهاتِ غَالا
وخَيْرهِمُ مآثِرَ أَهْلِ بَيْتٍ ... وأَكْرَمِهِمْ، وإِنْ كَرُمُوا، فَعالا
كأَنَّ النَّاسَ حينَ تَمُرُّ حَتَّى ... عَواتِقَ لَمْ تكنْ تَدَعُ الحِجالا
قِياماً يَنْظُرُون إِلى بِلالٍ ... رِفاقُ الحَجِّ أَبْصَرَتِ الهِلالا
فَقَدْ رَفَعَ الإِلهُ بِكُلِّ أُفْقٍ ... لِضَوْئِكَ يا بِلالُ سَناً طُوالا
كضَوْءِ الشَّمْسِ لَيْسَ بهِ خَفاءُ ... وأُعْطِيتَ المَهابَةَ والجَمالا
تَرَى مِنهُ العِمامَةَ فَوْقَ وَجْه ... كأَنَّ على صَحِيفَتِهِ صِقالا
قال
المثقب العبديفَسَلِّ الهَمَّ عنكَ بذاتِ لَوْثٍ ... عُذافِرَةٍ كمِطْرَقَةِ القُيُون
إِذا ما قُمْتُ أَحْدِجُها بلَيْلٍ ... تَأَوَّهُ آهَة الرَّجْلِ الحَزِينِ
تقولُ إِذا دَرَأْتُ لها وَضِيناً ... أَهَذا دينُهُ أَبداً ودِينِي
أَكُلُّ الدَّهْرِ حَلٌّ وارْتِحالٌ ... أَمَا تُبْقِي عَلَيَّ ولا تَقِينِي
ثَنَيْتُ زِمامَها، وَوَضَعْتُ رَحْلِي ... ونُمْرُقَةً رَفَدْتُ بِها يَمِينِي
فَرُحْتُ بِها تُعارِضُ مُسَبْطِرّاً ... على صَحْصاحِهِ وعلى المُتُونِ
إِلى عَمْرٍو ومِن عَمْرٍو أَتَتْنِي ... أَخِي النَّجَداتِ والحِلْمِ الرَّصِين
قال
جنادة بن مرداس العقيليإِليكَ اعْتَسَفْنا بَطْنَ خَبْتٍ بِأَيْنُقٍ ... نَوازِعَ، لا يَبْغِينَ غَيْرَكَ مَنْزِلا
رُعَيْنَ الحِمَى شَهْرَيْ رَبيعٍ كِلَيْهِما ... فجئْنَ كما شَيَّدْتَ بالشِّيدِ هَيْكلا
فلمَّا رَعاها السَّيْرُ عادَتْ كأَنَّها ... أَهِلَّةُ صَيْف رَدَّها البُرْجُ أُفَّلا
قال
الأعشى ميمونأَغَرُّ أَبْلَجُ يُسْتَسْقَى الغَمامُ بهِ ... لو صارَعَ القَوْمَ عن أَحْسابِهمْ صَرَعَا
قد حَمَّلُوهُ حَدِيثَ السِّنِّ ما حَمَلَتْ ... ساداتُهُمْ فأَطاقَ الحِمْلَ واضْطَلَعا
لا يَرْقَعُ النَّاسُ ما أَوْهَى ولَوْ جَهَدُوا ... أَنْ يَرْقَعُوه ولا يُوهُونَ ما رَقَعا
قال
أبو الشيمي محمد بن عبد الله
الخزاعيوعِصابَةٍ صَرَفَتْ إِليكَ وُجُوهَها ... نَكَباتُ دَهْرٍ للفَتَى عَضَّاضِ
شَدُّوا بأَكْوارِ الرِّحالِ مَطِيَّهُمْ ... مِن كُلِّ أَهْوَجَ لِلْحَصَى رَضَّاضِ
قَطَعُوا إِليكَ نِياطَ كُلِّ تَنُوفَةٍ ... ومَهامِه مُلْسِ المُتُونِ عِراضِ
أَكَلَ الوَجِيفُ لُحُومَها ولُحُومَهُمْ ... فأَتَوْكَ أَنْقاضاً على أَنْقاضِ
ولقَدْ أَتَيْنَ على الزَّمانِ سَواخِطاً ... ورَجَعْنَ عنكَ وهُنَّ عنهُ رَواضِ
لأَبِي محمدٍ المُرَجَّى راحَتا ... مَلِكٍ إِلى شَرَفِ العُلَى نَهَّاضِ
فَيَدٌ تَدَفَّقَ بالنَّدَى لِوَلِيِّهِ ... ويَدٌ على الأَعْداءِ سُمٌّ قاضِ
راضَ الأُمُورَ ورُضْنَهُ بعَزيمة ... وكَفاكَ رَأْيُ مُرَوَّضِ رَوّاضِ
قال
الممزق شأس بن نهار
العبدييمدح عمرو بن النعمان بن المنذر الأكبر. وكان قد هم أن يغزو عبد القيس. فلما سمع بالقصيدة رجع عن ذلك.
وناجِيَةٍ عَدَّيْتُ مِن عِنْدِ ماجِدٍ ... إِلى واحِدٍ مِن غَيْرِ سُخْطٍ مُفَرِّق
لِتُبْلِغَنِي مَن لا يُكَدِّرُ نِعْمَةً ... بغَدْرٍ ولا يَزْكُو إِلَيْهِ تَمَلُّقِي
تَخاسَى يَداها بالحَصَى وَتُرضُّه ... بأَسْمَرَ صَرَّافٍ إِذا حَمْيَ مُطْرِقِ
وقَدْ ضَمَرتْ حتَّى الْتَقَى مِن نُسُوعِهاقُوَى ذِي ثَلاثٍ لَمْ تَكُنْ قَبْلُ تَلْتَقِي
وقَدْ تَخِذَتْ رِجْلِي إِلى جَنْبِ غَرْزِها ... نَسِيفاً كأُفْحُوصِ القَطاةِ المُطَرِّقِ
وأَضْحَتْ بِجَوٍّ يَصْرُخُ الذِّيبُ حَوْلَها ... وكانَتْ بِقاعٍ ناعِمِ النَّبْتِ سَمْلَقِ
تَرُوحُ وتَغْدُو ما يُحَلُّ وَضِينُها ... إِليكَ ابنَ ماءِ المُزْنِ وابنَ مُحَرِّقِ
عَلَوْتُمْ مُلُوكَ الأَرْضِ بالحَزْمِ والتُّقَىوغَرْبِ نَدىً مِن غُرَّةِ المَجْدِ يَسْتَقِي
وأَنتَ عَمُودُ المُلْكِ مَهْما تَقُلْ يُقَلْ ... ومَهْما تَضَعْ مِن باطل لا يُحَقَّقِ
فإِنْ يَجْبُنُوا تَشْجُعْ، وإِنْ يَبْخَلُوا تَجُدْوإِنْ يَخْرُقُوا بالأَمْرِ تَفْصِلْ فتَفْرُقِ
أَحَقَّاً أَبَيْتَ اللَّعْنَ أَنَّ ابنَ فَرْتَنَىعلى غَيْرِ إِجْرامٍ بِرِيقِي مُشَرِّقِي
فإِنْ كنتُ مَأْكُولاً فكُنْ أَنتَ آكِلِي ... وإِلاَّ فأَدْرِكْنِي ولَمَّا أُمَزَّقِ
قال
الأحوص بن محمد
بن عبد الله بن عاصم بن ثابت بن أبي الأقلح الأنصاريإِذا كُنْتَ عِزْهاةً عن اللَّهْوِ الصِّبا ... فكُنْ حَجَراً مِن يابِسِ الصَّخْرِ جَلْمَدا
هلِ العَيْشُ إِلاَ ما تَلَذُّ وتَشْتَهِي ... وإِنْ لامَ فِيهِ ذُو الشَّنانِ وفَنَّدَا
لَعَمْري لَقَدْ لاقَيْتُ يومَ مُوَقَّرٍ ... أَبَا خالِد في الحَيِّ يَحْمِلُ أَسْعُدا
وأَوْقَدْتُ نارِي باليَفاعِ فلَمْ تَدَعْ ... لِنِيرانِ أَعْدائِي بِنُعْماكَ مَوْقِدا
وما كانَ مالِي طارِفاً عن تِجارَةٍ ... وما كانَ مِيراثاً مِن المالِ مُتْلَدا
ولكنْ عَطاءٌ مِن إِمامٍ مُبارَك ... مَلاَ الأَرْضَ مَعْرُوفاً وعَدْلاً وسُؤدُدا
فإِنْ أَشُكُرِ النُّعْمُى التي سَلَفَتْ لهُ ... فأَعْظِمْ بِها عِنْدِي إِذا ذُكِرَتْ يَدا
أَهانَ تِلادَ المالِ لِلحَمْدِ إِنَّهُ ... إِمامُ هُدىً يَجْرِي على ما تَعَوَّدا
فكَمْ لكَ عِنْدِي مِن عَطاءٍ ونِعْمَةٍ ... تَسُوءُ عَدُوّاً غائِبِينَ وشُهَّدا
فَلَوْ كانَ بَذْلُ المالِ والعُرْفِ مُخْلِداًمِن النَّاسِ إِنْساناً لَكُنتَ المُخَلَّدا
فأُقْسِمُ لا أَنْفَكُّ ما عِشْتُ شاكِراً ... لِنُعْماكَ ما ناحَ الحمَامُ وغَرَّدا
قال
الفرزدقتقُولُ لمَّا رَأَتْنِي وَهْيَ طَيِّبَةٌ ... على الفِراشِ ومِنْها الدَّلُّ والخَفَرُ
أَصْدِرْ هُمُومَكَ لا يَقْتُلْكَ وارِدُها ... فكُلُّ وَارِدَةٍ يَوْماً لها صَدَرُ
فعُجْتُها قِبَلَ الأَخْبارِ مَنْزِلَةً ... والطَّيِّبِي كُلِّ ما الْتاثَتْ بهِ الأُزُرُ
إِذا رَجا الرَّكْبُ تَعْرِيساً ذَكَرْتَ لَهُمْغَيْثاً يكُونُ على الأَيْدِي لهُ دِرَرُ
وكَيْفَ تَرْجُونَ تَغْمِيضاً وأَهْلُكُمُ ... بِحَيْثُ تَلْحَسُ عن أَوْلادِها البَقَرُ
سِيرُوا، فإِنَّ ابنَ لَيْلَى عن أَمامِكُمُ ... وبادِرُوهُ فإِنَّ العُرْفَ مُبْتَدَرُ
فأَصْبَحُوا قَدْ أَعَادَ اللّهُ دَوْلَتَهُمْإِذْ هُمْ قُرَيْشٌ وإِذْ ما مِثْلَهُمْ بَشَرُ
ولَنْ يَزالَ إِمامٌ مِنهُم مَلِكٌ ... إِليه يَشْخَصُ فَوْقَ المِنْبَرِ البَصَرُ
قال
الأحوص بن محمد
بن عبد الله بن عاصم الأنصاريفَلأشكُرَنَّكَ حُسْنَ ما أَوْلَيْتَنِي ... شُكْراً تَحُلُّ بِهِ المَطِيُّ وتَرْحَلُ
مِدَحاً يكونُ لكُمْ غَرائِبُ شِعْرِها ... مَبْذُولَةً ولِغَيْرِكُمْ لا تُبْذَلُ
وأَرَاك تَفْعَلُ ما تَقولُ وبَعْضُهم ... مَذِقُ اللِّسان يقولُ ما لا يَفْعَلُ
إِنَّ امْرَءً قد نالَ منكَ قَرابةً ... يَرْجُو مَنافِعَ غَيْرِها لَمُضَلَّلُ
قال
كثير بن عبد الرحمن
الخزاعيعَجِبْتُ لِتَرْكِي خُطَّةُ الرُّشْدِ بَعْدَما ... بَدا لِيَ مِن عَبْد العزيز قَبُولُها
حَلَفْتُ بِرَبِّ الرَّاقِصاتِ إِلى مِنىً ... يَغُولُ البلادَ نَصُّها وذَمِيلُها
لَئِنْ عادَ لِي عبدُ العزيزِ بِمِثْلِها ... وأَمْكَنَنِي مِنْها إِذَنْ لا أُقِيلُها
إِذا ابْتَدَرَ النَّاسُ المَكارِمَ بَذَّهُمْ ... عَراضَةُ أَخْلاقِ ابنِ لَيْلَى وطُولُها
بَسَطْتَ لِباغِي العُرْفِ كَفّاً خَصِيَةً ... تَنالُ العِدَى بَلْهَ الصَّدِيقَ فُضُولُها
قال
محمد بن عبيد الله
بن عمرو بن معاوية بن عتبه بن أبي سفيانرَأَيْنَ الغَوانِي الشَّيْبَ لاحَ بمَفْرِقيفأَعْرَضْنَ عَنِّي عَنِّي بالوُجُوهِ النَّواضِرِ
وكُنَّ إِذا أَبْصَرْنَنِي أَو سَمِعْنَنِي ... دَنَوْنَ فَرَقَّعْنَ الكُوَى بالمَحاجِرِ
لَئِنْ حُجِمَتْ عَنِّي نَواظِرُ أَعْيُنٍ ... رَمَيْنَ بأَحْداقِ المَها والجَآذِرِ
فإِنِّي مِن قَوْمٍ كَرِيمٍ نِجارُهُمْ ... لأَقْدامِهِمْ صيغَتْ رُءُوسُ المَنابر
قال
الشماخ بن ضرار الذبياني
مخضرموشُعْثٍ نَشاوَى مِن كَرىً عندَ ضُمَّرٍ ... أَنَخْنَ بَجْعجاعٍ كَرِيم المُعَرَّجِ
بَعَثْتُهُمُ والليلُ حَيْرانُ ضارِبٌ ... بأَرْواقِهِ والصُّبْحُ لَمْ يَتَبَلَّجِ
وأَشْعَثَ قَدْ قَدَّ السِّفارُ قَمِيصَهُ ... وَجَرُّ شِواءٍ بالعَصا غيرُ مُنْضَجِ
دَعَوْتُ إِلى ما نابَنِي فأَجابَنِي ... كَرِيمٌ مِن الفِتْيانِ غيرُ مُزَلَّجِ
فتىً يَمْلأُ الشِّيزَى ويُرْوِي سِنانَهُ ... ويَضْرِبُ في رَأْسِ الكَمِيِّ المُدَجَّجِ
فتىً لَيْس بالرَّاضِي بأَدْنَى مَعِيشَةٍ ... ولا في بُيُوتِ الحَيِّ بالمُتَوَلجِ
قال
الأحوص زيد بن عتاب
اليربوعيوكنتُ إِذا ما بابُ مَلْكٍ قَرَعْتُهُ ... قَرَعْتُ بآباءٍ ذَوِي شَرَفٍ ضَخْمِ
بآباءِ عَتَّابٍ وكانَ أَبُوهُمُ ... إِلى الشَّرَفِ الأَعْلَى بآبائِهِ ينْمِي
هُمُ مَلَكُوا الأَمْلاكَ آلَ مُحَرِّقٍ ... وزادُوا أَبا قابُوسَ رَغْماً على رَغْمِ
وكُنَّا إِذا قَوْمٌ رَمَيْنا صَفاتَهُمْ ... تَرَكْنا صُدُوعاً في الصَّفاةِ التي نَرْمِي
قالت
الذلفاءهل مِن سَبِيلٍ إِلى خَمْرٍ فأَشْرَبَها ... أَمْ هل سَبيلٌ إِلى نَصْرِ بن حَجَّاجِ
إِلى فَتىً ماجِدِ الأَعْراقِ مُقْتَبَلٍ ... تُضِيءُ غُرَّتُهُ في الحالِكِ الدَّاجِي
نِعْمَ الفَتى في ظَلامِ اللَّيلِ نُصْرَتُهُ ... لِبائِسٍ أَو لِمسْكِينٍ ومُحْتاجِ
قال
الفرزدق همام بن غالبهذا الذي تَعْرِفُ البَطْحاءُ وَطْأَتَهُ ... والبَيْتُ يَعْرِفُهُ والحِلُّ والحَرَمُ
هذا ابنُ خَيْرِ عِبادِ اللّهِ كُلِّهِمُ ... هذا التَّقِيُّ النَّقِيُّ الطَّاهِرُ العَلَمُ
إِذا رَأَتْهُ قُريْشٌ قالَ قائِلُها ... إِلى مَكارِمِ هذا يَنْتَهِي الكَرَمُ
يَكادُ يُمْسِكُهُ، عِرْفانَ راحَتِهِ، ... رُكْنُ الحَطِيمِ إِذا ما جاء يَسْتَلِمُ
مَنْ يَعْرِفِ اللّهَ يَعْرِفْ أَوَّلِيَّةَ ذا ... الدِّينُ مِن بَيْتِ هذا نالَهُ الأُمَمُ
فلَيْسَ قَوْلُكَ مَنْ هذا بِضائِرِهِ ... العُرْبُ تَعْرِفُ مَن أَنْكَرْت والعَجَمُ
هذا ابنُ فاطمة إِنْ كُنتَ جاهِلَهُ ... بجَدِّهِ أَنْبِياءُ اللّهِ قد خُتِمُوا
لو يَعْلَمُ البَيْتُ مَن قد جاء يَلْثِمُهُ ... لَظَلَّ يَلْثِمُ مِنْه ما وَطِي القَدَمُ
يَنْشَقُّ نُورُ الهُدَى عن نُورِ غُرَّتِهِكالشَّمْسِ تَنْجابُ عن إِشْراقِها الظُّلَمُ
ما قالَ لا قَطُّ إِلاَّ في تَشَهُّدِهِ ... لَوْلا التَشَهُّدُ كانتْ لاءهُ نَعَمُ
يَنْمِي إِلى ذِرْوَةِ المَجْدِ التي قَصُرَتْ ... عن نَيْلِها عَرَبُ الإسْلامِ والعَجَمُ
إِنْ عُدَّ أَهْلُ التُّقَى كانُوا أَئِمَّتَهُمْأَو قِيلَ: مَن خَيْرُ أَهْلِ الأَرْضِ قِيلَ: هُم
مَنْ جَدُّهُ دانَ فَضْلُ الأَنَّبياءِ لهُ ... وفَضْلُ أُمَّتِهِ دانَتْ لهُ الأُمَمُ
لا يُخْلِفُ الوَعْدُ، مَيْمُونٌ نَقِيَبتُهُ، ... رَحْبُ الفِناءِ، أَرِيبٌ حينَ يَعْتَزِمُ
مِن مَعْشَرٍ حُبُّهُمْ دِينٌ، وبُغْضُهُمُ ... كُفْرٌ، وقُرْبُهُمُ مَنْجىً ومُعْتَصَمُ
مُقَدَّمٌ بَعْدَ ذِكْرِ اللّهِ ذِكْرُهُمُ ... في كُلِّ دِينٍن ومَخْتُومٌ بهِ الكَلِمُ
يُسْتَدْفَعُ البؤْسُ والبَلْوَى بحُبِّهِمُ ... ويُسْتَرَبُّ بهِ الإِحْسانُ والنِّعَمُ
همُ الغُيُوثُ إِذا ما أَزْمَةٌ أَزَمَتْوالأُسْدُ أُسْدُ الشَّرَى والبَأْسُ مُحْتَدِمُ
يَأْبَى لَهُمْ أَنْ يَحُلَّ الذَّمُّ ساحَتَهُمْخِيمٌ كَرِيمٌ وأَيْدٍ بالنَّدَى هُضُمُ
قال
الحزين بن وهب الكناني
أموي الشعرقالُوا: دِمَشْقَ، فإِنَّ الخَيِّرِينَ بها،ثُمَّ ائْتِ مِصْرَ فَثَمَّ النَّائِلُ العَمَمُ
لَمَّا وَقَفْتُ عليهِ بالجُمُوعِ ضُحىً ... وقد تَعَرَّضَتِ الحُجّابُ والخَدَمُ
حَيَّيْتُهُ بِسَلامٍ وَهْوَ مُرْتَفِقٌ ... وضَجَّةُ القَوْمِ عندَ البابِ تَزْدَحِمُ
يُغْضِي حَياءً ويُغْضَى مِن مَهابَتِهِ ... فلا يُكَلَّمُ إِلاَّ حِينَ يَبْتَسِمُ
في كَفِّهِ خَيْزُرانٌ ريحُهُ عَبِقٌ ... مِن كَفِّ أَرْوَعَ في عِرْنِينِهِ شَمَمُ
لا يُخْلِفُ الوَعْدَ، مَيْمُونٌ نَقِيبَتُهُ ... رَحْبُ الفِناءِ أَرِيبٌ حينَ يَعْتَزِمُ
كمْ صارِخٍ بكَ مِن راجٍ وراجِيَةٍِ ... يَدْعُوكَ: يا قُثَمَ الخَيْراتِ، يا قُثَمُ
قال
أبو الطمحان القينيإِذا لَبسُوا عَمائِمَهمْ ثَنَوْها ... على كَرَمٍ، وإِنْ سَفَرُوا أَنارُوا
يَبِيعُ ويَشْتَري لَهمُ سِواهُمْ ... ولكنْ بالرِّماحِ هُمُ تِجارُ
إِذا ما كنْتَ جارَ بَنِي لؤَيٍّ ... فأَنتَ لأكْرَمِ الثَّقَلَيْن جارُ
قال
عبد الرحمن بن حسان
بن ثابت الأنصاريأَعِفّاءُ تَحْسِبُهمْ لِلْحيا ... ءِ مَرْضَى تَطاوَلُ أَسْقامُها
يَهون عليهم إِذا يَغْضَبُو ... نَ سُخْط العُداةِ وإِرْغامُها
وَرتْق الفتوق، وفَتْق الرُّتوق ... ونَقْض الأُمُور وإِبْرامُها
قال
الكميتقادَ الجُيُوشَ لخَمْسَ عَشْرَةَ حِجَّةً ... ولِداتهُ إِذْ ذاكَ في أَشْغالِ
قَعَدَتْ بهمْ هِمَّاتهمْ، وسَمَتْ بهِ ... هِمَمُ المُلوكِ وسَوْرَة الأبْطالِ
في كَفِّهِ قَصَباتُ كُلِّ مُقَلَّد ... يَوْمَ الرِّهان وفَوْزُ كُلِّ نِضالِ
حمزة بن بيض الحنفيأَتَيْناكَ فِي حاجَةٍ فاقْضِهَا ... وقُلْ مَرْحَباً يَجِبِ المَرْحَبُ
فإِنَّكَ في الفَرْعِ مِن أُسْرَةٍ ... لها البَيْتُ والشَّرْقُ والمَغْرِبُ
بَلَغْتَ لِعَشْرٍ مَضَتْ مِن سِنِيْ ... كَ ما يَبْلُغُ السَّيِّدُ الأَشْيَبُ
فَهَمُّكَ فِيها جسامُ الأُمُورِ ... وهَمُّ لِداتِكَ أَنْ يَلْعَبُوا
قال
أبو الجويرية العبدي
أموي الشعرأَنَخْنا بِفَيّاضِ اليَدَيْنِ، يَمينُهُ ... تُبَكِّرُ بالمَعْرُوفِ ثُمَّ تَرَوَّحُ
ويُدْلِجُ في حاجاتِ مَن هو نائِمٌ ... ويُورِي كَرِيماتِ النَّدَى حينَ يَقْدَح
إِذا اعْتَمَّ بالبُرْدِ اليَمانِيِّ خِلْتَهُ ... هِلالاً بَدا في جانِبِ الأُفْقِ يَلْمَحُ
يَزِيدُ على سَرْوِ الرِّجالِ بسَرْوِهِ ... ويَقْصُرُ عنه مَدْحُ مَن يَتَمَدَّحُ
يَمُدُّ نِجادَ السَّيْفِ حتَّى كأَنَّهُ ... بأَعْلَى سَنامَيْ فالِجٍ يَتَطَوَّحُ
يُلَقِّحُ نارَ الحَرْبِ بَعْدَ حِيالِها ... ويَخْدِجُها إِيقاعُهُ حينَ تَلْقَحُ
قال
كثير عزةجَرَى ناشِئاً للحَمْدِ في كُلِّ حَلْبَة ... فجاء مَجيىء السَّابِقِ المُتَمَهِّلِ
أشَدُّ حَياءً مِن فَتاةٍ حَيِيَّةٍ ... وأَمْضَى مَضاء مِن سِنانٍ مُؤَلَّلِ
قال
أمية بن أبي الصلت
مخضرمأَأَذْكُرُ حاجَتِي أَم قد كَفانِي ... حَياؤُكَ، إِنَّ شِيمَتَكَ الحَياءُ
وعِلْمُكَ بالحُقُوق وأَنْتَ فَرْعٌ ... لكَ الحَسَبُ المُؤَثَّلُ والسَّناءُ
خَلِيلٌ لا يُغَيِّرُهُ صباح ... عن الخُلُقِ الجَمِيلِ ولا مَساءُ
إِذا أَثْنَى عليكَ المَرْءُ يَوْماً ... كَفاهُ مِن تَعَرُّضِهِ الثَّناءُ
يُبارِي الرِّيحَ مَكْرُمَةً وجُوداً ... إِذا ما الكَلْبُ أَجْحَرَهُ الشِّتاءُ
قال
ولده
القاسم بن أميةيا طالِبَ الخَيْراتِ عِنْدَ سَراتِنا ... أَقْصِدُ، هُدِيتَ، إِلى بنِي دُهْمانِ
الأَكْثَرِينَ الأَطْيَبِينَ أُرُومَةً ... أَهْلِ التَّراءِ وطَيِّبِي الأَعْطَان
ولَقَدْ بَلَوْتُ النَّاسَ ثُمَّ خَبَرْتُهُمُ ... فوَجَدْتُ أَكْرَمَهُمْ بَنِي الدَّيَّان
قَوْمٌ إِذا نَزَلَ الحَرِيبُ بِدارِهِمْ ... تَرَكُوهُ رَبَّ صَواهِل وقِيان
وإِذا دَعَوْتُهُمُ ليَوْمِ كَرِيهَة ... سَدُّوا شُعاعَ الشَّمسِ بالخِرْصان
لا يَنْكُتونَ الأَرْضَ عندَ سُؤالِهِمْ ... لِتَطَلُّبِ العِلاَّتِ بالعِيدان
بل يَبْسُطونَ وجُوهَهمْ فَتَرى لها ... عندَ اللِّقاءِ كأَحْسَنِ الأَلْوان
قال
جرير بن الخطفيفما كَعْبُ بن مامَةَ وابن سُعْدَى ... بأَجْوَدَ منكَ يا عُمَرُ الجَوادا
وتَبْنِي المَجْدَ يا عَمْرُ بنَ لَيْلَى ... وتَكْفِي المُمْحِلَ السَّنَةَ الجَمَادا
يَعُودُ الحِلْمُ منكَ على قرَيشٍ ... ونَفْرِجُ عنهمُ الكرَبَ الشِّدادا
وتَدْعُو اللّهَ مُجْتَهِداً لِيَرْضَى ... وتَذْكرُ في رَعِيَّتِكَ المَعادا
تَزَوَّدْ مِثْلَ زادِ أَبِيكَ فِينا ... فنِعْمَ الزَّادُ زادُ أَبيكَ زادا
قال
عبد الله بن الزبيروتروى لعمرو بن كميل
سأَشْكرَ عَمْراً إِنْ تَراخَتْ مَنِيَّتِبي ... أَيادِيَ لَمْ تُمْنَنْ وإِنْ هي جَلَّتِ
فتىً غيرُ مَحْجُوبِ الغِنَى عن صَدِيقِهِولا مُظْهِرُ الشَّكْوَى إِذا النَّعْلُ زَلَّتِ
رَأَى خَلَّتِي مِن حيث يَخْفَى مَكانُها ... فكانَتْ قَذَى عَيْنَيْهِ حتَّى تَجَلَّت
قال
أيضاً
فلا مَجْدَ إِلاَّ مَجْدُ أسْمَاء فَوْقَهُ ... ولا جَرْىَ إِلاَّ جَرْىُ أَسْماء فاضِلُهْ
تَراهُ إِذا ما جِئْتَهُ مُتَهَلِّلاً ... كأَنَّكَ تُعْطِيهِ الذي أَنتَ سائِلُهْ
ولَوْ لَمْ يَكُنْ في كَفِّهِ غَيْرُ نَفْسِهِ ... لجَادَ بِها، فَلْيَتَّق اللّهَ سائِلُهْ
قال
آخروكُنْتُ جَلِيسَ قَعْقاعِ بن شَوْرٍ ... ولا يَشْقَى بقَعقاعٍ جَلِيسُ
ضَحُوكُ السِّنِّ إِنْ نَطَقُوا بخَيْر ... وعندَ الشَّرِّ مِطْراقٌ عَبُوسُ
قال
حسان بن ثابت الأنصاريللّهِ دَرُّ عِصابَةٍ نادَمْتُهُمْ ... يوماً بجِلِّقَ في الزَّمان الأَوَّلِ
أَوْلادُ جَفْنَةَ حَوْلَ قَبْرِ أَبيهمُ ... قَبْرِ ابن مارِيَةَ الجَوادِ المُفْضِلِ
بِيضُ الوُجُوهِ، كَرِيمَةٌ أحْسابُهُمْ ... شُمُّ الأُنُوفِ مِن الطِّرازِ الأَوَّلِ
يُغْشَوْنَ، حتَّى ما تَهِرُّ كِلابُهُمْ، ... لا يَسْأَلُونَ عن السَّوادِ المُقْبِلِ
يَسْقُونَ مَن وَرَدَ البَرِيصَ عليهمُ ... بَرَدَى يُصَفَّقُ بالرَّحيقِ السَّلْسَلِ
المُلْحِقينَ فَقِيرَهُمْ بغَنِيِّهِمْ ... والمُشْفِقِينَ على الضَّعِيفِ المُرْمِل
والضَّارِبِينَ الكَبْشَ يَبْرُقُ بَيْضُهُ ... حتَّى يَطِيحَ بهِ بَنانُ المَفْصِلِ
كِلْتَاهُما حَلَبُ العَصِير، فعاطِنِي ... بزُجاجَةٍ أَرْخاهُما لِلْمِفْصَلِ
بزجاجةٍ رَقَصَتْ بِما في قَعْرِها ... رَقَصَ الَقلُوصِ براكِبٍ مُسْتَعْجل
قال
الحطيئة جرول بن أوس العبسيماذا تَقُولُ لأَفْراخٍ بِذِي مَرَخٍ ... حُمْرِ الحَواصِلِ لا ماءُ ولا شَجَرُ
أَلْقَيْتَ كاسِيَهُمْ في قَعْرِ مُظْلِمَة ... فاغْفِرْ، عليكَ سَلامُ اللّهِ يا عُمَرُ
أَنْتَ الإِمامُ الذي مِن بَعْدِ صاحِبِهِ ... أَلْقَتْ إِليكَ مَقالِيدَ النُّهَى البَشَرُ
لَمْ يُؤْثِرُوكَ بها إِذْ قَدَّمُوكَ لَها ... لكنْ لأَنْفُسِهِمْ كانتْ بكَ الخِيَرُ
فامْنُنْ على صِبْيَةٍ بالرَّمْلِ مَسْكَنُهُمْبَيْنَ الأَباطِحِ تَغْشاهُمْ بِها القِرَرُ
أَهْلِي فِداؤُكَ، كم بَيْنِي وبَيْنَهُمُ ... مِن عَرْضِ دَوِّيَّة يَعْمَى بها الخَبرُ
قال
الأعشى ميمونوكان قد أسره رجلٌ من كلب وكان قد هجاه وهو لا يعرفه فنزل ذلك الرجل بشريح بن السموأل، فمر بالأعشى فناداه بقوله:
شُرَيْحُ، لا تَتْرُكَنِّي بَعْدَ ما عَلِقَتْ ... حِبالَكَ اليومَ بَعْدَ القِّدِّ أَظْفاري
قد جُلْتُ ما بَيْنَ بانِقْيا إِلى عَدَنٍ ... وطالَ في العُجْمِ تَكْراري وتَسْياري
فكانَ أَكْرَمَهُمْ عَهْداً وأَوْثَقَهُمْ ... عَقْداً أَبُوكَ بعُرْفٍ غَيْر إِنْكار
كالغَيْثِ ما اسْتَمْطَرُوهُ جادَ وابلُهُ ... وفي الشَّدائِدِ كالمُسْتَأَسِدِ الضَّاري
كُنْ كالسَّمَوْأَلِ إِذْ طافَ الهُمامُ به ... في جَحْفَلٍ كَسَوادِ اللَّيْلِ جَرَّار
إِذْ سامَهُ خُلَّتَيْ خَسْفٍ، فقالَ له: ... قُلْ ما تَشاءُ، فإِنِّي سامِعٌ حار
فقالَ: غَدْرٌ وثُكْلٌ أَنتَ بَيْنَهُما ... فاخْتَرْ، فَما فِيهما حَظٌّ لِمُخْتار
فشَكَّ غَيْرَ طَوِيلٍ، ثُمَّ قالَ له: ... اقْتُلْ أَسِيرَكَ، إِنِّي مانِعٌ جاري
فسَوْفَ يُعْقِبُنِيهِ، إِنْ ظَفِرْتَ بهِ، ... رَبٌّ كَرِيمٌ وبِيضٌ ذاتُ أَطْهار
فاخْتارَ أَدْرُعَهُ كَيْ لا يُسَبَّ بها ... ولَمْ يَكُنْ وَعْدُهُ فِيها بخَتَّار
وَقَالَ لا أَشْتَري عاراً بمَكْرُمَةٍ ... فاخْتارَ مَكْرُمَةَ الدُّنْيا على العار
والصَّبْرُ مِنْه قَدِيماً شِيمَةٌ خُلُقٌ ... وزَنْدُهُ في الوفَاءِ الثَّاقِبُ الوَاري
فجاء شريح إلى الكلبي فقال: هبلي هذا الأسير المضرور، فوهبه له. فقال له شريح: أقم عندي حتى أكرمك. فقال الأعشى: من تمام صنيعك بي أن تعطيني ناقةً ناجيةً وتطلقني، ففعل. ومضى من ساعته. وبلغ الكلبي أنه الأعشى، وكان قد هجا ومه وهو لا يعرفه. فأرسل إلى شريح يطلبه منه، فأخبره بخبره، فندم على إطلاقه.
قال
الفرزدقوكان قد هرب من زياد إلى سعيد بن العاص. فمثل بين يديه وعنده الحطيئة وكعب ابن جعيل، فاستجار به منه وأنشد.
أَرِقْتُ فلَمْ أَنَمْ لَيْلاً طَوِيلا ... أُراقِبُ هل أَرَى النَّسْرَيْن زالا
فقالَ لِيَ الذي يَعْنِيهِ شَأْنِي ... نَصِيحَةَ نُصْحِهِ سِرّاً وقَالا
عليكَ بَنِي أُمَيَّةَ فاسْتَجِرْهُمْ ... وخُذْ مِنْهُمْ لِما تَخْشَى حِبالا
حَلَفْتُ بمَنْ أَتَى كَنَفَيْ حِراءٍ ... ومَنْ وافَى بحَجَّتِهِ إِلالا
إِليكَ فَرَرْتُ مِنْكَ ومِن زِيادٍ ... ولَمْ أَحْسِبْ دَمِي لَكُما حَلالا
ولكِنِّي هَجَوْتُ، وقَدْ هَجانِي ... مَعاشِرُ قد رَضَخْتُ لَهُمْ سِجالا
فإِنْ يَكُنِ الهِجاءُ أَباحَ قَتْلِي ... فَقَدْ قُلْنا لِشاعِرِهمْ وقَالا
تَرَى الغُرَّ الجَحاجِحَ مِن قُرَيشٍ ... إِذا ما الأَمْرُ في الحَدَثانِ غالا
قِياماً يَنْظُرُونَ إِلى سَعِيدٍ ... كَأَنَّهُمُ يَرَوْنَ بهِ الهِلالا
قال
السائب بن فروخ الأعمى
من مخضرمي الدولتينلَيْتَ شِعْرِي مِن أَيْنَ رائِحَةُ المِسْ ... كِ، وما إِنْ خالُ بالخَيْفِ أُنْسِي
حينَ غابَتْ بَنُو أُمَيَّةَ عنهُ ... والبَهالِيلُ مِن بَنِي عَبْد شَمْسِ
خُطَباءٌ على المَنابِرِ، فُرْسا ... نٌ عليها، وقَالَةٌ غَيْرُ خُرْسِ
أَهْلُ حِلْمٍ إِذا الحُلُومُ اسْتُفِزَّتْ ... وَوُجُوهٌ مِثْلُ الدَّنانير مُلْسِ
قال
عبيد الله بن قيس الرقياتلو كانَ حَوْلِي بَنُو أُمَيَّةَ لَمْ ... يَنْطِقْ رِجالٌ إِذا هُمُ نَطَقُوا
إِنْ جَلَسُوا لَمْ تَضِقْ مَجالِسُهُمْ ... أَو رَكِبُوا ضاقَ عنهمُ الأُفُقُ
كَمْ فِيهمُ مِن فَتىً أَخِي ثِقَةٍ ... عن مَنْكِبَيْهِ القَمِيصُ مُنْخَرِقُ
تُحِبُّهُمْ عُوَّذُ النِّساءِ إِذا ... ما احْمَرَّ تحت القَوانِسِ الحَدَقُ
وأَنْكَرَ الكَلْبُ أَهْلَهُ وعَلا الشَّرُّ ... م وطاحَ المُرَوَّعُ الفَرقُ
فرِيحُهُمْ عندَ ذاكَ أَذْكَى مِن ال ... مِسْكِ وفِيهمْ لِخابطٍ وَرَقُ
قال
أيضاً
كَيْف نَوْمِي على الفِراشِ ولَمَّا ... تَشْمَلِ الشَّامَ غارَةٌ شَعْواءُ
تُذْهِلُ الشَّيْخَ عن بَنِيهِ وتُبْدِي ... عن خِدامِ العَقِيلَةُ العَذْراءُ
إِنَّما مُصْعَبٌ شِهابٌ مِن اللَّ ... ه تَجَلَّت عن وَجْهِهِ الظَّلْماءُ
مُلْكُهُ مُلْكُ رَأْفَةٍ لَيْس فِيه ... جَبَرُوتٌ، كَلاَّ ولا كِبْرياءُ
يَتَّقِي اللّهَ في الأُمُورِ، وقَدْ أَف ... لَحَ مَن كانَ دِينَهُ الاتِّقاءُ
قال
عبد الله بن الزبير الأسدي
أموي الشعرإِذا ماتَ ابنُ خارِجَةَ ابنِ حِصْنٍ ... فلا مَطَرَتْ على الأَرْضِ السَّماءُ
ولا رَجَعَ الوُفُودُ بغُنْم جَيْش ... ولا حَمَلَتْ على الطُّهْرِ النِّساءُ
فبُوركَ في بَنِيكَ وفي بَنيهمْ ... إِذا ذُكِرُوا، ونَحنُ لَهُمْ فِداءُ
قال
طفيل الغنويأَما ابْنُ طَوْقٍ فقَدْ أَوْفَى بذِمَّتِهِ ... كما وَفَى بِقِلاصِ النَّجْمِ حادِيها
قد حَلَّ رَابيَةً لَمْ يَعْلُها أَحَدٌ ... صَعْباً مَباءتُها صَعْباً مَراقِيها
قال
الحطيئة جرول بن أوسأَمِنْ رَسْمِ دارٍ مَرْبَعٌ ومَصِيفُ ... لِعَيْنَيْكَ مِن ماءِ الشُّؤُونِ وَكِيفُ
تَذَكَّرْتُ فِيها الجَهْلَ حتَّى تَبادَرَتْ ... دُمُوعِي، وأَصْحابي عَلَيَّ وُقُوفُ
إِليكَ سَعِيدَ الخَيْرِ جُبْتُ مَهامِهاً ... يُقابلُنِي آلٌ بِها وتُنُوفُ
ولَوْلاَ أَصِيلُ اللُّبِّ غَضٌّ شَبابُهُ ... كَريمٌ لأَيَّامِ المَنُونِ عَرُوفُ
إِذا هَمَّ بالأَعْداءِ لَمْ يَثْنِ هَمَّهُ ... كَعابٌ عليها لُؤْلُؤٌ وشُنُوفُ
حَصانٌ لها في البَيْتِ زيٌّ وبَهْجَةٌ ... وتَمْشِي كما تَمْشِي القَطاةُ قَطُوفُ
ولَوْ شاء وارَى الشَّمْسَ مِنْ دُونِ وَجْهِه ... حِجابٌ ومَطْويُّ السَّراةِ مُنِيفُ
قال
الأخطل غياث بن غوثإِلى إِمامٍ تُغادِينا فَواضِلُهُ ... أَظْفَرَهُ اللّهُ، فَلْيَهْنِىء له الظَّفَرُ
نَفْسِي فِداءُ أَمِيرِ المُؤْمِنِينَ إِذا ... أَبْدَى النَّواجِذَ يَوْماً باسِلٌ ذَكَرُ
الخائِضُ الغَمْرِ، والمَيْمُونُ طائِرُهُ ... أَغَرُّ أَبْلَجُ يُسْتَسْقَى به المَطَرُ
والهَمُّ بَعْدَ نَجِيِّ النَّفْسِ يَبْعَثُهُبالحَزْمِ والأَصْمَعانِ القَلْبُ والحَذَرُ
حُشْدٌ على الحَقِّ، عَيَّافُو الخَنا، أُنُفٌإِذا أَلَمَّتْ بهِمْ مَكْرُوهَةٌ صَبَرُوا
شُمْسُ العَداوَةِ حتَّى يُسْتقادَ لَهُمْ ... وأَعْظَمُ النَّاسِ أَحْلاماً إِذا قَدَرُوا
قال
الشماخ معقل بن ضرار الذبيانيإِليكَ نَشْكُو عَرابَ اليَوْمَ فَاقَتَنا ... يا ذا البَلاءِ ويا ذا السُّؤْددِ الباقِي
يا ابْنَ المُجَلِّي عن المَكْرُوبِ كُرْبَتَهُ ... والفاتِح الغُلَّ عنه بَعْدَ إِيثاقِ
والشَّاعِب الصَّدْعَ قد أَعْيا تَلاحُمُه ... والأَمْرَ يَفْتَحُهُ مِن بَعْدِ إِغْلاق
قال
عدي بن الرقاع
أموي الشعروإِذا الرَّبِيعُ تَتابَعَتْ أَنْسواؤُهُ ... فَسَقى خُناصِرَةَ الأَحَصِّ وجادَها
نَزَلَ الوَلِيدُ بِها فكانَ لأَهْلِها ... غَيْثاً أَغاثَ أَنِيسَها وبِلادَها
أَوْ ما تَرَى أَنَّ البَرِيَّةَ كُلَّها ... أَلْقَتْ خَزائِمَها إِليهِ فقَادَها
غَلَبَ المَسامِيحَ الوَلِيدُ سَماحَةً ... وكَفَى قُرَيْشاً ما يَسُوءُ وسادَها
ولَقَدْ أَرادَ اللّهُ إِذْ وَلاَّكَها ... مِن أُمَّةٍ إِصْلاحَها ورَشادَها
ومنها في التشبيه الرائع:
تُزْجى أَغَنَّ، كَأَنَّ إِبْرَةَ رَوْقه ... قَلَمٌ أَصابَ من الدَّواةِ مِدادَها
قال
زهير بن أبي سلمىولَنِعْمَ حَشْوُ الدِّرْعِ أَنْتَ إِذا ... دُعِيَتْ: نَزال، وَلُجَّ في الذُّعْر
ولأَنْتَ تَفْرِي ما خَلَقْتَ وبَعْ ... ضُ القَوْمِ يَخْلُقُ ثُمَّ لا يَفْرِي
ولأَنْتَ أَحْيا مِن مُخَدَّرَةٍ ... عَذْراء تَقْطُنُ جانبَ الخدْر
والسِّتْرُ دُونَ الفاحِشاتِ وما ... يَلْقاكَ دُونَ الخَيْر مِن ستْرِ
مُتَصَرِّفٌ لِلْمَجْدِ مُعْتَرِفٌ ... للنَّائِباتِ يَراحُ للذِّكْر
ولأَنْتَ أَشْجَعُ حينَ تَتَّجهُ ال ... أبْطالُ مِن لَيْث أَبى أَجْر
وَرَدٍ عُراضِ السَّاعِدَيْنِ حَدِي ... دِ النَّابِ بَيْنَ ضَراغِمٍ غُثْرِ
يَصْطادُ أَحْدانَ الرِّجال فَما ... تَنْفَكُّ أَجْريهِ على ذُخْر
قال
المسيب بن علسأَنتَ الرَّئِيسُ إِذا هُمُ نَزَلُوا ... وتَواجَهُوا كالأُسْدِ والنُّمْر
لو كنتَ مِن شَيْءٍ سِوَى بَشَرٍ ... كنتَ المُنَوِّرَ لَيْلَةَ البَدْرِ
ولأَنْتَ أَجْوَدُ بالعَطاءِ مِن ال ... رَّيَّانِ لمَّا جاء بالقَطْرِ
ولأَنْتَ أَشْجَعُ مِن أُسامَةَ إِذْ ... راث الصَّريخُ ولُجَّ في الذُّعْر
قال
عمر بن لجأ التيميآلُ المُهَلَّب قَوْمٌ خُوِّلُوا كَرَماً ... ما نالَهُ عَرَبيٌّ لا ولا كادَا
لو قِيلَ للمَجْدِ: حِدْ عَنهمْ وخَلِّهِمُ ... بما احْتَكَمْتَ مِن الدنْيا، لما حادَا
إِنَّ المكارِمَ أَرْواحٌ يكُونُ لها ... آلُ المُهَلَّبِ دُونَ النَّاسِ أَجْسادَا
آلُ المُهَلَّبِ قَوْمٌ إِنْ مَدَحْتُهُمُ ... كانُوا الأَكارِمَ آباءً وأَجْدادا
إِنَّ العَرانِينَ نَلْقاها مُحَسَّدَةً ... ولا تَرَى للِئامِ النَّاسِ حُسَّادا
قال
مروان بن أبي حفصة
واسمه يزيد مولى مروان بن الحكمبَنُو مَطَرٍ عندَ اللِّقاءِ كَأنَّهُمْ ... أُسُودٌ لها في أَرْضِ خَفَّانَ أَشْبُلُ
هُمُ يَمْنَعُونَ الجارَ حتَّى كَأَنَّما ... لِجارِهِمُ بَيْنَ السِّماكَيْنِ مَنْزِلُ
بَهالِيلُ في الإِسْلام سادُوا ولَمْ يَكُنْ ... كأَوَّلِهِمْ في الجاهِلِيَّةِ أَوَّلُ
هُمُ القَوْمُ إِنْ قالُوا أَصابُوا، وإِنْ دُعُواأَجابُوا، وإِنْ أَعْطَوْا أطابُوا وأَجْزَلُوا
قال
أيضاً
قد آمَنَ اللّهُ مِن خَوْفٍ ومِنْ عَدَمٍ ... مَنْ كانَ مَعْنٌ له جاراً مِن الزَّمَن
مَعْنُ بنُ زائِدَةَ المُوفِي بِذِمَّتِهِ ... والمُشْتَرِي الحَمْدَ بالغالِي مِنَ الَّمَن
يَرَى العَطايا التي تَبْقَى مَحامِدُها ... غُنْماً، إِذا عَدَّها المُعْطِي مِن الغَيَ
بَنَى لِشَيْبانَ مَجْداً لا زَوالَ له ... حَتَّى تَزُولَ ذُرَى الأَرْكان مِن حَضَن
قال
ابن أبي السمطفَتىً لا يُبالِي المُدْلِجُونَ بِنُورِهِ ... إِلى بابِهِ أَلاَّ تُضِيء الكَواكِبُ
له حاجِبٌ عن كُلِّ أَمْرٍ يَعِيبُهُ ... ولَيْس له عن طالِبِ العُرْفِ حاجِبُ
أَصَمُّ عن الفَحْشاءِ حتَّى كأَنَّهُ، ... إِذا ذُكِرَتْ في مَجْلِسِ القَوْمِ، غائِبُ
قال
مروان بن صرد
من شعراء الدولة العباسيةإِنَّ السِّنانَ وحَدَّ السَّيْفِ لو نَطَقا ... تَحَدَّثا عنكَ يومَ الرَّوعِ بالعَجَب
أَنْفَقْتَ مالَكَ تُعْطِيهِ وتَبْذُلُهُ ... يا مُتْلِفَ الفِضَّةِ البَيْضاءِ والذَّهَبِ
عِيدانُكُمْ خَيْرُ عِيدان وأَطْيَبُها ... عِيدانُ نَبْع ولَيْس النَّبْعُ كالغَرَبِ
قال
بشار بن برد
إِنَّما لَذَّةُ الجَوادِ ابْنِ سَلْمٍ ... في عَطاءٍ ومَوْكِبٍ لِلِّقاءِ
لَيْس يُعْطِيكَ لِلرَّجاءِ ولا للخَوْ ... فِ، ولَكنْ يَلَذُّ طَعْمَ العَطاءِ
تَسْقُطُ الطَّيْرُ حَيْثُ يُلْتَقَطُ الحَبُّ ... وتُغْشَى مَنازِلُ الكُرَماءِ
فعَلَى عُقْبَةَ السَّلامُ مُقِيماً ... وإِذا سارَ تَحْتَ ظِلِّ اللِّواءِ
قال
حجية بن المضربإِذا كُنتَ سَآلاً عن المَجْدِ والعُلا ... وأًيْنَ العَطاءُ الجَزْلُ والنائِلُ الغَمْرُ
فَنقِّبْ عن الأُمْلُوكِ، واهْتِفْ بِيَعْفُرٍ ... وعِشْ جارَ ظِلٍّ لا يُغالِبُهُ الدَّهْرُ
أُولئكَ قَوْمٌ شَيَّدَ اللّهُ فَخرَهُمْ ... فما فَوْقَه فَخرٌ، وإِن عَظُمَ الفَخرُ
أُناسٌ إِذا ما الدَّهْرُ أَظلَمَ وَجْهُهُ ... فأَيْديهِمُ بِيضٌ وأَوْجُهُهُمْ زُهْرُ
يَصُونُونَ أَحْساباً ومَجْداً مُؤثَّلاً ... ببَذلِ أَكُفٍّ دُونَها المُزنُ والبَحْرُ
سَمَوْا في المَعالِي رُتبَةً فَوقَ رُتبةٍ ... أَحَلَتْهُمُ حيثُ النَّعائِمُ والنَّسْرُ
أَضاءت لَهُمْ أَحْسابُهُمْ فَتَضاءلَت ... لِنُورِهِمُ الشَّمْسُ المُنِيرَةُ والبَدْرُ
ولَو لامَسَ الصَّخرَ الأَصَمَّ أَكُفُّهُمْ ... أَفاضَ ينَابِيعَ النَّدَى ذلك الصَّخرُ
ولو كان في الأَرْضِ البَسِيطَةِ مِثلُهُمْ ... لِمُختَبِطٍ عافٍ لَمَا عُرِفَ الفَقرُ
شَكَرْتُ لكُمْ آلاءكُمْ وبَلاءَكُمْ ... وما ضاعَ مَعْرُوفٌ يُكافِئُهُ شُكرُ
قال
علي بن جبلة العكوككَلُّ مَن في الأَرْضِ مِن مَلِكٍ ... بيْنَ بادِيهِ إِلى حَضَرِهْ
مُسْتَعِيرٌ مِنْكَ مَكْرُمَةً ... يَكْتَسِيها يومَ مُفْتَخَرِهْ
إِنَّما الدُّنْيا أَبُو دُلَفٍ ... بَيْنَ مَبْداهُ ومُحْتَضَرِهْ
فإِذا وَلَّى أَبو دُلَفٍ ... وَلَّتِ الدُّنْيا على أَثَرِهْ
مَلِكٌ تَنْدَى أَنامِلُهُ ... كانْبِلاجِ النَّوْءِ عن مَطَرِهْ
مُسْتَهِلٌّ عن مَواهِبِهِ ... كابْتِسامِ الرَّوْضِ عن زَهَرِهْ
المَنايا في مَقانِبهِ ... والعَطايا في ذَرَى حُجَرِهْ
قال
أيضاً
دِجْلَةُ تَسْقِي، وأَبُو غانِمٍ ... يُطْعِمُ منْ تَسْقِي مِن النَّاسِ
يَرْتُقُ ما تَفْتُقُ أَعْداؤُهْ ... ولَيْس يَأْسُو فَتْقَهُ آسِي
النّاسُ جسْمٌ، وإِمامُ الهُدَى ... رَأْسٌ، وأَنتَ العَيْنُ في الرَّاسِ
قال
إبراهيم بن هرمة
من مخضرمي الدولتينكَرِيمٌ له وَجْهان: وَجْهٌ لَدَى الرِّضا ... طَلِيقٌ، ووَجْهٌ في الكَريهَةِ باسِلُ
له لَحظَاتٌ عن حِفافَيْ سَرِيرِهِ ... إِذا كَرَّها فيها عِقابٌ ونائِلُ
وأُمُّ الذي آمَنْتَ آمِنَةُ الرَّدَى ... وأُمُّ الذي حاوَلْتَ بالثُّكْلِ ثاكِلُ
فأُقْسِمُ ما أَكبْا زِنادَكَ قادِحٌ ... ولا أَكْذَبَتْ فِيكَ الرَّجاء القَوابِلُ
ولا رَجَعَتْ ذا حاجةٍ عنكَ عِلَّةٌ ... ولا عاقَ خَيْراً عاجلاً فيكَ آجلُ
قال
آخرقَناً لَمْ يَضِرْها، في الكَرِيهَةِ عِنْدَما ... طَعَنْتَ بِها، أَلاَّ تَسُنَّ نِصالَها
ولَمْ تُصْدِفِ الخَيْلَ العِتاقَ عن الرَّدى ... مُحاذَرَةً لمَّا وَزَعْتَ رِعالَها
لَدَى هَبْوَةٍ ما كانَ سَيْفُكَ تَحْتَها ... ووَجْهُكَ إِلاَّ شَمْسَها وهِلالَها
قال
مسلم بن الوليدكأَنَّهُ قَمرٌ أَو ضَيْغَمٌ هَصِرٌ ... أَو حَيَّةٌ ذَكَرٌ أَو عارِضٌ هَطِلُ
به تَعارَفَتِ الأَحْياءُ وأْتَلَفَتْ ... إِذْ أَلَّفَتْهُمْ إِلى مَعْرُوفِهِ السُّبُلُ
في عَسْكَرٍ تَشْرَقُ الأَرْضُ الفَضاءُ بهِ ... كاللَّيلِ أَنْجُمُهُ القِضْيانُ والأَسَلُ
لا يُمْكِنُ الطَّرْفَ مِنْه أَنْ يُحِيطَ بِهِما يَأْخُذُ السَّهْلُ مِن عُرْضَيْهِ والجَبَل
قال
عبيد الله بن قيس الرقياتلَعَمْرِي لَئِنْ كانتْ قُرَيشٌ بأَسْرِها ... وُجُوهاًن لأَنْتُمْ في الوُجُوهِ عُيونُ
كما لَيْسَ يَخْفَى الفَضْلُ أَيْنَ مَكانُهُكذا لَيْسَ يَخْفَى الفَضْلُ أَيْنَ يَكُونُ
قال
أبو العتاهيةإِنِّي أَمِنْتُ من الزَّمانِ ورَيْبِهِ ... لمَّا عَلِقْتُ من الأَمِير حِبالا
لو يَسْتَطِيعُ النَّاسُ مِنْ إِجْلالِهِ ... تَخِذُوا له حُرَّ الوُجُوه نِعالا
إِنَّ المَطايا تَشْتَكِيكَ لأَنَّها ... قَطَعَتْ إِليكَ سَباسِباً ورِمالا
فإِذا وَرَدْنَ بنا وَرَدْنَ خَفائِفاً ... وإِذا صَدَرْنَ بنا صَدَرْنَ ثِقالا
قال
منصور النميري
من شعراء الدولة العباسيةإِنَّ المَكارِمَ والمَعْرُوفَ أُوْدِيَةٌ ... أَحَلَّكَ اللّهُ مِنْها حيثُ تَجْتَمِعُ
إِذا رَفَعْتَ امرءًا فاللّهُ رافِعُهُ ... ومَنْ وَضَعْتَ مِن الأَقْوامِ يَتَّضِعُ
يَقْظانُ لا يَتَعايا بالخُطُوبِ إِذا ... نابَتْ، ولا يَعْتَرِيهِ الضِّيقُ والزَّمَعُ
لَيْلٌ مِن النَّقْعِ لا شَمْسٌ ولا قَمَرٌ ... إِلاَّ جَبِينُكَ والمَذْرُوبَةُ الشُّرُعُ
مُسْتَحْكِمُ الرَّأْيِ، مُسْتَغْنٍ بوَحْدَتِهِعن الرِّجالِ، بِرَيْبِ الدَّهْرِ مُضْطَلِعُ
إِنْ أَخْلَفَ القَطْرُ لَمْ تُخْلِفْ مَخايِلُهُأَوْ ضاقَ أَمْرٌ ذَكَرناهُ فَيَتَّسِعُ
لَمَّا أَخْذتُ بكَفِّي حَبْلَ طاعَتِهِ ... أَيْقَنْتُ أَنِّي مِن الأَحْداثِ مُمْتَنِعُ
مَن لَمْ يَكُنْ بأَمِين اللّهِ مُعْتَصِماً ... فلَيْس بالصَّلَواتِ الخَمْسِ يَنْتَفِعُ
قال
جرير بن عطية بن الخطفيأَمِيرُ المُؤْمِنينَ على صِراطٍ ... إِذا اعْوَجَّ المَوارِد مُسْتَقِيمِ
وَلِيُّ الحَقِّ حِينَ يَؤُمُّ حَجّاً ... صُفُوفاً بَيْنَ زَمْزَمَ والحَطِيمِ
يَرَى لِلْمُسْلِمِين عَلَيْه حَقّاً ... كَفِعْل الوالِدِ الرَّؤُوفِ الرَّحيمِ
إِذا بَعْضُ السِّنينَ تَعَرَّقَتْنا ... كَفَى الأَيْتامَ فَقْدَ أَبِي اليَتِيم
فيا أَيْنَ المُطْعِمِينَ إِذا شَتَوْنا ... ويا أَيْنَ الذَّئِدِينَ عن الحَرِيم
قال
الفرزدق همام بن غالبفَلأَمْدَحَنَّ بَنِي المُهَلَّبِ مِدْحَةً ... غَرَّاءَ ماهِرَةً على الأَشْعارِ
مِثْلَ النُّجُومِ أَمامَها قَمْرَاؤُها ... تَجْلُو الدُّجَى وتُضِيءُ لَيْلَ السَّارِي
وَرِثُوا الطِّعانَ عن المُهَلَّبِ والقِرَى ... وخَلائِقاً كَتَدفُّقِ الأَنْهارِ
وإِذا الرِّجالُ رَأَوْا يَزيدَ رَأَيْتَهُمْ ... خُضُعَ الرِّقابِ نَواكِسَ الأَبْصارِ
مَلِكٌ عليه مَهابَةٌ المُلْكِ الْتَقَى ... قَمَرُ السَّماءِ وشَمْسُ كُلِّ نَهارِ
ما زالَ مُذْ عَقَدَتْ يَداهُ إِزارَهُ ... فسَما فَأَدْرَكَ خَمْسَةَ الأَشْبارِ
يُدْنِي خَوافِقَ مِن خَوافِقَ تَلْتَقِي ... في ظِلٍّ مُعْتَبَطِ الغُبارِ مُثارِ
قال
أبو الشغب العبسي
في ولده رباطوتروى للأقرع بن معاذ العامري
رَأَيْتُ رِباطاً، حِينَ تَمَّ شَبابُهُ ... وَوَلَّى شَبابِي، لَيْسَ ي بِرِّهِ عَتْبُ
إِذا كانَ أَوْلادُ الرِّجالِ حَزازَةً ... فأَنْتَ الحَلالُ الحُلْوُ والبارِدُ العَذْب
لنَا جانِبٌ مِنْه دَمِيثٌ، وجانِبٌ ... إذا رامَهُ الأَعْداءُ مَرْكَبُهُ صَعْبُ
وتَأَخُذُهُ عِنْدَ المَكارمِ هِزَّةٌ ... كما اهْتَزَّ تَحْتَ البارِح الغُصُنُ الرَّطْبُ
قال
سلم الخاسرأَبْلِغْ الفِتْيانَ مَأْلَكَةً ... إِنَّ خَيْرَ الوُدِّ ما نَفَعا
إِنَّ قَرْماً مِن بَنِي مَطَرٍ ... أَتْلَفَتْ كَفَّاهُ ما جَمعا
كُلَّما عُدْنا لِنائِلِهِ ... عادَ في مَعْرُوفِهِ جَذَعا
قال
أبو النجم العجليإِنَّ الأَعادِيَ لن تَنالَ رِماحَنا ... حتَّى تُنالَ كَواكِبُ الجَوْزاءِ
كَمْ في لُجَيْمٍ مِن أَغَرَّ كَأَنَّهُ ... صُبْحٌ يَشُقُّ طَيالِسَ الظَّلْماءِ
قال
سحبان وائل
في طلحة الطلحاتيا طَلْحَ أَكْرَمَ مَنْ مَشَى ... حَسَباً وأَعْطاهُمْ لِتالِدْ
مِنْكَ العَطاءُ فأَعْطِنِي ... وعَلَيَّ مَدْحُكَ في المَشاهِدْ
قال
عمرو القنا
بن عميرة العنري من بني تميمإِذا النُّجُومُ بصُرّادِ اللِّحَى خُضِبَتْشَهرَيْ رَبِيعٍ، ومَجَّ النَّضْرَةَ العُودُ
واسْتَوْحَشَ الجُودُ في أَزْمِ الشِّتاءِ فَفِي ... نادِيهمُ الحَزْمُ والأَحلامُ والجُودُ
ما مِثْلَهُمْ بَشَرٌ عندَ الحُروبِ إِذا ... قالَ المُحَرِّضُ عن أَحْسابِكُمْ ذُودُوا
القائِلِينَ، إِذا هُمْ بالقَنا خَرَجُوا ... مِن غَمْرَةِ المَوْتِ في حَوْماتِها: عُودُوا
عادُوا، فَعادُوا كِراماً لا تَنابلَةً ... عِندَ اللِّقاءِ ولا رُعْشٌ رَعادِيدُ
قال
عبيد بن العرندس
الكلابي جاهليهَيْنُونَ لَيْنُونَ، أَيْسارٌ ذَوُو كَرَمٍ ... سُوَّاسُ مَكرُمَةٍ أَبْناءُ أَيْسَارِ
إِن يُسْأَلُوا الخَيْرَ يُعْطُوهُ، وإِن خُبِرُوافي الجَهْدِ أُدْرِكَ مِنهُمْ طِيبُ أَخبارِ
وإِنْ تَوَدَّدْتَهُمْ لانُوا، وإِن شُهِمُوا ... كَشَفْتَ آسادَ حَرْبٍ غَيْرَ أغْمارِ
فِيهِمْ ومِنْهُمْ يُعَدُّ المَجْدُ مُتَّلِداً ... ولا يُعَدُّ نثا خِزْيٍ ولا عارِ
لا يَنْطِقُونَ عن الفَحْشاءِ إِنْ نَطَقُوا ... ولا يُمارُونَ إِنْ مارَوْا بإِكْثارِ
مَن تَلْقَ مِنْهُمْ، تَقُلْ: لاقَيْتُ سَيِّدَهُمْمِثْلَ النُّجُوم التي يَسْرِي بها السَّارِي
قال
أبو الشيص محمد بن زر
بن الخزاعيكَرِيمٌ يَغُضُّ الطَّرْفَ فَضْلَ حَياتِهِ ... ويَثْنُو وأَطْرافُ الرِّماحِ دَوانِ
وكالسَّيْفِ إِنْ لايَنْتَهُ لانَ مَتْنُهُ ... وحَدَّاهُ، إِنْ خاشَنْتَهُ، خَشِنانِ
قال
يحيى بن زياد الحارثيتَخالُهُمُ لِلْحِلْمِ صُمّاً عن الخَنا ... وخُرْساً عن الفَحْشاءِ عندَ التَّهاجُرِ
ومَرْضَى إِذا لاقَوْا حَياءً وعِفَّةً ... وعندَ المَنايا كاللُّيُوثِ الخَوادِرِ
لَهُمْ ذُلُّ إِنْصافٍ ولَيِنُ تَواضُعٍ ... بِهِمْ ولَهُمْ ذَلَّتْ رِقابُ المَعاشِرِ
كأَنَّ بهمْ وَصْماً يَخافُونَ عَيْبَهُ ... وما وَصْمُهُمْ إِلاَّ اتِّقاءُ المَعايِرِ
قال
آخرفَتىً لا تَراهُ الدَّهْرَ إِلاَّ مُشَمِّراً ... لِيُدْرِكَ ثَأْراً أَو لِيُرْغِمَ لُوَّا
تَبَسَّمَتِ الآمالُ عن طِيبِ ذِكْرهِ ... وإِنْ كانَ يُبْكِيها إِذا ما تَجَهَّما
قال
ذو الرمةأَنْتَ الرَّبِيعُ إِذا ما لَمْ يَكُنْ مَطَرٌوالسَّائِسُ الحازِمُ المَفْعُولُ ما أَمَرا
ما زِلْتَ في دَرَجاتِ العِزِّ مُرْتَقِياًتَسْمُو وَيَنْمِي بِكَ الفَرْعانِ مِن مُضَرا
حتَّى بَهَرْتَ فَما تَخْفَى على أَحَدٍ ... إِلاَّ على أحَدٍ لا يَعْرِفُ القَمَرا
حَلَلْتَ مِن مُضَرَ الحَمْراءِ ذِرْوَتَها ... وباذِخَ العِزِّ مِن قَيْس إِذا هَدَرا
قال
آخر
========
ج 2 من كتاب : الحماسة البصرية أبو الحسن البصري
وأَحْلامُ عادٍ لا يَخافُ جَلِيسُهُمْ ... وإِنْ نَطَقَ العَوْراء، غَرْبَ لِسانِ
إِذا حُدِّثُوا لَمْ يُخْشَ سُوءُ اسْتِماعِهِمْ ... وإنْ حَدَّثُوا أَدَّوْا بحُسْن بَيانِ
قال
كعب بن معدان الأشقري
أموي الشعركَمْ حاسِدٍ لكَ قد عَطَّلتَ هِمَّتَهُ ... مُغرىً بِشَتْمِ صُرُوفِ الدَّهْرِ والقَدَرِ
كأَنَّما أَنتَ سَهْمٌ في مَفاصِلِهِ ... إِذا رآكَ ثَنَى طَرْفاً على عَوَرِ
كَمْ حَسْرَةٍ مِنْكَ تَرْدِي في جَوانِحِهِلَها على القَلْبِ مِثْلُ الوَخْزِ بالإِبَرِ
أَنتَ الكَريمُ الفَتَى لا شَيْءَ يُشْبهُهُلا عَيْبَ فِيكَ سِوَى أَنْ قِيلَ مِن بَشَرِ
قال
القطامي عمير بن شيم
أموي الشعرجَزَى اللّهُ خَيْراً والجَزاءُ بِكَفِّهِ ... بَنِي دارِمٍ عن كُلِّ جانِ وغَارِمِ
هُمُ حَمَلُوا رَحْلِي، وأَدَّوْا أَمانَتِي ... إليَّ، وَرَدُّوا فِيَّ رِيشَ القَوادِمِ
ولا عَيْبَ فِيهِمْ غَيْرَ أَنَّ قُدُورَهُمْعلى المالِ أَمْثَالُ السِّنِينَ الحَواطِمِ
وأَنَّ مَوارِيثَ الأُلَى يَرِثُونَهُمْ ... كُنُوزُ المَعالي لا كُنُوزُ الدَّارهِمِ
وما ضَرَّ مَنْسُوباً أَبُوهُ وأُمُّهُ ... إلى دارِمٍ أَنْ لا يكونَ لِهاشِمِ
قال
أبو البرج
القاسم بن حنبل المريوتروى لمرة بن جعدة
أَرَى الخُلاَّنَ، بَعْدَ أَبِي خُبَيْبٍ ... بِحَجْرٍ، في رِحابِهِمُ جَفاءُ
مِن البِيضِ الوُجُوهِ بَني سِنانٍ ... لَوَ أَنَّكَ تَسْتَضِيءُ بِهِمْ أَضاءُوا
هُمُ شَمْسُ النَّهارِ إِذا اسْتَقَلَّتْ ... وبَدْرٌ ما يُغَيِّبُهُ العَماءُ
بُناةُ مَكارِمٍ وأُساةُ كَلْمٍ ... دِماؤُهُمُ مِن الكَلَب الشِّفاءُ
فَلوْ أَنَّ السَّماء دَنَتْ لِمَجْدٍ ... ومَكْرُمَةٍ دَنَتْ لَهُمُ السَّماءُ
قال
مطرود بن كعب الخزاعي
إسلاميويروى لابن الزبعري، والأول أكثر
يا أَيُّها الرَّجُلُ المُحَوِّلُ رحْلَهُ ... هَلاَّ نَزَلْتَ بآلِ عَبْدِ مَنافِ
الآخِذُونَ العَهْدَ مِن آفاقِها ... والرَّاحِلُونَ بِرحْلَةِ الإِيلافِ
والخالِطُونَ فَقِيرَهُمْ بغَنِيِّهِمْ ... حتَّى يَعُودَ فَقِيرُهُمْ كالكافِي
والمُطْعِمُونَ إِذا الرِّياحُ تَناوَحَتْ ... ورِجالُ مَكَّةَ مُسْنِتُونَ عِجافُ
والمُفْضِلُونَ إِذا المُحُولُ تَرادَفَتْ ... والقائِلُونَ هَلُمَّ للأَضْيافِ
هَبِلَتْكَ أُمُّكَ لو نَزَلْتَ برَحْلِهِمْ ... مَنَعُوكَ مِن عُدْمٍ ومِن إِقْرافِ
ويُكَلِّلُونَ جِفانَهُمْ بِسَدِ يفِهِمْ ... حتَّى تَغِيبَ الشَّمْسُ في الرَّجَّافِ
كانَتْ قُرَيْشٌ بَيْضَةً فتَفَلَّقَتْ ... فالمُحُّ خالِصُهُ لعَبْدِ مَنافِ
قال
عبد الله بن الزبعريعَمْرُو العُلا هَشَمَ الثرِيدَ لِقَوْمِهِ ... قَوْمٍ بمَكَّةَ مُسْنِتِينَ عِجافِ
وهُوَ الذي سَنَّ الرَّحِيلَ لِقَوْمِهِ ... رَحَلَ الشِّتاءِ ورِحْلَةَ الأَصْيافِ
قال
قيس بن عنقاء الفزاريغُلامٌ رَماهُ اللّهُ بالخَيْرِ يافِعاً ... له سِيمِيَاءُ لا تَشُقُّ على البَصَرْ
كَأَنَّ الثُّرَيَّا عُلِّقَتْ فَوْقَ نَحْرِهِوفي خَدِّه الشِّعْرَى وفي وَجْهِهِ القَمَرْ
إِذا قِيلَتِ العَوْراءُ أَغْضَى كأَنَّهُ ... ذَليلٌ بلا ذُلٍّ، ولَوْ شاء لانْتَصَرْ
قال
مالك بن الريب
إسلاميلَيَهْنِكَ أَنِّي لَمْ أَجِدْ لكَ عائِباً ... سِوَى حاسِدٍ، والحاسِدُون كَثِيرُ
وأَنَّكَ مِثْلُ الغَيْثِ، أَمَّا نباتُهُ ... فظِلٌّ، وأَمَّا ماؤُهُ فَطَهُور
قال
إدريس بن أبي حفصة
من مخضرمي الدولتينلَمَّا أَتَتْكَ، وقَدْ كَانَتْ مُنازِعَةً ... دَانَى الرِّضا بَيْنَ أَيْدِيها بأَقْبادِ
لَها أَحادِيثُ مِن ذِكْراكَ تَشْغَلُها ... عن الرَّبِيعِ وتَنْهاها عن الزَّادِ
أَمامَها مِنْكَ نُورٌ تَسْتَضِيءُ بهِ ... ومِنْ رجَائِكَ في أَعْقابها حادِي
قال
نصيب بن رباح
أموي الشعرأَقُول لِرَكْبٍ صادِرينَ لَقِيتُهُمْ ... قَفا ذاتِ أَوْشالٍ ومَوْلاكَ قارب
قِفوا خَبِّرُونِي عن سُلَيْمانَ إِنَّنِي ... لِمَعْرُوفِهِ مِن أَهْلِ وَدَّانَ طالِبُ
فقالُوا: تَرَكناهُ وفي كُلِّ لَيْلَةٍ ... يُطِيفُ بهِ مِن طالِبِي العُرْفِ راكِب
فَعاجُوا فأَثنَوْا بالذي أَنتَ أَهْلُهُ ... ولَوْ سَكَنُوا أَثنَت عليكَ الحَقائِب
هو البَدْرُ والنَّاسُ الكَواكِبُ حَوْلَهُ ... وهَلْ يُشبِهُ البَدْرَ المُضِيء الكَواكِبُ
قال
الفرزدق همام بن غالب
المجاشعيوتروى لأخيه الأخطل بن غالب وأدخلها الفرزدق في شعره
وَركبٍ كأَنَّ الرِّيحَ تَطلُبُ عِندَهُمْ ... لَها تِرَةً مِن جَذبِها بالعَصائِبِ
سَرَوْا يَرْكَبُونَ اللَّيْلَ، وَهْيَ تَلُفُّهُمْإِلى شُعَبِ الأَكوارِ ذاتِ الحَقائِبِ
إِذا ما اسْتَدَارُوا وِجْهةَ الرِّيحِ أَعْصَفَتتَصُكُّ وُجُوهَ القَوْمِ بَيْنَ الرَّكائِبِ
إِذا آنَسُوا ناراً يَقُولُونَ لَيْتَها ... وقَدْ خَصِرَت أَيْدِيهُمُ نارُ غالِب
رَأَوْا ضَوْء نارٍ في يَفاعٍ تَقَلَّبَت ... يُؤَدِّي إِلَيْها لَيْلُها كُلَّ ساغِبِ
تُشَبُّ لِمَقرُورِينَ طالَ سُراهُمُ ... إِلَيْها، وقَدْ أَصْغَت تَوالِي الكَواكِب
تُرَى تَيْسَباً مِن صادِرِينَ وَوُرَّدٍ ... إِذا راكِبٌ وَلَّى أَناخَت براكِبٍ
إِلى نارِ ضَرَّابِ العَراقِيبِ لَمْ يَزَلْ ... لَهُ مِن ذُبابَىْ سَيْفِهِ خَيْرُ حالِبِ
تَدُرُّ له الأَنساءُ في لَيْلَةِ الصَّبا ... وتَمْرِي بهِ اللَّباتُ عندَ التَّرائِبِ
وإنما لم تذكر هذه الأبيات في باب الأضياف لأجل قصتها مع نصيب لما أنقد شعره قبله.
قال
الأخطل غياث بن غوثولِواؤُكَ الخَطَّارُ يَخطِرُ تَحْتَهُ ... مِن فَوْقِ رَأْسِكَ أَسْمَرٌ خَطَّارُ
فكَأَنَّ خِلْطَ سَوادِهِ وبَياضِهِ ... لَيْلٌ يُزاحِمُ طُرَّتَيْهِ نَهارُ
خَرِسٌ فإِن كَثُرَ الخِطابُ لِشَمْأَلٍ ... أَو لاجَجْتهُ فإِنَّهُ مِهذارُ
قال
جرير بن الخطفي
أموي الشعرتَعَزَّت أُمُّ حَزرَةَ ثُم قالتْ ... رَأَيْتُ المُورِدِينَ ذَوِي لِقاحِ
سَأَمْتاحُ البُحُورَ فَجنِّبِينِي ... أَذاةَ اللَّوْمِ وانتَظِرِي امْتِياحي
تُعَلِّلُ، وَهْيَ ساغِبَةٌ، بَنِيها ... بأَنفاسٍ مِن الشَّبِمِ القَراحِ
ثِقِي باللّهِ ليْس له شَرِيكٌ ... ومِن عِندِ الخَلِيفَةِ بالنَّجاحِ
فإِنِّي قد رَأَيْتُ عَلَيَّ حَقّاً ... زِيارَتِيَ الخَلِيفَةِ وامْتِداحِي
أَلَسْتُمْ خَيْرَ مَن رَكِبَ المَطايا ... وأَندَى العالَمِينَ بُطُونَ راحِ
أَبَحْتَ حِمَى اليَمامَةِ بَعْدَ نَجْدٍ ... وما شَيْءٌ حَمَيْتَ بمُسْتَباحِ
لَكُمْ شُمُّ الجِبالِ مِن الرَّواسِي ... وأَعْظَمُ سَيْلِ مُعْتَلَجِ البِطاحِ
قال
ابن الرقاع العاملي
أموي الشعرلا خَيْرَ في الحُرِّ لا تُرْجَى فَواضِلُهُ ... فاسْتَمْطِرُوا مِن قُرَيْشٍ كُلَّ مُنخَدِع
تَخالُ فِيه إِذا خَاتَلتَهُ بَلَهاً ... في مالِهِ وَهْوَ وافِي العَقلِ والوَرَعِ
قال
زهير بن أبي سلمى
وأَبْيَضَ فَيّاضٍ يَداهُ غَمامَةٌ ... على مُعْتَفِيهِ ما تُغِبُّ فَواضِلُهْ
غَدَوْتُ عَلَيْهِ غُدْوَةً فوَجَدْتُهُ ... قُعُوداً لَدَيْهِ بالصَّرِيمِ عَواذِلُهْ
يُفَدِّينَهُ طَوْراً وطَوْراً يَلُمْنَهُ ... جَمُوعٌ على الأَمْرِ الذي هو فاعِلُهْ
أَخُو ثِقَةٍ لا تُذهِبُ الخَمْرُ مسالَهُ ... ولكنَّهُ قد يُذهِبُ المالَ نائِلُهْ
تَراهُ إِذا ما جِئتَهُ مُتَهَلِّلاً ... كأَنَّكَ تُعْطِيهِ الذي أَنتَ سائِلُهْ
قال
الحطيئة جرول بن أوس
العبسي، مخضرموغارَةٍ كشُعاعِ الشَّمْسِ مُشْعَلَةٍ ... تَهْوِي بكُلِّ صَبِيحِ الوَجْهِ بَسّامِ
قُبِّ البُطُونِ مِن التَّعْداءِ قد عَلِمَتْ ... أَنْ كُلُّ عامٍ عليها عامُ إِلْجامِ
مُسْتَحْقِباتٍ رَواياها حَجافِلَها ... يَسْمُو بِها أَشعَرِيٌّ طَرْفُهُ سامِ
قال
الأخطل غياث بن غوثالمنْعِمُونَ بَنُو حَرْبٍ وقَدْ حَدَقَتْ ... بِيَ المَنِيَّةُ واسْتَبْطَأَتُ أَنْصارِي
قَوْمٌ إِذا حارَبُوا شَدُّوا مَآزِرَهُمْ ... دُونَ النِّساءِ ولَوْ باتَتْ بأَطْهارِ
قال
علي بن جبلة العكوكوتروى لخلف بن مرزوق، مولى ريطة
أَنتَ الذي تُنْزِلُ الأَيَّامَ مَنْزِلَها ... وتَنْقُلُ الدَّهْرَ مِن حالٍ إِلى حالِ
وما مَدَدْتَ مَدَى طَرْفٍ إِلى أَحَدٍ ... إِلاَّ قَضَيْتَ بأَرْزاقٍ وآجالِ
تَزْوَرُّ سُخْطاً، فتُمْسِي البيضُ راضِيَةً ... وتَسْتَهِلُّ فتَبْكِي أَعْيُنُ المالِ
قال
أبو الطمحان القيني
حنظلة بن شرقيوإِنِّي مِن القَوْمِ الَّذِينَ هُمُ هُمُ ... إِذا ماتَ مِنْهُمْ سَيِّدٌ قامَ صاحِبُهْ
نُجُومُ سَماءٍ، كُلَّما غابَ كَوْكَبٌ ... بَدا كَوْكَبٌ تَأْوِي إِليهِ كَواكِبُهْ
وما زَال فِيهِمْ حيثُ كانَ مُسَوَّدٌ ... تَسِيرُ المَنايا حيثُ سارَتْ رَكائِبُهْ
أَضاءتْ لَهُمْ أَحْسابُهُمْ وَوُجُوهُهُمْدُجَى اللَّيلِ حتَّى نَظَّمَ الجَزْعَ ثاقِبُهْ
قال
إبراهيم بن هرمة
من مخضرمي الدولتينإِذا قِيلَ: أَيُّ فَتىً تَعْلَمُونَ ... أَهَشُّ إلى الطَّعْنِ بالذَّابِلِ
وأَضْرَبُ لِلْقَرْنِ يومَ الوَغَى ... وأَطْعَمُ في الزَّمَنِ المَاحِلِ
أَشارَتْ إِليكَ أَكُفُّ الأَنامِ ... إِشارَةَ غَرْقَى إِلى ساحِل
قال
مروان بن أبي حفصةمَعْنُ بنُ زائِدَةَ الذي زِيدَتْ به ... شَرَفاً إلى شَرَفٍ بَنُو شَيْبانِ
إِن عُدَّ أَيّامُ الفَخارِ فإِنَّما ... يَوْمانُ: يَوْمُ نَدىً، ويَوْمُ طِعانِ
يَكْسُو المَنابِرَ والأَسِرَّةَ بَهْجَةً ... ويَزِينُها بِجَهارَةٍ وبَيانِ
تَمْضِي أَسِنَّتُهُ ويُسْفِرُ وَجْهُهُ ... في الرَّوْعِ عندَ تَغَيُّرِ الأَلْوانِ
مازِلْتَ يَوْمَ الهاشِمِيَّةِ مُعْلِماً ... بالسَّيْفِ دُونَ خَلِيفَةِ الرَّحمْنِ
فحَمَيْتَ حَوْزَتَهُ وكُنْتُ وِقاءهُ ... مِن ضَرْبِ كُلِّ مُهَنَّدٍ وسِنانِ
أَنتَ الذي تَرْجُو رَبِيعَةُ سَيْبَهُ ... وتُعِدُّهُ لِنوائِبِ الحَدَثانِ
فُتَّ الذين رَجَوْا نَداكَ، ولَمْ يَنَلْ ... أَدْنَى بِنائِكَ في المَكارِمِ بانِ
قال
مسلم بن الوليداللّهُ أطْفَأَ نارَ الحَرْبِ إِذْ سُعِرَتْ ... شَرْقاً بمُوقِدِها في الغَرْبِ داودِ
يَلْقَى المَنِيَّةَ في أَمْثالِ عُدَّتِها ... كالسَّيْلِ يَقْذِفُ جُلْمُوداً بجُلْمُودِ
يَجُودُ بالنَّفْسِ إِنْ ضَنَّ الجَوادُ بِها ... والجودُ بالنَّفْسِ أَقْصَى غايةِ الجُودِ
عَوَّدْتَ نَفْسَكَ عاداتٍ خُلِقْتَ لَها ... صِدْقَ اللِّقاءِ وإِنْجازَ المَواعِيدِ
نَفْسِي فِداؤُكَ يا داودُ إِذْ عَلِقَتْ ... أَيْدِي الرَّدَى بِنواصِي الضُّمَّرِ القُودِ
مَلأَتَها جَزَعاً أَخْلَى مَعاقِلَها ... مِن كُلِّ أَبْلَخَ سامِي الطَّرْفِ صِنْدِيدِ
لَمَسْتَهُمْ بِيَدٍ للعَدْوِ مُتَّصِلٌ ... بِها الرَّدَى بَيْنَ تَلْيِينٍ وتَشْدِيدِ
وطارَ في إِثْرِ مَن طارَ الفِرارُ بهِ ... خَوْفٌ يُعَارِضُهُ في كُلِّ أُخْدُودِ
قال
الحطيئة العبسي بن أوسوإِنَّ التي نَكَّبْتُها عن مَعاشِرٍ ... عَلَيَّ غِضابٍ أَنْ صَدَدْتُ كما صَدُّوا
أَتَتْ آلَ شَمّاسِ بنِ لأَيٍ وإِنَّما ... أَتاهُمْ بِها الأَحْلامُ والحَسَبُ العِدُّ
أبُوهُمْ وَدَى عَقْلَ المُلُوكِ تَكَلُّفاً ... وما لَهُمُ مِمَّا تَكَلَّفَهُ بُدُّ
أُولئكَ قَوْمٌ إِنْ بَنَوْا أَحْسَنُوا البِناوإِنْ عاهَدُوا أَوْفَوْا، وإِنْ عَقَدُوا شَدُّوا
وإِنْ كانَتْ النُّعْمَى عليهمْ جَزَوْابِها ... وإِنْ أَنْعَمُوا لا كَدَّرُها ولا كَدُّوا
وإِنْ قالَ مَوْلاهُمْ على جُلِّ حادِثٍمِن الدَّهْرِ: رُدُّوا فَضْلَ أَحْلامِكُمْ رَدُّوا
مَطاعِينُ في الهَيْجَا، مكاشِيفُ للدُّجَى ... بَنَى لَهُمْ آباؤُهُمْ وبَنَى الجَدُّ
يَسُوسُونَ أَحْلاماً بَعِيداً أَناتُها ... وإِنْ غَضِبُوا جاء الحَفِيظَةُ والجِدُّ
أَقِلُّوا عليهمْ، لا أَباً لأَبيكُمُ ... مِن اللَّوْمِ أَو سُدُّوا المَكانَ الذي سَدُّوا
قال
أيضاً
وأَدْماءَ حُرْجُوجٍ تَعالَلْتُ مَوْهِناً ... بِسَوْطِيَ، فارْمَدَّتْ نَجاء الخَفَيْدَدِ
كَأنَّ هَوِيَّ الرِّيحِ بَيْنَ فُرُوجِها ... تَجاوُبُ أَظْآرٍ على رُبَعٍ رَدِي
تُلاعِبُ أَثْناء الزِّمامِ وتَتَّقِي ... عُلالَةَ مَلْوِيٍّ مِن القِدِّ مُحْصَدِ
تَرَى بَيْنَ لَحْيَيْها إِذا ما تَزَعَّمَتْ ... لُغاماً كبَيْتِ العَنْكَبُوتِ المُمَدَّدِ
وكادَتْ على الأَطْواءِ أَطْواءِ ضارِجٍ ... تُساقِطُنِي والرَّحْلَ مِن صَوْتِ هُدْهُدِ
وتَشْرَبُ في القَعْبِ الصَّغِيرِ، وإِنْ تُقَدْبمِشْفَرِها يَوْماً إلى الرَّحْلِ تَنْقَدِ
وتُضْحِي الجِيالُ الغُبْرُ خَلْفِي كأَنَّها ... مِن الآلِ حُفَّتْ بالمُلاءِ المُعَضَّدِ
وإِنْ آنَسَتْ وَقْعاً مِن السَّوْطِ عارَضَتْبِيَ الجَوْرَ حتَّى تَسْتَقِيمَ ضُحَى الغَدِ
إِذا نَظَرَتْ يَوْماً بِمُؤْخِرِ عَيْنِها ... إِلى عَلَمٍ بالغَوْرِ قالَتْ له ابْعَدِ
يَظَلُّ الغُرابُ الأَعْوَرُ العَيْنِ واقِعاًمع الذِّئْبِ تَعْتَسَّانِ نَارِي ومِفْأَدِي
فما زالَتِ الوَجْناءُ تَجْرِي ضُفُورُها ... إليكَ ابنَ شَمّاسٍ تَرُوحُ وتَغْتَدِي
إِلى ماجِدٍ يُعْطِي على الحَمْدِ مالَهُ ... ومَنْ يُعْطِ أَثْمانَ المَحامِدِ يُحْمَدِ
فأَنتَ امْرُؤٌ مَن تُعْطِهِ اليومَ نائِلاً ... بكَفِّكَ لا تَمْنَعْهُ مِن نائِلِ الغَدِ
كَسُوبٌ ومِتْلاف إِذَا مَا أتَيْتَهُ ... تَهَلَّلَ واهْتَزَّ اهْتِزازَ المُهَنَّدِ
مَتَى تَأَتهِ تَعْشُو إِلى ضَوْءِ نارِهِ ... تَجِدْ خَيْرَ نارٍ عِنْدَها خَيرُ مُوقِدِ
هو الواهِبُ الكُومَ الصَّفايا لجارِهِ ... يُرَوِّحُها العِبْدانُ في عازِبٍ نَدِي
يَرَى الجُودَ لا يُدْنِي مِن المَرْءِ حَتْفَهويَعْلَمُ أَنَّ البُخْلَ لَيْسَ بِمُخْلِدِ
قال
أبو الهندينَزَلْتُ على آلِ المُهَلَّبِ شاتِياً ... غَرِيباً عن الأَوْطانِ في الزَّمَنِ المَحْل
فما زالَ بي إِحْسانُهُمْ وافْتِقادُهُمْ ... وإِيناسُهُمْ حتَّى حَسِبْتُهُمُ أَهْلي
قال
زياد بن حمل
بن سعد بن عميرة بن حريثلا حَبَّذا أَنتِ يا صَنْعاءُ مِن بَلَدٍ ... ولا شَعُوبُ هَوىً مِنِّي ولا نُقُمُ
ولَنْ أُحِبَّ بِلاداً قد رَأَيْتُ بِها ... عَنْساً، ولا بَلَداً حَلَّتْ به قُدُمُ
إِذا سَقَى اللّهُ أَرْضاً صَوْبَ غادِيَةٍ ... فلا سَقاهُنَّ إِلاَّ النَّارَ تَضْطَرِمُ
وحَبَّذَا حينَ تُمْسِي الرِّيحُ بارِدَةً ... وادِي أُشَىَّ وفِتْيانٌ به هُضُمُ
الواسِعُونَ إِذا ما جَرَّ غَيْرُهُمُ ... على العَشِيرةِ والكافُونَ ما جَرَمُوا
والمُطْعِمُونَ إِذا هَبَّتْ شَآمِيَةً ... وباكَرَ الحَيَّ مِن صُوّادِها صِرَمُ
وشَتْوَةٍ فَلَّلُوا أَنْيابَ لَزْبَتِها ... عَنْهُمْ إِذا كَلَحَتْ أَنْيابُها الأُزُمُ
حتَّى انْجَلَى حَدُّها عَنْهُمْ، وجارُهُمْ ... بنَجْوَةٍ مِن حِذارِ الشَّرِّ مُعْتَصِمُ
هُمُ البُحُورُ عَطاءً حينَ تَسْأَلُهُمْ ... وفِي اللِّقاءِ إِذا تَلْقَى بِهِمْ بُهَمُ
وهُمْ إِذا الخَيْلُ حالُوا في كَواثِبها ... فَوارِسُ الخَيْلِ لا مِيلٌ ولا قَزَمُ
لَمْ أَلْقَ بَعْدَهُمُ حَبّاً فأَخْبُرَهُمْ ... إِلاَّ يَزِيدُهُمُ حُبّاً إِليَّ هُمُ
كَمْ فِيهِمُ مِن فَتىً حُلْوٍ شَمائِلُهُ ... جَمِّ الرَّمادِ إِذا ما أَخْمَدَ البَرَمُ
تُحِبُّ زَوْجاتُ أَقْوامٍ حَلائِلَهُ ... إِذا الأُنُوفُ امْتَرَى مَكْنُونَها الشَّبَمُ
تَرَى الأَرامِلَ والهُلاَّكَ تَتْبَعُهُ ... يَسْتَنُّ مِنْه عليهمْ وابِلٌ رَذِمُ
كأَنَّ أصْحابَهُ بالقَفْرِ يُمْطِرُهُمْ ... مِن مُسْتَحِيرٍ غَزِيرٍ صَوْبُهُ دِيَمُ
غَمْرُ النَّدَى، لا يَبِيتُ الحَقُّ يَثْمُدُهُإِلاَّ غَدا وَهْوَ سامِي الطَّرْفِ يَبْتَسِمُ
إِلى المَكارِمِ يَبْنِيها ويَعْمُرُها ... حتَّى يَنالَ أُمُوراً دُونَها قُحَمُ
تَشْقَى به كُلُّ مِرْباعٍ مُوَدَّعَةٍ ... عَرْفاء يَشْتُو عَلَيْها تامِكٌ سَنِمُ
تَرَى الجِفانَ مِن الشِّيَزى مُكَلَّلَةً ... قُدَّامَهُ زانَها التَّشْرِيفُ والكَرَمُ
يَنُوبُها النَّاسُ أَفْواجاً، إِذا نَهِلُواعَلُّوا كَما عَلَّ بَعْدَ النَّهْلَةِ النَّعَمُ
زارَتْ رُوَيْقَةُ شُعْثاً بَعْدَ ما هَجَمُوا ... لَدَى نَواحِلَ في أَرْساغِها الخَدَمُ
وقُمْتُ للزَّوْرِ مُرْتاعاً، فَأَرَّقْنِي ... فقلتُ: أَهْيَ سَرَتْ، أَمْ عادَنِي حُلُم
وكانَ عَهْدِي بِها والمَشْيُ يَبْهَظُها ... مِن القَرِيبِ، ومِنْها النَّوْمُ والسَّأَمُ
وبالتَّكالِيفِ تَأْتِي بَيْتَ جارَتِها ... تَمْشِي الهُوَيْنا وما يَبْدُو لها قَدَمُ
سُودٌ ذَوائِبُها بِيضٌ تَرائِبُها ... دُرْمٌ مَرافِقُها في خَلْقِها عَمَمُ
رُوَيْقَ إِنِّي وما حَجَّ الحَجِيجُ لهُ ... وما أَهَلَّ ، بجْنَبَيْ نَخْلَةَ، الحُرُمُ
لَمْ يُنْسِنِي ذِكْرَكُمْ مُذْ لَمْ أُلاقِكُمُ ... عَيْشٌ سَلَوْتُ به عنكمْ ولا قِدَمُ
ولَمْ تُشارِكْكِ عندِي بَعْدَ غانِيَةٌ ... لا والذي أَصْبَحَتْ عِنْدِي له نِعَمُ
مَتَى أَمُرُّ على الشَّقْراءِ مُعْتَسِفاً ... خَلَّ النَّقا بِمَرُوحٍ لَحْمُهَا زِيَمُ
والوَشْمِ قَد خَرَجَتْ مِنْه وقابَلَها، ... مِن الثَّنايا التي لَمْ أَقْلِها، ثَرَمُ
يا لَيْتَ شِعْرِيَ عن جَنْبَيْ مُكَشَّحةٍ ... وحَيْثُ يُبْنَى مِن الحِنّاءةِ الأُطُمُ
عن الأَشاءةِ هل زَالَتْ مَخارِمُها ... وهَلْ تَغَيَّرَ مِن آرامِها إِرَمُ
وجَنَّةٍ ما يَذُمُّ الدَّهْرَ حاضِرُها ... جَبَّارُها بالنَّدَى والحَمْلِ مُخْتَزِمُ
فِيها عَقائِلُ أَمْثالُ الدُّمَى خُرُدٌ ... لَمْ يَغْدُ هُنَّ شَقا عَيْشٍ ولا يُتُمُ
يَنْتَابُهُنَّ كِرامٌ ما يَذُمُّهُمُ ... جارٌ غَرِيبٌ، ولا يُؤْذَى لَهُمْ حَشَمُ
مُخَدَّمُونَ، ثِقالٌ في مَجالِسِهِمْ، ... وفِي الرِّحالِ إِذا صاحَبْتَهُمْ خَدَمُ
لا يَرْفَعُ الضَّيْفُ طَرَفاً في مَنازِلِهِمْإِلاَّ يَرَى ضاحِكاً مِنْهُمْ ومُبْتَسِمُ
يا لَيْتَ شِعْرِي متى أَغْدُو تُعارِضُنِي ... جَرْداءُ سابِحَةٌ أَو سابِحٌ قُدُمُ
نَحْوَ الأُمَيْلِحِ أَو سَمْنانَ مُبْتَكِراً ... بفِتْيَةٍ فِيهِمُ المَرّارُ والحَكَمُ
لَيْسَتْ عليهمْ، إِذا يَغْدُونَ، أَرْدِيَةٌ ... إِلاَّ جِيادَ قِسِيِّ النَّبْع واللُّجُمُ
مِنْ غَيْرِ عُدْمٍ، ولكنْ مِن تَبَذُّلِهِمْللصَّيْدِ، حَتَّى يَصِيحَ القانِصُ اللَّحِمُ
فيَفْزَعُونَ إِلى جُرْدٍ مُسَوَّمَةٍ ... أَفْنَى دَوابِرَهُنَّ الرَّكْضُ والأَكَمُ
يَرْضَخْنَ صُمَّ الحَصَى في كُلِّ هاجرَة ... كما تَطايَرَ عن مِرْضاخِهِ العَجَمُ
يَغْدُو أَمامَهُمُ في كُلِّ مَرْبَأَةٍ ... طَلاَّعُ أَنْجدَةٍ في كَشْحِهِ هَضَمُ
قال
بكر بن النطاحوجاء باستطراد فيه هجاء ومدح
عَرَضْتُ عَلَيْها ما أَرادَتْ مِن المُنَى ... لِتَرْضَى، فقالتْ: قُمْ فَجِئْنِي بكَوْكَب
فقلتُ لها: هذا التَّعَنُّتُ كُلُّهُ ... كمَنْ يَتَشَهَّى لَحْمَ عَنْقاء مُغْرِبِ
سَلِي كُلَّ شَيْءٍ تَسْتَقِيمُ طِلابُهُ ... ولا تَذْهَبِي يا بَدْرُ بِي كُلَّ مَذْهَبِ
فأُقْسِمُ لو أَصْبَحْتُ في عِزِّ مالِكٍ ... وقُدْرَتِهِ ما نالَ ذلكَ مَطْلَبِي
فَتىً شَقِيَتْ أَمْوالُهُ بِهِياتِهِ ... كما شَقِيَتْ بَكْرٌ بأَرْماحِ تَغْلِبِ
قال
ثروان عبد بني قضاعةفلَوْ كنتُ مَوْلَى قَيْسِ عَيْلانَ لَمْ تَجِدْ ... عَلَيَّ لإنْسانٍ مِن النَّاسِ دِرْهَما
ولكنَّنِي مَوْلَى قُضاعَةَ كُلِّها ... فلَسْتُ أُبالِي أَن أَدِي،َ وتَغْرَما
أُولئكَ قَوْمِي بارَكَ اللّهُ فِيهِمُ ... على كُلِّ حال ما أَعَفَّ وأَكْرَما
قال
مسلم بن الوليدأَجِدَّكِ ما تَدْرِينَ أَنْ رُبَّ لَيْلَةٍ ... كأَنَّ دُجاها مِن قُرُونِكِ يُنْشَرُ
لَهَوْتُ بِها حتَّى تَجَلَّتْ بِغُرَّةٍ ... كَغُرَّةِ يَحْيَى حينَ يُذْكَرُ جَعْفَرُ
قال
علي بن جبلةمُوَفَّقُ الرَّأْيِ لا زالَتْ عَزائِمُهُ ... تَكادُ مِنْها الجِبالُ الصُّمُّ تَنْصَدِعُ
كأَنَّما كانَتْ الآراءُ مِنْه بِها ... نَواظِرُ في قُلُوبِ الدَّهْرِ تَطَّلِعُ
قال
يزيد بن محمد بن المهلب
بن المغيرة بن المهلب بن أبي صفرةرَهَنْتَ يَدِي بالعَجْزِ عن شُكْرِ بِرِّهِ ... وما فَوْقَ شُكْرِي للشَّكُورِ مَزِيدُ
ولو كانَ مِمّا يُسْتَطاعُ اسْتَطَعْتُهُ ... ولكنَّ ما لا يُسْتطاعُ شَدِيدُ
قال
امرؤ القيس بن حجرولأَشْكُرَنَّ غَرِيبَ نِعْمَتِهِ ... حتَّى أَمُوتَ، وفَضْلُهُ الفَضْلُ
أَنتَ الشُّجاعُ إِذا هُمُ نَزَلُوا ... عندَ المَضِيقِ، وفِعْلُكَ الفِعْلُ
قال
بعض الخوارجفإِنْ كانَ مِنْكُمْ كانَ مَرْوانُ وابْنُهُ ... وعَمْرُو ومنكُمْ هاشِمٌ وحَبيبُ
فمِنَّا حُصَيْنٌ والبَطِينُ وقَعْنَبٌ ... ومِنَّا أَمِيرُ المُؤمِنين شَبيبُ
فلما ظفر به هشام قال: أنت القائل:
ومِنَّا أَمِيرُ المُؤْمِنينَ شَبِيبُ
فقال لم أقل إلا:
ومِنَّا أَمِيرَ المُؤْمِنينَ شَبِيبُ
وهذا يسمى المواربة، يقول المتكلم شيئاً يتضمن ما ينكر عليه بسببه.
ثم يتخلص منه إن فطن له إما بتحريفه بزيادةٍ أو نقصانٍ أو إبدال أو تصحيف. ومن طريف ذلك ما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعلي رضي الله عنه لما قال العباس بن مرداس السلمي:
أَتَجْعَلُ نَهْبِي ونَهْبَ العُبَيْ ... دِ بَيْنَ عُيَيْنَةَ والأَقْرَعِ
وما كانَ حِصْنٌ ولا حابِسٌ ... يَفُوقانِ مِرْداسَ في مَجْمَعِ
وما أَنا دُونَ امْرِىءٍ مِنْهُما ... ومَنْ تَضَعِ اليومَ لا يُرْفَعِ
اقطع لسانه عني. فأعطاه مائة ناقةٍ، وقال: أمضيت ما أمرت.
قال
الأعشىإِنَّ الذي فِيه تَمارَيْتُما ... بُيِّنَ للسَّامِع والنَّاظِرِ
حَكَّمْتُمُوهُ فَقَضَى بَيْنَكُمْ ... أَبْلَجُ مِثْلُ القَمَرِ الزَّاهِرِ
لا يَأَخُذُ الرُّشْوَةَ في حُكْمِهِ ... ولا يُبالِي غَبَنَ الخاسِرِ
لا يَرْهَبُ المُنْكِرَ مِنْكُمْ ولا ... يَرْجُوكُمُ إِلاَّ تُقَى الآمِرِ
قال
النابغة الذبيانيفللَّهِ عَيْنا مَن رَأَى مِثْلَهُ فَتىً ... أَضَرَّ لِمَنْ عادى وأكْثَرَ نافِعا
وأَعْظَمَ أَحْلاماً، وأَكْبَرَ سَيِّداً ... وأَفْضَلَ مَشْفُوعاً إليهِ وشافِعا
قال
مسلم بن الوليد الأنصارييَنالُ بالرِّفْقِ ما يَعْيا الرِّجالُ بهِ ... كالمَوْتِ مُسْتَعْجِلاً يَأَتِي على مَهَلِ
يَكْسُو السُّيُوفَ دِماء النَّاكِثِينَ بهِ ... ويَجْعَلُ الهامَ تِيجانَ القَنا الذُّبُلِ
حَذارِ مِن أَسَدٍ ضِرْغَامةٍ بَطَلٍ ... لا يُولِغُ السَّيْفَ إِلاَّ مُهْجَةَ البَطَلِ
مُوفٍ على مُهَجٍ في يَوْمِ ذِي رَهَجٍ ... كأَنَّهُ أَجَلٌ يَسْعَى إِلى أَمَلِ
قد عَوَّدَ الطَّيْرَ عاداتٍ وَثِقْنَ بِها ... فهُنَّ يَتْبَعْنَهُ في كُلِّ مُرْتَحَلِ
تَراهُ في الأَمْنِ في دِرْعٍ مُضاعَفَةٍ ... لا يَأَمَنُ الدَّهْرَ أَنْ يُدْعَى على عَجَلِ
فالدَّهْرُ يَغْبِطُ أُولاهُ أَواخِرَهُ ... إِذْ لَمْ يَكُنْ كانَ في أَعْصارِهِ الأُوَل
فاسْلَمْ يَزِيدُ، فَما في المُلْكِ مِن وَهَنٍإِذا سَلِمْتَ ولا في الدِّينِ مِن خَلَلِ
ما كانَ جَمْعُهُمُ لَمَّا لَقِيتَهُمُ ... إِلاَّ كَمِثْلِ جَرادٍ رِيعَ مُنْجَفِلِ
قال
حسان بن ثابت الأنصاريإِنَّ الذَّوائِبَ من فِهْرٍ وإِخْوَتِهِمْ ... قد بَيَّنُوا سُنَّةً للنَّاسِ تُتَّبعُ
يَرْضَى بِها كُلُّ مَنْ كانتْ سَريرَتُهُ ... تَقْوَى الإِلهِ، وبالأَمْر الذي شَرَعُوا
إِنْ كانَ في القَوْمِ سَبَّاقُونَ بَعْدَهُمُ ... فكُلُّ سَبْقٍ لأَدْنَى سَبْقِهِمْ تَبَعُ
خُذْ مِنْهُمُ ما أَتَوْا عَفْواً إِذا غَضِبُواولا يَكُنْ هَمُّكَ الأَمْرَ الذي مَنَعُوا
لا يَرْقَعُ النَّاسُ ما أَوْهَتْ أَكُفُّهُمُ ... عندَ الدِّفاعِ، ولا يُوهُونَ ما رَقَعُوا
لا يَجْهَلُونَ وإِنْ جاوَلْتَ جَهْلَهُمُ ... في فَضْلِ أَحْلامِهِمْ عن ذاكَ مُتَّسَعُ
قال
آخرفي خالد بن عبد الله القسري
هذا الذي آمُلُ تَعْمِيرَهُ ... لِدَفْعِ ما أَخْشَى مِن الدَّهْرِ
ما قالَ لا قَطُّ ولَوْ قالَها ... صامَ لَها العَشْرَ مِن الشَّهْرِ
قال
لبيد بن ربيعة العامريوبَنُو الدَّيَّانِ لا يَأَتُونَ لا ... وعلى أَلْسُنِهِمْ خَفَّتْ نَعَمْ
زَيَّنَتْ أَحْسابَهُمْ أَحْلامُهُمْ ... وكَذاكَ الحِلْم زَيْنٌ لِلكَرَمْ
قال
آخرلَزِمْتَ نَعَمْ حتَّى كَأَنَّكَ لَمْ تَكُنْبِلا عارِفاً في سالِفِ الدَّهْرِ والأُمَمْ
وأَنْكَرْتَ لا حتَّى كأَنَّكَ لَمْ تكُنْ ... سَمِعْتَ مِن الأَشْياء شيئاً سِوَى نَعَمْ
قال
أبو دهبل الجمحيفي عبد الله بن عبد الرحمن الهبرزي. وقيل في مدح النبي صلى الله عليه وسلم:
عُقِيمَ النِّساءُ فما يَلِدْنَ شَبِيهَهُ ... إِنَّ النِّساء بمِثْلِهِ عُقْمُ
مُتَقارِبٌ بنَعَمْ، بِلا مُتَباعِدٌ ... سِيَّانِ مِنْه الوَفْرُ والعُدْمُ
نَزْرُ الكَلامِ مِن الحَياءِ تَخالُهُ ... ضَمِناً، ولَيْس بجِسْمِهِ سُقْمُ
قال
آخر في ضدهمَنَّيْتَنِي بنَعَمْ، حتَّى إِذا وَجَبَتْ ... أَلْحَقْتَ لا بنَعَمْ، ما هكّذا الجُودُ
فصِرْتَ مِثْلَ جَوادٍ بَذَّ حَلْبَتَهُ ... بَذَّ الجِيادِ، له في الأَرْضِ تَخْدِيدُ
حتَّى إِذا ما دَنا مِن رَأْسِ غايَتِهِ ... أَعْيا، ومَرَّتْ به المَهْرِيَّةُ القُودُ
قال
أبو العتاهيةجَزَى اللّهُ عنِّي صالِحاً بجَزائِهِ ... وأَضْعَفَ أَضْعَافاً له في جَزائِهِ
بَلَوْتُ رجالاً بَعْدَه في إِخائِهمْ ... فما ازْدَدْتُ إِلاَّ رَغْبَةً في إِخائِهِ
خَلِيلٌ إِذا ما جئْتُ أَبْغِيهِ عُرْفَه ... رَجَعْتُ بِما أَبْغِي ووَجْهِي بِمائِهِ
قال آخر
إِذا ما أَتاه السَّائِلُون تَوَقَّدَتْ ... عليه مَصابيح الطَّلاقَةِ والبِشْرِ
له في ذَوي المَعْروفِ نُعْمَى كأَنَّها ... مَواقِع ماءِ المزْنِ في البَلَدِ القَفْرِ
قال آخر
أَخٌ لَسْتُ أَدْرِي كَيْفَ أَشْكُر برَّه ... تَجِلُّ أَيادِيهِ عن الوَصْفِ والذِّكْرِ
شَكَرْتُ له حسْنَ الإِخاءِ فعادَ لي ... بإِحْسانِهِ حتَّى عَجِزْتُ عن الشُّكْرِ
قال
مارح بن مهاجرأَرَى الحَيَّيْنِ مِن قَيْسٍ وكَلْبٍ ... إِذا ذُكِرَتْ عِراصكُم الرِّحابُ
وأَيَّامٌ لَكُمْ طالَتْ سَناءً ... فلَيْسَ لِعائِبٍ فِيها مَعابُ
يَغُضُّونَ الجفُونَ قِلىً ومَقْتاً ... ويَظْهَر مِنْهم الحَسَد العُجابُ
فقَيْسٌ لا تُقاسُ بِكُمْ سَماحاً ... وكَلْبٌ دُونَ مَجْدِكُمُ كِلابُ
أُولئكَ مَعْشَرٌ خَبُثُوا وقَلُّوا ... وأَنْتمْ مَعْشَرٌ كَثُرُوا وطابُوا
قال
جرير بن الخطفييمدح عمر بن عبد العزيز
إِنَّا لَنَرْجُو إِذا ما الغَيْثُ أَخْلَفَنا ... مِن الخَلِيفَةِ ما نَرْجُو مِن المَطَرِ
نالَ الخِلافَةَ إِذْ كانَتْ له قَدَراً ... كما أَتَى رَبَّهُ مُوسَى على قَدَر
أَأَذْكُرُ الجَهْدَ والبَلْوَى التي نَزَلَتْ ... أَم قد كَفانِي الذي بُلِّغْتَ مِن خَبَري
مازِلْتُ بَعْدَكَ في دارٍ تَعَرَّقُنِي ... قَدْ عَيَّ في الحَيِّ إصْعادِي ومُنْحَدَرِي
لا يَنْفَعُ الحاضِرُ المَجْهُودُ بادِيَهُ ... ولا يَعُودُ لَنا بادٍ على حَضَرِ
كم بالمَواسِمِ مِن شَعْثاء أَرْمَلَةٍ ... ومِن يَتِيمٍ ضَعِيفِ الصَّوْتِ والنَّظَرِ
يَدْعُوك دَعْوَةَ مَلْهُوفٍ كأَنَّ بهِ ... مَسّاً مِن الجِنِّ أَو خَبْلاً مِن النُّشَرِ
مِمَّنْ يَعُدُّكَ تَكْفِي فَقْدَ والِدِهِكالفَرْخِ في العُشِّ لَمْ يَدْرُجْ ولَمْ يَطِرِ
يَرْجُوكَ مِثْلَ رَجاءِ الغَيْثِ تَجْبُرُهُمْ ... بُورِكْتَ جابرَ عَظْمٍ هِيضَ مُنْكَسِر
هَذِي الأَرامِلُ قد قَضَّيْتَ حاجَتَها ... فمَنْ لحاجَةِ هذا الأَرْمَلِ الذَّكَر
قال
حاتم الطائيإِنْ كُنْتِ كارِهَةً لِعِيشَتِنا ... هاتا، فَحُلِّي في بَنِي بَدْرِ
الضَّارِبِينَ لَدَى أَعِنَّتِهِمْ ... والطَّاعِنينَ وخَيْلُهُمْ تَجْرِي
جاوَرْتُهُمْ زَمَنَ الفَسادِ، فنِعْ ... مَ الحَيُّ في العَوْصاءِ واليُسْرِ
فسُقِيتُ بالماءِ النَّمِيرِ ولَمْ ... أَنْزِلْ أُلاطِسُ حَمْأَةَ الجَفْرِ
ودُعِيتُ في أُولى النَّدِيِّ ولَمْ ... يُنْظَرْ إِليَّ بَأَعْيُنٍ خُزْرِ
الخالِطُونَ نَحِيتُهُمْ بنُضارِهِمْ ... وذَوِي الغِنَى مِنْهمْ بذِي الفَقْر
قال
الحطيئة جرول بن أوسوفِتْيانِ صِدْقٍ مِن عَدِيٍّ عليهمُ ... صفائِحُ بُصْرَى عُلِّقَتْ بالعَواتِقِ
إِذا ما دُعُوا لَمْ يَسْأَلُوا مَن دَعاهُمُولَمْ يُمْسِكُوا فَوْقَ القُلُوبِ الخَوافِقِ
وطارُوا إِلى الجُرْدِ العِتاقِ فأَلْجَمُوا ... وشَدُّوا على أَوْساطِهِمْ بالمَناطِقِ
أُولئكَ آسادُ الغَرِيفِ، وغاثَةُ ال ... صَّرِيخِ، ومَأَوَى المُرْمِلِينَ الدَّرادِقِ
أَحَلُّوا حِياضَ المَوْتِ فَوْقَ جباهِهِمْ ... مَكانَ النَّواصِي مِن وُجُوهِ السَّوابقِ
قال
أوس بن حجروما كانَ وَقَّافاً إِذا الخَيْلُ أَحْجَمَتْ ... وما كانَ مِبْطاناً إذا ما تَجَرَّدا
كَثِيرُ رَمادِ القِدْرِ غَيْرُ مُلَعَّن ... ولا مُؤْيس مِنْها إِذا هو أَخْمَدا
قال
الفرزدق
همام بن غالب المجاشعيومِنَّا الذي اخْتِيرَ الرِّجالَ سَماحَةً ... وجُوداً إِذا هَبَّ الرِّياحُ الزَّعازِعُ
ومِنَّا الذي أَعْطَى الرَّسُولُ عَطِيَّةً ... أَسارَى تَمِيمٍ، والعُيُونُ دَوامِعُ
ومِنّا الذي أحْيا الوَئِيدَ، وغالِبٌ ... وعَمْرٌو، ومِنَّا حاجِبٌ والأَقارِعُ
أُولئكَ آبائِي، فَجِئْنِي بِمِثْلِهمْ ... إِذا جَمَعَتْنا يا جَرِيرُ المَجامِعُ
فيا عَجَباً حتَّى كُلَيْبٌ تَسُبُّني ... كأَنَّ أَباها نَهْشَلٌ أَو مُجاشِعُ
تَنَحَّ عن العَيْناءِ إِنَّ قَدِيمَها ... لَنا والجِبالُ الباذِخاتُ الفَوارِعُ
أَخَذْنا بآفاق السَّماءِ عليكمُ ... لَنا قَمَراها والنُّجُومُ الطَّوالِعُ
قال
مروان بن أبي حفصةتَدارَكَ مَعْنٌ قُبَّةَ الدِّينِ بَعْدَما ... خَشِينا على أَوْتادِهِ أَنْ تُنَزَّعا
أَقامَ على الثَّغْر المَخُوفِ، وهاشِمٌ ... تَساقَى سِماماً بالأَسِنَّةِ مُنْقَعا
وما أَحْجَمَ الأَعْداءُ عنكَ بَقِيَّةً ... عَلَيْكَ، ولكنْ لَمْ يَرَوْ فِيكَ مَطْمَعا
رَأَوْا مُخْدِراً قد جَرَّبُوهُ وعايَنُوا ... لَدَى غِيلِهِ مِنْهمْ مَجَرّاً ومَصْرَعا
لقَدْ أَصْبَحَتْ في كُلِّ شَرْقٍ ومَغْرِبٍ ... بِسَيْفِكَ أَعْناقُ المُرِيبِينَ خُضَّعا
قال
عبيد الله بن قيس الرقياتإِنَّ الأَغَرَّ الذي أَبُوهُ أَبُو ال ... عاصي عليهِ الوَقارُ والحُجُبُ
يَعْتَدِلُ التَّاجُ فَوْقَ مَفْرِقِهِ ... على جَبِينٍ كأَنَّهُ الذَّهَبُ
ما نَقَمُوا مِن بَنِي أُمَيَّةَ إِلاَّ ... أَنَّهُمْ يَحْلُمُونَ إِنْ غَضِبُوا
وأَنَّهُمْ مَعْدِنُ الكِرامِ، وما ... تَصْلُحُ إِلاَّ عليهمُ العَرَبُ
إِنْ جَلَسُوا لَمْ تَضِقْ مَجالِسُهمْ ... والأُسْدُ أُسْدُ العَرين إنْ رَكِبُوا
قال
أبو العتاهيةولَقَدْ تَنَسَّمْتُ الرِّياحَ لِحاجَتِي ... فإِذا لَها مِن راحَتَيْكَ نَسِيمُ
وَرَمَيْتُ نَحْوَ سَماءِ جُودِكَ ناظِرِي ... أَرْعَى مَخايِلَ بَرْقِها وأَشِيمُ
ولَرُبَّما اسْتَيْأَسْتُ ثُمَّ أَقُولُ: لا ... إِنَّ الذي وَعَدَ النَّجاحَ كَرِيمُ
قال
أيضاً
نَفْسِي بشَيْءٍ مِن الدُّنْيا مُعَلَّقَةٌ ... اللّهُ والقائِمُ المَهْدِيُّ يَكْفِيها
إِنِّي لأَيْأَسُ مِنْها ثُمَّ يُطْمِعُنِي ... منها احْتِقارُكَ للدُّنْيا وما فِيها
قال
أشجع السلمي
إِليكَ أَبا العَبّاسِ سارَتْ نَجائِبٌ ... لها هِمَمٌ تَسْرِي إِليكَ وتَنْزِعُ
بذِكْرِكَ نَحْدُوها إِذا ما تَأَخَّرَتْ ... فَتَمْضِي على هَوْلِ المُضِيِّ وتُسْرِعُ
فما للِسانِ المَدْحِ دُونَكَ مَشْرَعٌ ... وما لِلْمَطايا دُونَ بابِكَ مَتْرَعُ
إِذا ما حِياضُ المَجْدِ قَلَّتْ مِياهُهَا ... فحَوْضُ أَبِي العَبْاسِ بالجُودِ مُنْزَعُ
فُزْرهُ تَزُرْ عِلْماً وحِلْماً وسُؤدُداً ... وبَأَساً به أَنْفُ الحَوادِثِ يُجْدَعُ
قال
يزيد بن مفرغ
أموي الشعرعَدَسْ ما لِعَبّادٍ عليكِ إَمَارَةٌ ... نَجَوْتِ وهذا تَحْمِلِينَ طَلِيقُ
لَعَمْرِي لقَدْ أَنْجاكِ مِن هُوَّةِ الرَّدَى ... إمامٌ وحَبْلٌ للإِمامِ وَثِيقُ
سأَشْكُرُ ما أَوْلَيْتَ مِن حُسْنِ نعْمَة ... ومِثْلِي بشُكْرِ المُنْعِمِينَ حَقِيقُ
قالت
الخنساء بنت الشريدجارَي أَباهُ فأَقْبَلا وَهُما ... يَتَعاوَرانِ مُلاءةَ الحُضْرِ
وَهُما وقَدْ بَرَزا كَأنَّهُا ... صَقْران قد حَطَّا إِلى وَكْرِ
حتَّى إِذا نَزَتِ القُلُوبُ وقَدْ ... لُزَّتْ هناكَ العُذْرَ بالعُذْرِ
وعَلا هُتافُ النَّاسِ: أيُّهُما؟ ... قال المُجِيبُ هناكَ: لا نَدْرِي
بَرَقَتْ صَحِيفَةُ وَجْهِ والِدِهِ ... ومَضَى على غُلْوائِهِ يَجْرِي
أَوْلَى فَأَوْلَى أَنْ يُساوِيَهُ ... لَوْلا جَلالُ السِّنِّ والكِبْرِ
قال
ربيعة بن مقروم الضبيوقَدْ سَمِعْتُ بقَوْمٍ يُمْدَحُونَ فلَمْ ... أَسْمَعْ بمِثْلِكَ لا حِلْماً ولا جُودا
وقَدْ سَبَقْتَ لِغاياتِ الجِيادِ وقَدْ ... أَشْبَهْتَ آباءكَ الصِّيدَ الصَّنادِيدا
هذا ثَنائِي بما أَوْلَيْتَ مِن حَسَنٍ ... لا زِلْتَ عَوْضُ قَرِيرَ العَيْنِ مَحْسُودا
قال
الأعشى ميمونوإِنَّ أَمْرءًا أَسْرَى إِليْك ودُونَهُ ... مِن الأَرْضِ مَوْماةٌ وجَرْداءُ سَمْلَقُ
لَمَحْقُوقَةٌ أَنْ تَسْتَجِيبِي لِصَوْتهِ ... وأَنْ تَعْلَمِي أَنَّ المُعانَ مُوَفَّقُ
لَعَمْرِي لقَدْ لاحَتْ عُيُونٌ كَثِيرَةٌ ... إِلى ضَوْءِ نارٍ في يَفاعٍ تَحَرَّقُ
تُشَبُّ لِمَقْرُورَيْن يَصْطَلِيانِها ... وباتَ على النَّارِ النَّدَى والمُحَلَّقُ
رَضِيعَيْ لَبانِ ثَدْيِ أُمٍّ تَحالَفا ... بأَسْحَم داجٍ عَوْضُ لا نَتَفَرَّقُ
يَداكَ يَدا صِدْقٍ، فَكفٌّ مُفِيدَةٌ ... وأُخْرَى إِذا ما ضُنَّ بالزَّادِ تُنْفِقُ
تَرَى الجُودَ يَجْرِي ظاهِراً فَوْقَ وَجْهِهِكما زانَ مَتْنَ الهِنْدُوانِيِّ رَوْنَقُ
وإِنَّ عِتاقَ العِيسِ سَوْفَ يَزُورُكُمْ ... ثَناءُ على أَعْجازِهِنَّ مُعَلَّقُ
ويَقْسِمُ أَمْرَ النَّاسِ يَوْماً ولَيْلَةً ... فهُمْ ساكِتُونَ والمَنِيَّةُ تَنْطِقُ
جِماعُ الهَوَى في الرُّشْدِ أَدْنَى إِلى التُّقَىوتَرْكُ الهَوَى في الغَيِّ أَدْنَى وأَرْفَقُ
قال
عمرو بن العاصيمدح علياً رضي الله عنه
طَعامُ سُيُوفِهِ مُهَجُ الأَعادِي ... وفَيْضُ دَمِ النُّحُورِ لها شَرابُ
كأَنَّ سِنانَ عامِلِهِ ضَمِيرٌ ... فلَيْسَ عن القُلُوب له ذهابُ
قال
كعب بن زهير
إسلاميصَمُوتٌ وقَوّالٌ، فلِلْحِلْمِ صَمْتُهُوبالعِلْمِ يَجْلُو الشَّكَّ مَنْطِقُهُ الفَصْلُ
فَتىً لَمْ يَدَعْ رُشْداً، ولَمْ يَأَتِ مُنْكَراًولَمْ يَدْرِ مِن فَضْلِ السَّماحَةِ ما البُخْلُ
به أنْجَبتِ للْبدر شَمْسٌ مُنِيرةٌ ... مُبارَكَةٌ يَنْمِي بِها الفَرْعُ والأَصْلُ
إِذا كانَ نَجْلُ الفَحْلِ بَيْنَ نَجِيبَةٍ ... وبَيْنَ هِجانٍ مُنْجِبٍ كَرُمَ النَّجْلُ
قال
الأخطل غياث بن غوثرَماهُمْ على بُعْدٍ برَأْيٍ مُسَدَّدٍ ... فأَفْناهُمُ مِن قَبْلُ تَأَتِي كتَائِبُهْ
وحارَبَهُمْ بالبِيضِ حتَّى إِذا أَتَوْا ... لِما شاء، قامَ العَفْوُ فِيهمْ يُحاربُهْ
قال
دعبل الخزاعيمُسَدَّدُ الرَّأْيِ، إِنْ تَلْحَظْ مَكايِدَهُمَكايِدُ الدَّهْرِ لَمْ يَثْبُتْ لها قَدَمُ
لا يَعْرفُ العَفْو إلاَّ بَعْدَ مَقْدِرَة ... ولا يُعاقبُ حتَّى تَنْجَلي التُّهَمُ
قال
النابغة الذبيانيمَهْلاً فِداءٌ لكَ الأَقْوامُ كُلُّهُمُ ... وما أُثَمِّرُ مِن مالٍ ومِن وَلَدِ
لا تَقْذِفَنِّي برُكْنٍ لا كِفاء لهُ ... وإِنْ تَأَثَّفَكَ الأَعْداءُ بالرِّفَدِ
فلا لَعَمْرُ الذي مَسَّحْتُ كَعْبَتَهُ ... وما هُرِيقَ على الأَنْصابِ مِن جَسَدِ
والمُؤْمِنِ العائِذاتِ الطَّيْر يَمْسَحُهارُكْبانُ مَكَّةَ بَيْنَ الغَيْلِ والسَّنَدِ
ما إِنْ أَتَيْتُ بشَيْءٍ أَنتَ تَكْرَهُهُ ... إِذَنْ فلا رَفَعَتْ سَوْطِي إِليَّ يَدِي
فما الفُراتُ إِذا جاشَتْ غَوارِبُهُ ... تَرْمِي أَواذِيُّهُ العِبْرَيْنِ بالزَّبَدِ
يَظَلُّ مِن خَوْفِهِ المَلاَّحُ مُعْتَصِماًبالخَيْزُرانَةِ بَعْدَ الأَيْنِ والنَّجْدِ
يَوْماً بأَجْوَدَ مِنْهُ سَيْبَ نافِلَةٍ ... ولا يَحُولُ عَطاءُ اليومِ دُونَ غَدِ
هذا الثَّناءُ، فإِنْ تَسْمَعْ لِقائِلِهِ ... فما عَرَضْتُ أَبَيْتَ اللَّعْنَ بالصَّفَدِ
قال
أمية بن أبي الصلت
جاهليلِيَطْلُبِ الوِتْرَ أَمْثالُ ابنِ ذِي يَزَنٍ ... لَجَّجَ في البَحْرِ للأَعْداءِ أَحْوالا
أَتَى هِرْقَلاً وقَدْ شَالَتْ نَعامَتُهُ ... فلَمْ يَجِدْ عِندَهُ النَّصْرَ الذي سالا
ثُم انْتَحى نَحْوَ كِسْرَى بَعْدَ سابِعَةٍ ... مِن السِّنِينَ لقَدْ أَبْعَدْتَ قَلْقَالا
حَتَّى أَتَى بِبَنِي الأَحْرارِ يَقْدُمُهُمْتَخالُهُمْ فَوْقَ سَهْلِ الأَرْضِ أَجْبالا
للّهِ دَرُّهُمُ مِن فِتْيَةٍ صُبُرٍ ... ما إِنْ رَأَيْتُ لَهُمْ في النَّاسِ أَمْثالا
بِيضٌ مَرازِبَةٌ، غُلْبٌ أَساوِرَةٌ، ... أُسْدٌ تُرَبِّبُ في الغاباتِ أَشْبالا
حَمَلْتَ أُسْداً على سُودِ الكِلابِ فقَدْ ... أَضْحَى شَرِيدُهُمُ في البَحْرِ فُلاَّلا
اشْرَبْ هَنيئاً، عليكَ التَّاجُ، مُرْتَفِقاً ... في رَأْسِ غُمْدانَ داراً مِنْكَ مِحْلالا
ثم اطَّلِ المِسْكَ إِذ شالَتْ نَعامَتُهُمْ ... وأَسْبِلِ اليومَ في بُرْدَيْكَ إِسْبالا
هَذِي المَكارِمُ، لا قَعْبانِ مِن لَبَنٍ ... شِيبا بماءٍ فَعادا بَعْدُ أَبْوالا
قال
الأحوص بن عبد الله الأنصاريفخَرَتْ وانْتَمَتْ فقُلْتُ ذَرِينِي ... لَيْسَ جَهْلٌ أَتَيْتِهِ ببَدِيعِ
فَأَنا ابنُ الذي حَمَتْ لَحْمَهُ الدَّبْ ... رُ قَتِيلُ اللِّحْيانِ يومَ الرَّجِيعِ
غَسَّلَتْ خالِيَ المَلائِكَةُ الأَبْ ... رارُ مَيْتاً طُوبَى لهُ مِن صَريع
قال
أعشى همدانوإِذا سأَلْتَ: المَجْدُ أَيْنَ مَحَلُّهُ ... فالمَجْدُ بَيْنَ محمدٍ وسَعِيدِ
بين الأَشَجِّ وبينَ قَيْسٍ باذخٌ ... بَخْ بَخْ لِوالِدِهِ وللْمَولُودِ
ما قَصَّرَتْ بكَ أَنْ تَنالَ مَدَى العُلَى ... أَخْلاقُ مَكْرُمَةٍ وإِرْثُ جُدُودِ
وإِذا دَعا لِعَظِيمَةٍ حَشَدَتْ له ... هَمْدانُ تحتَ لِوائِهِ المَعْقُودِ
وإِذا دَعَوْتَ بآلِ كِنْدَةَ أَجْفَلَتْ ... بكُهُولِ صِدْقٍ سَيِّدٍ وَمَسُودِ
وشَباب مَلْحَمَةٍ كأَنَّ سُيُوفَهُمْ ... في كُلِّ مَلْحَمَةٍ بُرُوقُ رُعَودِ
قال
عبد الله بن أبي معقل الأوسيإِنْ يَعِشْ مُصْعَبٌ فنحنُ بخَيْرٍ ... قد أَتانا مِن عَيْشِهِ ما نُرَجَّى
مَلِكٌ يُطْعِمُ الطَّعامَ ويَسْقِي ... لَبَنَ البُخْتِ في عِساسِ الخَلَنْجِ
قال
الحسن بن هانئ الحكميأَنتَ الذي تَأْخُذُ الدُّنْيا بحُجْزَتِهِ ... إِذا الزَّمانُ على أَبْنائِهِ كَلَحا
وَكَّلْتَ بالدَّهْرِ عَيْناً غيرَ غافِلَةٍ ... مِن جُودِ كَفِّكَ تَأْسُو كُلَّما جَرَحا
قال
مسكين الدارمي
ربيعة بن عامر، أموي الشعرإِليكَ أَمِيرَ المُؤْمِنينَ رَحَلْتُها ... تُثِيرُ القَطا لَيْلاً وهُنَّ هُجُودُ
على الطَّائِرِ المَيْمُونِ والجَدُّ صاعِدٌ ... لكُلِّ أُناسٍ طائِرٌ وجُدُودُ
إِذا المِنْبَرُ الغَرْبِيُّ خَلاَّ مَكانَهُ ... فإِنَّ أَمِيرَ المُؤْمِنينَ يَزِيدُ
قال
مسلم بن الوليد الأنصاريلو أَنَّ خَلْقاً يُخْلَقُونَ مَنِيَّةً ... مِن بَأْسِهِمْ كانُوا بَنِي جِبْرِيلا
قَوْمٌ إِذا احْمَرَّ الهَجيرُ مِن الوَغَى ... جَعَلُوا الجَماجمَ للسُّيُوفِ مَقِيلا
قال
أبو دهبل الجمحي، أموي الشعرتَحْمِلُهُ النَّاقَةُ الأَدْماءُ مُعْتَجِراًبالبُرْدِ كالبَدْرِ جَلَّى لَيْلَةَ الظُّلَمِ
وكَيْفَ أَنْساكَ، لا نُعْماكَ واحِدَةٌ ... عِنْدِي ولا بالذي أَسْدَيْتَ مِن قِدَمِ
قال
بشار بن برد، من مخضرمي الدولتيندَعانِي إِلى عُمَرٍ جُودُهُ ... وقَوْلُ العَشِيرَةِ بَحْرٌ خِضَمْ
وَلَولا الذي خَبُرُوا لَمْ أَكُنْ ... لأَمْدَحَ رَيْحانَةً قَبْلَ شَمْ
إِذا أَيْقَظَتْكَ حُرُوبُ العِدَى ... فنَبِّهْ لَها عُمَراً ثُمَّ نَمْ
فَتىً لا يَنامُ على دِمْنَةٍ ... ولا يَشْرَبُ الماءَ إِلاَّ بدَمْ
قال
رباح بن سبيح
يمدح الفرزدق ويهجوجريراً
إِنَّ الفَرَزْدَقَ صَخْرَةٌ عادِيَّةٌ ... طالَتْ، فلَيْسَ تَنالُها، الأَوْعالا
قد قِسْتُ شِعْرَكَ يا جَرِيرُ وشِعْرَهُ ... فَنَقُصْتَ عنه يا جَرِيرُ وطالا
وَوَزَنْتُ فَخْرَكَ يا جَرِيرُ وفَخْرَهُ ... فخَفَفْتَ عنه حِينَ قُلْتَ وقالا
والزَّنْجُ لو لاقَيْتَهُمْ في صَفِّهِمْ ... لاقَيْتَ ثَمَّ جَحا جِحاً أَبْطالا
قال
كثير بن أبي جمعةتَقُولُ حَلِيلَتِي لمَّا رَأَتْنِي ... أَرِقْتُ وضافَنِي هَمٌّ دَخِيلُ
كَأَنَّكَ قد بَدا لَكَ بَعْدَ مُكْثٍ ... وطُولِ إِقامَةٍ فِينا رَحِيلُ
فقُلْتُ: أَجَلْ، فبَعْضَ اللَّوْمِ إِنِّي ... قَدِيماً لا يُلائِمُنِي العَذُولُ
إِلى القَرْمِ الذي فاتَتْ يَداهُ ... بفِعْلِ الخَيْرِ بَسْطَةَ مَن يُنِيلُ
كِلا يَوْمَيْهِ بالمعْرُوفِ طَلْقٌ ... وكُلُّ فَعالِهِ حَسَنٌ جَمِيلُ
لأَهْلِ الوُدِّ والقُرْبَى عليهِ ... صَنائِعُ بَثَّها بَرٌّ وَصُولُ
وعَفْوٌ عن مُسِيئِهِمُ وصَفْحٌ ... يَعُودُ به إِذا غَلِقَ الجَهُولُ
إِذا هو لَمْ يُذَكِّرْه نَهاهُ ... وقَارُ الدِّينِ والرَّأْيُ الأَصِيلُ
جَنابٌ واسِعُ الأَكْنافِ سَهْلٌ ... وظِلٌّ في مَنادِحِهِ ظَلِيلُ
قالأبو زبيدٍ الطائي
سأَقْطَعُ ما بَيْنِي وبينَ ابنِ عامِرٍ ... قَطِيعَةَ وَصْلٍ لا القَطِيعَةَ جافِيا
فَتىً يُتْبِعُ النُّعْمَى تَرُبُّها ... ولا يُتْبِعُ الإِخْوانَ بالذَّمِّ زَارِيا
إِذا كانَ شُكْري دُونَ فَيْضِ بَنانِهِ ... وطاوَلَنِي جُوداًن فكَيْفَ احْتِيالِيا
قال
عمارة بن عقيلبَنِي دارِمٍ إِنْ يَفْنَ عُمْرِي فإِنَّهُ ... سَيَبْقَى لَكُمْ مِنِّي ثَناءُ مُخَلَّدُ
بَدَأْتُمْ فأَحْسَنْتُمْ، فَأَثْنَيْتُ جاهِداًفإِنْ عُدْتُمُ أَثْنَيْتُ، والعَودُ أَحْمَدُ
قال
أبو علي البصيرلَئِنْ كانَ يَهْدِيني الغُلامُ لِوِجْهَتِيويَقْتادُنِي في السَّيْرِ إِذْ أَنا رَاكِبُ
لقَدْ يَسْتَضِيءُ القَوْمُ بي في أُمُورِهِمْويَخْبُو ضِياءُ العَيْن والرَّأْيُ ثاقِبُ
قال
الكروس بن سليم اليشكريحَنِيفَةُ عِزٌّ ما يُنالُ قَدِيمُهُ ... به شَرُفَتْ فوقَ البِناءِ قُصُورُها
هُمُ في الذُّرا مِن فَرْعِ بَكْرِ بن وائِلٍ ... وهُمْ عندَ إِظْلامِ الأُمُورِ بُدُورُها
يَطِيبُ تُرابُ الأَرْضِ إِنْ نَزَلُوا بِها ... وأَطْيَبُ مِنه في المَماتِ قُبُورُها
إِذا أُخْمِدَ النِّيرانُ مِن حَذَر القِرَىهَدَى الضَّيْفَ لَيْلاً في حَنِيفَةَ نُورُها
قال
الحطيئة جرول بن أوسيمدح طريف بن دفاع الحنفي
تَفَرَّسْتُ فيه الخَيْرَ لمَّا لَقِيتُهُ ... لِما أَوْرَثَ الدَّفّاعُ غَيْرَ مُضِيعِ
فَتىً غَيْرُ مِفْراحٍ إِذا الخَيْرُ مَسَّهُ ... ومِن نائِباتِ الدَّهْرِ غَيْرُ جَزُوعِ
فذاكَ فَتىً إِنْ تَاْتِهِ لِصَنِيعَةٍ ... إِلى مالِهِ لا تَأْتِهِ بِشَفِيع
قال
أيضاً
أَلاَ أَبْلِغْ بَنِي عَوْفِ بنِ كَعْبٍ ... وهَلْ قَوْمٌ على خُلُقٍ سَواءُ
أَلَمْ أَكُ جارَكُمْ ويكُونَ بَيْنِي ... وبَيْنَكُمُ المَودَّةُ والإِخاءُ
فلا وأَبِيكَ ما ظَلَمَتْ قُرَيْعٌ ... ولا بَرِمُوا لِذاكَ ولا أَساءُوا
بِعَثْرَةِ جارِهِمْ أَنْ يَجْبُرُوها ... فيَغْبُرَ حَوْلَهُ نَعَمٌ وشاءُ
فيَبْنِي مَجْدَها ويُقِيمَ فيها ... ويُمْشِيَ إِنْ أُرِيدَ به المَشاءُ
وإِنّ الجارَ مِثْلُ الضَّيْفِ يَغْدُو ... لِوِجْهَتِهِ وإِنْ طالَ الثَّواءُ
وإِنِّي قد عَلِقْتُ حِبالَ قَوْمٍ ... أَعانَهُمُ على الحَسَبِ الوَفَاءُ
إِذا نَزَلَ الشِّتاءُ بِأَرْضِ قَوْمٍ ... تَجَنَّبَ جارَ بَيْتِهِمُ الشِّتاءُ
لعَمْرُكَ ما رَأَيْتُ المَرْءَ تَبْقَى ... طَرِيقَتُهُ وإِنْ طالَ الثَّواءُ
إِذا ذَهَبَ الشَّبابُ فَبانَ مِنْهُ ... فلَيْسَ لِمَا مَضَى مِنْه لِقاءُ
يَصَبُّ إلى الحَياةِ ويَشْتَهِيها ... وفي طُول الحياةِ لهُ عَنَاءُ
قال
محمد بن عبد الله بن المولى
من مخضرمي الدولتينيا واحِدَ العَرَبِ الذي ... أَمْسَى ولَيْسَ له نَظِيرُ
لو كانَ مِثْلُكَ واحِداً ... ما كانَ في الدُّنْيا فَقِيرُ
قال
أيضاً
وإِذا تُباعُ كَرِيمَةٌ أَوْ تُشْتَرَى ... فسِواكَ بائِعُها وأَنْتَ المُشْتَرِي
وإِذا تَخَيَّلَ مِن سَحابِكَ لامِعٌ ... سَبَقَتْ مَخايِلُهُ يَدَ المُسْتَمْطِرِ
وإِذا صَنَعْتَ صَنِيعَةً أَتْمَمْتَها ... بِيَدَيْنِ لَيْسَ نَداهُما بمُكَدَّرِ
قال
أبو الشيص الخزاعيمَلِكٌ لا يُصَرِّفُ الأَمْرَ والنَّهْ ... يَ لهُ دُونَ أَمْرِهِ الوُزَراءُ
حَلَّ في الدَّوْحَةِ التي طالَتِ النَّا ... سَ جَمِيعاً فَما إِلَيْها ارْتِقاءُ
وَسِعَتْ كَفُّهُ الخَلائِقَ جُوداً ... فاسْتَوَى الأَغْنِياءُ والفُقَراءُ
قال
أبو دهبل الجمحي
أموي الشعرجِئْتُكَ مِن بَلْدَةٍ مُبارَكَةٍ ... أَقْطَعُها بالزَّمِيلِ والعَنَقِ
أَمُتُّ بالوُدِّ والقَرابَةِ والنُّصْ - حِ وقَطْعِي إِلَيْكُمُ عُلَقِي
وإِنَّنِي والذي يَحُجُّ لهُ النّا ... سُ بِجَدْوَى سِواكَ لَمْ أَثِقِ
ما زِلْتُ في العَفْوِ للذُّنُوبِ وإِطْ ... لاقٍ لِعانٍ بِجُرْمِهِ غَلِقِ
حتَّى تَمنَّى البُراءُ أَنَّهُمُ ... عندَكَ أَمْسَوْا في القِدِّ والحَلَق
قال
الفضل بن العباس
بن عتبة بن أبي لهبإِنَّما عَبْدُ مَنافٍ جَوْهَرٌ ... زَيَّنَ الجَوْهَرَ عَبْدُ المُطَّلِبْ
مَنْ يُساجِلْنِي يُساجِلْ ماجِداً ... يَمْلأُ الدَّلْوَ إِلى عَقْدِ الكَرَبْ
إِنَّ قَوْمِي ولِقَوْمِي بَسْطَةٌ ... مَنَعُوا ضَيْمِي وأَرْخَوْا مِن لَبَبْ
تَرَكُوا عَقْدَ لِسانِي مُطْلَقاً ... بَفَعالٍ أَثَّلُوهُ ونَسَبْ
أَنتَ إِنْ تَأْتِهِمُ تَنْزِلْ بِهِمْ ... باغِياً لِلعُرْفِ فِيهمْ لا تَخِبْ
وأَنا الأَخْضَرُ مِنْ بَيْنِهِمْ ... أَخْضَرُ الجِلْدَةِ مِن بَيْتِ العَرَبْ
قال
الأعشى ميمونإنَّ مَحَلاّ وإِنَّ مُرْتَحَلا ... وإِنَّ في السَّفْرِ إِذْ مَضَوْا مَهَلا
وقدْ رَحَلْتُ المَطِيَّ مُنْتَخِلاً ... أُزْجِي ثِقالاً وقُلْقُلاً وقِلا
بِسَيْرِ مَنْ يَقْطَعُ المَفاوِزَ وال ... بُعْدَ إِلى مَنْ يُثِيبُهُ الإِبِلا
يَكْرِمُها ما ثَوَتْ لَدَيْهِ ويَجْ ... زِيها بِما كانَ خُفُّها عَمِلا
أَبْلَجُ، لا يَرْهَبُ الهُزالَ، ولا ... يَقْطَعُ رِحْماً ولا يَخُونُ إِلا
اسْتَأْثَرَ اللّهُ بالوفَاءِ وبال ... عَدْلِ ووَلَّى المَلامَةَ الرَّجُلا
قَدْ عَلِمَتْ فارِسٌ وحِمْيَرُ وال ... أَعْرابُ بالدَّسْتِ أَيُّكُمْ نَزَلا
لَيْثٌ لَدَى الحَرْبِ أَو تَدُوخَ لهُ ... قَسْراً، وَبَذَّ المُلُوكَ ما فَعَلا
قال
الأخطلدَعِ المُغَمَّرَ لا تَسْأَلْ بمَصْرَعِهِ ... واسْأَلْ بمَصْقَلَةَ البَكْرِيِّ ما فَعَلا
جَزْلُ العَطاءِ، وأَقْوامٌ إِذا سُئِلُوا ... يُعْطُونَ نَزْراً كما تَسْتَوْكِفُ الوَشَلا
وفارِسٌ غَيْرُ وقّافٍ بِرابِيَةٍ ... يومَ الكَرِيهَةِ حتَّى يَخْضِبَ الأَسَلا
قال
الفرزدق همام بن غالب
أموي الشعرومُسْتَنْفِراتٍ للقلوبِ كأَنَّها ... مَهاً حَوْلَ مَنْتوجاتِهِ يَتَصَرَّف
إِذا هُنَّ ساقَطْنَ الحَدِيثَ كأَنَّهُ ... جَنا النَّحْلِ، أَو أَبْكارُ كَرْمٍ يُقْطَّف
مَوانِعُ للأَسْرارِ إلاَّ لأَهْلِها ... ويُخْلِفْنَ ماظَنَّ الغَيُورُ المُشَفِشِف
لَبِسْنَ الفِرَنْدَ الخسْرُوانِيَّ دُونَهُ ... مَشاعِرَ مِن خَزِّ العِراقِ المُفَوَّف
إِليكَ أَمِيرَ المُؤْمِنينَ رَمَتْ بِنا ... هُمُومُ المُنَى والهَوْجَلُ المُتَعَسَّفُ
وعَضُّ زَمانٍ يا ابْنَ مَرْوانَ لَمْ يَدَعْ ... مِن المالِ إِلاَّ مُسْحَتاً أَو مُجَلَّفِ
إِذا اغْبَرَّ آفاق السَّماءِ، وكَشَّفَتْ ... كسُورَ بُيُوتِ الحَيِّ نَكْباءُ حَرْجَفُ
وأَوْقَدَتِ الشِّعْرَى مع الليلِ نارَها ... وأَمْسَتْ مُحُولاً جلْدُها يَتَوسَّفُ
وأَصْبَحَ مُبْيَضُّ الصَّقِيعِ كأَنَّهُ ... على سَرَواتِ النِّيبِ قطْنٌ مُنَدَّفُ
وقاتَلَ كَلْبُ الحَيِّ عن نارِ أَهْلِهِ ... لِيَرْبِضَ فِيها، والصَّلا مُتَكَنَّفُ
وَجَدْتَ الثَّرَى فِينا، إِذا يَبِسَ الثَّرَى ... ومَن هُو يَرْجُو فَضْلَهُ المُتَضَيِّفُ
وإِنِّي لِمَنْ قَوْمٍ بِهِمْ يُتَّقَى العِدَىورَأْبُ الثَّأَى، والجانِبُ المُتَخَوَّفُ
وما حُلَّ مِنْ جَهْلٍ حُبَى حُلمائِنا ... ولا قائِلٌ بالعُرْفِ فِينا يُعَنَّفُ
وما قامَ مِنّا قائِمٌ في نَدِيِّنا ... فَيَنْطِقَ إِلاَّ بالتي هي أَعْرَفُ
وَبيْتانِ: بَيْت اللّهِ نحن وُلاتهُ، ... وبَيْتٌ بأَعْلَى إِيلياء مُشَرَّفُ
إِذا هَبَطَ النّاسُ المُحَصّبَ مِن مِنىً ... عَشِيْةَ يومَ النَّحْرِ مِن حَيْثُ عَرَّفُوا
تَرَى النّاسَ ما سِرْنا يَسِيرُونَ خَلْفَناوإِنْ نحنُ أَوْمَأْنا إلى النّاسِ وَقَّفُوا
فَلَوْ تَشْرَبُ الكَلْبَى المِراضُ دِماءنا ... شَفَتْها، وذُو الخَبْلِ الذي هو أَدْنَفُ
لَنا العِزَّةُ العَلْياءُ والعَدَدُ الذي ... عليه إِذا عُدّ الحَصَى يَتَخَلَّفُ
قال
السفاح بن بكير
بن معدان اليربوعييا فارساً ما أَنتَ مِن فارِسٍ ... مُوَطَّأ الأَكْنافِ، رَحْبِ الذِّراعْ
قَوّالِ مَعْرُوفٍ وفَعَّالِهِ ... عَفّارِ مَثْنَى أُمَّهاتِ الرِّباعْ
يَجْمَعُ حِلْماً وأَناةً مَعاً ... ثُمَّتَ يَنْباعُ انْبِياعَ الشُّجَاعْ
قال
عوف بن محلم السعدييا ابنَ الذي دَانَ له المَشْرِقانْ ... وأُلْبِس العَدْلَ بهِ المَغْرِبانْ
إِنَّ الثَّمانِينَ، وبُلِّغْتَها ... قد أَحْوَجَتْ سَمْعِي إِلى تُرْجُمانْ
وَبَدَّلَتْنِي بالشَّطاطِ انْحِنا ... وكنتُ كالصَّعْدَةِ تحتَ السِّنانْ
وما بَقَى فيّ لِمُسْتَمْتِعٍ ... إِلاَّ لِسانِي وبِحَسْبِي لِسانْ
أدْعُو به اللّهَ وأَثْنِي بهِ ... على الأَمِيرِ المُصْعَبيِّ الهِجانْ
قال
ذو الرمة غيلانإِذا مُضَرُ الحَمْراءُ عَبَّ عُبابُها ... فمَنْ يَتَصَدَّى مَوْجَها حِينَ تَطْحَرُ
لنا مَوْقِفُ الدَّاعِينَ شُعْثاً عَشِيَّةً ... وحَيْثُ الهَدايا بالمَشاعِرِ تُنْحَرُ
وكُلُّ كَرِيمٍ مِن أُناسٍ سَوائِنا ... إِذا ما الْتَقَيْنا خَلْفَنا يَتَأَخَّرُ
هلِ النّاسُ إِلاَّ نحنُ، أَم هل لغَيْرِنا ... بَنِي خِنْدِف إِلاَّ العَواريَ مِنْبَرُ
قال
أيضاً
لَدَى مَلِكٍ يَعْلُو الرِّجالَ بَصِيرَةً ... كما يَبْهَرُ البَدْرُ النُّجُومَ السَّواريا
فلا الفُحْشَ مِنْه يَرْهَبُون ولا الخَنا ... عليهمْ، ولكنْ هَيْبَةٌ هيَ ماهِيا
فَتَى السِّنِّ، كَهْلِ الحِلْمِ، تَسْمَعُ قَوْلَهُيُوازِنُ أَدْناهُ الجِبالَ الرَّواسِيا
إِذا انْعَقَدَتْ نَفْسُ البخِيلِ بمالِهِ ... وأَبْقَى على الحَبِّ الذي لَيْسَ باقِيا
تَفِيضُ يَداهُ الخَيْرَ مِن كُلِّ جانِب ... كما فاضَ عَجّاجٌ يُرَوِّي التَّناهِيا
إِذا أَمْسَتِ الشِّعْرَى العَبُورُ كأَنَّها ... مَهاةٌ عَلَتْ مِن رَمْلِ يَبْرينَ رابِيا
فما مَرْبَعُ الجِيرانِ إِلاَّ جِفانُكُمْ ... تَبارَوْنَ أَنتمْ والشَّمالُ تَباريا
قال
الحطيئة جرول بن أوسقالتْ أُمامَةُ: لا تَجْزَعْ، فقلت لها: ... إِنَّ العَزاء وإِنَّ الصَّبْرَ قد غُلِبا
سِيرِي أُمامَ، فإِنَّ الأَكْثَرِينَ حَصىً ... والأَطْيَبينَ إِذا ما يُنْسَبُونَ أَبا
قَوْمٌ إِذا عَقَدُوا عَقْداً لِجارهِمُ ... شَدُّوا العِناجَ وشَدُّوا فَوْقَهُ الكَرَبا
قَوْمٌ هُمُ الأَنْفُ، والأَذْنابُ غَيْرُهُمُومَنْ يُساوِي بأَنْفِ النَّاقَةِ الذَّنَبا
قَوْمٌ يَبِيتُ قَرِيرَ العَيْنِ جارُهُمُ ... إِذا لَوَى بقُوَى أَطْنابِهِمْ طُنُبا
قال
إبراهيم بن هرمة القرشيوناجِيَةٍ صادِقٍ وَخْدُها ... رَمَيْتُ بِها حَدَّ إِزْعاجِها
وكَلَّفْتُها طامِساتِ الصُّوَى ... بتَهْجِيرِها ثم إِدْلاجِها
إِلى مَلِكٍ لا إلى سُوقَةٍ ... كَسَتْهُ المُلُوكُ ذُرَى تاجِها
إذا قِيلَ مَنْ خَيْرُ مَنْ يُرْتَجَى ... لِمُعْتَرِّ فِهْرٍ ومُحْتاجِها
ومَنْ يَقْرَعُ الخَيْلَ تحتَ العَجاجِ ... بإِلْجامِها ثُمَّ إِسْراجِها
أَشارَتْ نِساءُ بَنِي غالِب ... إِليكَ به قَبْلَ أَزْواجِها
قال
أيضاً
أَعَبْدَ الواحِدِ المَحْمُودَ إِنِّيأَغصُّ حِذارَ شَخْصِك بالقراحِ
إِذا فخَّمْتُ غيْرَك في ثنائِي ... ونُصْحِي في المَغِيبَةِ وانْتِصاحِي
فإِنَّ قصائِدِي لك فاصْطنِعْنِي ... كرائِمُ قد عُضِلْن عن النِّكاحِ
فإِنْ أَكُ قد هَفوتُ إِلى أَمِيرٍ ... فعَنْ غيْرِ التَّطوُّعِ والسَّماحِ
ولكِنْ سَقْطةٌ كُتِبَتْ عَليْنا ... وبَعْضُ القَوْلِ يَذْهَبُ بالرِّياحِ
وَجَدْنا غالِباً خُلِقَتْ جَناحاً ... وكانَ أَبُوكَ قادِمَةَ الجَناحِ
وأَنتَ مِن الغَوائِلِ حينَ تُرْمَى ... ومِن ذَمِّ الرِّجالِ بمُنْتَزاحِ
قال
جرير بن الخطفيمُضَرٌ أَبِي وأَبُو المُلُوكِ، فهَلْ لكُمْ ... يا خُزْرَ تَغْلِبَ مِن أَبٍ كأَبِينا
هذا اب،ُ عَمِّي في دِمشْقَ خَلِيفَةٌ ... لو شِئْتُ ساقَكُمُ إِليَّ قَطِينا
إِنَّ الذي حَرَمَ المَكارِمَ تَغْلِباً ... جَعَلَ الخِلافَةَ والنُّبُوَّةَ فِينا
قال
الأعشى عبد الرحمن بن عبد الله
الهمدانيأَيُّها القَلْب المُطِيعُ الهَوَى ... أَنَّى اعْتَراكَ الطَّرَبُ النَّازِحُ
تَذْكُرُ جُمْلاً فإِذا ما نَأَتْ ... طارَ شعَاعاً قَلْبُكَ الطَّامِحُ
مالَكَ لا تَتْرُكُ جَهْلَ الصِّبا ... وقَدْ عَلاكَ الشَّمْطُ الواضِحُ
فصارَ مَنْ يَنْهاكَ عن حُبِّها ... لَمْ تَرَ إِلاَّ أَنَّهُ كاشِحُ
يا جُمْلُ ما حُبِّي لكُمْ زائِلٌ ... عنَّي، ولا عن كَبِدِي نازِحُ
إِنِّي تَوَهَّمْتُ امْرَءًا صادِقاً ... يَصْدُقُ في مِدْحَتِهِ المادحُ
ذُؤابَةُ العَنْبَرِ فاخْتَرْتُهُ ... والمَرْءُ قَدْ يَنْعَشُهُ الصَّالِحُ
أَبْلَجُ بُهْلُولٌ وظَنِّي بِهِ ... إِنَّ ثَنائِي عندَه رابِحُ
نِعْمَ فَتَى الحَيِّ إِذا لَيْلَةٌ ... لَمْ يُورِ فِيها زَنْدَهُ القادِحُ
وهَبَّت الرِّيحُ شَآمِيَّةً ... فانْجَحَرَ القابِسُ والنَّابِحُ
قال
كعب بن زهيرمَن سَرَّهُ كَرَمُ الحياةِ فلا يَزَلْ ... في مِقْنَبٍ من صالِحي الأَنْصارِ
النَّاظِرِينَ بأَعْيُنٍ مُحْمَرَّة ... كالجَمْرِ، غيرِ كَلِيلَةِ الإِبْصارِ
والذَّائِدِينَ النَّاسَ عن أَدْيانِهِمْ ... بالمَشْرَفِيِّ وبالقَنا الخَطَّارِ
والباذِلِينَ نُفُوسَهُمْ لِنَبِيِّهِمْ ... يومَ الهِياجِ وقُبَّةِ الجَبّارِ
وهُمُ إِذا خَوَتِ النُّجُومُ وأَمْحَلُوا ... لِلَّطائِفِينَ السَّائِلينَ مقَارِي
والمُنْعِمِينَ المُفْضِلينَ إِذا شَتَوْا ... والضَّارِبينَ عِلاوَةَ الجَبّارِ
وَرِثُوا السِّيادَةَ كابِراً عن كابِرٍ ... إِنَّ الكِرامَ همُ بَنُو الأَخْيارِ
لو يَعْلَمُ الأَحْياءُ عِلْمِي فِيهمُ ... حَقّاً لَصَدَّقَنِي الذين أُماري
قال
جرير بن الخطفيوكائِن بالأَباطِحِ مِن صَدِيقٍ ... يَرانِي، لو أُصِبْتُ، هو المُصابا
ومَسْرُورٍ بأَوْبَتِنا إِليهِ ... وآخَرَ لا يُحِبُّ لنا إِيابا
إِذا سَعَرَ الخَلِيفَةُ نارَ حَرْبٍ ... رَأَى الحَجّاجَ أثْقَبَها شِهابا
عَفارِيتُ النِّفاقِ شَفَيْتَ مِنْهُمْ ... فأَمْسَوْا خاضِعِينَ لكَ الرِّقابا
تَشُدُّ فلا تُكَذِّبُ يومَ زَحْفٍ ... إِذا الغَمَراتُ زَعْزَعَتِ العُقابا
قال
أبو نواس الحكميأَنتَ على ما بِكَ مِن قُدْرَةٍ ... فلسْتَ مِثْلَ الفَضْلِ بالواجِدِ
أَوْجَدَهُ اللّهُ فما مِثْلُهُ ... لِطالِبٍ فِيه ولا ناشِدِ
لَيْسَ على اللّهِ بمُسْتَنْكَرٍ ... أَنْ يَجْمَعَ العالَمَ في واحِدِ
قال
سلم بن عمروكَيْفَ القَرارُ، ولَمْ أَبْلُغْ رِضَى مَلِكٍ ... تَبْدُو المَنايا بكَفَّيْهِ وَتَحْتَجِب
وأَنتَ كالدَّهْرِ مَبْثُوثاً حبائِلُهُ ... والدَّهْرُ لا مَلْجَأٌ مِنه ولا هَرَبُ
ولَوْ مَلَكْتُ عِنانَ الرِّيحِ أَصْرفُهُ ... في كُلِّ ناحِيَةٍ ما فاتَكَ الطَّلَبُ
قال
مروان بن أبي حفصةأَحْيا أَمِيرُ المُؤْمِنين محمدٌ ... سُنَنَ النَّبِيِّ حَرامَها وحَلالَها
مَلِكٌ تَفَرَّعَ نَبْعَةً مِن هاشِمٍ ... مَدَّ الإِلهُ على الأَنامِ ظِلالَها
وقَعَتْ مَواقِعَها بعَفْوِكَ أَنْفسٌ ... أَذْهَبْتَ بَعْدَ مَخافَةٍ أَوْجالَها
ونَصَبْتَ نَفْسَكَ خَيْرَ نَفْسٍ دُونَها ... وجَعَلْتَ مالَكَ واقِياً أَمْوالَها
قَصُرَتْ حَمائِلهُ عليهِ فَقَلَّصَتْ ... ولقَدْ تَحَفَّظَّ قَيْنها فأَطالَها
هل تَطْمِسُون مِن السَّماءِ نجُومَها ... بأَكفِّكمْ أَو تَسْتُرُونَ هِلالَها
أَو تَدْفَعُونَ مَقالَةً عن رَبِّهِ ... جِبْرِيلُ بَلَّغَها النَّبِيَّ فَقالَها
شَهِدَتْ مِن الأَنْفالِ آخِرُ آيةً ... بتراثِهِمْ فأَرَدْتمُ إِبْطالَها
فدَعُوا الأُسُودَ خَوادِراً في غِيلِها ... لا تولِغَنَّ دِماءَكمْ أَشْبالَها
قال
خريم بن أوس
بن حارثة بن لأم الطائيأَنتَ لمَّا وُلِدْتَ أَشْرَقَتِ ال ... أَرْض وضاءتْ بنوركَ الأُفق
فنحن في ذلكَ الضِّياءِ وفِي النُّ ... ور وسُبُل الرَّشادِ نَخْتَرِق
مِن قَبْلِها طِبْتَ في الظِّلالِ وفِي ... مُسْتَوْدَعٍ حيثُ يُخْصَفُ الوَرَقُ
ثُمَّ هَبَطْتَ البِلادَ لا بَشَرٌ ... أَنتَ ولا مُضْغَةٌ ولا عَلَقُ
بل نُطْفَةٌ تَرْكَبُ السَّفِينَ وقَدْ ... أَلْجَمَ نَسْراً وأَهْلَهُ الغَرَقُ
تُنْقَلُ مِن صالِبٍ إِلى رَحِمٍ ... إِذا مَضى عالَمٌ بدَا طَبَقُ
قال
كثير بن أبي جمعةيمدح عمر بن عبد العزيز
وَلِيتَ فلَمْ تَشْتِمْ عَلِيّاً، ولَمْ تُخِفْبَرِيّاً، ولَمْ تَتْبَعْ مَقالَةَ مُجْرِم
وقلتَ فصَدَّقْتَ الذي قلتَ بالذي ... فَعَلْتَ فأَمْسَى راضِياً كُلَّ مُسْلِمِ
أَلا إِنَّما يَكْفِي الفَتَى بَعْدَ زَيْغِهِ ... مِن الأَوْدِ الباقِي ثِقافُ المُقَوِّمِ
وما زِلْتَ سَبَّاقاً إِلى كُلِّ غايَةٍ ... صَعِدْتَ بِها أَعْلَى البِناءِ بسُلَّمِ
فَلَّما أَتاكَ المُلْكُ عَفْواً ولَمْ يَكُنْ ... لِطالِبِ دُنْيا بَعْدَهُ مِن تَكَلُّمِ
تَرَكْتَ الذي يَفْنَى وإِنْ كانَ مُونِقاً ... وآثَرْتَ ما يَبْقَى بِرَأْيٍ مُصَمِّم
فما بَيْنَ شَرْقِ الأَرْضِ والغَرْبِ كُلِّها ... مُنادٍ يُنادِي مِن فَصِيحٍ وأَعْجَمِ
يقولُ: أَمِيرَ المُؤْمِنينَ ظَلَمْتَنِي ... بأَخْذٍ لِدينارٍ وأَخْذٍ لِدِرْهَمِ
باب التأبين والرثاءوقال المُغِيَرة أبو سُفْيان بن الحارث بن عبد المطلب
لَقَدْ عَظُمَتْ مُصِيبَتُنا وجَلَّتْ ... عَشِيَّةَ قِيَل قد قُبِضَ الرَّسُولُ
وأَضْحَت أَرضُنا مِمّا عَراها ... تَكادُ بِنا جَوانِبُها تَمِيلُ
فَقَدْنا الوَحْيَ والتَّنْزِيلَ فِينا ... يَرُوُح بهِ ويَغْدُو جَبْرئِيل
وذاك أَحَقُّ ما ذَهَبَتْ عليهِ ... نُفُوسُ النّاسِ أو كَرَبَتْ تَزُولُ
أفاطِمَ إِنَ جَزِعْتِ فذاك عُذْرٌ ... وإنْ لَمْ تَجْزعَي ذاكَ السَّبِيلُ
فَقَبْرُ أَبِيكِ سَيِّدُ كُلِّ قبْرٍ ... وفِيه سَيِّدُ النّاسِ الرَّسُولُ
وقال عبد الله بن أُنَيْس، إسلامي:
نَفَى الَنْوْمَ ما لا تَعْتَلِيهِ الأضالِعُ ... وخَطْبٌ جَلِيلٌ للْخلائِقِ فاجِع
غَدَاة نَعَى النَّاعِي إلَيْنا محمداً ... وتلكَ تَسْتَكُّ مِنْها المَسامِعُ
فواللهِ لا آسَى على هُلْكِ هالِكٍ ... مَن الناسِ ما أَرْسَى ثَبِيرٌ وفارِعُ
وقال عَمْرو بن سالِم الخُزاعِي، إسلامي:
لَعَمْرِي لئِنْ جادَت لكَ العَيْنُ بالبُكا ... لَمَحْقُوقَةٌ أَنْ تَسْتَهِلَّ وتَدْمَعا
فيا حَفْصَ إِنَّ الأَمْرَ جَلَّ عن البُكا ... غَداةَ نَعَى النِّاعِي النَّبِيَّ فأَسْمَعا
فواللهِ ما أَنْساهُ ما دُمْتُ ذاكِراً ... لِشَيءٍ وما قَلَّبْتُ كَفًّا وإِصْبَعا
وقال حسَّان بن ثابِت الأَنْصَاري
إذا تَذَكَّرْتَ شَجْواً مِن أخِي ثِقَةٍ ... فاذْكُرُ أخاكَ أَبا بَكْرٍ بما فَعَلا
خَيْرَ البَرِيَّة أَتْقاها وأَعْدَلَها ... بَعْدَ النبيِّ وأَوْفاها بما حَمَلا
والثَّانِيَ التَّالِيَ المَحْمودَ مَشْهَدُهُ ... وأوَّلَ الناسِ منهمْ صَدَّق الرُّسُلا
مَضَى حَمِيداً لأمْرِ الله مَتَّبِعاً ... لِهَدْي صاحِبِه الماضي وما انْتَقَلا
وقال الشمّاخ بن ضِرار الذُّبْياني، ويُرْوَى لأخيه مُزَرِّد:
جُزِيتَ عن الإِسلام خَيْراً وبَاركَتْ ... يَدُ الله في ذاكَ الأَدِيمِ المُمَزَّقِ
فمَنْ يَسْعَ أو يَرْكَبْ جَناحَيْ نَعامَةٍ ... لِيُدْرِكَ ما قَدَّمْتَ بالأَمْسِ يُسْبَقِ
قضَيْتَ أمُوراً، ثم غادَرْتَ بَعْدَها ... بَوائِقَ في أكْمامِها لَمْ تُفْتَّقِ
أَبَعْدَ قَتِيلٍ بالمدينِة أَظْلَمَتْ ... له الأرضُ تَهْتَزُّ العِضاهُ بأَسْوُقِ
تَظَلُّ الحَصانُ البِكْرُ يُلْقِي جَنِينَها ... نَثا خَبَرٍ فَوْقَ المَطِيَّ مُعَلَّقِ
وما كنتُ أَخْشَى أنْ تكُونَ وفَاتُهُ ... بكَفَّيْ سَبَنْتَى العَيْنِ مُطْرِقِ
وقال الولِيد بن عُقْبَة بن أبي مُعَيْط
ألا مَنْ لِلَيْلٍ لا تَغُورُ كَواكِبُهْ ... إذا غارَ نَجْمٌ لاحَ نَجْمٌ يُراقِبُه
بَنِي هاشِمٍ لا تُعْجِلُونا فإنَّهُ ... سَواءٌ عَلَيْنا قاتِلاهُ وسالِبُهُ
وإنَّا وإِيَّاكُمْ وما كانَ مِنْكُمُ ... كَصَدْعِ الصَّفا لا يَرْأبُ الصَّدْع شاعِبُهْ
بَنِي هاشِمٍ كَيْفَ الهَوادُة بَيْنَنا ... وعندَ عَلِيٍّ سَيْفُهُ ونَجائِبُهْ
لَعَمْرُك ما أَنْسَى ابْنَ أَرْوَى وقَتْلَهُوهَلْ يَنْسَيَنَّ الماءَ ما عاشَ شارِبُهْ
هُمُ قَتَلُوهُ كَيْ يكُونُوا مَكانَهُ ... كما فَعَلَتْ يوماً بكِسْرَى مَرازِبُهْ
وقالت لَيْلَى الأَخْيَلِيَّة، إسلامية:
أَبَعْدَ عُثمانَ تَرْجُو الخَيْرَ أُمَّتُهُ ... وكانَ آمَنَ مَنْ يَمْشِي على ساقِ
خَلِيفةِ الله أَعْطاهُمْ وخَوَّلَهُمْ ... ما كانَ من ذَهَبٍ حَوْمٍ وأَوْراقِ
فلا تَقُولَنَّ لشيءٍ لَسْتُ أَفْعَلُهُ ... قد قَدَّرَ اللهُ ما كُلّ امْرِءٍ لاقِ
وقال أبو الأَسْود الدُّؤَلي:
أَلاَ أَبِلْغْ مُعاوِيَةَ بنَ حَرْبٍ ... فلا قَرَّتْ عُيُونُ الشَّامِتينا
أَفِي الشَّهْرِ الحَرامِ فَجَعْتُمُونا ... بخَيْرِ النَّاس طُرّاً أجْمَعِينا
قَتَلْتُمْ خَيْرَ مَنْ رَكِبَ المَطايا ... وأَكْرَمَهُمْ ومَنْ رَكِبَ السَّفِينا
ومَنْ لَبِسَ النِّعال ومَنْ حَذَاها ... ومَنْ قَرَأَ المَثانِيَ والمِئِينا
إذا اسْتَقْبَلْتَ وَجْه أَبِي حُسَيْنٍ ... رَأيْتَ البَدْرَ رَاقَ النَّاظِرِينا
وقد عَلِمَتْ قريشٌ حيثُ كانَتْ ... بأَنَّك خَيْرُهُمْ حَسَبْا ودِينَا
وقال دِعْبِل بن عليّ بن رَزِين الخُزاعِيّ
مَدارِس آياتِ خَلَتْ مِن تِلاَوةٍ ... ومَنْزِلُ وَحْي مُقْفِرُ العَرَصَاتِ
لآل رَسُولِ الله بالخَيْفِ مِن مِنىً ... وبالبَيْتِ والتَّعْرِيفِ والجَمَراتِ
ديارُ عليٍّ والحُسَيْنِ وجَعّفَرٍ ... وحَمْزَةَ والسَّجادِ ذيِ الثَّفِناتِ
قفا نَسْأَلِ الدَّارَ التي خَفَّ أَهْلُها ... مَتَى عَهْدُها بالصَّوْمِ والصَّلواتِ
وأَيَن الأَلَى شَطَّتْ بِهمْ غَرْبَةُ النَّوَى ... أفَانِينَ في الآفاقِ مُفْتَرِقاتِ
أُحِبُّ قَصِيَّ مِن أجْلِ حُبِّهِمْ ... وأهْجُرُ فيِهِم زَوْجَتِي وبَنَاتِي
أَلمْ تَرَ أَنِّي مُذْ ثَلاثُونَ حِجَّةً ... أَروُحُ وأَغْدُو دائِمَ الحَسَراتِ
أَرَى فَيْئَهُم في غَيْرِهِمْ مُتَقَسَّماً ... وأَيْدِيهمُ مِنْ فَيئِهِمْ صَفِراتِ
فإنْ قُلْتُ عُرْفاً أَنْكَروُهُ بمُنْكَرٍ ... وغَطَّوْا على التَّحْقِيق بالشُّبُهاتِ
قُصارايَ منْهُمْ أَنْ أَؤُوبَ بغُصَّةٍ ... تَرَدَّدُ بَيْنَ الصَّدْرِ واللَّهَواتِ
كأنَّكَ بالأضْلاعِ قد ضاقَ رُحْبُها ... لِما ضُمِّنَتْ مِن شِدَّةِ الزَّفَراتِ
لَقَدْ خِفْتُ في الدُّنيا وأَيّامِ عَيْشِها ... وإنِّي لأَرْجُو الأَمْنَ بَعْدَ وَفاتي
وقال سُلَيْمان بن قَتَّة العَدَوِي وهو مَوْلَى عمر بن عمر بن عبد الله التَّيْمِي:
مَرَرْتُ على أبْياتِ آل محمدٍ ... فلَمْ أَرَها أَمْثالَها يومَ حُلَّتِ
فلا يُبْعِدِ الله الدِّيارَ وأَهْلَها ... وإنْ أَصْبَحَتْ مِن أهْلِها قد تَخَلَّتِ
أَلاَ قَتْلَى الطَّفِّ مِن آلِ هاشِمٍ ... أَذَلَّتْ رِقاباً مِن قريشٍ فَذَلَّتِ
وكانُوا غِياثاً، ثم أَضْحَوْا رَزِيَّةً ... لَقَدْ عَظُمَتْ تلكَ الرَّزايا وجَلّتِ
فما حَفِظُوا قُرْبَى النَّبِيِّ وحَقَّهُ ... لَقَدْ عَمِيَتْ عن ذاكَ مِنْه وصَمَّتِ
وقال دعْبَل الخُزاعِي
رَأَسُ ابنِ بِنْتِ محمدٍ ووَصِيِّةِ ... يا للرِّجال على قَناةٍ تُرْفَعُ
والمُسْلِمُون بمَنْظَرٍ وبِمَسْمَعٍ ... لا جازِعٌ مِن ذا ولا مُتَخَشِّعُ
أَيْقَظْتَ أَجْفاناً وكُنْت لها كَرىً ... وأَنَمْتَ عَيْناً لَمْ تَكُنْ بكَ تَهْجَعُ
كُحِلَتْ بمَنْظَرِكَ العُيُونُ عَمايَةً ... وأَصَمَّ نَعْيُكَ كُلَّ أُذْنٍ تَسْمَعُ
ما رَوْضَةٌ إلاَّ تَمَنَّتْ أَنَّها ... لكَ مَضْجَعٌ، ولخَطِّ قَبْرِكَ مَوْضِعُ
وقال حَسّان بن ثابِت الأَنْصارِي
بَكَتْ عَيَني وحُقَّ لها بُكاها ... وما يُغْنِي البُكاءُ ولا العَوِيلُ
على أسدٍ الإِلهِ غَداةَ قالُوا ... أَحَمْزَةُ ذلكَ الرَّجلُ القَتِيلُ
أصِيبَ المُسْلِمُونُ به جَميعاً ... هناكَ، وقَدْ أصِيبَ به الرَّسُولُ
وقال جَرير بن الخَطَفي
إنِّي تُذَكِّرُنِي الزُّبيْرَ حمامَةٌ ... تَدْعُو بمَجْمَعِ نَخْلَتَيْنِ هَدِيلا
قالَتْ قريشٌ: ما أَذَلَّ مُجاشِعاً ... جاراً، وأَكْرَمَ ذا القَتِيل قَتِيلا
أَفَتَى النَّدَى وفَتَى الطِّعان قَتَلْتُمُ ... وفَتِي الرِّياح إذا تَهُبُّ بَلِيلا
وقال أيضا
إنَّ الرَزِيَّةَ مَنْ تَضَمَّنَ قَبْرَهُ ... وادِي السِّباعِ، لكلِّ جَنْبٍ مَصْرَعُ
لمَّا أَتَى خَبَرُ الزُّبَيْرِ تَضَعْضَعَتْ ... سُورُ المدينِة والجبالُ الخُشَّعُ
وقالت عاتِكَة بنت نُفَيْل في زَوْجِها عبد الله بن أبي بكْر الصّديق رضي الله عنه:
فللّهِ عَيْنا مَنْ رَأْى مِثْلَهُ فتىً ... أَكَرَّ وأَحْمَى في الهِياجِ وأَصْبَرا
إذا شَرَعَتْ فيه الأَسِنَّةُ خاضَها ... إلى الموتِ حتى يَتْرُكَ المَوْتَ أَحْمَرا
فآليْتُ لا تَنْفَكُّ عَيْنِي سَخِينَةً ... عليكَ، ولا يَنْفَكُّ جِلْدِيَ أَغْبَرا
مَدَى الدَّهرِ ما غَنَّتْ حَمامةُ أَيْكَةٍ ... وما طَرَدَ الليلُ النهارَ المُنَوَّرا
وقالت في زَوْجها عُمَر بن الخَطّاب رضي الله عنه
عَيْنُ جُودِي بعَبْرَةٍ ونَحِيبِ ... لا تَمَلِّي على الإمامِ النَّجِيبِ
فجَعَتْنا المَنُونُ بالفارِسِ المُعْ ... لِمِ يومَ الهِياجِ والتَّلْبِيبِ
عَصْمَةُ الدِّينِ، والمُعِينُ على الدَّهْ ... رِ، غِياثُ المُنْتابِ والمَحْرُوبِ
قُلْ لأهْلِ الضَّرَّاء والبُؤْسِ مُوتُوا ... قد سَقَتْهُ المَنوُن كَأْسَ شَعُوبِ
وقالت في زَوْجِها الزُّبَيْر بن العَوّام رضي الله عنه
غَدَرَ ابنُ جُرْمُوزٍ بفارِس بُهْمَةٍ ... يومَ اللِّقاءِ وكانَ غَيْرَ مُعَرِّدِ
يا عَمْرُو لو نَبَّهْتَهُ لَوَجَدْتَهُ ... لا طائِشاً رَعِشَ الفؤادِ ولا اليَدِ
شُلَّتْ يَمِينُكَ، إنْ قَتَلْتَ لَمُسْلِماً ... حَلَّتْ عليكَ عُقُوبةُ المُتَعَمِّدِ
إنَّ الزُّبَيْرَ لَذُو بَلاءٍ صادِقٍ ... سَمْحٌ سجِيَّتُهُ، كَرِيمُ المَحْتِدِ
كم غَمْرَةٍ قد خاضَها لَمْ يَثْنِهِ ... عنها طِرادُكَ يا ابنَ فَقْعِ القَرْدَدِ
فاذْهَبْ، فما ظَفِرتْ يداكَ بمِثْلِهِ ... فِيما مَضَى مِمَّنْ يرَوُحُ ويَغْتَدِي
وقالت في زَوْجِها الحُسَيْن بن عليّ عليه السلام
واحُسَيْنَا، فلا عَدِمْتُ حُسَيْناً ... أقْصَدَتُه أَسِنَّةُ الأَعْداءِ
غادَرَتْهُ بِكَرْبَلاءٍ صرِيعاً ... جادَتْ المُزْنُ في ذَرَى كَرْبَلاءِ
وهؤلاء قِتُلُوا عنها جميعاً، فكان عبدُ الله بن عُمرَ يَقُول: مَنْ أَرادَ أنْ يُرْزَقَ الشَّهادَةُ فليتَزوج عاتكةَ بنتَ نُفَيْل.
ومما يُنْسَبُ إلى آدمَ عليه السّلام
تَغَيَّرَتِ البِلادُ ومَنْ عَلَيْها ... فوجْهُ الأَرْضِ مُغْبَرٌّ قَبِيحُ
تَغَيَّرَ كُلُّ ذِي رِيحٍ وطَعْمٍ ... وَقلَّ بَشاشَةَ الوَجْهُ المَلِيحُ
أرَى طُولَ الحياةِ عَلَيَّ غَمّاً ... فَهَلْ أنا مِن حياتِيَ مُسْتَرِيحُ
وقال بعضُ أَوْلادِ رَوْح بن زِنْباع الجُذامِي
أَيا مَنْزِلاً بالدَّيْرِ أَصْبَحَ خَالِياً ... تَلاعَبُ فيهِ شَمْأَلٌ ودَبُورُ
كأَنَّكَ لَمْ يَسْكُنْكَ بِيضٌ أَوانِسٌ ... ولَمْ يَتَبَخْتَرُ في فِنَائِكَ حُورُ
وأَبْناءُ أَملاكٍ عباشِمُ سادَةٌ ... صَغِيرُهُمُ عِنَدَ الأَنامِ كَبِيرُ
إذا لَبِسُوا أَدْراعَهُمْ فَعنابِسٌ ... وإنْ لَبِسُوا تِيجانَهُمْ فبُدُورُ
على أَنَّهُمْ يومَ اللِّقاءِ ضَراغِمٌ ... وأَنَّهُمُ يومَ النَّوالِ بُحُورُ
ولَمْ تَشْهَدِ الصَّهْرِيجَ والخَيْلُ حَوْلَهُ ... لَدَيْهِ فَساطِيطٌ لَهُمْ وخُدُورُ
وَحْولَكَ راياتٌ لَهُمْ وعَساكِرٌ ... وخَيْلٌ لها بَعْدَ الصَّهِيلِ شَخِيرُ
لَيَالِي هِشَامٌ بالرُّصافَةِ قاطِنٌ ... وفِيكَ ابنُهُ يا دَيْرُ وهْوَ أَمِيرُ
إذ العَيْشُ غَضٌّ، والخِلاَفَةُ لَدْنَةٌ ... وأَنْت طَرِيرٌ، والزَّمانُ غَرِيرُ
ورَوْضُك مُرْتاضٌ، ونَوْرُكَ نَيِّرٌ ... وعَيْشٌ بَنِي مَرْوَانَ فيكَ نَضِيرُ
بَكَى فَسَقَاكَ الغَيْثُ صَوْبَ غَمامَةٍ ... عليكَ لها بَعْدَ الرَّواحِ بُكُورُ
تَذَكَّرْتُ قَوْمِي خَالِياً فَبَكَيْتُهُمْ ... بشَجْوِ، ومِثْلِي بالبُكاء جَدِيرُ
فَعزَّيْتُ نَفْسِي، وهْيَ إذا جَرَى ... لها ذِكْرُ قَوْمِي أَنَّةٌ وزَفِيرُ
لَعَلَّ زَماناً جارَ يَوْماً عَلَيْهُمُ ... لَهُمْ بالذي تَهْوَى النُّفُوسُ يَدُورُ
فيَفْرَحَ مَحْزُونٌ، ويَنْعَمَ بَائِسٌ ... ويُطْلَقَ من ضِيقِ الوَثَاقِ أسِيرُ
رُوَيْدَكَ، إِنَّ اليومَ يَتْبَعُهُ غَدٌ ... وإِنَّ صُرُوفَ الدَّائِرَاتِ تَدُورُ
وقال زِياد الأعْجَم يَرْثِي المُغِيرَة بن المُهَلَّب:
قُلْ لِلْقَوافِلِ والغَزِيَّ إذا غَزَوْا ... والباكِرينَ وللمُجِدِّ الرِّائِحِ
إنَّ السَّماحَةَ والشَّجاعَةَ ضُمِّنا ... قَبْراً بِمَرْو على الطَّرِيقِ الواضِحِ
وإذا مَرَرْتَ بقَبْرِهِ فاعْقِرْ به ... كُومَ الهِجانِ وكُلَّ طِرْفٍ سابِحِ
وانْضَحْ جَوانِبَ قَبْرِهِ بدِمائِها ... فَلقَدْ يكُون أخا دَمٍ وذبائِحِ
ماتَ المُغِيَرةُ بَعْدَ طُولِ تَعَرُّضٍ ... للقَتْلِ بَيْنَ أَسِنَّةٍ وصَفائِحِ
فانْعَ المُغِيَرةَ للمُغِيرَة إذْ بَدَتْ ... شَعْواءَ مُحْجِرَةً لِنْبحِ النَّابِحِ
مَلِكٌ أَغَرُّ مُتَوَّجٌ يَسْمُو له ... طَرْفُ الصَّدِيقِ، وغُضَّ طَرْفُ الكاشِحِ
يَا لَهْفتا يا لَهْفتا لكَ كُلَّما ... خِيفَ الغِرارُ على المُدِرِّ الماسِحِ
فَلقَدْ فَقَدْت مُسَوَّدًا ذا نَجْدَةٍ ... كالبَدْرِ أَزْهَرَ ذا جَداً ونَوافِحِ
كانَ المِلاكَ لِدِينِنا ورجَاءَنا ... ومَلاذَنا في كُلِّ خَطْبٍ فادِحِ
وقال أشْجَع بن عَمْرو السُّلَمِي:
مَضَى ابنُ سَعِيدٍ حينَ لَمْ يَبْقَ مَشْرِقٌ ... ولا مُغْرِبٌ إلاَّ له فِيهِ مادِحُ
وما كُنْتُ أَدْرِي ما فواضِلُ كَفِّهِ ... على النّاسِ حتى غَيَّبَتْه الصَّفائِحُ
فأَصْبَحَ في لَحْدٍ مِن الأَرْضِ مَيِّتاً ... وكانَتْ به حَيًّا تَضِيقُ الصَّحاصِحُ
سأَبْكِيكَ ما فاضَتْ دُمُوعِي، فإنْ تَغِضْ ... فَحَسْبُكَ مِنِّي ما تُجِنُّ الجَوانِحُ
فما أنا، مِن زُرْءٍ وإنْ جَلَّ، جازِعٌ ... ولا بسُرورٍ بَعْدَ مَوْتِكَ فارِحُ
كَأَنْ لَمْ يَمُتْ حَيٌّ سِواكَ، ولَمْ تَقُمْ ... على أحَدٍ إلاَّ عليكَ النَّوائِحُ
لَئِنْ حَسُنَتْ فَيكَ المَراثِي وذِكْرُها ... لقَدْ حَسُنَتْ مِن قَبْلُ فِيكَ المَدائِحُ
وقال عبيدُ الله بن قَيْس الرُّقَيَّات، أموي الشعر
نَضَرَ اللهُ أَعْظُماً دَفَنُوها ... بِسِجِسْتانَ طَلْحَةَ الطَّلَحاتِ
كانَ لا يَحْرِمُ الخَلِيلَ، ولا يُعْ ... تَلُّ بالبُخْلِ، طَيِّبَ العَذِراتِ
سَبِطَ الكَفِّ بالنَّوالِ إذا ما ... كانَ جُودُ الخَلِيلِ حُسْنَ العِداتِ
فَلَعَمْرُ الذي اجْتَباكَ لقَدْ كُنْ ... تَ رَحِيبَ الفِناءِ سَهْلَ المَباةِ
لَمْ أجِدْ بَعْدَكَ الأَخِلاَّءَ إلاّ ... كَثِماد مَنْزُوحَة وقِلاتِ
وقال عَبْدَة بن الطَّبِيب، إسلامي
عليكَ سلامُ اللهِ قَيْسَ بن عاصِمٍ ... ورَحْمَتُهُ ما شاءَ أنْ يَتَرَحَّما
تَحِيَّةَ مَنْ غادَرْتَهُ غَرَضَ الرَّدَى ... إذا زارَ عن شَحْطٍ بِلادَكَ سَلَّما
فما كان قَيْسٌ هُلكُهُ هُلْكُ واحِدٍ ... ولكنَّه بُنيْانُ قَوْمٍ تَهَدَّما
وقال مَرْوان بن أبي حَفْصَة
مَضَى لِسَبِيلِهِ مَعْنٌ وأبْقَى ... مَحامِدَ لَنْ تَبِيدَ ولَنْ تُنالا
هَوَى الجَبَلُ الذي كانَتْ نِزارٌ ... تَهُدُّ مِن العَدُوِّ به جِبالا
فإن يَعْلُ البِلادَ به خُشُوعٌ ... فقَدْ كانَتْ تَطُولُ به اخْتِيالا
ولَمْ يَكُ طالِبُ المَعْرُوفِ يَنْوِي ... إلى غَيْرِ ابنِ زائِدَة ارْتِحالا
وكانَ النّاسُ كلُّهُمُ، لمَعْنٍ ... إلى أنْ زارَ حُفْرَتَهُ، عِيالا
ثَوَى مَنْ كانَ يَحْمِلُ كُلَّ ثِقْلٍ ... ويَسْبِقُ قَيْضُ راحَتِهِ السُّؤَالا
مَضَى لِسَبيلِهِ مَنْ كنتَ تَرْجُو ... بهِ عَثَراتُ دَهْرِكَ أَنْ تُقالا
فَلسْتُ بمالِكٍ عَبَراتِ عَيْنِي ... أَبَتْ بدُمُوعِها إلاَّ انْهِمالا
كَأَنَّ الشَّمْسَ يومَ أُصِيبَ مَعْنٌ ... مِن الإظْلامِ مُلْبَسَةٌ جلالا
يَرانا النّاسُ بَعْدَكَ فَلَّ دَهْرِ ... أَبَى لجُدُودنِا إلاَّ اغْتِيالا
فَلَهْفَ أبِي عليكَ إذا العطَايا ... جُعِلْنَ مُنىً كَواذِبَ واعْتِلالا
ولَهْفَ أبي عليكَ إذا الأُسارَى ... شَكَوْا حَلَقاً بأَسْوُقِهمْ ثِقالا
ولَهْفَ أبِي عليكَ إذا القَوافِي ... لِمُمتَدَحٍ بِها ذَهَبَتْ ضَلالا
أقمْنا باليمَامةِ بَعْدَ مَعْنٍ ... مُقاماً لا نُرِيدُ به زِيالا
وقُلْنا: أَيْنَ نَذْهَبُ بُعْدَ مَعْنِ، ... وقَدْ ذَهَبَ النَّوال فلا نَوالا
فما بَلَغَتْ أَكُفُّ ذَوِي العَطايا ... يَمِيناً مِن يَدَيْكَ ولا شِمالا
وقال الحُسَين بن مُطَير الأَسَدِي ؟أَلِمّا على مَعْن وقُولا لِقَبْرِهِ: سَقَتْكَ الغَوادِي مَرَبْعاً ثمُ مَرْبَعاً
فيا قَبْرَ مَعْنٍ كَيْف وارَيْتَ جُودَهُ ... وقَدْ كانَ مِنْه البَرُّ والبَحْرُ مُتْرعَا
بَلَى قد وَسَعْتَ الجُودَ، والجُودُ مَيِّتٌ ... ولَوْ كانَ حَيًّا ضِقْتَ حتَّى تَصَدَّعَا
ويا قَبْرَ مَعْنٍ أَنْتَ أَوَّلُ حُفْرَةٍ ... مِن الأرْض خُطَّتْ للسَّماحَةِ مَضْجَعا
فتىً عِيش في مَعْرُوفِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ ... كما كانَ، بَعْدَ السَّيْل، مَجْراهُ مَرتْعَا
ولمَّا مَضَى مَعْنٌ، مَضَى الجُودُ وانْقَضَى، ... وأَصْبَحَ عِرْنينُ المَكارِمِ أَجْدَعا
وقال لَبِيد بن رَبِيعَة العامِرِيّ، مخضرم
بَلِينا، وما تُبْلَى النُّجوُم الطَّوالِعُ ... وتَبْقَى الجِبالُ بَعْدَنا والمصَانِعُ
فلا جَزَعٌ إنْ فَرَّقَ الدَّهْر بَيْنَنا ... وكُلُّ فَتىً يوماً به الدَّهرُ فاجِعُ
وما المَرْءُ إلاَّ كالشِّهابِ وضَوْئِهِ ... يَحُورُ رَماداً بَعْدَ إِذْ هو ساطِعُ
وما البِرُّ إلاًّ مُضْمَراتٌ مِن التُّقَى ... وما المالُ إلاّ عارَةٌ وودَائِعُ
أَلَيْس وَرائِي إنْ تَراخَتْ مَنِيَّتِي ... لُزوُمُ العَصا تُحْنَى عليها الأَصابعُ
أَخَبِّرُ أَخْبار القُرونِ التي مَضَتْ ... أَدِبُّ كأَنِّي كُلَّما قُمْتُ راكِعُ
فأَصْبَحْتُ مِثْلَ السَّيْفِ أَخْلَقَ جَفْنَهُتَقادُمُ عَهْدِ القَيْنِ، والنَّصْلُ قاطِعُ
وقَد كنتُ في أَكْنافِ دارِ مَضَنَّةٍ ... فَفارَقَنِي جارٌ بأَرْبَدَ فاجِعُ
فلا تَبْعَدَنْ، إنَّ المَنِيَّةَ مَوْعِدٌ ... عَلَيْنا، فَدانٍ للطُّلُوعِ وطالِعُ
لَعَمْرُكَ ما تَدْرِي الضَّوارِبُ بالحَصَى ... ولا زاجِراتُ الطَّيْرِ ما الله صانِعُ
أعاذِلُ ما يُدْرِيكِ إلاَّ تَظَنِّياً ... إذا رَحَلَ السُّفَّارُ مَنْ هو راجِعُ
أَتَجْزَعُ مِمّا أَحْدَثَ الدِّهْرُ بَيْنَنا ... وأَيُّ كَرِيمٍ لم تُصِبْهُ القَوارِعُ
وما النَّاسُ إلاّ كالدِّيارِ وأَهْلِها ... بها يومَ حَلُّوها وغَدْواً بَلاقِعُ
وقال أيضا
أَخْشَى على أَرْبَدَ الحُتُوفَ ولا ... أَرْهَبُ نَوْءَ السِّماكِ والأَسَدِ
أفْجَعَنِي الرَّعْدُ والصواعِقُ بال ... فارِسِ يومَ الكَريهَةِ النَّجُدِ
وقال مُتَمِّم بن نَوْيَرَة
لَقدْ لامَنِي عند القُبُورِ على البُكا ... رَفِيقي لِتَذْرافِ الدُّمُوعِ السَّوافِكِ
فقالَ: أَتَبْكِي كُلَّ قَبْرٍ رَأَيْتهُ ... لِقَبْرٍ ثَوَى بَيْنَ اللِّوَى والدِّكادِكِ
فقلْتُ: إنَّ الأَسَى يَبْعَثُ الأَسَى ... ذَرُونِي، فهذا كُلُّهُ قَبْرُ مالِكِ
وقال أيضا
لَعَمْرِي وما عَمْرِي بَتأْبِينِ هالِكٍ ... ولا جَزَعٍ مِمّا أَصابَ فأَوْجَعا
لَقْدَ غَيَّبَ المِنْهالُ تَحْتَ رِدائِهِ ... فتًى غَيْرَ مِبْطان العَشِيّاتِ أَرْوعَا
ولا بَرَماً تُهْدِي النِّساءُ لِعَرْسِهِ ... إذا القَشْعُ عِنْ بَرْدِ الشِّتاءِ تَقَعْقَا
لَبِيباً، أَعانَ اللُّبَّ مِنْه سَماحَةٌ ... خَصِيباً إذا ما راكِبُ الجَدْبِ أَوْضَعا
تَراهُ كَنصْلَ السَّيفِ، يَهْتَزُّ للنَّدَىإذا لَمْ تَجِدْ عِنْدَ امْرِئِ السَّوْءِ مَطْمَعا
وإنْ ضَرَّسَ الغَزْوُ الرِّجالَ رَأَيْتَهُأَخا الحَرْبِ صَدْقاً في اللِّقاءِ سَمَيْدَعا
وما كانَ وَقَّافاً إذا الخَيْلُ أَحْجَمَتْ ... ولا طائِشَاً عِنْدَ اللّقاءِ مُدَفَّعا
ولا بِكَهامٍ بَزُّةُ عن عَدُوِّهِ ... إذا هو لاقَى حاسِراً أو مُقَنَّعا
فَعَيْنِيَّ هَلاَّ تَبْكِيانِ لمالِكٍ ... إذا أَذْرَتِ الرِّيحُ الكَنِيفَ المُرَفَّعا
وللشَّرْبِ فابْكِي مالِكاً ولِبُهْمَةٍ ... شَدِيدٍ نَواحِيه على مَنْ تَشَجَّعا
وضَيْفٍ إذا أَرْغَى طُروقاً بَعِيرَهُ ... وعانٍ ثَوَى في القِدِّ حتى تَكَنَّعا
وأَرْملةٍ تَمشِي بأَشعَثَ مُحْثَلٍ ... كَفرِخْ الحُبَارَى رَأْسُه قد تَصَوَّعا
وكنّا كنَدْمانَيْ جَذِيمَة حِقْبَةً ... مِن الدهرِ حتى قِيل لن يَتَصَدَّعا
وعِشْنا بخيْرٍ في الحياةِ وقَبْلَنا ... أصابَ المنايا رَهْطَ كِسْرَى وتُبَّعا
فلما تَفَرَّقنا كأَنِّي ومالِكاً ... لطُولِ اجتماعٍ لم نَبِتْ ليلةً معا
فإنْ تكُنِ الأيامُ فَرَّقْنا بَيْنَنا ... فقَدْ بانَ محموداً أخِي حينَ وَدَّعا
تقولُ ابنةُ العَمْرِيّ: مالَكَ بَعْدَما ... أراكَ حَدِيثاً ناعمَ البالِ أَفْرَعا
فقلتُ له: طُولُ الأَسَى إذْ سَأَلْتِني ... ولَوْعَةُ حُزْنٍ تترُكُ الوجْه أَسْفَعا
فَقِعْدَكِ أَلاَّ تُسْمِعِينِي مَلامَةً ... ولا تَنْكَئِي قَرْحَ الفُؤادِ فَيِيجَعا
فحَسْبُكِ أَنِّي قد جَهَدْتُ فَلْم أَجِدْ ... بكَفَّيَّ عَنْه للمَنِيَّة مَدْفَعا
أُقولُ وقَدْ طارَ السَّنا في رَبابِهِ ... وجَوْنٍ يَسُحُّ الماءَ حتَّى تَرَيَّعا
سَقَى اللهُ أَرْضاً حَلَّها قَبْرُ مالِكٍ ... ذِهابَ الغوادِي المُدْجِنات فأَمْرَعا
فَما وَجْدُ أُظْآرٍ ثلاثٍ رَوائِمٍ ... رَأيْنَ مَجَرًّا مِن حُوارٍ ومَصْرَعا
يُذَكِّرْنَ ذا البَثِّ الحَزِين بِبَثِّهِ ... إذا حَنَّتِ الأُوَلَى سَجَعْنَ لَها مَعا
بأَحْزَنَ مِنِّي يومَ فارَقْتُ مالِكاً ... وقامَ به النَّاعِي الرَّفِيعُ فَأْسْمَعا
فإنْ يَكُ حُزْنٌ أو تَتابُعُ عَبْرَةٍ ... أَذابَتْ عَبِيطاً مِن دَمِ الجَوْفِ مُنْقَعا
تَجَرَّعْتُها في مالِكٍ واحْتَسَيْتُها ... لأَعْظَمُ مِنْها ما احْتَسَى وتَجَرَّعا
وقال أيضا
أَرِقْتُ ونامَ الأَخْلِياءُ وهاجَنِي ... مَع اللَّيلِ هَمٌّ في الفُؤادِ وَجِيعُ
وَهِيَّجَ لي حُزْناً تَذَكُّرُ مالِكٍ ... فَما بِتُّ إلاَّ والفُؤادِ مَرُوعُ
إذا عَبْرَةٌ وَزَّعْتُها بَعْدَ عَبْرةٍ ... أبَتْ، واسْتَهَلّتْ عَبْرةٌ ودُمُوعُ
لِذِكْرَى حَبِيبٍ بَعْدَ هَدْءٍ ذَكَرْتُهُ ... وقَدْ حانَ مِن تالِي النُّجُومِ طُلُوعُ
إذا رَقَأَتْ عَيْنايَ ذَكَّرَنِي بهِ ... حَمامٌ تَنادَى في الغُصُونِ وُقُوعُ
كَأَنْ لَمْ أَجَالسْهُ، ولَمْ أُمْسِ لَيْلَةٍ ... أَراهُ، ولَمْ يُصْبِحْ ونحنُ جَمِيعُ
وقال أبو خِراش الهَذلِيّ
تقولُ: أَراهُ بَعْدَ عُرْوَةَ لاهِياً ... وذلك رُزْءٌ لو عَلِمْتِ جَلِيلُ
فلا تَحْسَبِي أنِّي تَناسَيْتُ عَهْدَهُ ... ولكنَّ صَبْرِي يا أُمَيْمَ جَمِيلُ
أَلَمْ تَعْلَمِي أَنْ قد تَفَرَّقَ قَبْلَنا ... خَلِيلا صَفاءٍ: مالِكٌ وعَقِيلُ
أَبَى الصَّبْرَ أَنِّي لا يَزالُ يَهِيجُنِي ... مَبِيتٌ لَنا فِيما مَضَى ومَقِيلُ
وأَنِّي إذا ما الصُّبْحُ آنَسْتُ ضَوْءهَ ... يُعاوِدُنِي قِطْعٌ عليَّ ثَقِيلُ
وقالت قُتيلَة بِنْت النَّضْر بن الحارث وكان النبيُّ صلى الله عليه وسلم قد قَتَل أباها صَبْراً، وهو أَوّلُ مَن ضُرِبَت رَقَبتُه في الإِسْلام. وقاتِلُه عليّ بن أبِي طالِب عليه السّلام
يا راكِباً إنَّ الأُثَيْلَ مَظِنَّةٌ ... مِنْ صُبْحِ خامِسَةٍ وأَنتَ مُوَفَّقُ
بَلِّغْ به مَيْتاً فإنَّ تَحِيَّةً ... ما إنْ تَزالُ بها الرّكائِبُ تَخْفُقُ
مِنِّي إليكَ، وعَبْرَةً مَسْفُوحَةً ... جادَتْ لِمائِحِها وأُخْرَى تَخْنُقُ
فَلْيَسْمَعَنَّ النَّضْرُ إنْ نادَيْتُه ... إنْ كانَ يَسْمَعُ مَيِّتٌ أو يَنْطِقُ
ظَلَّتْ سُيُوفُ بَنِي أَبِيِه تَنُوشُهُ ... للهِ أَرْحامٌ هُناكَ تُمَزَّقُ
أَمحمدُ، ولأَنْتَ نَجْلُ نَجِيبَةٍ ... مِن قَوْمِها، والفَحْلُ فَحْلٌ مُعْرِقُ
ما كانَ ضَرَّكَ لَوْ مَنَنْتَ، ورُبَّما ... مَنَّ الفَتَى، وهُوَ المَغيطُ المُحْنَقُ
والنَّضْرُ أَقْرَبُ مَنْ أَصَبْتَ وَسِيِلَةً ... وأَحَقُّهُمْ إنْ كانَ عِتُقٌ يُعْتَقُ
لو كنتَ قابِلَ فِدْيَةً لَفَدَيْتُهُ ... بأعَزِّ ما يُغْلِي به مَنْ يُنْفِقُ
وقال مُلَيل بن دِهقانَة التَّغْلِبِيّ
ألا لَيْسَ الرَّزِيَّة فَقْدَ مالٍ ... ولا شاةٌ تَمُوتُ ولا بَعِيرُ
ولكنّ الرَّزِيَّة فَقْدُ قَوْمٍ ... يمُوتُ لِمَوْتِهِمْ خَلْقٌ كَثِيرُ
وقال العَطَوِيّ ؟وَلَيْسَ صَرِيرُ النَّعْشِ ما تَسْمعُونَهُ ولكنّه أَصْلابُ قَوْمٍ تَقَصَّفُ
وَلَيْسَ نَسِيمُ المِسْكَ رَيّا حَنُوطِهِ ... ولكَّنه ذاكَ الثَّناءُ المُخَلَّفُ
وقال آخر
يا قَبْرُ لا تُظْلِمُ عليه فطالَما ... جَلَّى بغُرَّتِهِ دُجَى الإِظْلامِ
إِعْجَبْ لِقَبْرٍ قِيسَ شِبْرٍ قد حَوَى ... لَيْثاً وبَحْرَ نَدىً وبَدْرَ تَمامِ
فلَطالَما اصْطَكَّت على أبوابِهِ ... رُكَبُ المُلُوكِ وجِلَّةُ الأَقْوامِ
يا وَيْحَ أيْدٍ أَسْلَمَتْكَ إلى الثَّرَى ... ما كنتَ تُسْلِمُها إلى الإِعْدامِ
وقال أَبو خِراش خُوَيْلِد بن مُرَّة وكان قد خَرَج خِراشٌ ولَدُه وأخُوه عُرْوَة. فأغارا على ثُمالَة فَنذَر بهما حَيَّان. فأَمّا بنو بلال فأخذُوا عُرْوَة فقَتَلُوه. وأمَا بنو رِزام فأخذُوا خِراشا فأَرادُوا قَتْلَه، فأَلقَى رجلٌ مِنْهُم رداءَه عليه، وقال: انْجُ. ففَحْص كأنه ظبيٌ فَفاتَهُم. فأَتَى أباه فأَخْبَرَه خَبَرَه فقال:
حَمِدْتُ إلهِي بَعْدَ عُرْوَةَ إذْ نَجَى ... خَراشٌ وبَعْضُ الشَّرِّ أَهْوَنُ مِن بَعْضِ
فوالله لا أَنْسى قَتِيلاً رُزِئْتُهُ ... بجانِبِ قُوسَى ما مَشَيْتُ على الأَرْض
على أَنَّها تَعْفُو الكُلُومُ، وإنّما ... نُوَكَّلُ بالأدْنَى، وإنْ جَلَّ ما يَمْضِي
ولَمْ أَدْرِ مَن أَلْقَى عليه رِداءَهُ ... على أنَّه قد سُلّ مِن ماجِدٍ مَحْضِ
ولَمْ يَكُ مَثْلُوجَ الفُؤادِ مَهَيَّجاً ... أَضاعَ الشَّبابَ في الرَّبِيلَةِ والخَفْضِ
ولكَّنه قد نازَعَتْهُ مَجاوِعٌ ... على أنّه ذُو مِرَّةٍ صادِقٌ النَّهْضِ
وقال قُس بن ساعِدَة الإِيادِيّ وكان له أخَوان يَصْحَبانِه فماتا قَبْلَه فأقامَ على قَبْرِيْهِما حتّى لَحِق بِهما
خَلِيليَّ هُبَّا طالَما قد رَقَدْتُما ... أَجِدَّكُما لا تَقْصِيانِ كَراكُما
أَلَمْ تَعْلَما أَنِّي بِسَيْحانَ مُفْرَداً ... وما لِيَ مِن نَدِيمٍ سِواكُما
أُقِيمُ على قَبْرَيْكُما لستُ بارِحاً ... طَوالَ اللَّيالِي أو يُجِيبُ صَداكُما
كَأنَّكُما والمَوْتُ أقَرَبُ غايَةٍ ... بجِسْمِيَ في قَبْرَيْكُما قد أَتاكُما
وذَكُروا أنّ رَجُلِيْنَ مِنْ بَنِي أَسد خَرَجَا في بَعْث الحَجّاج فآخيا دِهْقانا في مَوْضع يُقال له رَاوَئْد. فمات أحدُهما وبقِي الآخرُ والدِّهْقانُ يُنادِمان قَبَرَه، يَشْرَبان وَيُصّبان على قبرهِ كأساً. فماتَ الدِّهقانُ وبقِي الأَسَدِيّ، وكان اسمُه عِيسَى بن قُدامَة الأسدي يُنادِم قَبْرَيْهما وَيشْرَب قَدَحاً ويَصَبّ على قبريْهما قَدَحَيْن ويتَرَنّم بهذه الأبيات. وقيلَ كانُوا ثلاثة من أهل الكُوفَةِ في بَعْث الحَجّاجِ يَتَنادَمُون ولا يُخالِطون أحداً. فمات أحدهُما وبقِيَ صاحِباه، فماتَ الآخرُ، وبَقِيَ عِيسى بن قُدامة، وكان أحد الثلاثة، فقال:
خَلِيلَيَّ هُبّا طالَما قد رَقَدْتُما ... أجِدَّكُما لا تَقْضِيان كَراكُما
جَرَى النَّوْمُ مَجْرَى العَظْمِ واللَّحْم فِيكُماكأَنّ الذي يَسْقِي العُقارَ سَقاكُما
فأيُّ أخٍ يَجْفُو أخاً بَعْدَ مَوْتِهِ ... فلستُ الذي مِن بَعْدِ مَوْتٍ جَفاكُما
أصُبُّ على قَبْرِيْكُما مِن مُدامَةٍ ... فإنْ لَمْ تَذُوقَاها تُرَوِّي ثَراكَما
أَنادِيكُما كَيْما تُجِيبا وتَنْطِقَا ... ولَيْس مُجاباً صَوْتُهُ مَن دَعاكُما
أَمِنْ طُولِ نَوْمٍ لا تُجيبانِ داعِياً ... خَلِيلَيَّ، ما هذا الذي قد دَهاكُما
قَضَيْتُ بأَنِّي لا مَحالَةَ هالِكٌ ... وأَنِّي سَيَعْرُونِي الذي قد عَراكُما
سأبْكِيكُما طُولَ الحَياةِ، وما الذي ... يَرُدُّ على ذيِ عَوْلَةٍ إنْ بَكاكُما
وقال الطِّرِمّاح
فَتىً لو يُصاغُ الموتُ صِيغَ كَمِثْلِهِ ... إذا الخَيْلُ جالَتْ في مَساجِلِها قُدْما
ولَوْ أنَّ مَوْتاً كان سالَمَ رَهْبَةً ... مِن النّاسِ إنْساناً لَكانَ له سِلْما
وقال آخر
يَرُوُم جَسِيماتِ العُلَى فَينالُها ... فتىً في جَسِيماتِ المَكارِمِ راغِبُ
فإنْ تُمْسِ وَحْشاً دَارُهُ فلرُبَّما ... تَواهَق أَفْواجاً إِلَيْها المَواكِبُ
يُحَيُّونَ بَسّاماً كأَنَّ جَبِينَه ... هِلالٌ بَدا وانْجابَ عَنْه السّحائِبُ
وما غائِبٌ مَن كان يَرْجَى إِيابُهُ ... ولكنَّه مَن غَيَّبَ الموتُ غائِبُ
وقال دُرَيْد بن الصِّمَّة، مخضرم ؟نَصَحْتُ لِعارِضٍ وأَصْحابِ عارِض ورَهْطِ بَني السَّوْداءِ والقَوْمُ شُهَّدِي
فقلتُ لهُمْ: ظُنُّوا بأَلْفَيْ مُدَجَّجٍ ... سَراتُهُمُ في الفارِسِيِّ المُسرَّدِ
فلّما عَصَوْنِي كنتُ مِنْهُمْ، وقَدْ أَرَى ... غَوايَتَهُمْ وأَنَّنِي غَيْرُ مُهْتَدِ
أَمَرْتُهُمُ أَمْرِي بمُنْعَرِج اللِّوَىفَلْم يَسْتَبِينُوا الرُّشْدَ إلاّ ضُحَى الغَدِ
وهَلْ أنا إلاّ مِنْ غَزِيَّةَ إِنْ غَوَتْ ... غَوَيْتُ، وإنْ تَرْشُدْ غَزِيَّةُ أَرْشُدِ
تَنادَوْا فقالُوا: أَرْدَتِ الخَيْلُ فارِساً ... فقلتُ أَعبْدُ الله ذلكُمُ الرَّدِي
فجِئْتُ إليه والرِّماحُ تَنُوشُهُ ... كَوقْعِ الصَّياصِي في النَّسِيجِ المُمَدَّدِ
فكنتُ كذاتِ البَوِّ رِيعَتْ فأَقْبَلَتْ ... إلى جَلَدٍ مِن مَسْكِ سَقْبِ مُقَدَّدِ
فطاعَنْتُ عنه الخَيْلَ حتَّى تَبَدَّدَتْ ... وحتَّى عَلانِي حالِكُ اللَّوْنِ أَسْوَدِي
قِتالَ امْرِئٍ آسَى أَخاهُ بنَفْسِه ... ويَعْلَمُ أَنَّ المَرْءَ غيرُ مُخَلَّدِ
صَبُورٍ علي وَقْعِ المَصائِبِ حافِظٍ ... مِن اليوم أَعقابَ الأَحادِيثِ في غَدِ
فإنْ يَكُ عبدُ الله خَلَّى مَكانَهُ ... فما كانَ وَقَّافاً ولا طائِشَ اليَدِ
كَمِيشُ الإِزارِ، خارِجٌ نِصْفُ ساقِهِ ... بَعِيدٌ عن الآفاتِ، طَلاّعُ أنْجُدِ
تَراهُ خَمِيصَ البَطْنِ والزَّادُ حاضِرٌ ... عَتِيدٌ، ويُغْدُو في القَمِيص المُقَدَّدِ
وإنْ مَسَّهُ الإِقْواءُ والجَهْدُ زادَهُ ... سَماحاً وإتْلافاً لما كانَ في اليَدِ
صَبا ما صَبا، حتَّى عَلا الشَّيْبُ رَأْسَهُ ... فلَّما عَلاهُ قال لِلْباطِلِ ابْعُدِ
وَطَّيبَ نَفْسِي أَنَّنِي لم أقُلْ لهُ ... كَذَبْتَ، وَلْم أَبْخَلْ بِما مَلَكَتْ يَدِي
وقال آخر
عَصانِيَ قَوْمِي، والرَّشادُ الذي به ... أَمَرْتُ، ومَنْ يَعْصِ المُجَرِّبَ يَنْدَمِ
فَصْبراً بَنِي بَكْرٍ على الموتِ إِنَّنِي ... أَرَى عارِضاً يَنْهَلُّ بالمَوْتِ والدَّمِ
وقال عبد الرحمن بن زيْد
ذَكَرْتُ أَبا أرْوَى فنَهْنَهْتُ عَبْرَةًمِن الدّمْعِ ما كادَتْ عن العَيْنِ تَنْجَلِي
أَبَعْدَ الذي بالنَّعْفِ نَعْفِ كُوَيْكِبٍ ... رَهِينَةِ رَمْسٍ ذِي تُرابٍ وَجْندَلِ
أَذَكَّرُ بالبُقْيا على مَنْ أصابَنِي ... وبُقْيايَ أَنِّي جاهِدٌ غيرُ مُؤْتَلِي
يقولُ رِجالٌ ما أصِيبَ لَهُمْ أَبٌ ... ولا مِن أخٍ: أَقْبِلْ على المالِ تُعْقَلِ
أَنَخْتُمْ عَلَيْنا كَلْكَلَ الحَرْبِ مَرَّةً ... فنحنُ مُنِيخُوها عليكُمْ بَكَلْكَلِ
وقالت الخَنْساء بنت الشَّريد، مخضرمة
تَعَرَّقَنِي الدَّهْرُ نَهْساً وحَزّاً ... وأَوْجَعَنِي الدَّهْرُ قَرْعاً وغَمزا
وأفْنَى رجالي فبادُوا جَمِيعاً ... وأَصْبَحَ قَلْبِي بِهِمْ مُسْتَفَزَّا
كَأنْ لم يَكُونُوا حِمىً يُتَّقَى ... إذِ النّاسُ إِذْ ذاكَ مَنْ عَزَّ بَزّا
وكانُوا سَراةَ بَنِي مالِكٍ ... وَزيْنَ العَشِيرَةِ فَخْراً وعِزّا
هُمُ مَنَعُوا جارَهُمْ، والنِّسا ... ءُ يَحْفِزُ أَحْشاءَها الموتُ حَفْزا
وخَيْلٍ تَكَدَّسُ بالدَّارِ عِينَ ... وتَحْتَ العَجاجَةِ يَجْمِزْنَ جَمْزا
بِبِيضِ الصِّفاحِ وسُمْرِ الرِّماحِ ... فبِالبِيض ضَرْباً وبالسُّمْرِ وخْزا
جَزَزْنا نواصِيَ فُرسانِهِمْ ... وكانُوا يظُنُّونَ أنْ لا تُجَزَّا
ومَنْ ظَنَّ أنْ سُيلاقِي الحُرُوبَ ... بأَنْ لا يُصابَ فَقدْ ظَنَّ عَجْزا
نُضِيفُ ونَعْرِفُ حَقَّ القِرَى ... ونَتَّخِذُ الحَمْدَ ذُخْراً وكَنْزا
وقالت ترْثِي أخاها صخْراً
يا صخْرُ وَرّادَ ماءٍ تَناذَرَهُ ... أَهْلُ المَوارِدِ، ما في وِرْدِهِ عارُ
مَشَى السَّبَنْتَي إلى هَيْجاءَ مُعْضِلَةٍ ... لَها سِلاحانِ أَنْيابٌ وأَظْفارُ
فما عَجُولٌ على بَوٍّ تُطِيفُ به ... لَها حَنينانِ إِصغارٌ وإِكْبارُ
تَرْتَعُ ما رَتَعَتْ حتّى إذا أدَّكَرَتْ ... فإنّما هي إِقْبال وإَدْبارُ
يوماً بأَوْجَدَ مِنِّي يومَ فارَقَنِي ... صَخْرٌ، وللدَّهرِ إِحْلالٌ وإمْرارُ
وإنَّ صَخْراً لَتَأْتَمُّ الهُداةُ به ... كَأَنّه عَلَمٌ في رَأْسِهِ نارُ
وإنَّ صَخْراً لَوالِينا وَسيِّدُنا ... وإنَّ صَخْراً إذا نَشْتُو لَنَحَّارُ
حامِي الحَقِيقَةِ، مَرْضِيُّ الخَلِيقَةِ، مَهْ ... دِيُّ الطَرِيقَةِ، نَفَّاعٌ وضرّارُ
جَوَّابُ قاصِيَةٍ، جَزَّازُ ناصِيَةٍ، ... عَقّادُ أَلْوِيَةٍ،للخَيْلِ جَرّارُ
لَمْ تَرَهُ جارةٌ يَمْشِي بساحَتِيها ... لِرِيبَةٍ حينَ يُخْلِي بَيْتَهُ الجارُ
ألا يا صَخْرُ لا أنْساكَ حتّى ... أُفارِقَ مُهْجَتِي ويُشَقَّ رَمْسِي
وَلوْلا كَثْرَةُ الباكِينَ حَوْلِي ... على إخْوانِهِمْ لَقَتَلْتُ نفْسِي
وما يَبْكُونَ مِثْل أَخِي ولكنْ ... أُعَزِّي النَّفْسَ عنه بالتَّأَسِّي
يُذَكِّرُنِي غُرُوبُ الشَّمْسِ صَخْراً ... وأَذْكُرُه لُكلِّ طُلُوعِ شَمسِ
وقالت أيضاً
وما كَرَّ إلاّ كانَ أوَّلَ طاعِنٍ ... ولا أَبْصَرَتْهُ الخَيْلُ إلاّ اقْشَعَرَّتِ
فَيُدْرِكَ ثَأْراً، وهْوَ لَمْ يُخْطِهِ الغِنَىفمثْلُ أَخِي يوماً به العَيْنُ قَرَّتِ
فلستُ أَزَرَّى بَعْدَه بِزَرِيَّةٍ ... فَأَذْكرَهُ إلاَّ سَلَتْ وتَجلَّتِ
وقالت أيضاً
أَبَعْدَ ابنِ عَمْرٍ مِن آلِ الشَّرِي ... دِ حَلَّتْ به الأَرْضُ أَثْقالها
فَأَقْسَمْتُ آسَى على هالِكٍ ... وأَسْأْلُ نائِحَةً ما لَها
لِتَجْرِ الحَوادِثُ بَعْدَ الفَتَى ... المُغادِرِ بالمَحْوِ أَذْلاَلَها
سأَحْمِلُ نَفْسِي على آلةٍ ... فإمّا عَلَيْها وإمّا لها
هَمَمْتُ بنَفْسِي كُلَّ الأُمُورِ ... فأَوْلَى لِنَفْسِيَ أَوْلَى لَها
وَخِيْل تَكَدَّسُ بالدَّارَعِي ... نَ نازَلْتَ بالسَّيفِ أَبْطالَها
نُهِينُ النُّفُوسَ وهُونُ النُّفُو ... سِ يومَ الكَرِيهِة أَبْقَى لَها
وقافَيِةٍ مِثْلِ حَدِّ السِّنا ... نِ نبقى وَيذْهَبُ مَنْ قالَها
وقالت أيضا وتُرْوَى لصخْر أخِي الخَنْساء
إذا امْرُؤٌ أهْدَى لِمَيْتٍ تَحِيَّةً ... فحَيّاك رَبُّ الناس عَنِّي معُاوِيا
وهَوَّنَ وَجْدِي أَنَّنَِي لم أَقُلْ له ... كَذَبْتَ، وَلمْ أَبْخَلْ عليه بِمالِيا
وقالت أيضاً
أَعَينَيَّ جُودَا ولا تَجْمُدا ... ألا تَبْكِيانِ لِصَخْرِ النَّدَى
طَوِيلُ النِّجادِ، رَفِيعُ العِما ... دِ سادَ عَشِيرَتَهُ أَمْرَدَا
يُكَلِّفُهُ القَوْمُ ما غالَهُمْ ... وإن كانَ أصْغَرَهُمْ مَوْلِدا
وقالت الفارِعَة بنت شَدّاد المُرِّيَّة في أخيها
هَلاَّ سَقَيْتُمْ بني جَرْمٍ أسِيرَكُمْ، ... نَفْسِي فِداؤُكَ مِن ذِي غُلَّةٍ صادِي
شَهّادُ أَنْدِيَةٍ، رَفّاعُ أَلْوِيةٍ ... سَدّادُ أَوْهِيَةٍ، فَتَّاحُ أَسْدادِ
نَحّارُ راغِيةٍ، قَتَّالُ طاغِيَةٍ، ... حَلاّلُ رابِيَةٍ فَكَّاك أَقْيادِ
قَوَّالُ مُحْكَمَةٍ نَقَّاضُ مُبْرَمَةٍ ... فَرّاجُ مُبْهَمَةٍ، طَلاَّعُ أَنْجادِ
وقالت لَيْلَى الأَخْيَلِيْة ترثي توبة بن الحُمَيِّر
لَعَمْرُكَ ما بالمَوْتِ عارٌ على الفَتَى ... إذا لَمْ تُصِبْهُ في لحَياةِ المَعايِرُ
وما أَحَدٌ حَيٌّ وإِنْ كان سالماً ... بأَخْلَدَ مِمَّنْ غَيَّبَتْهُ المَقابِرُ
ومَن كان مِمَّا يُحْدِثُ الدَّهْرُ جازِعاً ... فلا بُدَّ يوماً أَنْ يُرَى وهُوَ صابِرُ
وليس لِذي عَيْشٍ من المَوْتِ مَهْرَبٌ ... ولَيْسَ على الأَيَّامِ والدَّهرِ غابِرُ
وكُلُّ جَدِيدٍ أو شَبابٍ إلى بِلىً ... وكُلُّ امْرِئٍ يوماً إلى الله صائِرُ
وكُلُّ قَرِينَيْ أَلْفَةٍ لِتَفَرُّقٍ ... شَتاتاً وإنْ عاشا وطالَ التَّعاشُرُ
فلا يُبْعِدَنْكَ اللهُ يا تَوْبُ هالِكاً ... أخا الحَرْبِ إذ دارَتْ عليكَ الدَّوائِرُ
فأُقْسِمُ لا أَنْفَكُّ أَبْكِيكَ ما دَعَتْ ... على فَنَنٍ وَرْقاءُ أو طارَ طائِرُ
قَتِيلُ بَنِي عَوْفٍ فيا لَهْفَتا لهُ ... وما كنُتُ إِيّاهُمْ عليه أَحاذِرُ
ولكنَّنِي قد كُنت أَخْشَى قَبِيلَةً ... لَها بدُرُوبِ الشَّامِ بادٍ وحاضِرُ
وقالت أيضا
فإِنْ تَكْنِ القَتْلَى بَواءً فإِنَّكُمْ ... فَتىً ما قَتَلْتُمْ آل عَوْفِ بن عامِرٍ
فلا يُبْعِدَنْكَ الله يا تَوْبَ إِنَّما ... لِقاءُ المَنايا دارِعاً مِثْلُ حاسِرِ
أَتَتْهُ المَنايا دُونَ دِرْعٍ حَصِينَةٍ ... وأَسْمَرَ خَطِّيِّ وأَرْقَبَ ضامِرِ
فنِعْمَ الفَتَى إِذنْ كان تَوْبَةُ فاجِراً ... وفوقَ الفَتَى إنْ كانَ لَيْس بفاجِرِ
فتىً يُنْهِلُ الحاجاتِ ثم يَعُلُّها ... فيُطْلِعُها عنه ثَنايا المَصادِرِ
فتىً كانَ أحْيا مِن فَتاةٍ حَيِيَّةٍ ... وأَشْجَعَ مِن لَيْثٍ بِخَفّانَ خادِرِ
فتىً كانَ للمَوْلَى سَناءً ورِفْعَةً ... وللطَّارِقِ السَّارِي قِرىً غيرَ باسِرٍ
فتىً لا تَخَطَّاهُ الرِّكابُ، ولا يَرَى ... لِقِدْرٍ عِيالاً دُونَ جارٍ مُجاوِرِ
كَأَنَّ فتَى الفِتْيان تَوْبَةَ لَمْ يُنِخْ ... قَلائِصَ يَفْحَصْنَ الحَصَى بالكَراكِرِ
وقالت أيضاً
لقَدْ عَلِمَ الجُوعُ الذي باتَ سارِياً ... على الضَّعِيفِ والجِيرانِ أَنَّكَ قاتِلُه
وأَنَّكَ رَحْبُ الباعِ يا تَوْبَ للقِرىَ ... إذا ما لَئِيمُ القَوْمِ ضاقَتْ مَنازِلُه
يَبِيتُ قَرِيرَ العَيْنِ مَنْ كان جارَهُ ... ويُضْحِي بخَيْرٍ ضَيْفُهُ ومُنازِلُهْ
أَتّتْهُ المَنايا حينَ تَمَّ شَبابُهُ ... وأَقْصَرَ عنه كُلُّ قِرْنٍ يُنازِلُهْ
وعادَ كَلْيْثِ الغابِ يَحْمِي عَرِينَهُ ... ويَرْضَى به أشْبالُهُ وحَلائِلُهْ
وقالت زَيْنَب بنت الطَّثْريَة، أموية الشعر
أَرَى الأَثْلَ مِن بَطْنِ العَقِيقِ مُجاوِرِيمُقِيماً، وقَدْ غالَتْ يَزِيدَ غَوائِلُهْ
فتىً قُدَّ قَدَّ السِّيفِ، لا مُتضَائِلٌ، ... ولا رَهِلٌ لَبّاتُهُ وأَباجِلُهْ
فتىً لا تَرَى قَدَّ القَمِيصِ بخَصْرِهِ ... ولكنَّما تُوهِي القَمِيصِ كَواهِلُهْ
يَسُرُّكَ مَظْلُوماً، ويُرْضِيكَ ظالِماً، ... وكُلُّ الذي حَمَّلْتَهُ فَهْوَ حامِلُهْ
إذا جَدَّ عِنْدَ الجِدِّ أَرْضاكَ جِدُّهُ ... وذُو باطِلٌ إِنْ شِئْتَ أَرْضاكَ باطِلُهْ
إذا القومْ أَمَّوا بَيْتَهُ فهْوَ عامِدٌ ... لأَحْسَنِ ما ظَنُّوا به فهْوَ فاعِلُهْ
إذا نَزَلَ الضِّيفانُ كان عَذَوَّراً ... على الحَقِّ حتَّى تَسْتَقِلَّ مَراجِلُهْ
وقَدْ كان يُرْوِي المَشْرَفِيَّ بكَفِّهِ ... ويَبْلُغُ أَقْصَى حَجْرَةِ الحَيِّ نائِلُهْ
فَتَى لَيْسَ لابْنِ العَمِّ كالذِّئْبِ إنْ رَأَى ... بصاحِبِهِ يوماً دَماً فهْوَ آكِلُهْ
مَضَى ووَرِثْناهُ دَرِيسَ مَفاضَةٍ ... وأَبْيَضَ هِنْدِياً طَوِيلاً مَحامِلُهْ
وقال الشَّمَرْدَل اليَرْبُوعيّ، أموي الشعر
لَعَمْرِي لَئِنْ غالَتْ أَخِي دَارُ غَرْبَةٍ ... وآبَ إِلْينا سَيْفُهُ ورَواحِلُهْ
وحَلَّتْ به أَثْقالَها الأَرْضُ وانْتَهَى ... بمَثْواهُ مِنْها وهْوَ عَفٌّ مَآكِلُهْ
لقَدْ ضُمِّنَتْ جَلْدَ القُوَى كان يُتَّقَى ... به جانِبُ الثَّغْرِ المَخُوفِ زَلازِلُهْ
وَصُولٌ إذا اسْتَغْنَى، وِإنْ كانَ مُقْتِراًمِن المالِ لَمْ يُحْفِ الصَّدِيقَ مَسائِلُهْ
إلى الله أَشْكَو لا إلى النَّاسِ فَقْدَهُ ... ولَوْعَةَ حُزْنٍ أَوْجَعَ القَلْبَ داخِلُهْ
أَبَى الصَّبْرَ أَنَّ العَيْنَ بَعْدَكَ لم تَزَلْيُخالِطُ جَفْنَيْها قَذىً ما تُزايِلُهْ
وكنتُ أُعِيرُ الدَّمْعَ قَبْلَكَ مَن بَكَى ... فأنتَ على مَنْ مات بَعْدَكَ شاغِلُهْ
يُذَكِّرُني هَيْفُ الجَنُوبِ ومُنْتَهَى ... نَسِيم الصَّبا رَمْساً عليه جَنادِلُهْ
وسَوْرَةُ أَيْدِي القَوْمِ إِذ حُلَّتِ الحُباحُبا الشِّيبِ واسْتَغْوَى أخا الحِلْمِ جاهِلُهْ
لَعَمْرُكَ إِنّ المَوْتَ مِنَّا لَمُولَعٌ ... بِمَنْ يُرْجَى نَفْعُهُ ونَوافِلُهْ
فعَيْنيَّ إِنْ أَبْكاكُما الدَّهْرُ فابْكِيا ... لِمَنْ نَصْرُهُ قد بانَ عَنَّا ونائِلُهُ
إذا اسْتَعْبَرَتْ عُوذُ النِّساءِ وشَمَّرَتْ ... مآزِرُ يَوْمٍ لا تُوارَى خَلاخِلُهْ
أخِي لا بَخِيلٌ في الحَياةِ بِمالِهِ ... عليَّ، ولا مَسْتَبَطَأٌ الفَرْضِ خاذِلُهْ
فَما كنتُ أَلْقَى لامْرِئٍ عندَ مَوْطِن ... أَخاً كَأخِي لو كانَ حَيًّا أُبادِلُهْ
وقالت جَنُوب أُخْتُ عَمْرو ذي الكَلْب الهُذَلِيَّة، جاهلية
سأَلْتُ بِعَمْرو أخِي صَحْبَهُ ... فأفْظَعِنِي حينَ رَدُّوا السُّؤَالا
أتِيحَ له نَمِرا أَجْبُلٍ ... فَنالا لَعَمْرُكَ مِنْه مَنالا
فأُقْسِمُ يا عَمْرُو لو نَبَّهاكَ ... إِذَنْ نَبَّها مِنْكَ داءً عُضالا
إِذَنْ نَبَّها لَيْثَ عِرِّيسَةٍ ... مَفِيتاً مفيداً نُفُوساً ومَالا
إِذَنْ نَبَّها غَيْرَ رِعْديدَةٍ ... ولا طائِشاً دَهِشاً حِينَ صَالا
وقَدْ عَلِمَ الضَّيْفُ والمَرْمِلُونَ ... إذا اغْبَرَّ أفْقٌ وهَبَّتْ شَمالاً
بأَنَّكَ كنتَ الرَّبِيعَ المُغِيثَ ... لِمَنْ يَعْتَفِيكَ وكنتُ الثِّمالا
وخَرْقٍ تجاوَزْتَ مَجْهُولَهُ ... بأَدْماءَ حَرْفٍ تَشَكَّى الكَلالا
فكنتَ النَّهارَ به شَمْسَهُ ... وكنتَ دُجَى اللَّيلِ فيهِ الهِلالا
وقالت الخنساء
وقائِلةٍ، والنَّعْشُ قد فات خَطْوَها ... لِتُدْرِكَهُ يا لَهْفَ نَفْسِي على صَخْرِ
ألا ثَكِلِتْ أُمُّ الذين غَدَوْا به ... إلى القَبْرِ، ماذا يَحْمِلُونَ إلى القَبْرِ
وماذا يُوارِى اللَّحْدُ تحتَ تُرابِهِ ... مِن الجُودِ والأفْضالِ والنَّائِل الغَمْرِ
فَشْأنُ الَمنايا إذْ أصابَكَ سَهْمُها ... لِتَعْدُو على الفِتْيان بَعْدَكَ أو تَسْرِي
وقالت أيضا
وما الغَيْثُ في جَعْدِ الثَّرَى دَمِثِ الرُّبَى ... تَعَبَّقَ فيه العارِضُ المُتَهَلِّلُ
بأَجْزَلَ سَيْباً مِن يَدَيْكَ ونِعْمَةً ... تَجُودُ بِها، بل سَيْبُ كَفِّكَ أجْزَلُ
وجارُكَ مَمْنُوعٌ مَنِيعٌ بنَجْوَةٍ ... مِن الضَّيْمِ، لا يُزْرَى ولا يَتَذَلَّلُ
فما بَلَغَتْ كَفُّ امْرِئٍ مُتَناولاً ... مِن المَجْدِ إلاّ حيثُ ما نِلْتَ أفْضَلُ
ولا بَلَغَ المُهْدُوَن في القَوْلِ مِدْحَةً ... ولَوْ أَكْثَرُوا إلاّ الذي فِيكَ أَفْضَلُ
وقالت عَمْرَة الخَثْعَمِيّة ترثي ولَدَيْها
لقَدْ زَعَمُوا أَنِّي جَزِعْتُ عَلَيْهِما ... وهَلْ جَزَعٌ أَنْ قُلْتُ: وابأباهُما
هُما أَخَوا في الحَرْبِ مَن لا أخا لَهُ ... إذا خافَ يوماً نَبْوَةً مَنْ دَعاهُما
هُما يَلْبَسانِ المَجْدَ أَحْسَنَ لِبْسَةٍ ... شَحِيحانِ، ما اسْطاعاً عليه كِلاهُما
شِهابِان مِنَّا أُوقِدا ثُم أُخْمِدا ... وكان سَناً لِلْمُدِلِجِينَ سَناهُما
إذا نَزَلا الأَرْضَ المَخُوفَ بِها الرَّدَى ... يُخَفِّضُ مِن جَأْشَيْهِما مُنْصُلاهُما
إذا اسْتَغْنَيا حُبَّ الجَمِيعُ إِلَيهِما ... وَلمْ يَنْأَ عن نَفْعِ الصَّدِيِق غَناهُما
إذا افْتَقَر لَمْ يَجْثِما خَشْيَةَ الرَّدَى ... ولَمْ يَخْش رُزْأً مِنْهُما مَوْلَياهُما
وقالت صَفِية الباهِلِيّة
كُنّا كغُصْنَيْنِ في جُرْثُومَةٍ سمَقَا ... حِيناً بأَحْسَنِ ما يَسْمُو له الشَّجْرُ
حتَّى إذا قِيلَ قد طالَتْ فُرُوعُهُما ... وطابَ فَيْئاهُما واسْتُيْنِعَ الثَّمَرُ
أَخْنَى على واحِدِي رَيْبُ الزّمانِ، وما ... يُبْقِي الزَّمانُ على شَيْء ولا يَذَرُ
كُنّا كأَنْجُمِ لَيْل بَيْنَها قَمَرٌ ... يَجْلُو الدُّجَى، فهَوَى مِن بَيْنِها القَمَرُ
فاذْهَبْ حَمِيداً على ما كانَ مِن مَضَضٍ ... فقَدْ ذَهَبْتَ وأنتَ السَّمْعُ والبَصَرُ
وقالت الخِرنِق بنت هِفَّان ترثي زَوْجَها
لا يُبْعِدَنُ قَوْمي الذي همُ ... سُمُّ العُداوةِ وآفَةُ الجُزْرِ
النَّازِلِينْ بكُلِّ مُعْتَرَكٍ ... والطَّيِّبِين مَعاقِدَ الإُزْرِ
قومٌ إذا رَكبُوا سَمِعْتَ لَهُمْ ... لَغَطاً مِن التَّأْيِيه والزَّجْرِ
والخالِطِينَ نَحِيتَهُمْ بِنُضارهم ... وذَوِي الغِنَى مِنْهُمْ بذِي الفَقْرِ
هذا ثَنائِي ما بَقِيتُ لَهُمْ ... وإذا هَلَكْتُ أَجَنَّنِي قَبِرْي
وقالت امرأةٌ في أبِيها
إذا ما دَعا الدَّاعِي عِلَيًّا وَجَدْتُنِي ... أُراعُ كما راعَ العَجُولَ مُهِيبُ
وكَمْ مِن سَمِيٍّ لَيْس مِثْلَ سَمِيِّهِ ... وإنْ كَانَ يُدْعَى باسْمِهِ فيُجِيبُ
وقالت زَهْراء الكِلابِيَّة
تَأَوَّهْتُ مِن ذِكْرَى ابْنِ عَمِّي، ودُونَه ... نقاً هائِلٌ جَعْدُ الثَّرَى وصَفِيحُ
وكنتُ أنامُ اللَّيلَ مِن ثِقَتِي بهِ ... وأَعْلَمُ أَنْ لا ضَيْمَ وهُوَ صَحِيحُ
فأَصْبَحْتُ سالَمْتُ العَدُوَّ ولَمْ أجِدْ ... مِن السِّلْمِ بُدّاً والفُؤادُ جَرِيحُ
وقالت فاطِمة بنت الأَحَجْم الخُزاعِيَة
يا عَيْنُ جُودِي عنَد كُلِّ صَباحِ ... جُودِي بأَرْبَعَةٍ علي الجَرّاحِ
قد كنتَ لِي جَبَلاً أَلُوذُ بِظِلِّهِ ... فَتَركْتَنِي أَمْشِي بأَجْرَدَ ضاجِ
قد كنتُ ذاتَ حَمِيَّةٍ ما عِشْتَ لِي ... أَمْشِي البَرازَ وكنتَ أنت جَناحِي
فاليومَ أَخْضَعُ للذَّلِيلِ وأَتَّقِي ... مِنْه، وأَدْفَعُ ظالِمِي بالرّاحِ
وأَغْضُّ مِن بَصَرِي وأَعْلَمُ أَنَّهُ ... قد بانَ حَدُّ فَوارِسِي ورِماحِي
وإذا دَعَتْ قُمْرِيَّةٌ شَجَناً لَها ... يوماً على فَنَنٍ دَعَوْتُ صبَاحِي
وقالت الخِرنِق بنت قُحافَة
أعاذِلَتِي على رُزْءٍ أفِيقِي ... فقَدْ أشْرَقْتِنِي بالعَذْلِ رِيقِي
فلا وأَبِيك آسَى بَعْدَ بِشْرٍ ... على حَيٍّ يَمُوتُ ولا صَدِيقِ
وقالت لَيْلَى بنت طَرِيف التَّغْلِبية وقيل اسمها سَلْمَى ترثي أخاها الوَلِيد
بِتَلِّ بُناثا رَسْمُ قَبْرٍ كأَنَّهُ ... على عَلَمٍ فوقَ الجِبالِ مُنِيفِ
تَضَمَّنَ جُوداً حاتِمِيًّا ونائِلاً ... وسَوْرَةَ مِقْدامٍ وقَلْبَ حَصِيفِ
ألاَ قاتَل اللهُ الجُثا حيثُ أَضْمَرَتْ ... فَتىً كان للمَعْرُوِفِ غيرَ عَيُوفِ
خَفِيفٌ على ظَهْرِ الجَوادِ إذا عَدا ... ولَيْسَ على أَعْدائِهِ بخَفِيفِ
أيا شَجَرَ الخابُورِ مالَكَ مُورِقاً ... كأَنَّك لمْ تَحْزَنْ على ابنِ طَرِيفِ
فتىً لا يُحِبُّ الزَّادَ إلاّ مِن التُّقى ... ولا المالَ إلاّ مِن قَناً وسُيُوفِ
فَقدْناهُ فِقْدانَ الرَبِيعِ، ولَيْتَنا ... فَدَيْناهُ مِن ساداتِنا بأُلُوفِ
وما زالَ حتّى أَرْهَقَ الموتُ نَفْسَهُ ... شَجىً لِعَدُوٍّ أو لَجاً لِضَعَيفِ
فإنْ يكُ أَرْداهُ يَزِيدُ بنُ مَزْيَدٍ ... فرُبَّ زُحُوفٍ لَفّها بِزُحُوفِ
عليكَ سَلامُ اللهِ وَقْفاً، فإِنَّنِي ... أَرَى المَوْتَ وَقَّاعاً بكُلِّ شَرِيفِ
وقال أبو ذُؤَيْب الهُذَلِّي، مخضرم
أمِنَ المَنُونِ ورَيْبِها تَتَوَجَّعُ ... والدَّهْرُ لَيْس بمُعْتِبٍ مَن يَجْزَعُ
ولَقْد أَرَى أَنَّ البُكاءَ سَفاهَةٌ ... ولسَوْفَ يُولَعُ بالبُكا مَنْ يُفْجَعُ
قالَتْ أُمَيْمَةُ: ما لِجِسْمِكَ شاحِباً ... منذُ ابْتَذَلْتَ ومِثْلُ مالِكَ يَنْفَعُ
أَمْ لِجَنْبِكَ لا يُلائِمُ مَضْجَعاً ... إلا أقَضَّ عليكَ ذاكَ المَضْجَعُ
فأَجَبْتُها أمَّا لِجِسْمِيَ أَنَّهُ ... أَوْدَى بَنِيَّ مِن البِلادِ فَودَّعُوا
أَوْدَى بَنِيَّ وأَعْقَبُونِي حَسْرَةً ... بَعْدَ الرُّقادِ وعَبْرَةً ما تُقْلِعُ
فالعَيْنُ بَعْدَهُمْ كأَنَّ حِداقَها ... سُمِلَتْ بشَوْكٍ فهْيَ عُورٌ تَدْمَعُ
سَبَقُوا هَوَىً وأَعْنَقُوا لِهَواهُمُ ... فَفَقَدْتُهُمْ، ولِكَلِّ جَنْبٍ مَصْرَعُ
فَلَبِثْبُ بَعْدَهُمُ بعَيْشٍ ناصِبٍ ... وإخالُ أَنِّي لاحِقٌ مُسْتَتْبَعُ
ولَقْد حَرَصْتُ بأَنْ أُدافِعَ عنهمُ ... فإِذا المَنِيَّةُ أَقْبَلَتْ لا تُدْفَعُ
وإذا المَنِيَّةُ أَنْشَبَتْ أَظْفارَها ... أَلْفَيْتَ كُلَّ تَمِيمَةٍ لا تَنْفَعُ
وتَجَلُّدِي للشَّامِتينَ أُرِيهُمُ ... أنِّي لرَيْبِ الدَّهْرِ لا أَتَضَعْضَعُ
حتّى كَأَنِّ للحَوادِثِ مَرْوَةٌ ... بصَفا المُشَرَّقِ كُلَّ يومٍ تُقْرَعُ
والنَّفُسُ راغِبَةٌ إذا رَغَّبْتَها ... وإذا تُرَدُّ إلى قَلِيلٍ تَقْنَعُ
ولَئِنْ بِهِمْ فَجَعَ الزَّمانُ وَريْبُهُ ... إِنِّي بأَهْلِ مَوَدَّتي لَمُفَجَّعُ
كم مِن جَمِيع الشَّمْلِ مُلْتَئِم القُوَى ... كانُوا بعيْشٍ قَبْلَنا فتَصَدَّعُوا
ولَقْد ثَوَى تحتَ الضَّرِيحِ مُكَرَّمٌ ... وصِلاتُ إخْوانٍ ورَأْيٌ مُصْقِعُ
لو آذَنُوا بالحَرْبِ وَهْناً هَيَّجُوا ... ضِرْغامَةً يَحْمِي العَرِينَ وَيَمنَعُ
وقال مُنْقِذ بن عبد الرحمن الهِلالي من مخضرمي الدولتين:
الدَّهْرُ لاَءَم بَيْنَ أُلْفَتِنا ... وكذاكَ فَرَّقَ بَيْنَنا الدَّهْرُ
وكذاكَ يَفْعَلُ في تَصَرُّفِهِ ... والدَّهْرُ لَيْس يَنالُهُ وِتْرُ
كنتُ الضَّنِينَ بمَنْ أُصِبْتُ به ... فسَلَوْتُ حينَ تَقادَمَ الأَمْرُ
ولَخَيْرُ حَظِّكَ في المُصِيبَةِ أَنْ ... يَلْقاكَ عِنْدَ نُزُولِها الصَّبْرُ
وقال الشَّمَرْدَل اللَّيْثِيّ أمويُّ الشعر
لَهْفَي عليكَ لِلَهْفَةٍ مِن خائِفٍ ... يَبْغِي جِوارَك حينَ لَيْسَ مُجِيرُ
أمَّا القُبُورُ فإنَّهُنَّ أَوانِسٌ ... بجِوارِ قَبْرِكَ، والدِّيارُ قُبُورُ
عَمَّتْ مَواهِبُهُ فعَمَّ مُصابُهُ ... فالنَّاسُ فِيه كُلُّهُم مَأْجُورُ
يُثْنِي عليَك لِسانُ مَن لَمْ تُولِهِ ... خَيْراً، لأَنَّكَ بالثَّناءِ جَديرُ
رَدَّتْ صنائِعُهُ إِليه حَياتَهُ ... فَكَأَنَّهُ مِن نَشْرِها مَنْشُورُ
فالنّاسُ مَأْتُمُهُمْ عليهِ واحِدٌ ... في كُلِّ دارٍ رَنَّةٌ وزَفِيرُ
عَجَباً لأَرْبَعِ أَذْرُعٍ في خَمْسَةٍ ... في جَوْفِها جَبَلٌ أشَمُّ كَبِيرُ
وقال النَّابِغَة الذُّبيانِيّ جاهلِي، واسمه زياد
لا يَهْنَئ النّاسَ ما يَرْعوْنَ مِن كَلأٍ ... وما يَسُوقُونَ مِن أَهْلٍ ومِن مالِ
بَعْدَ ابِن عاتِكَةَ الثَّاوِي بِبَلْقَعَةٍ ... أَمْسَى ببلَدَةِ لا عَمٍّ ولا خالِ
سَهْلِ الخَلِيقَةِ، مَشَّاءٍ بأَقْدُحِهِ ... إلى ذَواتِ الذُّرَى، حَمَّالِ أثْقالِ
حَسْبُ الخَلِيَلْينِ نَأْيُ الأرضِ بَيْنَهُما ... هذا عَلَيْها وهذا تَحْتَها بالِ
وقال رُبَيِّعَة بن عُبَيْد القُعَيْنِي وليس في العَرَب رُبَيِّعَة غَيْرَه
أَبْلِغْ قَبائِلَ جَعْفَرٍ إِنْ جِئْتَها ... ما إِنْ أُحاوِلُ جَعْفَرَ بنَ كِلابِ
إنَّ الهَوادَةَ والمَوَدَّةَ بَيْنَنا ... خَلَقٌ، كسَحْقِ اليُمْنَةِ المُنْجابِ
أَذُؤابُ إِنِّي لَمْ أَهْنِكَ ولَمْ أَقُمْ ... للبَيْعِ يومَ تَحَضُّرِ الأَجْلابِ
إِنْ يَقْتُلُوكَ فقَدْ ثَلَلْتَ عُرُوشَهُمْ ... بِعُتَيْبَةَ بن الحارِثِ بن شِهابِ
بأَشَدَّهِمْ كَلَباً على أَعْدائِهِ ... وأَعَزِّهِمْ فَقْداً على الأصْحابِ
وعمادِهِمْ في كُلِّ يومِ كَرِيهَةٍ ... وثِمالِ كُلِّ مَعَصَّبٍ قِرْضابِ
وقال مِكْرَز بن حَفْص بن الأَخْيَف الكِنانِّي، جاهِلي
لا يَبْعَدَنَّ رَبِيعَة بنُ مُكَدَّمٍ ... وسَقَى الغوادِي قَبْرَهُ بذَنُوبِ
نَفَرَتْ قَلُوصِي مِن حِجارَةِ حَرَّةٍ ... بُنِيَتْ على طَلْقِ اليَدَيْنِ وهُوبِ
لا تَنْفِري يا ناقَ مِنْه فإِنَّهُ ... شِرِّيْبُ خَمْرٍ مِسْعَرٌ لِحُرُوبِ
لَوْلا السِّفارُ وبُعْدُ خَرْقٍ مَهْمَهٍ ... لَتَرَكْتُها تَحْبُو على العُرْقُوبِ
وقال كَعْب الأشقَرِي
لَحاكِ الله يا شَرَّ المَطايا ... أَعنْ قَبْرِ المُهَلَّبِ تَنْفِرينا
فَلوْ لا أنَّني رَجُلٌ غَرِيبٌ ... لكُنْتِ على ثلاثٍ تَحْجِلِينا
وقال الأَزْرَق بن المُكَعْبَر
أَتَنْفِرُ عن عَمْروٍ بِبَيْداءَ ناقَتِي ... وما كانَ سارِي اللَّيلِ يَنْفِرُ عن عَمْرِو
لَقْد حَبَّبَتْ عِنْدِي الحَياةَ حَياتُهُوحَبَّبَ سُكْنَى القَبْرِ مُذْ صارَ في القَبْرِ
وقال كَعْب بن سَعْد بن عُقْبة الغَنَوِيّ، جاهلي.
تَقولُ سُلَيْمىَ ما لجِسْمِكَ شاحِباً ... كَأَنَّكَ يَحْمِيك الطَّعام طَبِيبُ
فقلتُ ولَمْ أعْيَ الجَوابَ لِقَوْلِها ... وللدَّهْرِ في صُمٍّ الصِّلابِ نَصِيبُ
تَتابُعُ أَحْداثٍ تَخَرَّ مْن إخْوَتِي ... وَشَيَّبْنَ رَأْسِي، والخُطُوبُ تُشِيبُ
أَتَى دُونَ حُلُوِ العَيْشِ حتّى أَمَرَّهُ ... نُكُوبٌ على آثارهِنَّ نُكُوبُ
لَعَمْرِي لَئِنْ كانتْ أَصابَتْ مُصِيبَةٌ ... أخِي، والمَنايا للرِّجالِ شَعُوبُ
لَقدْ عَجَمَتْ مِنِّي الحَوادِثُ ماجِداً ... عَرُوفاً لِصَرْفِ الدَّهْرِ حينَ يَنُوبُ
وَقُورٌ، فأَمَّا حِلْمُهُ فمُرَوَّحٌ ... عَلَيْنا، وأمَّا جَهْلُهُ فعَزِيب
فتَى الحَرْبِ إِنْ حارَبْتَ كنتَ سِهامَها ... وفي السِّلْمِ مِفْضالُ اليَدَيْنِ وَهُوبُ
فتىً لا يُبالِي أنْ يكُونَ بِجِسْمهِ ... إذا نالَ خَلاَّتِ الرِّجالِ شُحُوبُ
غَنِينا بخَيْر حِقْبَةً ثم جَلَّحَتْ ... عَلَيْنا التي كُلَّ الأَنامِ تُصِيبُ
فَلوْ كان حَيٌّ يُفْتَدَى لفَدَيْتُهُ ... بِما لَمْ تكُنْ عنه النُّفُوسُ تَطِيبُ
فإنْ تَكُن الأَيامُ أَحْسَنَّ مَرَّةً ... إليَّ، فَقدْ عادَتْ لهُنَّ ذُنُوبُ
وخَبَّرْتُمانِي أَنَّما المَوْتُ بالقُرَى ... فكَيْفَ وهاتا هَضْبَةٌ وقَلِيبُ
أخِي ما أخِي لا فاحِشٌ عندَ بَيْتِهِ ... ولا وَرَعٌ عندَ اللِّقاءِ هَيُوبُ
إذا ما تراآهُ الرِّجالُ تَحَفَّظُوا ... فَلمْ تُنْطَقِ العَوْراءُ وهْوَ قَرِيبُ
على خَيْرِ ما كانَ الرِّجالُ نَباتُهُ ... وما الخَيْرُ إلاّ قِسْمَةٌ ونَصِيبُ
حَلِيفُ النَّدَى يَدْعُو النَّدَى فيُجِيبُه ... سَرِيعاً، ويَدْعُوهُ النَّدَى فيُجِيبُ
هو العَسَل الماذِيُّ حِلْماً وشِيمَةً ... وَلَيْثٌ إذا يَلْقَى العَدُوَّ غَضُوبُ
حَليمٌ إذا ما سَوْرَةُ الجَهْلِ أُطْلَقَتْحُبَي الشِّيبِ، للنَّفْسِ اللَّجُوجِ غَلُوبُ
هَوَتْ أُمُّه! ما يَبْعَثُ الصُّبْحُ غادِياً ... وماذا يُؤَدِّي الليلُ حينَ يَؤُوبُ
كَعالِيَةِ الرُّمْحِ الرَّدَيْنِيِّ، لمْ يكُنْإذا ابْتَدَرَ القَوْمُ الفَعالَ يَخِيبُ
أَخُو شَتَواتٍ يَعْلَمُ الحَيُّ أَنَّهُ ... سَيَكْثُرُ ما فِي قِدْرِهِ ويَطِيبُ
إذا حَلَّ لَمْ يُقْصِ المَقامَةَ بَيْتَهُ ... ولكنَّه الأَدْنَى بَحَيْثُ يَثُوبُ
كأَنَّ أَبا المِغْوارِ لَمْ يُوفِ مَرْقَباً ... إذا رَبَأ القَوْمَ الغداةَ رَقيبُ
ولَمْ يَدْعُ فِتْياناً كِراماً لِمَيْسِرٍ ... إذا اشْتَدَّ مِن رِيحِ الشِّتاءِ هُبُوبُ
لِيَبْكِكَ عانٍ لَمْ يَجِدْ مَن يُعِنُهُ ... وطاوِي الحَشا نائِي المَزارِ غَرِيبُ
بَكَيْتُ أخا لأْواءَ يُحْمَدُ يَوْمُهُ ... كَرِيمٌ، رُؤُسَ الدَّارِعِينَ ضَرُوبُ
حَبِيبٌ إلى الزُّوّارِ غِشْيَانُ بَيْتِهِ ... جَمَيلُ المُحَيّا، شَبَّ وهْوَ أَدِيبُ
فتىً أَرْيَحِيٌّ كانَ يَهْتَزُّ للنَّدَى ... كما اهْتزَّ ماضِي الشَّفْرَتَيْنِ قَضِيبُ
كَأْنَّ بُيُوتَ الحَيِّ ما لَمْ يكُنْ بِها ... بَسابِسُ لا يُلْقَى بِهِنَّ عَرِيبُ
ودَاعٍ دَعا: يا مَنْ يُجِيبُ إلى النَّدَى ... فَلمْ يَسْتَجِبْهُ عندَ ذاكَ مُجِيبُ
فقلتُ: ادْعُ أَخْرَى وارْفَع الصَّوْتَ دَعْوَةًلَعَلَّ أَبِي المِغْوارِ مِنْكَ قَرِيبُ
ومثل قوله إذا ما تراآه الرجالَ تحفظو...البيت قول مُهَلْهل
نُبِّئْتُ أَنَّ النَّارَ بَعْدَكَ أَوقِدَتْ ... واسْتَبَّ بُعْدَكَ يا كُلَيْبُ المَجْلِسُ
وتَفاوَضُوا في أَمْرِ كُلِّ عَظِيمةٍ ... لو كنتَ شاهِدَهُمْ بِها لَمْ يَنْبِسُوا
فإذا تَشاءُ رَأَيْتَ وَجْهاً واضِحاً ... وذِراعَ باكِيَةٍ عَلَيْها بُرْنُسُ
تَبْكِي عليكَ، ولَسْتُ لائِمَ حُرَّةٍ ... تَأْسَى عليكَ بعَبْرَةٍ وَتَنَفَّسُ
وقال يَحْيَى بن زِياد الحارِثِيّ من شعراء الدولة العباسية
نَعى ناعِيا عَمْروٍ بلَيْلٍ فَأَسْمَعا ... فَراعا فُؤاداً كان قِدْماً مُرَوَّعا
دَفَعْنا بكَ الأيّامَ حتّى إذا أَتَتْ ... تُرِيدُكَ لَمْ نَسْطِعْ لها عنكَ مَدْفَعا
فطابَ ثَرىً أَفْضَى إليكَ، وإنَّما ... يَطِيبُ إذا كانَ الثَّرَى لكَ مَضْجَعا
مَضَى صاحِبِي واسْتَقْبَل الدَّهْرُ مَصْرَعِيولا بُدَّ أَنْ أَلْقَى حَمامِي فأُصْرَعا
مَضَى فَمَضَتْ عنِّي به كُلُّ لَذَّةٍ ... تَقَرُّ بَها عَيْنايَ فانْقَطَعا مَعا
وما كنتَ إلاّ السِّيْفَ لاقَى ضَرِيبَةً ... فقَطَّعَها، ثُم انْثَنَى فَتقطَّعا
وقال أبو تَمَّام حَبِيب بن أُوْس الطَّائِي
أصَمَّ بكَ الناعي وإنْ كان أَسْمَعا ... وأَصْبَحَ مَغْنَى الجُودِ بَعْدَكَ بَلْقَعا
مَصِيفاً أفاض الحُزْنُ فِيه جَداوِلاً ... مِن الدَّمعِ حتَّى خِلْتُهُ صارَ مَرْبَعا
وما كنتَ إلاّ السَّيْفَ لاقَى ضَرِيبَةً ... فقَطَّعَها ثم انْثَنَى فتَقَطَّعا
فتىً كانَ شِرْباً للعُفاةِ ومَرْتَعاً ... فأَصْبَحَ لِلهِنْدِيَّةِ البِيضِ مَرْتَعا
فتىً كُلَّما ارْتادَ الشُّجاعُ مِن الرَّدَىمَفَرّاً غَداةَ المَأْزِقِ ارْتادَ مصْرَعا
إذا ساءَ يَوْماً في الكَرِيهَةِ مَنْظرٌ ... تَصَلاَّهُ، عِلْماً أَنْ سيَحْسُنُ مَسْمَعا
وقالت ماوِيَّة بنت الأحَتّ في بَنَيها
هَوَتْ أُمُّهُمْ ماذا بِهِمْ يومَ صُرِّعُوا ... بِجَيْشانَ مِن أَوْتادِ مُلْكٍ تَهَدَّما
أَبَوْا أَنْ يَفِرُّوا والَقنا في نُحُورِهِمْوأَنْ يَرْتَقُوا مِن خَشْيَةِ المَوْتِ سُلَّما
ولَوْ أنَّهُمْ فَرُّوا لَكانُوا أَعِزَةً ... ولكنْ رَأَوْا صَبْراً على المَوْتِ أَكْرَما
وقال أبو مُكْنِف أبو سُلْمَى من ولد زُهَيْر بن أبي سُلْمَى
أَبَعْدَ أَبِي العَبّاسِ يُسْتَعْتَبُ الدَّهْرُوما بَعْدَهُ للدّهِر عُتْبَى ولا عُذْرُ
إذا ما أَبو العَبّاسِ خَلَّى مَكانَهُ ... فلا حَمَلَتْ أُنْثَى ولا مَسَّها طُهْرُ
ولا أَمْطَرَت أَرْضاً سَماءٌ، ولا جَرَتْ ... نُجُوُمٌ، ولا لَذَّتْ لِشارِبهِا الخَمْرُ
كَأن بَنِي القَعْقاعِ يومَ وَفاتِهِ ... نُجومُ سَماءٍ خَرَّ مِنْ بَيْنِها البَدْرُ
تُوُفِّيَتِ الآمالُ بَعْدَ انْقِضائِهِ ... وأَصْبَحَ في شُغْلِ عن السَّفَرِ السَّفْرُ
وقال أبو تَمَّام حَبِيب بن أُوْس الطّائِي
كذا فَلْيَجِلَّ الخَطْبُ ولْيَفْدَحِ الأَمْرُفَلَيْسَ لِعَيْنٍ لَمْ يَفِضْ ماؤُها عُذْرُ
وما كانَ إلاّ مال مَن قَلّ مالُهُ ... وذُخْراً لمَنْ أَمْسَى وَلْيَس له ذُخْرُ
تُوُفِّيَتْ الآمال بَعْدَ محمد ... وأَصْبَحَ في شُغْلٍ عن السَّفَرِ السَّفْرُ
وما كانَ يَدْرِي المُجْتِدِي جُودِ كَفِّهِ ... إذا ما اسْتَهَلَّتْ أَنَّه خُلِقَ العُسْرُ
ألا في سَبِيل الله مَن عُطِّلَتْ له ... فِجاجُ سَبِيل الله وانْثَغَرُ الثَّغْرُ
فتىً سَلَبَتْهُ الخيْلُ وهُوَ حِمىً لَها ... وَبَزَّتْهُ نارُ الحَرْبِ وهُوَ لها جُمَرُ
فتىً كلّما فاضَتْ عُيُونُ قَبِيلَةٍ ... دَماً ضَحِكَتْ عنه الأَحادِيثُ والذِّكْرُ
فتًى ماتَ بَيْنَ الطَّعْنِ والضَّرْب مِيتَةًتقومُ مَقامَ النَّصْرِ إذْ فاتَهُ النَّصْرُ
وما ماتَ حتّى مات مَضْرِبُ سَيْفِهِ ... مِن الضَّرْبِ واعْتَلَّتْ عليه القَنا السُّمْرُ
وقَدْ كانَ فَوْتُ المَوْتِ سَهْلاً فَرَدّهُ ... إليه الحِفاظُ المُرُّ والخُلُقُ الوَعْرُ
ونَفْسٌ تَخافُ العارَ حتّى كأَنَّهُ ... هو الكُفْرُ يَومَ الرَّوْعِ أَو دُونَه الكُفْرُ
فأَثْبَتَ في مُسْتَنْقَعِ المَوْتِ رِجْلَهُ ... وقال لَها مِن تَحْتِ أَخْمَصِكِ الحَشْرُ
تَرَدَّى ثِيابَ المَوْتِ حُمْراً فما أُتَىلَها الَّليلُ إلا وهْيَ مِن سُنْدُسٍ خُضْرُ
كأَنّ بَنِي نَبْهانَ يومَ وَفاتِهِ ... نُجومُ سماءٍ خَرَّ مِن بَيْنِها البَدْرُ
سَقَى الغَيْثُ غَيْثاً وارَتِ الأَرضُ شَخْصَهُوإِنْ لِمْ يَكُنْ فِيه سَحاب ولا قَطْرُ
وكَيْفَ احْتِمالِي للسَّحابِ صَنِيعَةً ... بإسْقائِها قَبْراً وفِي لَحْدِهِ البَحْر
مَضَى طاهِرَ الأَثْوابِ لَمْ تَبْقَ بُقْعَةٌمِن الأرْضِ إلاّ واشْتَهَتُ أَنّها قَبْرُ
ثَوَى في الثَّرَى مَن كانَ يَحْيا به الثَّرَىويَغْمُرُ صَرْفُ الدَّهْرِ نائِلُهُ الغَمْرُ
أمِنْ بَعْدِ طَيِّ الحادِثاتِ محمداً ... يكُونُ لأثْوابِ النَّدَى أَبَداً نَشْرُ
لَئِنْ غَدَرَتْ في الرَّوْعِ أيّامُهُ بهِ ... فَما زالَتْ الأيَّامُ شِيمَتُها الغَدْرُ
عليكَ سلامُ الله وَقْفاً فإِنَّنِي ... رَأَيْتُ الكَرِيمَ الحُرِّ لَيْسَ له عُمْرُ
وقال عبد السّلام بن رَغْبان دِيك الجِنّ
علي هذه كانتْ تَدُورُ النَّوائِبُ ... وفي كُلِّ جَمْعٍ للذَّهابِ مَذاهِبُ
نَزَلْنا على حُكْمِ الزَّمانِ وأمْرِهِ ... وقَدْ يَقْبَلُ النِّصْفَ الأَلَدُّ المُشاغِبُ
وتَضْحَكُ سِنُّ المَرْء والقَلْبُ عابسٌ ... ويَرْضَى الفَتَى عن دَهْرهِ وهُوَ عاتِبُ
ألا أيُّها الرُكْبانُ والرَّدُّ واجِبٌ ... قِفُوا خَبِّروُنا ما تقولُ النَّوادِبُ
إلى أيِّ فِتْيانِ النَّدَى قَصَدَ الرَّدَى ... وأيَّهُمُ انْتابَتْ حِماهُ النَّوائِبُ
ألاَ يا أَبا العَبَّاسِ كَمْ رُدَّ راغِبٌ ... لِفَقْدِكَ مَلْهُوفاً وكَمْ جُبَّ غارِبُ
ويا قَبْرُ جُدْ كُلَّ القُبُورِ بجُودِهِ ... ففِيكَ سَماءٌ ثَرَّةٌ وسحائِبُ
فإنَّكَ لو تَدْرِي بما فِيكَ مِن عُلاً ... عَلَوْتَ، فَلاَحتْ في ذُراكَ الكَواكِبُ
أخٌ كنتُ تُدْمَى مُهْجَتِي وهُوَ نائمٌ ... حِذارًا، وتَعْمَى مُقْلَتِي وهُوَ غائِبُ
فماتَ فما صَبْرِي على الأجْرِ واقِفاً ... ولا أَنا في عُمْرٍ إلى الله راغِبُ
أَأَسْعَى لأَحْظَى فيك بالأَجْرِ أنَّهُ ... لَسَعْيٌ إِذَنْ مِنِّي إلى الله خائِبُ
وما الإِثْمُ إلاَّ الصَّبْرُ عنكَ وإِنَّما ... عَواقِبُ حَمْدٍ أَنْ تُذَمَّ العواقِبُ
يَقَولُونَ: مِقْدارٌ على الحُرِّ واجِبٌ ... فقلتُ: وإِعْوَالٌ على الحُرِّ واجِبُ
هو القَلْبُ لمَّا حانَ يومُ ابْنِ أُمِّهِ ... وَهَي جانِبٌ مِنْه وخَلِّفَ جانِبُ
فتىً كان مِثْلَ السَّيْفِ مِن حيثُ جِئْتَهُ ... لِنائِبَةٍ نابَتْكَ فهْوَ مُضارِبُ
بَكاكَ أَخٌ لَم تَحْوِهِ بقَرابَةٍ ... بَلَى إِنَّ إخْوانَ الصَّفاءِ أقارِبُ
وَأَظْلَمَتِ الدُّنْيا الَّتي كنتَ جارَها ... كأَنَّكَ للدُّنْيا أَخٌ ومُناسِبُ
يُبَرِّدُ نِيرانُ المَصائِبِ أَنَّنِي ... أَرَى زَمَناً لَمْ تَبْقَ فِيه مَصائِبُ
وقالأبو ذُؤَيْب خُوَيْلِد بن مُحَرِّث
الهُذَلِيّ
عَرَفْتُ الدِّيارَ كَرَقْمِ الدَّوا ... ةِ يَزْبُرُها الكاتِبُ الحِمْيَرِيُّ
على أَطْرِقا بالِياتِ الخِيا ... مِ إلاَّ الثُّمامُ وإلاَّ العِصِيُّ
ولَمْ يَبْقَ مِنْها سِوَى هامِدٍ ... وسَفْعُ الخُدُودِ مَعاً والنُّئِيُّ
وأَنْسَى نُشَيْبَةَ والجاهِلُ ال ... مَغَمَّرُ يَحْسِبُ أَنِّي نَسِيُّ
على حِينَ أَنْ تَمَّ فِيه الثَّلا ... ثُ: حَزْمُ وجُودٌ ولُبٌّ رَخِيُّ
وصَبْرٌ على نائِباتِ الأُمُورِ ... وحِلْمٌ رَزِينٌ وقَلْبٌ ذَكِيُّ
وقال المُتَنَخِّل
مالِك بن غَنْم الهُذَليّ
أٌقولُ لمّا أتانِي النّاعِيانِ به ... لا يَبْعَدِ الرُّمْحُ ذُو النَّصْلَيْنِ والرَّجُلُ
رَبّاءُ شَمَّاءُ لا يَأْوِي لِقُلَّتِها ... إلاَّ السَّحابُ وإلاَّ الأَوْبُ والسَّبَلُ
وَيْلُ اَمِّهِ رَجَلاً تَأْبَى به غَبَناً ... إذا تَجَّردَ لا خالٍ ولا بَخَلُ
السَّالِكُ الثُّغْرَةَ اليَقْظانَ كالِئُهامَشْىَ الهَلُوكِ عَلَيْها الخَيْعَلُ الفُضُلُ
فاذْهَبْ فأَيُّ فَتىً في النَّاسِ أَحْرَزَهُ ... مِن حَتْفِهِ ظُلَمٌ دُعْجٌ ولا جَبَلُ
وقال أبو الهَيْذام
عامِر بن عُمارة المُرِّي
سأَبْكِيكَ بالبِيض الرِّقاقِ وبالقَنا ... فإنَّ بِها ما يُدْرِكُ الماجِدُ الوِتْرا
ولَسْتُ كمَنْ يَبْكِي أَخَاهُ بعَبْرَةٍ ... يُعَصِّرُها مِن جَفْنِ مُقْلَتِهِ عَصْرا
وإِنَّا أناسٌ ما تَفِيضُ دُمُوعُنا ... على هالِكٍ مِنّا وإنْ قَصَمَ الظَّهْرا
وقال عَقِيل بن عُلَّفَة المُرِّي
لِتَغْدُ المَنايا كَيْفَ شاءَتْ فإنَّها ... مُحَلَّلةٌ بَعْدَ الفَتَى ابنِ عَقِيلِ
فتًى كان مَوْلاهُ يَحُلُّ بَنَجْوَةٍ ... فجَلَّ المَوالِي بُعْدَهُ بِمَسِيلِ
طَوِيلُ نِجادِ السَّيْفِ وَهْمٌ كأَنَّما ... يَصُولُ إذا اسْتَنْجَدْتَهُ بِقَبِيلِ
كأَنَّ المَنايا تَبْتَغِي في خِيارِنا ... لَها تِرَةً، أَو تَهْتَدِي بدَلِيلِ
وقال طَرِيف أبو وَهْب العَبْسِيّ
في ابْنِه
لقَدْ شَمِتَ الأَعْداءُ بِي وتَغَيَّرَتْ ... عُيونُ أَراها بَعْدَ مَوْتِ أَبِي عَمْرِو
تَجَرَّى عليّ الدَّهُر لمَّا فَقَدْتُهُ ... ولَوْ كانَ حَيّاً لاَجْتَرَأْتُ على الدَّهْرِ
ألا لَيْتَ أُمِّي لَمْ تَلِدْنِي، ولَيْتَنِيسَبَقْتُكَ إِذْ كُنَّا إلى غايَةٍ نَجْرِي
وكنتُ به أُكْنَى فأَصْبَحْتُ كُلَّما ... كُنِيتُ به فاضَتْ دُمُوعِي على نَحْرِي
وقَدْ كنتُ ذا نابٍ وظُفْرِ على العِدَى ... فأَصْبَحتُ لا يَخْشُوْنَ نابِي ولا ظُفْرِي
وقاسَمَنِي دَهْرِي بُنَىً مُشاطِرًا ... فلمَّا تَقَضَّى شَطْرُهُ عادَ في شَطْرِي
وقال شُقْران العُذْرِيّ
أَموي الشعر
أجِدَّكَ لَنْ تَزالَ الدَّهْرَ عَيْني ... لَها في إِثْر ذِي ثِقَةٍ سُجُومُ
وإخْوانٍ رُزِئْتُهُمُ فبانُوا ... كما انْقَضَتْ مِن الفَلَكِ النُّجُومُ
وقالأبو قُحْفان
الأعْشَى عامِرِ بن الحارِث بن عَوْف الباهِلِيّ وتُرْوَى للدَّعْجاء ابنةِ المُنْتَشِرِ، وتُرْوَى للَيْلَى بنت وَهْب الباهِلِيّة أخْت المُنْتِشَر
إِنِّي أَتَتْنِي لِسانٌ لا أُسَرُّ بِها ... مِن عَلْوَ، لا عَجَبٌ مِنْها ولا سَخَرُ
فَظَلْتُ مُكْتَئِباً حَرّانَ أَنْدُبُهُ ... وكنتُ أَحْذَرُهُ لو يَنْفَعُ الحَذَرُ
فهاجَتِ النَّفْسُ لمّا جاءَ جَمْعُهُمُ ... وراكِبٌ جاءَ مِن تَثْلِيثَ مُعْتَمِرُ
يَأْتِي على النَّاسِ لا يَلْوِي على أَحَدٍ ... حتَّى الْتَقَيْنا وكانَتْ دُونَنا مُضَرُ
إنّ الذي جِئْتَ مِن عَلْياءَ تَنْدُبُهُ ... مِنْه السَّماحُ ومِنْهُ النَّهْيُ والغِيَرُ
تَنْعَى امْرَءً لا تُغِبُّ الحَيَّ جَفْنَتُهُ ... إذا الكَواكِبُ خَوَّى نَجْمَها المَطَرُ
وتَذْعَرُ البُزْلُ مِنْه حينَ تُبْصِرُهُ ... حتَّى تَقَطَّعَ في أَعْناقِها الجِرَرُ
وراحَتِ الشَّوْلُ مُغْبَرًّا مَناكِبُها ... شُعْثاً تَغَيَّرَ مِنْها النَّيُّ والوَبَرُ
مَنْ لَيْسَ في خَيْرِهِ مَنٌّ يُكَدِّرُهُ ... على الصَّدِيقِ ولا في صَفْوِهِ كَدَرُ
مُهَفْهَفٌ أَهْضَمُ الكَشْحَيْنِ مُنْخَرِقٌعَنْه القَمِيصَ، لسَيْرِ اللَّيلِ مُحْتَقِرُ
أَخُو رَغائِبَ يُعْطِيها ويُسْأَلُها ... يأْبَى الظُّلاَمَةَ مِنْه النَّوْفَلُ الزُّفَرُ
لَمْ تَرَ أَرْضاً ولَمْ تَسْمَعْ بساكِنِها ... إلاَّ بِها مِن بوادِي وَقْعِهِ أثَرُ
ولَيْسَ فِيه إذا اسْتَنْظَرْتَهُ عَجَلٌ ... ولَيْس مِنْه إذا ياسَرْتَهُ عَسَرُ
لا يُعْجِلُ القَوْمَ أَنْ تُغْلِي مَراجِلُهُمْويُدْلِجُ اللَّيْلَ حتَّى يَفْسُحَ البَصَرُ
عَلْيه أَوَّلُ زادِ القَوْمِ إِنْ رَحَلُوا ... ثُم المَطِيُّ إذا ما أَرْمَلُوا جُزُرُ
لا تَأْمَنُ البازِلُ الكَوْماءُ ضَرْبَتَهُ ... بالمَشْرَفِيَّ إذا ما اخْرَوَّطَ السَّفَرُ
لاَ يأْمَنُ القَوْمُ مُمْساهُ ومُصْبَحَهُمِنْ كُلِّ أَوْبٍ، وإنْ لَمْ يَغْزُ يُنْتَظَرُ
لا يَتَأَرَّى لِما في القِدْرِ يَرْقُبُهُ ... ولا يَزالُ أَمامَ القَومِ يَقْتَفِرُ
لا يَغْمِزُ السَّاقَ مِن أَيْنَ ولا وَصَبٍ ... ولا يَعَضُّ على شُرْسُوفِهِ الصَّفَرُ
تَكْفِيهِ قِطْعَةُ فِلْذٍ إِنْ أَلَمَّ بِها ... مِن الشِّواءِ ويُرْوِي، شُرْبَهُ الغُمَرُ
لا يَصْعُبُ الأَمْرُ إِلاَّ رَيْثُ يَرْكَبُهُوكلَّ شَيْءٍ سِوَى الفَحْشاءِ يَأْتَمِرُ
مِردَى حُرُوبٍ ونُورٌ يُسْتَضاءُ بِهِ ... كما أَضاءَ سوادَ الطَّخْيَةِ القَمَرُ
طاوِي المَصِير، على العَزّاءِ مُنْجَرِدٌ ... بالقَومِ لَيْلَةَ لا ماءٌ ولا شَجَرُ
إِنْ تَقْتُلُوهُ فقَدْ أَشْجاكُمُ حِقَباًكذلَكَ الرُّمْحُ بَعْدَ الطَّعْنِ يَنْكَسِرُ
فإنْ جَزِعْنا فِمثْلُ الخَطْبِ أَجْزَعَنا ... وإنْ صَبَرْنا فإِنَّا مَعْشَرٌ صُبُرُ
إِمَّا سَلَكْتَ سَبِيلاً أَنتَ سالِكُها ... فاذْهَبْ فلا يُبْعِدَنْكَ اللهُ مُنْتَشِرُ
إِمَّا عَلاكَ عَدُوٌّ في مُناوأةٍ ... يوماً فقَدْ كنتَ تَسْتَعْلِي وتَنْتَصِرُ
كَأنَّهُ عِنْدَ صِدْقِ القَوْمِ أَنْفُسَهُمْباليَأْسِ تَلْمَعُ مِن قُدَّامِهِ البُشُرُ
أَصَبْتَ في حَرَمٍ مِنَّا أَخا ثِقَةٍ ... هِنْدَ بن أَسْماءَ، لا يَهْنِيءْ لكَ الظَّفَرُ
وقال الحُطَيْئَة
رثِي عَلْقَمَة بن عُلاثَة الكِلابِيُّ
لَعَمْرِي لَنِعْمَ الحَيُّ مِن آلِ جَعْفَرِ ... بحَوْرانَ أَمْسَى أَعْلقَتْهُ الحَبائِلُ
لقَدْ غادَرَتْ حَزْماً وجُوداً ونائِلاً ... وحِلْماً أَصِيلاً حالَفْتهُ المَجاهِلُ
لَعَمْرِي لَنِعْمَ الَمْرءُ لا واهِنُ القُوَى ... ولا هو للمَوْلَى على الدَّهْرِ خاذِلُ
وما كانَ بيْنِي لو لَقِيْتُكَ سالِماً ... وبَيْن الغِنَى إلاّ لَيالٍ قَلائِلُ
فإنْ تَحْيَ لَمْ أَمْلَلْ حياتِي، وإِنْ تَمُتْ ... فَما في حياتِي بَعْدَ مَوْتِكَ طائِلُ
إلى القائِلِ الفَعّالِ عَلْقَمِةِ النَّدَى ... رَحَلَتْ قَلُوصِي تَجْتَوِيها المَناهلُ
وقال خَلفَ بن خَلِيفَة الباهليّ
أموي الشعرأُعاتِبُ نَفْسِي أَنْ تَبَسَّمْتُ خالِياً ... وقَدْ يَضْحَكُ المَوْتُورُ وهُوَ حَزِينُ
وبالدير أشجاني وكم من شج له ... دوين المصلى بالبقيع شجون
رُبىً حَوْلَه أَمْثالُها، إِنْ أَتَيْتَها ... قَرَيْنَك أَشْجاناً وهُنَّ سُكُونُ
كَفَى الهَجْر أَنّا لَمْ يَضِحْ لكَ أَمْرُنا ... ولَمْ يَأْتِنا عمَّا لَدَيْكَ يَقِينُ
وقال عبد الملك بن عبد الرَّحيم الحارِثي
وإِنِّي لأَرْبابِ القُبُور لَغابِطٌ ... بِسُكْنَى سَعِيدٍ بَيْنَ أَهْلِ المقَابِرِ
وإِنِّي لَمْفُجوعٌ به إذ تَكاثَرَتْ ... عُداتِي فلَمْ أَهْتِفْ سِواهُ بناصِرِ
فكنتُ كمَغْلُوبٍ على نَصْلِ سَيْفِه ... وقَدْ حَزَّ فيه نَصْلُ حَرَّانَ ثائِرِ
أَتَيْناهُ زُوّاراً فأَمْجَدَنا قِرىً ... مِن البَثِّ والدَّاءِ الدَّخِيلِ المَخامِرِ
وأَبْنا بَزرْعٍ قد نَما في صُدُورِنا ... مِن الوَجْد يُسْقَى بالدُّمُوعِ البَوادِرِ
ولمَّا حَضَرْنا لاِقْتِسامِ تُراثِهِ ... أَصَبْنا عَظِيماتِ اللُّهَى والمَآثِرِ
وأَسْمَعَنا بالصَّمْتِ رَجْعَ حَدِيثِهِ ... فأَبِلْغِ به مِن ناطِقٍ لَمْ يُحاوِرِ
وقال سَلَمَة بن يَزِيد بن مُجَمِّع
الجُعْفِي
أقولُ لَنفْسِي في الخَلاَءِ أَلُومُها: ... لكِ الويْلُ ما هذا التَّجَلُّدُ والصَّبْرُ
أَلَمْ تَعْلَمِي أَنْ لَسْتُ ما عِشْتُ لاقِياًأخي إذْ أَتَى مِن دُونِ أُوْصالِهِ القَبْرُ
وكنتُ أَرَى كالمَوْتِ مِن بَيْنِ لَيْلَةٍ ... فكيْفَ بِبَيْنٍ كان مِيعادَهُ الحَشْرُ
وَهوَّنَ وَجْدِي أَنَّني سَوْفَ أَغْتَدِيعلى إِثْرِهِ يَوْماً، وإِنْ نُفِّسَ العُمْرُ
فتىً كان يُعْطِي السِّيْفَ في الرَّوْعِ حَقَّهُإذا ثَوَّب الدَّاعِي، وتَشْقَى به الجُزْرُ
فتىً كان يُدْنِيهِ الغِنَى مِن صَديقهِ ... إذا ما هو اسْتَغْنَى ويُبْعِدُهُ الفَقْرُ
وقال مَرْوان بن أبِي حَفْصَة
لقَدْ أَصْبَحَتْ تَخْتالُ في كُلِّ بَلْدَةٍ ... بقَبْرِ أَمَيرِ المُؤْمِنين المَقابِرُ
أَتَتْهُ التي ابْتَزَّتْ سُلَيْمانَ مُلْكَهُوأَلْوَتْ بِذِي القَرْنَيْنِ مِنْها الدَّوابِرُ
أتَتْهُ فغالَتْهُ المَنايا، وعَدْلُهُ ... ومَعْرُوفُهُ في الشَّرْقِ والغَرْبِ ظاهِرُ
ولُوْ كان تَجْرِيدُ السُّيوفِ يَرُدُّها ... ثَنَتْ حَدَّها عَنْه السُّيوفُ البواتِرُ
بأَيْدٍ تُعْطَى الصَّوارِمُ حَقَّها ... وتُرْوَى لَدَى الرَّوْعِ الرِّماحُ الشَّواجِرُ
وقالت امرأةٌ من بَلْحَرِث بن كَعْب
فارِساً ما غادَرُوهُ مُلْحَماً ... غَيْرَ زُمَّيْلٍ ولا نِكْسٍ وَكَلْ
لو يَشَأْ طارَ بِهِ ذُو مَيْعَةٍ ... لاحِقُ الآطال نَهْدٌ ذوُ خُصَلْ
غَيْرَ أَنَّ البَأْسَ مِنْه شِيمَةٌ ... وصُرُوفُ الدَّهْرِ تَجْرِي بالأجَلْ
وقال عَبْد الأَعْلى بن كُناسَة المازِنِيّ
أَبْعَدْتَ مِن يَوْمِكَ الفِرارُ فما ... جاوَزْتَ حيثُ انْتَهَى بكَ القَدَرُ
لَوَ كان يُنْجِي مِن الرَّدَى حَذَرٌ ... نَجَّاكَ مِمْا أَصابَكَ الحَذَرُ
يَرْحَمُكَ الله مِن أخِي ثِقَةٍ ... لَمْ يكُ في صَفْوِ وُدِّهِ كَدَرُ
فهَكذا يَذْهَبُ الزَّمانُ ويَفْ ... نَى العِلْمُ فِيه ويَدْرُسُ الأَثَرُ
وقالإذا ما امرؤٌ أَثْنَى بآلاءٍ مَيِّتٍ ... فلا يُبْعِدُ الله الوَلِيدَ بنَ أَدْهَما
فما كان مِفْراحا إذا الخَيْرُ مَسَّهُ ... ولا كانَ مَنّاناَ إذا هو أَنْعَما
لَعَمْرُكَ ما وارَى التُّرابُ فَعالَهُ ... ولكنَّه وارَى ثِياباً وأَعْظُما
وقال النَّابِغَة الذُّبْيانِيّ
فإنْ يَهْلِكْ أبو قابُوسَ يَهْلِكْ ... رَبِيعُ النّاسِ والشَّهْرُ الحَرامُ
ونَأْخُذْ بَعْدَهُ بذِنابِ عَيْشٍ ... أَجَبِّ بالظَّهْرِ لَيْس له سَنامُ
وقال محمد بن بَشير بن خارِجَة
العَدْوانِيّ، وتُرْوى لأبِي البَلْهَاء عُمِيْر بن عامِر، مولى يَزِيد بن مَزْيَد
نِعْمَ الفَتَى فَجَعتْ به إِخْوانَهُ ... يَوْمَ البَقِيع حوادِثُ الأَيّامِ
سَهْلُ الفِناءِ إذا حَلَلْتَ بِبابِه ... طَلْقُ اليَدَيْنِ مُؤَدَّبُ الخُدّامِ
وإذا رَأَيْتَ خَلِيلَهُ وشَقِيقَهُ ... لَمْ تَدْرِ أَيُّهما أَخُو الأَرْحامِ
وقالحاطِب بن قَيْس
سلامٌ على القَبْرِ الذي ضَمَّ أَعْظُماً ... تَحُومُ المعالي حَوْلَهُ فَتُسَلَّمُ
سلامٌ عَلَيْهِ كُلَّما ذَرَّ شارِقٌ ... وما امْتَدَّ قِطْعٌ مِن دُجَى اللَّيلِ مُظْلِمُ
فيا قَبْرَ عَمْروٍ جادَ أَرْضاً تَعَطَّفَتْ ... عليك مُلِثٌّ دائِمُ القَطَّرِ مُرْزِمُ
تَضَمَّنْتَ جِسْماً طابَ حَيًا ومَيِّتاً ... فأَنتَ بِما ضُمِّنْتَ في الأَرْضِ مُعْلَمُ
فلا يُبْعِدَنْكَ الله يا عَمْرُو هالِكاً ... فقَدْ كنتَ نُورَ الخَطْبِ والخَطْبِ مظْلِمُ
وقال الرَّبِيع بن زياد العَبْسِيّ
جاهليإِنِّي أَرِقْتُ فَلْم أُغَمِّضْ حارِ ... مِن سَيِّئِ النَّبإ الجَلِيلِ السَّارِي
مِن مِثْلِهِ تُمْسِي النِّساءُ حَواسِراً ... وتَقُومُ مُعُوِلَةً مع الأسْحارِ
أفَبعْدَ مَقْتَلِ مالِكِ بنِ زُهَيْرٍ ... تَرْجُو النِّساءُ عَواقِبَ الأَطْهارِ
ما إِن أَرَى في قَتْلِهِ لِذَوِي النُّهَى ... إلاَّ المَطِيَّ تُشَدُّ بالأَكْوارِ
مَن كان مَسْرُوراً بمَقْتَلِ مالِكٍ ... فَلْيَأتِ نِسْوَتَنا بوَجْهِ نَهارِ
يَجِدِ النِّساءَ حَواسِراً يَنْدُبْنَهُ ... بالصُّبْحِ قَبْلَ تَبَلُّجِ الأَسْحارِ
قد كُنَّ يَخْبَأْنَ الوُجُوهَ تَسَتُّراً ... فاليومَ حينَ بَدَوْنَ للنُّظَّارِ
يَضْرِبْنَ حُرَّ وُجُوهِهِنَّ على فتىً ... عَفِّ الشَّمائِلِ طَيِّبِ الأَخْبارِ
وقال عكرشة العبسي
وكان قد خرج إلى الشام فهلك بنوه بالطاعونسَقَى اللهُ أجْداثاً وَرائِي تَرَكْتُها ... بحاضِرِ قِنِّسْرِينَ مِن سَبَلِ القَطْرِ
مَضَوْا لا يُرِيدُونَ الرَّواحَ، وغالَهُمْ ... مِن الدَّهْرِ أَسْبابٌ جَرَيْنَ على قَدْرِ
لَعَمْرِي لَقَدْ وارَتْ وضَمَّتْ قُبُورُهُمْأَكُفَّا شِدادَ القَبْضِ بالأَسَلِ السُّمْرِ
ولَوْ يَسْتَطِيعُون الرَّواحَ تَرَوَّحُوا ... مَعِي، وغَدَوْا في المَصْبِحِينَ على ظَهْرِ
غَطَارِفَةٌ زُهْرٌ مَضَوْا لِسَبِيلهِمْ ... فَلهْفِي على تلكَ الغَطارِفَةِ الزُّهْرِ
أَبَعْدَ بَنِّي الدَّهْرَ أَرْجُو غَضَارَةًمِن العَيْشِ أو آسَى لِما فاتَ مِن عُمْرِي
يُذَكِّرُنِيهِمِ كُلُّ خَيْرٍ رَأْيْتُهُ ... وَشَرُّ، فما أَنْفَكُّ مِنْهُمْ على ذُكْرِ
وآخِرُ عَهْدٍ منكَ يا شَغْبُ شَمَّةٌ ... بِشَرْحَ وَداعاً والمَطِيُّ بِنا تَسْرِي
فكانَ وَداعاً لا تَلاقِيَ بَعْدَهُ ... بَعِيداً إلى يومِ القِيامَةِ والحَشْرِ
وأَبْدَى لِيَ الشَّحْناءَ مَنْ كان مَخْفِياً ... عَداوَتَهُ لمَّا تَغَيَّبَ في القَبْرِ
وقال مُرَّة بن مالِك الغُذْرِيّ
وباكيَةٍ تُبْكِي عَدِيًّا، وإنَّما ... نَثَتْ لِيَ أَحْزاناً فَثابَ عُرامُها
قُبُورٌ تحاماها الجُيُوشُ مَهابَةً ... وخَوْفاً وإنْ لَمْ يَبْدُ إلاّ رِماقُها
إذا ذَكَرَ الأَعْداءُ وَقْعَ سُيُوفِها ... وطَعْنَ قَناها لَمْ يُطِعْها مَنامُها
تَفانُوْا فَلَمْ يَبْقَوْا، وكُلُّ قَبِيلَةٍ ... سَرِيعٍ إلى وِرْدِ الحِمام كِرامُها
وقال عَدِيّ بن رَبِيعَة
جاهلي، يَرْثِي أخاه مُهَلْهِلا
ضَرَبَتْ صَدْرَها إليّ وقالتْ ... يا عَدِيٌّ لَقَدْ وَقَتْكَ الأَواقِي
ما أُرَجِّي في العَيْشِ بَعْدَ نَدامَى ... قد أَراهُمْ سُقُوا بِكأْسِ حَلاقِ
إنَّ تَحْتَ الأَحْجارِ حَزْماً وعَزْماً ... وخَصِيماً أَلَدَّ ذا مِغْلاقِ
حَيَّةٌ في الوِجارِ أَرْبَدُ لا يَنْ ... فَعُ مِنْه السَّلِيمَ نَفْثَهُ راقِ
فارِسٌ يَضْرِبُ الكَتِيبَةَ بالسَّيْ ... فِ دِراكاً كَلاعِبِ المِخْراقِ
وقال نَهار بن تَوْسِعَة
ألا ذَهَبَ الغَزْوُ المُقَرِّبُ لِلْغَنى ... وماتَ النَّدَى والحَزْمُ بَعْدُ المُهَلَّبِ
أقاما بِمَرْوِ الرُّوذِ رَهُنَ ضَرِيحَةٍ ... وقَدْ غُيِّبا في كُلِّ شَرْقٍ ومَغْرِبِ
وقال سَلم الخاسِر
في محمد المَهْدِيّ
بمَوْتِ أميرِ المُؤْمِنينَ محمدٍ ... زَها الموتُ واخْتالَتْ عليه المَقابِرُ
رأيتُ المَنايا يَفْتَخِرْنُ بمُوْتِهِ ... كأَنَّ المَنايا تَبْتَغِي مَن تُفاخِرُ
فَلوْ بَكَتِ الأَيَّامُ مَيْتاً بكَتْ لهُ ... سَوالِفُها والباقيات الغوابِرُ
وما النّاسُ إلاّ للفَناءِ مَصِيرُهُمْ ... لِكلِّ امْرِئٍ مِن يَوْمِهِ ما يُحاذِرُ
وقالآخر وتُروى لعليّ عليه السّلام
لكُلِّ اجْتِماعٍ مِن خَلِيلَيْنِ فُرْقَةٌ ... وكُلُّ الذي دُونَ المَمات قَلِيلُ
وإنَّ افْتِقادِي واحِداً بَعْدَ واحِدٍ ... دَلِيلٌ على أَنْ لا يَدُومَ خَلِيلُ
وقالكَعْب بن جُعَيْل
أموي الشعربرابِيَةِ الثَّرْثارِ قَبْرٌ تُرابُهُ ... يضُمُّ الغَمامَ الجَوْدَ والشَّمسَ والبَدْرا
رَأَتْ تَغْلِبُ العَلْياءُ عِنَد مُصابِهِ ... عُيُونَ الأَعادِي نَحْوَ أَعْيُنِها خُزْرا
وَودَّتْ نُجُومُ الجَوِّ يَوم حَمَلْنَهُ ... على النَّعْشِ لو كانتْ بِأَجْمَعِها قَبْرا
مُنافَسَةُ مِنْها عَلَيْهِ وضِنَّةً ... على التُّرْبِ أَنْ يَحْوِي المَآثِرَ والفَخْرا
وما بَخِلَتْ عَيْناي بالدَّمْعِ بَعْدَهُ ... على هالَكٍ إلاّ ذَكَرْتُ لها عَمْرا
فتَسْمَحُ لِي بالدَّمْعِ حُزْناً لِذِكْرِهِ ... وتَبْعَثُ مِنْه لا بَكِيًّا ولا نَزْرا
وقال ابنُ أم حَزْنَة
واسمه ثَعْلَبَة بن حَزْن بن زَيْد مَناة، إسلامِي، ورواها الخالِدِيّان لمالك بن نُوَيْرَة وليست له
أَلُومُ النَّائِباتِ مِن اللَّيالي ... وما تَدْرِي اللَّيالِي مَن أَلُومُ
وكان أخِي زَعِيمَ بَنِي تَمِيمٍ ... وكُلُّ قَبِيلةٍ فَلها زَعِيمُ
وكَان إذا الشَّدائِدُ أَرْهَقَتْنِي ... يَقُومُ بها وأَقْعُدُ لا أَقُومُ
وقال عُمارَة بن عَقِيل
رَحِم الله خَالِداً فلَقَدْ ما ... تَ حِمِيداً وعاشَ ذا إِفْضالِ
لَمْ يَمُتْ مُوسِراً مِن المالِ ولكنْ ... مُوسِراً مِن مَحامِدٍ وفَعالِ
وقال الضَّحاك بن عُقَيْل
دِيارٌ أَقْفَرَتْ من بَعْدِ قَوْمٍ ... بِهِمْ يُسْتَمْطَرُ البَلَدُ المَحُولُ
وَرِثْناهُمْ مَنازِلَهُمْ فزالَوا ... وأَيُّ نَعِيمِ دُنْيا لا يَزُولُ
وقال
آخرعافُوا حِياضَ المَوْتِ فاخْتَلَجَتْهُمُ ... حِياضَ المَنايا عن لَئِيمِ المشَارِبِ
فماتُوا جَميعاً خَشْيَةَ العارِ وابْتَنُوْا ... مَكارِمَ ناطُوا عِزَّها بالكَواكِب
شَرَوْا أَنْفُساً قَدِيماً أَضِنَّةً ... بِها، طَمَعاً في باقِياتِ العَواقِبِ
وَأَضْحُوْا وهُمْ سَنُّوا الوَفاءَ وأَوْرَثُوا ... مَوارِيثَ مَجْدٍ ذِكْرُها غَيْرُ ذاهِب
وقال العَطَمّش الضَّبّى
سَقَى الله قَبْراً كنتِ رَوْضَةَ عَيْشِهِوجَنَّتَهُ، كَيْفَ اسْتَبَدَّ بِكِ الدَّهْرُ
لقَدْ كنتِ عن لَحْظِ العُيُونِ رَقِيقَةًيُؤَثِّرُ فِيكِ اللَّحْظُ والنَّظَرُ الشَّزْرُ
جَمِيلٌ وحَقِّ الله في مِثْلِكِ البُكا ... وأَجْمَلُ لِي مِنْهُ التَجَلُّدُ والصَّبْرُ
فإِنْ صَبَرَتْ نَفْسِي فذلكَ شِيمتِي ... وإِنْ جَزِعَتْ يوماً فأنِت لها عُذْرُ
وقال تُوْبَة بن مُضَرِّس العُذْرِي
رَأَتْ إِخْوتِي بَعْدَ اجتِماعٍ تَفَرَّقُوا ... فَلمْ يَبْقَ إلاَّ واحِدٌ مِنْهُمُ فَرْدُ
تقَسَّمَهُمْ رَيْبُ المَنُونِ كأَنَّما ... على الدَّهْرِ فِيهمْ أَنْ يُفَرِّقَهُمْ عَهْدُ
وقال
آخرفما تَقْشَعِرُّ الأَرضُ إِنْ نَزَلُوا بِها ... ولكنَّها تَزْهُو بِهِمْ وتَطيبُ
أصابَ الحَيا تلكَ القُبُورَ وشُقِّقَتْ ... عَلَيْهِنَّ مِنْ غُرِّ السَّحابِ جُيُوبُ
وقال أبو عَطاءَ السِّنْدِيّ
في نَصْر بن سَيّار، من مخضرمي الدولتين
فاضَتْ دُمُوعي على نَصْرِ وما ظَلَمَتْ ... عَيْنٌ تَفِيضُ على نَصْرِ بن سَيّارِ
يا نَصْرُ مَن لِلقاءِ الحَرْبِ إِنْ لَقِحَتْ ... يا نَصْرُ بَعْدَكَ أَو للضَيْفِ والجارِ
الخِنْدِفِيُّ الذي يَحْمِي حَقِيقَتَهُمْ ... في كُلِّ يَوْمٍ مَخُوفِ الشَّيْنِ والعارِ
والقائد الخيل قبا في أعنتها ... بالقوم حتى يلنى الغار بالغار
مِن كُلِّ أَبْيضَ كالمِصْباحِ مِن مُضَرٍ ... يَجَلُو بسُنَّتِهِ الظَّلْماءَ للسّارِي
ماضٍ على الهَوْلِ مِقْدامٌ إذا اعْتَرَضَتْ ... سُمْرُ الرِّمِاح وولَّى كُلُّ فَرَّارِ
إنْ قالَ قَوْلاً وَفَى بالقَوْلِ مَوْعِدُهُ ... إِنَّ الكِنانِيَّ وافٍ غيرُ غَدّارِ
وقال أُهْبان بن هَمَّام
بن نَضْلَة الأَسَدِي
خَلِيلَيَّ عُوجا إِنَّها حاجَةٌ لَنا ... على قَبْرِ هَمّامٍ سَقَتْهُ الرَّواعِدُ
على قَبْرِ مَنْ يُرْجَى نَداهُ ويُبْتَغَى ... قِراهُ إذا لَمْ يَحْمَدِ الأَرْضَ حامِدُ
كَرِيمُ النَّثا حُلْوُ الشَّمائِلِ بَيْنَهُ ... وبَيْنَ المُزَجَّى نَفْنَفٌ مُتباعِدُ
إذا نازَعَ القَوْمُ الأَحادِيثَ لم يَكُنْ ... عَيِيًّا ولا عِبْئاً على مَنْ يُقاعِدُ
وَضَعْنا الفَتَى كُلَّ الفَتَى في حَفِيرَةٍ ... بِحُرِّينَ قد ناحَتْ عليهِ العَوائِدُ
صَرِيعاً كنَصْلِ السِّيْفِ تَضْرِبُ حَوْلَهُ ... تَرائِبَهُنَّ المُعْوِلاتُ الفَواقِدُ
وقال الفَضْل بن عبد الصَّمَد
الرَّقاشِيّ في جَعْفَر بن يَحْيَى البَرْمَكِيّ
أما والله لَوْلا خَوْفُ واشٍ ... وعَيْنٌ للخَلِيفَةِ لا تَنامُ
لَطُفْنَا حَوْلَ جِذْعِكَ واسْتَلَمْنا ... كما للنّاس للحَجَرِ اسْتِلامُ
فما أَبْصَرْتُ بَعْدَكَ يا ابْنَ يَحْيَى ... حُساماً قَدَّهُ السَّيْفُ الحُسامُ
على المَعْرُوفِ والدُّنْيا جَمِيعاً ... ودَوْلَةِ آلِ بَرْمَكٍ السّلامُ
وقال أَوْس بنَ حَجَر التَّمِيمي
جاهليأَيَّتُها النَّفْسُ أَجْمِلي جَزَعاً ... إِنَّ الذي تَحْذَرِينَ قد وَقَعا
إنّ الذي جَمَّعَ السَّماحَةَ والنَّ ... جَدَةَ والبَأْسَ والنَّدَى جُمَعا
الأَلْمَعِيُّ الذي يَظُنُّ بِكَ الظَّ ... نَّ كأنْ قد رَأَى وقَدْ سَمِعا
وقال مُسْلِم بن الوَلِيد الأَنْصاري
وإِنِّي وإِسْماعِيلَ يومَ وَفاتِهِ ... لَكَالجَفْنِ يَوْمَ الرَّوْعِ فارَقَهُ النَّصْلُ
يُذَكِّرُنِكُ الجُودُ والفَضْلُ والحِجَى ... وقِيلُ الخَنا والحِلْمُ والعِلْمُ والجَهُلُ
فَأَلْقاكَ في مَذْمُومِها مَتَنَزِّهاً ... وأَلْقاكَ في مَحْمُودِها ولكَ الفَضْلُ
وأَحْمَدُ مِن أَخْلاقِكَ البُخْلُ، إنَّهُ ... بِعِرْضِكَ لا بالمالِ حاشَا لكَ البُخْلُ
؟
وقالمُرّة بن مُنْقِذ التَّنُوخِيّ
ويُرْوَى لمُقَرَّب التَّنوخي
جَسُورٌ لا يُرَوَّعُ عندَ هَمٍّ ... ولا يَثْنِي عَزِيَمتَهُ اتِّقاءُ
حَلِيمٌ في شَراستِهِ إذا ما ... حُبا الحُلَماءِ أَطْلَقَها المِراءُ
فإِنْ تكُنِ المَنِيَّةُ أَقْصَدَتْهُ ... وحُمَّ عليه بالتَّلَفِ القَضاءُ
فقَدْ أَوْدَى به كَرَمٌ ومَجْدٌ ... وعُوْدٌ بالمَكارِمِ وابْتِداءُ
وقال عَدِيّ بن الرِّقاع العامِلِي
يخاطِبُ مَنازِلَ قَوْمِه
فسُقِيتِ مِن دارٍ وإِنْ لَمْ تَسْمَعِي ... أصْواتَنا صَوْبَ الغَمامِ المُسْبِلِ
ورُعِيتِ مِن دارٍ وإِنْ لَمْ تَنْطِقِي ... بِجَوابِ حاجَتِنا وإنْ لَمْ تُعْقِلِي
قد كانَ أَهْلُكِ بُرْهَةً لَكِ زِينَةً ... فَتَبَّدلُوا بَدَلاً ولَمْ تَسْتَبْدِلي
فابْكِي إذا بَكَتِ المَنازِلُ أَهْلَها ... مَعْذُورَةً، وظَلَمْتِ إِنْ لَمْ تَفْعَلِي
وقال رجل من بني تَمِيم
ولَوْ لمْ يُفارِقْنِي عَطِيَّةُ لم أَهُنْ ... ولَمْ أُعْطِ أَعْدائِي الذي كنتُ أَمْنَعُ
شُجاعٌ إذا لاقَى، ورامٍ إذا رَمَى، ... وهادٍ إذا ما أَظْلَمَ اللَّيلُ مِصْدَعُ
سَأَبْكِيكَ حتَّى تُنْفِدَ العَيْنُ ماءَها ... ويَشْفِىَ مِنِّي الدَّمْعُ ما أَتَوَجَّعُ
وقال الفَرَذْدَق
أَلَمْ تَرَ أَنِّي يومَ جَوِّ سُوَيْقَةٍ ... بكَيْتُ، فنادَتْنِي هُنَيْدَةُ مالِيا
فقلتُ لها: إِنَّ البُكاءَ لرَاحَةٌ ... به يَشْتَفِي مَنْ ظَنَّ أَنْ لا تَلاقِيا
وقال آخرأَمِنْتُ شَبا الزَّمانِ فما أُبالِي ... أَيَعْدِلُ بَعْدَ يَوْمِك أَمْ يَجورُ
وكنتَ سُرُورَ قَلْبِي والمُرَجِّي ... فلمَّا مُتَّ فارَقَنِي السُّرُورُ
وقال الصِّينِيّ
لمَّا مَضَتْ قَبْلَهُ اللَّيالِي ... وأَحْدَثَتْ بَعْدَهُ أُمُورُ
واعْتَضْتُ باليَأْسِ عنه صَبْراً ... فاعْتَدَلَ الحُزْنُ والسُّرُورُ
فَلسْتُ أَخْشَى ولا أُبالِي ... ما فَعَلَتْ بَعْدَكَ الدُّهُورُ
فَلْيَجْهَدِ الدَّهرُ في مَساتِي ... فما عَسَى جُهْدُهُ يَصِيرُ
وله في طاهِر بن الحُسَيْن
وقُوفُكَ تحتَ ظِلالِ السُّيوفِ ... أَقَرَّ الخِلافَةَ في دارِها
كأَنَّك مُطَّلِعُ في القُلُوبِ ... إذا ما تَناجَتْ بِأَسْرارها
فَكَّراتُ طَرْفِكَ مُرْتَدَّةٌ ... إليكَ بِغامِضِ أَخْبارِها
وفِي راحَتَيْكَ الرَّدَى والنَّدَى ... وكِلْتاهُما طُوْعُ مُمْتارِها
وأَقْضِيةُ اللهِ مُحْتُومةٌ ... وأَنتَ مُنَفِّذُ أَقْدارِها
وقال عِكْرِشَة أَبو الشَّغْب
في وَلَدِه
قد كان شَغْبٌ لَوَ أَنَّ الله عَمَّرَهُ ... عِزًّ تُزادُ به في عِزِّها مُضَرُ
لَيْتَ الجِبالَ تَداعَتْ يَوْمَ مَصْرَعِهِ ... دَكًّا فلَمْ يَبْقَ مِن أَحْجارِها حَجَرُ
فارَقْتُ شَغْباً وقَدْ قَوَّسْتُ مِن كِبَرٍبِئْسَ الحَلِيفانِ: طُولُ الحُزْنِ والكِبُر
وقال آخرلا يُبْعِدِ الله أَقْواماً رُزِئْتُهُمُ ... بانُوا لِوقْتِ مَناياهُمْ وقَدْ بَعُدُوا
أَضْحَتْ قُبُورُهُمُ شَتَّى وَيَجْمَعُهُمْ ... حَوْضُ المَنايا وَلمْ يَجْمَعْهُمُ بَلَدُ
رَعَوْا مِن المَجْدِ أَكْنافاً إلى أَجَلٍ ... حتّى إذا بَلَغَتْ أَظْماؤُهُمْ وَرَدُوا
كانَتْ لَهُمْ هِمَمٌ فَرَّقْنَ بَيْنَهُمُ ... إذا القَعادِيدُ عن أَمْثالِها قَعُدُوا
بَذْلُ الجَمِيلِ وتَفْرِيجُ الجَلِيل وإعْ ... طاءُ الجَزِيلِ إذا لَمْ يُعْطِهِ أَحَدُ
وقال حارِثَة بن بَدْر
في زياد بن أَبيه
صَلَّى الإِلهُ على قَبْرٍ وطَهَّرَهُ ... عِنْدَ الثَّوِيَّةِ يُسْفَى فَوْقَهُ المُورُ
رَمَتْ إليه قُرَيْشٌ نَعْشَ سَيِّدِها ... فَثمَّ كُلُّ التُّقَى والبِرِّ مَقْبُورُ
قد كان عِنْدَكَ بالمَعْرُوفِ مَعْرِفَةٌ ... وكانَ عندَكَ للنَّكْراء تَنْكيرُ
وكنتَ تُغْشَى وتُعْطِي المالَ مِن سَعَةٍ ... الآنَ بَيْتُكَ أَضْحَى وهُوَ مَهْجُورُ
النّاسُ بَعْدَكَ قد خَفَّتْ حُلُومُهُمُ ... كأَنَّما نَفَخَتْ فِيها الأَعاصِيرُ
وقالت امرأةٌ في زَوْجِها
لَعَمْرِي وما عَمْرِي عليَّ بهَيِّنِ ... لَنِعْمَ الفَتَى غادَرْتُمُ آلَ خَثْعَما
وكانَ إذا ما أَوْرَدَ الخَيْلَ بِيشَةً ... إلى جَنْبِ أَشْراحِ أَناخَ فَأَلْجَما
فَأَرْسَلَها رَهْواً رِعالاً كأَنَّها ... جَرادٌ زَفَتْهُ رِيحُ نَجْدٍ فأَتْهَما
وقالت امرأةُ في أخِيها
هل خَبَّرَ القَبْرُ سائِليهِ ... أَمْ قَرَّ عَيْناً بِزائِرِيهِ
أَمْ هل تَراهُ أَحاطَ عِلْماً ... بالجَسَدِ المُسْتَكِنِّ فِيهِ
لو يَعْلَمُ القَبْرُ ما يُوارِي ... تاهَ على كُلِّ ما يَلِيهِ
يا مَوْتُ لو تَقْبَلُ افْتِداءً ... كنتُ بنَفْسِي سأَفْتَدِيهِ
أَنْعَى بُرَيْداً إلى حُرُوبٍ ... تَحْسِرُ عن مَنْظَرِ كَرِيةِ
يا جَبَلاً كان ذا امْتِناعٍ ... ورُكْنَ عِزِّ لآِهِلِيهِ
ويا مَرِيضاً على فِراشٍ ... تُؤْذِيهِ أَيْدِي مُمَرِّضِيهِ
ويا صَبُوراً على بلاءٍ ... كانَ به الله يَبْتَلِيهِ
ذَهَبْت يا مَوْتُ بابنِ أُمِّي ... بالسَّيِّدِ الفاضِل النَّبِيهِ
تَحْلُو نَعَمْ عِنْدَه سَماحاً ... ولَمْ يَقُلْ قَطُّ لا بِفِيهِ
يا مَوْتُ ماذا أَردْتَ مِنِّي ... حَقَّقْتَ ما كنتُ أَتَّقِيهِ
دَهْراً رَمانِي بفَقْدِ إِلْفِي ... أَذُمُّ دَهْرِي وأَشْتَكِيهِ
آمَنَكَ الله كُلَّ رَوْعٍ ... وكُلَّ ما كُنْتَ تَتَّقِيهِ
وقالت امرأةُ مِن بَنِي عُذْرَةَ
لَقدْ غادَرَ الرَّكْبُ اليَمانُونَ خَلْفَهُمْشَدِيدَ نِياطِ القَلْبِ ذا مِرَّةٍ شَزْرِ
تَرَى خَيْرَهُ في السَّهْلِ لا حَزْنَ بُعْدَهُإذا كانَ بَعْضُ الخَيْرِ في جَبَلٍ وَعْرِ
وقال آخرفإنْ يَكُنِ الفِراقُ عَدا عَلَيْنا ... فَفاقَمَ شَعْبَنا بَعْدَ اتِّفاقِ
فكُلُّ هَوىً يَصِيرُ إلى انْقِضاءٍ ... كما صارَ الهِلالُ إلى مَحاقِ
فإنْ تَكُ قد نَأَتْ ونَأَيْتُ عَنْها ... وَفرَّق بَيْنَنا حَدَثُ الشِّقاقِ
فكُلُّ قَرِينَةِ وقَرِينِ إِلْفٍ ... مَصِيرُهُما إلى أَمَدِ الفِراقِ
وقال آخروكنتُ مُجاوِراً لَبَنِي سَعِيدٍ ... فَأَفْقَدَنِيهُمُ رَيْبُ الزَّمانِ
فلمَّا أَنْ فَقَدْتُ بَنِي سَعيدٍ ... فَقدْتُ الوُدَّ إلاَّ باللِّسانِ
وقال لَبِيد بن رَبِيعَة العامِرِيّ
يا أَرْبَدَ الخَيْرِ الكَرِيمَ جُدُودُهُ ... أَفْرَدْتَني أَمْشِي بقَرْنٍ أَعْضَبِ
إنَّ الرَّزِيَّةَ لا رَزِيَّةَ مِثْلَها ... فِقْدانُ كُلِّ أَخٍ كَضَوْءِ الكَوْكَبِ
ذَهَبَ الذين يُعاشُ في أَكْنافِهِمْ ... وَبقِيتُ في خَلْفٍ كجِلْدِ الأَجْرَبِ
يَتَأَكَّلُونَ مَغالَةً وخِيانَةً ... ويُعابُ قائلُهُمْ وإِنْ لَمْ يَشْغَبِ
وقال أيضاً
لَعَمْرِي إذا كانَ المُخبِّرُ صادِقاً ... لقَدْ رُزِئَتْ في حادِثِ الدَّهْرِ جَعْفَرُ
أَخاً لي، أَمَّا كُلَّ شَيْءٍ سَأَلْتَهُ ... فيُعْطِي، وأَمّا كُلَّ ذَنْبٍ فَيغْفِرُ
فإنْ يَكُ نُوْءٌ مِن سَحابٍ أصابَهُ ... فَقدْ كانَ يَعْلُو كُلَّ قِرْنٍ ويَظْفَرُ
وقال كُثَيِّر بن أبِي