اللهم استجب

سبحانك وبحمدك وأستغفرك أنت الله الشافي الكافي الرحمن الرحيم الغفار الغفور القادر القدير المقتدر الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر الخالق البارئ المصور... الواحد الأحد الواجد الماجد الملك المغيث لا إله إلا أنت وحدك لا شريك لك ..لك الملك ولك الحمد وأنت علي كل شيئ قدير ولا حول ولا قوة إلا بك وأستغفرك اللهم بحق أن لك هذه الأسماء وكل الأسماء الحسني وحق إسمك الأعظم الذي تعلمه ولا أعلمه أسألك أن تَشفني شفاءا لا يُغادر سقما وأن تَكفني كل همي وتفرج كل كربي وتكشف البأساء والضراء عني وأن تتولي أمري وتغفر لي ذنبي وأن تشرح لي صدري وأن تُيسر لي أمري وأن تحلل عُقْدَةً  من لساني يفقهوا قولي وأن تغنني بفضلك عمن سواك اللهم أصلحني: حالي وبالي وأعتقني في الدارين وخُذ بيدي يا ربي وأخرجني من الظلمات الي النور بفضلك  وأن ترحم وتغفر لوالديَّ ومن مات من اخوتي وان تغفر لهم أجمعين وكل من مات علي الايمان والتوبة اللهم آمين  //اللهم تقبل/ واستجب//https://download.tvquran.com/download/selections/315/5cca02c11a61a.mp3

المصحف

 تحميل المصحف

القرآن الكريم وورد word doc icon تحميل المصحف الشريف بصيغة pdf تحميل القرآن الكريم مكتوب بصيغة وورد تحميل سورة العاديات مكتوبة pdf

Translate

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الجمعة، 27 مايو 2022

مجلد 5. جامع البيان {تفسير الطبري}

 

مجلد 5. جامع البيان في تأويل القرآن
المؤلف : محمد بن جرير بن يزيد بن كثير بن غالب الآملي، أبو جعفر الطبري،
[ 224 - 310 هـ ]

عن الأعمش قال : كان أصحاب عبد الله يقرأون : ( فصيام ثلاثة أيام متتابعات ).
12506 - حدثنا أبو كريب قال ، حدثنا وكيع قال ، سمعت سفيان ، يقول : إذا فرّق صيام ثلاثة أيام لم يجزِه. قال : وسمعته يقول في رجل صامَ في كفارة يمين ثم أفطر ، قال ، يستقبل الصومَ.
12507 - حدثنا بشر بن معاذ قال ، حدثنا جامع بن حماد قال ، حدثنا يزيد بن زريع قال ، حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : " فصيام ثلاثة أيام " ، قال : إذا لم يجد طعامًا ، وكان في بعض القراءة : ( فصيام ثلاثة أيام متتابعات ). وبه كان يأخذ قتادة. (1)
12508 - حدثني المثني قال ، حدثنا عبد الله بن صالح قال ، حدثني معاوية بن صالح ، عن علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس قال : هو بالخيار في هؤلاء الثلاثة ، الأوّلَ فالأوّل ، فإن لم يجد من ذلك شيئًا فصِيَام ثلاثة أيام متتابعات.
* * *
وقال آخرون : جائز لمن صامهنّ أن يصومهن كيف شاء ، مجتمعات ومفترقات.
ذكر من قال ذلك :
12509 - حدثني يونس قال ، أخبرنا أشهب قال ، قال مالك : كل ما ذكر الله في القرآن من الصيام ، فأن يُصَام تِبَاعًا أعجبُ. فإن فرقها رجوتُ أن تجزئ عنه.
* * *
قال أبو جعفر : والصواب من القول في ذلك عندنا أن يقال : إن الله تعالى
__________
(1) الأثر : 12507 - " جامع بن حماد " انظر ما سلف رقم : 12344 ، 12367 ، 12423.

(10/561)


ذكره أوجب على من لزمته كفّارة يمين ، إذا لم يجد إلى تكفيرها بالإطعام أو الكسوة أو العتق سبيلا أن يكفرّها بصيام ثلاثة أيام ، ولم يشرطْ في ذلك متتابعة. فكيفما صامهنَّ المكفِّر مفرَّقة ومتتابعة ، أجزأه. لأن الله تعالى ذكره إنما أوجب عليه صيام ثلاثة أيام ، فكيفما أتَى بصومهنّ أجزأ.
* * *
فأما ما روى عن أبيّ وابن مسعود من قراءتهما : ( فصيام ثلاثة أيام متتابعات ) ، فذلك خلاف ما في مصاحفنا. وغير جائز لنا أن نشهد لشيء ليس في مصاحفنا من الكلام أنه من كتاب الله. (1) غيرَ أني أختار للصائم في كفَّارة اليمين أن يُتَابع بين الأيام الثلاثة ، ولا يفرِّق. لأنه لا خلاف بين الجميع أنه إذا فعل ذلك فقد أجزأ ذلك عنه من كفارته ، وهم في غير ذلك مختلفون. ففعل ما لا يُخْتَلف في جوازه ، أحبُّ إليَّ ، وإن كان الآخر جائزًا.
* * *
القول في تأويل قوله : { ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (89) }
قال أبو جعفر : يعني تعالى ذكره بقوله : " ذلك " ، هذا الذي ذكرت لكم أنه كفارة أيمانكم ، من إطعام العشرة المساكين ، أو كسوتهم ، أو تحرير الرقبة ، وصيام الثلاثة الأيام إذا لم تجدوا من ذلك شيئًا هو كفارة أيمانكم التي عقدتموها إذا حلفتم واحفظوا ، أيها الذين آمنوا أيمانكم أن تحنثوا فيها ، ثم تُضِيعُوا الكفارة فيها بما وصفته لكم (2) " كذلك يبين الله لكم آياته " ، كما بين لكم كفارة أيمانكم ،
__________
(1) في المطبوعة : " أن تشهد بشئ " ، والصواب من المخطوطة.
(2) في المطبوعة : " ثم تصنعوا " ، وهي في المخطوطة غير منقوطة ، وصواب قراءتها ما أثبت.

(10/562)


كذلك يبين الله لكم جميع آياته يعني أعلام دينه فيوضِّحها لكم لئلا يقول المضيع المفرِّط فيما ألزمه الله : " لم أعلم حكم الله في ذلك! " " لعلكم تشكرون " ، يقول : لتشكروا الله على هدايته إياكم وتوفيقه لكم. (1)
* * *
__________
(1) انظر تفسير ألفاظ هذه الآية فيما سلف من فهارس اللغة.
وعند هذا الموضع ، انتهى جزء من التجزئة القديمة التي نقلت عنها نسختنا ، وفيها ما نصه :
" يتلوه القول في تأويل قوله
{يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون}.
وصلى الله على محمد النبيّ وعلى آله وسلّم كثيرًا " .
ثم يتلوه ما نصه :
" بسم الله الرحمن الرحيم ربِّ أعِنْ يَا كريم "

(10/563)


يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (90)

القول في تأويل قوله : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأنْصَابُ وَالأزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (90) }
قال أبو جعفر : وهذا بيانٌ من الله تعالى ذكره للذين حرَّموا على أنفسهم النساءَ والنومَ واللحمَ من أصحاب النبيِّ صلى الله عليه وسلم ، تشبُّهَا منهم بالقسيسين والرهبان ، فأنزل الله فيهم على نبيِّه صلى الله عليه وسلم كتابَه يَنْهاهم عن ذلك فقال : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ ) ، [سورة المائدة : 87].

(10/563)


فنهاهم بذلك عن تحريم ما أحلّ الله لهم من الطيبات. ثم قال : ولا تعتدوا أيضًا في حدودي ، فتحلُّوا ما حرَّمت عليكم ، فإن ذلك لكم غير جائز ، كما غيرُ جائزٍ لكم تحريم ما حلّلت ، وإنيّ لا أحبُّ المعتدين. ثم أخبرهم عن الذي حرّم عليهم مما إذا استحلوه وتقدَّموا عليه ، كانوا من المعتدين في حدوده فقال لهم : يا أيها الذين صدّقوا الله ورسوله ، إن الخمر التي تشربونها ، والميسِرَ الذي تَتَياسرونه ، والأنصاب التي تذبحُون عندها ، والأزلام التي تستقسمون بها " رجْس " ، يقول : إثم ونَتْنٌ سَخِطه الله وكرهه لكم " من عمل الشيطان " ، يقول : شربكم الخمر ، وقماركم على الجُزُر ، وذبحكم للأنصاب ، واستقسامكم بالأزلام ، من تزيين الشيطانِ لكم ، ودعائه إياكم إليه ، وتحسينه لكم ، لا من الأعمال التي ندبكم إليها ربُّكم ، ولا مما يرضاه لكم ، بل هو مما يسخطه لكم " فاجتنبوه " ، يقول : فاتركوه وارفضوه ولا تعملوه (1) " لعلكم تفلحون " ، يقول : لكي تنجَحُوا فتدركوا الفلاحَ عند ربكم بترككم ذلك. (2)
* * *
وقد بينا معنى " الخمر " ، و " الميسر " ، و " الأزلام " فيما مضى ، فكرهنا إعادته. (3)
* * *
وأما " الأنصاب " ، فإنها جمع " نُصُب " ، وقد بينا معنى " النُّصُب " بشواهده فيما مضى. (4)
* * *
__________
(1) انظر تفسير " الفلاح " فيما سلف 10 : 292 ، تعليق : 3. والمراجع هناك.
(2) انظر تفسير " اجتنب " فيما سلف 8 : 233 ، وهي هناك غير مفسرة ، ثم 8 : 340.
(3) انظر تفسير " الخمر " فيما سلف 4 : 320 ، 321.
وتفسير " الميسر " فيما سلف 4 : 321 ، 322 - 325.
وتفسير " الأزلام " فيما سلف 9 : 510 - 515.
(4) انظر تفسير " النصب " 9 : 507 - 509.

(10/564)


إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ (91)

وروي عن ابن عباس في معنى " الرجس " في هذا الموضع ، ما : -
12510 - حدثني به المثنى قال ، حدثنا عبد الله بن صالح قال ، حدثني معاوية بن صالح ، عن علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس قوله : " رجس من عمل الشيطان " ، يقول : سَخَطٌ.
* * *
وقال ابن زيد في ذلك ، ما : -
12511 - حدثني به يونس قال ، أخبرنا ابن وهب قال ، قال ابن زيد في قوله : " رجس من عمل الشيطان " ، قال : " الرجس " ، الشرُّ.
* * *
القول في تأويل قوله : { إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ (91) }
قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره : إنما يُريد لكم الشيطانُ شربَ الخمر والمياسرةَ بالقِدَاح ، ويحسِّن ذلك لكم ، إرادةً منه أن يوقع بينكم العَداوَة والبغضاءَ في شربكم الخمر ومياسرتكم بالقداح ، (1) ليعادي بعضكم بعضًا ، ويبغِّض بعضَكم إلى بعض ، فيشتِّت أمركم بعد تأليف الله بينكم بالإيمان ، وجمعه بينكم بأخوّة الإسلام " ويصدّكم عن ذكر الله " ، يقول : ويصرفكم بغلبة هذه الخمر بسكرها إياكم عليكم ، (2) وباشتغالكم بهذا الميسر ، عن ذكر الله الذي به صلاح دنياكم وآخرتكم " وعن الصلاة " ، التي فرضها عليكم ربكم " فهل أنتم منتهون " ،
__________
(1) انظر تفسير " البغضاء " فيما سلف 7 : 145/10 : 136.
(2) انظر تفسير " الصد " فيما سلف 9 : 489 ، تعليق : 1 ، والمراجع هناك.

(10/565)


يقول : فهل أنتم منتهون عن شرب هذه ، والمياسرة بهذا ، (1) وعاملون بما أمركم به ربُّكم من أداء ما فرَض عليكم من الصلاة لأوقاتها ، ولزوم ذكره الذي به نُجْح طلباتكم في عاجل دنياكم وآخرتكم ؟.
* * *
واختلف أهل التأويل في السبب الذي من أجله نزلت هذه الآية.
فقال بعضهم : نزلت بسبب كان من عمر بن الخطاب ، وهو أنه ذكر مكروهَ عاقبة شربها لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، وسأل الله تحر يمَها. (2)
ذكر من قال ذلك :
12512 - حدثنا هناد بن السريّ ، قال ، حدثنا وكيع ، عن إسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن أبي ميسرة قال ، قال عمر : اللهمّ بيِّنْ لنا في الخمر بيانًا شافيًا! قال : فنزلت الآية التي في " البقرة " : ( يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ ) ، [سورة البقرة : 219]. قال : فدُعي عمر فقرئت عليه ، فقال : اللهم بيِّن لنا في الخمر بيانًا شافيًا! فنزلت الآية التي في " النساء " : ( لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ ) [سورة النساء : 43]. قال : وكان مُنَادِي النبي صلى الله عليه وسلم يُنادي إذا حضرت الصلاة : لا يقربنّ الصلاة السكران! قال : فدُعِي عمر فقرئت عليه ، فقال : اللهم بيِّن لنا في الخمر بيانًا شافيًا! قال : فنزلت الآية التي في " المائدة " : " يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجسٌ " إلى قوله : " فهل أنتم منتهون " . فلما انتهى إلى قوله : " فهل أنتم منتهون " قال عمر : انتهينا انتهينا !! (3)
__________
(1) انظر تفسير " الانتهاء " فيما سلف 482 ، تعليق : 3 ، والمراجع هناك.
(2) انظر ما سلف في تحريم الخمر 4 : 330 - 336/8 : 376 ، 377.
(3) الأثر : 12512 - " أبو ميسرة " هو : " عمرو بن شرحبيل الهمداني " ، سمع عمر ، وعبد الله بن مسعود ، وغيرهما من الصحابة. مضى برقم : 2839 ، 2840 ، 9228. وهذا الخبر رواه أبو جعفر من خمس طرق ، عن أبي إسحق ، عن أبي ميسرة.
ورواه أحمد في مسنده رقم : 378 من طريق إسرائيل ، عن أبي إسحق ، بمثله ، وأبو داود في سننه 3 : 444 رقم : 3670 ، بمثله ، وفيه : " بيانًا شفاء " . والنسائي في سننه 8 : 286 ، 287 ، بمثله. والترمذي في سننه في كتاب التفسير من طريق محمد بن يوسف ، عن إسرائيل ، مرفوعًا ، ثم من طريق أبي كريب محمد بن العلاء ، عن وكيع. عن إسرائيل ، مرسلا. ولكن جاء هنا في رواية هناد بن السري ، عن وكيع ، مرفوعًا. وقال الترمذي بعد ذكر رواية أبي كريب : " وهذا أصح من حديث محمد بن يوسف " ، يعني أنه أصح مرسلا. وانظر ما سيأتي في باقي التخريج.
ورواه الحاكم في المستدرك 2 : 278 ، من طريق عبيد الله بن موسى ، عن إسرائيل بمثله ، وقال : " هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ، ولم يخرجاه " ، ووافقه الذهبي.
ورواه البيهقي في السنن 8 : 285 ، من طريق عبيد الله بن موسى أيضًا ، ومن طريق إسمعيل بن جعفر ، عن إسرائيل ، بمثله.
ورواه أبو جعفر النحاس في الناسخ والمنسوخ : 39 ، من طريق محمد بن يوسف ، عن إسرائيل ، (كطريق الترمذي) وفيه زيادة : " فإنها تذهب العقل والمال " ، الآتية في رقم : 12513 ، وليس في رواية الترمذي.
ورواه الواحدي في أسباب النزول : 154 ، من طريق أحمد بن حنبل ، عن خلف بن وليد ، عن إسرائيل ، بمثل ما في المسند.
وخرجه ابن كثير في تفسيره 1 : 499 ، 500/ ثم 3 : 225 ، وقد صحح أخي السيد أحمد هذا الحديث في المسند رقم : 378 ، ثم قال : " وذكره ابن كثير في التفسير 1 : 499 ، 500/3 : 226 وقال : هكذا رواه أبو داود ، والترمذي ، والنسائي ، من طرق عن أبي إسحق. وكذا رواه ابن أبي حاتم ، وابن مردويه من طريق الثوري ، عن أبي إسحق ، عن أبي ميسرة ، واسمه عمرو بن شرحبيل الهمداني الكوفي ، عن عمر ، وليس له عنه سواه. ولكن قال أبو زرعة : لم يسمع منه. والله أعلم. وقال علي بن المديني : " هذا إسناد صالح صحيح. وصححه الترمذي. وزاد ابن أبي حاتم بعد قوله : انتهينا - إنها تذهب المال وتذهب العقل " .
قال أخي السيد أحمد : " وقول أبي زرعة أن أبا ميسرة لم يسمع من عمر ، لا أجد له وجهًا. فإن أبا ميسرة لم يذكر بتدليس ، وهو تابعي قديم مخضرم ، مات سنة 63. وفي طبقات ابن سعد 6 : 73 ، عن أبي إسحق قال : أوصى أبو ميسرة أخاه الأرقم : لا تؤذن بي أحدًا من الناس ، وليصل علي شريح قاضي المسلمين وإمامهم وشريح الكندي ، استقضاه عمر على الكوفة ، وأقام على القضاء ستين سنة ، فأبو ميسرة أقدم منه " .
أقول : ولم يذكر أحد غير أبي زرعة فيما بحثت ، أن أبا ميسرة لم يسمع من عمر ، بل كلهم ذكر سماعه من عمر.

(10/566)


12513 - حدثنا هناد قال ، حدثنا ابن أبي زائدة قال ، حدثنا أبى ، عن أبي إسحاق ، عن أبي ميسرة قال ، قال عمر : اللهم بيّن لنا في الخمر بيانًا شافيًا ، فإنها تَذْهب بالعقل والمال! ثم ذكر نحو حديث وكيع. (1)
__________
(1) الأثر : 12513 - هذه الزيادة : " فإنها تذهب العقل والمال " ، أشرت إليها في التعليق السالف في رواية أبي جعفر النحاس ، وذكرها ابن كثير ، من رواية ابن أبي حاتم.

(10/567)


12514 - حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا أبو أسامة ، عن زكريا ، عن أبي إسحاق ، عن أبي ميسرة قال ، قال عمر بن الخطاب : اللهم بيِّن لنا ، فذكر نحوه.
12515 - حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا أبي ، عن أبيه وإسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن أبي ميسرة ، عن عمر بن الخطاب ، مثله.
12516 - حدثنا هناد قال ، حدثنا يونس بن بكير ، قال ، حدثنا زكريا بن أبي زائدة ، عن أبي إسحاق ، عن أبي ميسرة ، عن عمر بن الخطاب ، مثله. (1)
12517 - حدثنا هناد قال ، حدثنا يونس بن بكير قال ، حدثني أبو معشر المدني ، عن محمد بن قيس ، قال : لما قدِم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة ، أتاه الناس وقد كانوا يشربون الخمر ويأكلون الميسِر ، فسألوه عن ذلك ، فأنزل الله تعالى : ( يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس وإثمها أكبر من نفعهما ) [سورة البقرة : 219] ، فقالوا : هذا شيء قد جاء فيه رخْصة ، نأكل الميسر ونشرَب الخمر ، ونستغفر من ذلك!. حتى أتى رجلٌ صلاةَ المغرب ، فجعل يقرأ : ( قل يا أيها الكافرون أعبد ما تعبدون ولا أنتم عابدون ما أعبد ) [سورة الكافرون]. فجعل لا يجوز ذلك ، (2)
ولا يدري ما يقرأ ، فأنزل الله : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى ) [سورة النساء : 43]. فكان الناس يشربون الخمرَ ، حتى يجيء وقت الصلاة فيدعون شربها ، فيأتون الصلاة وهم يعلمون ما يقولون. فلم يزالوا كذلك حتى أنزل الله تعالى ذكره : " إنما
__________
(1) الآثار : 12514 - 12516 - انظر التخريج في رقم : 12512.
(2) في المطبوعة ، والدر المنثور : " لا يجود ذلك " (بتشديد الواو المكسورة) ، وفي المخطوطة كما أثبته غير منقوطة ، وهو الصواب إن شاء الله.

(10/568)


الخمر والميسر والأنصاب والأزلام " إلى قوله : " فهل أنتم منتهون " ، فقالوا : انتهينا يا رب ! (1)
* * *
وقال آخرون : نزلت هذه الآية بسبب سعد بن أبي وقاص. وذلك أنه كان لاحَى رجلا على شراب لهما ، فضربه صاحبه بلَحْيَىْ جمل ، ففَزَر أنفه ، فنزلت فيهما. (2)
ذكر الرواية بذلك :
12518 - حدثنا محمد بن المثني قال ، حدثنا محمد بن جعفر قال ، حدثنا شعبة ، عن سماك بن حرب ، عن مصعب بن سعد ، عن أبيه سعد أنه قال : صنع رجلٌ من الأنصار طعامًا ، فَدَعانا. قال : فشربنا الخمرَ حتى انتشينا ، فتفاخرت الأنصار وقريش ، فقالت الأنصار : نحن أفضلُ منكم! قال : فأخذ رجل من الأنصار لَحْيَى جملٍ فضرب به أنف سعد ففَزَره ، فكان سعد أفزَرَ الأنف. قال : فنزلت هذه الآية : " يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر " إلى آخر الآية. (3)
__________
(1) الأثر : 15217 - ذكره السيوطي في الدر المنثور 2 : 318 ، ولم ينسبه لغير ابن جرير.
(2) " لاحاه يلاحيه ملاحاة ولحاء " : إذا نازعه وشاتمه و " لحي الجمل " (بفتح اللام وسكون الحاء) : وهما " لحيان " : وهما العظمان اللذان فيهما الأسنان من داخل الفم. يقال : لحي الجمل ، ولحي الإنسان ، وغيرهما. وكان في المطبوعة : " لحي " بالإفراد ، وأثبت ما في المخطوطة بالتثنية : " لحيي " و " فزر الشيء " : صدعه. و " فزر أنفه " : شقه.
(3) الأثر : 12518 - رواه أبو جعفر بثلاثة أسانيد. كلها صحيح.
فرواه من هذه الطريق الأولى أحمد في مسنده رقم : 1567 ، 1614 ، مطولا. ورواه أبو داود الطيالسي ، عن شعبة في مسنده : 28 ، رقم : 208.
ورواه مسلم من طريق أبي جعفر هذه ، عن محمد بن المثنى نفسه (15 : 186 ، 187) وفيه " وكان أنف سعد مفزورًا " ، بخلاف رواية أبي جعفر " أفزر الأنف " . ورواه مطولا بغير هذا اللفظ من طريق " الحسن بن موسى ، عن زهير ، عن سماك " .
ورواه البيهقي في السنن 8 : 285 ، من طريق وهب بن جرير ، عن شعبة.
ورواه أبو جعفر النحاس في الناسخ والمنسوخ : 40 ، من طريق زهير ، عن سماك.
ورواه الواحدي في أسباب النزول : 154.
وخرجه ابن كثير في تفسيره 3 : 230 ، والسيوطي في الدر المنثور 2 : 315 ، وقصر في نسبته ، وزاد أيضًا نسبته إلى ابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وأبي الشيخ ، وابن مردويه.
وكان في المخطوطة : " صنع رجل من الأنصار فدعانا " ، أسقط " طعامًا " ، وهي ثابتة في المطبوعة ، وفي جميع روايات الخبر. ولذلك أثبتها.
وقوله : " فكان سعد أفرز الأنف " ، في جميع الروايات : " مفزور الأنف " ، أي مشقوقه ، كما سلف في التعليق : 2 ، ص569 ولم تقيد كتب اللغة : " أفزر الأنف " ، على " أفعل " . وهذا مما يثبت صحته ، وهو جائز في العربية.

(10/569)


12519 - حدثنا هناد قال ، حدثنا أبو الأحوص ، قال حدثنا شعبة ، عن سماك ، عن مصعب بن سعد قال ، قال سعد : شربتُ مع قوم من الأنصار ، فضربت رجلا منهم أظنّ بفكّ جمل فكسرته ، فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرته ، فلم ألبث أن نزل تحريم الخمر : " يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر " ، إلى آخر الآية. (1)
12520 - حدثنا هناد قال ، حدثنا ابن أبي زائدة قال ، حدثنا إسرائيل ، عن سماك ، عن مصعب بن سعد ، عن أبيه قال : شربت الخمر مع قوم من الأنصار ، فذكر نحوه. (2)
12521 - حدثني يونس قال ، أخبرنا ابن وهب قال ، أخبرني عمرو بن الحارث ، أن ابن شهاب أخبره ، أن سالم بن عبد الله حدَّثه : أن أول ما حُرِّمت الخمر ، أن سعد بن أبي وقاص وأصحابًا له شربوا فاقتتلوا ، فكسروا أنف سعدٍ ، فأنزل الله : " إنما الخمر والميسر " ، الآية. (3)
* * *
__________
(1) الأثر : 12519 - في المطبوعة : " قال حدثنا أبو الأحوص ، عن سماك " ، وهو خطأ لا شك فيه وكان في المخطوطة في آخر الصفحة : " قال حدثنا أبو الأحوص قال " ثم بدأ في الصفحة التالية : " عن سماك... " ، فنسى الناسخ في نسخة فأسقط " حدثنا شعبة " ، وبدأ : " عن سماك " .
(2) الأثر : 12520 - هذا الأثر والذي قبلها طريقان أخريان للأثر رقم : 12518 ، انظر التخريج في التعليق عليه.
(3) الأثر : 12521 - خرجه السيوطي في الدر المنثور 2 : 315 ، ولم ينسبه لغير ابن جرير.

(10/570)


وقال آخرون : نزلت في قبيلتين من قبائل الأنصار.
ذكر من قال ذلك :
12522 - حدثنا الحسين بن علي الصدائي قال ، حدثنا حجاج بن المنهال قال ، حدثنا ربيعة بن كلثوم عن جبر ، عن أبيه ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس قال : نزل تحريم الخمر في قبيلتين من قبائل الأنصار شرِبوا. حتى إذا ثملوا ، عبث بعضهم على بعض. (1) فلما أن صَحوْا جعل الرجل منهم يرى الأثر بوجهه ولحيته فيقول : فعل بي هذا أخي فلان! وكانوا إخوة ، ليس في قلوبهم ضغائن والله لو كان بي رءوفًا رحيمًا ما فعل بي هذا! حتى وقعت في قلوبهم ضغائن ، (2) فأنزل الله : " إنما الخمر والميسر " إلى قوله : " فهل أنتم منتهون " ! فقال ناس من المتكلِّفين : رجْسٌ في بطن فلانُ قتل يوم بدر ، (3) وقتل فلان يوم أحُدٍ! فأنزل الله : ( لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا ) [سورة المائدة : 93] ، . الآية. (4)
__________
(1) في المطبوعة : " عبث بعضهم ببعض " ، وهكذا جاء في جمبع روايات الأثر ، فيما بين يدي من الكتب ، ولكنها في المخطوطة كما أثبتها ، وهي صحيحة إن شاء الله.
(2) في المطبوعة : " في قلوبهم الضغائن " ، وأثبت ما في المخطوطة.
(3) في المطبوعة : " هي رجس ، وهي في بطن فلان " ، وهكذا في سائر المراجع ، وأثبت ما في المخطوطة ، وكأنه صواب أيضا.
(4) الأثر : 12522 - " ربيعة بن كلثوم بن جبر الديلي البصري " ، روى له مسلم والنسائي ، متكلم فيه ، وهو ثقة. مضى برقم : 6240. وكان في المطبوعة : " ربيعة بن كلثوم عن جبير ، عن أبيه " ، وهو خطأ. وفي المخطوطة " ربيعة بن كلثوم عن جبر ، عن أبيه " ، وهو خطأ أيضًا ، وإن كان فيها " جبر " على الصواب. وجاء في المستدرك خطأ " جبير " وهو خطأ يصحح. مترجم في التهذيب ، والكبير 2/1/266 ، ولم يذكر فيه جرحًا ، وابن أبي حاتم 1/2/477 ، 478 ، وثقه يحيى بن معين. وفيه عن علي بن المديني ، قال : " سمعت يحيى بن سعيد يقول ، قلت : " لربيعة بن كلثوم في حديث ، عن أبيه ، عن سعيد بن جبير ، هو : عن ابن عباس ؟ قال : وهل كان يروي سعيد بن جبير إلا عن ابن عباس ؟ " .
وأبوه " كلثوم بن جبر بن مؤمل الديلي " ، ثقة ، وثقه أحمد مضى برقم : 6240 ، مترجم في التهذيب ، والكبير 4/1/227 ، وابن أبي حاتم 3/2/164.
وهذا الخبر رواه البيهقي في السنن 8 : 285 ، 286 ، والحاكم في المستدرك 4 : 141 ، ولم يذكر فيه شيئًا ، ولكن قال الذهبي في تعليقه على المستدرك : " قلت : صحيح على شرط مسلم " . وخرجه الهيثمي في مجمع الزوائد 7 : 18 ، وقال : " رواه الطبراني ، ورجاله رجال الصحيح " . ورواه أبو جعفر النحاس في الناسخ والمنسوخ : 40 مختصرًا ، بغير إسناد.
وخرجه ابن كثير في تفسيره 3 : 230 ، من رواية البيهقي في السنن ، وقال : " ورواه النسائي في التفسير ، عن محمد بن عبد الرحيم صاعقة ، عن حجاج بن منهال " .
وخرجه السيوطي في الدر المنثور 2 : 315. وزاد نسبته إلى عبد بن حميد ، وابن المنذر ، وأبي الشيخ ، وابن مردويه.

(10/571)


12523 - حدثنا محمد بن خلف قال ، حدثنا سعيد بن محمد الجرمي ، عن أبي تميلة ، عن سلام مولى حفص بن أبي القاسم ، عن ابن بريدة ، عن أبيه قال : بينما نحن قعود على شرابٍ لنا ، [ونحن على رَمْلة ، ونحن ثلاثة أو أربعة ، وعندنا باطِيةٌ لنا] ، ونحن نشرب الخمر حِلا إذ قمت حتى آتي رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلم عليه ، وقد نزل تحريم الخمر : " يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصابُ والأزلام رجسٌ من عمل الشيطان " ، إلى آخر الآيتين ، " فهل أنتم منتهون " ، فجئت إلى أصحابي فقرأتها عليهم إلى قوله : " فهل أنتم منتهون " ؟ قال : وبعض القوم شربته في يده ، قد شرب بعضًا وبقي بعضٌ في الإناء ، فقال بالإناء تحت شفته العليا كما يفعل الحجّام. ثم صبوا ما في باطيهتهم ، فقالوا : انتهينا ربّنا! انتهينا ربَّنا! (1)
* * *
__________
(1) الأثر : 12523 - " محمد بن خلف بن عمار العسقلاني " ، شيخ الطبري ، مضى برقم : 126 ، 6534.
" سعيد بن محمد بن سعيد الجرمي " . كوفي ثقة. روى عنه البخاري ومسلم. قال أبو زرعة : " ذاكرت عنه أحمد بأحاديث ، فعرفه " وقال : صدوق ، وكان يطلب معنا الحديث " . مترجم في التهذيب ، والكبير 2/1/471 ، وابن أبي حاتم 2/1/59.
و " أبو تميلة " ، هو : " يحيى بن واضح الأنصاري " مضى مرارًا ، آخرها رقم : 9009.
و " سلام ، مولى حفص ، أبو القاسم الليثي " ، مروزي ، مترجم في الكبير 2/2/134 ، وابن أبي حاتم 2/1/262. وقال البخاري في الكبير : " سمع عبد الله بن بريدة ، عن أبيه : نزلت في تحريم الخمر " ، قاله سعيد الجرمي : سمع يحيى بن واضح ، سمع سلاما " ، إشارة إلى هذا الخبر. ولم يذكر البخاري فيه جرحًا. وقال المعلق على الجرح والتعديل لابن أبي حاتم : " وفي الثقات : سلام الليثي ، والد أبي عبيد القاسم بن سلام " . وكان في المطبوعة هنا : " مولى حفص بن أبي قيس " لا أدري كيف استحل لنفسه تغيير ما كان في المخطوطة صوابًا ، إلى خطأ لا ندري ما هو.
و " ابن بريدة " ، هو " عبد الله بن بريدة بن الحصيب الأسلمي " قاضي مرو ، أخوه : " سليمان بريدة " ، كانا توأمين. روى عن أبيه ، وابن عباس ، وابن عمرو ، وابن عمر ، وابن مسعود ، وغيرهم من الصحابة. تكلم فيه أحمد بن حنبل. قال الجوزجاني : " قلت لأبي عبد الله : سمع عبد الله من أبيه شيئًا ؟ قال : ما أدري ، عامة ما يروى عن بريدة عنه. وضعف حديثه " . ووثقه ابن معين وأبو حاتم. مترجم في التهذيب ، وابن أبي حاتم 2 / 2 / 13. وكان في المطبوعة " أبي بريدة " ، وهو خطأ محض ، صوابه في المخطوطة.
وأبوه " بريدة بن الحصيب الأسلمي " ، صحابي قديم الإسلام ، قبل بدر. استعمله رسول الله صلى الله عليه وسلم على صدقات قومه.
وهذا الخبر ذكره ابن كثير في تفسيره 3 : 230 ، من رواية أبي جعفر ، وفيه " عن أبي بريدة " كخطأ المطبوعة. والسيوطي في الدر المنثور 2 : 315.
والزيادة التي بين القوسين من تفسير ابن كثير ، وهو لم ينقل هذا عن غير الطبري ، فلذلك زدتها ، والظاهر أنها سقطت من ناسخ نسختنا. وإن كان السيوطي قد ذكر الأثر بغير هذه الزيادة.
وقوله : " ونحن على رملة " ، يعني ، في رملة منبتة مريعة. و " الباطية " : ناجود الخمر ، وهي إناء عظيم من زجاج ، تملأ من الشراب ، وتوضع بين الشرب يغرفون منها ويشربون. وقوله : " قال بالإناء " ، يعني : أماله ثم نزعه ، كفعل الحجام وهو ينزع كأس الحجامة.

(10/572)


وقال آخرون : إنما كانت العداوة والبغضاء ، كانت تكون بين الذين نزلت فيهم هذه الآية بسبب الميسر ، لا بسبب السُّكر الذي يحدث لهم من شرب الخمر. فلذلك نهاهم الله عن الميسر.
ذكر من قال ذلك :
12524 - حدثنا بشر قال ، حدثنا جامع بن حماد قال ، حدثنا يزيد بن زريع قال بشر : وقد سمعته من يزيد وحدثنيه قال ، حدثنا سعيد ، عن قتادة قال : كان الرجل في الجاهلية يقامِر على أهله وماله ، فيقعد حَرِيبًا سليبًا ينظر إلى ماله في يَدَي غيره ، (1) فكانت تُورِث بينهم عداوة وبغضاءَ ، فنهى الله عن ذلك وقدَّم فيه. والله أعلم بالذي يصلح خلقه. (2)
* * *
__________
(1) في المطبوعة : " حزينًا سليبًا " ، وهي في المخطوطة غير منقوطة ، وصواب قراءتها ما أثبت. " حرب الرجل ماله ، فهو محروب وحريب " : إذا أخذ حريبته ، وهو ماله الذي يعيش به ، وتركه بلا شيء.
(2) الأثر : 12524 - " جامع بن حماد " ، انظر ما علقته على الأثر رقم : 12344.
واذكر أن هذا الأثر قد مضى قبل ، ولكن خفي علي مكانه.

(10/573)


وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ (92)

قال أبو جعفر : والصواب من القول في ذلك عندنا أن يقال ، إنّ الله تعالى قد سمَّى هذه الأشياء التي سمّاها في هذه الآية " رجسًا " ، وأمر باجتنابها.
وقد اختلف أهل التأويل في السبب الذي من أجله نزلت هذه الآية ، وجائز أن يكون نزولها كان بسبب دُعاء عمر رضى الله عنه في أمر الخمر وجائز أن يكون ذلك كان بسبب ما نالَ سعدًا من الأنصاري عند انتِشائهما من الشراب وجائز أن يكون كان من أجل ما كان يلحق أحدَهم عند ذهاب ماله بالقمار من عداوة من يَسَرَه وبغضِه ، (1) وليس عندنا بأيِّ ذلك كان ، خيرٌ قاطع للعذر. غير أنه أيّ ذلك كان ، فقد لزم حكم الآية جميعَ أهل التكليف ، وغيرُ ضائرهم الجهل بالسبب الذي له نزلت هذه الآية. فالخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجسٌ من عمل الشيطان ، فرضٌ على جميع من بلغته الآية من التكليفُ اجتنابُ جميع ذلك ، كما قال تعالى : " فاجتنبوه لعلكم تفلحون " .
* * *
القول في تأويل قوله : { وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلاغُ الْمُبِينُ (92) }
قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره : إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجسٌ من عمل الشيطان فاجتنبوه " " وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول " ، في اجتنابكم
__________
(1) " يسره " ، يعني : غلبه في الميسر ، وأخذ ماله. قال الزمخشري : " من المجاز : أسروه ، ويسروا ماله. وتياسرت الأهواء قلبه ، قال ذو الرمة : بِتَفْرِيقِ أَظْعَانٍ تيايَسَرْنَ قَلْبَهُ ... وَخَانَ العَصَا مِنْ عَاجِلِ البَيْنِ قَادِحُ
وهذا اللفظ كما استعمله أبو جعفر ، لم تقيده كتب اللغة ، ولكن مقالة الزمخشري دالة على صوابه ، كما قالوا من " القمار " : " قمره " .

(10/574)


ذلك ، واتباعكم أمره فيما أمركم به من الانزجار عما زجَركم عنه من هذه المعانِي التي بيَّنها لكم في هذه الآية وغيرها ، وخالِفوا الشيطان في أمره إيّاكم بمعصية الله في ذلك وفي غيره ، فإنه إنما يبغي لكم العداوةَ والبغضاءَ بينكم بالخمر والميسر
" واحذروا " ، يقول : واتقوا الله وراقبوه أن يراكم عند ما نهاكم عنه من هذه الأمور التي حرّمها عليكم في هذه الآية وغيرها ، أو يفقِدَكم عند ما أمركم به ، فتُوبقوا أنفسكم وتهلكوها " فإن توليتم " ، يقول : فإن أنتم لم تعملوا بما أمرناكم به ، وتنتهوا عما نهيناكم عنه ، ورجعتم مدبرين عما أنتم عليه من الإيمان والتصديق بالله وبرسوله ، واتباع ما جاءكم به نبيكم (1) " فاعملوا أنما على رسولنا البلاغُ المبين " ، يقول : فاعلموا أنه ليس على من أرسلناه إليكم بالنِّذَارة غير إبلاغكم الرسالة التي أرسل بها إليكم ، (2) مبينةً لكم بيانًا يُوضِّح لكم سبيل الحقّ ، والطريقَ الذي أمرتم أن تسلكوه. (3) وأما العقاب على التولية والانتقام بالمعصية ، فعلى المُرْسَل إليه دون الرسل.
وهذا من الله تعالى وعيد لمن تولَّى عن أمره ونهيه. يقول لهم تعالى ذكره : فإن توليتم عن أمري ونهيي ، فتوقّعوا عقابي ، واحذَرُوا سَخَطي.
* * *
__________
(1) انظر تفسير " التولي " فيما سلف : 393 ، تعليق : 1 ، والمراجع هناك.
(2) " النذارة " (بكسر النون) قال صاحب القاموس : " النذير : الإنذار كالنذارة ، بالكسر. وهذه عن الإمام الشافعي رضي الله عنه " . انظر رسالة الشافعي ص : 14 ، الفقرة : 35 ، وتعليق أخي السيد أحمد عليها.
(3) انظر تفسير " مبين " فيما سلف 9 : 428 ، تعليق : 1 ، والمراجع هناك.

(10/575)


لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا إِذَا مَا اتَّقَوْا وَآَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ثُمَّ اتَّقَوْا وَآَمَنُوا ثُمَّ اتَّقَوْا وَأَحْسَنُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (93)

القول في تأويل قوله : { لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا إِذَا مَا اتَّقَوْا وَآمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ثُمَّ اتَّقَوْا وَآمَنُوا ثُمَّ اتَّقَوْا وَأَحْسَنُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (93) }
قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره للقوم الذين قالوا إذْ أنزل الله تحريم الخمر بقوله : " إنما الخمرُ والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه " : كيفَ بمن هلك من إخواننا وهم يشربونها ؟ وبنا وقد كنّا نشربها ؟ ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات منكم حرج فيما شربوا من ذلك ، في الحال التي لم يكن الله تعالى حرَّمه عليهم (1) " إذا ما اتقوا وآمنوا وعملوا الصالحات " ، يقول : إذا ما اتقى الله الأحياءُ منهم فخافوه ، وراقبوه في اجتنابهم ما حرَّم عليهم منه ، (2) وصدَّقوا الله ورسوله فيما أمراهم ونهياهم ، فأطاعوهما في ذلك كله " وعملوا الصالحات " ، يقول : واكتسبوا من الأعمال ما يرضاه الله في ذلك مما كلفهم بذلك ربُّهم (3) " ثم اتقوا وآمنوا " ، يقول : ثم خافوا الله وراقبوه باجتنابهم محارِمه بعد ذلك التكليف أيضًا ، فثبتوا على اتقاء الله في ذلك والإيمان به ، ولم يغيِّروا ولم يبدِّلوا " ثم اتقوا وأحسنوا " ، يقول : ثم خافوا الله ، فدعاهم خوفُهم الله إلى الإحسان ، وذلك " الإحسان " ، هو العمل بما لم يفرضه عليهم من الأعمال ، ولكنه نوافلُ تقرَّبوا بها إلى رّبهم طلبَ رِضاه ، وهربًا من عقابه (4) " والله يحب المحسنين " ، يقول : والله يحب المتقرِّبين إليه بنوافل الأعمال التي يرضاها.
__________
(1) انظر تفسير " الجناح " 9 : 268 ، تعليق : 4 ، والمراجع هناك وتفسير " طعم " فيما سلف 5 : 342.
(2) انظر تفسير " اتقى " فيما سلف من فهارس اللغة (وقى).
(3) انظر تفسير " الصالحات " فيما سلف من فهارس اللغة (صلح).
(4) انظر تفسير " الإحسان " فيما سلف : 512 ، تعليق : 1 ، والمراجع هناك.

(10/576)


فالاتقاء الأوّل : هو الاتقاء بتلقِّي أمر الله بالقَبُول والتصديق ، والدينونة به والعمَل والاتقاء الثاني : الاتقاء بالثبات على التصديق ، وترك التبديل والتغيير والاتقاء الثالث : هو الاتقاء بالإحسان ، والتقرُّب بنوافل الأعمال.
* * *
فإن قال قائل : ما الدليل على أنّ " الاتقاء " الثالث ، هو الاتقاء بالنوافل ، دون أن يكون ذلك بالفرائضِ ؟
قيل : إنه تعالى ذكره قد أخبر عن وضعه الجناح عن شاربي الخمر التي شربوها قبل تحريمه إيّاها ، إذا هم اتقوا الله في شربها بعد تحريمِها ، وصدّقوا الله ورسوله في تحريمها ، وعملوا الصالحات من الفرائض. ولا وجه لتكرير ذلك وقد مضى ذكرُه في آيةٍ واحدة.
* * *
وبنحو الذي قلنا من أن هذه الآية نزلت فيما ذكرنا أنها نزلت فيه ، جاءت الأخبار عن الصَّحابة والتابعين.
* ذكر من قال ذلك :
12525 - حدثنا هناد بن السري وأبو كريب قالا حدثنا وكيع وحدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا أبي عن إسرائيل ، عن سماك ، عن عكرمة ، عن ابن عباس قال : لما نزل تحريم الخمر قالوا : يا رسول الله ، فكيف بأصحابنا الذين ماتوا وهم يشربون الخمر ؟ فنزلت : " ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح " ، الآية. (1)
__________
(1) الأثران : 12525 ، 12526 - إسنادهما صحيح.
رواه أحمد في مسنده : 2088 ، 2452 ، 2691 مطولا ، 2775.
ورواه الترمذي في السنن (كتاب التفسير) ، وقال : " هذا حديث حسن صحيح " .
ورواه الحاكم في المستدرك 4 : 143 ، وقال : " هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه " ، ووافقه الذهبي ، وقال : " صحيح " .
وذكره ابن كثير في تفسيره 3 : 233 ، من حديث أحمد في المسند.
وذكره السيوطي في الدر المنثور 2 : 320 ، وزاد نسبته إلى الفريابي ، وعبد بن حميد ، وابن المنذر ، وابن مردويه ، والبيهقي في شعب الإيمان.

(10/577)


12526 - حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا عبد الله ، عن إسرائيل بإسناده ، نحوه.
12527 - حدثنا محمد بن بشار قال ، حدثني عبد الكبير بن عبد المجيد قال ، أخبرنا عباد بن راشد ، عن قتادة ، عن أنس بن مالك قال : بينَا أنا أدير الكأس على أبي طلحة ، وأبي عبيدة بن الجراح ، ومعاذ بن جبل ، وسهيل بن بيضاء ، وأبي دجانة ، حتى مالت رءوسهم من خَليط بُسْرٍ وتمر. (1) فسمعنا مناديًا ينادي : ألا إنّ الخمر قد حُرِّمت! قال : فما دخل علينا داخل ولا خرج منا خارج ، حتى أهرقنا الشراب ، وكسرنا القِلال ، (2) وتوضأ بعضنا ، واغتسل بعضنا ، فأصبْنَا من طِيب أمِّ سليم ، ثم خرجنا إلى المسجد ، وإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ : " يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون " ، إلى قوله : " فهل أنتم منتهون " . فقال رجل : يا رسول الله ، فما منزلةُ من مات منا وهو يشربها ؟ فأنزل الله تعالى ذكره : " ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا " الآية ، فقال رجل لقتادة : سمعتَه من أنس بن مالك ؟ قال : نعم! قال رجل لأنس بن مالك : أنت سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال : نعم! وحدّثني من لم يكذب ، والله ما كنا نكذب ، ولا ندري ما الكذب! (3)
__________
(1) " البسر " (بضم الباء وسكون السين) : التمر قبل أن يرطب ، وهو ما لون منه ولم ينضج ، فإذا نضج فقد أرطب.
(2) " القلال " جمع " قلة " (بضم القاف) : وهي الجرة الكبيرة.
(3) الأثر : 12527 - " عبد الكبير بن عبد المجيد الحنفي البصري " ، ثقة. مضى برقم : 6822 ، 10317.
و " عباد بن راشد التميمي " ، قال أحمد : " ثقة صدوق " ، وضعفه يحيى بن معين ، وتركه يحيى القطان. روى له البخاري مقرونًا بغيره. ومضى برقم 11060.
و " أم سليم " المذكورة في الخبر ، هي : " أم سليم بنت ملحان الأنصارية " ، لها صحبة ، وهي والدة أنس بن مالك ، وزوج أبي طلحة الأنصاري ، خطبها أبو طلحة وهو مشرك ، فأبت عليه إلا أن يسلم ، فأسلم.
وذكر هذا الخبر ابن كثير في تفسيره 3 : 228 ، ولم ينسبه لغير ابن جرير ، وكذلك السيوطي في الدر المنثور 2 : 320.
وخبر أنس هذا ، رواه البخاري من طريق أخرى بغير هذا اللفظ (الفتح 8 : 209). ومسلم في صحيحه بغير هذا اللفظ من طرق 13 : 148 - 151. والنسائي في السنن 8 : 287 ، 288.

(10/578)


12528 - حدثنا هناد قال ، حدثنا ابن أبي زائدة قال ، أخبرنا إسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن البراء قال : لما حرمت الخمر قالوا : كيف بأصحابنا الذين ماتوا وهم يشربون الخمر ؟ فنزلت : " ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا " ، الآية. (1)
12529 - حدثنا محمد بن المثنى قال ، حدثنا محمد بن جعفر قال ، حدثنا شعبة ، عن أبي إسحاق قال ، قال البراء : مات ناسٌ من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم يشربون الخمر ، فلما نزل تحريمها ، قال أناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم : فكيف بأصحابنا الذين ماتوا وهم يشربونها ؟ فنزلت هذه الآية : " ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات " ، الآية. (2)
12530 - حدثنا هناد قال ، حدثنا ابن أبي زائدة قال ، أخبرنا داود ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، قال : نزلت : " ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات
__________
(1) الأثران : 12528 ، 12529 - رواه أبو داود الطيالسي في مسنده : 97 ، رقم : 715 ، من طريق شعبة ، به.
ورواه الترمذي في السنن (كتاب التفسير) من طريق عبيد الله بن موسى ، عن إسرائيل ، عن أبي إسحق (طريق أبي جعفر رقم : 12528) ، وقال : " هذا حديث حسن صحيح " . ثم رواه من طريق : " محمد بن بشار ، عن محمد بن جعفر ، عن شعبة " (طريق أبي جعفر رقم : 12529) ، ثم قال : " هذا حديث حسن صحيح " .
وخرجه ابن كثير في تفسيره 3 : 231 ، من مسند أبي داود الطيالسي.
وخرجه السيوطي في الدر المنثور 2 : 320 ، وزاد نسبته إلى عبد بن حميد ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وابن حبان ، وأبي الشيخ ، وابن مردويه.
(2) الأثران : 12528 ، 12529 - رواه أبو داود الطيالسي في مسنده : 97 ، رقم : 715 ، من طريق شعبة ، به.
ورواه الترمذي في السنن (كتاب التفسير) من طريق عبيد الله بن موسى ، عن إسرائيل ، عن أبي إسحق (طريق أبي جعفر رقم : 12528) ، وقال : " هذا حديث حسن صحيح " . ثم رواه من طريق : " محمد بن بشار ، عن محمد بن جعفر ، عن شعبة " (طريق أبي جعفر رقم : 12529) ، ثم قال : " هذا حديث حسن صحيح " .
وخرجه ابن كثير في تفسيره 3 : 231 ، من مسند أبي داود الطيالسي.
وخرجه السيوطي في الدر المنثور 2 : 320 ، وزاد نسبته إلى عبد بن حميد ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وابن حبان ، وأبي الشيخ ، وابن مردويه.

(10/579)


جناح فيما طعموا " ، فيمن قُتِل ببدر وأحُدٍ مع محمد صلى الله عليه وسلم.
12531 - حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا خالد بن مخلد قال ، حدثنا علي ابن مسهر ، عن الأعمش ، عن إبراهيم ، عن علقمة ، عن عبد الله قال : لما نزلت : " ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا " ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : قيل لي : أنت منهم. (1)
12532 - حدثنا بشر بن معاذ قال ، حدثنا جامع بن حماد قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد ، عن قتادة قوله : " ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا " ، إلى قوله : " والله يحب المحسنين " ، لما أنزل الله تعالى ذكره تحريم الخمر في " سورة المائدة " ، بعد " سورة الأحزاب " ، (2) قال في ذلك
__________
(1) الأثر : 12531 - " خالد بن مخلد القطواني " ثقة ، مضى برقم 2206 ، 4577 ، 8166 ، 8397.
و " علي بن مسهر القرشي " ، ثقة ، مضى برقم : 4453 ، 5777.
وهذا الخبر ، رواه مسلم في صحيحه (16 : 14) من طرق ، عن علي بن مسهر ، عن الأعمش ، بمثله.
ورواه الترمذي من طريق سفيان بن وكيع ، عن خالد بن مخلد ، وقال : " هذا حديث حسن صحيح " .
ورواه الحاكم في المستدرك 4 : 143 ، 144 ، من طريق سليمان بن قرم ، عن الأعمش ، بزيادة في لفظه ، وقال : " هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه ، وإنما اتفقا على حديث شعبة ، عن أبي إسحق ، عن البراء ، مختصر هذا المعنى " ، ولم أجده حديث البراء في الصحيحين ، كما قال الحاكم. وأما الذهبي فلم يزد في تعليقه على المستدرك إلا أن قال : " صحيح " . ولم أجد من نسب حديث البراء إلى الشيخين ، وهو الذي مضى برقم : 12528 ، 12529. وخرجه الهيثمي في مجمع الزوائد 7 : 18 ، بمثل لفظ الحاكم في المستدرك ، ثم قال : " في الصحيح بعضه ، رواه الطبراني ، ورجاله ثقات " . وهذا هو الصحيح لا ما قال الحاكم.
وخرجه ابن كثير في تفسيره 3 : 233 وقال : " رواه مسلم ، والترمذي ، والنسائي من طريقه " .
وخرجه السيوطي في الدر المنثور 2 : 321 ، في موضعين ، قال في مثل لفظ الحاكم : " أخرجه الطبراني ، وابن مردويه ، والحاكم وصححه " . ثم رواه مختصرًا كرواية أبي جعفر ، ونسبه إلى مسلم ، والترمذي والنسائي ، وابن مردويه ، وابن أبي حاتم ، وأبي الشيخ.
(2) قوله : " بعد سورة الأحزاب " ، كأنه يعني بعد نزول سورة الأحزاب ، وليس في سورة الأحزاب ذكر تحريم الخمر ، وكأنه عنى بذلك " بعد غزوة الأحزاب " ، وأخشى أن يكون قوله : " سورة الأحزاب " ، سهوا من الناسخ ، والصواب " غزوة الأحزاب " ، ولكن هكذا جاء في الدر المنثور أيضًا 2 : 321 ، ونسب الخبر ، لعبد بن حميد ، وابن جرير.

(10/580)


رجال من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم : أصيب فلانٌ يوم بدر ، وفلانٌ يوم أحد ، وهم يشربونها! فنحن نشهد أنهم من أهل الجنة! فأنزل الله تعالى ذكره : " ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا إذا ما اتقوا وآمنوا وعملوا الصالحات ثم اتقوا وآمنوا ثم اتقوا وأحسنوا والله يحب المحسنين " ، يقول : شربها القومُ على تقوى من الله وإحسانٍ ، وهي لهم يومئذ حلال ، ثم حرِّمت بعدهم ، فلا جناح عليهم في ذلك.
12533 - حدثني المثنى قال ، حدثنا عبد الله بن صالح قال ، حدثني معاوية بن صالح ، عن علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس قوله : " ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا " ، قالوا : يا رسول الله ، ما نقول لإخواننا الذين مضوا ؟ كانوا يشربون الخمر ، ويأكلون الميسر! فأنزل الله : " ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا " ، يعني قبل التحريم ، إذا كانوا محسنين متقين وقال مرة أخرى : " ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا " من الحرام قبل أن يحرَّم عليهم " إذا ما اتقوا وأحسنوا " ، بعد ما حُرِّم ، وهو قوله : ( فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ ) ، [سورة البقرة : 275].
12534 - حدثني محمد بن سعد قال ، حدثني أبي قال ، حدثني عمي قال ، حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قوله : " ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا " ، يعني بذلك رجالا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ماتوا وهم يشربون الخمر قبل أن تحرَّم الخمر ، فلم يكن عليهم فيها جناح قبلَ أن تحرَّم. فلما حرِّمت قالوا : كيف تكون علينا حرامًا ، وقد مات إخواننا وهم يشربونها ؟ فأنزل الله تعالى ذكره : " ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا إذا

(10/581)


يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللَّهُ بِشَيْءٍ مِنَ الصَّيْدِ تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ لِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَخَافُهُ بِالْغَيْبِ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ (94)

ما اتقوا وآمنوا وعملوا الصالحات " ، يقول : ليس عليهم حرج فيما كانوا يشربون قبل أن أحرِّمها ، إذا كانوا محسنين متقين " والله يحب المحسنين " .
12535 - حدثني محمد بن عمرو قال ، حدثنا أبو عاصم قال ، حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قول الله تعالى : " ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا " ، لمن كان يشرب الخمرَ ممن قتل مع محمد صلى الله عليه وسلم ببدرٍ وأحُدٍ.
12536 - حدثت عن الحسين بن الفرج قال ، سمعت أبا معاذ الفضل بن خالد قال ، حدثنا عبيد بن سليمان ، عن الضحاك قوله : " ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح " ، الآية ، هذا في شأن الخمر حين حرِّمت ، سألوا نبيَّ الله صلى الله عليه وسلم فقالوا : إخواننا الذين ماتوا وهم يشربونها ؟ فأنزل الله تعالى ذكره هذه الآية.
* * *
القول في تأويل قوله : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللَّهُ بِشَيْءٍ مِنَ الصَّيْدِ تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ }
قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره : يا أيها الذين صدَّقوا الله ورسوله " ليبلونّكم الله بشيء من الصيد " ، يقول : ليختبرنكم الله (1) " بشيء من الصيد " ، يعني : ببعض الصيد.
وإنما أخبرهم تعالى ذكره أنه يبلوهم بشيء ، لأنه لم يبلُهم بصيد البحر ، وإنما ابتلاهم بصيد البرّ ، فالابتلاء ببعض لا بجميع. (2)
* * *
__________
(1) انظر تفسير " بلا " فيما سلف : 389 ، تعليق : 1 ، والمراجع هناك.
(2) في المطبوعة : " فالابتلاء ببعض لم يمتنع " ، وهو كلام فارغ من كل معنى. وفي المخطوطة : " فالابتلاء ببعض لا يخشع " ، أساء الناسخ ، الكتابة ، فأساء الناشر التصرف. وصواب العبارة ما أثبت ، لأن أبا جعفر أراد أن يقول إن قوله تعالى : " بشيء من الصيد " ، هو صيد البر خاصة ، دون صيد البحر ، ولم يعم الصيد جميعه بالتحريم. وهذا بين جدًا فيما سيأتي بعد في تفسير هذه الآيات. فصح ما أثبته من قراءة المخطوطة السيئة الكتابة.

(10/582)


وقوله : " تناله أيديكم " ، فإنه يعني : إما باليد ، كالبيض والفراخ وإما بإصابة النَّبْل والرماح ، وذلك كالحمر والبقر والظباء ، فيمتحنكم به في حال إحرامكم بعمرتكم أو بحجّكم.
* * *
وبنحو ذلك قالت جماعة من أهل التأويل.
ذكر من قال ذلك :
12537 - حدثنا هناد قال ، حدثنا ابن أبي زائدة قال ، أخبرنا ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قوله : " ليبلونكم الله بشيء من الصيد تناله أيديكم ورماحكم " ، قال : " أيديكم " ، صغارُ الصَّيد ، أخذ الفراخ والبيض و " الرماح " قال : كبارُ الصيد.
12538 - حدثنا هناد قال ، حدثنا ابن أبي زائدة ، عن داود ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، مثله.
12539 - حدثني محمد بن عمرو قال ، حدثنا أبو عاصم ، عن عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قوله : " تناله أيديكم ورماحكم " ، قال : النَّبْل " رماحكم " ، تنال كبير الصيد ، (1) " وأيديكم " ، تنال صغير الصيد ، أخذ الفرخ والبيض.
12540 - حدثنا هناد قال ، حدثنا وكيع وحدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا أبي ، عن سفيان ، عن حميد الأعرج ، عن مجاهد في قوله : " ليبلونكم الله بشيء من الصيد تناله أيديكم ورماحكم " ، قال : ما لا يستطيع أن يفرَّ من الصيد.
__________
(1) في المطبوعة : " قال : النبل ، ورماحكم تنال... " بزيادة " واو " للعطف ، والصواب ما في المخطوطة ، بحذف " الواو " .

(10/583)


12541 - حدثنا ابن بشار قال ، حدثنا يحيى بن سعيد. وعبد الرحمن قالا حدثنا سفيان ، عن حميد الأعرج ، عن مجاهد ، مثله.
12542 - حدثني المثنى قال ، حدثنا عبد الله قال ، حدثني معاوية بن صالح ، عن علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس قوله : " أيديكم ورماحكم " ، قال : هو الضعيف من الصيد وصغيره ، يبتلي الله تعالى ذكره به عباده في إحرامهم ، حتى لو شاءوا نالوه بأيديهم. فنهاهم الله أن يقرَبوه.
12543 - حدثني الحارث قال ، حدثنا عبد العزيز قال ، حدثنا سفيان الثوري ، عن حميد الأعرج ، وليث ، عن مجاهد في قوله : " يا أيها الذين آمنوا ليبلونكم الله بشيء من الصيد تناله أيديكم ورماحكم " ، قال : الفراخ والبيض ، وما لا يستطيع أن يفّر.
* * *
القول في تأويل قوله : { لِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَخَافُهُ بِالْغَيْبِ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ (94) }
قال أبو جعفر : يعني تعالى ذكره : ليختبرنكم الله ، أيها المؤمنون ، ببعض الصيد في حال إحرامكم ، كي يعلم أهلَ طاعة الله والإيمان به ، والمنتهين إلى حدوده وأمره ونهيه ، (1) ومن الذي يخاف الله فيتقي ما نهاه عنه ، (2) ويجتنبه خوف عقابه " بالغيب " ، بمعنى : في الدنيا ، بحيث لا يراه. (3) .
* * *
وقد بينا أن " الغيب " ، إنما هو مصدر قول القائل : " غاب عنّى هذا الأمر
__________
(1) في المطبوعة : " والمنتهون إلى حدوده " ، وهو خطأ ، صوابه من المخطوطة.
(2) انظر تفسير " الخوف " فيما سلف من فهارس اللغة.
(3) يعني أبو جعفر ، بحيث لا يرى العقاب عيانًا في الدنيا ، كما يراه عيانًا في الآخرة.

(10/584)


فهو يغيب غَيْبًا وغَيْبَةً " ، وأنّ ما لم يُعَاين ، فإن العرب تسميه " غَيْبًا " . (1)
* * *
فتأويل الكلام إذًا : ليعلم أولياء الله من يخافُ الله فيتقي محارمَه التي حرمها عليه من الصيد وغيره ، بحيث لا يراه ولا يُعاينه.
* * *
وأما قوله : " فمن اعتدى بعد ذلك " ، فإنه يعني : فمن تجاوز حدَّ الله الذي حدّه له ، (2) بعد ابتلائه بتحريم الصيد عليه وهو حرام ، فاستحلَّ ما حرَّم الله عليه منه بأخذِه وقتله " فله عذابٌ ، من الله " أليم " ، يعني : مؤلم موجع. (3)
* * *
__________
(1) انظر تفسير " الغيب " فيما سلف 1 : 236 ، 237 / 6 : 405.
(2) انظر تفسير " اعتدى " فيما سلف من فهارس اللغة (عدا).
(3) انظر تفسير " أليم " فيما سلف من فهارس اللغة (ألم).

(10/585)


يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا لِيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ عَفَا اللَّهُ عَمَّا سَلَفَ وَمَنْ عَادَ فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ (95)

القول في تأويل قوله : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ }
قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره : يا أيها الذين صدّقوا الله ورسوله " لا تقتلوا الصيد " ، الذي بينت لكم ، وهو صيد البر دون صيد البحر " وأنتم حرم " ، يقول : وأنتم محرمون بحج أو عمرة.
* * *
و " الحرم " ، جمع " حَرَام " ، والذكر والأنثى فيه بلفظ واحد. تقول : " هذا رجل حرام " و " هذه امرأة حرَام " . فإذا قيل : " محرم " ، قيل للمرأة : " محرمة " . و " الإحرام " ، هو الدخول فيه ، يقال : " أحرَم القوم " ، إذا دخلوا في الشهر الحرام ، أو في الحَرَم.
* * *
فتأويل الكلام : لا تقتلوا الصيدَ وأنتم محرمون بحجّ أو عمرة.
* * *
وقوله : " ومن قتله منكم متعمدًا " ، فإن هذا إعلام من الله تعالى ذكره عبادَه حكمَ القاتل من المحرمين الصيدَ الذي نهاه عن قتله متعمدًا. (1)
* * *
ثم اختلف أهل التأويل في صفة " العَمْد " الذي أوجب الله على صاحبه به الكفارةَ والجزاء في قتله الصيد.
__________
(1) انظر تفسير " التعمد " فيما سلف 9 : 57.

(10/7)


فقال بعضهم : هو العمد لقتل الصيد ، مع نسيان قاتله إحرامَه في حال قتله. وقال : إن قتله وهو ذاكر إحرامه متعمدًا قتله ، فلا حكم عليه ، وأمره إلى الله.
قالوا : وهذا أجلُّ أمرًا من أن يحكم عليه ، أو يكونَ له كفارة.
* ذكر من قال ذلك :
12544 - حدثنا سفيان بن وكيع قال ، حدثنا ابن عيينة ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : " ومن قتله منكم متعمدًا فجزاءٌ مثل ما قتل من النعم " ، من قتله منكم ناسيًا لإحرامه ، متعمدًا لقتله ، فذلك الذي يحكم عليه. فإن قتله ذاكرًا لحُرْمه ، (1) متعمدًا لقتله ، لم يحكم عليه.
12545 - حدثنا ابن وكيع وابن حميد قالا حدثنا جرير ، عن ليث ، عن مجاهد ، في الذي يقتل الصيد متعمدًا وهو يعلم أنه محرم ، ويتعمد قتله ، (2) قال : لا يحكم عليه ، ولا حج له. وقوله : " ومن قتله منكم متعمدًا " ، قال : هو العمد المكفر ، وفيه الكفارة والخطأ ، أن يصيبَه وهو ناس لإحرامه ، متعمدًا لقتله أو يصيبه وهو يريد غيره. فذلك يحكم عليه مرة. (3)
12546 - حدثني محمد بن عمرو قال ، حدثنا أبو عاصم قال ، حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : " لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم ومن قتله منكم متعمدًا " ، غير ناس لحُرْمه (4) ولا مريدٍ غيرَه ، فقد حلّ ، وليست له رخصة. ومن قتله ناسيًا ، أو أراد غيره فأخطأ به ، فذلك العمدُ المكفَّر.
12547 - حدثنا يعقوب قال ، حدثنا هشيم ، عن ليث ، عن مجاهد في قوله : " ومن قتله منكم متعمدًا " ، قال : متعمدًا لقتله ، ناسيًا لإحرامه.
__________
(1) في المخطوطة " ذاكرا " في آخر السطر وفي أوله : " الحرمه " وصواب قراءتها ما في المطبوعة. و " الحرم " (بضم الحاء وسكون الراء) : الإحرام بالحج.
(2) في المطبوعة : " ومتعمد قتله " والصواب من المخطوطة.
(3) قوله : " مرة " يعني مرة واحدة فإن عاد لم يحكم عليه ، ومن عاد فينتقم الله منه.
(4) " الحرم " (بضم فسكون) مضى تفسيره في التعليق رقم : 1.

(10/8)


12548 - حدثني يحيى بن طلحة اليربوعي قال ، حدثنا الفضيل بن عياض ، عن ليث ، عن مجاهد قال : العمد هو الخطأ المكفَّر.
12549 - حدثنا الحسن بن عرفة قال ، حدثنا يونس بن محمد قال ، حدثنا عبد الواحد بن زياد قال ، حدثنا ليث قال ، قال مجاهد : قول الله : " ومن قتله منكم متعمدًا فجزاءٌ مثل ما قتل من النعم " ، قال : فالعمد الذي ذكر الله تعالى ذكره : أن يصيب الصيدَ وهو يريد غيره فيصيبه ، فهذا العمد المكفَّر ، فأما الذي يصيبه غيرَ ناس ولا مريد لغيره ، فهذا لا يحكم عليه. هذا أجلُّ من أن يحكم عليه. (1)
12550 - حدثنا ابن وكيع ، ومحمد بن المثنى قالا حدثنا محمد بن جعفر ، عن شعبة ، عن الهيثم ، عن الحكم ، عن مجاهد : أنه قال في هذه الآية : " ومن قتله منكم متعمدًا " ، قال : يقتله متعمدًا لقتله ، ناسيًا لإحرامه.
12551 - حدثنا ابن المثنى قال ، حدثنا ابن أبي عدي قال ، حدثنا شعبة ، عن الهيثم ، عن الحكم ، عن مجاهد ، مثله.
12552 - حدثنا هناد قال ، حدثنا ابن أبي زائدة قال ، قال ابن جريج " ومن قتله منكم متعمدًا " ، غير ناس لحُرْمه ولا مريدٍ غيرَه ، فقد حلَّ ، وليست له رخصة. ومن قتله ناسيًا لحرمه ، أو أراد غيره فأخطأ به ، فذلك العمد المكفَّر.
12553 - حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا سهل بن يوسف ، عن عمرو ، عن الحسن : " ومن قتله منكم متعمدًا " ، للصيد ، ناسيًا لإحرامه " فمن اعتدى بعد ذلك " ، متعمدًا للصيد يذكرُ إحرامه. (2)
12554 - حدثنا عمرو بن علي قال ، حدثنا محمد بن أبي عدي قال ، حدثنا إسماعيل بن مسلم قال : كان الحسن يفتي فيمن قتل الصيد متعمدًا ذاكرًا
__________
(1) الأثر : 12549 - " يونس بن محمد بن مسلم البغدادي " الحافظ مضى برقم : 5090.
(2) الأثر : 12553 - " سهل بن يوسف الأنماطي " مضى في مثل هذا الإسناد رقم : 10648.

(10/9)


لإحرامه : لم يحكم عليه قال إسماعيل : وقال حماد ، عن إبراهيم ، مثل ذلك.
12555 - حدثنا عمرو بن علي قال ، حدثنا عفان بن مسلم قال ، حدثنا حماد بن سلمة قال : أمرني جعفر بن أبي وحشية أن أسأل عمرو بن دينار عن هذه الآية : " ومن قتله منكم متعمدًا فجزاءٌ مثل ما قتل من النعم " ، الآية ، فسألته ، فقال : كان عطاء يقول : هو بالخيار ، أيَّ ذلك شاء فعل ، إن شاء أهدى ، وإن شاء أطعم ، وإن شاء صام. فأخبرت به جعفرًا وقلت : ما سمعت فيه ؟ فتلكأ ساعة ، ثم جعل يضحك ولا يخبرني ، ثم قال : كان سعيد بن جبير يقول : يحكم عليه من النعم هديًا بالغ الكعبة ، وإنما جُعل الطعام والصيام [كفارة] ، فهذا لا يبلغُ ثمن الهدي ، (1) والصيام فيه من ثلاثة أيام إلى عشرة.
12556 - حدثنا ابن البرقي قال ، حدثنا ابن أبي مريم قال ، أخبرنا نافع بن يزيد قال ، أخبرني ابن جريج قال ، قال مجاهد : " ومن قتله منكم متعمدًا " ، غير ناس لحُرْمه ، ولا مريدٍ غيره ، فقد حلّ ، وليست له رخصة. ومن قتله ناسيًا ، أو أراد غيره فأخطأ به ، فذلك العمد المكفَّر.
12557 - حدثنا يونس قال ، أخبرنا ابن وهب قال ، قال ابن زيد : أما الذي يتعمد فيه للصيد وهو ناس لحرمه ، أو جاهل أنّ قتله غيرُ محرَّم ، فهؤلاء الذين يحكم عليهم. فأما من قتله متعمدًا بعد نهي الله ، وهو يعرف أنه مُحْرِم ، وأنه حرام ، فذلك يوكَل إلى نقمة الله ، وذلك الذي جعل الله عليه النقمة.
12558 - حدثني يعقوب قال ، حدثنا هشيم ، عن ليث ، عن مجاهد في قوله : " ومن قتله منكم متعمدًا " ، قال : متعمدًا لقتله ، ناسيًا لإحرامه.
* * *
__________
(1) في المطبوعة : " ... هديًا بالغ الكعبة فإن لم يجد يحكم عليه ثمنه ، فقوم طعامًا ، فتصدق به ، فإن لم يجد حكم عليه الصيام فيه من ثلاثة أيام إلى عشرة " غير ما كان في المخطوطة كل التغيير. والذي كان في المخطوطة هو ما أثبته حاشى الزيادة التي بين القوسين زدتها استظهارا من سياق الآية ليستقيم الكلام. وقوله : " فهذا لا يبلغ ثمن الهدي " كأنه يعني إطعام المساكين. والجملة بعد ذلك تحتاج إلى فضل تأمل ، ولم أجد الخبر في مكان غير هذا المكان.

(10/10)


وقال آخرون : بل ذلك هو العمد من المحرِم لقتل الصيد ، ذاكرًا لحُرْمه.
* ذكر من قال ذلك :
12559 - حدثنا هناد قال ، حدثنا وكيع وحدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا أبي عن سفيان ، عن ابن جريج ، عن عطاء قال : يحكم عليه في العمد والخطأ والنسيان.
12560 - حدثنا هناد قال ، حدثنا ابن أبي زائدة قال ، حدثنا ابن جريج وحدثنا عمرو بن علي قال ، حدثنا أبو عاصم عن ، ابن جريج قال ، قال طاوس : والله ما قال الله إلا " ومن قتله منكم متعمدًا " .
12561 - حدثني يعقوب بن إبراهيم قال ، حدثنا هشيم قال ، أخبرني بعض أصحابنا ، عن الزهري أنه قال : نزل القرآن بالعَمْد ، وجرت السنة في الخطأ يعني : في المحرم يصيب الصيدَ.
12562 - حدثني المثنى قال ، حدثنا عبد الله بن صالح قال ، حدثني معاوية بن صالح ، عن علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس قوله : " يا أيها الذين آمنوا لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم " ، قال : إن قتله متعمدًا أو ناسيًا ، حكم عليه. وإن عاد متعمدًا عُجِّلت له العقوبة ، إلا أن يعفو الله.
12563 - حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا أبي ، عن الأعمش ، عن عمرو بن مرة ، عن سعيد بن جبير قال : إنما جعلت الكفارة في العمد ، ولكن غُلِّظ عليهم في الخطأ كي يتقوا.
12564 - حدثنا عمرو بن على قال ، حدثنا أبو معاوية ووكيع قالا حدثنا الأعمش ، عن عمرو بن مرة ، عن سعيد بن جبير ، نحوه.
12565 - حدثنا ابن البرقي قال ، حدثنا ابن أبي مريم قال ، أخبرنا نافع بن يزيد قال ، خبرنا ابن جريج قال : كان طاوس يقول : والله ما قال الله إلا " ومن قتله منكم متعمدًا " .
* * *

(10/11)


قال أبو جعفر : والصواب من القول في ذلك عندنا أن يقال : إن الله تعالى ذكره حرّم قتل صيد البر على كل محرِم في حال إحرامه ما دام حرامًا بقوله : " يا أيها الذين آمنوا لا تقتلوا الصيد " ثم بيَّن حكم من قتل ما قتل من ذلك في حال إحرامه متعمدًا لقتله ، ولم يخصص به المتعمِّد قتلَه في حال نسيانه إحرامَه ، ولا المخطئَ في قتله في حال ذكره إحرامَه ، بل عمَّ في التنزيل بإيجاب الجزاء ، كلَّ قاتل صيد في حال إحرامه متعمدًا. (1) وغير جائز إحالة ظاهر التنزيل إلى باطن من التأويل لا دلالة عليه من نصّ كتاب ، ولا خبر لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، (2) ولا إجماع من الأمة. ولا دلالةَ من بعض هذه الوجوه.
فإذْ كان ذلك كذلك ، فسواءٌ كان قاتل الصيد من المحرمين عامدًا قتلَه ذاكرًا لإحرامه ، أو عامدًا قتله ناسيًا لإحرامه ، أو قاصدًا غيره فقتله ذاكرًا لإحرامه في أن على جميعهم من الجزاء ما قال ربنا تعالى ذكره ، وهو : مثلُ ما قتل من النعم يحكم به ذوا عدل من المسلمين ، أو كفارة طعامُ مساكين ، أو عدل ذلك صيامًا.
* * *
وهذا قول عطاء والزهري الذي ذكرناه عنهما ، (3) دون القول الذي قاله مجاهد. (4)
وأما ما يلزم بالخطأ قاتله ، فقد بيّنا القول فيه في كتابنا : (كتاب لطيف القول في أحكام الشرائع ) ، بما أغنى عن ذكره في هذا الموضع. وليس هذا الموضع موضع ذكره ، لأن قصدنا في هذا الكتاب الإبانة عن تأويل التنزيل ، وليس في التنزيل للخطإ ذكر ، فنذكر أحكامه.
* * *
__________
(1) السياق : " بل عم... كل قاتل صيد " " كل " مفعول : " عم " .
(2) في المخطوطة : " من كتاب نص ولا خبر الرسول صلى الله عليه وسلم " . وما في المطبوعة أحسن في السياق.
(3) يعني رقم : 12559 ، 12561.
(4) يعني رقم : 12544 - 12551 ورقم : 12556 ، 12558.

(10/12)


وأما قوله : " فجزاء مثلُ ما قتل من النعم " ، فإنه يقول : وعليه كِفاءٌ وبَدل ، (1) يعني بذلك : جزاء الصيد المقتول. يقول تعالى ذكره : فعلى قاتل الصيد جزاء الصيد المقتول ، مثل ما قتل من النعم. (2)
* * *
وقد ذكر أن ذلك في قراءة عبد الله : (فَجَزَاؤُهُ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَم) .
* * *
وقد اختلفت القرأة في قراءة ذلك.
فقرأته عامة قرأة المدينة وبعض البصريين : (فَجَزَاءُ مِثْلِ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَم) ، بإضافة " الجزاء " إلى " المثل " وخفض " المثل " .
* * *
وقرأ ذلك عامة قرأة الكوفيين : ( فجزاء مثل ما قتل ) بتنوين " الجزاء " ورفع " المثل " ، بتأويل : فعليه جزاءٌ مثلُ ما قتل.
* * *
قال أبو جعفر : وأولى القراءتين في ذلك بالصواب ، قراءة من قرأ : ( فجزاء مثل ما قتل ) بتنوين " الجزاء " ورفع " المثل " ، لأن الجزاء هو المثل ، فلا وجه لإضافة الشيء إلى نفسه.
وأحسب أن الذين قرءوا ذلك بالإضافة ، رأوا أن الواجبَ على قاتل الصيد أن يَجْزِي مثله من الصيد بمثلٍ من النعم. وليس ذلك كالذي ذهبوا إليه ، بل الواجب على قاتله أن يجزي المقتولَ نظيره من النعم. وإذ كان ذلك كذلك ، فالمثل هو الجزاء الذي أوجبه الله تعالى ذكره على قاتل الصيد ، ولن يضاف الشيء إلى نفسه. (3)
__________
(1) في المطبوعة : " كفارة وبدل " والصواب من المخطوطة. و " كفاء الشيء " (بكسر الكاف) : مثله ونظيره من قولهم : " كافأه على الشيء مكافأة وكفاء " : جزاه.
(2) انظر تفسير " الجزاء " فيما سلف 2 : 27 ، 28 ، 314/6 : 576/7 : 2279 : 57.
(3) في المطبوعة : " ولن يضاف... " وهو غير جيد ، وفي المخطوطة : " فإن يضاف " ورجحت أن يكون صوابها ما أثبت.

(10/13)


ولذلك لم يقرأ ذلك قارئ علمناه ، بالتنوين ونصب " المثل " . (1) ولو كان " المثل " غير " الجزاء " لجاز في المثل النصب إذا نوِّن " الجزاء " ، كما نصب " اليتيم " إذ كان غير " الإطعام " في قوله : أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ [سورة البلد : 14 ، 15] وكما نصب " الأموات " " والأحياء " ، ونون " الكِفَات " في قوله : أَلَمْ نَجْعَلِ الأرْضَ كِفَاتًا أَحْيَاءً وَأَمْوَاتًا [سورة المرسلات : 25 ، 26] ، إذ كان " الكفات " غير " الأحياء " " والأموات " . وكذلك الجزاء لو كان غير " المثل " ، لاتسعت القراءة في " المثل " بالنصب إذا نون " الجزاء " . ولكن ذلك ضاق ، فلم يقرأه أحد بتنوين " الجزاء " ونصب " المثل " ، إذ كان " المثل " هو " الجزاء " ، وكان معنى الكلام : ومن قتله منكم متعمدًا فعليه جزاءٌ هو مثلُ ما قتل من النعم. (2)
* * *
ثم اختلف أهل العلم في صفة " الجزاء " ، وكيف يجزي قاتلُ الصيد من المحرمين ما قتل بمثله من النعم. (3) .
فقال بعضهم : ينظر إلى أشبه الأشياء به شبهًا من النعم ، فيجزيه به ، ويهديه إلى الكعبة.
* ذكر من قال ذلك :
12566 - حدثني محمد بن الحسين قال ، حدثنا أحمد بن مفضل قال ، حدثنا أسباط ، عن السدي قوله : " ومن قتله منكم متعمدًا فجزاء مثل ما قتل من النعم " ، قال : أما " جزاء مثل ما قتل من النعم " فإن قتل نعامة أو حمارًا
__________
(1) بل روى ذلك أبو الفتح ابن جني في كتابه " المحتسب " ونسبها لأبي عبد الرحمن يعني السلمي فيما أرجح. وذكرها ابن خالويه في شواذ القراءات ص : 34 ونسبها إلى محمد بن مقاتل وإن كان ما في المطبوع : " فجزاء مث " بنصب " جزاء " والصواب بنصب " مثل " .
(2) في المخطوطة : " هو ما قتل من النعم " والصواب ما في المطبوعة.
(3) في المطبوعة : " بمثله من النعم " وفي المخطوطة : " مثل من النعم " فرأيت قراءتها كما أثبتها.

(10/14)


فعليه بَدَنة. وإن قتل بقرة أو أيِّلا أو أرْوَى (1) فعليه بقرة. أو قتل غزالا أو أرنبًا فعليه شاة. وإن قتل ضبًّا أو حرباءَ أو يَرْبوعًا ، فعليه سَخْلة قد أكلت العُشب وشربت اللبن. (2)
12567 - حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا هارون بن المغيرة ، عن ابن مجاهد قال ، سئل عطاء : أيغَرم في صغير الصيد كما يغرم في كبيره ؟ قال : أليس يقول الله تعالى ذكره : " فجزاء مثل ما قتل من النعم " ؟ (3)
12568 - حدثنا هناد قال ، حدثنا ابن أبي زائدة قال ، أخبرنا ابن جريج قال ، قال مجاهد : " ومن قتله منكم متعمدًا فجزاء مثل ما قتل من النعم " ، قال : عليه من النعم مثله.
12569 - حدثنا هناد قال ، حدثنا جرير ، عن منصور ، عن الحكم ، عن مقسم ، عن ابن عباس في قوله : " فجزاء مثل ما قتل من النعم " ، قال : إذا أصاب المحرم الصيدَ ، وجب عليه جزاؤه من النعم. فإن وجد جزاءه ذبَحه فتصدق به ، فإن لم يجد جزاءه قوَّم الجزاء دراهم ، ثم قوم الدراهمَ حِنطة ، ثم صام مكان كل نصف صاع يومًا. قال : وإنما أريد بالطعام الصوم ، فإذا وجد طعامًا وجد جزاءً.
12570 - حدثنا ابن وكيع وابن حميد قالا حدثنا جرير ، عن منصور ، عن الحكم ، عن مقسم ، عن ابن عباس : " فجزاء مثل ما قتل من النعم يحكم به
__________
(1) " الأيل " (بفتح الهمزة وتشديد الياء المكسورة) : وهو ذكر الوعول. و " الأروى " إناث الوعول وهو اسم لجمعها واحدتها " أروية " (بضم الهمزة وسكون الراء والواو مكسورة والياء مشددة مفتوحة). وجاء بها هنا وهو يعني " الأروية " .
(2) " السخلة " (بفتح فسكون) : ولد الشاة من المعز والضأن ذكرا كان أو أنثى.
(3) الأثر : 12567 - " هرون بن المغيرة بن حكيم البجلي " مضى برقم : 3356 ، 5526.
وأما " ابن مجاهد " فلم أستطع أن أعرف من هو ، وكان في المطبوعة : " أبي مجاهد " وأثبت ما في المخطوطة وكأنه الصواب ، وإن أعياني أن أعرف صدر اسمه.

(10/15)


ذوا عدل منكم هديًا بالغَ الكعبة أو كفارة طعام مساكين أو عدل ذلك صيامًا " ، قال : إذا أصاب المحرم الصيد ، حكم عليه جزاؤه من النعم. فإن لم يجد ، نظر كم ثمنه قال ابن حميد : نظر كم قيمته فقوّم عليه ثمنه طعامًا ، فصام مكان كل نصف صاع يومًا " أو كفارة طعام مساكين ، أو عدلُ ذلك صيامًا " ، قال : إنما أريد بالطعام الصيام ، فإذا وجد الطعام وَجد جزاءه.
12571 - حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا يزيد بن هارون ، عن سفيان بن حسين ، عن الحكم ، عن مقسم ، عن ابن عباس : " ومن قتله منكم متعمدًا فجزاء مثل ما قتل من النعم " فإن لم يجد هديًا ، قُوِّم الهدي عليه طعامًا ، وصام عن كل صاع يومين.
12572 - حدثنا هناد قال ، حدثنا عبد بن حميد ، عن منصور ، عن الحكم ، عن مقسم ، عن ابن عباس في هذه الآية : " ومن قتله منكم متعمدًا فجزاء مثل ما قتل من النعم يحكم به ذوا عدل منكم هديًا بالغ الكعبة " ، قال : إذا أصاب الرجل الصيد حكم عليه ، فإن لم يكن عنده قوم عليه ثمنه طعامًا ، ثم صام لكل نصف صاع يومًا.
12573 - حدثنا أبو كريب ويعقوب قالا حدثنا هشيم قال ، أخبرنا عبد الملك بن عمير ، عن قبيصة بن جابر قال : ابتدرت وصاحبٌ لي ظبيًا في العقبة ، فأصبته ، فأتيت عمر بن الخطاب فذكرت ذلك له ، فأقبل علي رجل إلى جنبه ، فنظرا في ذلك قال فقال : اذبح كبشًا. (1)
__________
(1) الأثر : 12573 - " عبد الملك بن عمير بن سويد القرشي " المعروف بالقبطي و " ابن القبطية " . رأى عليا وأبا موسى. مترجم في التهذيب.
و " قبيصة بن جابر بن وهب الأسدي " روى عن عمر وشهد خطبته بالجابية ثقة في فقهاء الطبقة الأولى من فقهاء أهل الكوفة بعد الصحابة. مترجم في التهذيب.
هذا وخبر قبيصة بن جابر سيرويه أبو جعفر من طرق من رقم : 12573 - 12577ن ثم : 12586 - 15288 بألفاظ مختلفة. ورواه البيهقي في السنن الكبرى 5 : 181 من طريق سفيان ، عن عبد الملك بن عمير ومن طريق عبد الرزاق عن معمر عن عبد الملك.
ونقله ابن كثير في تفسيره 3 : 237 ، 238 وهو رقم : 12588 عن هذا الموضع من تفسير أبي جعفر وأشار إلى بعض طرقه هنا. وخرجه السيوطي في الدر المنثور 2 : 329 بنحو من لفظ رقم : 12588 وزاد نسبته إلى ابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني والحاكم قال : " وصححه " ولم أجده في مظنته من المستدرك للحاكم.

(10/16)


12574 - حدثني يعقوب قال ، حدثنا هشيم قال ، أخبرنا حصين ، عن الشعبي قال : أخبرني قبيصة بن جابر ، نحوا مما حدَّث به عبد الملك.
12575 - حدثنا هناد قال ، حدثنا وكيع ، عن المسعودي ، عن عبد الملك بن عمير ، عن قبيصة بن جابر قال : قتل صاحب لي ظبيًا وهو محرم ، فأمره عمر أن يذبح شاة فيتصدق بلحمها ويُسْقي إهابها. (1)
12576 - حدثني هناد قال : حدثنا ابن أبي زائدة ، عن داود بن أبي هند ، عن بكر بن عبد الله المزني قال : قتل رجلٌ من الأعراب وهو محرم ظبيًا ، فسأل عمر ، فقال له عمر : اهدِ شاة. (2)
12577 - حدثنا هناد قال ، حدثنا أبو الأحوص ، عن حصين وحدثنا أبو هشام الرفاعي قال : حدثنا ابن فضيل قال ، حدثنا حصين عن الشعبي قال ، قال قبيصة بن جابر : أصبت ظبيًا وأنا محرم ، فأتيت عمر فسألته عن ذلك ، فأرسل إلى عبد الرحمن بن عوف. فقلت : يا أمير المؤمنين ، إنّ أمرَه أهون من ذلك! قال : فضربني بالدِّرّة حتى سابقته عدوًا! (3) قال : ثم قال : قتلتَ الصيد وأنتَ محرم ، ثم تَغْمِص الفُتيا! (4) قال : فجاء عبد الرحمن ، فحكما شاة.
__________
(1) الأثر : 12575 - هو مختصر الأثر رقم : 12588 وسيأتي تفسير " يسقى إهابها " في التعليق عليه هناك.
(2) الأثر : 12576 - هذا خبر مرسل عن عمر " بكر بن عبد الله المزني " لم يسمع من عمر. ولكنها قصة قبيصة بن جابر التي ذكرها قبل.
(3) " الدرة " (بكسر الدال) : عصا قصيرة يحملها السلطان او غيره يدب بها. ودرة أمير المؤمنين عمر أشهر درة في التاريخ.
(4) " غمص الشيء يغمصه غمصا " : حقره واستصغره واستهان به. يعني : اتحتقر الفتيا وتستهين بها وتزدريها ؟

(10/17)


12578 - حدثني المثنى قال : حدثنا عبد الله بن صالح قال : حدثني معاوية بن صالح ، عن علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : " ومن قتله منكم متعمدًا فجزاءٌ مثل ما قتل من النعم " ، قال : إذا قتل المحرم شيئًا من الصيد حكم عليه فيه. فإن قتل ظبيًا أو نحوه ، فعليه شاة تذبح بمكة. فإن لم يجد ، فإطعام ستة مساكين. فإن لم يجد ، فصيام ثلاثة أيام. فإن قتل أيِّلا أو نحوه ، فعليه بقرة. وإن قتل نعامة أو حمارَ وحش أو نحوه ، فعليه بدنة من الإبل.
12579 - حدثنا محمد بن بشار قال : حدثنا أبو عاصم قال : أخبرنا ابن جريج قال ، قلت لعطاء : أرأيت إن قتلتُ صيدًا فإذا هو أعور ، أو أعرج ، أو منقوص ، أغرم مثله ؟ قال : نعم ، إن شئت. قلت : أوْفَي أحبُّ إليك ؟ قال : نعم. وقال عطاء : وإن قتلت ولدَ الظبي ، ففيه ولد شاة. وإن قتلت ولد بقرة وحشية ، ففيه ولد بقرة إنسية مثله ، فكلّ ذلك على ذلك.
12580 - حدثت عن الحسين بن الفرج قال ، سمعت أبا معاذ الفضل بن خالد قال ، أخبرنا عبيد بن سليمان الباهلي قال ، سمعت الضحاك بن مزاحم يقول : " فجزاء مثل ما قتل من النعم " ما كان من صيد البر مما ليس له قرن الحمار أوالنعامة فعليه مثله من الإبل. وما كان ذا قرن من صيد البر من وعِلٍ أو أيِّل ، فجزاؤه من البقر. وما كان من ظبي فمن الغنم مثله. وما كان من أرنب ، ففيها ثَنِيَّة. (1) وما كان من يربوع وشبهه ، ففيه حَمَلٌ صغير. وما كان من جرادة أو نحوها ، ففيه قبضة من طعام. وما كان من طير البر ، ففيه أن يقوَّم ويتصدق بثمنه ، وإن شاء صام لكل نصف صاع يومًا. وإن أصاب فرخ طير برِّية أو بيضها ، فالقيمة فيها طعامٌ أو صوم على الذي يكون في الطير. غير أنه قد ذكر في بيض النعام إذا إصابها المحرم ، أن يحمل الفحل على عدة من أصاب من البيض على
__________
(1) " الثنية " يعني الثنية من المعز ، وهو ما دخل في السنة الثانية أو الثالثة.

(10/18)


بِكارة الإبل ، (1) فما لَقِح منها أهداه إلى البيت ، وما فسد منها فلا شيء فيه.
12581 - حدثنا ابن البرقي قال ، حدثنا ابن أبي مريم قال ، أخبرنا نافع قال ، أخبرني ابن جريج قال ، قال مجاهد : من قتله يعني الصيد ناسيًا ، أو أراد غيره فأخطأ به ، فذلك العمد المكفَّر ، فعليه مثله هديًا بالغ الكعبة. فإن لم يجد ، ابتاع بثمنه طعامًا. فإن لم يجد ، صام عن كل مُدٍّ يومًا. وقال عطاء : فإن أصاب إنسان نعامة ، كان له إن كان ذا يسار مُوَسَّعًا (2) إن شاء يهدي جزورًا أو عَدْلَها طعامًا أو عدلها صيامًا ، أيّتهن شاء ، (3) من أجل قوله : فجزاء ، أو كذا أو كذا (4) قال : فكل شيء في القران : " أو " " أو " ، فليختر منه صاحبه ما شاء.
12582 - حدثنا ابن البرقي قال ، حدثنا ابن أبي مريم قال ، أخبرنا نافع قال ، أخبرني ابن جريج قال ، أخبرني الحسن بن مسلم قال : من أصاب من الصيد ما يبلغ أن يكون شاة فصاعدًا ، فذلك الذي قال الله تعالى ذكره : " فجزاء مثل ما قتل من النعم " . وأما " كفارة طعام مساكين " ، فذلك الذي لا يبلغ أن يكون فيه هدي ، العصفورَ يقتل ، فلا يكون فيه. قال : " أو عدل ذلك صيامًا " ، عدل النعامة ، أو عدل العصفور ، أو عدل ذلك كله.
* * *
وقال آخرون : بل يقوَّم الصيد المقتول قيمتَه من الدراهم ، ثم يشتري القاتل بقيمته نِدًّا من النعم ، ثم يهديه إلى الكعبة.
__________
(1) " البكارة " (بكسر الباء) جمع " بكر " و " بكرة " (بفتح الباء) : وهو الفتى من الإبل بمنزلة الغلام من اللناس.
(2) في المطبوعة : " كان له إن كان ذا يسار ما شاء " بحذف " الواو من قوله " وإن كان " وهو لا معنى له ، وفي المخطوطة : " كان له وإن كان ذا يسار من سا " فرأيت أن أقرأها كما أثبتها فهو حق المعنى. لأنه يريد أن يقول : إن الله وسع له ورخص في هذا النخيير الذي ذكره بعد.
(3) في المطبوعة : " أيهن شاء " وأثبت ما في المخطوطة وهو الصواب.
(4) في المطبوعة : " أو كذا " مرة واحدة وأثبت ما في المخطوطة وهو الصواب.

(10/19)


* ذكر من قال ذلك :
12583 - حدثني يعقوب بن إبراهيم قال ، حدثنا هشيم قال ، أخبرنا عبدة ، عن إبراهيم قال : ما أصاب المحرم من شيء ، حكم فيه قيمته.
12584 - حدثنا محمد بن المثنى قال ، حدثنا محمد بن جعفر قال ، حدثنا شعبة ، عن حماد قال : سمعت إبراهيم يقول : في كل شيء من الصيد ثمنه.
* * *
قال أبو جعفر : وأولى القولين في تأويل الآية ، ما قال عمر وابن عباس ، ومن قال بقولهما : أن المقتول من الصيد يُجْزَي بمثله من النعم ، كما قال الله تعالى ذكره : " فجزاء مثل ما قتل من النعم " . وغير جائز أن يكون مثل الذي قتل من الصيد دراهم ، وقد قال الله تعالى : " من النعم " ، لأن الدراهم ليست من النعم في شيء.
* * *
فإن قال قائل : فإن الدراهمَ وإن لم تكن مثلا للمقتول من الصيد ، فإنه يشتري بها المثل من النعم ، فيهديه القاتل ، فيكون بفعله ذلك كذلك جازيًا بما قتل من الصيد مثلا من النعم!
قيل له : أفرأيت إن كان المقتول من الصيد صغيرًا [ أو معيبا ، ولا يصاب بقيمته من النعم إلا] (1) كبيرًا أو سليمًا أو كان المقتول من الصيد كبيرًا أو سليمًا بقيمته من النعم إلا صغيرًا أو معيبًا (2) أيجوز له أن يشتريَ بقيمته خلافه وخلافَ صفته فيهديه ، أم لا يجوز ذلك له ، وهو لا يجوز إلا خلافه ؟ فإن زعم أنه لا يجوز له أن يشتري بقيمته إلا مثله ، ترك قوله في ذلك. لأنّ أهل هذه المقالة يزعمون أنه لا يجوز له أن يشتري بقيمة ذلك فيهديه ، (3) إلا ما
__________
(1) في المخطوطة والمطبوعة : " أفرأيت إن كان المقتول من الصيد صغيرا أو كبيرا او سليما أو كان المقتول من الصيد... " وهو كلام لا يستقيم إلا بهذه الزيادة التي زدتها بين القوسين وتصحيح " أو كبيرا " بما أثبته " إلا كبيرا " وهو ما اسظهرته من سياق كلام أبي جعفر.
(2) في المطبوعة : " ولا يصيب بقيمته... " والصواب ما في المخطوطة.
(3) في المطبوعة : " بقيمته ذلك " وهو خطأ صوابه في المخطوطة.

(10/20)


يجوز في الضحايا. وإذا أجاز شراءَ مثل المقتول من الصيد بقيمته وإهداءها وقد يكون المقتول صغيرًا معيبًا ، (1) أجاز في الهدي ما لا يجوز في الأضاحي. (2)
وإن زعم أنه لا يجوز أن يشتري بقيمته فيهديه إلا ما يجوز في الضحايا أوضح بذلك من قوله الخلافَ لظاهر التنزيل. وذلك أنّ الله تعالى ذكره ، أوجب على قاتل الصيد من المحرِمين عمدًا ، المثلَ من النعم إذا وجده. وقد زعم قائل هذه المقالة أنه لا يجب عليه المثل من النعم ، وهو إلى ذلك واجدٌ سبيلا.
ويقال لقائل ذلك : أرأيت إن قال قائل آخر : " ما على قاتل ما لا تبلغُ من الصيد قيمته ما يصاب به من النَّعم ما يجوز في الأضاحي من إطعام ولا صيام. (3) لأن الله تعالى إنما خيَّر قاتل الصيد من المحرمين في أحد الثلاثة الأشياء التي سماها في كتابه ، فإذا لم يكن له إلى واحد من ذلك سبيل ، سقط عنه فرض الآخرَيْن. لأن الخيار إنما كان له ، وله إلى الثلاثة سبيل. فإذا لم يكن له إلى بعض ذلك سبيل ، بطل فرض الجزاء عنه ، لأنه ليس ممن عُني بالآية نظيرَ الذي قلت أنت : " إنه إذا لم يكن المقتول من الصيد يبلغ قيمته ما يصاب من النعم مما يجوز في الضحايا ، فقد سقط فرض الجزاء بالمثل من النعم عنه ، وإنما عليه الجزاء بالإطعام أو الصيام " ، هل بينك وبينه فرق من أصل أو نظير ؟ فلن يقول في أحدهما قولا إلا ألزم في الآخر مثله.
* * *
__________
(1) في المطبوعة والمخطوطة : " وإذا أجازوا شرى مثل المقتول " وصواب كل ذلك ما أثبت وإنما وهم الناسخ في " أجازوا " فإن جواب " إذا " يدل على خلافه وصواب ما أثبت.
(2) في المطبوعة : " أجازوا في الهدي " غير ما في المخطوطة لوهم الناسخ كما قلت في التعليق السالف.
(3) في المطبوعة : " ما لا يبلغ " وهو في المخطوطة غير منقوطة وصوابها ما أثبت. وسياق هذه الجملة : " ما على قاتل ما تبلغ... من إطعام ولا صيام " يعني ليس على قاتل صيد لا تبلغ قيمته أن يشتري بها من النعم ما يجوز مثله في الأضاحي إطعام أو صيام.

(10/21)


القول في تأويل قوله : { يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ }
قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره : يحكم بذلك الجزاء الذي هو مثل المقتول من الصيد من النعم عدلان منكم يعني : فقيهان عالمان من أهل الدين والفضل (1) " هديًا " ، يقول : يقضي بالجزاء ذوا عدل ، أي يُهْدَي فيبلغ الكعبة. (2) و " الهاء " في قوله : " ويحكم به " ، عائدة على " الجزاء " . (3) .
* * *
قال أبو جعفر : ووجه حكم العدلين إذا أرادا أن يحكما بمثل المقتول من الصيد من النعم على القاتل : أن ينظرا إلى المقتول ويستوصفاه ، فإن ذكر أنه أصاب ظبيًا صغيرًا ، حكما عليه من ولد الضأن بنظير ذلك الذي قتله في السن والجسم ، فإن كان الذي أصاب من ذلك كبيرًا ، حكما عليه من الضأن بكبير. وإن كان الذي أصاب حمار وَحْش ، حكما عليه ببقرة. إن كان الذي أصاب كبيرًا من البقر ، وإن كان صغيرًا فصغيرًا. وإن كان المقتول ذكرًا فمثله من ذكور البقر. وإن كان أنثى فمثله من البقر أنثى. ثم كذلك ذلك ، ينظران إلى أشبه الأشياء بالمقتول من الصيد شبهًا من النعم ، (4) فيحكمان عليه به ، كما قال تعالى ذكره .
* * *
وبمثل الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل ، على اختلافٍ في ذلك بينهم.
* ذكر من قال ذلك بنحو الذي قلنا فيه :
__________
(1) انظر تفسير " العدل " فيما سلف 6 : 51 ، 60 .
(2) في المطبوعة : " أن يهدي " وأثبت ما في المخطوطة.
(3) انظر تفسير " الهدي " فيما سلف 4 : 34 ، 35/9 : 466.
(4) في المخطوطة : " ينظر إلى أشبه الأشياء " والصواب ما في المطبوعة.

(10/22)


12585 - حدثنا هنّاد بن السريّ قال : حدثنا ابن أبي زائدة قال : أخبرنا داود بن أبي هند ، عن بكر بن عبد الله المزني قال : كان رجلان من الأعراب محرِمين ، فأحاش أحدهما ظبيًا ، فقتله الآخر. (1) فأتيا عمر ، وعنده عبد الرحمن بن عوف ، فقال له عمر : (2) وما ترى ؟ قال : شاة ، قال : وأنا أرى ذلك ، اذهبا فأهديا شاة. فلما مضَيا قال أحدهما لصاحبه : ما درَى أمير المؤمنين ما يقول حتى سأل صاحبه!! فسمعها عمر ، فردّهما فقال : هل تقرأان سورة المائدة ؟ فقالا لا! فقرأها عليهما : (3) " يحكم به ذوا عدل منكم " ، ثم قال : استعنت بصاحبي هذا.
12586 - حدثنا أبو كريب ويعقوب قالا حدثنا هشيم قال ، أخبرنا عبد الملك بن عمير ، عن قبيصة بن جابر قال : ابتدرت أنا وصاحب لي ظبيًا في العقبة ، فأصبته ، فأتيت عمر بن الخطاب ، فذكرت ذلك له. فأقبل على رجل إلى جنبه ، فنظرا في ذلك. قال فقال : اذبح كبشًا قال يعقوب في حديثه ، فقال لي : اذبح شاة فانصرفت فأتيت صاحبي فقلت : إن أميرَ المؤمنين لم يدرِ ما يقول! فقال صاحبي : انحر ناقتك. فسمعها عمر بن الخطاب ، فأقبل عليَّ ضربًا بالدِّرة وقال : تقتل الصيد وأنت محرم ، وتَغْمِصُ الفُتْيا! (4) إن الله تعالى يقول في كتابه : " يحكم به ذوا عدل منكم " ، هذا ابن عوف ، وأنا عمر! (5)
12587 - حدثني يعقوب قال ، حدثنا هشيم قال ، أخبرنا حصين ، عن
__________
(1) في المطبوعة : " فأجاش " بالجيم وهو خطأ وفي المخطوطة غير منقوط. " حاش الصيد حوشا وحياشا " و " أحاشه " و " أحوشه " و " حشت عليه الصيد " و " أحشته " : إذا نفرته نحوه وأخذته من حواليه لتصرفه إلى الحبالة ثم سقته نحوه وجمعته عليه.
(2) في المخطوطة في الموضعين : " عمرو " وهو خطأ محض ، وفي المطبوعة في الآخرة منهما " عمرو " وهو خطأ.
(3) في المطبوعة : " فقرأها عليهما " والصواب ما في المخطوطة.
(4) انظر تفسير " غمص الفتيا " فيما سلف ص : 17 تعليق : 4.
(5) الأثر : 12586 - انظر التعليق على الأثر السالف رقم : 12573.

(10/23)


الشعبي قال ، أخبرني قبيصة بن جابر ، بنحو ما حدث به عبد الملك.
12588 - حدثنا هناد وأبو هشام قالا حدثنا وكيع ، عن المسعودي ، عن عبد الملك بن عمير ، عن قبيصة بن جابر قال : خرجنا حجاجًا (1) فكنا إذا صلينا الغداة ، اقتدرنا رواحلنا نتماشى نتحدث ، (2) قال : فبينما نحن ذات غداة إذ سنح لنا ظبيٌ أو بَرَح ، (3) فرماه رجل منا بحجر ، فما أخطأ خُشَّاءه ، (4) فركب رَدْعَه ميتًا. (5) قال : فعظَّمنا عليه. فلما قدمنا مكة ، خرجت معه حتى أتينا عمر ، فقص عليه القصة. قال : وإذا إلى جنبه رجلٌ كان وجهه قُلْبُ فضة (6) يعني عبد الرحمن بن عوف فالتفت إلى صاحبه فكلمه. قال : ثم أقبل علي الرجل قال : أعمدًا قتلته أم خطأ ؟ قال الرجل : لقد تعمَّدت رميه ، وما أردت قتله. فقال عمر : ما أراك إلا قد أشركتَ بين العمد والخطأ ، أعمد إلى شاة فاذبحها ، وتصدق بلحمها ، وَاسْقِِ إهابَها. (7) قال : فقمنا من عنده ، فقلت : أيها الرجل ،
__________
(1) في المطبوعة والمخطوطة : " خرجنا " لم يذكر " حجاجا " ولكن ابن كثير نقله عن هذا الموضع وفيه " حجاجا " وكذلك هي في رواية البيهقي في السنن 5 : 181. وإذن فقد سقط من الناسخ " حجاجا " فلذلك أثبتها.
(2) " صلاة الغداة " هي صلاة الفجر.
(3) " سنح الظبي " أتاك عن يسارك و " برح " : أتاك عن يمينك.
(4) في المطبوعة : " خششاءه " وأثبت ما في المخطوطة وهي بضم الخاء وتشديد الشين المفتوحة وكلتاهما صواب وبهما روى الخبر. و " الخشاء " و " الخششاء " : وهو العظم الدقيق العاري من الشعر الناتئ خلف الأذن.
(5) في المطبوعة : " فركب وودعه ميتا " وهو كلام ساقط جدا. وفي المخطوطة : " فركب ودعه ميتا " وهو تصحيف صوابه ما أثبت. يقال للقتيل : " ركب ردعه " : إذا خر لوجهه على دمه. وركوبه عليه : أن الدم يسيل ثم يخر عليه صريعا. وأصل " الردع " ما تلطخ به الشيء من زعفران أو غيره ، وهو أثره ولونه.
(6) " القلب " (بضم فسكون " : سوار يكون قلدا واحدا أي ليا واحدا. وفي الحديث : " أن فاطمة حلت الحسن والحسين رضي الله عنهما بقلبين من فضة " أي : سوارين من فضة. وصفة عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه في طبقات ابن سعد 3/1/94 : " كان رجلا طويلا حسن الوجه رقيق البشرة فيح جدّا (ميل في الظهر أو العنق) أبيض مشربا حمرة لا يغير لحيته ولا رأسه " .
(7) قوله " أسق إهابها " يعني : أعط إهابها من يدبغه ويتخذ من جلده سقاء. و " السقاء " ظرف الماء من الجلد. و " الإهاب " : الجلد من البقر والغنم والوحش ما لم يدبغ.

(10/24)


عظِّم شعائر الله! (1) فما درى أمير المؤمنين ما يُفتيك حتى سأل صاحبه! اعمد إلى ناقتك فانحرها ، ففعلَّ ذاك! (2) قال قبيصة : ولا أذكر الآية من " سورة المائدة " : " يحكم به ذوا عدل منكم " قال : فبلغ عمر مقالتي ، فلم يفجأنا إلا ومعه الدِّرّة! قال : فعلا صاحبي ضربًا بالدّرة ، (3) وجعل يقول : أقتلت في الحرم وسفَّهت الحُكم! قال : ثم أقبل عليّ فقلت : يا أمير المؤمنين ، لا أحِلَّ لك اليوم شيئًا يحرُم عليك مني! (4) قال : يا قبيصة بن جابر ، إنّي أراك شابَّ السن ، فسيحَ الصدر (5) بيِّن اللسان ، وإن الشاب يكون فيه تسعةُ أخلاق حسنة وخلق سييء ، فيفسد الخلق السييء الأخلاقَ الحسنة ، فإياك وعثرات الشباب! (6)
12589 - حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا ابن عيينة ، عن مخارق ، عن طارق قال : أوطأ أربدُ ضَبًّا (7) فقتله - وهو محرم. فأتى عمر ليحكم عليه ، فقال له عمر : احكم معي! فحكما فيه جَدْيًا قد جَمَع الماء والشجر. (8) ثم قال عمر : " يحكم به ذوا عدل منكم " . (9)
12590 - حدثنا بشر بن معاذ قال ، حدثنا جامع بن حماد قال ، حدثنا يزيد بن زريع قال ، حدثنا سعيد ، عن قتادة قال : ذكر لنا أن رجلا أصاب صيدًا ، فأتى ابن عمر فسأله عن ذلك ، وعنده عبد الله بن صفوان ، فقال ابن عمر لابن صفوان : إما إن أقول فتصدقني ، وإما أن تقول فأصدقك. فقال ابن صفوان : بل أنت فقل. فقال ابن عمر ، ووافقه على ذلك عبد الله بن صفوان.
12591 - حدثني يعقوب قال ، حدثنا هشيم قال ، أخبرنا هشام ، عن ابن سيرين ، عن شريح ، أنه قال : لو وجدت حكمًا عدلا لحكمت في الثعلب جَدْيًا ، وجديٌ أحبُّ إليّ من الثعلب. (10)
__________
(1) في المخطوطة : " أعظم شعائر الله " وما في المطبوعة هو الموافق لما في سنن البيهقي وهو أولاهما لمطابقته نص آية " سورة الحج " : " ذلك ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب " .
(2) في المطبوعة : " ففعل ذاك " والصواب هو ما في المخطوطة وابن كثير يقول : فلعل ذلك أن يكون جزاء مثل ما قتلت من الصيد. وفي ابن كثير : " يعني أن يجزئ عنك " وهذا النص ليس في المخطوطة فلذلك لم أزده في هذا الموضع ، أخشى أن يكون من كلام ابن كثير.
(3) روى البيهقي هذا الخبر بغير هذا اللفظ وقال عند هذا الموضع : " فما علمت بشيء والله ما شعرت إلا به يضرب بالدرة على وقال مرة : على صاحبي " فهذه التي هنا هي إحدى الروايتين.
(4) يعني أنه لما أقبل عليه عمر وعوف أنه ضاربه كما ضرب صاحبه رهب عمر واخافه بقوله : إنه لن يحله من ضرب بشرة هي عليه حرام إلا بحقها. فلذلك هاب عمر أن يضربه كما ضرب صاحبه. فانظر إلى ما طبع عليه أسلافنا من حرية الطباع وما وقذ الإسلام من عرامهم حتى كف عمر يده مخافة أن يصيب من أبشار المسلم حراما لا يحل له إلا بحقه.
(5) قوله : " فسيح الصدر " أي : واسع الصدر وذلك من دلائل القوة ومتانة التركيب وهذه المقالة من عمر من أبلغ ما يهدى إلى الشباب فإن البلاء إنما يأتي من سوء الخلق ، وخلق سيئ واحد يجر وراءه جميع مساوي الأخلاق.
(6) الأثر : 12588 - انظر تخريج خبر قبيصة بن جابر فيما سلف في التعليق على رقم : 12573.
وختم البيهقي هذا الأثر (السنن 5 : 181) وهو من رواية ابن أبي عمر ، عن سفيان عن عبد الملك بن عمير : " قال ابن أبي عمر ، قال سفيان : وكان عبد الملك إذا حدث بهذا الحديث قال : ما تركت منه ألفا ولا واوا " .
(7) " أوطأ " يعني : حمل دابته حتى وطئت الضب أي داسته. فسرته كذلك لأنهم يقولون : " وطئ الشيء ووطأته ، وتوطأه " بمعنى : داسه ولم يذكروا " أوطأه " وإن كنت أرى القياس يعين عليه.
(8) قوله : " جمع الماء والشجر " يعني : فطم ورعى الماء والشجر وهذا تفسير لم أجده في شيء من مراجع اللغة او مجازها. ينبغي إثباته.
(9) الأثر : 12589 - " مخارق " هو " مخارق بن خليفة بن جابر " ويقال : " مخارق بن عبد الله " و " مخارق بن عبد الرحمن " البجلي الأحمسي ، ثقة مضى برقم : 11682.
و " طارق " هو : " طارق بن شهاب البجلي الأحمسي " مضى برقم : 9744 ، 11682 ، 12073 - 12075 ، 12085.
و " أربد " هو " أربد بن عبد الله البجلي " أدرك الجاهلية هكذا ترجم له ابن حجر في الإصابة في القسم الثالث ، وذكر هذا الخبر مبينا فيه اسمه ثم قال : " إسناده صحيح ورواه الأعمش عن سليمان بن ميسره ، عن طارق ، ولم يسم الرجل " .
ورواه البيهقي في السنن الكبرى 5 : 182 من طريق الشافعي عن سفيان بن عيينة. وهو في الأم 2 : 165 ومسند الشافعي للسندي : 332 وشرحه الأستاذ حامد مصطفى بمثل ما شرحته قبل.
(10) في المطبوعة : " من الثعلب " وأثبت ما في المخطوطة وهو الجيد.

(10/25)


12592 - حدثنا ابن بشار قال ، حدثنا محمد بن بكير قال ، حدثنا سعيد ، عن قتادة ، عن أبي مجلز : أن رجلا سأل ابن عمر عن رجل أصاب صيدًا وهو محرم ، وعنده ابن صفوان ، فقال له ابن عمر : إما أن تقول فأصدقك ، أو أقول فتصدقني. قال : قل وأصدقك.
12593 - حدثنا ابن بشار قال ، حدثنا عبد الرحمن قال ، حدثنا شعبة ، عن منصور ، عن أبي وائل قال ، أخبرني ابن جرير البجلي قال : أصبت ظبيًا وأنا محرم ، فذكرت ذلك لعمر ، فقال : ائت رجلين من إخوانك فليحكما عليك. فأتيت عبد الرحمن وسعدًا ، فحكما عليّ تيسًا أعْفَر قال أبو جعفر : " الأعفر " : الأبيض. (1)
12594 - حدثنا محمد بن المثنى قال ، حدثنا محمد بن جعفر قال ، حدثنا شعبة ، عن منصور بإسناده عن عمر ، مثله.
12595 - حدثنا عبد الحميد قال ، أخبرنا إسحاق ، عن شريك ، عن
__________
(1) الأثر : 12593 - " أبو وائل " هو " شقيق بن سلمة الأسدي " مضى مرارا كثيرة. و " أبو جرير البجلي " لم يترجم له غير ابن سعد في الطبقات 6 : 106ن 107 وقال : " روى عن عمر بن الخطاب وعبد الرحمن بن عوف وسعد " وساق هذا الخبر مختصرا من طريق إسحق بن يوسف الأزرق عن سفيان عن منصور عن أبي وائل ثم ساقه مطولا بنحو لفظه في خبر أبي جعفر : من طريق عبيد الله بن موسى ، عن إسرائيل عن منصور عن شقيق.
ورواه البيهقي في السنن 5 : 181 ، 182 من طريق عبيد الله بن معاذ عن شعبة عن منصور بنحو لفظ أبي جعفر. ثم قال في آخره : " زاد فيه جرير بن عبد الحميد عن منصور : وأنا ناس لإحرامي " . وهذه الزيادة في خبري ابن سعد ، في الأول : " وأنا ناس لإهلالي " وفي الآخر : " ولا أذكر إهلالي " .
ونقله ابن كثير في تفسيره 3 : 239 عن هذا الموضع من تفسير الطبري. وخرجه السيوطي في الدر المنثور 2 : 329 وزاد نسبته لأبي الشيخ.
وفي المطبوعة : " ابن جرير البجلي " والصواب من المخطوطة وهي غير منقوطة. وفي ابن كثير مثل ما في المطبوعة وفي سنن البيهقي والدر المنثور : " أبو حريز " والصواب ما في طبقات ابن سعد.
وكان في المطبوعة : " فأتيت عبد الرحمن وسعيدا " والصواب ما أثبت من المخطوطة و " عبد الرحمن " هو " عبد الرحمن بن عوف " و " سعد " هو : " سعد بن أبي وقاص " .

(10/27)


أشعث بن سوار ، عن ابن سيرين قال : كان رجل على ناقة وهو محرم ، فأبصر ظبيًا يأوي إلى أكمة ، فقال : لأنظرنّ أنا أسبق إلى هذه الأكمة أم هذا الظبي ؟ (1) فوقعت عَنز من الظباء تحت قوائم ناقته فقتلتها ، (2) فأتى عمر فذكر ذلك له ، فحكم عليه هو وابن عوف عنزا عفراء قال : وهي البيضاء.
12596 - حدثني يعقوب قال ، حدثنا ابن علية قال ، أخبرنا أيوب ، عن محمد : أن رجلا أوطأ ظبيًا وهو محرم ، (3) فأتى عمر فذكر ذلك له ، وإلى جنبه عبد الرحمن بن عوف ، فأقبل على عبد الرحمن فكلمه ، ثم أقبل على الرجل فقال : أهد عنزا عفراء .
12597 - حدثني يعقوب قال ، حدثنا هشيم قال ، أخبرنا مغيرة ، عن إبراهيم : أنه كان يقول : ما أصاب المحرم من شيء لم يمض فيه حكومة ، استقبل به ، فيحكم فيه ذوا عدل. (4)
12598 - حدثنا محمد بن المثنى قال ، حدثني وهب بن جرير قال ، حدثنا شعبة ، عن يعلي ، عن عمرو بن حبشي قال : سمعت رجلا سأل عبد الله بن عمر ، عن رجل أصاب ولدَ أرنب ، فقال : فيه ولد ماعز ، فيما أرى أنا. ثم قال لي : أكذاك ؟ فقلت : أنت أعلم مني. فقال : قال الله تعالى ذكره : " يحكم به ذوا عدل منكم " . (5)
12599 - حدثنا ابن بشار قال ، حدثنا ابن أبي عدي وسهل بن يوسف ،
__________
(1) في المطبوعة : " لأنظر أنا أسبق " وفي المخطوطة : " لأنظر وأنا أسبق " وصواب قراءتها ما أثبت.
(2) " العنز " الأنثى من المعزى والأوعال والظباء.
(3) انظر تفسير " أوطأ " فيما سلف ص : 26 تعليق : 1.
(4) أي لم يمض فيه حكم سابق. وقوله : " استقبل به " يعني : ابتدأ النظر فيه ، بغير حكم سابق.
(5) الأثر : 12598 - " عمرو بن حبشي " تابعي ثقة ، مضى ومضى ضبط اسمه برقم : 2340.

(10/28)


عن حميد ، عن بكر : أن رجلين أبصرا طبيًا وهما محرمان ، فتراهنا ، وخطرُ كل واحد منهما لمن سبق إليه. (1) فسبق إليه أحدهما ، فرماه بعصاه فقتله. فلما قدما مكة ، أتيا عمر يختصمان إليه ، وعنده عبد الرحمن بن عوف ، فذكرا ذلك له ، فقال عمر : هذا قِمارٌ ، ولا أجيزه! ثم نظر إلى عبد الرحمن ، فقال : ما ترى! قال : شاة. فقال عمر : وأنا أرى ذلك. فلما قَفَّى الرجلان من عند عمر ، قال أحدهما لصاحبه : ما درى عُمر ما يقول حتى سأل الرجل! فردّهما عمر فقال : إن الله تعالى ذكره لم يرضَ بعمر وحده ، فقال : " يحكم به ذوا عدل منكم " ، وأنا عمر ، وهذا عبد الرحمن بن عوف.
* * *
وقال آخرون : بل ينظر العَدْلان إلى الصيد المقتول ، فيقوّمانه قيمته دراهمَ ، ثم يأمران القاتل أن يشتري بذلك من النعم هَدْيًا. فالحاكمان يحكمان ، في قول هؤلاء ، بالقيمة. وإنما يحتاج إليهما لتقويم الصيد قيمتَه في الموضع الذي أصابه فيه.
* * *
وقد ذكرنا عن إبراهيم النخعي فيما مضى قبل أنه كان يقول : " ما أصاب المحرم من شيء ، حكم فيه قيمته " ، (2) وهو قول جماعة من متفقِّهة الكوفيين.
* * *
وأما قوله : " هديًا " فإنه مُصَدَّر على الحال من " الهاء " التي في قوله : " يحكم به " .
* * *
وقوله : " بالغ الكعبة " من نعت " الهدي " وصفته. وإنما جاز أن ينعت به ، وهو مضاف إلى معرفة ، (3) لأنه في معنى النكرة. وذلك أن معنى قوله : " بالغ
__________
(1) " الخطر " (بفتحتين) : الرهن وهو السبق الذي يترامى عليه في التراهن. و " أخطر المال " جعله خطرا بين المتراهنين ، و " تخاطروا " : تراهنوا وكان في المطبوعة : " وجعل كل واحد منهما " وهذه الكلمة في المخطوطة سيئة الكتابة جدا ، رأيت أن أستظهر قراءتها كذلك من معنى الرهان. وهو الصواب إن شاء الله.
(2) هو رثم : 12583.
(3) في المطبوعة : " ينعت وهو مضاف " حذف " به " فاختل الكلام.

(10/29)


الكعبة " ، يبلغُ الكعبة. فهو وإن كان مضافًا فمعناه التنوين ، لأنه بمعنى الاستقبال ، وهو نظير قوله : ( هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا ) [سورة الأحقاف : 24] ، فوصف بقوله : " ممطرنا " " عارضًا " ، لأن في " ممطرنا " معنى التنوين ، لأن تأويله الاستقبال ، فمعناه : هذا عارض يمطرنا. فكذلك ذلك في قوله : " هديًا بالغً الكعبة " .
* * *
القول في تأويل قوله : { أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ }
قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره : أو عليه كفارة طعام مساكين و " الكفارة " معطوفة على " الجزاء " في قوله : " فجزاء مثل ما قتل من النعم " .
واختلف القرأة في قراءة ذلك :
فقرأته عامة قرأة أهل المدينة : ( أو كفارة طعام مساكين ) بالإضافة. وأما قرأة أهل العراق ، فإنّ عامتهم قرءوا ذلك بتنوين " الكفارة " ورفع " الطعام " : أو كفارة طعام مساكين
* * *
قال أبو جعفر : وأولى القراءتين في ذلك عندنا بالصواب ، قراءة من قرأ بتنوين " الكفارة " ورفع " الطعام " ، للعلة التي ذكرناها في قوله : " فجزاء مثلُ ما قتل من النعم " . (1) .
* * *
واختلف أهل التأويل في معنى قوله : " أو كفارة طعام مساكين " . (2) فقال بعضهم : معنى ذلك أنّ القاتل وهو محرم صيدًا عمدًا ، لا يخلو من
__________
(1) انظر ما سلف ص : 13ن 14.
(2) انظر تفسير " الكفارة " فيما سلف 10 : 531 تعليق : 11 والمراجع هناك.

(10/30)


وجوب بعض هذه الأشياء الثلاثة التي ذكر الله تعالى ذكره : من مثل المقتول هديًا بالغَ الكعبة ، أو طعامُ مسكين كفارة لما فعل ، أو عدلُ ذلك صيامًا إلا أنه مخيَّر في أيِّ ذلك شاء فعل ، وأنه بأيِّها كان كفَّر فقد أدّى الواجب عليه. وإنما ذلك إعلامٌ من الله تعالى عبادَه أن قاتل ذلك كما وصف لن يخرُجَ حكمه من إحدى الخلال الثلاثة. قالوا : فحكمه إن كان على المثل قادرًا أن يحكم عليه بمثل المقتول من النعم ، لا يجزيه غيرُ ذلك ما دام للمثل واجدًا. قالوا : فإن لم يكن له واجدًا ، أو لم يكن للمقتول مثلٌ من النعم ، فكفارته حينئذ إطعام مساكين.
* ذكر من قال ذلك :
12600 - حدثني المثنى قال ، حدثنا عبد الله بن صالح قال ، حدثني معاوية بن صالح ، عن علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : " ومن قتله منكم متعمدًا فجزاء مثل ما قتل من النعم يحكم به ذوا عدل منكم هديًا بالغ الكعبة أو كفارة طعامُ مساكين أو عدل ذلك صياما ليذوق وَبال أمره " قال : إذا قتل المحرم شيئًا من الصيد ، حكم عليه فيه. فإن قتل ظبيًا أو نحوه ، فعليه شاة تذبح بمكة. فإن لم يجد ، فإطعام ستة مساكين. فإن لم يجد فصيام ثلاثة أيام. وإن قتل أيِّلا أو نحوه ، فعليه بقرة. فإن لم يجدها ، أطعم عشرين مسكينًا. (1) فإن لم يجد ، صام عشرين يومًا. وإن قتل نعامة أو حمارَ وحش أو نحوه ، فعليه بَدَنَة من الإبل. فإن لم يجد ، أطعم ثلاثين مسكينًا. فإن لم يجد ، صام ثلاثين يومًا. والطعام مدٌّ مُدٌّ شِبَعَهم. (2)
12601 - حدثني محمد بن سعد قال ، حدثني أبي قال ، حدثني عمي قال ، حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قوله : " يا أيها الذين آمنوا لا تقتلوا الصيد
__________
(1) في المطبوعة : " فإن لم يجد " وأثبت ما في المخطوطة.
(2) الأثر : 12600 - وسيأتي برقم : 12633 في المطبوعة : " يشبعهم " وأثبت ما في المخطوطة. وسيأتي في المخطوطة هناك : " وشبعهم " بالواو والجيد ما هنا.

(10/31)


وأنتم حرمٌ " إلى قوله : " يحكم به ذوا عدل منكم " فالكفارة : من قتل ما دون الأرنب ، إطعام.
12602 - حدثنا هناد قال ، حدثنا جرير ، عن منصور ، عن الحكم ، عن مقسم ، عن ابن عباس قال : إذا أصاب المحرم الصيد ، حكم عليه جزاؤه من النعم. فإن وجد جزاءَه ، ذبحه فتصدق به. وإن لم يجد جزاءه ، قُوِّم الجزاء دراهم ، ثم قوِّمت الدراهم حنطة ، ثم صام مكان كل صاع يومًا. قال : إنما أريد بالطعام الصوم ، فإذا وجد طعامًا وجد جزاءً.
12603 - حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا حميد بن عبد الرحمن ، عن زهير ، عن جابر ، عن عطاء ومجاهد وعامر : " أو عدل ذلك صيامًا " ، قال : إنما الطعام لمن لم يجد الهَدْي. (1)
12604 - حدثني يعقوب قال ، حدثنا هشيم قال ، أخبرنا مغيرة ، عن إبراهيم أنه كان يقول : إذا أصاب المحرم شيئًا من الصيد ، عليه جزاؤه من النعم. فإن لم يجد قُوِّم الجزاء دراهم ، ثم قومت الدراهم طعامًا ، ثم صامَ لكل نصف صاع يومًا.
12605 - حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا جرير ، عن مغيرة ، عن حماد قال : إذا أصاب المحرم الصيد فحكم عليه ، فإن فضل منه ما لا يتم نصف صاع ، صام له يومًا. ولا يكون الصوم إلا على من لم يجد ثمن هديٍ ، فيحكم عليه الطعام. فإن لم يكن عنده طعام يتصدق به ، حكم عليه الصوم ، فصام مكان كل نصف صاع يومًا " كفارة طعام مساكين " ، قال : فيما لا يبلغ ثمن هدي " أو عدل ذلك صيامًا " ، من الجزاء ، إذا لم يجد ما يشتري به هديًا ، أو ما يتصدق به ، مما لا يبلغ ثمن هدي ، حكم عليه الصيام مكان كل نصف صاع يومًا.
__________
(1) زاد في المطبوعة : " ليذوق " وقطع الآية ، وأثبت ما في المخطوطة.

(10/32)


12606 - حدثنا هناد قال ، حدثنا ابن أبي زائدة قال ، أخبرنا ابن جريج قال ، قال مجاهد : " ومن قتل منكم متعمدًا فجزاء مثل ما قتل من النعم " ، قال : عليه من النعم مثلُه هديًا بالغَ الكعبة. ومن لم يجد ، ابتاع بقيمته طعامًا ، فيطعم كل مسكين مُدَّين. فإن لم يجد ، صام عن كل مدَّين يومًا.
12607 - حدثني محمد بن الحسين قال ، حدثنا أحمد بن مفضل قال ، حدثنا أسباط ، عن السدي : " ومن قتله منكم متعمدًا " ، إلى قوله : " ومن عاد فينتقم الله منه " ، قال : إذا قتل صيدًا ، فعليه جزاؤه مثل ما قتل من النعم. فإن لم يجد ، حكم عليه ، ثم [قُوِّم] الفداءُ ، كم هو درهمًا ، ثمّ قدر ثمن ذلك بالطعام على المسكين ، (1) فصام عن كل مسكين يومًا ، ولا يحل طعام المسكين ، لأن من وجد طعام المسكين فهو يجد الفداء.
12608 - حدثنا عمرو بن علي قال ، حدثنا أبو عاصم ، عن ابن جريج قال : قال لي الحسن بن مسلم : من أصاب الصيد فيما جزاؤه شاة ، (2) فذلك الذي قال الله تعالى ذكره : " فجزاء مثل ما قتل من النعم يحكم به ذوا عدل منكم " . وما كان من كفارة بإطعام مساكين ، (3) مثل العصفورة يقتل ولا يبلغ أن يكون فيه هدي " أو عدل ذلك صيامًا " ، (4) قال عدل النعامة أو العصفور ، (5) أو عدل ذلك كله. فذكرت ذلك لعطاء فقال : كل شيء في القرآن " أو " " أو " ، فلصاحبه أن يختار ما شاء.
__________
(1) في المطبوعة : " فإن لم يجد ما حكم عليه قوم الفداء كم هو درهما ، وقدر ثمن ذلك..ز " وفي المخطوطة : " فإن لم يجد حكم عليه ثم الفداء كم هو درهما بين قدر ثمن ذلك... " ومكان (بين) (ثم) بين القوسين والعبارة بعد ذلك كله مشكلة ، لم أستطع أن أهتدي إلى مكانها في كتاب آخر ولا أن ألتمس لها تحريفا أرضى عنه.
(2) في المطبوعة : " مما جزاؤه " وأثبت ما في المخطوطة.
(3) في المطبوعة : " من كفارة طعام " وأثبت ما في المخطوطة.
(4) في المطبوعة : زاد في الآية " ليذوق " ثم قطع الآية.
(5) في المطبوعة : " أو العصفور " وأثبت ما في المخطوطة.

(10/33)


12609 - حدثنا عمرو بن علي قال ، حدثنا يزيد بن هارون قال ، أخبرنا سفيان بن حسين ، عن الحكم ، عن مقسم ، عن ابن عباس ، في قوله : " لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم ومن قتله منكم متعمدًا فجزاء مثل ما قتل من النعم " ، فإن لم يجد جزاءً ، قوِّم عليه الجزاءُ طعامًا ، ثم صاع لكل صاع يومين.
* * *
وقال آخرون : معنى ذلك : أن للقاتل صيدًا عمدًا وهو محرم ، الخيارُ بين إحدى الكفارات الثلاث ، وهي : الجزاء بمثله من النعم ، والطعام ، والصوم. قالوا : وإنما تأويل قوله : " فجزاء مثل ما قتل من النعم أو كفارة طعام مساكين أو عدل ذلك صيامًا " ، فعليه أن يجزي بمثله من النعم ، أو يكفر بإطعام مساكين ، أو بعدل الطعام من الصيام.
* ذكر من قال ذلك :
12610 - حدثنا هناد بن السري قال ، حدثنا ابن أبي زائدة قال ، أخبرنا ابن جريج ، عن عطاء ، في قول الله تعالى ذكره : " فجزاء مثل ما قتل من النعم يحكم له ذوا عدل منكم هديًا بالغ الكعبة أو كفارة طعام مساكين أو عدل ذلك صيامًا " ، قال : إن أصابَ إنسان محرم نعامة ، فإن له وإن كان ذا يسار (1) أن يهدي ما شاء ، جزورًا ، أو عدلها طعامًا ، أو عدلها صيامًا. قال : كل شيء في القرآن " أو " " أو " ، فليختر منه صاحبه ما شاء.
12611 - حدثني يعقوب قال ، حدثنا هشيم قال ، أخبرنا حجاج ، عن عطاء ، في قوله : " فجزاء مثل ما قتل من النعم " قال : " ما كان في القرآن : أو كذا أو كذا " ، فصاحبه فيه بالخيار ، أيَّ ذلك شاء فعل.
12612 - حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا أسباط وعبد الأعلى ، عن داود ،
__________
(1) في المطبوعة : " إن كان ذا يسار " حذف الواو كما فعل في الأثر السالف : ص : 19 تعليق : 2 والصواب ما في المخطوطة.

(10/34)


عن عكرمة قال : ما كان في القرآن " أو " " أو " ، فهو فيه بالخيار. وما كان : " فمن لم يجد " ، فالذي يليه ثم الذي يليه. (1)
12613 - حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا حفص ، عن عمرو ، عن الحسن ، مثله.
12614 - حدثني يعقوب قال ، حدثنا هشيم قال ، أخبرنا ليث ، عن عطاء ومجاهد ، أنهما قالا في قوله : " فجزاء مثل ما قتل من النعم " قالا ما كان في القران : " أو كذا أو كذا " ، فصاحبه فيه بالخيار ، أيَّ ذلك شاء فعل.
12615 - حدثني يعقوب قال ، حدثنا هشيم ، عن جويبر ، عن الضحاك : ما كان في القرآن : " أو كذا أو كذا " ، فصاحبه فيه بالخيار ، أيَّ ذلك شاء فعل.
12616 - حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثنا هشيم قال ، أخبرنا أبو حُرّة ، عن الحسن قال وأخبرنا عبيدة ، عن إبراهيم قالا كل شيء في القرآن " أو " " أو " ، فهو بالخيار ، أيّ ذلك شاء فعل. (2)
12617 - حدثنا هناد قال ، حدثنا حفص ، عن ليث ، عن مجاهد ، عن ابن عباس قال : كل شيء في القرآن " أو " " أو " فصاحبه مخيَّر فيه ، وكل شيء : " فمن لم يجد " فالأول ، ثم الذي يليه.
* * *
واختلف القائلون بتخيير قاتل الصيد من المحرمين بين الأشياء الثلاثة ، في صفة اللازم له من التكفير بالإطعام والصوم ، إذا اختار الكفارة بأحدهما دونَ الهدي.
__________
(1) في المطبوعة : " فمن لم يجد فالأول ثم الذي يليه " وأثبت ما في المخطوطة وهو صواب محض.
(2) الأثر : 12616 - " أبو حرة البصري " هو " واصل بن عبد الرحمن " مضى برقم : 6385 وكان في المطبوعة هنا " أبو حمزة " والصواب من المخطوطة.

(10/35)


فقال بعضهم : إذا اختار التكفير بذلك ، فإنّ الواجب عليه أن يقوِّم المثلَ من النعم طعامًا ، ثم يصوم مكان كلّ مُدّ يومًا
* ذكر من قال ذلك :
12618 - حدثنا هناد قال ، أخبرنا ابن أبي زائدة قال ، أخبرنا ابن جريج قال ، قلت لعطاء : ما " أو عدل ذلك صيامًا " ؟ قال : إن أصاب ما عَدْله شاة ، أقيمت الشاة طعامًا ، ثم جعل مكان كل مدّ يومًا يصومه.
* * *
وقال آخرون : بل الواجب عليه إذا أراد التكفير بالإطعام أو الصوم ، أن يقوِّم الصيد المقتولَ طعامًا ، ثم الصدقة بالطعام إن اختار الصدقة. (1) وإن اختار الصوم صام.
* * *
ثم اختلفوا أيضا في الصوم.
فقال بعضهم : يصوم لكل مدّ يومًا.
* * *
وقال آخرون : يصوم مكان كل نصف صاع يومًا.
وقال آخرون : يصوم مكان كل صاع يومًا.
* * *
* ذكر من قال : المقوَّم لإطعام هو الصيد المقتول. (2)
12619 - حدثنا بشر بن معاذ قال ، حدثنا جامع بن حماد قال ، حدثنا يزيد بن زريع قال ، حدثنا شعبة ، عن قتادة : " يا أيها الذين آمنوا لا تقتلوا الصيد " ، الآية ، قال : كان قتادة يقول : يحكمان في النعم ، فإن كان ليس
__________
(1) في المطبوعة : " ثم يتصدق بالطعام " وأثبت ما في المخطوطة وهو لا بأس به.
(2) في المطبوعة : " المتقوم للإطعام " وفي المخطوطة بهذا الرسم غير منقوطة وصواب قراءتها ما أثبت.

(10/36)


عنده ما يبلغ ذلك ، (1) نظروا ثمنه فقوَّموه طعامًا ، ثم صام مكان كل صاع يومين.
* * *
وقال آخرون : لا معنى للتكفير بالإطعام ، لأن من وجد سبيلا إلى التكفير بالإطعام ، فهو واجد إلى الجزاء بالمثل من النعم سبيلا. ومن وجد إلى الجزاء بالمثل من النعم سبيلا لم يجزه التكفير بغيره. قالوا : وإنما ذكر الله تعالى ذكره الكفارة بالإطعام في هذا الموضع ، ليدلّ على صفة التكفير بالصوم لا أنه جعل التكفير بالإطعام إحدى الكفارات التي يكفر بها قتل الصيد. (2) وقد ذكرنا تأويل ذلك فيما مضى قبل. (3)
* * *
قال أبو جعفر : وأولى الأقوال بالصواب عندي في قوله : " فجزاء مثل ما قتل من النعم " ، أن يكون مرادا به : فعلى قاتله متعمدًا مثلُ الذي قتل من النعم لا القيمة ، إن اختار أن يجزيه بالمثل من النعم. وذلك أن القيمة إنما هي من الدنانير أو الدراهم. والدراهم أو الدنانير ليست للصيد بمثل ، والله تعالى ذكره إنما أوجب الجزاء مثلا من النعم.
* * *
قال أبو جعفر : وأولى الأقوال بالصواب عندي في قوله : " أو كفارة طعام مساكين أو عدل ذلك صيامًا " أن يكون تخييرًا ، وأن يكون للقاتل الخيار في تكفيره بقتله الصيد وهو محرم بأيِّ هذه الكفارات الثلاث شاء. لأن الله تعالى ذكره ، جعل ما أوجبَ في قتل الصيد من الجزاء والكفارة عقوبة لفعله ، وتكفيرًا لذنبه ، في إتلافه ما أتلف من الصيد الذي كان حرامًا عليه إتلافه في حال إحرامه ، وقد كان حلالا له قبل حال إحرامه ، كما جعل الفدية من صيام أو صدقة أو نسك في حلق الشعر الذي حلقه المحرم في حال إحرامه ، وقد كان له حلالا قبل حال
__________
(1) في المطبوعة : " فإن كان ليس صيده ما يبلغ ذلك " وهو خطأ صوابه في المخطوطة.
(2) في المخطوطة : " لأنه جعل التكفير... " وصوابه ما في المطبوعة.
(3) انظر ما سلف ص : 15 وما بعدها.

(10/37)


إحرامه ، [عقوبة لفعله ، وتكفيرًا لذنبه] وحلق الشعر الذي حلقه المحرم في حال إحرامه وقد كان له حلقه قبل حال إحرامه ، ثم منع من حلقه في حال إحرامه نظير الصيد. (1) ثم جعل عليه إن حلقه جزاءً من حلقه إياه. فأجمع الجميع على أنه في حلقه إياه إذا حلقه من أذاته ، (2) مخيَّر في تكفيره ، فعله ذلك بأيِّ الكفارات الثلاث شاء. لا فرق بين ذلك (3) فمثله إن شاء الله قاتل الصيد من المحرمين ، (4) .
ومن أبى ما قلنا فيه ، قيل له : حكم الله تعالى ذكره على قاتل الصيد بالمثل من النعم ، أو كفارة طعام مساكين ، أو عدله صيامًا كما حكم على الحالق بفدية من صيام أو صدقة أو نسك ، فزعمتَ أن أحدهما مخيَّر في تكفير ما جعل منه ، عِوَضٌ بأيّ الثلاث شاء ، وأنكرت أن يكونَ ذلك للآخر ، فهل بينك وبين من عكس عليك الأمر في ذلك فجعل الخيارَ فيه حيث أبيت ، وأبى حيث جعلته له فرقٌ من أصل أو نظير ؟ فلن يقول في أحدهما قولا إلا إذا ألزم في الآخر مثله. (5)
__________
(1) كانت هذه الجملة في المطبوعة : " كما جعل الفدية من صيام او صدقة أو نسك في حلق الشعر الذي حلقه المحرم في حال إحرامه وقد كان له حلقه قبل حال إحرامه ثم منع من حلقه في حال إحرامه ، نظير الصيد " . وهو كلام غير مستقيم وهو اختصار لما في المخطوطة.
وكان في المخطوطة هكذا : " كما جعل الفدية من صيام أو صدقة أو نسك في حلق الشعر الذي حلقه المحرم في حال إحرامه وقد كان حلالا قبل حال إحرامه كما جعل الفدية من صيام أو صدقة أو نسك في حلق الشعر الذي حلقه المحرم في حال إحرامه ، وقد كان له حلقه قبل حال إحرامه ثم منع من حلقه في حال إحرامه نظير الصيد " . وهي جملة مختلطة فيها بلا شك زيادة من الناسخ وهو قوله : " كما جعل الفدية من صيام أو صدقة او نسك " واستظهرت أن مكان هذه العبارة كما وضعته بين القوسين ، لتتم المناظرة بين الفعلين والعقوبتين والجزاءين وبذلك استقام الكلام إن شاء الله.
(2) في المطبوعة : " من إيذائه " وأثبت ما في المخطوطة وهو غير منقوطة.
(3) في المطبوعة والمخطوطة : " في تكفيره فعليه ذلك " وهو خطأ محض صوابه ما أثبت.
(4) في المطبوعة : " فمثله إن شاء الله قاتل الصيد " وفي المخطوطة : " فمثله مما شاله قاتل الصيد " واستظهرت الصواب من نص الآية " ليبلونكم الله بشيء من الصيد تناله أيديكم " .
(5) انظر ما قاله أبو جعفر في الحلق فيما سلف 4 : 76 - 78.

(10/38)


ثم اختلفوا في صفة التقويم إذا أراد التكفير بالإطعام.
فقال بعضهم : يقوَّم الصيد قيمته بالموضع الذي أصابه فيه. (1) وهو قول إبراهيم النخعي ، وحماد ، وأبي حنيفة ، وأبي يوسف ، ومحمد. وقد ذكرت الرواية عن إبراهيم وحماد فيما مضى بما يدل على ذلك ، (2) وهو نص قول أبي حنيفة وأصحابه.
* * *
وقال آخرون : بل يقوَّم ذلك بسعر الأرض التي يكفِّر فيها. (3)
* ذكر من قال ذلك :
12620 - حدثنا هناد قال ، حدثنا ابن أبي زائدة قال ، حدثنا إسرائيل ، عن جابر ، عن عامر قال في محرم أصاب صيدًا بخراسان ، قال : يكفر بمكة أو بمنًى. وقال : يقوّم الطعام بسعر الأرض التي يكفّر بها.
12621 - حدثنا أبو كريب قال ، حدثنا أبو يمان ، عن إسرائيل ، عن جابر ، عن الشعبي ، في رجل أصاب صيدًا بخراسان ، قال : يحكم عليه بمكة.
قال أبو جعفر : والصواب من القول في ذلك عندنا ، أن قاتل الصيد إذا جزأه بمثله من النَّعم ، فإنما يجزيه بنظيره في خلق وقدره في جسمه ، (4) من أقرب الأشياء به شبهًا من الأنعام. فإن جزاه بالإطعام ، قوّمه قيمته بموضعه الذي أصابه فيه ، لأنه هنالك وجب عليه التكفير بالإطعام. ثم إن شاء أطعم بالموضع الذي أصابه فيه ، وإن شاء بمكة ، وإن شاء بغير ذلك من المواضع حيث شاء ، لأن الله تعالى ذكره ؛ إنما شَرَط بلوغ الكعبة بالهدي في قتل الصيد دون غيره من جزائه ، فللجازي
__________
(1) في المطبوعة : " قيمته بالموضع " وأثبت ما في المخطوطة وهو صواب محض وليس في المخطوطة " فيه " وإثباتها واجب.
(2) يعني ما سلف رقم : 12583 ، 12584/ 12604 ، 12605.
(3) في المطبوعة : " يكفر بها " وأثبت ما في المخطوطة.
(4) في المطبوعة والمخطوطة : " في خلق " والجيد ما أثبت.

(10/39)


بغير الهدى أن يجزيه بالإطعام والصوم حيث شاء من الأرض.
* * *
وبمثل الذي قلنا في ذلك قال جماعة من أهل العلم.
* ذكر من قال ذلك :
12622 - حدثنا هناد قال ، حدثنا ابن أبي زائدة قال ، حدثنا ابن أبي عروبة ، عن أبي معشر ، عن إبراهيم قال : ما كان من دم فبمكة. وما كان من صدقة أو صوم ، حيث شاء.
* * *
وقد خالف ذلك مخالفون ، فقالوا : لا يجزئ الهدى والإطعام إلا بمكة. فأما الصوم ، فإن لم يكن كفَّر ، به يصوم حيث شاء من الأرض. (1)
* ذكر من قال ذلك :
12623 - حدثنا هناد قال ، حدثنا وكيع وحدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا أبي عن حماد بن سلمة ، عن قيس بن سعد ، عن عطاء قال : الدم والطعام بمكة ، والصيامُ حيث شاء.
12624 - حدثنا هناد قال ، حدثنا وكيع وحدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا أبي عن مالك بن مغول ، عن عطاء قال : كفارة الحج بمكة.
12625 - حدثنا عمرو بن علي قال ، حدثنا أبو عاصم ، عن ابن جريج قال : قلت لعطاء : أين يُتصدق بالطعام إن بدا له ؟ قال : بمكة ، من أجل أنه بمنزله الهدي ، قال : " فجزاء مثل ما قتل من النعم أو هديًا بالغ الكعبة " ، من أجل أنه أصابه في حَرَم يريد البيت فجزاؤه عند البيت.
* * *
__________
(1) في المطبوعة : " فأما الصوم فإن كفر به يصوم حيث شاء من الأرض " وفي المخطوطة : " فإن لم يكن كفر به أن يصومه حيث شاء من الأرض " وصواب قراءتها ما أثبت.

(10/40)


فأما الهدي ، فإنّ من جَزَى به ما قتل من الصيد ، (1) فلن يجزئه من كفارة ما قتل من ذلك إلا أن يبلغه الكعبة كما قال تعالى ذكره (2) وينحره أو يذبحه ويتصدق به على مساكين الحرم وعنَى بالكعبة في هذا الموضع ، الحرم كله. (3) ولمن قدَّم بهديه الواجبَ من جزاء الصيد ، أن ينحره في كل وقت شاء ، قبل يوم النحر وبعده ، ويطعمه. وكذلك إن كفر بالطعام ، (4) فله أن يكفر به متى أحب وحيث أحب. وإن كفّر بالصوم فكذلك.
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل ، خلا ما ذكرنا من اختلافهم في التكفير بالإطعام على ما قد بينا فيما مضى.
* ذكر من قال ذلك :
12626 - حدثنا هناد قال ، حدثنا ابن أبي زائدة قال ، أخبرنا ابن جريج قال ، قلت لعطاء : " أو عدل ذلك صيامًا " ، هل لصيامه وقت ؟ قال : لا إذ شاء وحيث شاء ، وتعجيله أحبُّ إليّ.
12627 - حدثنا هناد قال ، حدثنا ابن أبي زائدة قال ، أخبرنا ابن جريج قال ، قلت لعطاء : رجل أصابَ صيدًا في الحج أو العمرة ، فأرسل بجزائه إلى الحرم في المحرَّم أو غيره من الشهور ، أيجزئ عنه ؟ قال : نعم. ثم قرأ : " هديًا بالغ الكعبة " قال هناد : قال يحيى : وبه نأخذ. (5)
__________
(1) في المطبوعة : " فأما الهدي ، فإنه من جراء ما قتل من الصيد " وهو كلام فاسد جدا وفي المخطوطة : " فإن من جرائه ما قتل من الصيد " غير منقوطة وهذا صواب قراءتها.
(2) في المطبوعة : " إلا أن يبلغه الكعبة طيبا وينحره أو يذبحه " وهو فاسد المعنى وفي المخطوطة : " إلا أن يبلغه الكعبة طيبا قال تعالى ذكره وينحره... " وصواب قراءة " طسا " غير منقوطة " كما " كما أثبتها.
(3) في المطبوعة : " ويعني بالكعبة " وفي المخطوطة " وعنا بالكعبة " وصواب قراءتها ما أثبت.
(4) في المطبوعة : " بالطعام " وأثبت ما في المخطوطة.
(5) الأثر : 12627 - " يحيى " هو " ابن أبي زائدة " وهو : " يحيى بن زكريا ابن أبي زائدة " ومضى مرارا.

(10/41)


12628 - حدثنا هناد قال ، حدثنا ابن أبي زائدة قال ، أخبرنا ابن جريج وابن أبي سليم ، عن عطاء قال : إذا قدمتَ مكة بجزاء صيدٍ فانحره ، فإن الله تعالى ذكره يقول : " هديًا بالغ الكعبة " ، إلا أن يقدَم في العشر ، فيؤخِّرُه إلى يوم النحر. (1)
12629 - حدثنا هناد قال ، حدثنا ابن أبي زائدة قال ، حدثنا ابن جريج ، عن عطاء قال : يتصدّق الذي يصيب الصيدَ بمكة. فإن الله تعالى ذكره يقول : " هديًا بالغ الكعبة " .
* * *
القول في تأويل قوله تعالى : { أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا }
قال أبو جعفر : يعني تعالى ذكره بذلك : أو على قاتل الصيد محرِمًا ، عدلُ الصّيد المقتول من الصيام. وذلك أن يقوّم الصيد حيًّا غير مقتول قيمته من الطعام بالموضع الذي قتله فيه المحرم ، ثم يصوم مكان كل مدٍّ يومًا. وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم عَدَل المدَّ من الطعام بصوم يوم في كفَّارة المُوَاقع في شهر رمَضَان. (2)
* * *
فإن قال قائل : فهلا جعلت مكان كلّ صاع في جزاءِ الصيد ، صومَ يوم ، قياسًا على حكم النبي صلى الله عليه وسلم في نظيره ، وذلك حكمه على كَعْب بن عُجْرة إذ أمره أن يطعم إنْ كفَّر بالإطعام فَرْقًا من طعام ، وذلك ثلاثة آصُعٍ بين ستّة مساكين (3) إنْ كفر بالصيام أن يصوم ثلاثة أيام ، فجعل الأيام
__________
(1) في المطبوعة : " فيخر " بغير ضمير وأثبت ما في المخطوطة.
(2) انظر الأخبار في كفارة من أتى أهله في نهار رمضان وهو صائم في السنن الكبرى البيهقي 4 : 221 - 225.
(3) انظر خبر " كعب بن عجرة " إذ شكا رأسه من صئبانه ، فيما سلف في التفسير 4 : 58 - 69 الآثار رقم : 3334 - 3359.

(10/42)


الثلاثة في الصوم عَدْلا من إطعام ثلاثة آصع ، فإن ذلك بالكفارة في جزاءِ الصيد ، أشبهُ من الكفارة في قتلِ الصيد بكفَّارة المُواقع امرأتَه في شهر رمضان ؟. قيل : إن " القياس " ، إنما هو رَدُّ الفروع المختلف فيها ، إلى نظائرها من الأصول المجمع عليها. ولا خلافَ بين الجميع من الحجّة أنه لا يجزئ مكفِّرًا كفَّر في قتل الصيد بالصوم ، أن يعدِلَ صوم يوم بصاعِ طعام. فإذْ كان ذلك كذلك ، وكان غير جائز خلافها فيما حدَّثت به من الدين مجمعةً عليه ، (1) صحَّ بذلك أن حكم معادلة الصوم الطعامَ في قتل الصيد ، مخالف حكم معادلته إيَّاه في كفارة الحلق ، إذْ كان غير جائز ردّ أصْلٍ على أصْلٍ قياسًا. وإنما يجوز أن يقاس الفرعُ على الأصل. (2) وسواء قال قائل : " هلا رددتَ حكم الصوم في كفارة قتلِ الصيد ، على حكمه في حَلْق الأذى فيما يُعْدل به من الطعام " ؟ وآخر قال : " هلا رددت حكم الصوم في الحلق ، على حكمه في كفارة قتل الصيد فيما يُعدلُ به من الطعام ، فتُوجب عليه مكان كل مدٍّ أو مكان كل نصف صاع صومَ يوم " ؟
* * *
وقد بينا فيما مضى قبل أن " العَدْل " في كلام العرب بالفتح ، هو قدر الشيء من غير جنسه (3) وأن " العِدْل " هو قدره من جنسه. (4)
وقد كان بعض أهل العلم بكلام العرب يقول : " العدل " مصدر من قول القائل : " عَدَلت بهذا عَدْلا حسنًا " . قال : " والعَدْل " أيضًا بالفتح ،
__________
(1) في المطبوعة : " حدت به من الدين " (بتشديد الدال والتاء في آخره) وفي المخطوطة " حدث به " بالثاء وصواب قراءتها ما أثبت.
(2) في المطبوعة والمخطوطة : " إذا كان غير جائز وداخل على آخر قياسا " وفي المخطوطة مثلها مهملة غير منقوطة. وهو كلام لا معنى له ، بل الصواب المحض ما أثبت وذلك أن الكاتب كتب : " وداحل " وصوابها : " رد أصل " ثم كتب " على أحر " وصوابها : " على أصل " وهو ظاهر كلام أبي جعفر كما رأيت قبل ، وكما ترى بعد.
(3) في المطبوعة : " وهو قدر... " بزيادة " الواو " وهو خطأ.
(4) انظر تفسير " العدل " فيما سلف 2 : 35 ، 574. ثم معاني القرآن للفراء 1 : 320 ، ثم مجاز القرآن لأبي عبيدة 1 : 53 ، 175 ، 176.

(10/43)


المثل. ولكنهم فرَّقوا بين " العدل " في هذا وبين " عِدْل المتاع " ، بأن كسروا " العين " من " عِدْل المتاع " ، وفتحوها من قول الله تعالى : (1) وَلا يُقْبَلُ مِنْهَا عَدْلٌ [سورة البقرة : 123] ، وقول الله عز وجل : " أو عدل ذلك صيامًا " ، كما قالوا : " امرأة رَزان " وحجر رَزين " . (2)
وقال بعضهم : " العدل " هو القسط في الحق ، و " العِدْل " بالكسر ، المثل. وقد بينا ذلك بشواهد فيما مضى. (3) .
* * *
وأما نصب " الصيام " فأنه على التفسير ، (4) كما يقال : " عندي ملء زقٍّ سمنًا " ، و " قدر رطلٍ عسلا " . (5)
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال جماعة من أهل التأويل. (6)
__________
(1) في المطبوعة : " من قولهم " وفي المخطوطة : " من قول هم " وهو خطأ غريب والصواب ما كتبت إن شاء الله.
(2) نص هذا الكلام ذكره صاحب لسان العرب في مادة (عدل) ولم يشر إليه في مادة (رزن) فهو مما يقيد في اللسان في موضعه. وجاء في اللسان " وعجز رزين " وهو خطأ يصحح ، إنما الصواب " وحجر " و " حجر رزين " : ثقيل. وقد صرح صاحب أساس البلاغة فقال : " وامرأة رزان ، ولا يقال " رزينة " .
(3) يعني ما سلف في 2 : 35.
(4) " التفسير " هو التمييز وانظر ما سلف في فهارس المصطلحات.
(5) انظر معاني القرآن للفراء 1 : 320.
(6) عند هذا الموضع انتهى المجلد الثامن من مخطوطة التفسير التي اعتمدناها. وفيها هنا ما نصه :
" تم المجلد الثامن بحمد الله وعونه
وصلى الله على سيدنا محمد النبي وآله وصحبه وسلم كثيرا.
يتلوه في التاسع إن شاء الله تعالى :
ذكر من قال ذلك : حدثنا محمد بن بشار قال حدثنا أبو
عاصم قال ، أخبرنا ابن جريج قال قلت لعطاء : ما
" عَدْل ذلك صيامًا " ؟
قال : عدل الطعام من الصيام.
وكان الفراغ منه في شهر ربيع الآخر سنة خمس عشرة وسبعمئة " .
ثم يليه في أول الجزء التاسع ما نصه :
" بسْم الله الرَّحمن الرحِيمِ
رَبِّ يَسِّرْ
بقية تفسير : " أَوْ عَدْلُ ذلك صِيَامًا " .

(10/44)


12630 - حدثنا محمد بن بشار قال ، حدثنا أبو عاصم قال ، أخبرنا ابن جريج قال ، قلت لعطاء : ما " عدل ذلك صيامًا " ؟ قال : عَدْل الطعامِ من الصيام. قال : لكل مدٍّ يومًا ، يأخذ زعَم بصيام رمضان وبالظِّهار. (1) وزعم إن ذلك رأى يراه ، ولم يسمعه من أحد ، ولم تمض به سنة. قال : ثم عاودته بعد ذلك بحين ، قلت : ما " عدل ذلك صيامًا " ؟ قال : إن أصاب ما عَدْله شاةٌ ، قوِّمت طعامًا ، ثم صام مكان كل مدٍّ يومًا. قال : ولم أسأله : هذا رأي أو سنة مسنونة ؟
12631 - حدثني يعقوب بن إبراهيم قال ، حدثنا هشيم قال ، أخبرنا أبو بشر ، عن سعيد بن جبير في قوله عز وجل : " أو عدل ذلك صيامًا " ، قال : بصوم ثلاثةَ أيام إلى عشرة أيام.
12632 - حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا جرير ، عن مغيرة ، عن حماد : " أو عدل ذلك صيامًا " ، من الجزاء ، إذا لم يجد ما يشتري به هديًا ، أو ما يتصدق به مما لا يبلُغ ثمنَ هدي ، حكم عليه الصيامُ مكان كل نصفِ صاعٍ يومًا.
12633 - حدثني المثنى قال ، حدثنا عبد الله بن صالح قال ، حدثني معاوية بن صالح ، عن علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : " أو عدل ذلك صيامًا " ، قال : إذ قتل المحرم شيئًا من الصيد ، حكم عليه فيه. فإن قتل ظبيًا أو نحوه ، فعليه شاة تذبح بمكة. فإن لم يجدها ، فإطعام ستة مساكين. فإن لم يجد فصيام
__________
(1) في المطبوعة : " يؤخذ " وأثبت ما في المخطوطة وهو الصواب. ومعنى قوله : " يأخذ " هنا ، يعني به يقيس ذلك بكفارة المواقع أهله في نهار رمضان ، وبكفارة الظهار.

(10/45)


ثلاثة أيام. وإن قتل أيِّلا أو نحوه ، فعليه بقرة. فإن لم يجد أطعم عشرين مسكينًا ، فإن لم يجد ، صام عشرين يومًا. وإن قتل نعامةً أو حمارَ وحش أو نحوه ، فعليه بدنة من الإبل. فإن لم يجد ، أطعم ثلاثين مسكينًا. فإن لم يجد ، صام ثلاثين يومًا. والطعام : مدٌّ مدٌّ ، شِبَعَهم. (1)
12634 - حدثنا ابن البرقي قال ، حدثنا عمرو بن أبي سلمة ، عن سعيد ، [سألته] المحرِم يصيب الصيد (2) فيكون عليه الفدية ، شاة ، أو البقرة أو البدنة. فلا يجد ، (3) فما عدل ذلك من الصيام أو الصدقة ؟ قال : ثمن ذلك ، فإن لم يجد ثمنه ، قوّم ثمنه طعامًا يتصدق به لكل مسكين مُدّ ، ثم يصومُ بكُلّ مدٍّ يومًا. (4)
* * *
القول في تأويل قوله : { لِيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ }
قال أبو جعفر : يقول جل ثناؤه : أوجبت على قاتل الصيد محرمًا ما أوجبت من الجزاء والكفارة الذي ذكرت في هذه الآية ، (5) كي يذوق وبال أمره وعذابه.
* * *
يعني : " بأمره " ، ذنبه وفعله الذي فعله من قتله ما نهاه الله عز وجل عن قتله في حال إحرامه.
* * *
__________
(1) الأثر : 12633 - مضى هذا الأثر برقم : 12600 وفيه " شبعهم " بغير واو. وفي المخطوطة هنا " وشبعهم " بالواو والجيد حذف الواو. وفي المطبوعة هنا غيرها كما غيرها في الموضع السالف وكتب : " يشبعهم " .
(2) في المطبوعة : " عن سعيد : المحرم... " وفي المخطوطة : " عن سعيد : عن المحرم " فظاهر أنه سقط من الناسخ قوله : " وسألته " كما أثبتها بين القوسين وهو حق السياق كما ترى. والذي حذفه لناشر " عن " حذف مفسد للكلام.
(3) في المطبوعة : " ... أو البدنة فإن لم يجد فما عدل ذلك... " وهو تغيير فاسد جدا ، أداه إليه التصرف المعيب كما رأيت في التعليق السالف.
(4) في المطبوعة : " لكل مد " باللام وأثبت ما في المخطوطة.
(5) في المطبوعة : " ما أوجبت من الحق او الكفارة " وهو كلام لا معنى له ، وفي المخطوطة : " ما أوجبت من الحق او الكفارة " غير منقوطة وهذا صواب قراءتها كما أثبته.

(10/46)


يقول : فألزمته الكفارة التي ألزمته إياها ، لأذيقه عقوبة ذنبه. بإلزامه الغرامة ، والعمل ببدنه مما يتعبه ويشق عليه. (1) .
* * *
وأصل " الوبال " ، الشدّة في المكروه ، ومنه قول الله عز وجل : فَعَصَى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ فَأَخَذْنَاهُ أَخْذًا وَبِيلا [سورة المزمل : 16].
* * *
وقد بيّن تعالى ذكره بقوله : " ليذوق وبالَ أمره " ، أنَّ الكفاراتِ اللازمةَ الأموالَ والأبْدَانَ ، عقوباتٌ منه لخلقه ، وإن كانت تمحيصًا لهم ، وكفارةً لذُنُوبهم التي كفَّروها بها.
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك :
12635 - حدثني محمد بن الحسين قال ، حدثنا أحمد بن مفضل قال ، حدثنا أسباط ، عن السدي : أما " وبال أمره " ، فعقوبة أمرِه.
* * *
القول في تأويل قوله : { عَفَا اللَّهُ عَمَّا سَلَفَ وَمَنْ عَادَ فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ }
قال أبو جعفر : يقول جل من قائل لعباده المؤمنين به وبرسوله صلى الله عليه وسلم : عفا الله ، أيها المؤمنون ، عمَّا سلف منكم في جاهليتكم ، من إصابتكم الصيد وأنتم حُرُم ، و قتلِكموه ، فلا يؤاخذكم بما كان منكم في ذلك قبل تحريمه إياه عليكم ، ولا يلزمكم له كفارةً في مال ولا نفس. ولكن من عاد منكم لقتله وهو محرم ،
__________
(1) انظر تفسير " ذاق " فيما سلف 7 : 96 ، 446 ، 4528 : 487.

(10/47)


بعد تحريمه بالمعنى الذي كان يَقْتُله في حال كفره ، وقبل تحريمه عليه ، من استحلاله قتلَه ، فينتقم الله منه. (1)
* * *
وقد يحتمل أن يكون معناه : (2) من عاد لقتله بعد تحريمه في الإسلام ، فينتقم الله منه في الآخرة. فأما في الدنيا ، فإن عليه من الجزاء والكفَّارة فيها ما بيَّنت.
* * *
واختلف أهل التأويل في تأويل ذلك.
فقال بعضهم نحو الذي قلنا فيه.
* ذكر من قال ذلك :
12636 - حدثنا هناد قال ، حدثنا ابن أبي زائدة قال ، أخبرنا ابن جريج قال ، قلت لعطاء : ما " عفا الله عما سلف " ؟ قال : عما كان في الجاهلية. قال قلت : ما " ومن عاد فينتقم الله منه " ؟ قال : من عاد في الإسلام ، فينتقم الله منه. وعليه مع ذلك الكفارة.
12637 - حدثنا ابن بشار قال ، حدثنا أبو عاصم قال ، أخبرنا ابن جريج قال ، قلت لعطاء ، فذكر نحوه وزاد فيه ، وقال : وإن عاد فقتل ، عليه الكفارة. قلت : هل في العَوْد من حدٍّ يعلم ؟ قال : لا قلت : فترى حقًّا على الإمام أن يعاقبه ؟ قال : هو ذنب أذنبه فيما بينه وبين الله ، ولكن يفتدي.
12638 - حدثنا سفيان قال ، حدثنا محمد بن بكر وأبو خالد ، عن ابن جريج ، عن عطاء : " ومن عاد فينتقم الله منه " ، قال : في الإسلام ، وعليه مع ذلك الكفارة. قلت : عليه من الإمام عقوبة ؟ قال : لا. (3)
__________
(1) انظر تفسير " عفا " فيما سلف من فهارس اللغة وتفسير " سلف " فيما سلف 6 : 14/ 8 : 137 ، 150.
(2) في المطبوعة : " أن يكون ذلك معناه " زاد " ذلك " ليهلك العبارة!! وليست في المخطوطة.
(3) الأثر : 12638 - " سفيان " هو : " سفيان بن وكيع " . مضى مرارا.
*و " محمد بن بكر بن عثمان البرساني " مضى برقم : 5438.
*و " أبو خالد " هو الأحمر " سليمان بن حيان الأزدي " مضى برقم : 3956.

(10/48)


12639 - حدثنا هناد قال ، حدثنا وكيع وحدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا أبي عن سفيان ، عن ابن جريج ، عن عطاء : " عفا الله عما سلف " ، عمَّا كان في الجاهلية " ومن عاد " ، قال : في الإسلام " فينتقم الله منه " ، وعليه الكفارة. قال قلت لعطاء : فعليه من الإمام عقوبة ؟ قال : لا.
12640 - حدثنا محمد بن بشار قال ، حدثنا عبد الرحمن قال ، حدثنا سفيان ، عن ابن جريج ، عن عطاء قال : يحكم عليه في الخطإ والعمد والنسيان ، وكلَّما أصاب ، قال الله عز وجل : " عفا الله عما سلف " ، قال : ما كان في الجاهلية " ومن عاد فينتقم الله منه " ، مع الكفارة قال سفيان ، قال ابن جريج : فقلت : أيعاقبه السلطان ؟ قال : لا.
12641 - حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا محمد بن بكر وأبو خالد ، عن ابن جريج قال ، قلت لعطاء : " عفا الله عما سلف " ، قال : عما كان في الجاهلية.
12642 - حدثني يعقوب قال ، حدثنا هشيم ، عن أبي بشر ، عن عطاء بن أبي رباح أنه قال : يحكم عليه كلَّما عاد.
12643 - حدثنا هناد قال ، حدثنا جرير ، عن منصور ، عن مجاهد قال : كلَّما أصاب المحرم الصيد ناسيًا حُكِم عليه.
12644 - حدثني يحيى بن طلحة اليربوعي قال ، حدثنا فضيل بن عياض ، عن منصور ، عن إبراهيم قال : كلَّما أصاب الصيدَ المحرمُ حُكِم عليه.
12645 - حدثنا عمرو بن علي قال ، حدثنا سفيان بن عيينة ، عن ابن أبي نجيح ، عن عطاء قال : من قتل الصيد ثم عاد ، حكم عليه.
12646 - حدثنا عمرو قال ، حدثنا سفيان بن عيينة ، عن داود بن أبي هند ، عن سعيد بن جبير قال : يحكم عليه ، أفيُخْلَع! أفيُتْرك!. (1)
__________
(1) في المطبوعة : " فيخلع أو يترك " فأفسد معنى الكلام إفسادا والصواب من المخطوطة. وهذا الاستفهام تعجب ممن سأله : " أيحكم عليه كلما عاد " فأجابه بذلك تأكيدا للحكم عليه كلما قتل الصيد. يعني أن العائد عليه الحكم في كل مرة! وإلا لأصبح مخلوعا متروكا يفعل بعد ذلك ما شاء في قتله الصيد وهو محرم. وانظر الأثر الآتي رقم : 12652.

(10/49)


12647 - حدثنا عمرو قال ، حدثنا عبد الوهاب قال ، حدثنا داود بن أبي هند ، عن سعيد بن جبير : الذي يصيب الصيد وهو محرم فيحكم عليه ثم يعود ؟ قال : يحكم عليه.
12648 - حدثنا عمرو قال ، حدثنا كثير بن هشام قال ، حدثنا الفرات بن سلمان ، عن عبد الكريم ، عن عطاء قال : يحكم عليه كلَّما عاد. (1)
* * *
وقال آخرون : معنى ذلك : عفا الله عما سلف منكم في ذلك في الجاهلية ، ومن عاد في الإسلام فينتقم الله منه ، بإلزامه الكفّارة.
* ذكر من قال ذلك :
12649 - حدثني ابن البرقي قال ، حدثنا عمرو ، عن زهير ، عن سعيد بن جبير وعطاء في قوله الله تعالى ذكره : " ومن عاد فينتقم الله منه " ، قالا " ينتقم الله " ، يعني بالجزاء " عفا الله عما سلف " ، في الجاهلية.
* * *
وقال آخرون في ذلك : عفا الله عما سلف من قتل من قتلَ منكم الصيدَ حرامًا في أول مرة. ومن عاد ثانية لقتله بعد أولى حرامًا ، فاللهُ وليُّ الانتقام منه ، دون كفارة تلزمه لقتله إياه.
* ذكر من قال ذلك :
12650 - حدثني المثنى قال ، حدثنا عبد الله بن صالح قال ، حدثني
__________
(1) الأثر : 12648 - " كثير بن هشام الكلابي " أبو سهل الرقي. نزل بغداد روى عنه أحمد وإسحق وابن معين ومحمد بن بشار بندار وغيرهم. مترجم في التهذيب والكبير للبخاري 4 1/218 وابن أبي حاتم 3/2/158.
و " الفرات بن سلمان الحضرمي الجزري الرقي " قال أبو حاتم : " لا بأس به محله الصدق صالح الحديث مترجم في تعجيل المنفعة : 331 والبخاري في الكبير 41/129 ولم يذكر فيه جرحا وابن أبي حاتم 32/80 وكان في المطبوعة : " بن سليمان " والصواب من المخطوطة.
ثم انظر إسناد الأثر التالي رقم : 12663

(10/50)


معاوية بن صالح ، عن علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : من قتل شيئًا من الصيد خطأ وهو محرم ، حكم عليه فيه مرة واحدة. فإن عاد يقال له : " ينتقم الله منك " ، كما قال الله عز وجل.
12651 - حدثنا يحيى بن طلحة اليربوعي قال ، حدثنا فضيل بن عياض ، عن هشام ، عن عكرمة ، عن ابن عباس قال . إذا أصاب المحرم الصيدَ حُكم عليه. فإن عاد ، لم يحكم عليه ، وكان ذلك إلى الله عز وجل ، إن شاء عاقبه ، وإن شاء عفا عنه. ثم قرأ هذه الآية : " ومن عاد فينتقم الله منه والله عزيز ذو انتقام " .
12652 - حدثنا هناد قال ، حدثنا يحيى بن أبي زائدة قال ، حدثنا داود ، عن عامر قال : جاء رجل إلى شريح فقال : إني أصبت صيدًا وأنا محرم! فقال : هل أصبت قبل ذلك شيئًا ؟ قال : لا. قال : لو قلت " نعم " ، وكلتك إلى الله يكون هو ينتقم منك ، إنه عزيز ذو انتقام! قال داود : فذكرت ذلك لسعيد بن جبير فقال : بل يحكم عليه ، أفَيخْلَع! (1)
12653 - حدثني أبو السائب وعمرو بن علي قالا حدثنا أبو معاوية ، عن الأعمش ، عن إبراهيم قال : إذا أصابَ الرجلُ الصيدَ وهو محرم ، قيل له أصبت صيدًا قبل هذا ؟ (2) فإن قال : " نعم " ، قيل له : اذهب ، فينتقم الله منك! وإن قال " لا " ، حكم عليه.
12654 - حدثنا محمد بن المثنى قال ، حدثنا ابن أبي عدي ، عن شعبة ، عن سليمان ، عن إبراهيم ، في الذي يقتل الصيد ثم يعود ، قال : كانوا يقولون : من عاد لا يحكم عليه ، أمرُه إلى الله عز وجل.
12655 - حدثنا عمرو قال ، حدثنا ابن عيينة ، عن داود بن أبي هند ،
__________
(1) في المطبوعة : " أو يخلع " غير ما في المخطوطة بلا طائل والصواب ما أثبت من المخطوطة وانظر ما فعله في خاتمة الأثر رقم : 12646 والتعليق عليه ص49. رقم : 1.
(2) في المطبوعة والمخطوطة : " مثل هذا " وهو خطأ صوابه ما أثبت.

(10/51)


عن الشعبي : أن رجلا أتى شريحًا فقال : أصبت صيدًا ؟ ، قال : أصبت قبله صيدًا ؟ قال : لا. قال : أما إنك لو قلت " نعم " ، لم أحكم عليك.
12656 - حدثنا عمرو قال ، حدثنا ابن أبي عدي قال ، حدثنا داود ، عن الشعبي ، عن شريح ، مثله.
12657 - حدثنا عمرو قال ، حدثنا أبو عاصم ، عن الأشعث ، عن محمد ، عن شريح ، في الذي يصيب الصيد قال : يحكم عليه ، فإن عاد انتقمَ الله منه.
12658 - حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا حكّام بن سلم ، عن عنبسة ، عن سالم ، عن سعيد بن جبير : " ومن قتله منكم متعمدًا فجزاء مثلُ ما قتل من النعم بحكم به ذوا عدل منكم " ، قال : يحكم عليه في العمد مرة واحدة ، فإن عاد لم يحكم عليه ، وقيل له : " اذهب ينتقم الله منك " ، ويحكم عليه في الخطأ أبدًا.
12659 - حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا أبي ، عن سفيان ، عن خصيف ، عن سعيد بن جبير قال : رُخّص في قتل الصيد مرة ، فمن عاد لم يدعه الله تعالى ذكره حتى ينتقم منه.
12660 - حدثنا هناد قال ، حدثنا وكيع ، عن سفيان ، عن خصيف ، عن سعيد بن جبير ، مثله.
12661 - حدثنا عمرو بن علي قال ، حدثنا يحيى بن سعيد وابن أبي عدي ، جميعًا عن هشام ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، فيمن أصاب صيدًا فحكم عليه ، ثم أعاد ، قال : لا يحكم ، ينتقم الله منه.
12662 - حدثنا عمرو قال ، حدثنا ابن عيينة ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : إنما قال الله عز وجل : " ومن قتله منكم متعمدًا " ، يقول : متعمدًا لقتله ، ناسيًا لإحرامه ، فذلك الذي يحكم عليه ، فإن عاد لا يحكم عليه ، وقيل له : " ينتقم الله منك " .
12663 - حدثنا عمرو قال ، حدثنا كثير بن هشام قال ، حدثنا الفرات

(10/52)


بن سلمان ، عن عبد الكريم ، عن مجاهد : إن عاد لم يحكم عليه ، وقيل له : " ينتقم الله منك " . (1)
12664 - حدثنا عمرو قال ، حدثنا يحيى بن سعيد قال ، حدثنا الأشعث ، عن الحسن ، في الذي يصيب الصيد فيحكم عليه ثم يعود ، قال : لا يحكم عليه.
* * *
وقال آخرون : معنى ذلك : عفا الله عما سلف من قتلكم الصيد قبل تحريم الله تعالى ذكره ذلك عليكم. ومن عاد لقتله بعد تحريم الله إياه عليه ، عالمًا بتحريمه ذلك عليه ، عامدًا لقتله ، ذاكرًا لإحرامه ، فإن الله هو المنتقم منه ، ولا كفارة لذنبه ذلك ، ولا جزاء يلزمه له في الدنيا.
* ذكر من قال ذلك :
12665 - حدثنا يونس بن عبد الأعلى قال ، أخبرنا ابن وهب قال ، قال ابن زيد في قوله : " ومن عاد فينتقم الله منه " ، قال : من عاد بعد نهي الله - بعد أن يعرف أنه محرَّم ، وأنه ذاكرٌ لِحُرْمه (2) - لم ينبغ لأحد أن يحكم عليه ، ووكلوه إلى نقمة الله عز وجل. فأما الذي يتعمد قتلَ الصيد وهو ناس لحرمه ، أو جاهل أنّ قتله محرَّم ، فهؤلاء الذين يحكم عليهم. فأما من قتله متعمدًا بعد نهي الله ، وهو يعرف أنه محرَّم ، وأنه حَرام ، (3) فذلك يوكل إلى نقمة الله ، فذلك الذي جعل الله عليه النقمة.
* * *
وهذا شبيه بقول مجاهد الذي ذكرناه قبل. (4)
* * *
__________
(1) الأثر : 12663 - " كثير بن هشام الكلابي " و " الفرات بن سلمان الجزري " مضيا قريبا برقم : 12648 ، وكان في المطبوعة هنا أيضا " الفرات بن سليمان " وهو خطأ صوابه ما في المخطوطة.
(2) " الحرم " (بضم الحاء وسكون الراء) : الإحرام وقد سلف شرحه.
(3) " حرام " أي : محرم.
(4) يعني ما سلف رقم : 12662.

(10/53)


وقال آخرون : عُنِي بذلك شخصٌ بعينه.
* ذكر من قال ذلك :
12666 - حدثنا عمرو بن علي قال ، حدثنا معتمر بن سليمان قال ، حدثنا زيد أبو المعلى : أن رجلا أصاب صيدًا وهو محرم ، فتجُوِّز له عنه. ثم عاد ، فأرسل الله عليه نارًا فأحرقته ، فذلك قوله : " ومن عاد فينتقم الله منه " ، قال : في الإسلام. (1)
* * *
قال أبو جعفر : وأولى الأقوال في ذلك بالصواب عندنا ، قولُ من قال : معناه : " ومن عاد في الإسلام لقتله بعد نهي الله تعالى ذكره عنه ، فينتقم الله منه ، وعليه مع ذلك الكفارة " ، لأن الله عز وجل إذْ أخبر أنه ينتقم منه ، لم يخبرنا وقد أوجب عليه في قتله الصيد عمدًا ما أوجب من الجزاء أو الكفارة بقوله : " ومن قتله منكم متعمدًا فجزاء مثلُ ما قتل من النعم " أنه قد أزال عنه الكفارة في المرة الثانية والثالثة ، بل أعلم عبادَه ما أوجبَ من الحكم على قاتل الصيد من المحرمين عمدًا ، ثم أخبر أنه منتقم ممن عاد ، ولم يقل : " ولا كفارة عليه في الدنيا " .
* * *
فإن ظن ظانّ أن الكفارة مزيلةٌ العقابَ ، (2) ولو كانت الكفارةُ لازمةً له في الدنيا ، لبطلَ العقاب في الآخرة ، فقد ظنّ خطأ. وذلك أن الله عز وجلّ أن يخالف بين عقوبات معاصيه بما شاء وأحب ، فيزيد في عقوبته على بعض معاصيه مما ينقصُ من بعض ، وينقص من بعض مما يزيد في بعض ، كالذي فعل من ذلك في مخالفته بين عقوبته الزانيَ البكرَ والزانيَ الثيِّبَ المحصن ، وبين سارق
__________
(1) الأثر : 12666 - " زيد " " أبو المعلى " مترجم في " زيد بن مرة " و " زيد بن أبي ليلى " " أبو المعلى " مولى بني العدوية. قال أبو حاتم : " صالح الحديث " وقال أبو داود الطيالسي : " وكان ثقة " . مترجم في لسان الميزان 2 : 511 والكبير للبخاري 2/1/370 ، وعلق عليه ناشر التاريخ. تعليقا وافيا. وابن أبي حاتم 1/2/573.
(2) في المطبوعة : " مزيلة للعقاب " بزيادة اللام وهو تغيير لعبارة أبي جعفر في المخطوطة. وقوله : " العقاب " منصوب مفعول به لقوله : " مزيلة " .

(10/54)


ربع دينار وبين سارق أقلَّ من ذلك . فكذلك خالف بين عقوبته قاتلَ الصيد من المحرمين عمدًا ابتداءً ، وبين عقوبته عَوْدًا بعد بدء. فأوجب على الباديء المثلَ من النعم ، أو الكفارة بالإطعام ، أو العدل من الصيام ، وجعل ذلك عقوبة جُرْمه بقوله : " ليذوق وبال أمره " ، وجعل على العائد بعد البدء ، وزاده من عقوبته ما أخبر عبادَه أنه فاعل به من الانتقام ، تغليظًا منه عز وجل للعود بعد البدء. ولو كانت عقوباته على الأشياء متفقة ، لوجب أن لا يكون حدٌّ في شيء ، مخالفًا حدًّا في غيره ، ولا عقابٌ في الآخرة ، أغلظ من عقابٍ. وذلك خلاف ما جاء به محكم الفرقان.
* * *
وقد زعم بعض الزاعمين أن معنى ذلك : ومن عاد في الإسلام بعد نَهْي الله عن قتله لقتله بالمعنى الذي كان القوم يقتلونه في جاهليتهم ، فعفا لهم عنه عند تحريم قتله عليهم ، وذلك قتله على استحلال قتله . قال : فأما إذا قتله على غير ذلك الوجه وذلك أن يقتله على وجه الفسوق لا على وجه الاستحلال فعليه الجزاء والكفارة كلَّما عاد.
وهذا قول لا نعلم قائلا قاله من أهل التأويل. وكفي خطأ بقوله ، خروجه عن أقوال أهل العلم ، لو لم يكن على خطئه دلالة سواه ، فكيف وظاهر التنزيل ينبئ عن فساده ؟ وذلك أن الله عز وجل عمّ بقوله : " ومن عاد فينتقم الله منه " ، كلَّ عائد لقتل الصيد بالمعنى الذي تقدم النهي منه به في أوّل الآية ، ولم يخصّ به عائدًا منهم دون عائد. فمن ادَّعى في التنزيل ما ليس في ظاهره ، كُلِّف البرهانَ على دعواه من الوجه الذي يجب التسليمُ له.
* * *
وأما من زعم أن معنى ذلك : ومن عاد في قتله متعمدًا بعد بدء لقتل تقدم منه في حال إحرامه ، فينتقم الله منه ، كان معنى قوله : (1) " عفا الله عما سلف " ،
__________
(1) في المطبوعة : " فإن معنى قوله " وهو خطأ في قراءة المخطوطة وإفساد للسياق والمعنى جميعا.

(10/55)


إنما هو : عفا الله عما سلف من ذنبه بقتله الصيد بدءًا (1) فإنّ في قول الله تعالى ذكره : " ليذوق وبال أمره " ، دليلا واضحًا على أن القول في ذلك غير ما قال ، لأن العفو عن الجرم : تركُ المؤاخذة به. ومن أذيق وبال جرمه ، فقد عوقب به. وغير جائز أن يقال لمن عوقب : " قد عفي عنه " . وخبر الله عز وجل أصدق من أن يقع فيه تناقض.
* * *
فإن قال قائل : وما ينكر أن يكون قاتل الصيد من المحرمين في أوّل مرّة ، قد أذيق وبال أمره بما ألزم من الجزاء والكفارة ، وعفي له من العقوبة بأكثر من ذلك مما كان لله عز وجل أن يعاقبه به ؟
قيل له : فإن كان ذلك جائزًا أن يكون تأويلَ الآية عندك وإن كان مخالفًا لقول أهل التأويل فما تُنكر أن يكون الانتقام الذي أوعده الله تعالى ذكره على العود بعد البدء ، هو تلك الزيادة التي عفاها عنه في أول مرة ، (2) مما كان له فعله به مع الذي أذاقه من وبال أمره ، فيذيقه في عوده بعد البدء وبالَ أمره الذي أذاقه المرة الأولى ويترك عفوَه عما عفا عنه في البدء ، فيؤاخذه به ؟ فلن يقول في ذلك شيئا إلا ألزم في الآخر مثله. (3)
* * *
القول في تأويل قوله : { وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ (95) }
قال أبو جعفر : يقول عز وجل : والله منيعٌ في سلطانه ، لا يقهره قاهرٌ ، ولا يمنعه من الانتقام ممن انتقم منه ، ولا من عقوبة من أراد عقوبته ، مانع. لأن
__________
(1) قوله : " فإن قول الله..ز " جواب قوله : " فأما من زعم... " .
(2) يقال : " عفا له ذنبه " متعديا و " عفا له عن ذنبه " لازما.
(3) في المطبوعة : " فلم يقل في ذلك شيئا " وفي المخطوطة : " فلم يقول... " وصواب قراءتها ما أثبت.

(10/56)


الخلق خلقه ، والأمر أمره ، له العزة المَنَعة. (1)
وأما قوله : " ذو انتقام " ، فإنه يعني به : معاقبتَه لمن عصاه على معصيته إياه.
* * *
__________
(1) انظر تفسير " عزيز " فيما سلف 10 : 289 تعليق 1 ، والمراجع هناك.

(10/57)


أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (96)

القول في تأويل قوله : { أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ }
قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره : " أحل لكم " ، أيها المؤمنون ، " صيد البحر " وهو ما صيد طريًّا ، كما : -
12667 - حدثني يعقوب قال ، حدثنا هشيم قال ، أخبرنا عمر بن أبي سلمة ، عن أبيه ، عن أبي هريرة قال : قال عمر بن الخطاب في قوله : " أحل لكم صيد البحر " ، قال : صيده ، ما صيد منه. (1)
12668 - حدثني ابن حميد قال ، حدثنا جرير ، عن مغيرة ، عن سماك قال : حُدِّثت ، عن ابن عباس قال : خطب أبو بكر الناس فقال : " أحل لكم صيد البحر " ، قال : فصيده ما أخذ. (2)
12669 - حدثني يعقوب قال ، حدثنا هشيم قال ، أخبرنا حصين ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس في قوله : " أحل لكم صيد البحر " ، قال : صيده ، ما صيد منه. (3)
12670 - حدثنا سليمان بن عمر بن خالد البرقي قال ، حدثنا محمد بن سلمة
__________
(1) الأثر : 12667 - " عمر بن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف " مضى برقم : 3911 قال ابن سعد : " كان كثير الحديث وليس يحتج بحديثه " . وقال شعبة : " أحاديثه واهية " . وقد مضى الكلام فيه. وكان في المخطوطة هنا " عمرو بن أبي سلمة " وهو خطأ سيأتي على الصواب في رقم : 12687 في المخطوطة.
وأبوه : " أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف " مضى برقم : 8 ، 67 ، 3015 ، 8394 ، ثقة. وهذا الخبر مختصر الخبر الآتي رقم : 12687 وسياتي تخريجه هناك.
(2) الأثر : 12668 - سيأتي هذا الخبر بنفس هذا الإسناد بغير هذا اللفظ برقم 12686.
(3) الأثر : 12669 - رواه البيهقي في السنن 9 : 255 من طريق خلف بن خليفة عن حصين مطولا بنحوه.

(11/57)


الحرّاني ، عن خصيف ، عن عكرمة ، عن ابن عباس في قوله : " أحل لكم صيد البحر " ، قال : صيده ، الطريّ. (1)
12671 - حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا يحيى بن واضح قال ، حدثنا الهذيل بن بلال قال ، حدثنا عبد الله بن عبيد بن عمير ، عن ابن عباس في قوله : " أحل لكم صيد البحر " ، قال : صيدُه ، ما صِيد. (2)
12672 - حدثني محمد بن سعد قال ، حدثني أبي قال ، حدثني عمي قال ، حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس : " أحل لكم صيد البحر " ، قال : الطريّ.
12673 - حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا الحسن بن علي بن الحنفيّ أو : الحسين ، شك أبو جعفر عن الحكم بن أبان ، عن عكرمة ، قال : كان ابن عباس يقول : صيد البحر ، ما اصطاده. (3)
__________
(1) الأثر : 12670 - " سليمان بن عمر بن خالد الرقي القرشي " الأقطع مضى برقم : 6254.
وكان في المطبوعة : " البرقي " وهو خطأ محض.
و " محمد بن سلمة الحراني الباهلي " ثقة مضى برقم : 175.
(2) الأثر : 12671 - " هذيل بن بلا الفزاري المدائني " " أبو البهلول " ضعيف قال ابن معين " ليس بشيء " . وقال أبو زرعة : " هو لين ليس بالقوي " . وقال ابن حيان : " يقلب الأسانيد ويرفع المراسيل فصار متروكا " . وقال ابن سعد : " كان ضعيفا " . ولكن قال أبو حاتم : " محله الصدق يكتب حديثه " . وضعفه النسائي والدارقطني. مترجم في الكبير 4/2/245 ولم يذكر فيه جرحا وابن أبي حاتم 4/2/113 وفي تعجيل المنفعة : 430 ولسان الميزان 6 : 192 وميزان الاعتدال 3 : 251. وكان في المطبوعة والمخطوطة : " هذيل ابن هلال " بالهاء وهو خطأ محض. وسيأتي على الصواب في المخطوطة : " بلال " في رقم : 12693 ، ولكن الناشر سيغيره هناك إلى " هلال " خطأ أيضا.
*و " عبد الله بن عبيد بن عمير بن قتادة الليثي الجندعي " روى عن أبيه وقيل لم يسمع منه وروى عن عائشة وابن عباس وابن عمر. روى عنه " هذيل بن بلال " وجرير بن حازم وابن جريج والأوزاعي وعكرمة بن عمار وغيرهم. ثقة. وكان مستجاب الدعوة. مترجم في التهذيب.
(3) الأثر : 12673 " الحسن بن علي الحنفي " أو " الحسين بن علي الحنفي " لم أجد لأحدهما ترجمة في المراجع التي بين يدي. وكان في المطبوعة : " الجعفي " وهو تغيير بلا هدى. فإن " الجعفي " هو " الحسين بن علي الجعفي " مضى مرارا كثيرة وهو أجل من أن يشك في اسمه أبو جعفر أو سفيان بن وكيع. ثم انظر الأثر التالي رقم : 12692.

(11/58)


12674 - حدثنا أبو كريب قال ، حدثنا ابن يمان ، عن سفيان ، عن أبي حصين ، عن سعيد بن جبير : " أحل لكم صيد البحر " ، قال : الطريّ.
12675 - حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا حكام ، عن عنبسة ، عن الحجاج ، عن العلاء بن بدر ، عن أبي سلمة قال : " صيد البحر " ، ما صيد. (1)
12676 - حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا أبي ، عن سفيان ، عن أبي حصين ، عن سعيد بن جبير : " أحل لكم صيد البحر " ، قال : الطريّ.
12677 - حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا حميد بن عبد الرحمن ، عن سفيان ، عن أبي حصين ، عن سعيد بن جبير ، مثله.
12678 - حدثنا ابن بشار قال ، حدثنا عبد الرحمن بن مهدي قال ، حدثنا سفيان ، عن أبي حصين ، عن سعيد بن جبير : " أحل لكم صيد البحر " ، قال : السمك الطريّ.
12679 - حدثنا محمد بن الحسين قال ، حدثنا أحمد بن مفضل قال ، حدثنا أسباط ، عن السدي : " أحل لكم صيد البحر " ، أما " صيد البحر " ، فهو السمك الطريّ ، هي الحيتان.
12680 - حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثنا أبو سفيان ، عن معمر ، عن الزهري ، عن سعيد بن المسيب قال : صيده ، ما اصطدته طريًّا - قال معمر ، وقال قتادة : صيده ، ما اصطدته. (2)
12681 - حدثني محمد بن عمرو قال ، حدثنا أبو عاصم قال ، حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قول الله تعالى ذكره : " أحل لكم صيد البحر " ، قال : حيتانه.
__________
(1) الأثر : 12675 - " العلاء بن بدر " نسب إلى جده وهو : " العلاء بن عبد الله بن بدر الغنوي " مضى برقم : 7939.
(2) الأثر : 12680 - " أبو سفيان " هو " أبو سفيان المعمري " " محمد بن حميد اليشكري " . مضى برقم : 1787 ، 8829.

(11/59)


12682 - حدثنا ابن البرقي قال ، حدثنا عمر بن أبي سلمة قال ، سئل سعيد عن صيد البحر فقال ، قال مكحول ، قال زيد بن ثابت : صيده ، ما اصطدت. (1)
12683 - حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا جرير ، عن ليث ، عن مجاهد في قوله : " أحل لكم صيد البحر وطعامه متاعًا لكم وللسيارة " ، قال : يصطاد المحرِم والمحلُّ من البحر ، ويأكلُ من صيده.
12684 - حدثنا عمرو بن عبد الحميد قال ، حدثنا ابن عيينة ، عن عمرو ، عن عكرمة قال : قال أبو بكر : طعام البحر كلُّ ما فيه وقال جابر بن عبد الله : ما حَسر عنه فكُلْ. وقال : كلّ ما فيه يعني : جميع ما صيدَ (2) .
12685 - حدثنا سعيد بن الربيع قال ، حدثنا سفيان ، عن عمرو ، سمع عكرمة يقول : قال أبو بكر : " وطعامه متاعًا لكم وللسيارة " ، قال : هو كل ما فيه.
* * *
وعنى ب " البحر " ، في هذا الموضع ، الأنهار كلها. والعرب تسمى الأنهار " بحارًا " ، كما قال تعالى ذكره : ( ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ ) . (3)
__________
(1) الأثر : 12682 - " عمرو بن أبي سلمة التنيسي " مضى برقم : 3997 ، 5230 ، 5444 ، 6628 ، وكان في المطبوعة هنا " عمر بن أبي سلمة " وهو خطأ ذاك أقدم من هذا (انظر ما مضى رقم : 12667). والصواب من المخطوطة.
و " سعيد " هذا هو " سعيد بن عبد العزيز بن أبي يحيى التنوخي " مضى رقم : 6529 8966 ، 9071. ومضى أيضا في الأثر : 3977 غير مترجم في مثل هذا الإسناد.
وهذا الخبر أخرجه السيوطي في الدر المنثور 2 : 232 ولم ينسبه لغير الطبري.
(2) الأثر : 12684 - خرجه السيوطي في الدر المنثور 2 : 232 ، ولم ينسبه لغير الطبري .
(3) مضى ذكر " البحر " في سورة البقرة : 50 (2 : 50) ولم يشرح هذا الحرف هناك. وهذا من وجوه اختصار تفسيره. ولكن جاء تفسير " البحر " في الأثر السالف رقم : 3985 بغير هذا المعنى ، فانظره.

(11/60)


قال أبو جعفر : فتأويل الكلام : أحل لكم ، أيها المؤمنون ، طريّ سمك الأنهار الذي صدتموه في حال حِلِّكم وحَرَمكم ، وما لم تصيدوه من طعامه الذي قتله ثم رَمى به إلى ساحله.
* * *
واختلف أهل التأويل في معنى قوله : " وطعامه " .
فقال بعضهم : عني بذلك : ما قذف به إلى ساحله ميتًا ، نحو الذي قلنا في ذلك.
* ذكر من قال ذلك :
12686 - حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا جرير ، عن مغيرة ، عن سماك قال ، حدثت عن ابن عباس قال : خطب أبو بكر الناس فقال : " أحل لكم صيد البحر وطعامه متاعًا لكم " ، وطعامه ، ما قَذَف. (1)
12687 - حدثني يعقوب قال ، حدثنا هشيم قال ، أخبرنا عمر بن أبي سلمة ، عن أبيه ، عن أبي هريرة قال : كنت بالبحرين ، فسألونى عما قذف البحر. قال : فأفتيتهم أن يأكلوا. فلما قدمتُ على عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، ذكرت ذلك له ، فقال لي : بم أفتيتهم ؟ (2) قال ، قلت : أفيتهم أن يأكلوا ؟ قال : لو أفتيتهم بغير ذلك لعلوتك بالدِّرَّة! قال : ثم قال : إن الله تعالى قال في كتابه : " أحل لكم صيد البحر وطعامه متاعًا لكم " ، فصيده ، ما صيد منه وطعامه ، ما قَذَف. (3)
__________
(1) الأثر : 12686 - مضى بهذا الإسناد بغير هذا اللفظ فيما سلف رقم : 12668. وهذا الخبر نقله ابن كثير في تفسيره 3 : 242 والسيوطي في الدر المنثور 2 : 331 وزاد نسبته لعبد بن حميد.
(2) في المخطوطة : " بما أفتيتهم " وهو الأصل وهو صواب.
(3) الأثر : 12687 - مضى مختصرا بهذا الإسناد رقم : 12667. وذكرت هناك ما قالوه في ضعف " عمر بن أبي سلمة " .
وهذا الخبر رواه البيهقي في السنن الكبرى 9 : 254 ، من طريق سعيد بن منصور عن أبي عوانه عن عمر بن أبي سلمة بنحوه.
وخرجه السيوطي في الدر المنثور 2 : 331 وزاد نسبته إلى سعيد بن منصور وعبد بن حميد ، وابن المنذر وأبي الشيخ.

(11/61)


12688 - حدثني يعقوب قال ، حدثنا هشيم قال ، أخبرنا حصين ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس : " أحل لكم صيد البحر وطعامه متاعًا لكم " ، قال : طعامه ما قَذَف.
12689 - حدثني يعقوب قال ، حدثنا ابن علية ، عن سليمان التيمي ، عن أبي مجلز ، عن ابن عباس في قوله : " احل لكم صيد البحر وطعامه " ، قال : طعامه ما قذف.
12690 - حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا أبو خالد الأحمر ، عن سليمان التيمي ، عن أبي مجلز ، عن ابن عباس ، مثله.
12691 - حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا حسين بن علي ، عن زائدة ، عن سماك ، عن عكرمة ، عن ابن عباس قال : " طعامه " ، كل ما ألقاه البحر. (1)
12692 - حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا الحسن بن علي أو : الحسين بن على الحنفي ، شك أبو جعفر عن الحكم بن أبان ، عن عكرمة ، عن ابن عباس قال : " طعامه " ، ما لفظ من ميتته. (2)
12693 - حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا يحيى بن واضح قال ، حدثنا الهذيل بن بلال قال ، حدثنا عبد الله بن عبيد بن عمير ، عن ابن عباس : " أحل لكم صيد البحر وطعامه " ، قال : " طعامه " ، ما وجد على الساحل ميتًا. (3)
__________
(1) الأثر : 12691 - " حسين بن علي بن الوليد الجعفي " مضى مرارا منها رقم : 29 ، 174 ، 4415 ، 7287 ، 7499. وهو غير الذي سيأتي بعده ، كما أشرت إليه في التعليق على الأثر رقم : 12673.
(2) الأثر : 12692 - " الحسن بن علي الحنفي " أو " الحسين بن علي الحنفي " مضى الكلام عنه ، وإني لم أجده فيما سلف رقم : 12673. وغيره هنا في المطبوعة وكتب " الجعفي " وهو هنا أيضا في المخطوطة : " الحنفي " .
(3) الأثر : 12693 - " الهذيل بن بلال الفزاري المدائني " مضى برقم : 12671 ، وهو في المخطوطة هنا " بلال " ولكن غيره الناشر في المطبوعة فكتب : " هلال " وهو خطأ كما بينت هناك.
*و " عبد الله بن عبيد بن عمير الليثي " مضى أيضا برقم : 12671.

(11/62)


12694 - حدثنا أبو كريب قال ، حدثنا ابن يمان ، عن سفيان ، عن سليمان التيمي ، عن أبي مجلز ، عن ابن عباس قال : " طعامه " ، ما قذف به.
12695 - حدثنا سعيد بن الربيع قال ، حدثنا سفيان ، عن عمرو ، سمع عكرمة يقول : قال أبو بكر رضي الله عنه : " وطعامه متاعًا لكم " ، قال : " طعامه " ، هو كل ما فيه.
12696 - حدثني محمد بن المثنى قال ، حدثنا الضحاك بن مخلد ، عن ابن جريج قال ، أخبرني عمرو بن دينار ، عن عكرمة مولى ابن عباس قال : قال أبو بكر : " وطعامه متاعًا لكم " ، قال : " طعامه " ، ميتته قال عمرو : وسمعت أبا الشعثاء يقول : (1) ما كنت أحسب طعامه إلا مالحه.
12697 - حدثنا محمد بن المثنى قال ، حدثني الضحاك بن مخلد ، عن ابن جريج قال ، أخبرني أبو بكر بن حفص بن عمر بن سعد ، عن عكرمة ، عن ابن عباس في قوله : " وطعامه متاعًا لكم " ، قال : " طعامه " ، ميتته. (2)
12698 - حدثنا حميد بن مسعدة (3) قال ، حدثنا يزيد بن زريع ، عن عثمان ، عن عكرمة : " وطعامه متاعًا لكم " ، قال : " طعامه " ، ما قذف.
12699 - حدثنا ابن عبد الأعلى قال ، حدثنا معمر بن سليمان قال ، سمعت عبيد الله ، عن نافع قال : جاء عبد الرحمن إلى عبد الله فقال : البحر قد ألقى حيتانًا كثيرة ؟ قال : فنهاه عن أكلها ، ثم قال : يا نافع ، هات
__________
(1) في المطبوعة : " وسمع " وفي المخطوطة : " وسمعه " وصواب قراءتها ما أثبت كما سيأتي في رقم : 12702.
(2) الأثر : 12697 - " أبو بكر بن حفص بن عمر بن سعد " اسمه " عبد الله بن حفص " ثقة مضى برقم : 3035.
(3) في المخطوطة : " جرير بن مسعدة " والصواب ما في المطبوعة.

(11/63)


المصحف! فأتيته به ، فقرأ هذه الآية : " أحل لكم صيد البحر وطعامه متاعًا لكم " ، قال ، قلت : " طعامه " ، هو الذي ألقاه. قال : فالحقْهُ ، فمُرْهُ بأكله. (1)
12700 - حدثنا ابن بشار قال ، حدثنا عبد الوهاب قال ، حدثنا أيوب ، عن نافع : أن عبد الرحمن بن أبي هريرة سأل ابن عمر ، فقال : إن البحر قذف حيتانًا كثيرة ميتة ، أفنأكلها ؟ قال : لا تأكلوها! فلما رجع عبد الله إلى أهله أخذ المصحف فقرأ " سورة المائدة " ، فأتى على هذه الآية : " وطعامه متاعًا لكم وللسيارة " ، قال : اذهب ، فقل له فليأكله ، فإنه طعامه. (2)
12701 - حدثني يعقوب قال ، حدثنا ابن علية قال ، أخبرنا أيوب ، عن نافع ، عن ابن عمر ، بنحوه.
12702 - حدثني المثنى قال ، حدثنا الضحاك بن مخلد ، عن ابن جريج قال ، أخبرني عمرو بن دينار ، عن عكرمة مولى ابن عباس قال ، قال أبو بكر رضي الله عنه : " وطعامه متاعًا لكم " ، قال : ميتته قال عمرو : سمعت أبا الشعثاء يقول : ما كنت أحسب " طعامه " إلا مالحه. (3)
12703 - حدثنا محمد بن المثنى قال ، حدثنا الضحاك بن مخلد ، عن ابن جريج قال ، أخبرنا نافع : أن عبد الرحمن بن أبي هريرة سأل ابن عمر عن حيتان كثيرة ألقاها البحر ، أميتة هي ؟ قال : نعم! فنهاه عنها ، ثم دخل البيت فدعا
__________
(1) الأثر : 12699 - " عبد الرحمن " هو : " عبد الرحمن بن أبي هريرة " و " عبد الله " هو " عبد الله بن عمر " وسيأتي تخريجه في الذي يليه.
(2) الأثر : 12700 - هو طريق أخرى للأثر السالف.
*وهذا الخبر رواه مالك عن نافع بمثله في الموطأ : 494. ورواه البيهقي عن مالك في السنن الكبرى 9 : 255. وسيأتي من طريق أخرى برقم : 12703.
*ونقله ابن كثير في تفسيره 3 : 242 ولم يخرجه وخرجه السيوطي في الدر المنثور 2 : 332 ، وقصر في نسبته وزاد نسبته إلى عبد بن حميد ، وابن المنذر.
(3) الأثر : 12702 - مضى هذا الأثر من رواية أبي جعفر عن " محمد بن المثنى " بمثل إسناده هنا رقم : 12696.

(11/64)


بالمصحف فقرأ تلك الآية : " أحل لكم صيد البحر وطعامه متاعًا لكم " ، قال : " طعامه " ، كل شيء أخرج منه ، فكله ، فليس به بأس. وكل شيء فيه يأكل ، ميت أو بساحليه. (1)
12704 - حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثنا أبو سفيان ، عن معمر قال قتادة : " طعامه " ، ما قذف منه. (2)
12705 - حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا أبو خالد ، عن ليث ، عن شهر ، عن أبي أيوب قال : ما لفظ البحر فهو طعامه ، وإن كان ميتًا.
12706 - حدثنا هناد قال ، حدثنا أبو الأحوص ، عن ليث ، عن شهر ، قال : سئل أبو أيوب عن قول الله تعالى ذكره : " أحل لكم صيد البحر وطعامه متاعًا " ، قال : هو ما لفظ البحر.
* * *
وقال آخرون : عنى بقوله : " وطعامه " ، المليح من السمك (3) فيكون تأويل الكلام على ذلك من تأويلهم : أحل لكم سمك البحر ومَليحه في كل حال ، في حال إحلالكم وإحرامكم. (4)
* ذكر من قال ذلك :
12707 - حدثنا سليمان بن عُمَر بن خالد الرقيّ قال ، حدثنا محمد بن سلمة ، عن خصيف ، عن عكرمة ، عن ابن عباس : " وطعامه " ، قال : " طعامه " ، المالح منه. (5)
__________
(1) الأثر : 12703 - مضى هذا الخبر بثلاثة أسانيد أخرى رقم : 12699 - 12701 وخرجته في رقم : 12700. وفي المطبوعة : " ميتا " بالنصب وأثبت ما في المخطوطة وهو صواب لا بأس به. وفي المطبوعة : " بساحله " بالإفراد وفي المخطوطة بالتثنية كما أثبتها.
(2) الأثر : 12704 - انظر التعليق على الأثر السالف رقم : 12680 " أبو سفيان " هو : المعمري ، " محمد بن حميد اليشكري " .
(3) " المليح " على وزن " فعيل " هو المملح يقال : " سمك مال ومليح ومملوح ومملح " .
(4) في المطبوعة أسقط من العبارة " في حال " وأثبتها من المخطوطة.
(5) الأثر : 12707 - " سليمان بن عمر بن خالد الرقي " مضى برقم : 12670 ، وكذلك هو في المخطوطة أما في المطبوعة فقد جعله " سليمان بن عمرو بن خالد البرقي " وهو خطأ في موضعين صوابه ما أثبت.
أما قوله : " المالح منه " فقد استنكر الجوهري وغيره أن يقال : " سمك مالح " وقال يونس : " لم أسمع أحدا من العرب يقول : مالح " . والذي لم يسمعه يونس سمعه غير هو جاء في فصيح الشعر وهكذا جاء في الآثار التي هنا وهو صواب لا شك فيه عندي والصواب ما قاله ابن بري أن وجه جوازه هذا من جهة العربية أن يكون على النسب مثل قولهم : " ماء دافق " أي ذو دفق. وكذلك " ماء مالح " أي : ذو ملح وكما يقال : " رجل تارس " أي ذو نرس و " رجل دارع " أي ذو درع. قال : ولا يكون هذا جاريا على الفعل وهو الصواب إن شاء الله. (انظر لسان العرب ، مادة : ملح).

(11/65)


12708 - حدثني المثنى قال ، حدثنا عبد الله بن صالح قال ، حدثني معاوية بن صالح ، عن علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : " وطعامه متاعًا لكم " ، يعني : بطعامه ، مالحه ، وما قذف البحر منه ، مالحه. (1)
12709 - حدثني محمد بن سعد قال ، حدثني أبي قال ، حدثني عمي قال ، حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس : " وطعامه متاعًا لكم " ، وهو المالح.
12710 - حدثنا أبو كريب قال ، حدثنا ابن يمان ، عن سفيان ، عن مجمّع التيمي ، عن عكرمة في قوله : " متاعًا لكم " قال : المليح. (2)
12711 - حدثنا أبو كريب قال ، حدثنا ابن يمان ، عن سفيان ، عن سالم الأفطس وأبي حصين ، عن سعيد بن جبير قال : المليح.
12712 - حدثنا أبو كريب قال ، حدثنا ابن يمان ، عن سفيان ، عن
__________
(1) في المطبوعة : " وما قذف البحر من مالحه " غير ما في المخطوطة فأفسد العبارة. وقوله " مالحه " الأخيرة خبر المبتدأ " ما قذف البحر منه " .
(2) الأثر : 12710 - " سفيان " هو الثوري.
و " مجمع التيمي " هو : " مجمع بن سمعان " أو " مجمع بن صمعان " أبو حمزة التيمي الكوفي النساج الحائك. قال ابن عيينة : " كان له من الفضل غير قليل " . روى عنه أبو حيان التيمي وسفيان الثوري. ووثقه يحيى بن معين. مترجم في الكبير للبخاري 4/1/409 وابن أبي حاتم 4/1/295. وكان في المطبوعة والمخطوطة : " سفيان بن مجمع التيمي " وهو خطأ لا شك فيه. وليس في الرواة من يسمى كذلك.

(11/66)


منصور ، عن إبراهيم : " وطعامه متاعًا لكم " ، قال : المليح ، وما لَفَظ.
12713 - حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا حكام ، عن عنبسة ، عن سالم ، عن سعيد بن جبير في قوله : " أحل لكم صيد البحر وطعامه متاعًا لكم " ، قال : يأتي الرجل أهلَ البحر فيقول : " أطعموني " ! فإن قال : " غريضًا " ، ألقوا شبكتهم فصادوا له. وإن قال : " أطعموني من طعامكم " ، أطعموه من سمكهم المالح. (1)
12714 - حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا ابن فضيل ، عن عطاء ، عن سعيد : " أحل لكم صيد البحر وطعامه " ، قال : المنبوذ ، السمك المالح.
12715 - حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا أبي ، عن سفيان ، عن أبي حصين ، عن سعيد بن جبير : " وطعامه " ، قال : المالح.
12716 - حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا أبي ، عن سفيان ، عن منصور ، عن إبراهيم : " وطعامه " ، قال : هو مليحُه . (2) ثم قال : ما قَذَف.
12717 - حدثنا ابن معاذ قال ، حدثنا جامع بن حماد قال ، حدثنا يزيد بن زريع قال ، حدثنا سعيد ، عن قتادة : " وطعامه " ، قال : مملوح السمك.
12718 - حدثنا هناد قال ، حدثنا ابن أبي زائدة قال ، أخبرني الثوري ، عن منصور قال : كان إبراهيم يقول : " طعامه " ، السمك المليح. ثم قال بعد : ما قذفَ به.
12719 - حدثنا هناد قال ، حدثنا ابن أبي زائدة قال ، أخبرنا الثوري ، عن أبي حصين ، عن سعيد بن جبير قال : " طعامه " ، المليح.
12720 - حدثنا هناد قال ، حدثنا ابن أبي زائدة قال ، أخبرنا إسرائيل ، عن عبد الكريم ، عن مجاهد قال : " طعامه " ، السمك المليح.
__________
(1) الأثر : 12713 - سيأتي مطولا برقم : 12753.
(2) في المطبوعة : " مالحه " وأثبت ما في المخطوطة وهكذا قراءتها على سوء كتابة الناسخ.

(11/67)


12721 - حدثنا ابن بشار قال ، حدثنا محمد بن جعفر قال ، حدثنا شعبة ، عن أبي بشر ، عن سعيد بن جبير في هذه الآية : " وطعامه متاعًا لكم " ، قال : الصِّير قال شعبة ، فقلت لأبي بشر : ما الصِّير ؟ قال : المالح. (1)
12722 - حدثنا ابن المثنى قال ، حدثنا هشام بن الوليد قال ، حدثنا شعبة ، عن أبي بشر ، عن جعفر بن أبي وحشية ، عن سعيد بن جبير قوله : " وطعامه متاعًا لكم " ، قال : الصِّير. قال قلت : ما الصير ؟ قال : المالح.
12723 - حدثني محمد بن الحسين قال ، حدثنا أحمد بن مفضل قال ، حدثنا أسباط ، عن السدي : " وطعامه متاعًا لكم " ، قال : أما " طعامه " ، فهو المالح.
12724 - حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثنا أبو سفيان ، عن معمر ، عن الزهري ، عن سعيد بن المسيب : " وطعامه متاعًا لكم " ، قال : " طعامه " ، ما تزوّدت مملوحًا في سفرك.
12725 - حدثنا عمرو بن عبد الحميد وسعيد بن الربيع الرازي قالا حدثنا سفيان ، عن عمرو قال ، قال جابر بن زيد : كنا نُحَدَّث أن " طعامه " مليحه ، ونكره الطافي منه. (2)
* * *
__________
(1) " الصير " (بكسر الصاد) ويقال له : " الصحناة " وقيل : هي السمكات المملوحة التي تعمل منها الصحناة وهي كالفسيخ في بلادنا ذكرها جرير في شعره فقال في هجاء آل المهلب وهم من الأزد : إن الخلافة لم تقدر ليملكها ... عبد لأزدية في بظرها عقف
كانوا إذا جعلوا في صيرهم بصلا ... ثم اشتووا كنعدا من مالح جدفوا
و " الكنعد " : ضرب من السمك. وقوله : " جدفوا " أكلوا " الجدف " (بفتحتين) وهو يكون باليمن تاكله الإبل فتجزأ به عن الماء ولا يحتاج مع اكله إلى شرب ماء.
وفي المخطوطة في المواضع كلها : " الصر " مهملة لا تقرأ صوابها في المطبوعة.
(2) الأثر : 12725 - " سفيان " هو الثوري أو " سفيان بن عيينة " كلاهما روى عن عمرو بن دينار. " عمرو " هو " عمرو بن دينار " . وكان في المطبوعة : " سفيان بن عمرو " وهو خطأ محض.
و " جابر بن زيد الأزدي " هو " أبو الشعثاء " مضى كثيرا وترجم في : 5316 ، 5472.

(11/68)


وقال آخرون : " طعامه " ، ما فيه.
* ذكر من قال ذلك :
12726 - حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا ابن عيينة ، عن عمرو ، عن عكرمة قال : طعام البحر ، ما فيه.
12726 - حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا أبي ، عن حريث ، عن عكرمة : " وطعامه متاعًا لكم " ، قال : ما جاء به البحر بموجه ، هكذا. (1)
12728 - حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا حميد بن عبد الرحمن ، عن حسن بن صالح ، عن ليث ، عن مجاهد قال : " طعامه " ، كل ما صيد منه. (2)
* * *
قال أبو جعفر : وأولى هذه الأقوال بالصواب عندنا ، قولُ من قال : " طعامه " ، ما قذفه البحر ، أو حَسَر عنه فوُجد ميتًا على ساحله. وذلك أن الله تعالى ذكره ذكر قبله صيدَ الذي يصاد ، فقال : " أحل لكم صيد البحر " ، فالذي يجب أن يعطف عليه في المفهوم ما لم يُصَدْ منه ، فقال : أحل لكم ما صدتموه من البحر ، وما لم تصيدوه منه.
وأما " المليح " ، فإنه ما كان منه مُلِّح بعد الاصطياد ، فقد دخل في جملة قوله : " احل لكم صيد البحر " ، فلا وجه لتكريره ، إذ لا فائدة فيه. وقد أعلم
__________
(1) في المطبوعة : " ماء به البحر بوجه " فغير وحذف " هكذا " كأنه ظن " هكذا " إشارة إلى استشكال كلمة " بموجه " ! وهذا غريب. وقوله : " هكذا " يريد بذلك الإشارة إلى أنه جاء طافيا.
(2) الأثر : 12728 - " حميد بن عبد الرحمن بن حميد الراسي " مضى برقم : 4926 ، 8770. و " الحسن بن صالح بن صالح بن حي الثوري " مضى برقم : 178 ، 5347 ، 7594.

(11/69)


عبادَه تعالى ذكره : إحلالَه ما صيد من البحر بقوله : " أحل لكم صيد البحر " . فلا فائدة أن يقال لهم بعد ذلك : " ومليحه الذي صيد حلال لكم " ، لأن ما صيد منه فقد بُيِّن تحليله ، طريًّا كان أو مليحًا ، بقوله : " أحل لكم صيد البحر " والله يتعالى عن أن يخاطب عباده بما لا يفيدهم به فائدة.
* * *
وقد روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بنحو الذي قلنا خبر ، وإن كان بعض نقلته يقف به على ناقلِه عنه من الصحابة ، وذلك ما : -
12729 - حدثنا هناد بن السريّ قال ، حدثنا عبدة بن سليمان ، عن محمد بن عمرو قال ، حدثنا أبو سلمة ، عن أبي هريرة قال ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أحل لكم صيد البحر وطعامه متاعًا لكم " ، قال : " طعامه " ، ما لفظه ميتًا فهو طعامه " . (1)
* * *
وقد وقف هذا الحديث بعضهم على أبي هريرة.
12730 - حدثنا هناد قال ، حدثنا ابن أبي زائدة ، عن محمد بن عمرو ،
__________
(1) الأثر : 12729 ، 12730 - " عبدة بن سليمان الكلابي " قال أحمد : " ثقة ثقة وزيادة مع صلاح في بدنه " . روى له أصحاب الكتب الستة. ومضى مرارا برقم : 222 ، 2323 ، 2758 ، 3022 ، ومواضع غيرها ومحمد بن عمرو بن علقمة بن وقاص الليثي ثقة وروى له أصحاب الكتب الستة ومضى برقم : 8 ، 3015.
و " أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف " تابعي جليل إمام ثقة. مضى برقم : 8 ، 67 ، 3015 ، 8394 ، وغيرها.
وهذا الخبر لم أجد أحدا ذكره إلا السيوطي في الدر المنثور 2 : 331 ولم ينسب هذا المرفوع إلا لابن جرير أما الخبر الآتي وهو الموقوف فإنه زاد نسبته لابن أبي حاتم.
وأما الخبر الموقوف الثاني رقم : 12730 ففيه " ابن أبي زائدة " وهو " يحيى بن زكريا ابن أبي زائدة " وهو من حفاظ الكوفيين كان متقنا ثبتا صاحب سنة ، مستقيم الحديث. روى له أصحاب الكتب الستة ومضى برقم : 850 ، 4246.
فإسناد المرفوع والموقوف كلاهما إسناد صحيح ورجالهما ثقات حفاظ. وكتبه محمود محمد شاكر.

(11/70)


عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة في قوله : " أحل لكم صيد البحر وطعامه " ، قال : " طعامه " ، ما لفظه ميتًا. (1)
* * *
القول في تأويل قوله : { مَتَاعًا لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ }
قال أبو جعفر : يعني تعالى ذكره بقوله : " متاعًا لكم " ، منفعةً لمن كان منكم مقيمًا أو حاضرًا في بلده ، يستمتع بأكله وينتفع به (2) " وللسيارة " ، يقول : ومنفعةً أيضًا ومتعة للسائرين من أرض إلى أرض ، ومسافرين يتزوّدونه في سفرهم مليحًا.
* * *
و " السيارة " ، جمع " سيّار " . (3)
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك :
12731 - حدثني يعقوب قال ، حدثنا هشيم قال ، أخبرني أبو إسحاق ، عن عكرمة أنه قال في قوله : " متاعًا لكم وللسيارة " ، قال : لمن كان بحضرة البحر " وللسيارة " ، السَّفْر.
12732 - حدثني يعقوب قال ، حدثنا ابن علية ، عن سعيد بن أبي عروبة ، عن قتادة في قوله : " وطعامه متاعًا لكم وللسيارة " ، ما قذف البحر ، وما يتزوّدون في أسفارهم من هذا المالح يتأوّلها على هذا.
12733 - حدثنا بشر بن معاذ قال ، حدثنا جامع عن حماد قال ، حدثنا
__________
(1) الأثر : 12730 - انظر التعليق على الأثر السالف.
(2) انظر تفسير " المتاع " فيما سلف 8 : 551 تعليق : 1 والمراجع هناك.
(3) اقتصرت كتب اللغة على أن " السيارة " : القافلة أو القوم يسيرون وأنه أنث على معنى الرفقة أو الجماعة. وجعله أبو جعفر جمعا ، كقولهم " جمال " و " جمالة " (بتشديد الميم) و " حمار " و " حمارة " .

(11/71)


يزيد بن زريع قال ، حدثنا سعيد ، عن قتادة : " وطعامه متاعًا لكم وللسيارة " ، مملوح السمك ، ما يتزودون في أسفارهم.
12734 - حدثنا سليمان بن عمر بن خالد الرقيّ قال ، حدثنا مسكين بن بكير قال ، حدثنا عبد السلام بن حبيب النجاري ، عن الحسن في قوله : " وللسيارة " ، قال : هم المحرمون. (1)
12735 - حدثني محمد بن الحسين قال ، حدثنا أحمد بن مفضل قال ، حدثنا أسباط ، عن السدي : " وطعامه متاعًا لكم وللسيارة " ، أما " طعامه " ، فهو المالح منه ، بلاغٌ يأكل منه السيار في الأسفار. (2)
12736 - حدثنا المثنى قال ، حدثنا أبو صالح قال ، حدثني معاوية بن صالح ، عن علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : " وطعامه متاعًا لكم وللسيارة " ، قال : " طعامه " ، مالحه ، وما قذف البحر منه ، يتزوَّده المسافر وقال مرة أخرى : مالحه ، وما قذف البحر. فمالحه يتزوده المسافر.
12737 - حدثني محمد بن سعد قال ، حدثني أبي قال ، حدثني عمي قال ، حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس : " وطعامه متاعًا للكم وللسيارة " ، يعني المالح يتزوّده. (3)
__________
(1) الأثر : 12734 - " سليمان بن عمر بن خالد الرقي " مضى برقم : 6254 ، 12670 ، 12707ن وغيره في المطبوعة كما غيره فيما سلف فجعله " سليمان بن عمرو بن خالد البرقي " وهو خطأ محض صوابه في المخطوطة.
و " مسكين بن بكير الحراني " أبو عبد الرحمن الحذاء روى عنه أحمد بن حنبل ثقة. مترجم في التهذيب.
أما " عبد السلام بن حبيب النجاري " فلم أجد في الرواة عن الحسن أو غيره من اسمه ذاك. ووجدت في الرواة عن الحسن البصري " عبد السلام بن أبي الجنوب المدني " وهو شيخ مدني متروك مترجم في التهذيب وابن أبي حاتم 3/1/45 وميزان الاعتدال 2 : 129. فلعله يكون هو.
(2) " بلاغ " يعني " بلغة " (بضم الباء) وهو ما يتبلغ به المرء من الزاد أي يكتفي به حتى يبلغ مستقره. وكان في المطبوعة : " السيارة " بالتاء في آخره وأثبت ما في المخطوطة.
(3) في المطبوعة : " فيتزوده " والجيد ما في المخطوطة.

(11/72)


وكان مجاهد يقول في ذلك بما : -
12738 - حدثني محمد بن عمرو قال ، حدثنا أبو عاصم قال ، حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : " وطعامه متاعا لكم " ، قال : أهل القرَى " وللسيارة " ، أهل الأمصَار.
12739 - حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد قوله : " متاعًا لكم " ، قال : لأهل القرى " وللسيارة " ، قال : أهل الأمصار ، والحيتانُ للناس كلهم. (1)
* * *
وهذا الذي قاله مجاهد : من أن " السيارة " هم أهل الأمصار ، لا وجه له مفهوم ، إلا أن يكون أراد بقوله : " هم أهل الأمصار " ، هم المسافرون من أهل الأمصار ، فيجب أن يدخل في ذلك كل سيارة ، من أهل الأمصار كانوا أو من أهل القرى. فأما " السيارة " ، فلا نعقله : المقيمون في أمصارهم. (2)
* * *
__________
(1) في المطبوعة : " أهل الأمصار وأجناس الناس كلهم " وأداه إلى هذا ما جاء في الدر المنثور 2 : 232 عن مجاهد : " وطعامه قال : حيتانه متاعا لكم لأهل القرى وللسيارة أهل الأسفار وأجناس الناس كلهم " ثم ما جاء في المخطوطة مما دخله التحريف وذلك : " أهل الأمصار والحباب للناس كلهم " والدر المنثور لا يوثق بطباعته والجملة فيه خطأ لا شك فيه ، فقوله " أهل الأسفار " لا شك أنها " أهل الأمصار " وأما قوله : " حيتانه " هنا فإن ذلك من سوء اختصار السيوطي فإن " حيتانه " تفسير لقوله : " صيد البحر " كما مضى في الاثر رقم : 12681 من تفسير مجاهد لصيد البحر. وأما " طعامه " فقد فسرها مجاهد " السمك المليح " كما مضى في رقم : 12720 وهو مراد هنا في هذا الموضع. فظاهر أنه أراد : " طعامه السمك المليح متاعا لكم لأهل القرى وللسيارة أهل الأمصار والحيتان للناس كلهم " يعني أنه لا يدخل قوله تعالى : " متاعا لكم وللسيارة " في بيان قوله تعالى : " أحل لكم صيد البحر " بل في بيان قوله : " وطعامه " وهو السمك المليح. هذا هو الصواب وأما ما في الدر المنثور وما في المطبوع من هذا التفسير فكلام لا يستقيم.
(2) في المطبوعة : " فأما السيارة فلا يشمل المقيمين في أمصارهم وهو كلام مريض وهو في المخطوطة كما أثبته غير منقوط وهذا صواب قراءته. والمعنى : فلا نعقله أن يكون معناه : المقيمون في أمصارهم. وقد مضى استعمال أبي جعفر " نعقله " في مثل هذه العبارة في مواضع سلفت ليس عندي الآن بيانها.

(11/73)


القول في تأويل قوله : { وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا }
قال أبو جعفر : يعني تعالى ذكره : وحرم الله عليكم ، أيها المؤمنون ، صيد البر " ما دمتم حرمًا " ، يقول : ما كنتم محرمين ، لم تحِلوا من إحرامكم. (1)
* * *
ثم اختلف أهل العلم في المعنى الذي عَنى الله تعالى ذكره بقوله : " وحُرِّم عليكم صيدُ البر " .
فقال بعضهم : عنى بذلك : أنه حرَّم علينا كل معاني صيد البر : من اصطياد ، وأكل ، وقتل ، وبيع ، وشراء ، وإمساك ، وتملُّك.
* ذكر من قال ذلك :
12740 - حدثني يعقوب قال ، حدثنا هشيم ، عن يزيد بن أبي زياد ، عن عبد الله بن الحارث بن نوفل ، عن أبيه قال : حج عثمان بن عفان ، فحج عليّ معه ، قال : فأتي عثمان بلحم صيد صاده حَلال ، فأكل منه ، ولم يأكل عليّ ، فقال عثمان : والله ما صدنا ولا أمرنا ولا أشرنا! فقال عليّ : " وحُرِّم عليكم صيد البر ما دمتم حرمًا " . (2)
__________
(1) انظر تفسير " ما دام " فيما سلف 10 : 185 وتفسير " حرم " فيما سلف : 7.
(2) الأثر : 12740 - " يزيد بن أبي زياد الكوفي " مولى بني هاشم صدوق في حفظه شيء بعد ما كبر. مضى برقم : 2028.
و " عبد الله بن الحارث بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب بن هاشم " لقبه : " ببة " ولد على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فحنكه رسول الله روى عن جماعة من الصحابة. روى له أصحاب الكتب الستة. مترجم في التهذيب. وكان في المطبوعة والمخطوطة : " عبد الله بن الحارث عن نوفل : وهو خطأ صرف.
وأبوه : " الحارث بن نوفل بن الحارث " . روى عن رسول الله وعن عائشة. استعمله النبي صلى الله عليه وسلم على بعض أعمال مكة ، ومات بالبصرة في خلافة عثمان. مترجم في التهذيب.
وهذا الخبر خرجه السيوطي في الدر المنثور 2 : 232 وزاد نسبته لابن أبي شيبة وابن أبي حاتم وأبي الشيخ.
وقوله : " صاده حلال " يعني : رجل حلال غير محرم بحج.
وسيأتي هذا الخبر بلفظ آخر ، وإسناد آخر. في رقم : 12745 ، 12746.

(11/74)


12741 - حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا هرون بن المغيرة ، عن عمرو بن أبي قيس ، عن سماك ، عن صبيح بن عبد الله العبسي قال : بعث عثمان بن عفان أبا سفيان بن الحرث على العَرُوض ، (1) فنزل قديدًا ، فمرّ به رجل من أهل الشام معه باز وصقر ، فاستعاره منه ، فاصطاد به من اليعاقيب ، (2) فجعلهن في حظيرة. فلما مرّ به عثمان طبخهن ، ثم قدمهن إليه ، فقال عثمان : كلوا! فقال بعضهم : حتى يجيء علي بن أبي طالب ، رحمة الله عليه. فلما جاء فرأى ما بين أيديهم ، قال علي : إنا لن نأكل منه! فقال عثمان : مالك لا تأكل ؟ فقال : هو صيد ، ولا يحل أكله وأنا محرم! فقال عثمان : بيِّن لنا! فقال عليّ : " يا أيها الذين آمنوا لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم " ، فقال عثمان : أو نحن قتلناه ؟ فقرأ عليه : " أحل لكم صيد البحر وطعامه متاعًا لكم وللسيارة وحرِّم عليكم صيد البر ما دمتم حرمًا " . (3)
12742 - حدثنا تميم بن المنتصر وعبد الحميد بن بيان القناد قالا أخبرنا
__________
(1) " العروض " (بفتح العين) : مكة والمدينة وأكنافهما.
(2) " اليعاقيب " جمع " يعقوب " طائر وهو ذكر الحجل والقطا.
(3) الأثر : 12741 - " هرون بن المغيرة بن حكيم البجلي " ثقة مضى برقم : 6656 ، 5526. و " عمرو بن أبي قيس الرازي ثقة مضى برقم : 6887 ، 9346.
و " سماك " هو " سماك بن حرب " ثقة مضى مرارا.
و " صبيح بن عبد الله العبسي " روى عن علي وروى عنه سماك بن حرب. مترجم في الكبير البخاري 2/2 / 319 وابن أبي حاتم 2 /1/ 449. ولم يذكرا فيه جرحا. وقد مضى ذكره في التعليق على رقم : 7595 (وقع هناك خطأ فيما نقلته عن التاريخ الكبير " على الفروض " وصوابه " على العروض " فليصحح هناك وفي تاريخ البخاري). وفي المخطوطة والمطبوعة : " صبيح بن عبيد الله " والتصحيح من البخاري وابن أبي حاتم.
وهذا الخبر رواه البخاري مختصرا في التاريخ قال : " حدثني حسن بن خلف أخبرنا إسحق عن شريك عن سماك عن صبيح بن عبد الله العبسي " . وهو الإسناد التالي لهذا.

(11/75)


إسحاق الأزرق ، عن شريك ، عن سماك بن حرب ، عن صبيح بن عبيد الله العبسي قال : استعمل عثمان بن عفان أبا سفيان بن الحرث على العَرُوض ثم ذكر نحوه ، وزاد فيه ، قال : فمكث عثمان ما شاء الله أن يمكث ، ثم أتى فقيل له بمكة : هل لك في ابن أبي طالب ، أهدي له صفيف حمار فهو يأكل منه! (1) فأرسل إليه عثمان ، وسأله عن أكل الصفيف ، فقال : أما أنتَ فتأكل ، وأما نحن فتنهانا ؟ فقال : إنه صيد عام أوّلَ وأنا حلال ، فليس عليّ بأكله بأس ، وصيد ذلك يعني اليعاقيب وأنا محرم ، وذبحن وأنا حرَام. (2)
12743 - حدثنا عمران بن موسى القزاز قال ، حدثنا عبد الوارث بن سعيد قال ، حدثنا يونس ، عن الحسن : أن عمر بن الخطاب لم يكن يرى بأسًا بلحم الصيد للمحرم ، وكرهه علي بن أبي طالب ، رضي الله عنه. (3)
12744 - حدثنا محمد بن عبد الله بن بزيع قال ، حدثنا بشر بن المفضل قال ، حدثنا سعيد ، عن قتادة ، عن سعيد بن المسيب : أن عليًا كره لحم الصيد للمحرم على كل حال.
12745 - حدثنا محمد بن المثنى قال ، حدثنا محمد بن جعفر قال ، حدثنا شعبة ، عن يزيد بن أبي زياد ، عن عبد الله بن الحارث : أنه شهد عثمان وعليًّا أُتيا بلحم ، فأكل عثمان ولم يأكل عليّ ، فقال عثمان : أنحن صِدْنا أو
__________
(1) " الصفيف " هو لحم يشرح عراضا حتى ترق البضعة منه فتراها تشف شفيفا ويوسع مثل الزغفان ثم يشرر في الشمس حتى يجف. فإذا دق الصفيف فهو " القديد " . وكان في المخطوطة في هذا الموضع " تصفف " وفي الذي يليه " التصفيف " غير منقوطة وهو رسم خطأ صوابه في المطبوعة.
(2) الأثر : 12742 - " إسحق الأزرق " هو إسحق بن يوسف بن مرداس المخزومي الواسطي " مضى برقم : 3339 ، 4224. وكان في المخطوطة والمطبوعة " أبو إسحق الأزرق ، وهو خطأ وسهو من ناسخ وهو على الصواب في إسناد البخاري الذي نقلته آنفا في تخريج الأثر السالف.
(3) الأثر : 12743 - " عبد الوارث بن سعيد بن ذكوان العنبري " مضى برقم : 2154 ، 6589 ، 6591 ، 6819.
و " يونس " هو : " يونس بن عبيد بن دينار العبدي " مضى برقم : 2616 ، 4931.

(11/76)


صيد لنا ؟ فقرأ عليّ هذه الآية : " أحل لكم صيد البحر وطعامه متاعًا لكم وللسيارة وحرِّم عليكم صيد البر ما دمتم حرمًا " . (1)
12746 - حدثني يعقوب قال ، حدثنا هشيم قال ، أخبرنا عمر بن أبي سلمة ، عن أبيه قال : حج عثمان بن عفان ، فحج معه علي ، فأتي بلحم صَيدٍ صاده حلالٌ ، فأكل منه وهو محرم ، ولم يأكل منه عليّ ، فقال عثمان : إنه صيدَ قبل أن نحرم! فقال له علي : ونحن قد نزلنا وأهالينا لنا حلال ، (2) أفيحللن لنا اليوم ؟ (3)
12747 - حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا هارون ، عن عمرو ، عن عبد الكريم ، عن مجاهد ، عن عبد الله بن الحارث بن نوفل : أن عليًّا أتى بِشِقّ عَجُز حمار وهو محرم ، فقال : إنّي محرم. (4)
12748 - حدثنا ابن بزيع قال ، حدثنا بشر بن المفضل قال ، حدثنا سعيد ، عن يعلى بن حكيم ، عن عكرمة ، عن ابن عباس : أنه كان يكرهه على كل حال ، ما كان محرمًا. (5)
__________
(1) الأثر : 12745 - مضى هذا الخبر برواية " عبد الله بن الحارث بن نوفل " عن أبيه " الحارث بن نوفل " برقم : 12740 ، وسيأتي رقم : 12747.
(2) في المطبوعة : " ونحن قد بدا لنا " وفي المخطوطة : " ونحن مر لنا " غير منقوطة وهذه قراءتها فيما أرجح.
(3) الأثر : 12746 - " عمر بن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف " أحاديثه واهية ، يكتب حديثه ولا يحتج به ، مضى برقم : 3911 ، 12667.
وسيأتي هذا الخبر بإسناد آخر رقم : 12755 ، مختصرا بغير هذا اللفظ.
(4) الأثر : 12747 - " هرون " هو " هرون بن المغيرة " مضى قريبا برقم : 12741.
و " عمرو " هو " عمرو بن أبي قيس " مضى أيضا برقم : 12741.
و " عبد الكريم " هو " عبد الكريم بن مالك الجزوي " مضى برقم : 892 ، 1566. وكان في المخطوطة والمطبوعة : " عن عمرو بن عبد الكريم " وهو خطأ. ليس في الرواة من يسمى بذلك.
ومضى هذا الخبر بإسناديه رقم : 12740 ، 12745.
(5) الأثر : 12748 - " سعيد " هو " سعيد بن أبي عروبة " .
و " يعلى بن حكيم الثقفي " روى عن سعيد بن جبير وعكرمة ونافع مولى ابن عمر وغيرهم. وثقه أحمد وابن معين وأبو زرعة والنسائي وقال أبو حاتم : " لا بأس به " مترجم في التهذيب.

(11/77)


12749 - حدثنا ابن بشار قال ، حدثنا أبو عاصم قال ، حدثنا ابن جريج قال ، أخبرنا نافع : أن ابن عمر كان يكره كل شيء من الصيد وهو حرام ، أخذ له أو لم يؤخذ له ، وَشِيقةً وغيرها. (1)
12750 - حدثنا ابن المثنى قال ، حدثنا يحيى بن سعيد القطان ، عن عبد الله قال ، أخبرني نافع : أن ابن عمر كان لا يأكل الصيدَ وهو محرم ، وإن صاده الحلالُ.
12751 - حدثنا ابن بشار قال ، حدثنا أبو عاصم قال ، أخبرنا ابن جريج قال ، أخبرني الحسن بن مسلم بن يناق : أنّ طاوسًا كان ينهى الحرامَ عن أكل الصيد ، وشيقة وغيرها ، صيد له أو لم يُصد له.
12752 - حدثنا عبد الأعلى قال ، حدثنا خالد بن الحارث قال ، حدثنا الأشعث قال ، قال الحسن : إذا صاد الصيد ثم أحرمَ لم يأكل من لحمه حتى يحلّ. فإن أكل منه وهو محرم ، لم ير الحسن عليه شيئًا. (2)
12753 - حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا حكام وهارون عن عنبسة ، عن سالم قال : سألت سعيد بن جبير ، عن الصيد يصيده الحلال ، أيأكل منه المحرم ؟ فقال : سأذكر لك من ذلك ، إن الله تعالى ذكره قال : " يا أيها الذين آمنوا لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم " ، فنهي عن قتله ، ثم قال : " ومن قتله منكم متعمدًا فجزاء مثل ما قتل من النعم " ، ثم قال تعالى ذكره : " أحل لكم صيد البحر وطعامه متاعًا لكم وللسيارة " ، قال : يأتي الرجل أهلَ البحر فيقول : " أطعموني " ، فإن
__________
(1) " الوشيقة " : لحم يغلي في ماء وملح إغلاءة واحدة ، ولا ينضج فيتهرأ ثم يخرج فيصير في الجبجبة وهو جلد بعير يقور ، ثم يجعل ذلك اللحم فيه ، فيكون لهم زادا في أسفارهم.
(2) الأثر : 12752 - " خالد بن الحارث بن عبيد الهجيمي " ثقة مضى برقم : 7507 ، 7818 ، 9878.

(11/78)


قال : " غريضًا " ، ألقوا شبكتهم فصادوا له ، وإن قال : " أطعموني من طعامكم " ، أطعموه من سمكهم المالح. ثم قال : " وحُرِّم عليكم صيد البرّ ما دمتم حرمًا " ، وهو عليك حرام ، صدته أو صاده حلال. (1)
* * *
وقال آخرون : إنما عنى الله تعالى ذكره بقوله : " وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرمًا " ، ما استحدَث المحرم صيدَه في حال إحرامه أو ذبحه ، أو استُحْدِث له ذلك في تلك الحال. فأما ما ذبحه حلال وللحلال ، فلا بأس بأكله للمحرم. وكذلك ما كان في ملكه قبل حال إحرامه ، فغير محرم عليه إمساكه.
* ذكر من قال ذلك :
12754 - حدثني محمد بن عبد الله بن بزيع قال ، حدثنا بشر بن المفضل قال ، حدثنا سعيد قال ، حدثنا قتادة : أن سعيد بن المسيب حدّثه ، عن أبي هريرة : أنه سئل عن صيد صاده حلال ، أيأكله المحرم ؟ قال : فأفتاه هو بأكله ، ثم لقي عمر بن الخطاب رحمه الله فأخبره بما كان من أمره ، فقال : لو أفتيتهم بغير هذا لأوجعتُ لك رأسك . (2)
12755 - حدثنا أحمد بن عبدة الضبي قال ، حدثنا أبو عوانة ، عن عمر بن أبي سلمة ، عن أبيه قال : نزل عثمان بن عفان رحمه الله العَرْجَ وهو محرم ، (3) فأهدى صاحبُ العرج له قَطًا ، (4) قال : فقال لأصحابه : كلوا فإنه إنما اصطيد
__________
(1) الأثر : 12753 - مضى هذا الأثر مختصرا برقم : 12713.
(2) الأثر : 12754 - إسناده صحيح. وخرجه السيوطي في الدر المنثور باختلاف يسير في لفظه ، وزاد نسبته لابن أبي شيبة ، وسيأتي هذا الأثر بأسانيد أخرى رقم : 12756 ، 12757 ، 12762.
(3) " العرج " (بفتح فسكون) وهي قرية جامعة على طريق مكة من المدينة ، على جادة الحاج.
(4) في المخطوطة : " رطا " غير منقوطة كأنها تقرأ " بطا " ولكن الذي جاء في الروايات السالفة وما سيأتي برقم : 12771 أنها " قطا " أو " يعاقيب " وهي ذكور الحجل والقطا ، والصواب إن شاء الله ما كان في المطبوعة : " قطا " . و " القطا " : طائر كالحمام.

(11/79)


على اسمي ، (1) قال : فأكلوا ولم يأكل. (2)
12756 - حدثنا ابن بشار وابن المثنى قالا حدثنا ابن أبي عدي ، عن سعيد ، عن قتادة ، عن سعيد بن المسيب : أن أبا هريرة كان بالرَّبَذة ، فسألوه عن لحم صيدٍ صاده حلال ، ثم ذكر نحو حديث ابن بزيع عن بشر. (3)
12757 - حدثنا ابن المثنى قال ، حدثنا محمد بن جعفر قال ، حدثنا شعبة ، عن قتادة ، عن سعيد بن المسيب ، عن أبي هريرة ، عن عمر ، نحوه. (4)
12758 - حدثنا ابن المثنى قال ، حدثنا ابن أبي عدي ، عن شعبة ، عن أبي إسحاق ، عن أبي الشعثاء قال : سألت ابن عمر عن لحم صيد يُهديه الحلال إلى الحرام ، فقال : أكله عمر ، وكان لا يرى به بأسًا. قال قلت : تأكله ؟ قال : عمر خير مني. (5)
__________
(1) قوله : " إنما اصطيد على اسمي " أي من أجله ، وهو تعبير قديم يقيد ، ولا يزال يجري على ألسنة العامة إلى هذا اليوم وهو صحيح فصيح. وانظر ما يفسره في خبر مالك في الموطأ : 354 ، وسيأتي رقم : 12764.
(2) الأثر : 12755 - " عمر بن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف " مضى قريبا رقم : 12746. وسيأتي من طريق أخرى برقم : 12771 بغير هذا اللفظ عن أبي سلمة من فعله هو.
(3) الأثر : 12756 ، 12757 - مضى برقم : 12754.
(4) الأثر : 12756 ، 12757 - مضى برقم : 12754 .
(5) الأثر : 12758 ، 12759_ " أبو إسحق " هو : " أبو إسحق السبيعي الهمداني " .
و " أبو الشعثاء " سيأتي في الأثر رقم : 12763 أنه " أبو الشعثاء الكندي " وهو غير " أبي الشعثاء ، جابر بن زيد " الذي مضى برقم : 5136 ، 5472 ، 12406 ، 12725.
و " أبو الشعثاء الكندي " هو : " يزيد بن مهاصر " كوفي روى عن ابن عمر ، وابن عباس. ترجم له البخاري في الكبير 4 /2 / 363 في " يزيد بن مهاصر " وقال : " كناه محمد بن عبد الله بن نمير " ولم يزد على ذلك. وترجم له ابن أبي حاتم 4/2/287 في " يزيد بن مهاصر أبو الشعثاء الكندي " ثم قال : " روى عنه أبو إسحق الهمداني وأبو العنبس ويونس بن أبي إسحق وأبو سنان الشيباني " . ثم عاد فترجم له 42/391 وقال : " روى عنه أبو سنان الشيباني وسعيد بن سعيد الثعلبي. سمعت أبي يقول ذلك ، ويقول : " لا يسمى وهو كوفي. قال علي بن المديني : أبو الشعثاء الذي روى عنه أبو إسحق الهمداني ويونس بن أبي إسحق ، وأبو العنبس وأبو سنان هو الكندي وليس هو سليم [يعني : سليم بن أسود المحاربي] - سمعت أبي يقول : أبو الشعثاء الكندي اسمه : يزيد بن مهاصر. وخالف عليا في ذلك " .
فظاهر هذا أنه غير " أبي الشعثاء جابر بن زيد الأزدي " ولكني رأيت الحافظ ابن حجر قال في ترجمة " أبي العنبس " في التهذيب 8 : 189 أنه روى عن " أبي الشعثاء جابر بن يزيد الكندي " فلا أدري أوهم الحافظ أم هكذا اختلف عليه في ذلك.
وهذا الخبر رواه البيهقي في السنن 5 : 189 من طريق عبيد الله بن معاذ عن أبيه عن شعبة عن أبي إسحق ، سمعت أبا الشعثاء " .
وسيأتي برقم : 12763 ، بغير هذا اللفظ مختصرا. وكتبه محمود محمد شاكر.

(11/80)


12759 - حدثنا ابن المثنى قال ، حدثنا يحيى بن سعيد ، عن شعبة قال ، حدثنا أبو إسحاق ، عن أبي الشعثاء قال : سألت ابن عمر عن صيد صاده حلال يأكل منه حرام ، قال : كان عمر يأكله. قال قلت : فأنت ؟ قال : كان عمر خيرًا مني.
12760 - حدثنا ابن المثنى قال ، حدثنا ابن أبي عدي ، عن هشام ، عن يحيى ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة قال : استفتاني رجلٌ من أهل الشام في لحم صيد أصابه وهو محرم ، فأمرته أن يأكله. فأتيت عمر بن الخطاب فقلت له : إن رجلا من أهل الشام استفتاني في لحم صيد أصابه وهو محرم ، قال : فما أفتيته ؟ قال : قلت : أفتيته أن يأكله. قال : فوالذي نفسي بيده ، لو أفتيته بغير ذلك لعلوتك بالدرة! وقال عمر : إنما نُهيت أن تصطاده. (1)
12761 - حدثنا أبو كريب قال ، حدثنا مصعب بن المقدام قال ، حدثنا خارجة عن زيد بن أسلم ، عن عطاء ، عن كعب قال : أقبلت في أناس محرمين ، فأصبنا لحمَ حمار وحش ، فسألني الناس عن أكله ، فأفتيتهم بأكله ، وهم محرمون. فقدمنا على عمر ، فأخبروه أنّي أفتيتهم بأكل حمار الوحش وهم محرمون ،
__________
(1) الأثر : 12760 - مضى مختصرا برقم : 12754 ، بغير هذا الإسناد. " هشام " هو " هشام صاحب الدستوائي " .
و " يحيى " هو " يحيى بن أبي كثير الطائي " ثقة روى له أصحاب الكتب الستة. مضى برقم : 9189 ، 11505 - 11507.
و " أبو سلمة " هو " أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف " مضى مرارا ، منها رقم : 12667.
وهذا الخبر رواه البيهقي في السنن الكبرى 5 : 188 ، من طريق : " حفص بن عبد الله السلمي ، عن إبراهيم بن طهمان عن هشام " بمثله.

(11/81)


فقال عمر : قد أمَّرته عليكم حتى ترجعوا. (1)
12762 - حدثني يعقوب قال ، حدثنا هشيم قال ، أخبرنا يحيى بن سعيد ، عن سعيد بن المسيب ، عن أبي هريرة قال : مررت بالرَّبَذة ، فسألني أهلها عن المحرم يأكل ما صاده الحلال ؟ فأفتيتهم أن يأكلوه. فلقيت عمر بن الخطاب ، فذكرت ذلك له. قال : بم أفتيتهم ؟ (2) قال : أفتيتهم أن يأكلوا. قال : لو أفتيتهم بغير ذلك لخالفتك. (3)
12763 - حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا يحيى بن واضح ، عن يونس ، عن أبي الشعثاء الكندي قال : قلت لابن عمر : كيف ترى في قوم حرام لقوا قومًا حلالا ومعهم لحم صيد ، فإما باعوهم ، وإما أطعموهم ؟ فقال : حلال. (4)
__________
(1) الأثر : 12761 - " مصعب بن المقدام الخثعمي " ثقة وضعفه بعضهم ، ولكن روى له مسلم مضى برقم : 1291 ، 3001.
و " خارجة " هو " خارجة بن مصعب بن خارجة الخراساني " وقد مضى برقم : 9668 ، قال أخي السيد أحمد هناك : " مختلف فيه جدا والأكثر على تضعيفه ، ولكن أعدل كلمة فيه كلمة الحاكم في المستدرك 1 : 499 : خارجة لم ينقم عليه إلا روايته عن المجهولين ، وإذا روى عن الثقات الأثبات فروايته مقبولة " .
و " زيد بن أسلم " ثقة ثبت. مضى كثيرا.
و " عطاء " هو " عطاء بن يسار " مضى مرارا.
و " كعب " هو " كعب الأحبار " .
وهذا الخبر صحيح ، رواه مالك في الموطأ : 352 عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار مطولا. ورواه البيهقي في السنن 5 : 189 ، من طريق مالك.
(2) في المخطوطة : " بما أفتيتهم " فكتبتها على ما درجنا عليه " بم " وفي المطبوعة : " فبم " .
(3) الأثر : 12762 - مضى حديث سعيد بن المسيب عن أبي هريرة من طريقين أخريين رقم : 12754 ، 12756.
وهذا الخبر رواه مالك في الموطأ 351 عن يحيى بن سعيد بغير هذا اللفظ ثم رواه بعد من طريق " ابن شهاب عن سالم بن عبد الله : أنه سمع أبا هريرة يحدث عبد الله بن عمر " ولفظه أقرب إلى لفظ أبي جعفر هذا.
(4) الأثر : 12763 - " يونس " هو " يونس بن أبي إسحق السبيعي مضى مرارا وانظر التعليق على رقم : 12758 ، 12759.
و " أبو الشعثاء الكندي " مضى الكلام في أمره واسمه فيما سلف في التعليق على الأثرين رقم 75 : 12 ، 12759 ، ومضى تخريجه هناك.

(11/82)


12764 - حدثنا سعيد بن يحيى الأموي قال ، حدثنا محمد بن سعيد قال ، حدثنا هشام يعني ابن عروة قال ، حدثنا عروة ، عن يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب : أن عبد الرحمن حدثه : أنه اعتمر مع عثمان بن عفان في ركبٍ فيهم عمرو بن العاص ، حتى نزلوا بالرَّوحاء ، فقُرِّب إليهم طير وهم محرمون ، فقال لهم عثمان : كلوا ، فإني غير آكله! فقال عمرو بن العاص : أتأمرنا بما لست آكلا ؟ فقال عثمان : إني لولا أظنّ أنه اصطيد من أجلي ، لأكلت! (1) فأكل القوم. (2)
12765 - حدثنا ابن المثنى قال ، حدثنا محمد بن جعفر قال ، حدثنا شعبة ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه : أن الزبير كان يتزوّد لحوم الوحش وهو محرم. (3)
12766 - حدثنا عبد الحميد بن بيان قال ، أخبرنا إسحاق ، عن شريك ، عن سماك بن حرب ، عن عكرمة ، عن ابن عباس قال : ما صيد أو ذبح وأنت حلال فهو لك حلال ، وما صيد أو ذبح وأنت حرام فهو عليك حرام.
12767 - حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا هارون ، عن عمرو ، عن سماك ، عن عكرمة ، عن ابن عباس قال : ما صيد من شيء وأنت حرام فهو عليك حرام ، وما صيد من شيء وأنت حلال فهو لك حلال.
__________
(1) في المطبوعة : " صيد من أجلي " وأثبت ما في المخطوطة.
(2) الأثر : 12764 - " يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب بن أبي بلتعة اللخمي " تابعي ثقة جليل ، وينسب إلى جده فيقال : " يحيى بن حاطب " مضى برقم : 8367.
و " عبد الرحمن " هو أبوه " عبد الرحمن بن حاطب بن أبي بلتعة اللخمي " وهو في الطبقة الأولى من تابعي أهل المدينة وفقهائهم ، ثقة قليل الحديث. مترجم في التهذيب.
وهذا الخبر رواه البيهقي في السنن الكبرى 5 : 191 من طريف أحمد بن يوسف السلمي ، عن عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب عن أبيه بنحوه.
(3) الأثر : 12765 - إسناده صحيح ، رواه مالك في الموطأ : 350 ، عن هشام ابن عروة عن أبيه : " أن الزبير بن العوام كان يتزود صفيف الظباء وهو محرم " هذا لفظه. فأراد بقوله " لحوم الوحش " الظباء فهي من الوحش.

(11/83)


12768 - حدثني محمد بن سعد قال ، حدثني أبي قال ، حدثني عمي قال ، حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس : " وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرمًا " ، فجعل الصيد حرامًا على المحرم صيده وأكله ما دام حرامًا. وإن كان الصيدُ صِيدَ قبل أن يحرم الرجل ، فهو حلالٌ. وإن صاده حرامٌ لحلال ، فلا يحلّ له أكله.
12769 - حدثني يعقوب قال ، حدثنا هشيم قال ، سألت أبا بشر عن المحرم يأكل مما صاده الحلال ؟ قال : كان سعيد بن جبير ومجاهد يقولان : ما صيد قبل أن يُحرِم أكل منه ، وما صيد بعد ما أحرم لم يأكل منه.
12770 - حدثنا ابن بشار قال ، حدثنا أبو عاصم قال ، حدثنا ابن جريج قال : كان عطاء يقولُ إذا سئل في العَلانِية : أيأكل الحرامُ الوَشيقةَ والشيء اليابس ؟ (1) يقول بيني وبينه : لا أستطيع أن أبيِّن لك في مجلس ، إن ذبح قبل أن نُحرم فكل ، وإلا فلا تبع لحمه ولا تبتع. (2)
* * *
وقال آخرون : إنما عنى الله تعالى بقوله : " وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرمًا " ، وحرم عليكم اصطياده. قالوا : فأما شراؤه من مالك يملكه وذبحه وأكله ، بعد أن يكون مِلكه إياه على غير وجه الاصطياد له ، وبيعه وشراؤه جائز. قالوا : والنهي من الله تعالى ذكره ، عن صيده في حال الإحرام دون سائر المعاني.
* ذكر من قال ذلك :
12771 - حدثني عبد الله بن أحمد بن شبويه قال ، حدثنا ابن أبي مريم
__________
(1) " الوشيقة " مضى تفسيرها في ص : 78 ، تعليق : 1.
(2) هكذا هذا الخبر في المخطوطة إلا أنه كتب : " وإن ذبح قبل أن تحرم " بالواو. وأنا في شك من سياق هذا الخبر ، أخشى أن يكون سقط منه شيء فإن السياق يقتضي أن يقال : إذا سئل في العلانية يقول : لا. ولكن هكذا جائ ، ولم أجده في مكان آخر ، فتركته على حاله حتى يصححه من يجده.

(11/84)


قال ، حدثنا يحيى بن أيوب قال ، أخبرني يحيى ، أن أبا سلمة اشترى قَطًا وهو بالعَرْجِ وهو محرم ، ومعه محمد بن المنكدر ، فأكلها. (1)
فعاب عليه ذلك الناس. (2)
* * *
قال أبو جعفر : والصواب في ذلك من القول عندنا أن يقال : إن الله تعالى ذكره ، عمَّ تحريم كل معاني صيد البرّ على المحرم في حال إحرامه ، من غير أن يخص من ذلك شيئًا دون شيء ، فكل معاني الصيد حرام على المحرم ما دام حرامًا ، بيعه وشراؤه واصطياده وقتله ، وغير ذلك من معانيه ، إلا أن يجده مذبوحًا قد ذبحه حلال لحلال ، فيحلّ له حينئذ أكله ، للثابت عن الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي : -
12772 - حدثناه يعقوب بن إبراهيم قال ، حدثنا يحيى بن سعيد ، عن ابن جريج وحدثني عبد الله بن أبي زياد قال ، حدثنا مكي بن إبراهيم قال ، حدثنا عبد الملك بن جريج قال ، أخبرني محمد بن المنكدر ، عن معاذ بن عبد الرحمن بن عثمان ، عن أبيه عبد الرحمن بن عثمان قال : كنا مع طلحة بن عبيد الله ونحن حُرُم ، فأهدي لنا طائرٌ ، فمنا من أكل ، ومنا من تَورَّع فلم يأكل. فلما استيقظ طلحة وفَّق من أكل ، (3) وقال : أكلناه مع رسول الله صلى الله عليه وسلم. (4)
* * *
__________
(1) في المطبوعة : " فأكله " وأثبت ما في المخطوطة وهو الصواب.
(2) الأثر : 12771 - " عبد الله بن أحمد بن شبويه الخزاعي " شيخ الطبري مضى برقم : 1909 ، 4612 ، 4923.
و " ابن أبي مريم " هو " سعيد بن أبي مريم " مضى برقم : 160 ، 5455 ، 8335.
و " يحيى بن أيوب الغافقي " مضى برقم : 3877 ، 4330.
و " يحيى " هو " يحيى بن سعيد بن قيس الأنصاري " مضى برقم : 4859 ، 9679.
و " أبو سلمة " هو " أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف " . مضى قريبا.
(3) في المطبوعة : " وافق من أكل " وأثبت ما في المخطوطة وهو الصواب الموافق لما في صحيح مسلم. وقوله : " وفق من أكل " : دعا له بالتوفيق ، واستصوب فعله.
(4) الأثر : 12772 - " يحيى بن سعيد " هو القطان.
و " مكي بن إبراهيم بن بشير بن فرقد التميمي " الحافظ روى له أصحاب الكتب الستة. مترجم في التهذيب.
و " معاذ بن عبد الرحمن بن عثمان بن عبيد الله بن عثمان التيمي " ثقة.
وأبوه " عبد الرحمن بن عثمان بن عبد الله التيمي " هو " شارب الذهب " صحابي أسلم يوم الحديبية ، وقيل يوم الفتح.
وهذا الخبر رواه مسلم في صحيحه 8 : 111 ، 112 ، والبيهقي في السنن الكبرى 5 : 188.

(11/85)


فإن قال قائل : فما أنت قائل فيما روي عن الصعب بن جَثَّامة أنه أهدى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم رِجْلَ حمارِ وحش يقطر دمًا ، فردّه فقال : إنا حُرُم (1) وفيما روي عن عائشة : أن وَشِيقة ظبي أهديت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو محرم ، فردّها (2) وما أشبه ذلك من الأخبار ؟
قيل : إنه ليس في واحد من هذه الأخبار التي جاءت بهذا المعنى ، بيانُ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ردّ من ذلك ما ردّ وقد ذبحه الذابح إذ ذبحه ، وهو حلال لحلال ، ثم أهداه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو حرام ، فرده وقال : " إنه لا يحل لنا لأنا حرم " ، وإنما ذكر فيه أنه أُهدي لرسول الله صلى الله عليه وسلم لحم صيد فردّه. وقد يجوز أن يكون ردُّه ذلك من أجل أنّ ذابحه ذبحه أو صائده صاده من أجله صلى الله عليه وسلم وهو محرم.
وقد بيَّن خبر جابر عن النبيّ صلى الله عليه وسلم بقوله : " لحم صيد [البر] للمحرم حلال إلا ما صاد أو صيد له " ، (3) معنى ذلك كله.
فإذ كان كلا الخبرين صحيحًا مخرجهما ، فواجبٌ التصديقُ بهما ، وتوجيه كلّ واحد منهما إلى الصحيح من وجه ، وأن يقال : " ردُّه ما ردّ من ذلك من أجل
__________
(1) حديث الصعب بن جثامة ، رواه مسلم في صحيحه من طرق 8 : 103 - 106 ، والسنن الكبرى للبيهقي 5 : 191 ، 194 واستوفى تخريجه هناك.
(2) حديث عائشة رواه أحمد في المسند 6 : 40. وقد مضى تفسير " الوشيقة " فيما سلف ص : 78 تعليق : 1.
(3) حديث جابر بن عبد الله خرجه البيهقي في السنن الكبرى 5 : 190 ، فانظر ما قاله فيه ، وخرجه السيوطي في الدر المنثور 2 : 333 وقال : أخرجه أحمد والحاكم وصححه. وزدت ما بين القوسين من الخبر ، وهو ساقط من المخطوطة والمطبوعة.

(11/86)


أنه كان صِيد من أجله وإذنه في كل ما أذن في أكله منه ، من أجل أنه لم يكن صِيد لمحرم ولا صاده محرم ، فيصح معنى الخبرين كليهما.
* * *
واختلفوا في صفة الصيد الذي عنى الله تعالى بالتحريم في قوله : " وحرم عليك صيد البر ما دمتم حرمًا " .
فقال بعضهم : " صيد البر " ، كل ما كان يعيش في البرّ والبحر ، وإنما " صيد البحر " ، ما كان يعيش في الماء دون البرّ ويأوي إليه
* ذكر من قال ذلك :
12773 - حدثنا هناد بن السري قال ، حدثنا وكيع وحدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا أبي ، عن عمران بن حدير ، عن أبي مجلز : " وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرمًا " ، قال : ما كان يعيش في البر والبحر فلا تصده ، (1) وما كان حياته في الماء فذاك. (2)
12774 - حدثني يعقوب بن إبراهيم قال ، حدثنا هشيم قال ، أخبرنا الحجاج ، عن عطاء قال : ما كان يعيش في البر فأصابه المحرم فعليه جزاؤه ، نحو السلحفاة والسرطان والضفادع.
12775 - حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا هارون بن المغيرة ، عن عمرو بن أبي قيس ، عن الحجاج ، عن عطاء قال : كل شيء عاش في البر والبحر فأصابه المحرم ، فعليه الكفارة.
12776 - حدثنا أبو كريب وأبو السائب قالا حدثنا ابن إدريس قال ، حدثنا يزيد بن أبي زياد ، عن عبد الملك بن سعيد بن جبير قال : خرجنا
__________
(1) في المطبوعة : " لا تصيده " وفي المخطوطة : " ولا تصده " وهذا صواب قراءتها.
(2) الأثر : 12773 - في المخطوطة : " هل كان حياته في الماء فذاك " ولا أدري ما " وهل " هنا وما في المطبوعة أشبه بالصواب. وهذا الأثر أخرجه السيوطي في الدر المنثور 2 : 332/ بمثل ما في المطبوعة ، وزاد نسبته لابن أبي حاتم ، وأبي الشيخ.

(11/87)


حجاجًا معنا رجلٌ من أهل السَّواد معه شُصُوص طير ماءٍ ، فقال له أبي حين أحرمنا : اعزل هذا عنا. (1)
12777 - وحدثنا به أبو كريب مرة أخرى قال ، حدثنا ابن إدريس قال ، سمعت يزيد بن أبي زياد قال ، حدثنا حجاج ، عن عطاء : أنه كَرِه للمحرم أن يذبح الدجاج الزِّنجي ، لأن له أصلا في البر. (2)
* * *
وقال بعضهم : صيد البر ما كان كونه في البرّ أكثر من كونه في البحر. (3)
* ذكر من قال ذلك :
12778 - حدثنا محمد بن بشار قال ، حدثنا أبو عاصم قال ، ابن جريج أخبرناه ، قال : سألت عطاء عن ابن الماء ، أصيد برّ أم بحر ؟ وعن أشباهه ؟ فقال : حيث يكون أكثر ، فهو صيده.
12779 - حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثني وكيع ، عن سفيان ، عن رجل ، عن عطاء بن أبي رباح قال ، أكثر ما يكون حيث يُفْرِخ ، فهو منه.
* * *
__________
(1) الأثر : 12776 - " يزيد بن أبي زياد الكوفي " مضى قريبا برقم : 12740 ، وكان في حفظ يزيد شيء بعد ما كبر.
و " عبد الملك بن سعيد بن جبير الأسدي " روى عن أبيه وعكرمة. وروى عنه يزيد بن أبي زياد. وهو ثقة عزيز الحديث. مترجم في التهذيب وكان في المطبوعة والمخطوطة : " عبد الملك عن سعيد بن جبير " وهو خطأ محض.
(2) الأثر : 12777 - هكذا جاء في المخطوطة والمطبوعة : " وحدثنا به أبو كريب مرة أخرى " وهذا إشعار بأنه سيروي الحديث السالف عن عبد الملك بن سعيد بن جبير عن أبيه ولكن اختلف الأمر جدا. فإذا هو عن " حجاج عن عطاء " وإذا معناه بمعزل عن معنى الحديث الذي قبله ، بل هو بمعنى الحديث رقم : 12775 وعن حجاج عن عطاء أيضا ولكن ذلك من رواية " ابن حميد " لا من رواية " أبي كريب " فتبين بذلك أنه ليس يصح أن يكون هذا الأخير قد تأخر عن مكانه. فأخشى أن يكون الناسخ قد اضطرب فاضطرب تصحيح هذا الموضع.
(3) في المخطوطة : " ما كان أكثر كونه في البر " بزيادة " أكثر " هنا ، وهو لا يصح.

(11/88)


القول في تأويل قوله : { وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (96) }
قال أبو جعفر : وهذا تقدُّمٌ من الله تعالى ذكره إلى خلقه بالحذر من عقابه على معاصيه.
يقول تعالى ذكره : واخشوا الله ، أيها الناس ، واحذروه بطاعته فيما أمركم به من فرائضه (1) وفيما نهاكم عنه في هذه الآيات التي أنزلها على نبيكم صلى الله عليه وسلم ، من النهي عن الخمر والميسر والأنصاب والأزلام ، وعن إصابة صيد البر وقتله في حال إحرامكم وفي غيرها ، فإنّ لله مصيرَكم ومرجعَكم ، (2) فيعاقبكم بمعصيتكم إياه ، ومجازيكم فيثيبكم على طاعتكم له.
* * *
القول في تأويل قوله : { جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِلنَّاسِ وَالشَّهْرَ الْحَرَامَ وَالْهَدْيَ وَالْقَلائِدَ }
قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره : صيَّر الله الكعبة البيت الحرام قوامًا للناس الذين لا قِوَام لهم من رئيس يحجز قوِّيهم عن ضعيفهم ، (3) ومسيئهم عن محسنهم ، وظالمهم عن مظلومهم " والشهر الحرام والهدي والقلائد " ، فحجز بكل واحد من ذلك بعضهم عن بعض ، إذ لم يكن لهم قيامٌ غيره ، وجعلها معالم لدينهم ، ومصالح أمورهم.
* * *
و " الكعبة " ، سميت فيما قيل " كعبة " لتربيعها.
* * *
__________
(1) انظر تفسير " اتقى " فيما سلف من فهارس اللغة (وقى).
(2) انظر تفسير " الحشر " فيما سلف 4 : 228 /229 ، 6/ 9 : 425.
(3) انظر تفسير " جعل " فيما سلف 3 : 18.

(11/89)


* ذكر من قال ذلك :
12780 - حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا أبي ، عن سفيان ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد قال : إنما سميت " الكعبة " ، لأنها مربعة.
12781 - حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا هاشم بن القاسم ، عن أبي سعيد المؤدب ، عن النضر بن عربي ، عن عكرمة قال : إنما سميت " الكعبة " ، لتربيعها. (1)
* * *
وقيل " قيامًا للناس " بالياء ، وهو من ذوات الواو ، لكسرة القاف ، وهي " فاء " الفعل ، فجعلت " العين " منه بالكسرة " ياء " ، كما قيل في مصدر : " قمت " " قيامًا " و " صمت " " صيامًا " ، فحوّلت " العين " من الفعل : وهي " واو " " ياء " لكسرة فائه. وإنما هو في الأصل : " قمت قوامًا " ، و " صمت صِوَامًا " ، وكذلك قوله : " جعل الله الكعبة البيت الحرام قيامًا للناس " ، فحوّلت ، واوها ياء ، إذ هي " قوام " . (2)
وقد جاء ذلك من كلامهم مقولا على أصله الذي هو أصله قال الراجز : (3)
قَِوامُ دُنْيَا وَقَوَامُ دِين (4)
فجاء به بالواو على أصله.
* * *
وجعل تعالى ذكره الكعبة والشهرَ الحرام والهديَ والقلائد قوامًا لمن كان يحرِّم ذلك من العرب ويعظّمه ، (5) بمنزلة الرئيس الذي يقوم به أمر تُبَّاعه.
__________
(1) الأثر : 12781 - " هاشم بن القاسم بن مسلم الليثي " " أبو النضر " الإمام الحافظ مضى برقم : 184 ، 8239.
و " أبو سعيد المؤدب " هو : " محمد بن مسلم بن أبي الوضاح القضاعي " ثقة مأمون مضى برقم 8239 ، 12310.
(2) انظر تفسير " قيام " فيما سلف 7 : 568 ، 569.
(3) هو حميد الأرقط.
(4) مجاز القرآن لأبي عبيدة 1 : 177.
(5) في المطبوعة : " يحترم ذلك " وصوابه من المخطوطة وفي المخطوطة : " ويعطيه " وصوابه ما في المطبوعة.

(11/90)


وأما " الكعبة " ، فالحرم كله. وسمّاها الله تعالى " حرامًا " ، لتحريمه إياها أن يصاد صيدها أو يُخْتلى خَلاها ، أو يُعْضد شجرها ، (1) وقد بينا ذلك بشواهده فيما مضى قبل. (2)
* * *
وقوله : " والشهر الحرام والهدي والقلائد " ، يقول تعالى ذكره : وجعل الشهر الحرام والهدي والقلائد أيضًا قيامًا للناس ، كما جعل الكعبة البيت الحرام لهم قيامًا.
* * *
و " الناس " الذين جعل ذلك لهم قيامًا ، مختلفٌ فيهم.
فقال بعضهم : جعل الله ذلك في الجاهلية قيامًا للناس كلهم.
* * *
وقال بعضهم : بل عنى به العربَ خاصة.
* * *
وبمثل الذي قلنا في تأويل " القوام " ، قال أهل التأويل.
* ذكر من قال : عنى الله تعالى ذكره بقوله : " جعل الله الكعبة البيت الحرام قيامًا للناس " ، القوام ، على نحو ما قلنا.
12782 - حدثنا هناد قال ، حدثنا ابن أبي زائدة قال ، أخبرنا من سمع خُصَيفًا يحدث ، عن مجاهد في : " جعل الله الكعبة البيت الحرام قيامًا للناس " ، قال : قوامًا للناس.
12783 - حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا عبيد الله ، عن إسرائيل ، عن خصيف ، عن سعيد بن جبير : " قيامًا للناس " ، قال : صلاحًا لدينهم.
12784 - حدثنا هناد قال ، حدثنا ابن أبي زائدة قال ، أخبرنا داود ، عن ابن جريج ، عن مجاهد في : " جعل الله الكعبة البيت الحرام قيامًا للناس " ، قال : حين لا
__________
(1) " الخلي " : الرطب الرقيق من النبات. و " اختلى الخلي " : جزه وقطعه ونزعه. و " عضد الشجرة " قطعها.
(2) انظر ما سلف 3 : 45 - 51.

(11/91)


يرْجون جنة ولا يخافون نارًا ، فشدّد الله ذلك بالإسلام.
12785 - حدثني هناد قال ، حدثنا ابن أبي زائدة ، عن إسرائيل ، عن أبي الهيثم ، عن سعيد بن جبير قوله : " جعل الله الكعبة البيت الحرام قيامًا للناس " ، قال : شدةً لدينهم.
12786 - حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا أبي ، عن إسرائيل ، عن أبي الهيثم ، عن سعيد بن جيير ، مثله.
12787 - حدثني محمد بن سعد قال ، حدثني أبي قال ، حدثني عمي قال ، حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قوله : " جعل الله الكعبة البيت الحرام قيامًا للناس " ، قال : قيامها ، أن يأمن من توجَّه إليها.
12788 - حدثني المثنى قال ، حدثنا عبد الله بن صالح قال ، حدثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس قوله : " جعل الله الكعبة البيت الحرام قيامًا للناس والشهر الحرام والهدي والقلائد " ، يعني قيامًا لدينهم ، ومعالم لحجهم.
12789 - حدثنا محمد بن الحسين قال ، حدثنا أحمد بن مفضل قال ، حدثنا أسباط ، عن السدي : " جعل الله الكعبة البيت الحرام قيامًا للناس والشهر الحرام والهدي والقلائد " ، جعل الله هذه الأربعةَ قيامًا للناس ، هو قوام أمرهم.
* * *
قال أبو جعفر : وهذه الأقوال وإن أختلفت من قائليها ألفاظُها ، (1) فإن معانيها آيلةٌ إلى ما قلنا في ذلك ، من أن " القوام " للشيء ، هو الذي به صلاحه ، كما الملك الأعظم ، قوامُ رعيته ومن في سلطانه ، (2) لأنه مدبِّر أمرهم ، وحاجز ظالمهم عن مظلومهم ، والدافع عنهم مكروه من بغاهم وعاداهم. وكذلك كانت الكعبة والشهرُ الحرام والهدي والقلائد ، قوامَ أمر العرب الذي كان به صلاحهم
__________
(1) في المخطوطة والمطبوعة : " من قائلها " بالإفراد وما أثبته أولى بالصحة.
(2) في المطبوعة : " كالملك " والصواب الجيد ما في المخطوطة.

(11/92)


في الجاهلية ، وهي في الإسلام لأهله معالمُ حجهم ومناسكهم ، ومتوجَّههم لصلاتهم ، وقبلتهم التي باستقبالها يتمُّ فرضُهم.
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قالت جماعة أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك :
12790 - حدثنا بشر بن معاذ قال ، حدثنا جامع بن حماد قال ، حدثنا يزيد بن زريع قال ، حدثنا سعيد ، عن قتادة قوله : " جعل الله الكعبة البيت الحرام قيامًا للناس والشهر الحرام والهدي والقلائد " ، حواجز أبقاها الله بين الناس في الجاهلية ، (1) فكان الرجل لو جَرَّ كل جريرة ثم لجأ إلى الحرم لم يُتناول ولم يُقرب. وكان الرجل لو لقي قاتلَ أبيه في الشهر الحرام لم يعرض له ولم يقرَبه. وكان الرجل إذا أراد البيت تقلد قلادةً من شعر فأحمته ومنعته من الناس. وكان إذا نفر تقلَّد قلادة من الإذْخِر أو من لِحَاء السمُر ، فمنعته من الناس حتى يأتي أهله ، (2) حواجزُ أبقاها الله بين الناس في الجاهلية.
12791 - حدثنا يونس قال ، أخبرنا ابن وهب قال ، قال ابن زيد في قوله : " جعل الله الكعبة البيت الحرام قيامًا للناس والشهر الحرام والهدي والقلائد " ، قال : كان الناس كلهم فيهم ملوكٌ تدفع بعضَهم عن بعض. قال : ولم يكن في العرب ملوكٌ تدفع بعضهم عن بعض ، فجعل الله تعالى لهم البيت الحرام قيامًا ، يُدْفع بعضُهم عن بعض به ، والشهر الحرام كذلك يدفع الله بعضهم عن بعض بالأشهر الحرم ، والقلائد. قال : ويلقَى الرجل قاتل أخيه أو ابن عمه فلا يعرض له. وهذا كله قد نُسِخ.
__________
(1) عندي أن الصواب " ألقاها الله " باللام في هذا الموضع ، والذي يليه ، ولكن هكذا هي في المخطوطة.
(2) " الإذخر " : حشيشة طيبة الرائحة يسقف بها البيوت فوق الخشب ويطحن فيدخل في الطيب. و " اللحاء " قشر الشجر. و " السمر " (بفتح السين وضم الميم) : شجر من الطلح.

(11/93)


جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِلنَّاسِ وَالشَّهْرَ الْحَرَامَ وَالْهَدْيَ وَالْقَلَائِدَ ذَلِكَ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (97)

12792 - حدثني محمد بن سعد قال ، حدثني أبي قال ، حدثني عمي قال ، حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس : " والقلائد " ، كان ناس يتقلَّدون لحاء الشجر في الجاهلية إذا أرادوا الحجّ ، فيعرفون بذلك.
* * *
وقد أتينا على البيان عن ذكر : " الشهر الحرام " و " الهدي " و " القلائد " ، فيما مضى ، بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع. (1)
* * *
القول في تأويل قوله : { ذَلِكَ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَأَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (97) }
قال أبو جعفر : يعني تعالى ذكره بقوله : " ذلك " ، تصييرَه الكعبةَ البيتَ الحرام قيامًا للناس والشهر الحرام والهدي والقلائد. يقول تعالى ذكره : صيرت لكم ، أيها الناس ، ذلك قيامًا ، كي تعلموا أن من أحدث لكم لمصالح دنياكم ما أحدث ، مما به قوامكم ، علمًا منه بمنافعكم ومضاركم ، أنه كذلك يعلم جميع ما في السموات وما في الأرض مما فيه صلاحُ عاجلكم وآجلكم ، ولتعلموا أنه بكل شيء " عليم " ، لا يخفى عليه شيء من أموركم وأعمالكم ، وهو محصيها عليكم ، حتى يجازي المحسنَ منكم بإحسانه ، والمسيء منكم بإساءته. (2)
* * *
__________
(1) انظر تفسير " الشهر الحرام " فيما سلف 3 : 575 - 579/4 : 299 ، 300 وما بعدها/9 : 466 وتفسير " الهدي " فيما سلف 4 : 24 ، 25/9 : 466/11 : 22 وتفسير " القلائد " فيما سلف 9 : 467 - 470.
(2) انظر تفسير " عليم " فيما سلف من فهارس اللغة.

(11/94)


اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ وَأَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (98) مَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا تَكْتُمُونَ (99)

القول في تأويل قوله : { اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ وَأَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (98) }
قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره : اعلموا ، أيها الناس ، أن ربكم الذي يعلم ما في السموات وما في الأرض ، ولا يخف عليه شيء من سرائر أعمالكم وعلانيتها ، وهو يُحْصيها عليكم لمجازيكم بها ، شديد عقابُه من عصاه وتمرَّد عليه ، على معصيته إياه وهو غفور لذنوب من أطاعه وأنابَ إليه ، فساترٌ عليه ، وتاركٌ فضيحته بها رحيم به أن يعاقبه على ما سلف من ذنوبه بعد إنابته وتوبته منها. (1)
* * *
القول في تأويل قوله : { مَا عَلَى الرَّسُولِ إِلا الْبَلاغُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا تَكْتُمُونَ (99) }
قال أبو جعفر : وهذا من الله تعالى ذكره تهديد لعباده ووعيد. يقول تعالى ذكره : ليس على رسولنا الذي أرسلناه إليكم ، أيها الناس ، بإنذاركم عقابَنا بين يدي عذاب شديد ، وإعذارنا إليكم بما فيه قطع حججكم إلا أن يؤدي إليكم رسالتنا ، ثم إلينا الثواب على الطاعة ، (2) وعلينا العقاب على المعصية " والله يعلم ما تبدون وما تكتمون " ، يقول : وغير خفي علينا المطيعُ منكم ، القابلُ رسالتنا ، العاملُ بما أمرته بالعمل به من المعاصي الآبي رسالتنا ، التارك العمل بما أمرته بالعمل به ، (3) لأنا نعلم ما عمله العامل منكم فأظهره بجوارحه ونطق
__________
(1) انظر تفسير " شديد العقاب " و " غفور " و " رحيم " فيما سلف من فهارس اللغة.
(2) انظر تفسير " البلاغ " فيما سلف 10 : 575.
(3) في المطبوعة : " من المعاصي التارك العمل " أسقط ما كان في المخطوطة ، وكان فيها : " من المعاصي التي ، رسالتنا " هكذا كتبت وبين الكلام بياض ورسم " ، " بالحمرة. فآثرت قراءتها كما أثبتها.

(11/95)


قُلْ لَا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (100)

به بلسانه " وما تكتمون " ، يعني : ما تخفونه في أنفسكم من إيمان وكفر ، أو يقين وشك ونفاق. (1)
يقول تعالى ذكره : فمن كان كذلك ، لا يخفى عليه شيء من ضمائر الصدور ، وظواهر أعمال النفوس ، مما في السموات وما في الأرض ، وبيده الثواب والعقاب فحقيق أن يُتَّقى ، وأن يُطاع فلا يعصى.
* * *
القول في تأويل قوله : { قُلْ لا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ }
قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم ، قل يا محمد : لا يعتدل الرديء والجيد ، والصالح والطالح ، والمطيع والعاصي (2) ولو أعجبك كثرة الخبيث " ، يقول : لا يعتدل العاصي والمطيع لله عند الله ، ولو كثر أهل المعاصى فعجبت من كثرتهم ، لأن أهل طاعة الله هم المفلحون الفائزون بثواب الله يوم القيامة وإن قلُّوا ، دون أهل معصيته وإن أهل معاصيه هم الأخسرون الخائبون وإن كثروا.
يقول تعالى ذكره لنبيه صلى الله عليه وسلم : فلا تعجبنَّ من كثرة من يعصى الله فيُمْهِله ولا يعاجله بالعقوبة ، فإن العقبَى الصالحة لأهل طاعة الله عنده دونهم ، كما : -
__________
(1) انظر تفسير " تبدون " و " تكتمون " في فهارس اللغة " بدا " و " كتم " .
(2) انظر تفسير : " استوى " فيما سلف 9 : 85 وتفسير " الخبيث " فيما سلف 5 : 558 ، 559/7 : 424 ، 527 وتفسير " الطيب " فيما سلف 10 : 513 تعليق : 3 ، والمراجع هناك.

(11/96)


12793 - حدثني محمد بن الحسين قال ، حدثنا أحمد بن مفضل قال ، حدثنا أسباط ، عن السدي ، " لا يستوي الخبيث والطيب ولو أعجبك كثرة " الخبيث " ، قال : الخبيث ، هم المشركون و " الطيب " ، هم المؤمنون.
* * *
وهذا الكلام وإن كان مخرجه مخرجَ الخطاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، فالمراد به بعض أتباعه ، يدل على ذلك قوله : " فاتقوا الله يا أولي الألباب لعلكم تفلحون "
* * *
القول في تأويل قوله : { فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُولِي الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (100) }
قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره : واتقوا الله بطاعته فيما أمركم ونهاكم ، واحذروا أن يستحوذ عليكم الشيطان بإعجابكم كثرة الخبيث ، فتصيروا منهم " يا أولي الألباب " ، يعني بذلك أهلَ العقول والحِجَى ، الذين عقلوا عن الله آياته ، وعرفوا مواقع حججه. (1) " لعلكم تفلحون " ، يقول : اتقوا الله لتفلحوا ، أي : كي تنجحوا في طلبكم ما عنده. (2)
* * *
__________
(1) انظر تفسير " أولي الألباب " فيما سلف 3 : 383/ 4 : 162 /5 : 580 /6 : 211 وفي التعليق على المواضع السالفة خطأ ، يصحح من هنا.
(2) انظر تفسير " الفلاح " فيما سلف 10 : 564 تعليق : 1 ، والمراجع هناك.

(11/97)


يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِنْ تَسْأَلُوا عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآَنُ تُبْدَ لَكُمْ عَفَا اللَّهُ عَنْهَا وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ (101)

القول في تأويل قوله : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ }
قال أبو جعفر : ذكر أن هذه الآية أنزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم بسبب مسائل كان يسألها إياه أقوام ، امتحانًا له أحيانًا ، واستهزاءً أحيانًا. فيقول له بعضهم : " من أبي " ؟ ويقول له بعضهم إذا ضلت ناقته : " أين ناقتي " ؟ فقال لهم تعالى ذكره : لا تسألوا عن أشياءَ من ذلك كمسألة عبد الله بن حُذافة إياه من أبوه " إن تبد لكم تسؤكم " ، يقول : إن أبدينا لكم حقيقة ما تسألون عنه ، ساءكم إبداؤها وإظهارها.
وبنحو الذي قلنا في ذلك تظاهرت الأخبار عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.
* ذكر الرواية بذلك :
12794 - حدثنا أبو كريب قال ، حدثنا حفص بن بُغَيل قال ، حدثنا زهير بن معاوية قال ، حدثنا أبو الجويرية قال : قال ابن عباس لأعرابيّ من بني سليم : هل تدري فيما أنزلت هذه الآية : " يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم " ؟ حتى فرغ من الآية ، فقال : كان قوم يسألون رسولَ الله صلى الله عليه وسلم استهزاء ، فيقول الرجل : " من أبي " ؟ والرجل تضل ناقته فيقول : " أين ناقتي " ؟ فأنزل الله فيهم هذه الآية. (1)
__________
(1) الأثر : 12794 - " حفص بن بغيل الهمداني المرهبي " ، ثقة مضى برقم : 9639 ، وكان في المطبوعة هنا " بعض بني نفيل " ، وفي المخطوطة : " بعض بن نفيل " ، وكله خطأ ، وكذلك جاء خطأ في فتح الباري " حفص بن نفيل " بالفاء ، وهو " بغيل " بالغين ، على التصغير.
و " زهير بن معاوية الجعفي " ، هو " أبو خيثمة " . ثقة ثبت ، روى له أصحاب الكتب الستة. مضى برقم : 2144 ، 2222.
و " أبو الجويرية " هو " حطان بن خفاف بن زهير بن عبد الله بن رمح بن عرعرة الجعفي " ، روى عن ابن عباس. ثقة ، قال ابن عبد البر : " أجمعوا على أنه ثقة " . مترجم في التهذيب ، والكبير 2/1109 ، وابن أبي حاتم 1/2/304.
وهذا الخبر رواه البخاري في صحيحه (الفتح 8 : 212) من طريق الفضل بن سهل ، عن أبي النضر هاشم بن القاسم ، عن أبي خيثمة زهير بن معاوية ، عن أبي الجويرية ، بنحوه. وأشار إلى إسناد أبي جعفر ، الحافظ ابن حجر في شرح الحديث. وقال ابن كثير في تفسيره 3 : 250 ، وذكر حديث البخاري : " تفرد به البخاري " .
وخرجه السيوطي في الدر المنثور 2 : 334 ، وزاد نسبته إلى ابن أبي حاتم ، والطبراني ، وابن مردويه.

(11/98)


12795 - حدثني محمد بن المثنى قال ، حدثنا أبو عامر وأبو داود قالا حدثنا هشام ، عن قتادة ، عن أنس قال : سأل الناسُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم حتى أحْفَوه بالمسألة ، (1) فصعد المنبر ذات يوم ، فقال : " لا تسألوني عن شيء إلا بيَّنْتُ لكم! (2) قال أنس : فجعلت أنظر يمينًا وشمالا فأرى كل إنسان لافًّا ثوبَه يبكي ، فأنشأ رجل كان إذا لاحَى يُدعى إلى غير أبيه ، (3) فقال : يا رسول الله ، من أبي ؟ فقال : " أبوك حذافة " ! قال : فأنشأ عمر فقال : رضينا بالله ربًّا ، وبالإسلام دينًا ، وبمحمد صلى الله عليه وسلم رسولا وأعوذ بالله من سوء الفتن! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لم أرَ الشرّ والخيرَ كاليوم قط! (4) إنه صُوِّرت لي الجنة والنار حتى رأيتهما وراء الحائط ! وكان قتادة يذكر هذا الحديث عند هذه الآية : " لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم " . (5)
__________
(1) " أحفاه بالمسألة " و " أحفى السؤال " : ألح عليه ، وأكثر الطلب واستقصى في السؤال.
(2) في المطبوعة : " إلا بينته " بالضمير كما في صحيح مسلم وأثبت ما في المخطوطة وهو صواب أيضا.
(3) يقال : " أنشأ فلان يفعل كذا " أي : أقبل يفعل أو ابتدأ يفعل وهو هنا في هذا الموضع والذي يليه ، أحسنه أن يفسر : " أقبل " و " لاحى الرجل أخاه " : إذا نازعه وسابه وشاتمه.
(4) في المطبوعة : " لم أر في الشر والخير " بزيادة " في " كما في مسلم : " لم أر كاليوم قط في الخير والشر " واتبعت المخطوطة فحذفت " في " .
(5) الأثر : 12795 - " أبو عامر " هو العقدي : " عبد الملك بن عمرو القيسي " ، ثقة مأمون ، مضى مرارا كثيرة جدا.
و " أبو داود " هو الطيالسي.
و " هشام " هو الدستوائي.
وهذا الخبر ، رواه مسلم في صحيحه من طرق (15 : 114 ، 115) ، من طريق : يوسف ابن حماد المعنى ، عن عبد الأعلى ، عن سعيد ، عن قتادة ، عن أنس ، ثم أشار إلى روايته من طريق يحيى بن حبيب الحارثي ، عن خالد بن الحارث ، عن هشام ومن طريق محمد بن بشار ، عن محمد ابن أبي عدي ، عن هشام. وهو مثل طريق أبي جعفر. وسيأتي أيضًا برقم : 12797. وخرجه السيوطي في الدر المنثور 2 : 334 ، واقتصر على نسبته لابن جرير ، وابن حميد ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وأبي الشيخ ، وابن مردويه ، وقصر فلم ينسبه إلى صحيح مسلم.

(11/99)


12796 - حدثني محمد بن معمر البحراني قال ، حدثنا روح بن عبادة قال ، حدثنا شعبة قال ، أخبرني موسى بن أنس قال ، سمعت أنسًا يقول ، قال رجل : يا رسول الله ، من أبي ؟ قال : " أبوك فلان " ! قال : فنزلت : " يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم " . (1)
12797 - حدثنا بشر بن معاذ قال ، حدثنا يزيد بن زريع قال ، حدثنا سعيد ، عن قتادة في قوله : " يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم " ، قال : فحدَّثنا أن أنس بن مالك حدَّثهم : أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم سألوه حتى أحفَوْه بالمسألة ، فخرج عليهم ذات يوم فصعد المنبر فقال : " لا تسألوني اليومَ عن شيء إلا بينته لكم! فأشفقَ أصحاب رسول الله صلى الله عليه
__________
(1) الأثر : 12796 " محمد بن معمر بن ربعي القيسي البحراني " ، شيخ الطبري روى عنه أصحاب الكتب الستة ، ومضى برقم : 241 ، 3056 ، 5393.
و " روح بن عبادة القيسي " ، مضى برقم : 3015 ، 3355 ، 3912.
و " موسى بن أنس بن مالك الأنصاري " ، تابعي ثقة قليل الحديث ، مضى برقم : 11475.
وهذا الخبر رواه البخاري في صحيحه من طريقين عن شعبة ، من طريق منذر بن الوليد بن عبد الرحمن الجارودي ، عن أبيه ، عن شعبة (الفتح 8 : 210 - 212) مطولا ، وأشار بعده إلى رواية النضر ، وروح بن عبادة ، عن شعبة ثم رواه من طريق محمد بن عبد الرحيم ، عن روح ، عن شعبة ، مختصرًا كالذي هنا (الفتح 13 : 230) وخرجه الحافظ ابن حجر في الموضعين.
ورواه مسلم في صحيحه (15 : 112) ، من طريق محمد بن معمر ، بمثل رواية أبي جعفر.
وخرجه السيوطي في الدر المنثور 2 : 334 ، وزاد نسبته إلى الترمذي ، والنسائي ، وأبي الشيخ ، وابن مردويه.

(11/100)


وسلم أن يكون بين يديه أمر قد حضر ، فجعلتُ لا ألتفت يمينًا ولا شمالا إلا وجدت كُلا لافًّا رأسه في ثوبه يبكي. فأنشأ رجلٌ كان يُلاحَى فيدعى إلى غير أبيه ، فقال : يا نبي الله ، من أبي ؟ قال : " أبوك حذافة " ! قال : ثم قام عمر (1) أو قال : فأنشأ عمر فقال : رضينا بالله ربًّا ، وبالإسلام دينًا ، وبمحمد صلى الله عليه وسلم رسولا عائذًا بالله أو قال : أعوذ بالله من سوء الفتن! قال : وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لم أر في الخير والشر كاليوم قط ، صُوِّرت لي الجنة والنارُ حتى رأيتهما دون الحائط. (2)
12798 - حدثنا أحمد بن هشام وسفيان بن وكيع قالا حدثنا معاذ بن معاذ قال ، حدثنا ابن عون ، قال : سألت عكرمة مولى ابن عباس عن قوله : " ياأيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم " ، قال : ذاك يوم قام فيهم النبي صلى الله عليه وسلم فقال : لا تسألوني عن شيء إلا أخبرتكم به! قال : فقام رجل ، فكره المسلمون مَقامه يومئذ ، فقال : يا رسول الله ، من أبي ؟ قال : أبوك حذافة ، قال : فنزلت هذه الآية. (3)
12799 - حدثنا الحسين بن يحيى قال ، أخبرنا عبد الرزاق قال ، أخبرنا معمر ، عن ابن طاوس ، عن أبيه قال : نزلت : " لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم
__________
(1) في المطبوعة : " ثم قال عمر " غير ما في المخطوطة ، وهو الصواب.
(2) الأثر : 12797 - هو مكرر الأثر رقم : 12795 بنحو لفظه ورواه أبو جعفر هنا من طريق سعيد عن قتادة وهي طريق مسلم التي رواها في صحيحه ، كما أشرت إليه في تخريج الخبر رقم : 12795.
(3) الأثر : 12798 - " أحمد بن هشام " شيخ أبي جعفر ، لم أستطع أن أحدد من يكون ، وهناك : " أحمد بن هشام بن بهرام " ، " أبو عبد الله المدائني " مترجم في تاريخ بغداد 5 : 197.
و " أحمد بن هشام بن حميد " ، " أبو بكر المصري " ، سكن البصرة ، وحدث بها. مترجم أيضًا في تاريخ بغداد 5 : 198.
وأما " معاذ بن معاذ بن نصر بن حسان العنبري " ، " أبو المثنى " ، الحافظ البصري ، فقد سلف برقم : 10482.

(11/101)


تسؤكم " ، في رجل قال : يا رسول الله ، من أبي ؟ قال : أبوك فلان.
12800 - حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثني سفيان ، عن معمر ، عن قتادة قال : سألوا النبي صلى الله عليه وسلم حتى أكثروا عليه ، فقام مغضبًا خطيبًا فقال : سلوني ، فوالله لا تسألوني عن شيء ما دمت في مقامي إلا حدثتكم! فقام رجل فقال : من أبي ؟ قال : أبوك حذافة. واشتدّ غضبه وقال : سلوني! فلما رأى الناس ذلك كثر بكاؤهم ، فجثا عمر على ركبتيه فقال : رضينا بالله ربًّا قال معمر ، قال الزهري ، قال أنس مثل ذلك : فجثا عمر على ركبتيه (1) فقال : رضينا بالله ربًّا وبالإسلام دينًا وبمحمد صلى الله عليه وسلم رسولا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أما والذي نفسي بيده ، لقد صُوِّرت لي الجنةُ والنارُ آنفًا في عرض هذا الحائط ، فلم أر كاليوم في الخير والشر قال الزهري ، فقالت أم عبد الله بن حذافة : ما رأيت ولدًا أعقّ منك قط! أتأمن أن تكون أمك قارفت ما قارفَ أهلُ الجاهلية فتفضحها على رؤوس الناس!! فقال : والله لو ألحقني بعبدٍ أسود للحقتُه. (2)
12801 - حدثني محمد بن الحسين قال ، حدثنا أحمد بن مفضل قال ، حدثنا أسباط ، عن السدي : " يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم " ، قال : غضب رسول الله صلى الله عليه وسلم يومًا من الأيام ، فقام
__________
(1) هذه إشارة من سفيان إلى رواية يونس عن الزهري ورواية عبد الرزاق عن معمر عن الزهري : " برك عمر " أو " فبرك عمر على ركبتيه " كما في مسلم 15 : 113 ، والبخاري (الفتح 13 : 230).
(2) الأثر : 12800 - هذا الخبر من رواية سفيان ، عن معمر ، عن قتادة عن أنس ومن روايته عن معمر ، عن الزهري ، عن أنس. وأخرجه البخاري في صحيحه (الفتح 13 : 230) من طريق عبد الرزاق ، عن معمر ، عن الزهري ، وأخرجه مسلم في صحيحه (15 : 112) من يونس ، عن الزهري ، ثم أشار في (15 : 114) إلى طريق عبد الرازق ، عن معمر. أما خبر طريق قتادة ، عن أنس ، فقد مضى برقم : 12795 ، 12797.
*وخرجه ابن كثير في تفسيره 3 : 249.

(11/102)


خطيبًا فقال : سلوني ، فإنكم لا تسألوني عن شيء إلا نبأتكم به! فقام إليه رجل من قريش ، من بني سهم ، يقال له " عبد الله بن حذافة " ، وكان يُطْعن فيه ، قال : فقال : يا رسول الله ، من أبي ؟ قال : أبوك فلان! فدعاه لأبيه. فقام إليه عمر فقبَّل رجله وقال : يا رسولَ الله ، رضينا بالله ربًّا ، وبك نبيًّا ، وبالإسلام دينًا ، وبالقرآن إمامًا ، فاعف عنا عفا الله عنك! فلم يزل به حتى رَضِيَ ، فيومئذ قال : " الولد للفراش وللعاهر الحجر " . (1)
12802 - حدثني الحارث قال ، حدثنا عبد العزيز قال ، حدثنا قيس ، عن أبي حصين ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة قال : خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو غضبان محمارٌّ وجهه! حتى جلس على المنبر ، فقام إليه رجل فقال : أين أبي ؟ قال : في النار ، فقام آخر فقال : من أبي ؟ قال : أبوك حذافة ! فقام عمر بن الخطاب فقال : رضينا بالله ربًّا ، وبالإسلام دينًا ، وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيًّا ، وبالقرآن إمامًا ، إنا يا رسول الله حديثو عهد بجاهلية وشِرْك ، والله يعلمُ من آباؤنا! قال : فسكن غضبه ، ونزلت : " يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم " . (2)
* * *
__________
(1) الأثر : 12801 - روى الحاكم في المستدرك 3 : 631 من طريق نعيم بن حماد عن هشيم عن سيار عن أبي وائل :
" أن عبد الله بن حذافة بن قيس قال : يا رسول الله ، من أبي ؟ قال : أبُوك حُذافة ، الولد للفراش وللعَاهر الحجَرُ. قال : لو دعوتتي لحبشيٍّ لاتبعته! فقالت له أُمُّه : لقد عَرَّضتني! فقال : إنِّي أردتُ أن أستريح! " .
(2) الأثر : 12802 - " الحارث " هو " الحارث بن أبي أسامة " منسوبًا إلى جده ، وهو " الحارث بن محمد بن أبي أسامة التميمي " ، مضت ترجمته برقم : 10295.
و " عبد العزيز " هو " عبد العزيز بن أبان الأموي " ، من مولد سعيد بن العاص ، كان كذابًا يضع الأحاديث ، وذمه يطول. ومضى برقم : 10295.
و " قيس " هو " قيس بن الربيع الأسدي " ، وهو ثقة ، ولكنهم ضعفوه ، ومضى أيضًا برقم 10295.
و " أبو حصين " هو " عثمان بن عاصم بن حصين الأسدي " ، روى له أصحاب الكتب الستة. مضى برقم : 642 643 ، 8961 ، 8962.
و " أبو صالح " هو " ذكوان السمان " ، من أجل الناس وأوثقهم. سلف مرارًا.
وإسناد هذا الخبر إلى " قيس بن الربيع " ، إسناد هالك ، ولكن ابن كثير في تفسيره 2 : 249 ، ساقه عن هذا الموضع من الطبري ثم قال : " إسناده جيد " ، وكيف ، وفيه " عبد العزيز بن أبان " ؟
وذكر هذا الخبر ، الجصاص في أحكام القرآن 2 : 483 ، يقول : " روى قيس بن الربيع عن أبي حصين عن أبي هريرة " ، ولم يذكر إسناده.

(11/103)


وقال آخرون : نزلت هذه الآية على رسول الله صلى الله عليه وسلم من أجل مسألة سائل سأله عن شيء في أمر الحجّ.
* ذكر من قال ذلك :
12803 - حدثنا أبو كريب قال ، حدثنا منصور بن وردان الأسدي قال ، حدثنا علي بن عبد الأعلى قال ، لما نزلت هذه الآية : ( وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلا ) سورة آل عمران : 97] ، قالوا : يا رسول الله ، أفي كل عام ؟ فسكت. ثم قالوا : أفي كل عام ؟ فسكت. ثم قال : لا ولو قلت : " نعم " لوجبت " ! فأنزل الله هذه الآية : " يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم " . (1)
__________
(1) الأثر : 12803 - " منصور بن وردان الأسدي " العطار الكوفي ، شيخ أحمد. روى عن فطر بن خليفة ، وعلي بن عبد الأعلى. ذكره ابن حبان في الثقات ، ووثقه أحمد. وقال ابن أبي حاتم : " يكتب حديثه " . مترجم في التهذيب ، والكبير 4/1/347 ، وابن أبي حاتم 4/1/180.
" على بن عبد الأعلى بن عامر الثعلبي " ، أبو الحسن الأحول. وثقه البخاري والترمذي ، وقال الدارقطني : " ليس بالقوي " مترجم ، في التهذيب.
وهذا الخبر ، رواه أحمد في المسند رقم 905 ، من طريق منصور بن وردان الأسدي ، عن علي بن عبد الأعلى ، عن أبيه ، عن أبي البختري ، عن علي قال ، بمثل ما في رواية أبي جعفر غير موصولة.
ورواه الترمذي في كتاب التفسير عن أبي سعيد ، عن منصور بن وردان ، بإسناده بمثل رواية أحمد ، وقال : " هذا حديث حسن غريب من حديث علي " .
ورواه الحاكم في المستدرك 2 : 293 ، 294 ، من طريق أحمد بن موسى بن إسحق التميمي ، عن مخول بن إبراهيم النهدي ، عن منصور بن وردان. ولم يقل فيه الحاكم شيئًا ، وقال الذهبي في تعليقه : " مخول : رافضي ، وعبد الأعلى ، هو ابن عامر ، ضعفه أحمد " .
ورواه ابن ماجه في السنن رقم : 2884 من طريق محمد بن عبد الله بن نمير ، وعلي بن محمد ، عن منصور بن وردان ، بمثله.
وخرجه ابن كثير في تفسيره 2 : 195/3 : 250 ، وذكر خبر الترمذي وما قاله ثم قال : " وفيما قال نظر. لأن البخاري قال : لم يسمع أبو البختري من علي " .
و " قال أخي السيد أحمد في شرح المسند (رقم : 905) : " إسناده ضعيف ، لانقطاعه ، ولضعف عبد الأعلى بن عامر الثعلبي " .

(11/104)


12804 - حدثنا أبو كريب قال ، حدثنا عبد الرحيم بن سليمان ، عن إبراهيم بن مسلم الهجري ، عن ابن عياض ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ، " إن الله كتب عليكم الحج! فقال رجل : أفي كل عام يا رسول الله ؟ فأعرض عنه ، حتى عاد مرتين أو ثلاثًا ، فقال : من السائل ؟ فقال : فلان! فقال : والذي نفسي بيده ، لو قلت " نعم " لوجبت ، ولو وجبت عليكم ما أطقتموه ، ولو تركتموه لكفرتم! فأنزل الله هذه الآية : " يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم " ، حتى ختم الآية. (1)
12805 - حدثني محمد بن علي بن الحسن بن شقيق قال ، سمعت أبي قال ، أخبرنا الحسين بن واقد ، عن محمد بن زياد قال ، سمعت أبا هريرة يقول : خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا أيها الناس ، كتب الله عليكم
__________
(1) الأثر : 12804 - " عبد الرحيم بن سليمان الطائي الرازي " ، الأشل. ثقة مضى برقم : 2028 ، 2030 ، 2254 ، 8156 ، 8157 ، 8161. وكان في المطبوعة والمخطوطة " عبد الرحمن بن سليمان " ، والصواب من تفسير ابن كثير.
و " إبراهيم بن مسلم الهجري " ضعيف ، لين الحديث ، مترجم في الكبير للبخاري 1/1/326 ، وضعفه ، وابن أبي حاتم 1/1/131 ، وميزان الاعتدال للذهبي 1 : 31.
و " أبو عياض " هو : " عمرو بن الأسود العنسي " ، ويقال : " عمير بن الأسود " ، ثقة ، مضى برقم : 11255. وكان في المطبوعة : " ابن عياض " ، والصواب من المخطوطة.
وهذا خبر ضعيف إسناده ، لضعف " إبراهيم بن مسلم الهجري " .
ذكره الجصاص في أحكام القرآن 2 : 483 ونقله ابن كثير في تفسيره عن هذا الموضع 3 : 250.
وخرجه السيوطي في الدر المنثور 2 : 335 ، وزاد نسبته إلى الفريابي وابن مردويه.

(11/105)


الحج. فقام مِحْصن الأسدي فقال : أفي كل عام ، يا رسول الله ؟ فقال : " أمَا إنّي لو قلت " نعم " لوجبت ، ولو وجبت ثم تركتم لضللتم ، اسكتوا عنى ما سكتُّ عنكم ، فإنما هلك من كان قبلكم بسؤالهم واختلافهم على أنبيائهم! فأنزل الله تعالى : " يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم " ، إلى آخر الآية. (1)
12806 - حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا يحيى بن واضح قال ، حدثنا الحسين بن واقد ، عن محمد بن زياد قال : سمعت أبا هريرة يقول : خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر مثله ، إلا أنه قام : فقام عُكَّاشة بن محصن الأسدي. (2)
12807 - حدثنا زكريا بن يحيى بن أبان المصري قال ، حدثنا أبو زيد عبد الرحمن بن أبي الغمر قال ، حدثنا أبو مطيع معاوية بن يحيى ، عن صفوان
__________
(1) الأثر : 12805 - " محمد بن علي بن الحسن بن شقيق العبدي " ثقة ، مضى برقم : 1591 ، 2575 ، 9951.
وأبوه " علي بن الحسن بن شقيق " ثقة أيضًا مضى برقم : 1591 ، 2575.
وكان في المطبوعة والمخطوطة : " بن الحسين بن شقيق " ، وهو خطأ.
و " الحسين بن واقد المروزي " ، ثقة ، مضى برقم : 4810 ، 6311.
و " محمد بن زياد القرشي الجمحي " أبو الحارث ، روى له أصحاب الكتب الستة ، روى عن أبي هريرة وعائشة ، وعبد الله بن الزبير. مترجم في التهذيب ، والكبير 1/1/82 ، وابن أبي حاتم 3/2/257.
وهذا الخبر رواه أحمد في مسنده مختصرًا ومطولا. رواه مختصرًا من طريق محمد بن زياد ، عن أبي هريرة ، وليس فيه ذكر الحج ، ولا السؤال ، ولا ذكر السائل ، في المسند 2 : 447 ، 448 ، من طريق وكيع ، عن حماد ، عن محمد بن زياد. ثم رواه : 2 : 467 ، من طريق عبد الرحمن بن مهدي ، عن حماد بن سلمة ، عن محمد بن زياد.
ثم رواه مطولا فيه ذكر الحج ، والسؤال عنه ، والسائل " رجل " ، لم يبين في الخبر اسمه (2 : 508) من طريق يزيد بن هرون ، عن الربيع بن مسلم القرشي ، عن محمد بن زياد ، وليس فيه ذكر الآية ونزولها.
ومن هذه الطريق رواه مسلم في صحيحه (9 : 100) ، عن زهير بن حرب ، عن يزيد بن هرون بمثله.
ورواه البخاري مختصرًا أيضًا (الفتح 13 : 219 - 224) من طريق إسمعيل بن أبي أويس ، عن مالك ، عن أبي الزناد ، عن الأعرج ، عن أبي هريرة.
ورواه البيهقي في السنن الكبرى 4 : 325 ، 326 من طريق عبيد الله بن موسى ، عن الربيع بن مسلم القرشي ، ومن طريق عبد الله بن أحمد بن حنبل ، عن أبيه ، عن يزيد بن هرون.
وخرجه السيوطي في الدر المنثور 2 : 335 ، وزاد نسبته إلى أبي الشيخ ، وابن مردويه ، بمثل رواية أبي جعفر هنا.
وفي جميع ذلك جاء " فقال رجل " ، مبهمًا ليس فيه التصريح باسمه ، وقال النووي في شرحه على مسلم (9 : 101) : " هذا الرجل هو الأقرع بن حابس ، كذا جاء مبينًا في غير هذه الرواية والرواية التي جاء فيها مبينا هي من حديث ابن عباس ، وفيها : " فقام الأقرع بن حابس فقال " ، رواها أحمد في مسنده من طرق عن ابن شهاب الزهري ، عن أبي سنان ، عن ابن عباس ، وهي رقم : 2304 ، 2642 ، 3303 ، 3510 ، 3520 وكذلك رواها البيهقي في السنن الكبرى 4 : 326.
وقد أشار الحافظ ابن حجر في الفتح (13 : 220) إلى حديث مسلم ، وما فيه من زيادة السؤال عن الحج ، ثم قال : " وأخرجه الدارقطني مختصرًا وزاد فيه " يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم " وله شاهد عن ابن عباس ، عند الطبري في التفسير " . قلت : يعني الأثر السالف رقم : 12794 ، لا هذا الأثر. ولم يشر الحافظ إلى خبر الحسين بن واقد ، عن محمد بن زياد.
وقد اختلف على " الحسين بن واقد " في اسم الرجل الذي سأل ، فجاء في هذا الخبر " محصن الأسدي " ، وفي الذي يليه " عكاشة بن محصن الأسدي " ، وقد ذكر ابن كثير في تفسيره 3 : 250 ، 251 ، الخبر السالف رقم 12804 ، ثم قال : " ثم رواه ابن جرير من طريق الحسين بن واقد ، عن محمد بن زياد ، عن أبي هريرة وقال : فقام محصن الأسدي ، وفي رواية من هذا الطريق : عكاشة بن محصن ، وهو أشبه " ، ولم يزد على ذلك.
وهذا اختلاف في اسم الرجل " الأقرع بن حابس " ، أو " عكاشة بن محصن الأسدي " ، وأوثقهما أن يكون " الأقرع بن حابس " ، فإنها جاءت بأسانيد صحاح لا شك في صحتها. أما علة ما جاء في رواية أبي جعفر ، فذلك أن " الحسين بن واقد المروزي " ، ثقة ، قال النسائي : " لا بأس به " ووثقه ابن معين. ولكن قال ابن حبان : " من خيار الناس ، وربما أخطأ في الروايات " ، وقال أحمد : " في أحاديثه زيادة ، ما أدري أي شيء هي! ونفض يده " ، وقال الساجي : " فيه نظر ، وهو صدوق ، يهم " .
و " رواية الثقات الحفاظ عن " محمد بن زياد ، عن أبي هريرة " ، لم يذكر فيها " عكاشة ابن محصن " ، ولم يبين الرجل ، ولكن الحسين بن واقد ، رواه عن محمد بن زياد ، فبين الرجل ، وخالف البيان الذي روي من طرق صحاح عن ابن عباس أنه " الأقرع بن حابس " ، فهذا من فعل " الحسين بن واقد " ، ييد ما قاله أحمد وغيره : أن في أحاديثه زيادة لا يدري أي شيء هي! وكتبه محمود محمد شاكر.
(2) الأثر : 12806 - هو مكرر الأثر السالف ، وقد ذكرت القول فيه هناك.

(11/106)


بن عمرو قال ، حدثني سليم بن عامر قال : سمعت أبا أمامة الباهلي يقول : قام رسول الله صلى الله عليه وسلم في الناس فقال : كتب عليكم الحج! " فقام رجل من الأعراب فقال : أفي كل عام ؟ قال : فغَلِقَ كلامُ رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأسكتَ (1) واستغضب ، (2) فمكث طويلا ثم تكلم فقال : من السائل ؟ فقال الأعرابي : أنا ذا! فقال : ويحك! ماذا يُؤْمِنك أن قول " نعم " ، ولو قلت " نعم " لوجبت ، ولو وجبت لكفرتم! ألا إنه إنما أهلك الذين قبلكم أئمة الحَرَج ، (3) والله لو أني أحللت لكم جميع ما في الأرض ، وحرَّمت عليكم منها موضع خُفٍّ ، لوقعتم فيه! قال : فأنزل الله تعالى عند ذلك : " يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء " ، إلى آخر الآية. (4)
12808 - حدثني محمد بن سعد قال ، حدثني أبي قال ، حدثني عمي قال ، حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قوله : " يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم " ، وذلك أن رسول الله أذّن في الناس فقال : " يا قوم ، كتب عليكم الحجّ! " فقام رجل من بني أسد فقال :
__________
(1) في المطبوعة وابن كثير : " فعلا كلام رسول الله " ، وهو خطأ لا شك فيه. وفي المخطوطة " فعلن " كأن آخرها " نون " وهي غير منقوطة. وفي مجمع الزوائد : " فعلق " بالعين المهملة ، وأرجح أن الصواب ما أثبته. يقال : " غلق فلان ، في حدته " (بفتح الغين وكسر اللام) أي : نشب ، قال شمر : " يقال لكل شيء نشب في شيء فلزمه : قد غلق " ، ومنه : " استغلق الرجل " : إذا ارتج عليه ولم يتكلم ، يعني أنه انقطع كلامه. فكأن هذا هو الصواب إن شاء الله.
وقوله بعد : " وأسكت " (بفتح الهمزة وسكون السين وفتح الكاف) بالبناء للمعلوم فعل لازم ، بمعنى سكت. قال اللحياني : " يقال تكلم الرجل ثم سكت - بغير ألف - فإذا انقطع كلامه فلم يتكلم قيل : " أسكت " ، وقيل " : " أسكت " أطرق ، من فكرة أو داء أو فرق. وفسروا الخبر أنه : " أعرض ولم يتكلم " . وبعض الخبر في اللسان (سكت).
(2) في المطبوعة وابن كثير زيادة : " وأغضب واستغضب " ، لا أدري من أين جاءا بها. وليست " وأغضب " في المخطوطة. وقوله : " واستغضب " ضبطت في المخطوطة بفتحة على الضاد ، وكذلك ضبطت في لسان العرب (سكت) ولم يذكر أصحاب اللغة : " استغضب " لازمًا ، بل ذكروا " غضب " و " أغضبته فتغضبب " ، ولكن ما جاء هنا له شاهد من قياس اللغة لا يرد. فهذا مما يزاد على نص المعاجم. ولو قرئ : " استغضب " بالبناء للمجهول ، لكان جيدًا أيضًا وهو قياس محض " استغضب ، فغضب " .
(3) قوله : " أئمة الحرج " ، يعني الذين يبتدئون السؤال عن أشياء ، تحرم على الناس من أجل سؤالهم ، فهم كالأئمة الذين تقدموا الناس ، فألزموهم الحرج. و " الحرج " أضيق الضيق.
(4) الأثر : 12807 - " زكريا بن يحيى بن أبان المصري " ، روى عنه أبو جعفر آنفًا رقم : 5973 ، وقال أخي السيد أحمد هناك : " لم أجد له ترجمة فيما بين يدي من الكتب " ، وصدق ، لم يرد اسمه مبينًا كما جاء هنا وهناك. ولكن قد روى عنه أبو جعفر في مواضع من تاريخه 1 : 39 قال : " حدثنا زكريا بن يحيى بن أبان المصري قال ، حدثنا ابن عفير " ، ثم روى عنه في المنتخب من كتاب " ذيل المذيل " (13 : 39) : " حدثني زكرياء بن يحيى بن أبان المصري ، قال ، حدثنا أبو صالح كاتب الليث " ، ثم في (13 : 63) : " حدثني زكرياء بن يحيى بن أبان المصري قال ، حدثنا أحمد بن أشكاب " ثم في (13 : 109) : " حدثني زكرياء بن يحيى قال ، حدثنا أحمد بن يونس " فالذين حدث عنهم كلهم مصريون.
وأخشى أن يكون هو " زكريا بن يحيى الوقار المصري " ، " أبو يحيى " مترجم في لسان الميزان 2 : 485 ، وابن أبي حاتم 1/2/601 وميزان الاعتدال 1 : 350 ، روى عن عبد الله بن وهب المصري فمن بعده ، وعن زكريا بن يحيى الأدم المصري ، والقاسم بن كثير المصري. وولد زكريا بن يحيى الوقار سنة 174 ، ومات سنة 254 ، فهو مظنة أن يروى عنه أبو جعفر ، كان من الصلحاء العباد الفقهاء ، ولكن قال ابن عدي : " يضع الحديث ، كذبه صالح جزرة. قال صالح : حدثنا زكريا الوقار ، وكان من الكذابين الكبار " . وقال أيضًا : " رأيت مشايخ مصر يثنون على أبي يحيى في العبادة والاجتهاد والفضل ، وله حديث كثير ، بعضه مستقيم ، وبعضه موضوعات وكان هو يتهم بوضعها ، لأنه يروى عن قوم ثقات أحاديث موضوعة. والصالحون قد رسموا بهذا : أن يرووا أحاديث موضوعة ، ويتهم جماعة منهم بوضعها " .
وأما " أبو زيد " : " عبد الرحمن بن أبي الغمر " ، المصري الفقيه من شيوخ البخاري روى عنه خارج الصحيح ، مضى برقم : 4329. وفي المطبوعة : " بن أبي العمر " بالعين المهملة وهو خطأ.
و " أبو مطيع " : " معاوية بن يحيى الشامي الأطرابلسي " ، ثقة ، وقال ابن معين : " ليس بذاك القوي " ، وقال الدارقطني : " ضعيف " . مترجم في التهذيب ، والكبير 4/1/336 ، ولم يذكر فيه جرحًا ، وابن أبي حاتم 4/1/384 ، ووثقه أبو زرعة.
و " صفوان بن عمرو بن هرم السكسكي " ، ثقة مضى برقم : 7009.
و " سليم بن عامر الكلاعي ، الخبائري " ، ثقة روى عن أبي أمامة ، وغيره من الصحابة ، مترجم في التهذيب ، والكبير 2/2/126 ، وابن أبي حاتم 2/1/211.
وهذا الخبر خرجه الهيثمي في مجمع الزوائد مختصرًا 3 : 204 وقال : " رواه الطبراني في الكبير وإسناده حسن جيد " .
ونقله ابن كثير في تفسيره 3 : 251 عن هذا الموضع من التفسير ، وقال : " في إسناده ضعف " ، وكأن علة ضعفه عنده ، هو " زكريا بن يحيى بن أبان المصري " ، وفي إسناده في ابن كثير خطأ ، كتب " عبد العزيز بن أبي الغمر " ، وهو خطأ محض.
وخرجه السيوطي في الدر المنثور 2 : 335 ، وزاد نسبته لابن مردويه. ثم انظر ما ختم به أبو جعفر فصله هذا ص : 112 ، أن مخرج هذا الأخبار صحاح عنده.

(11/108)


يا رسول الله ، أفي كل عام ؟ فأغْضِبَ رسول الله صلى الله عليه وسلم غضبًا شديدًا ، فقال : والذي نفس محمد بيده ، لو قلت " نعم " لوجبت ، ولو وجبت ما استطعتم ، وإذًا لكفرتم ، فاتركوني ما تركتكم ، فإذا أمرتكم بشيء فافعلوا ، وإذا نهيتكم عن شيء فانتهوا عنه! فأنزل الله تعالى : " يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم " ، نهاهم أن يسألوا عن مثل الذي سألت النصارى من المائدة ، فأصبحوا بها كافرين. فنهى الله تعالى عن ذلك وقال : لا تسألوا عن أشياء إن نزل القرآن فيها بتغليظ ساءكم ذلك ، ولكن انتظروا ، فإذا نزل القرآن فإنكم لا تسألون عن شيء إلا وجدتم تِبيانه. (1)
12809 - حدثني المثنى قال ، حدثنا عبد الله بن صالح قال ، حدثني معاوية بن صالح قال ، حدثنا علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس قوله : " يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم وإن تسألوا عنها حين ينزل القرآن تبد لكم " ، قال : لما أنزلت آية الحج ، نادى النبيّ صلى الله عليه وسلم في الناس فقال : يا أيها الناس ، إن الله قد كتب عليكم الحج فحُجُّوا. فقالوا : يا رسول الله ، أعامًا واحدًا أم كل عام ؟ ، فقال : لا بل عامًا واحدًا ، ولو قلت " كل عام " ، لوجبت ، ولو وجبت لكفرتم. ثم قال الله تعالى ذكره : (2) يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم " ، قال : سألوا النبي صلى الله عليه وسلم عن أشياء ، فوعظهم فانتهوا.
12810 - حدثني محمد بن عمرو قال ، حدثنا أبو عاصم ، عن عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قوله : " يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم " ، قال : ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم الحج ، فقيل :
__________
(1) الأثر : 12808 - قد بين أخي السيد أحمد في الخبر رقم : 305 ، ضعف هذا الإسناد الدائر في التفسير وقال : " هو إسناد مسلسل بالضعف من أسرة واحدة " ثم شرح الإسناد شرحًا مفصلا.
(2) في المطبوعة أسقط " ثم " وهي لا غنى عنها في هذا الموضع وهي ثابتة في المخطوطة.

(11/110)


أواجب هو يا رسول الله كل عام ؟ قال : لا لو قلتها لوجبت ، ولو وجبت ما أطقتم ، ولو لم تطيقوا لكفرتم. ثم قال : سلوني ، فلا يسألني رجل في مجلسي هذا عن شيء إلا أخبرته ، وإن سألني عن أبيه! فقام إليه رجل فقال : من أبي ؟ قال : أبوك حذافة بن قيس. فقام عمر فقال : يا رسول ، رضينا بالله ربًّا ، وبالإسلام دينًا ، وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيًّا ، ونعوذ بالله من غضبه وغضب رسوله.
* * *
وقال آخرون : بل نزلت هذه الآية من أجل أنهم سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن البحيرة والسائبة والوَصيلة والحامي.
* ذكر من قال ذلك :
12811 - حدثني إسحاق بن إبراهيم بن حبيب بن الشهيد قال ، حدثنا عتاب بن بشير ، عن خصيف ، عن مجاهد ، عن ابن عباس " لا تسألوا عن أشياء " ، قال : هي البحيرة والسائبة والوصيلة والحام ، ألا ترى أنه يقول بعد ذلك : " ما جعل الله من كذا ولا كذا ؟ (1) قال : وأما عكرمة فإنه قال : إنهم كانوا يسألونه عن الآيات ، فنهوا عن ذلك. ثم فال : " قد سألها قوم من قبلكم ثم أصبحوا بها كافرين " . قال : فقلت قد حدثني مجاهد بخلاف هذا عن ابن عباس ، فما لك تقول هذا ؟ فقال : هَيْهَ. (2)
12812 - حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا يزيد بن هارون ، عن ابن عون ،
__________
(1) القائل هو " خصيف " .
(2) قوله : " هيه " هنا بفتح الهاء وسكون الياء وفتح الهاء الآخرة. يقال ذلك للشيء ينحى ويطرد. وأما " هيه " (بكسر الهاء الأولى وكسر الآخرة أو فتحها) فهي مثل " إيه " ، تقال أمرًا للرجل ، تستزيده من الحديث المعهود بينكما. وإشارة عكرمة بالطرد والتنحية ، لما كان بين مجاهد وعكرمة وانظر ما سلف من سوء رأي مجاهد في عكرمة في التعليق على رقم : 10445 ، 10469.

(11/111)


عن عكرمة قال : هو الذي سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم : من أبي وقال سعيد بن جبير : هم الذين سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن البحيرة والسائبة.
* * *
قال أبو جعفر : وأولى الأقوال بالصواب في ذلك ، قولُ من قال : نزلت هذه الآية من أجل إكثار السائلين رسولَ الله صلى الله عليه وسلم المسائلَ ، كمسألة ابن حذافة إياه مَن أبوه ، ومسألة سائله إذ قال : " الله فرض عليكم الحج " ، أفي كل عام ؟ وما أشبه ذلك من المسائل ، لتظاهر الأخبار بذلك عن الصحابة والتابعين وعامة أهل التأويل.
وأما القول الذي رواه مجاهد عن ابن عباس ، فقولٌ غير بعيد من الصواب ، ولكنْ الأخبارُ المتظاهرة عن الصحابة والتابعين بخلافه ، وكرهنا القولَ به من أجل ذلك. على أنه غير مستنكر أن تكون المسئلة عن البحيرة والسائبة والوصيلة والحام كانت فيما سألوا النبي صلى الله عليه وسلم عنه من المسائل التي كره الله لهم السؤال عنها ، كما كره الله لهم المسألة عن الحج : " أكل عام هو ، أم عامًا واحدًا " ؟ وكما كره لعبد الله بن حذافة مسألته عن أبيه ، فنزلت الآية بالنهي عن المسائل كلِّها ، فأخبرَ كل مخبر منهم ببعض ما نزلت الآية من أجله ، وأجل غيره. (1) وهذا القول أولى الأقوال في ذلك عندي بالصحة ، لأن مخارج الأخبار بجميع المعاني التي ذُكرت صحاحٌ ، فتوجيهها إلى الصواب من وجوهها أولى.
* * *
__________
(1) في المطبوعة : " أو أجل غيره " ، استجلب " أو " مكان " واو " العطف ، فأفسد الكلام إفسادًا.

(11/112)


القول في تأويل قوله : { وَإِنْ تَسْأَلُوا عَنْهَا حِينَ يُنزلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ عَفَا اللَّهُ عَنْهَا وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ (101) }
قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره للذين نهاهم من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عن مسألة رسول الله صلى الله عليه وسلم عما نهاهم عن مسألتهم إياه عنه ، من فرائض لم يفرضها الله عليهم ، وتحليل أمور لهم يحلّلها لهم ، وتحريم أشياء لم يحرِّمها عليهم قبلَ نزول القرآن بذلك : أيها المؤمنون السائلون عما سألوا عنه رسولي مما لم أنزل به كتابًا ولا وحيًا ، لا تسألوا عنه ، فإنكم إن أظهر ذلك لكم تبيانٌ بوحي وتنزيل ساءكم ، لأن التنزيل بذلك إذا جاءكم إنما يجيئكم بما فيه امتحانكم واختباركم ، إما بإيجاب عمل عليكم ، ولزوم فرض لكم ، وفي ذلك عليكم مشقة ولزوم مؤونة وكلفة وإما بتحريم ما لو لم يأتكم بتحريمه وحي ، كنتم من التقدم عليه في فُسْحة وسَعة وإما بتحليل ما تعتقدون تحريمه ، وفي ذلك لكم مساءة لنقلكم عما كنتم ترونه حقًّا إلى ما كنتم ترونه باطلا ولكنكم إن سألتم عنها بعد نزول القرآن بها ، وبعد ابتدائكم ببيان أمرها في كتابي إلى رسولي إليكم ، (1) ليسَّر عليكم ما أنزلته إليه من بيان كتابي ، وتأويل تنزيلي ووحيي (2)
وذلك نظير الخبر الذي روي عن بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، الذي : -
12813 - حدثنا به هناد بن السري قال ، حدثنا أبو معاوية ، عن داود
__________
(1) في المطبوعة : " وبعد ابتدائكم شأن أمرها في كتابي " ، وهو كلام بلا معنى ، لم يحسن قراءة المخطوطة ، لا فيها : " سان " غير منقوطة ، فقرأها خلطأً.
(2) في المطبوعة " بين لكم ما أنزلته إليه من إتيان كتابي " ، وهي أيضًا كلام بلا معنى ، وكان في المخطوطة هكذا " لسس عليكم ما أنزلته إليه من اساي كتابي " ، وصواب قراءتها إن شاء الله هو ما أثبت.

(11/113)


بن أبي هند ، عن مكحول ، عن أبي ثعلبة الخشني قال : إن الله تعالى ذكره فرَض فرائض فلا تضيِّعوها ، ونهى عن أشياء فلا تَنْتَهِكوها ، وحدّ حدودًا فلا تعتدوها ، وعفا عن أشياء من غير نسيان فلا تبحثوا عنها. (1)
12814 - حدثنا هناد قال ، حدثنا ابن أبي زائدة قال ، أخبرنا ابن جريج ، عن عطاء قال : كان عبيد بن عمير يقول : إن الله تعالى أحلّ وحرَّم ، فما أحلّ فاستحلُّوه ، وما حرَّم فاجتنبوه ، وترك من ذلك أشياء لم يحلها ولم يحرمها ، فذلك عفو من الله عفاه. ثم يتلو : " يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم " .
12815 - حدثنا ابن المثنى قال ، حدثنا الضحاك قال ، أخبرنا ابن جريج قال ، أخبرني عطاء ، عن عبيد بن عمير أنه كان يقول : إنّ الله حرّم وأحلَّ ، ثم ذكر نحوه.
* * *
وأما قوله : " عفا الله عنها " فإنه يعني به : عفا الله لكم عن مسألتكم عن الأشياء التي سألتم عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي كره الله لكم مسألتكم إياه عنها ، أن يؤاخذكم بها ، أو يعاقبكم عليها ، إن عرف منها توبتكم وإنابتكم (2) " والله غفورٌ " ، يقول : والله ساتر ذنوب من تاب منها ، فتارك أن يفضحه في الآخرة " حليم " [ذو أناة عن ] أن يعاقبه بها ، لتغمده التائبَ منها برحمته ، وعفوه ، عن عقوبته عليها. (3)
* * *
__________
(1) الأثر : 12813 - هذا الخبر ، رواه أبو جعفر موقوفًا على أبي ثعلبة الخشني ، وخرجه السيوطي في الدر المنثور 2 : 336 مرفوعًا ، ونسبه لابن المنذر ، والحاكم وصححه. وذكره ابن كثير في تفسيره 3 : 252 فقال : " وفي الحديث الصحيح أيضًا " ، ولم أستطع أن أجده في المستدرك ، أو غيره من الكتب الصحاح.
(2) في المطبوعة والمخطوطة : " إن عرف " ، والسياق يقتضي : " إذ " .
(3) انظر تفسير " غفور " فيما سلف من فهارس اللغة وتفسير " حليم " فيما سلف 5 : 117 ، 521/ 7 : 327 وزدت ما بين القوسين من تفسير أبي جعفر السالف ، فإن الكلام بغير ذلك أو شبهه غير مستقيم كل الاستقامة.

(11/114)


قَدْ سَأَلَهَا قَوْمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ ثُمَّ أَصْبَحُوا بِهَا كَافِرِينَ (102)

وبنحو الذي قلنا في ذلك ، روي الخبر عن ابن عباس الذي ذكرناه آنفًا. وذلك ما : -
12816 - حدثني به محمد بن سعد قال ، حدثني أبي قال ، حدثني عمي قال ، حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس : " لا تسألوا عن أشياء " ، يقول : لا تسألوا عن أشياء إن نزل القرآن فيها بتغليظ ساءكم ذلك ، ولكن انتظروا ، فإذا نزل القرآن فإنكم لا تسألون عن شيء إلا وجدتم تبيانه. (1)
* * *
القول في تأويل قوله : { قَدْ سَأَلَهَا قَوْمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ ثُمَّ أَصْبَحُوا بِهَا كَافِرِينَ (102) }
قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره : قد سأل الآيات قومٌ من قبلكم ، فلما آتاهموها الله أصبحوا بها جاحدين ، منكرين أن تكون دلالة على حقيقة ما احتُجَّ بها عليهم ، وبرهانًا على صحة ما جُعلت برهانًا على تصحيحه كقوم صالح الذين سألوا الآيةَ ، فلما جاءتهم الناقة آيةً عقروها وكالذين سألوا عيسى مائدة تنزل عليهم من السماء ، فلما أعطوها كفروا بها ، وما أشبه ذلك.
فحذَّر الله تعالى المؤمنين بنبيه صلى الله عليه وسلم أن يسلكوا سبيل من قبلهم من الأمم التي هلكت بكفرهم بآيات الله لما جاءتهم عند مسألتهموها ، فقال لهم : لا تسألوا الآيات ، ولا تبحثوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم ، فقد سأل الآيات من قبلكم قومٌ ، فلما أوتوها أصبحوا بها كافرين ، كالذي : -
__________
(1) الأثر : 12816 - هو بعض الأثر السالف رقم : 12808.

(11/115)


مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلَا سَائِبَةٍ وَلَا وَصِيلَةٍ وَلَا حَامٍ وَلَكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَأَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ (103)

12817 - حدثني محمد بن سعد قال ، حدثني أبي قال ؛ حدثني عمي قال ، حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس : " يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم " ، نهاهم أن يسألوا عن مثل الذي سألت النصارى من المائدة ، فأصبحوا بها كافرين ، فنهى الله عن ذلك. (1)
12818 - حدثني محمد بن الحسين قال ، حدثنا أحمد بن مفضل قال ، حدثنا أسباط ، عن السدي : " قد سألها قوم من قبلكم " ، قد سأل الآيات قوم من قبلكم ، وذلك حين قيل له : غيِّر لنا الصَّفا ذهبًا.
* * *
القول في تأويل قوله : { مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلا سَائِبَةٍ وَلا وَصِيلَةٍ وَلا حَامٍ }
قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره : ما بحر الله بحيرة ، ولا سيَّب سائبة ، ولا وصل وصيلة ، ولا حَمَى حاميًا ولكنكم الذين فعلتم ذلك ، أيها الكفرة ، فحرَّمتموه افتراء على ربكم ، كالذي : -
12819 - حدثني محمد بن عبد الله بن عبد الحكم قال ، حدثني أبي وشعيب بن الليث ، عن الليث ، عن ابن الهاد وحدثني يونس قال ، حدثنا عبد الله بن يوسف قال ، حدثني الليث قال ، حدثني ابن الهاد ، عن ابن شهاب ، عن سعيد بن المسيب ، عن أبي هريرة قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " رأيت عمرو بن عامر الخزاعي يجرُّ قُصْبَه في النار ، وكان أول من سيَّب السُّيَّب " . (2)
__________
(1) الأثر : 12817 - هو بعض الأثر السالف رقم : 12808.
(2) الأثر : 12819 - رواه أبو جعفر بإسنادين : أولهما " محمد بن عبد الله بن عبد الحكم بن أعين المصري " ، ثقة مضى برقم : 2377.
وأبوه : " عبد الله بن عبد الحكم بن أعين " ، الفقيه المصري ، ثقة ، مترجم في التهذيب ، و " شعيب بن الليث بن سعد بن عبد الرحمن الفهمي المصري " ، ثقة ، مضى برقم : 3034 ، 5314
وأبوه " الليث بن سعد " الإمام الجليل القدر ، مضى برقم : 186 ، 187 ، 2072 ، 2584 ، 9507.
و " ابن الهاد " هو : " يزيد بن الهاد " منسوبا إلى جده ، وهو : " يزيد بن عبد الله بن أسامة بن الهاد " ثقة ، مضى برقم : 2031 ، 3034 ، 4314.
وأما الإسناد الثاني فتفسيره :
" يونس " هو " يونس بن عبد الأعلى الصدفي " ثقة مضى برقم : 1679 ، 3503 وغيرها.
و " عبد الله بن يوسف التنيسي الكلاعي " ثقة من شيوخ البخاري. مترجم في التهذيب.
وخبر أبي هريره هذا ، من طريق الليث بن سعد ، عن يزيد بن الهاد عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب ، عن أبي هريرة رواه أحمد في المسند رقم : 8773 ، وأشار إليه البخاري في صحيحه (الفتح 8 : 214) وقد رواه قبل من طريق صالح بن كيسان عن ابن شهاب ، عن سعيد ، ورواه أحمد قبل ذلك منقطعا رقم : 7696 ، من طريق عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن أبي هريرة وقد استوفى أخي السيد أحمد في شرحه بيان ذلك. وأما مسلم فقد رواه في صحيحه 17 : 189 من طريق صالح بن كيسان ، عن ابن شهاب عن سعيد.
وذكره ابن كثير في تفسيره 3 : 253 ، وذكر رواية البخاري الآنفة : " قال الحاكم : أراد البخاري أن يزيد بن عبد الله بن الهاد رواه عن عبد الوهاب بن بخت ، عن الزهري هكذا حكاه شيخنا أبو الحجاج المزي في الأطراف ، وسكت ولم ينبه عليه قال ابن كثير : وفيما قاله الحاكم نظر ، فإن الإمام أحمد وأبا جعفر بن جرير روياه من حديث الليث بن سعد عن ابن الهاد عن الزهري نفسه ، والله أعلم " . وتفسير كلام ابن كثير أن ابن الهاد قد ثبت سماعه من الزهري. ولم يبين هو ما أراد أبو الحجاج بما قال ولم يفسره. ولم يشر الحافظ ابن حجر في الفتح (8 : 214) إلى شيء مما قاله المزي.
وأما " القصب " (بضم فسكون) : هي الأمعاء كلها. وأما قوله : " سيب السيب " فإن " سيب الدابة أو الناقة أو الشيء " : تركه يسيب حيث شاء ، أي يذهب حيث شاء. وأما " السيب " (بضم السين وتشديد الياء المفتوحة) فهو جمع " سائبة " على مثال " نائحة ونوح " و " نائم ونوم " كما سلف في تعليقي على الأثر رقم : 10447 ، وشاهده رواه ابن هشام في سيرته هذا البيت (1 : 93) : حَوْلَ الوَصَائِل فِي شُرَيْفٍ ... حِقَّةٌ وَالحَامِيَاتُ ظُهُورُها
وَالسُّيَّبُ وتجمع " سائبة " أيضًا على " سوائب " وهو القياس. وقد جاء في إحدى روايتي صحيح مسلم (17 : 189) : " أول من سيب السيوب " (بضم السين والياء) وقال القاضي عياض في مشارق الأنوار : " أول من سيب السوائب ، وفي الرواية الأخرى : أول من سيب السيوب " ، ولم يبين ذلك. وبيانه أن " السيوب " جمع " سيب " (بفتح فسكون) مصدر سميت به " السائبة " وقد جاء في حديث عبد الرحمن بن عوف في يوم الشورى : " وإن الحيلة بالنطق أبلغ من السيوب في الكلم " وفسروه تفسيرين ، الأول ما في لسان العرب : " السيوب : ما سيب وخلى فساب أي ذهب " والآخر ما قاله الزمخشري في الفائق : " السيوب مصدر : ساب كان قياسا جمع " سائب " و " سائبة " على " سيوب " فإن ما جاء مصدره على " فعول " كان جمع " فاعل " منه على " فعول " مثل " شاهد وشهود " و " قاعد وقعود " و " حاضر وحضور " وقد ذكرت ذلك في تعليق سالف وانظر شرح الشافية 2 : 158. فهذا تفسير ما أغفله القاضي عياض ، والنووي في شرح صحيح مسلم.
وكان في المطبوعة : " أول من سيب السائبة " ، غير ما في المخطوطة وهو اطراح سيئ لأمانة العلم!! وكتبه محمود محمد شاكر.

(11/116)


12820 - حدثنا هناد بن السري قال ، حدثنا يونس بن بكير قال ، حدثنا

(11/117)


محمد بن إسحاق قال ، حدثني محمد بن إبراهيم بن الحارث ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لأكثم بن الجون : يا أكثم ، رأيتُ عمرو بن لُحيّ بن قَمَعَة بن خِنْدف يجرّ قُصْبه في النار ، فما رأيت رجلا أشبه برجل منك به ، ولا به منك! فقال أكثم : عسَى أن يضرّني شبهه ، يا رسول الله! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا إنك مؤمن وهو كافر ، إنه أوّل من غيَّر دين إسماعيل ، وبحر البحيرة ، وسيَّب السائبة ، وحمى الحامي " . (1)
12821 - حدثنا هناد قال ، حدثنا يونس قال ، حدثني هشام بن سعد ، عن زيد بن أسلم ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : قد عرفت أوّلَ من بَحَر البحائر ، رجلٌ من مُدْلج كانت له ناقتان ، فجدَع آذانهما ، وحرّم ألبانهما وظهورَهما ، وقال : هاتان لله! ثم احتاج إليهما ، فشرب ألبانهما ، وركب ظهورهما. قال : فلقد رأيته في النار يؤذِي أهل النار ريح قُصْبه. (2)
12822 - حدثنا هناد قال ، حدثنا عَبْدة ، عن محمد بن عمرو ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : عُرِضت عليَّ النار ، فرأيت فيها عمرو بن فلان بن فلان بن خندف يجرّ قصْبه في النار ، وهو أوّل من غيَّر دين إبراهيم ، وسيب السائبة ، وأشبه من رأيت به أكثم بن الجون! فقال أكثم : يا رسول الله ، أيضرني شبهه ؟ قال : " لا لأنك مُسلم ، وإنه كافر " . (3)
__________
(1) الأثر : 12820 - " محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي " روى له أصحاب الكتب الستة ، تابعي ثقة كثير الحديث مضى برقم : 4249.
و " أبو صالح " هو : " ذكوان السمان " ، تابعي ثقة. مضى مرارًا.
وأما " محمد بن إسحق " ، صاحب السيرة ، فقد مضى توثيق أخي السيد أحمد له في رقم : 221 وفي غيره من كتبه.
وهذا الخبر ساقه ابن كثير في تفسيره 3 : 254 ، هو ورقم : 12822 ، وفي البداية والنهاية 2 : 189 ، ثم قال " وليس هذان الطريقان في الكتب من هذا الوجه " يعني الصحاح وإلا فإن هذا الخبر ثابت بإسناد محمد بن إسحق في سيرة ابن هشام 1 : 78 ، 79 وذكره ابن عبد البر في الاستيعاب بغير إسناد ص : 55 وذكره ابن الأثير بإسناده 1 : 123 ، 124 ، وابن حجر في الإصابة (ترجمة : أكثم بن الجون) ونسبه لابن أبي عروبة وابن مندة من طريق ابن إسحق وخرجه السيوطي في الدر المنثور 2 : 338 فخلط في تخريجه تخليطا شديدا فقال : " أخرج ابن أبي شيبة ، وابن جرير وابن مردويه والحاكم وصححه " وإنما ذلك رقم : 12822 ، الآتي بعد. وسيأتي هذا الخبر مطولا من طريق أخرى رقم : 12827 ، وهو إسناد أبي جعفر الثاني في رواية سيرة ابن إسحق.
وقوله : " عسى أن يضرني شبهه " يعني : لعله يضرني شبهه ، يتخوف أن يكون ذلك. وفي المطبوعة : " أخشى أن يضرني شبهه " وهو مخالف للرواية ، وإنما اختلط عليه خط ناسخ المخطوطة إذ كتبها مختلطة : " تحتي " كأنه أراد أن يكتب شيئًا ، ثم عاد عليه حتى صار " عسى " منقوطة وبمثل ما في المطبوعة ، جاءني في الدر المنثور. وكثرة مثل ذلك دلتني على أن هذه النسخة المخطوطة التي ننشرها هي التي وقعت في يد السيوطي ، والصواب ما أثبته من السيرة ، ومن نقل عنها.
وكان في المخطوطة أيضًا : " وحمى الحمى " ، وهو خطأ محض ، صوابه من مراجع هذا الخبر.
(2) الأثر : 12821 - " هشام بن سعد المدني " " يتيم زيد بن أسلم " كان من أوثق الناس عن زيد وهو ثقة ، وتكلم فيه بعضهم مضى برقم : 5490. وهذا خبر مرسل.
وسيأتي من طريق معمر ، عن زيد بن أسلم برقم : 12824.
(3) الأثر : 12822 - " عبدة " هو " عبدة بن سليمان الكلابي " ثقة مضى قريبا برقم : 12729. وكان في المطبوعة والمخطوطة : " عبيدة " وهو خطأ صوابه في تفسير ابن كثير.
و " محمد بن عمرو بن علقمة بن وقاص الليثي " و " أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف " مضيا أيضًا في مثل هذا الإسناد رقم : 12729 وهذا إسناد رجاله ثقات.
وهذا الخبر رواه الحاكم في المستدرك 4 : 605 ، من طريق أبي حاتم الرازي ، عن محمد ابن عبد الله الأنصاري عن محمد بن عمرو وفيه " فرأيت فيها عمرو بن لحي بن قمعة بن خندف " مصرحا ثم قال : " وهذا حديث صحيح على شرط مسلم ، ولم يخرجاه " ووافقه الذهبي.
وقد مر بك أن ابن كثير قال في تفسيره 3 : 254 والبداية والنهاية 2 : 189 ، أنه ليس في الكتب يعني الصحاح ولم يزد.
وأما الحافظ ابن حجر فخرجه في الإصابة (ترجمة أكثم بن الجون) من طريق أحمد بن حنبل ، عن محمد بن بشر العبدي ، عن محمد بن عمرو ، عن أبي سلمة ، بمثله ثم أشار إلى طريق الحاكم في المستدرك. ولكن أعياني أن أجد خبر أحمد في المسند.
وأما الإمام الحافظ أبو محمد بن حزم فقد رواه في كتاب جمهرة الأنساب ص : 223 من طريق علي بن عمر الدارقطني عن الحسين بن إسمعيل القاضي المحاملي عن سعيد بن يحيى الأموي عن أبيه عن محمد بن عمرو. ثم قال أبو محمد بعد سياقه أحاديث البخاري ومسلم وهذا الحديث وهي أربعة هذا ثالثها : " أما الحديث الأول والثالث والرابع ، ففي غاية الصحة والثبات " فحكم لهذا الخبر بالصحة.
وفي المطبوعة هنا : " عمرو بن فلان بن فلان بن فلان بن خندف " " فلان " ثلاث مرات وهو مخالف لما في المخطوطة ، وخطأ بعد ذلك فإن ما بين " عمرو " و " خندف " اثنان لا ثلاثة. وهكذا في المخطوطة والمطبوعة : " لا لأنك مسلم " ولولا اتفاقهما لرجحت أن تكون : " لا إنك مسلم " كما في رواية غيره.

(11/118)


12823 - حدثنا الحسن بن يحيى قال ، أخبرنا عبد الرزاق قال : رأيت عمرو بن عامر الخزاعيّ يجرّ قُصْبه في النار ، وهو أوّل من سيّب السوائب. (1)
12824 - حدثنا الحسن بن يحيى قال ، أخبرنا عبد الرزاق قال ، أخبرنا معمر ، عن زيد بن أسلم قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إني لأعرف أوّل من سيب السوائب ، وأوّل من غيَّر عهد إبراهيم! قالوا : من هو ، يا رسول الله ؟ قال : عمرو بن لُحَيّ أخو بني كعب ، لقد رأيته يجرّ قُصْبه في النار ، يؤذي ريحه أهل النار. وإني لأعرف أوّل من بحر البحائر! قالوا : من هو ، يا رسول الله ؟ قال : رجل من بني مدلج ، كانت له ناقتان ، فجدع آذانهما ، وحرّم ألبانهما ، ثم شرب ألبانهما بعدَ ذلك ، فلقد رأيته في النار هو ، وهما يعضّانه بأفواههما ، ويخبطانه بأخفافهما. (2)
__________
(1) الأثر : 12823 - هذا خبر مرسل كما ترى ، لم يرفعه عبد الرزاق.
(2) الأثر : 12824 - هذا أيضًا خبر مرسل ، وهو طريق أخرى للخبر السالف رقم : 12821. وقد ذكره الحافظ ابن حجر في الفتح (8 : 214 ، 215) ثم قال : " والأول أصح " ، يعني ذكر هذا الرجل من بني مدلج ، أنه أول من بحر البحائر ، وأن الصواب ما جاء في الأخبار الصحاح قبل ، أنه عمرو بن لحي.
و " بنو مدلج " هم بنو مدلج بن مرة بن عبد مناة بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن اليأس ابن مضر بن نزار بن معد ليسوا من قريش. وكانت فيهم القيافة والعيافة ، منهم " مجزز المدلجي " الذي سر النبي صلى الله عليه وسلم بقيافته (جمهرة الأنساب : 176 ، 177).

(11/120)


و " البحيرة " الفعيلة من قول القائل : " بَحَرْت أُذن هذه الناقة " ، إذا شقها ، " أبحرُها بحرًا " ، والناقة " مبحورة " ، ثم تصرف " المفعولة " إلى " فعيلة " ، فيقال : " هي بحيرة " . وأما " البَحِرُ " من الإبل فهو الذي قد أصابه داءٌ من كثرة شرب الماء ، يقال منه : " بَحِر البعيرُ يبحر بَحَرًا " ، (1) ومنه قول الشاعر : (2)
لأعْلِطَنَّهُ وَسْمًا لا يُفَارَقُهُ ... كَمَا يُحَزُّ بِحَمْيِ المِيسَمِ البَحِرُ (3)
وبنحو الذي قلنا في معنى " البحيرة " ، جاء الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
12825 - حدثنا عبد الحميد بن بيان قال ، أخبرنا محمد بن يزيد ، عن إسماعيل بن أبي خالد ، عن أبي إسحاق ، عن أبي الأحوص ، عن أبيه قال : دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : (4) أرأيت
__________
(1) هذه على وزن " فرح يفرح فرحًا " .
(2) أعياني أن أجد قائله.
(3) سيأتي في التفسير 29 : 19 (بولاق) لسان العرب (بحر). " علط البعير يعلطه علطًا " وسمه بالعلاط. و " العلاط " (بكسر العين) : سمة في عرض عنق البعير ، فإذا كان في طول العنق فهو " السطاع " (بكسر السين). هذا تفسير اللغة أنه في العنق وأما أبو جعفر الطبري فقد قال في تفسيره (29 : 19) " والعرب تقول : والله لأسمنك وسما لا يفارقك يريدون الأنف " ثم ذكر البيت وقال : " والنجر " : داء يأخذ الإبل فتكوى على أنوفها. وذكر هناك بالنون والجيم كما أثبته وله وجه سيأتي إلا أني أخشى أن يكون الصواب هناك ، كما هو هنا بالباء والحاء ، وقوله : " بحمى الميسم " . يقال : " حمى المسمار حميا وحموا " : سخن في النار و " أحميت المسمار في النار إحماء " . و " الميسم " المكواة التي يوسم بها الدواب. وأما " البحر " فقد فسره أبو جعفر ولكن الأزهري قال : " الداء الذي يصيب البعير فلا يروى من الماء هو النجر بالنون والجيم ، والبجر بالباء والجيم وأما البحر : فهو داء يورث السل " .
وهذا البيت في هجاء رجل وإيعاده بالشر شرا يبقى أثره.
وكان في المطبوعة : " لأعطنك " بالكاف في آخره والصواب من المخطوطة ومما سيأتي في المطبوعة من التفسير (29 : 19) ومن لسان العرب.
(4) في المطبوعة ، أسقط " له " وهي ثابته في المخطوطة : وهي صواب.

(11/121)


إبلك ألست تنتجها مسلَّمةً آذانُها ، فتأخذ الموسى فتجْدَعها ، تقول : " هذه بحيرة " ، وتشق آذانها ، تقولون : " هذه صَرْم " ؟ قال : نعم! قال : فإن ساعدَ الله أشدّ ، وموسَى الله أحدَ! كلّ مالك لك حلالٌ ، لا يحرَّم عليك منه شيء. (1)
12826 - حدثنا محمد بن المثنى قال ، حدثنا محمد بن جعفر قال ، حدثنا شعبة ، عن أبي إسحاق قال ، سمعت أبا الأحوص ، عن أبيه قال أتيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : هل تُنتَجُ إبل قومك صحاحًا آذانُها ، فتعمد إلى الموسَى فتقطع آذانها فتقول : " هذه بُحْرٌ " ، وتشقها أو تشق جلودها فتقول : " هذه صُرُمٌ " ، فتحرّمها عليك وعلى أهلك ؟ قال : نعم! قال : فإن ما آتاك الله لك حِلّ ، وساعد الله أشدّ ، وموسى الله أحدّ وربما قال : ساعدُ الله أشد من ساعدك ، وموسى الله أحدّ من موساك. (2)
__________
(1) الأثر : 12825 - هذا الخبر رواه أبو جعفر بإسنادين هذا والذي يليه. " عبد الحميد بن بيان القناد " شيخ أبي جعفر ، مضى مرارا.
و " محمد بن يزيد الكلاعي " الواسطي وثقه أحمد وهو من شيوخه مضى برقم : 11408.
و " إسمعيل بن أبي خالد الأحمسي " ثقة مضى برقم : 5694 ، 5777.
و " أبو إسحق " هو السبيعي الإمام. مضى مرارا.
و " أبو الأحوص " هو : " عوف بن مالك بن نضلة الجشمي " تابعي ثقة ، مضى برقم : 6172.
وأبوه : " مالك بن نضلة بن خديج الجشمي " ويقال : " مالك بن عوف بن نضلة " وبهذا ترجمه ابن سعد في الطبقات 6 : 17. وأما في التاريخ الكبير للبخاري 4/1/303 ، فإني رأيت فيه : " مالك بن يقظة الخزاعي والد أبي الأحوص له صحبة " . و " أبو الأحوص " المشهور هو " عوف بن مالك بن نضلة " فظني أن الذي في التاريخ خطأ فإني لم أجد هذا الاسم في الصحابة فيكون فيه خطأ في " يقظة " وهو " نضلة " وفي " الخزاعي " وهو : " الجشمي " والله أعلم.
وهذا الخبر جاء في المخطوطة كما أثبته وفي المطبوعة : " وتشق آذانها وتقول " بالإفراد فأثبت ما في المخطوطة.
وقوله : " مسلمة آذانها " أي : سليمة صحاحًا. وسأشرح ألفاظه في آخر الخبر الآتي وما كان من الخطأ في المطبوعة والمخطوطة في " صرم " بعد تخريجه هناك.
(2) الأثر : 12826 - هذا الخبر ، مكرر الذي قبله.
*رواه من طريق شعبة ، عن أبي إسحق مطولا أبو داود الطيالسي في مسنده : 184 رقم : 1303.
*ورواه أحمد في المسند عن طريق محمد بن جعفر عن شعبة عن أبي إسحق ثم من طريق عفان عن شعبة في المسند 3 : 473.
*ورواه البيهقي في السنن الكبرى 10 : 10 من طريق عبد الرزاق عن معمر عن أبي إسحق.
*وخرجه ابن كثير في تفسيره من رواية ابن أبي حاتم 3 : 256 مطولا ولم ينسبه إلى غيره.
*وخرجه السيوطي في الدر المنثور 2 : 337 مطولا جدًا ونسبه إلى أحمد ، وعبد بن حميد والحكيم الترمذي في نوادر الأصول وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في الأسماء والصفات. أما لفظه عند السيوطي فلا أدري لفظ من يكون ، فإنه ليس لفظ من ذكرت آنفا تخريج الخبر من كتبهم.
*ثم رواه أحمد في المسند 4 : 136 ، 137 من طريق سفيان بن عيينة عن أبي الزعراء عمرو ابن عمرو عن عمه أبي الأحوص عن أبيه بلفظ آخر مختلف كل الاختلاف.
*وهذا شرح غريب هذين الخبرين. " نتج الناقة ينتجها نتجا " (على وزن : ضرب) : إذا تولى نتاجها أي ولادها. وأما قوله في الخبر الثاني : " هل تنتج إبل قومك " فهو بالبناء للمجهول. يقال : " نتجت الناقة تنتج " (بالبناء للمجهول) : إذا ولدت.
*و " جدع الأنف والأذن والشفة " : إذا قطع بعض ذلك. وأما قوله : " هذه صرم " فقد كتبت في المخطوطة والمطبوعة في الخبرين " حرم " بالحاء وكذلك وقع في تفسير ابن كثير ، والصواب من المراجع التي ذكرتها ومن بيان كتب اللغة في تفسير هذا الخبر.
*وتقرأ " صرم " في الخبر الأول بفتح فسكون و " الصرم " القطع سماها المصرومة بالمصدر كما يدل على صواب ذلك من قراءته ما جاء في شرح اللفظ في لسان العرب مادة (صرب). وأما في الخبر الثاني فإن قوله : " هذه بحر " (بضم الباء والحاء) جمع " بحيرة " وقوله : " هذه صرم " (بضم الصاد والراء) جمع " صريمة " وهي التي قطعت أذنها وصرمت. وهذا صريح ما قاله صاحب اللسان في مادتي " صرم " و " صرب " والزمخشري في الفائق " صرب " وروى أحمد في المسند 4 : 136 ، 137 : " صرماء " ولم تشر إليها كتب اللغة. وأما الومخشري وصاحب اللسان فقد رويا : " وتقول : صربى " (على وزن سكرى). وقال في تفسيرها : كانوا إذا جدعوا البحيرة أعفوها من الحلب إلا للضيف فيجتمع اللبن في ضرعها من قولهم : " صرب اللبن في الضرع " : إذا حقنه لا يحلبه. ورويا أنه يقال إن الباء مبدلة من الميم كقولهم " ضربة لازم ، ولازب " ، وأنه أصح التفسيرين.

(11/122)


وأما " السائبة " : فإنها المسيَّبة المخلاة. وكانت الجاهلية يفعل ذلك أحدهم ببعض مواشيه ، فيحرِّم الانتفاع به على نفسه ، كما كان بعض أهل الإسلام يعتق عبدَه سائبةً ، فلا ينتفع به ولا بولائه. (1)
__________
(1) انظر تفسير " السائبة " فيما سلف 3 : 386 تعليق : 1.

(11/123)


وأخرجت " المسيَّبة " بلفظ " السائبة " ، كما قيل : " عيشة راضية " ، بمعنى : مرضية.
* * *
وأما " الوصيلة " ، فإن الأنثى من نَعَمهم في الجاهلية كانت إذا أتأمت بطنًا بذكر وأنثى ، قيل : " قد وصلت الأنثى أخاها " ، بدفعها عنه الذبح ، فسمَّوها " وَصيلة " .
* * *
وأما " الحامي " ، فإنه الفحل من النعم يُحْمَى ظهره من الركوب والانتفاع ، بسبب تتابُعِ أولادٍ تحدُث من فِحْلته.
* * *
وقد اختلف أهل التأويل في صفات المسميات بهذه الأسماء ، وما السبب الذي من أجله كانت تفعل ذلك.
* ذكر الرواية بما قيل في ذلك :
12827 - حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا سلمة بن الفضل ، عن ابن إسحاق ، (1) عن محمد بن إبراهيم بن الحارث التيميّ : أن أبا صالح السمان حدّثه : أنه سمع أبا هريرة يقول : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لأكثم بن الجون الخزاعيّ : يا أكثم ، رأيت عمرو بن لحي بن قمعة بن خندف يجرّ قُصْبه في النار ، فما رأيت من رجل أشبه برجل منك به ، ولا به منك! (2) فقال أكثم : أيضرّني شبهه يا نبيّ الله ؟ قال : لا إنك مؤمن وهو كافر ، (3) وإنه كان أوّل من غيَّر دين إسماعيل ، ونصب الأوثان ، وسيَّب السائبَ فيهم. (4)
__________
(1) في المطبوعة والمخطوطة : " عن أبي إسحق " وهو خطأ محض كما ترى في تخريجه.
(2) مضى في الأثر : 12820 ، " فما رأيت رجلا " وهذه رواية أخرى.
(3) في المطبوعة : " لا لأنك مسلم " غيرها وهي في المخطوطة وابن هشام كما أثبتها.
(4) في المطبوعة : " سيب السوائب فيهم " وأثبت ما في المخطوطة وإن كان الناسخ كتب " السائب فيهم " وصوابه من سيرة ابن هشام.
وهذا الشطر من الخبر هو حديث أبي هريرة وقد مضى آنفًا برقم : 12820 ومضى تخريجه هناك. أما الشطر الثاني الذي وضعته في أول السطر فإنه من كلام ابن إسحق نفسه ، كما سترى في التخريج.

(11/124)


وذلك أن الناقة إذا تابعت بين عشرإناث ليس فيها ذكر ، (1) سُيِّبت فلم يركب ظهرها ، ولم يجزَّ وبرها ، ولم يشرَب لبنها إلا ضيف. فما نتجت بعد ذلك من أنثى شُقّ أذنها ، ثم خلّى سبيلها مع أمها في الإبل ، فلم يركب ظهرها ، ولم يجزّ وبرها ، ولم يشرب لبنها إلا ضيف كما فعل بأمها ، فهي " البحيرة " ابنة " السائبة " .
و " الوصيلة " ، أن الشاة إذا نَتَجت عشر إناث متتابعات في خمسة أبطن ليس فيهن ذكر ، جعلت " وصيلة " ، قالوا : " وصلت " ، فكان ما وَلدت بعد ذلك للذكور منهم دون إناثهم ، (2) إلا أن يموت منها شيء فيشتركون في أكله ، ذكورُهم وإناثهم (3) .
و " الحامي " أنّ الفحل إذا نُتِج له عشر إناث متتابعات ليس بينهن ذكرٌ ، حمي ظهره ولم يركب ، ولم يجزّ وبره ، ويخلَّى في إبله يضرب فيها ، لا ينتفع به بغير ذلك. يقول الله تعالى ذكره : " ما جعل الله من بحيرة ولا سائبة ولا وصيلة ولا حام " إلى قوله : " ولا يهتدون " .
__________
(1) في المطبوعة والمخطوطة : " إذاتابعت ثنتي عشرة إناثا ليس فيهما ذكر " إلا أن في المخطوطة : " ليس فيهم " وهما خطأ محض ، وصواب هذه العبارة هو ما أثبته من سيرة ابن هشام وغيرها إلا أنني جعلت " فيهن " مكان " بينهن " في سيرة ابن هشام لما سيأتي بعد في الخبر " فيهن " مكان " بينهن " فيما يقابلها من سيرة ابن هشام.
(2) الأثر : 12827 - صدر هذا الخبر إلى قوله : " سيب السائب فيهم " هو حديث أبي هريرة السالف رقم : 12820 ، وهو في سيرة ابن هشام 1 : 78 ، 79 ، وقد خرجته هناك.
وأما الشطر الثاني إلى آخر الخبر ، فهو من كلام ابن إسحق وهو في سيرة ابن هشام 1 : 91 ، 92.
(3) في المطبوعة : لذكورهم دون إناثهم ، وفي المخطوطة : لذكورهم بينهم ، غير منقوطة والصواب من سيرة ابن هشام.

(11/125)


12828 - حدثنا ابن بشار قال ، حدثنا عبد الرحمن قال ، حدثنا سفيان ، عن الأعمش ، عن أبي الضحى ، عن مسروق في هذه الآية : " ما جعل الله من بحيرة ولا سائبة ولا وصيلة ولا حام " قال أبو جعفر : سقط عليّ فيما أظنّ كلام منه قال : فأتيت علقمة فسألتُه ، فقال : ما تريد إلى شيء كانت يَصنعه أهل الجاهلية. (1)
12829 - حدثني يحيى بن إبراهيم المسعوديّ قال ، حدثنا أبي ، عن أبيه ، عن جده ، عن الأعمش ، عن مسلم قال : أتيت علقمة ، فسألته عن قول الله تعالى : " ما جعل الله من بحيرة ولا سائبة ولا وصيلة ولا حامٍ " ، فقال : وما تصنع بهذا ؟ إنما هذا شيء من فعل الجاهلية! قال : فأتيت مسروقًا فسألته ، فقال : " البحيرة " ، كانت الناقة إذا ولدت بطنًا خمسًا أو سبعًا ، شقوا أذنها ، وقالوا : " هذه بحيرة " قال : " ولا سائبة " ، قال : كان الرجل يأخذ بعضَ ماله فيقول : " هذه سائبة " قال : " ولا وصيلة " ، قال : كانوا إذا ولدت الناقة الذكر أكله الذكور دون الإناث ، وإذا ولدت ذكرًا وأنثى في بطن قالوا : " وصلت أخاها " ، فلا يأكلونهما. قال : فإذا مات الذكر أكله الذكور دون الإناث قال : " ولا حام " ، قال : كان البعير إذا وَلد وولد ولده ، قالوا : " قد قضى هذا الذي عليه " ، فلم ينتفعوا بظهره. قالوا : " هذا حمًى " . (2)
__________
(1) في المطبوعة : " كانت تصنعه " والصواب من المخطوطة.
(2) الأثر : 12829 - " يحيى بن إبراهيم المسعودي " شيخ الطبري هو : " يحيى ابن إبراهيم بن محمد بن أبي عبيدة المسعودي " مضى برقم : 84 ، 5379 ، 8811 ، 9744.
وأبوه : " إبراهيم بن محمد بن أبي عبيدة المسعودي " مضى برقم : 84 ، 5379 ، 8811 ، 9744.
وأبوه " محمد بن أبي عبيدة المسعودي " مضى في ذلك أيضا.
وجده " أبو عبيدة بن معن المسعودي " مضى أيضًا.
وكان في المطبوعة هنا : " هذا حام " وأثبت ما في المخطوطة.

(11/126)


12830 - حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا محمد بن عبيد ، عن الأعمش ، عن مسلم بن صبيح قال : سألت علقمة عن قوله : " ما جعل الله من بحيرة ولا سائبة " ، قال : ما تصنع بهذا ؟ هذا شيء كان يفعله أهل الجاهلية.
12831 - حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا يحيى بن يمان ، ويحيى بن آدم ، عن إسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن أبي الأحوص : " ما جعل الله من بحيرة " ، قال : البحيرة : التي قد ولت خمسة أبطن ثم تركت.
12832 - حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا جرير بن عبد الحميد ، عن مغيرة ، عن الشعبي : " ما جعل الله من بحيرة " . قال : البحيرة ، المخضرمة (1) " ولا سائبة " ، والسائبة : ما سُيِّب للعِدَى (2) و " الوصيلة " ، إذا ولدت بعد أربعة أبطن فيما يرى جرير ثم ولدت الخامس ذكرًا وأنثى ، وصلتْ أخاها و " الحام " ، الذي قد ضرب أولادُ أولاده في الإبل.
12833 - حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا جرير ، عن مغيرة ، عن الشعبي ، بنحوه إلا أنه قال : و " الوصيلة " التي ولدت بعد أربعة أبطن ذكرًا وأنثى ، قالوا : " وصلت أخاها " ، وسائر الحديث مثل حديث ابن حميد.
__________
(1) " المخضرمة " من النوق والشاء المقطوعة نصف الأذن أو طرف الأذن أو المقطوعة إحدى الأذنين وهي سمة الجاهلية. وفي الحديث : " خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم النحر على ناقة مخضرمة " .
(2) " العدي " (بكسر العين ودال مفتوحة) : الغرباء يعني الأضياف كما جاء في سائر الأخبار. هكذا هي في المخطوطة " العدي " أما المطبوعة ففيها : " للهدي " وهو تحريف وخطأ محض. ولو كان في كتابة الناسخ خطأ فأقرب ذلك أن تكون " للمعتري " يقال : " عراه يعروه واعتراه " إذا غشيه طالبا معروفه. ويقال : " فلان تعروه الأضياف وتعتريه " أي تغشاه وبذلك فسروا قول النابغة : أَتَيْتُكَ عَارِيًا خَلَقًا ثِيَابِيْ ... عَلَى خَوْفٍ تُظَنَّ بِيَ الظُّنُون
أي : ضيفًا طالبًا لرفدك.

(11/127)


12834 - حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا إسحاق الأزرق ، عن زكريا ، عن الشعبي : أنه سئل عن " البحيرة " ، فقال : هي التي تجدع آذانها. وسئل عن " السائبة " ، فقال : كانوا يهدون لآلهتهم الإبل والغنم فيتركونها عند آلهتهم ، فتذهب فتختلطُ بغنم الناس ، (1) فلا يشرب ألبانها إلا الرجال ، فإذا مات منها شيء أكله الرجال والنساء جميعًا.
12835 - حدثني محمد بن عمرو قال ، حدثنا أبو عاصم قال ، حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قول الله تعالى ذكره : " ما جعل الله من بحيرة " وما معها : " البحيرة " ، من الإبل يحرّم أهل الجاهلية وَبرها وظهرها ولحمها ولبنها إلا على الرجال ، فما ولدت من ذكر وأنثى فهو على هيئتها ، وإن ماتت اشترك الرجال والنساء في أكل لحمها. فإذا ضَرَب الجمل من ولد البحيرة ، (2) فهو " الحامي " . و " الحامي " ، اسمٌ. (3) و " السائبة " من الغنم على نحو ذلك ، إلا أنها ما ولدت من ولد بينها وبين ستة أولاد ، كان على هيئتها. فإذا ولدت في السابع ذكرًا أو أنثى أو ذكرين ، ذبحوه ، فأكله رجالهم دون نسائهم. وإن توأمت أنثى وذكرًا فهي " وصيلة " ، (4) لترك ذبح الذكر بالأنثى. (5) وإن كانتا أنثيين تركتا.
12836 - حدثني محمد بن سعد قال ، حدثني أبي قال ، حدثني عمي قال ،
__________
(1) في المطبوعة : " ... عند آلهتهم لتذبح فتخلط بغنم الناس " غير ما في المخطوطة فأفسد الكلام إفسادًا. وقوله : " فتذهب فتختلط " ذكرت في 7 : 457 تعليق : 6 أن العرب تجعل " ذهب " من ألفاظ الاستعانة التي تدخل على الكلام طلبا لتصوير حركة أو بيان فعل مثل قولهم : " قعد فلان لا يمر به أحد إلا سبه " لا يراد بهما معنى " الذهاب " و " القعود " ومثلهما كثير في كلامهم ثم انظر هذا ص : 250ن 251 ، تعليق : 1.
(2) " ضرب " من " الضراب " (بكسر الضاد) وهو سفاد الجمل الناقة ونزوه عليها.
(3) في المطبوعة حذف قوله : " والحامي اسم " لظنه أنه زيادة لا معنى لها. ولكنه أراد أن " الحامي " اسم لهذا الجمل من ولد البحيرة ، وليس باسم فاعل.
(4) قوله : " توأمت " هكذا جاء في المطبوعة والمخطوطة ولم أجدهم قالوا في ذلك المعنى إلا : " أتأمت المرأة وكل حامل " : إذا ولدت اثنين في بطن واحد. فهذا حرف لا أدري ما أقول فيه إلا أنه هكذا جاء هنا.
(5) في المطبوعة والمخطوطة : " ترك " بغير لام ، والذي أثبته أشبه عندي بالصواب.

(11/128)


حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس : " ما جعل الله من بحيرة ولا سائبة " ، فالبحيرة ، الناقة ، كان الرجل إذا ولدت خمسة أبطن ، فيعمد إلى الخامسة ، ما لم تكن سَقْبًا ، (1) فيبتك آذانها ، ولا يجزّ لها وبرًا ، ولا يذوق لها لبنًا ، فتلك " البحيرة " " ولا سائبة " ، كان الرجل يسيِّب من ماله ما شاء " ولا وصيلة " ، فهي الشاة إذا ولدت سبعًا ، عمد إلى السابع ، فإن كان ذكرًا ذبح ، وإن كانت أنثى تركت ، وإن كان في بطنها اثنان ذكر وأنثى فولدتهما ، قالوا : " وصلت أخاها " ، فيتركان جميعًا لا يذبحان. فتلك " الوصيلة " وقوله : " ولا حام " ، كان الرجل يكون له الفحل ، فإذا لقح عشرًا قيل : " حام ، فاتركوه " .
12837 - حدثني المثنى قال ، حدثنا عبد الله بن صالح قال ، حدثنا معاوية بن صالح ، عن علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس قوله : " ما جعل الله من بحيرة ولا سائبة " ، ليسيِّبوها لأصنامهم " ولا وصيلة " ، يقول : الشاة " ولا حام " يقول : الفحلُ من الإبل.
12838 - حدثنا بشر بن معاذ قال ، حدثنا يزيد بن زريع قال ، حدثنا سعيد ، عن قتادة قوله : " ما جعل الله من بحيرة ولا سائبة ولا وصيلة ولا حام " ، تشديدٌ شدّده الشيطانُ على أهل الجاهلية في أموالهم ، وتغليظ عليهم ، فكانت " البحيرة " من الإبل ، (2) إذا نتج الرجلُ خمسًا من إبله ، نظر البطن الخامس ، فإن كانت سقبًا ذبح فأكله الرجال دون النساء ، وإن كان ميتة اشترك فيه ذكرُهم وأنثاهم ، وإن كانت حائلا وهي الأنثى تركت ، فبتكت أذنها ، فلم يجزّ لها وَبرٌ ، ولم يشرب لها لبن ، ولم يركب لها ظهرٌ ، ولم يذكر لله عليها اسم.
__________
(1) في المطبوعة والمخطوطة : " فما لم يكن سقبا " وصواب ذلك ما أثبت. و " السقب " الذكر من ولد الناقة. قال الأصمعي : إذا وضعت الناقة ولدها فولدها ساعة تضعه " سليل " قبل أن يعلم أذكر هو أم أنثى. فإذا علم فإن كان ذكرا فهو " سقب " .
(2) في المطبوعة والمخطوطة : " مثل الإبل " وهو خطأ لا شك فيه.

(11/129)


وكانت " السائبة " ، يسيبون ما بدا لهم من أموالهم ، فلا تُمنع من حوض أن تشرع فيه ، (1) ولا من حمًى أن ترتع فيه وكانت " الوصيلة " من الشاء ، من البطن السابع ، إذا كان جديًا ذبح فأكله الرجال دون النساء. وإن كان ميتة اشترك فيه ذكرهم وأنثاهم. وإن جاءت بذكر وأنثى قيل : " وصلت أخاها فمنعته الذبح " و " الحام " ، كان الفحل إذا ركب من بني بنيه عشرة ، أو ولد ولده ، قيل : " حام حمى ظهره " ، فلم يزَمَّ ولم يخطم ولم يركب.
12839 - حدثني محمد بن الحسين قال ، حدثنا أحمد بن مفضل قال ، حدثنا أسباط ، عن السدي : " ما جعل الله من بحيرة ولا سائبة ولا وصيلة ولا حام " ، فالبحيرة من الإبل ، كانت الناقة إذا نتجت خمسة أبطن ، إن كان الخامس سقبًا ذبحوه فأهدوه إلى آلهتهم ، وكانت أمه من عُرْض الإبل. وإن كانت رُبَعة استحيوها ، (2) وشقوا أذن أمِّها ، وجزّوا وبرها ، وخلوها في البطحاء ، فلم تجُزْ لهم في دية ، ولم يحلبوا لها لبنًا ، ولم يجزّوا لها وبرًا ، ولم يحملوا على ظهرها ، وهي من الأنعام التي حرمت ظهورها وأما " السائبة " ، فهو الرجل يسيِّب من ماله ما شاء على وجه الشكر إن كثر ماله أو برأ من وَجع ، أو ركب ناقة فأنجح ، فإنه يسمي " السائبة " (3) يرسلها فلا يعرض لها أحدٌ من العرب إلا أصابته عقوبة في الدنيا وأما " الوصيلة " ، فمن الغنم ، هي الشاة إذا ولدت ثلاثة أبطن أو خمسة ، فكان آخر ذلك جديًا ، ذبحوه وأهدوه لبيت الآلهة ، وإن كانت عناقًا استحيوها ، (4) وإن كانت جديًا وعناقًا استحيوا الجدي من أجل العَناق ، فإنها وصيلة وصلت
__________
(1) في المطبوعة والمخطوطة : " فلا تمتنع " ، والصواب ما أثبت.
(2) " الربع " (بضم الراء وفتح الباء) : الفصيل الذي ينتح في الربيع ، وهو أول النتاح ، والأنثى " ربعة " .
(3) هكذا في المخطوطة والمطبوعة : " يسمى السائبة " ، وأرجح أن الصواب : " يسيب السائبة " ،
(4) " العناق " (بفتح العين) : الأنثى من ولد المعز.

(11/130)


أخاها وأما " الحام " ، فالفحل يضرب في الإبل عشرَ سنين ويقال : إذا ضرب ولد ولده قيل : " قد حمى ظهره " ، فيتركونه لا يمسُّ ولا ينحرُ أبدًا ، ولا يمنع من كلأ يريده ، وهو من الأنعام التي حُرِّمت ظهورها.
12840 - حدثنا الحسن بن يحيى قال ، أخبرنا عبد الرزاق قال ، أخبرنا معمر ، عن الزهري ، عن ابن المسيب في قوله : " ما جعل الله من بحيرة ولا سائبة ولا وصيلة ولا حام " ، قال : " البحيرة " من الإبل ، التي يمنح درّها للطواغيت (1) و " السائبة " من الإبل ، كانوا يسيِّبونها لطواغيتهم و " الوصيلة " ، من الإبل ، كانت الناقة تبتكر بأنثى ، ثم تثنى بأنثى ، (2) فيسمونها " الوصيلة " ، يقولون : " وصلت أنثيين ليس بينهما ذكر " ، فكانوا يجدعونها لطواغيتهم أو : يذبحونها ، الشك من أبي جعفر و " الحام " ، الفحل من الإبل ، كان يضربُ. الضرابَ المعدودة. (3) فإذا بلغ ذلك قالوا : " هذا حام ، قد حمى ظهره " ، فترك ، فسموه " الحام " قال معمر قال قتادة ، إذا ضرب عشرة.
12841 - حدثنا الحسن بن يحيى قال ، أخبرنا عبد الرزاق قال ، أخبرنا معمر ، عن قتادة قال : " البحيرة " من الإبل ، كانت الناقة إذا نُتِجت خمسة أبطن ، فإن كان الخامس ذكرًا ، (4) كان للرجال دون النساء ، وإن كانت أنثى ، بتكوا آذانها ثم أرسلوها ، فلم ينحروا لها ولدًا ، ولم يشربوا لها لبنًا ، ولم يركبوا لها ظهرًا وأما " السائبة " ، فإنهم كانوا يسيِّبون بعض إبلهم ، فلا تُمنع حوضًا أن تشرع فيه ، ولا مرعًى أن ترتع فيه " والوصيلة " ، الشاة كانت إذا
__________
(1) في المطبوعة والمخطوطة : " يمنع " بالعين ، وصوابه بالحاء.
(2) في المطبوعة : " تبكر " ، والصواب من المخطوطة. ويقال : " ابتكرت الحامل " ، إذا ولدت بكرها ، و " أثنت " في الثاني ، و " ثلثت " في الثالث.
(3) في المطبوعة : " المعدود " بغير تاء في آخره ، وأثبت ما في المخطوطة ، وهو صواب.
(4) في المطبوعة : " فإن كان الخامس " ، وأثبت ما في المخطوطة ، وهو صواب.

(11/131)


ولدت سبعة أبطن ، فإن كان السابع ذكرًا ، ذبح وأكله الرجال دون النساء ، وإن كانت أنثى تركت.
12842 - حدثت عن الحسين بن الفرج قال ، سمعت أبا معاذ الفضل بن خالد قال ، حدثنا عبيد بن سلمان ، عن الضحاك : " ما جعل الله من بحيرة ولا سائبة ولا وصيلة ولا حام " ، أما " البحيرة " فكانت الناقة إذا نَتَجُوها خمسة أبطن نحروا الخامس إن كان سقبًا ، وإن كان رُبَعة شقُّوا أُذنها واستحيوها ، وهي " بحيرة " ، وأما السَّقب فلا يأكل نساؤهم منه ، وهو خالص لرجالهم ، فإن ماتت الناقة أو نَتَجوها ميْتًا ، فرجالهم ونساؤهم فيه سواءٌ ، يأكلون منه وأما " السائبة " ، فكان يسيِّب الرجل من ماله من الأنعام ، فيُهْمَل في الحمى ، فلا ينتفع بظهره ولا بولده ولا بلبنه ولا بشعره ولا بصوفه وأما " الوصيلة " ، فكانت الشاة إذا ولدت سبعة أبطن ذبحُوا السابع إذا كان جديًا ، وإن كان عناقًا استحيوه ، وإن كان جديًا وعناقًا استحيوهما كليهما ، وقالوا : " إن الجدي وصلته أخته ، فحرَّمته علينا " وأما " الحامي " ، فالفحل إذا ركبوا أولاد ولده قالوا : " قد حمى هذا ظهره ، وأحرزه أولاد ولده " ، (1) فلا يركبونه ، ولا يمنعونه من حِمى شجر ، ولا حوض مَا شرع فيه ، وإن لم يكن الحوض لصاحبه. وكانت من إبلهم طائفة لا يذكرون اسم الله عليها في شيء من شأنهم : لا إن ركبوا ، ولا إن حملوا ، ولا إن حلبوا ، ولا إن نتجوا ، ولا إن باعوا. ففي ذلك أنزل الله تعالى ذكره : " ما جعل الله من بحيرة ولا سائبة " ، إلى قوله : " وأكثرهم لا يعقلون " .
12843 - حدثني يونس قال ، أخبرنا ابن وهب قال ، قال ابن زيد ، في قوله : " ما جعل الله من بحيرة ولا سائبة ولا وصيلة ولا حام " ، قال : هذا شيء كان يعمل به أهل الجاهلية ، (2) وقد ذهب. قال : " البحيرة " ، كان الرجل
__________
(1) في المطبوعة : " وأحرز أولاد ولده " ، صوابه من المخطوطة. " أحرزه " : صانه وحفظه ووقاه.
(2) في المطبوعة : " كانت تعمل به " ، وأثبت ما في المخطوطة.

(11/132)


يجدع أذني ناقته ، ثم يعتقها كما يعتق جاريته وغلامه ، لا تحلب ولا تركب و " السائبة " ، يسيبها بغير تجديع و " الحام " إذا نتج له سبع إناث متواليات ، قد حمي ظهره ، ولا يركب ، ولا يعمل عليه و " الوصيلة " ، من الغنم : إذا ولدت سبع إناث متواليات ، حمت لحمها أن يؤكل.
12844 - حدثنا يونس قال ، أخبرنا ابن وهب قال ، حدثنا عبد الله بن يوسف قال ، حدثنا الليث بن سعد قال ، حدثني ابن الهاد ، عن ابن شهاب قال ، قال سعيد بن المسيب : " السائبة " التي كانت تسيَّب فلا يحمل عليها شيء و " البحيرة " ، التي يمنح دَرُّها للطواغيت فلا يحلبها أحد (1) و " الوصيلة " ، الناقة البكر تبتكر أوّل نتاج الإبل بأنثى ، (2) ثم تثني بعد بأنثى ، وكانوا يسمُّونها للطواغيت ، يدعونها " الوصيلة " ، أنْ وصلت أخواتها إحداهما بالأخرى (3) " والحامي " ، فحل الإبل ، يضرب العَشْر من الإبل. فإذا نقضَ ضِرابه (4) يدعونه للطواغيت ، وأعفوه من الحمل فلم يحملوا عليه شيئًا ، وسموه " الحامي " .
* * *
قال أبو جعفر : وهذه أمور كانت في الجاهلية فأبطلها الإسلام ، فلا نعرف قومًا يعملون بها اليوم.
__________
(1) في المطبوعة والمخطوطة : " يمنع درها " ، والصواب ما أثبت.
(2) في المطبوعة والمخطوطة هنا " تبكر " ، وانظر ما سلف ص : 131 تعليق2.
(3) حذف في المطبوعة : " أخواتها " ، ولا ضرورة لحذفها ، فالكلام مستقيم.
(4) في المطبوعة والمخطوطة : " نقص ضرابه " ، وهو لا معنى له ، والصواب : " نفض " بالنون والفاء والضاد. يقال " نفضت الإبل وأنفضت " : نتجت كلها. قال ذو الرمة : كِلاَ كَفْأَتَيهْا تُنْفِضَانِ ، وَلَمْ يَجِدْ ... لَهَا ثِيلَ سَقْبٍ في النِّتَاجَيْنِ لاَ مِسُ
يعني : أن كل واحد من الكفأتين (يعني النتاجين) تلقى ما في بطنها من أجنتها ، فتوجد إناثًا ليس فيها ذكر. وقوله : " نفض ضرابه " ، لم تذكر كتب اللغة هذه العبارة ، ولكن هذا هو تفسيرها : أن تلد النوق التي ضربها إناثًا متتابعات ليس بينهن ذكر ، كما سلف في الآثار التي رواها أبو جعفر.

(11/133)


فإذا كان ذلك كذلك وكانَ ما كانت الجاهلية تعمل به لا يوصل إلى علمه (1) إذ لم يكن له في الإسلام اليوم أثر ، ولا في الشرك ، نعرفه إلا بخبر ، (2) وكانت الأخبار عما كانوا يفعلون من ذلك مختلفة الاختلافَ الذي ذكرنا ، فالصواب من القول في ذلك أن يقال : أما معاني هذه الأسماء ، فما بيّنا في ابتداء القول في تأويل هذه الآية ، وأما كيفية عمل القوم في ذلك ، فما لا علم لنا به. وقد وردت الأخبار بوصف عملهم ذلك على ما قد حكينا ، وغير ضائرٍ الجهلُ بذلك إذا كان المرادُ من علمه المحتاجُ إليه ، موصلا إلى حقيقته ، (3) وهو أن القوم كانوا يحرِّمون من أنعامهم على أنفسهم ما لم يحرمه الله ، (4)
اتباعًا منهم خطوات الشيطان ، فوبَّخهم الله تعالى ذكره بذلك ، وأخبرهم أن كل ذلك حلال. فالحرام من كل شيء عندنا ما حرَّم الله تعالى ذكره ورسوله صلى الله عليه وسلم ، بنصٍّ أو دليل ، والحلال منه ما حلله الله ورسوله كذلك. (5)
* * *
القول في تأويل قوله : { وَلَكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَأَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ (103) }
قال أبو جعفر : اختلف أهل التأويل في المعنيّ ب " الذين كفروا " في هذا الموضع ، والمراد بقوله : " وأكثرهم لا يعقلون " .
فقال بعضهم : المعنيّ ب " الذين كفروا " اليهود ، وب " الذين لا يعقلون " ، أهل الأوثان.
__________
(1) كان في المطبوعة : " لا توصل إلى عمله " ، وهو خطأ ، صوابه من المخطوطة.
(2) السياق : " لا يوصل إلى عمله. . . إلا بخبر " .
(3) في المطبوعة : " موصلا إلى حقيقته " ، وأثبت ما في المخطوطة ، وهو صواب المعنى.
(4) في المطبوعة : " كانوا محرمين من أنعامهم " ، والجيد من المخطوطة.
(5) في المطبوعة : " ما أحله الله " ، وأثبت ما في المخطوطة.

(11/134)


* ذكر من قال ذلك :
12845 - حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا أبو أسامة ، عن سفيان ، عن دواد بن أبي هند ، عن محمد بن أبي موسى : " ولكن الذين كفروا يفترون على الله الكذب " ، قال : أهل الكتاب " وأكثرهم لا يعقلون " ، قال : أهل الأوثان. (1)
* * *
وقال آخرون : بل هم أهل ملّة واحدة ، ولكن " المفترين " ، المتبوعون و " الذين لا يعقلون " ، الأتباع.
* ذكر من قال ذلك :
12846 - حدثت عن الحسين بن الفرج قال ، سمعت أبا معاذ قال ، حدثنا خارجة ، عن داود بن أبي هند ، عن الشعبي في قوله : " ولكن الذين كفروا يفترون على الله الكذب وأكثرهم لا يعقلون " ، هم الأتباع وأما " الذين افتروا " ، فعقلوا أنهم افتروا. (2)
* * *
قال أبو جعفر : وأولى الأقوال في ذلك عندنا بالصواب أن يقال : إن المعنيين بقوله : " ولكن الذين كفروا يفترون على الله الكذب " ، الذين بحروا البحائر ، وسيَّبوا السوائب ، ووصلوا الوصائل ، وحموا الحوامي ، مثل عمرو بن لحي وأشكاله ممن سنّ لأهل الشرك السنن الرديئة ، وغيَّر دين الله دين الحق ، (3) وأضافوا إلى الله تعالى ذكره : أنه هو الذي حرّم ما حرّموا ، وأحلَّ ما أحلوا ، افتراءً على الله الكذب وهم يعلمون ، واختلاقًا عليه الإفك وهم يفهمون ، (4) فكذبهم الله تعالى ذكره في
__________
(1) الأثر : 12845 - " محمد بن أبي موسى " ، مضى برقم : 10556.
(2) في المطبوعة : " يعقلون أنهم افتروا " ، وأثبت ما في المخطوطة.
(3) في المطبوعة : " ممن سنوا لأهل الشرك ، . . . وغيروا " بالجمع ، وأثبت ما في المخطوطة ، وهو صواب محض ، لا يرده أنه قال بعده " وأضافوا " بالجمع.
(4) في المطبوعة : " وهم يعمهون " ، وأثبت ما في المخطوطة ، وهو الصواب.

(11/135)


قيلهم ذلك ، وإضافتهم إليه ما أضافوا من تحليل ما أحلوا وتحريم ما حرموا ، فقال تعالى ذكره : ما جعلت من بحيرة ولا سائبة ، ولكن الكفار هم الذين يفعلون ذلك ، ويفترون على الله الكذب.
(1) وأن يقال ، إن المعنيين بقوله : " وأكثرهم لا يعقلون " ، هم أتباع من سنّ لهم هذه السنن من جهلة المشركين ، فهم لا شك أنهم أكثر من الذين لهم سنوا ذلك لهم ، فوصفهم الله تعالى بأنهم لا يعقلون ، لأنهم لم يكونوا يعقلون أن الذين سنوا لهم تلك السنن وأخبروهم أنها من عند الله ، كذبةٌ في إخبارهم ، أفَكَةٌ ، بل ظنوا أنهم فيما يقولون محقُّون ، وفي إخبارهم صادقون. وإنما معنى الكلام : وأكثرهم لا يعقلون أن ذلك التحريم الذي حرَّمه هؤلاء المشركون وأضافوه إلى الله تعالى ذكره كذب وباطل. (2) وهذا القول الذي قلنا في ذلك ، نظير قول الشعبي الذي ذكرنا قبلُ. (3) ولا معنى لقول من قال : " عني بالذي كفروا أهل الكتاب " ، وذلك أن النكير في ابتداء الآية من الله تعالى ذكره على مشركي العرب ، فالختم بهم أولى من غيرهم ، إذ لم يكن عرض في الكلام ما يُصرف من أجله عنهم إلى غيرهم.
* * *
وبنحو ذلك كان يقول قتادة :
12847 - حدثنا بشر بن معاذ قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد ، عن قتادة قوله : " وأكثرهم لا يعقلون " ، يقول : تحريمُ الشيطان الذي حرّم عليهم ، (4) إنما كان من الشيطان ، ولا يعقلون.
* * *
__________
(1) قوله : " وأن يقال " ، معطوف على قوله في أول الفقرة : " وأولى الأقوال في ذلك عندنا بالصواب أن يقال. . . " .
(2) انظر تفسير " افترى " فيما سلف 6 : 292/8 : 451.
(3) في المطبوعة ، أسقط " قبل " ، لسوء كتابتهافي المخطوطة.
(4) في المطبوعة : " يقول : لا يعقلون تحريم الشيطان الذي يحرم عليهم " ، زاد وغير ، فأفسد الجملة إفسادًا ، وهو يظن أنه يصلحها.

(11/136)


وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ قَالُوا حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آَبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آَبَاؤُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ (104)

القول في تأويل قوله : { وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ قَالُوا حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لا يَعْلَمُونَ شَيْئًا وَلا يَهْتَدُونَ (104) }
قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره : وإذا قيل لهؤلاء الذين يبحرون البحائر ويسيِّبون السوائب ؟ الذين لا يعقلون أنهم بإضافتهم تحريم ذلك إلى الله تعالى ذكره يفترون على الله الكذب : تعالوا إلى تنزيل الله وآي كتابه وإلى رسوله ، ليتبين لكم كذبُ قيلكم فيم تضيفونه إلى الله تعالى ذكره من تحريمكم ما تحرِّمون من هذه الأشياء (1) أجابوا من دعاهم إلى ذلك بأن يقولوا : حسبنا ما وجدنا عليه من قبلنا آباءَنا يعملون به ، ويقولون : " نحن لهم تبع وهم لنا أئمة وقادة ، وقد اكتفينا بما أخذنا عنهم ، ورضينا بما كانوا عليه من تحريم وتحليل " . (2) قال الله تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : أوَ لو كان آباء هؤلاء القائلين هذه المقالة لا يعلمون شيئًا ؟ يقول : لم يكونوا يعلمون أنّ ما يضيفونه إلى الله تعالى ذكره من تحريم البحيرة والسائبة والوصيلة والحام ، كذبٌ وفريةٌ على الله ، لا حقيقة لذلك ولا صحة ، لأنهم كانوا أتباع المفترين الذين ابتدءوا تحريم ذلك ، افتراءً على الله بقيلهم ما كانوا يقولون من إضافتهم إلى الله تعالى ذكره ما يضيفون ولا كانوا فيما هم به عاملون من ذلك على استقامة وصواب ، (3) بل كانوا على ضلالة وخطأ.
* * *
__________
(1) انظر تفسير " تعالوا " فيما سلف 6 : 474 ، 483 ، 485/8 : 513.
(2) انظر تفسير " حسب " فيما سلف 4 : 244/7 : 405.
(3) في المطبوعة : " ما كانوا فيما هم به عاملون " ، وفي المخطوطة : " كانوا " بغير " ما " ، والسياق يقتضي ما أثبت ، لأنه معطوف على قوله آنفاً : " يقول : لم يكونوا يعلمون. . . "

(11/137)


يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (105)

القول في تأويل قوله : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ }
قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره : يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم فأصلحوها ، واعملوا في خلاصها من عقاب الله تعالى ذكره ، وانظروا لها فيما يقرِّبها من ربها ، فإنه " لا يضركم من ضَلّ " ، يقول : لا يضركم من كفر وسلك غير سبيل الحق ، إذا أنتم اهتديتم وآمنتم بربكم ، وأطعتموه فيما أمركم به وفيما نهاكم عنه ، فحرمتم حرامه وحللتم حلاله.
* * *
ونصب قوله : " أنفسكم " بالإغراء ، والعرب تغري من الصفات ب " عليك " و " عندك " ، و " دونك " ، و " إليك " . (1)
واختلف أهل التأويل في تأويل ذلك.
فقال بعضهم معناه : " يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم " ، إذا أمرتم بالمعروف ونهيتم عن المنكر فلم يُقبل منكم .
* ذكر من قال ذلك :
12848 - حدثنا سوار بن عبد الله قال ، حدثنا أبي قال ، حدثنا أبو الأشهب ، عن الحسن : أن هذه الآية قرئت على ابن مسعود : " يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضَلّ إذا اهتديتم " ، فقال ابن مسعود : " ليس هذا بزمانها ، قولوها ما قُبلت منكم ، فإذا رُدّت عليكم فعليكم أنفسكم " . (2)
__________
(1) " الصفات " حروف الجر ، والظروف ، كما هو بين من سياقها. وانظر معاني القرآن للفراء 1 : 322 ، 323.
(2) الأثر : 12848 - " سوار بن عبد الله بن سوار العنبري " ، القاضي ، شيخ الطبري. ثقة ، مترجم في التهذيب. وأبوه : " عبد الله بن سوار العنبري " القاضي ، ثقة. مترجم في التهذيب.
و " أبو الأشهب " هو : " جعفر بن حيان السعدي العطاردي " ، ثقة ، روي له الستة ، مضى برقم : 11408.
وسيأتي تخريج الأثر في التعليق على رقم : 12850.

(11/138)


12849 - حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا أبو أسامة ، عن أبي الأشهب ، عن الحسن قال : ذكر عند ابن مسعود (1) " يا أيها الذين آمنوا " ، ثم ذكر نحوه.
12850 - حدثنا يعقوب قال ، حدثنا ابن علية ، عن يونس ، عن الحسن قال : قال رجل لابن مسعود : ألم يقل الله : " يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضَلّ إذا اهتديتم " ؟ قال : ليس هذا بزمانها ، قولوها ما قُبلت منكم ، فإذا رُدَّت عليكم فعليكم أنفسكم. (2)
12851 - حدثنا الحسن بن عرفة قال ، حدثنا شبابة بن سوار قال ، حدثنا الربيع بن صبيح ، عن سفيان بن عقال قال : قيل لابن عمر : لو جلست في هذه الأيام فلم تأمر ولم تنه ، فإن الله تعالى ذكره يقول : " عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم " ؟ فقال ابن عمر : إنها ليست لي ولا لأصحابي ، لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " ألا فليبلِّغ الشاهد الغائبَ " ، فكنَّا نحن الشهودَ وأنتم الغَيَب ، (3) ولكن هذه الآية لأقوام يجيئون من بعدنا ، إن قالوا لم يقبل منهم. (4)
__________
(1) في المطبوعة : " ذكر ابن مسعود " ، بإسقاط " عند " ، والصواب من المخطوطة.
(2) في الأثر : 12848 - 12850 - خبر الحسن ، عن ابن مسعود ، خرجه الهيثمي في مجمع الزوائد 7 : 19 ، وقال : " رواه الطبراني ، ورجاله رجال الصحيح ، إلا أن الحسن البصري لم يسمع من ابن مسعود " .
(3) " الغيب " (بفتح الغين والياء) جمع " غائب " ، مثل " خادم " و " خدم " .
(4) الأثر : 12851 - " الحسن بن عرفة العبدي البغدادي " ، شيخ الطبري ، مضى برقم : 9373.
و " شبابة بن سوار الفزازي " ، مضى برقم : 37 ، 6701 ، 10051.
و " الربيع بن صبيح السعدي " ، مضى برقم : 6403 ، 6404 ، 10533.
و " سفيان بن عقال " ، مترجم في الكبير2/2/94 ، وابن أبي حاتم 2/1/219 ، وكلاهما قال : " روي عن ابن عمر ، روى عنه الربيع " ، ولم يزيدا.
وخرجه في الدر المنثور 2 : 340 ، وزاد نسبته لابن مردويه.

(11/139)


12852 - حدثنا أحمد بن المقدام قال ، حدثنا المعتمر بن سليمان قال ، سمعت أبي قال ، حدثنا قتادة ، عن أبي مازن قال : انطلقت على عهد عثمان إلى المدينة ، فإذا قومٌ من المسلمين جلوس ، فقرأ أحدهم هذه الآية : " عليكم أنفسكم " ، فقال أكثرهم : لم يجئ تأويل هذه الآية اليوم. (1)
12853 - حدثنا محمد بن بشار قال ، حدثنا عمرو بن عاصم قال ، حدثنا المعتمر ، عن أبيه ، عن قتادة ، عن أبي مازن ، بنحوه. (2)
12854 - حدثنا محمد بن بشار قال ، حدثنا محمد بن جعفر وأبو عاصم قالا حدثنا عوف ، عن سوّار بن شبيب قال ، كنت عند ابن عمر ، إذ أتاه رجل جليدٌ في العين ، شديد اللسان ، فقال : يا أبا عبد الرحمن ، نحن ستة كلهم قد قرأ القرآن فأسرع فيه ، (3) وكلهم مجتهد لا يألو ، وكلهم بغيضٌ إليه أن يأتي دناءةً ، (4) وهم في ذلك يشهد بعضهم على بعض بالشرك! فقال رجل من القوم : وأيَّ دناءة تريد ، أكثرَ من أن يشهد بعضهم على بعض بالشرك! (5) قال : فقال الرجل : إني لستُ إيّاك أسأل ، أنا أسأل الشيخ! فأعاد على عبد الله
__________
(1) الأثر : 12852 ، 12853 - " أبو مازن الأزدي الحداني " ، كان من صلحاء الأزد ، قدم المدينة في زمن عثمان رضي الله عنه. روى قتادة ، عن صاحب له ، عنه. هكذا قال ابن أبي حاتم 4/2/44 . ولم يرد في هذين الإسنادين ذكر " الرجل " الذي روى عنه قتادة ، كما قال أبو حاتم. وسيأتي في الإسناد رقم : 12856 " عن قتادة ، عن رجل قال : كنت في خلافة عثمان بالمدينة " ، فهذا " الرجل " هو " أبو مازن " ، ولا شك. ثم يأتي في رقم : 12857 " عن قتادة ، حدثنا أبو مازن ، رجل من صالحي الأزد ، من بني الحدان " ، فصرح قتادة في هذا الخبر بالتحديث عنه ، ليس بينهما " رجل " كما قال أبو حاتم. فأخشى أن يكون في كلام أبي حاتم خطأ.
وهذا الخبر خرجه السيوطي في الدر المنثور 2 : 340 ، وزاد نسبته إلى عبد بن حميد ، وأبي الشيخ.
(2) الأثر : 12852 ، 12853 - " أبو مازن الأزدي الحداني " ، كان من صلحاء الأزد ، قدم المدينة في زمن عثمان رضي الله عنه. روى قتادة ، عن صاحب له ، عنه. هكذا قال ابن أبي حاتم 4/2/44 . ولم يرد في هذين الإسنادين ذكر " الرجل " الذي روى عنه قتادة ، كما قال أبو حاتم. وسيأتي في الإسناد رقم : 12856 " عن قتادة ، عن رجل قال : كنت في خلافة عثمان بالمدينة " ، فهذا " الرجل " هو " أبو مازن " ، ولا شك. ثم يأتي في رقم : 12857 " عن قتادة ، حدثنا أبو مازن ، رجل من صالحي الأزد ، من بني الحدان " ، فصرح قتادة في هذا الخبر بالتحديث عنه ، ليس بينهما " رجل " كما قال أبو حاتم. فأخشى أن يكون في كلام أبي حاتم خطأ.
وهذا الخبر خرجه السيوطي في الدر المنثور 2 : 340 ، وزاد نسبته إلى عبد بن حميد ، وأبي الشيخ.
(3) في المطبوعة : " قد قرأوا " بالجمع ، وأثبت ما في المخطوطة ، وهو الصواب.
(4) في ابن كثير 3 : 259 ، رواه عن هذا الموضع من التفسير ، وزاد فيه هنا : " . . . أن يأتي دناءة ، إلا الخير " ، وليست في مخطوطتنا.
(5) في المطبوعة : " وأي دناءة تزيد " ، وصواب قراءتها ما أثبت.

(11/140)


الحديث ، فقال عبد الله بن عمر : لعلك ترى لا أبا لك ، إني سآمرك أن تذهب أن تقتلهم! (1) عظهم وانههم ، فإن عصوك فعليك بنفسك ، فإن الله تعالى يقول : " يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم إلى الله مرجعكم جميعا فينبئكم بما كنتم تعملون " . (2)
12855 - حدثنا الحسن بن يحيى قال ، أخبرنا عبد الرزاق قال ، أخبرنا معمر ، عن الحسن : أن ابن مسعود سأله رجل عن قوله : " عليكم أنفسكم لا يضركم من ضلّ إذا اهتديتم " ، قال : إن هذا ليس بزمانها ، إنها اليوم مقبولة ، (3) ولكنه قد أوشك أن يأتي زمانٌ تأمرون بالمعروف فيصنع بكم كذا وكذا أو قال : فلا يقبل منكم فحينئذ : عليكم أنفسكم ، لا يضركم من ضلّ " . (4)
12856 - حدثنا الحسن بن يحيى قال ، أخبرنا عبد الرزاق قال ، أخبرنا معمر ، عن قتادة ، عن رجل قال : كنت في خلافة عثمان بالمدينة ، في حلقة فيهم أصحابُ النبي صلى الله عليه وسلم ، فإذا فيهم شيخ يُسْنِدون إليه ، (5) فقرأ رجل : " عليكم
__________
(1) في المطبوعة ، وابن كثير : " فتقتلهم " ، وأثبت ما في المخطوطة ، وهو صواب قديم.
(2) الأثر : 12854 - " سوار بن شبيب السعدي الأعرجي " ، و " بنو الأعرج " ، حي من بني سعد. و " الأعرج " هو " الحارث بن كعب بن سعد بن زيد مناة بن تميم " ، قطعت رجله يوم " تياس " ، فسمي " الأعرج " . وهو ثقة ، كوفي ، روى عن ابن عمر ، روى عنه عوف ، وعكرمة بن عمار. مترجم في الكبير 2/2/168 ، وابن أبي حاتم 2/1/270.
وهذا الخبر نقله ابن كثير في تفسيره 3 : 259 ، وخرجه السيوطي في الدر المنثور 2 : 341 ، واقتصر على نسبته إلى ابن مردويه.
(3) قوله : " إنها اليوم مقبولة " ، يعني : كلمة الحق في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
(4) الأثر : 12855 - انظر التعليق على الآثار : 12848 - 12850.
وكان في المطبوعة هنا : " . . . من ضل إذا اهتديتم " ، بالزيادة ، وأثبت ما في المخطوطة.
(5) قوله : " يسندون إليه " أي : ينتهون إلى عمله ومعرفته وفقهه ، ويلجئون إليه في فهم ما يشكل عليهم. ويقال : " أسندت إليه أمري " ، أي : وكلته إليه ، واعتمدت عليه. وقال الفرزدق : إلَى الأَبْرَشِ الكَلْبِيّ أَسْنَدْتُ حَاجَةً ... تَوَاكَلَها حَيًّا تَمِيمٍ ووَائِلِ
وهذا كله مما ينبغي تقييده في كتب اللغة ، فهو فيها غير بين.

(11/141)


أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم " ، فقال الشيخ : إنما تأويلها آخرَ الزمان.
12857 - حدثنا بشر بن معاذ قال ، حدثنا يزيد بن زريع قال ، حدثنا سعيد ، عن قتادة قال ، حدثنا أبو مازن ، رجل من صالحي الأزد من بني الحُدَّان ، (1) قال : انطلقت في حياة عثمان إلى المدينة ، فقعدت إلى حلقة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، (2) فقرأ رجل من القوم هذه الآية " لا يضركم من ضل إذا اهتديتم " ، قال فقالَ رجلٌ من أسنِّ القوم : دَعْ هذه الآية ، فإنما تأويلها في آخر الزمان. (3)
12858 - حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثنا ابن فضالة ، عن معاوية بن صالح ، عن جبير بن نفير قال : كنت في حلقة فيها أصحابُ رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وإنّي لأصغر القوم ، فتذاكروا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، فقلت أنا : أليس الله يقول في كتابه : " يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضلّ إذا اهتديتم " ؟ فأقبلوا عليَّ بلسان واحد وقالوا : أتنتزِع بآية من القرآن لا تعرفها ، (4) ولا تدري ما تأويلها!! حتى تمنيت أني لم أكن تكلمت. ثم أقبلوا يتحدثون ، فلما حضر قيامهم قالوا : " إنك غلام
__________
(1) في المطبوعة : " بني الجدان " بالجيم ، وهو خطأ.
(2) في المطبوعة : " فيها أصحاب رسول الله : ، وفي المخطوطة : " فيها من أصحاب رسول الله " ، فضرب بالقلم على " فيها " فأثبتها على الصواب.
(3) الأثران : 12856 ، 12857 - انظر التعليق على الأثرين السالفين رقم : 12852 ، 12853.
(4) في المطبوعة : " تنزع بآية من القرآن " ، غير ما في المخطوطة ، وما غيره صواب.
ولكن يقال : " انتزع معنى جيدًا ، ونزعه " ، أي : استخرجه واستنبطه ويقال : " انتزع بالآية والشعر " ، أي : تمثل به.

(11/142)


حدَثُ السن ، وإنك نزعت بآية لا تدري ما هي ، وعسى أن تدرك ذلك الزمان ، إذا رأيت شحًّا مطاعًا ، وهوًى متبعًا وإعجابَ كل ذي رأي برأيه ، فعليك بنفسك ، لا يضرك من ضل إذا اهتديت. (1)
12859 - حدثنا هناد قال ، حدثنا ليث بن هارون قال ، حدثنا إسحاق الرازي ، عن أبي جعفر ، عن الربيع بن أنس ، عن أبي العالية ، عن عبد الله بن مسعود في قوله : " يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم إلى الله مرجعكم جميعًا فينبئكم بما كنتم تعملون " ، قال : كانوا عند عبد الله بن مسعود جلوسًا ، فكان بين رجلين ما يكون بين الناس ، حتى قام كل واحد منهما إلى صاحبه ، فقال رجل من جلساء عبد الله : ألا أقوم فآمرُهما بالمعروف وأنهاهما عن المنكر ؟ فقال آخر إلى جنبه : عليك بنفسك ، فإن الله تعالى يقول : " عليكم أنفسكم لا يضركم من ضلّ إذا اهتديتم " ! قال : فسمعها ابن مسعود فقال : مَهْ ، (2) لَمَّا يجئ تأويل هذه بعد! (3) إن القرآن أنزل حيث أنزل ، ومنه آيٌ قد مضى تأويلهن قبل أن ينزلن ، ومنه ما وقع تأويلهن
__________
(1) الأثر : 12858 - " ابن فضالة " هو : " مبارك بن فضالة بن أبي أمية " ، أبو فضالة البصري. وفي تفسير ابن كثير : " حدثنا أبو فضالة " ، ومضى برقم : 154 ، 597 ، 611 ، 1901.
و " معاوية بن صالح بن حدير الحضرمي " ، أحد الأعلام ، مضى مرارًا منها : 186 ، 187 ، 2072 ، 8472 ، 11255 ، ولم تذكر لمعاوية بن صالح ، رواية عن جبير بن نفير ، بل روى عنه ابنه عبد الرحمن بن جبير.
و " جبير بن نفير " إسلامي جاهلي ، مضى برقم : 6656 ، 7009.
وهذا الخبر منقطع الإسناد ، ونقله ابن كثير في تفسيره 3 : 260 ، والسيوطي في الدر المنثور 2 : 340 ، ولم ينسبه لغير ابن جرير.
(2) " مه " ، هكذا في المطبوعة ، وابن كثير ، والدر المنثور و " مه " كلمة زجر بمعنى : كف عن هذا. وفي المخطوطة مكانها : " مهل " ، وأخشى أن تكون خطأ من الناسخ ، ولو كتب " مهلا " ، لكان صوابًا ، يقال : " مهلا يا فلان " أي : رفقًا وسكونًا ، لا تعجل.
(3) في المطبوعة : " لم يجئ " ، ومثلها في ابن كثير والدر المنثور ، وأثبت ما في المخطوطة.

(11/143)


على عهد النبيّ صلى الله عليه وسلم ، ومنه آيٌ وَقع تأويلهن بعد النبيّ صلى الله عليه وسلم بيسير ، (1) ومنه آي يقع تأويلهن بعد اليوم ، ومنه آي يقع تأويلهنّ عند الساعة على ما ذكر من الساعة ، (2) ومنه آي يقع تأويلهن يوم الحساب على ما ذكر من الحساب والجنة والنار ، (3) فما دامت قلوبكم واحدة ، وأهواؤكم واحدة ، ولم تُلبَسوا شيعًا ، ولم يَذُق بعضكم بأس بعض ، فأمروا وانهوا. فإذا اختلفت القلوب والأهواء ، وأُلبستم شيعًا ، وذاق بعضكم بأس بعض ، فامرؤ ونفسه ، فعند ذلك جاء تأويل هذه الآية. (4)
12860 - حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثني حجاج ، عن أبي جعفر الرازي ، عن الربيع بن أنس ، عن أبي العالية ، عن ابن مسعود : أنه كان بين رجلين بعض ما يكون بين الناس ، حتى قام كل واحد منهما إلى صاحبه ، ثم ذكر نحوه. (5)
12861 - حدثني أحمد بن المقدام قال ، حدثنا حرمي......... قال : سمعت الحسن يقول : تأوّل بعضُ أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم هذه الآية : " يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضلّ إذا اهتديتم " ، فقال بعض
__________
(1) في المطبوعة : " آي قد وقع " بالزيادة ، وأثبت ما في المخطوطة.
(2) في المطبوعة : " على ما ذكر من أمر الساعة " ، بزيادة " أمر " ، وفي المخطوطة أسقط الناسخ " على " ، وإثباتها هو الصواب.
(3) في المطبوعة : " من أمر الحساب " بالزيادة ، وأثبت ما في المخطوطة.
(4) الأثر : 12859 - " ليث بن هرون " ، لم أجد له ترجمة ولا ذكرًا.
و " إسحق الرازي " ، هو : " إسحق بن سليمان الرازي " ، مضى برقم : 6456 ، 102338 ، 11240. وانظر الإسناد الآتي رقم : 12866.
وهذا الخبر نقله ابن كثير في تفسيره 3 : 258 ، 259 ، والسيوطي في الدر المنثور 2 : 339 ، 340 ، وزاد نسبته إلى عبد بن حميد ، ونعيم بن حماد في الفتن ، وابن أبي حاتم ، وأبي الشيخ ، وابن مردويه ، والبيهقي في الشعب.
وسيأتي بإسناد آخر في الذي يليه.
(5) الأثر : 12860 - انظر الأثر السالف.

(11/144)


أصحابه : دعوا هذه الآية ، فليست لكم. (1)
12862 - حدثني إسماعيل بن إسرائيل اللآل الرّملي قال ، حدثنا أيوب بن سويد قال ، حدثنا عتبة بن أبي حكيم ، عن عمرو بن جارية اللخمي ، عن أبي أمية الشعباني قال : سألت أبا ثعلبة الخشني عن هذه الآية : " يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم " ، فقال : لقد سألت عنها خبيرًا ، سألتُ عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : أبا ثعلبة ، ائتمروا بالمعروف وتناهوا عن المنكر ، فإذا رأيت دنيا مؤثَرة ، وشحًّا مطاعًا ، وإعجاب كل ذي رأي برأيه ، فعليك نفسك! إنّ من بعدكم أيام الصبر ، (2) للمتمسك يومئذ بمثل الذي أنتم عليه كأجر خمسين عاملا! قالوا : يا رسول الله ، كأجر خمسين عاملا منهم ؟ قال : لا كأجر خمسين عاملا منكم. (3)
__________
(1) الأثر : 12861 - هذا إسناد ناقص لا شك في ذلك.
" أحمد بن المقدام بن سليمان العجلي " ، أبو الأشعث. روى عنه البخاري والترمذي والنسائي ، وغيرهم. صالح الحديث. ولد في نحو سنة 156 ، وتوفي سنة 253.
و " حرمي بن عمارة بن أبي حفصة العتكي " ، مضى برقم : 8513. ومات سنة 201 ، ومحال أن يكون أدرك الحسن وسمع منه. فإن " الحسن البصري " مات في نحو سنة 110 فالإسناد مختل ، ولذلك وضعت بينه وبين الحسن نقطًا ، دلالة على نقص الإسناد.
(2) في المطبوعة : " أرى من بعدكم " ، والصواب من المخطوطة. وفي المخطوطة : " المتمسك " بغير لام الجر ، وكأن الصواب ما في المطبوعة.
(3) الأثر : 12862 - سيأتي بإسناد آخر في الذي يليه.
" إسمعيل بن إسرائيل اللآل الرملي " ، مضى برقم : 10236 ، 12213 ، وذكرنا هناك أنه في ابن أبي حاتم " السلال " ، ومضى هناك " 10236 " الدلال " ، وجاء هنا " اللآل " ، صانع اللؤلؤ وبائعه ، ولا نجد ما يرجح واحدة من الثلاث.
و " أيوب بن سويد الرملي " ، ثقة متكلم فيه. مضى برقم : 12213.
و " عتبة بن أبي حكيم الشعباني الهمداني ، ثم الأردني " ، ثقة ، ضعفه ابن معين. مضى برقم : 12213.
و " عمرو بن جارية اللخمي " ، ثقة ، مترجم في التهذيب. وكان في المطبوعة " عمرو بن خالد " وهو خطأ محض. وفي المخطوطة كتب " خالد " ثم جعلها " جارية " ، وهو الصواب.
و " أبو أمية الثعباني " اسمه " يحمد " (بضم الياء وكسر الميم) وقيل : اسمه " عبد الله بن أخامر " . ثقة. مترجم في التهذيب.
و " أبو ثعلبة الخشني " اختلف في اسمه واسم أبيه اختلافًا كثيرًا. صحابي.
وسيأتي تخريجه في الذي يليه.

(11/145)


12863 - حدثنا علي بن سهل قال ، أخبرنا الوليد بن مسلم ، عن ابن المبارك وغيره ، عن عتبة بن أبي حكيم ، [عن عمرو بن جارية اللخمي] ، عن أبي أمية الشعباني قال : سألت أبا ثعلبة الخشني : كيف نَصنع بهذه الآية : " يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضلّ إذا اهتديتم " ؟ فقال أبو ثعلبة : سألت عنها خبيرًا ، سألت عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : ائتمروا بالمعروف وتناهوا عن المنكر ، حتى إذا رأيت شحًّا مطاعًا ، وهوًى متبعًا ، وإعجاب كل ذي رأي برأيه ، فعليك بِخُوَيصة نفسك ، (1) وذَرْ عوامَّهم ، فإن وراءكم أيامًا أجر العامل فيها كأجر خمسين منكم. (2)
* * *
وقال آخرون : معنى ذلك أنّ العبد إذا عمل بطاعة الله لم يضره من ضَلَّ بعده وهلك.
__________
(1) " خويصة " تصغير " خاصة " .
(2) الأثر : 12863 - " عتبة بن أبي حكيم " ، في المخطوطة : " عبدة بن أبي حكيم " ، وهو خطأ ظاهر.
وفي المخطوطة والمطبوعة ، أسقط : [عن عمرو بن جارية اللخمي] ، فوضعتها بين قوسين.
وهذا هو نفسه إسناد الترمذي.
وهذا الخبر ، رواه الترمذي في كتاب التفسير من طريق سعيد بن يعقوب الطالقاني ، عن عبد الله بن المبارك ، عن عقبة بن أبي حكيم ، بنحو لفظه هنا. ثم قال الترمذي : " قال عبد الله بن المبارك : وزادني غير عتبة قيل : يا رسول الله ، أجر خمسين رجلا منا أو منهم ؟ قال : لا ، بل أجر خمسين رجلا منكم " . ثم قال الترمذي : " هذا حديث حسن غريب " .
وأخرجه ابن ماجه في سننه رقم : 4014 من طريق هشام بن عمار ، عن صدقة بن خالد ، عن عتبة بن أبي حكيم ، بنحو لفظه.
ورواه أبو داود في سننه 4 : 174 ، رقم : 4341 ، من طريق أبي الربيع سليمان بن داود العتكي ، عن ابن المبارك ، بمثله.
وخرجه ابن كثير في تفسيره 3 : 258 ، والسيوطي في الدر المنثور 2 : 339 ، وزاد نسبته إلى البغوي في معجمه ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، والطبراني ، وأبي الشيخ ، وابن مردويه ، والبيهقي في الشعب ، والحاكم في المستدرك وصححه.

(11/146)


* ذكر من قال ذلك :
12864 - حدثني محمد بن سعد قال ، حدثني أبي قال : حدثني عمي قال : حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قوله : " يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضلَ " ، يقول : إذا ما العبد أطاعني فيما أمرته من الحلال والحرام ، فلا يضره من ضل بعدُ ، إذا عمل بما أمرته به.
12865 - حدثني المثنى قال ، حدثنا عبد الله بن صالح قال ، حدثني معاوية بن صالح ، عن علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس قوله : " عليكم أنفسكم لا يضركم من ضلّ إذا اهتديتم " ، يقول : أطيعوا أمري ، واحفظوا وصيَّتي.
12866 - حدثنا هناد قال ، حدثنا ليث بن هارون قال ، حدثنا إسحاق الرازي ، عن أبي جعفر الرازي ، عن صفوان بن الجون قال : دخل عليه شابّ من أصحاب الأهواء ، فذكر شيئًا من أمره ، فقال صفوان : ألا أدلك على خاصة الله التي خصَّ بها أولياءه ؟ " يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل " ، الآية. (1)
12867 - حدثنا عبد الكريم بن أبي عمير قال ، حدثنا أبو المطرف المخزومي قال ، حدثنا جويبر ، عن الضحاك ، عن ابن عباس قال : " عليكم أنفسكم لا يضركم من ضلّ إذا اهتديتم " ، ما لم يكن سيف أو سوط. (2)
__________
(1) الأثر : 12866 - " ليث بن هرون " ، لم أجده ، وانظر الإسناد السالف رقم 12859.
و " إسحق " ، هو : " إسحق بن سليمان الرازي " ، وانظر رقم : 12859.
وأما " صفوان بن الجون " ، فهو هكذا في المخطوطة أيضًا ، ولم أجد له ترجمة. وفي الدر المنثور 2 : 341 ، " عن صفوان بن محرز " ، ونسبه لابن جرير وابن أبي حاتم.
و " صفوان بن محرز بن زياد المازني ، أو الباهلي " . روى عن ابن عمر ، وابن مسعود ، وأبي موسى الأشعري. روى عنه جامع بن شداد ، وعاصم الأحول ، وقتادة. كان من العباد ، اتخذ لنفسه سربًا يبكي فيه. مات سنة 74 ، مترجم في التهذيب. ومضى برقم : 6496.
(2) الأثر : 12867 - " عبد الكريم بن أبي عمير " ، مضى برقم : 7578 ، 11368 و " أبو المطوف المخزومي " ، لم أجد له ذكرًا.

(11/147)


12868 - حدثنا علي بن سهل قال ، حدثنا ضمرة بن ربيعة قال ، تلا الحسن هذه الآية : " يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضلّ إذا اهتديتم " ، فقال الحسن : الحمد لله بها ، والحمد لله عليها ، ما كان مؤمن فيما مضى ، ولا مؤمن فيما بقي ، إلا وإلى جانبه منافق يكرَه عمله. (1)
* * *
وقال آخرون : بل معنى ذلك : " يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم " ، فاعملوا بطاعة الله " لا يضركم من ضلّ إذا اهتديتم " ، فأمرتم بالمعروف ، ونهيتم عن المنكر.
* ذكر من قال ذلك :
12869 - حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا حكام بن سلم ، عن عنبسة ، عن سعد البقال ، عن سعيد بن المسيب : " لا يضركم من ضلّ إذا اهتديتم " ، قال : إذا أمرت بالمعروف ونهيت عن المنكر ، لا يضرك من ضل إذا اهتديت.
12870 - حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا يحيى بن يمان ، عن سفيان ، عن أبي العميس ، عن أبي البختري ، عن حذيفة : " عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم " ، قال : إذا أمرتم ونهيتم.
12871 - حدثنا هناد قال ، حدثنا وكيع وحدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا أبي عن ابن أبي خالد ، عن قيس بن أبي حازم قال ، قال أبو بكر : تقرءون هذه الآية : " لا يضركم من ضلّ إذا اهتديتم " ، وإن الناس إذا رأوا الظالم قال ابن وكيع فلم يأخذوا على يديه ، أوشك أن يعمّهم الله بعقابه. (2)
__________
(1) الأثر : 12868 - " ضمرة بن ربيعة الفلسطيني الرملي " ، ثقة ، مضى برقم : 7134. وكان في المطبوعة : " مرة بن ربيعة " ، لم يحسن قراءة المخطوطة.
وهذه الكلمة التي قالها الحسن ، لو خفيت على الناس قديمًا ، فإن مصداقها في زماننا هذا يراه المؤمن عيانًا في حيث يغدو ويروح.
(2) الأثر : 12871 - خبر قيس بن أبي حازم ، عن أبي بكر ، رواه أبو جعفر بأسانيد ، من رقم : 12871 - 12878 ، موقوفًا على أبي بكر ، إلا رقم : 12876 ، 12878 ، فرواهما متصلين مرفوعين ، وإلا رقم : 12874 ، فهو مرسل. وأكثر طرق أبي جعفر طرق ضعاف.
ورواه من طريق " إسمعيل بن أبي خالد " ، عن قيس بن أبي حازم برقم : 12871 ، 12873. فمن هذه الطريق رواه أحمد في مسنده رقم : 1 ، 16 ، 29 ، 30 ، 53 ، متصلا مرفوعًا. وقال ابن كثير في تفسيره 3 : 258 : " وقد روى هذا الحديث أصحاب السنن الأربعة ، وابن حبان في صحيحه ، وغيرهم ، من طرق كثيرة ، عن جماعة كثيرة ، عن إسمعيل بن أبي خالد ، به متصلا مرفوعًا. ومنهم من رواه عنه به موقوفًا على الصديق. وقد رجح رفعه الدارقطني وغيره " .
و " إسمعيل بن أبي خالد الأحمسي " ، ثقة. مضى برقم : 5694 ، 5777.
و " قيس بن أبي حازم الأحمسي " ، ثقة ، روى له الستة ، روى عن جماعة من الصحابة ، وهو متقن الرواية. مترجم في التهذيب.
وهذا إسناد صحيح.

(11/148)


12872 - حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا جرير وابن فضيل ، عن بيان ، عن قيس قال ، قال أبو بكر : إنكم تقرءون هذه الآية : " يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضلّ إذا اهتديتم " ، وإن القوم إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه ، يعمُّهم الله بعقابه. (1)
12873 - حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا جرير ، عن إسماعيل ، عن قيس ، عن أبي بكر ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، فذكر نحوه.
12874 - حدثنا محمد بن الحسين قال ، حدثنا أحمد بن مفضل قال ، حدثنا أسباط ، عن السدي قوله : " يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضلّ إذا اهتديتم " ، يقول : مُروا بالمعروف وانهوا عن المنكر ، قال أبو بكر بن أبي قحافة : يا أيها الناس لا تغترُّوا بقول الله : " عليكم أنفسكم " ، فيقول أحدكم : عليَّ نفسي ، والله لتأمرن بالمعروف وتنهوُنَّ عن المنكر ، أو ليَستعملن عليكم شراركم ، فليسومنّكم سوء العذاب ، ثم ليدعون الله خياركم ، فلا يستجيب لهم.
__________
(1) الأثر : 12872 - " ابن فضيل " هو : " محمد بن فضيل بن غزوان الضبي " ، مضى مرارًا كثيرة.
و " بيان " هو : " بيان بن بشر الأحمسي " ، ثقة ، مضى برقم 6501.
وقد مضى تخريج الخبر في الذي قبله ، وسيأتي من هذه الطريق أيضًا برقم : 12875.
وهو إسناد صحيح.

(11/149)


12875 - حدثنا أبو هشام الرفاعي قال ، حدثنا ابن فضيل قال ، حدثنا بيان ، عن قيس بن أبي حازم قال ، قال أبو بكر وهو على المنبر : يا أيها الناس ، إنكم تقرءون هذه الآية على غير موضعها : " لا يضركم من ضلّ إذا اهتديتم " ، وإن الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه ، عَمَّهم الله بعقابه.
12876 - حدثني الحارث قال ، حدثنا عبد العزيز قال ، حدثني عيسى بن المسيب البجلي قال ، حدثنا قيس بن أبي حازم قال : سمعت أبا بكر الصديق رضي الله عنه يقرأ هذه الآية : " يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم " ، فقال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : إذا رأى الناسُ المنكر فلم يغيِّروه ، والظالم فلم يأخذوا على يديه ، فيوشك أن يعمهم الله منه بعقاب. (1)
12877 - حدثنا الربيع قال ، حدثنا أسد بن موسى قال ، حدثنا سعيد بن سالم قال ، حدثنا منصور بن دينار ، عن عبد الملك بن ميسرة ، عن قيس بن أبي حازم قال : صَعد أبو بكر المنبرَ منبرَ رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال : يا أيها الناس ، إنكم لتتلون آية من كتاب الله وتعدُّونها رُخصة ، والله ما أنزل الله في كتابه أشدَّ منها : " يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضلّ إذا اهتديتم " ، والله لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر ،
__________
(1) الأثر : 12876 - " الحارث " هو : " الحارث بن محمد بن أبي أسامة " ، مضى مرارًا ، آخرها رقم : 10553 ، وترجمته في رقم : 10295.
و " عبد العزيز " ، هو : " عبد العزيز بن أبان الأموي " ، مضت ترجمته برقم : 10295 ، قال ابن معين : " كذاب خبيث ، يضع الأحاديث " .
و " عيسى بن المسيب البجلي " ، قاضي الكوفة. وكان شابًا ولاه خالد بن عبد الله القسري. ضعيف متكلم فيه ، حتى قال ابن حبان : " كان قاضي خراسان ، يقلب الأخبار ، ولا يفهم ، ويخطئ ، حتى خرج عن حد الاحتجاج به " . مترجم في ابن أبي حاتم 3/1/288 ، وميزان الاعتدال 2 : 317 ، وتعجيل المنفعة : 328 ، ولسان الميزان 4 : 405.
فهذا إسناد هالك ، مع روايته من طرق صحاح عن قيس ، عن أبي بكر.

(11/150)


أو ليعمنكم الله منه بعقاب. (1)
12878 - حدثنا محمد بن بشار قال ، حدثنا إسحاق بن إدريس قال ، حدثنا سعيد بن زيد قال ، حدثنا مجالد بن سعيد ، عن قيس بن أبي حازم قال : سمعت أبا بكر يقول وهو يخطب الناس : يا أيها الناس ، إنكم تقرءون هذه الآية ولا تدرون ما هي ؟ : " يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضلّ إذا اهتديتم " ، وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : إن الناس إذا رأوا منكرًا فلم يغيِّروه ، عمّهم الله بعقاب. (2)
* * *
وقال آخرون : بل معنى هذه الآية : لا يضركم من حاد عن قصد السبيل وكفر بالله من أهل الكتاب.
__________
(1) الأثر : 12877 - " أسد بن موسى المرداني " ، " أسد السنة " ، مضى برقم : 23 ، 2530.
و " سعيد بن سالم القداح " ، متكلم فيه ، وثقه ابن معين ، غير أن ابن حبان قال : " يهم في الأخبار حتى يجيء بها مقلوبة ، حتى خرج عن حد الاحتجاج به " . مترجم في التهذيب.
و " منصور بن دينار التميمي الضبي " ، ضعفوه. مترجم في الكبير 4/ 1/ 347 ، وابن أبي حاتم 4/1/171 ، وميزان الاعتدال 3 : 201 ، وتعجيل المنفعة : 412 ، ولسان الميزان 6 : 95.
و " عبد الملك بن ميسرة الهلالي الزراد " ، ثقة ، من صغار التابعين مضى برقم : 503 ، 504
فهذا خبر ضعيف الإسناد ، مع روايته من طرق صحاح عن قيس ، عن أبي بكر.
(2) الأثر : 12878 - " محمد بن بشار " ، هو " بندار " ، مضى مئات من المرات. وكان في المطبوعة هنا " محمد بن سيار " ، أساء قراءة المخطوطة.
" وإسحق بن إدريس الأسواري البصري " ، منكر الحديث ، تركه الناس ، قال ابن معين : " كذاب ، يضع الحديث " . وقال ابن حبان : " كان يسرق الحديث " . مترجم في الكبير 1/1/382 ، وابن أبي حاتم 1/1/213 ، وميزان الاعتدال 1 : 86 ، ولسان الميزان 1 : 352.
و " سعيد بن زيد بن درهم الجهضمي " ، ثقة ، متكلم فيه ، حتى ضعفوا حديثه. مضى برقم : 11801.
و " مجالد بن سعيد بن عمير الهمداني " ، قال أحمد : " يرفع حديثًا لا يرفعه الناس " ، وهو ثقة ، متكلم فيه. ومضى برقم : 1614 ، 2987 ، 2988 ، 11156.
وهذا أيضًا إسناد ضعيف.

(11/151)


* ذكر من قال ذلك :
12879 - حدثني يعقوب قال ، حدثنا هشيم ، عن أبي بشر ، عن سعيد بن جبير في قوله : " لا يضركم من ضلّ إذا اهتديتم " ، قال : يعني من ضلّ من أهل الكتاب.
12880 - حدثنا ابن بشار قال ، حدثنا محمد بن جعفر قال ، حدثنا شعبة ، عن أبي بشر ، عن سعيد بن جبير في هذه الآية : " لا يضركم من ضل إذا اهتديتم " ، قال : أنزلت في أهل الكتاب.
* * *
وقال آخرون : عنى بذلك كل من ضل عن دين الله الحق.
* ذكر من قال ذلك :
12881 - حدثني يونس بن عبد الأعلى قال ، أخبرنا ابن وهب قال ، قال ابن زيد في قوله : " يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضَل إذا اهتديتم " ، قال : كان الرجل إذا أسلم قالوا له : سفَّهت آباءك وضللتهم ، وفعلت وفعلت ، وجعلت آباءك كذا وكذا! كان ينبغي لك أن تنصرهم ، وتفعل!
فقال الله تعالى : " يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضلّ إذا اهتديتم " .
* * *
قال أبو جعفر : وأولى هذه الأقوال وأصحّ التأويلات عندنا بتأويل هذه الآية ، ما روي عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه فيها ، وهو : " يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم " ، الزموا العملَ بطاعة الله وبما أمركم به ، وانتهوا عما نهاكم الله عنه " لا يضركم من ضل إذا اهتديتم " ، يقول : فإنه لا يضركم ضلال من ضل إذا أنتم لزمتم العمل بطاعة الله ، (1) وأدَّيتم فيمن ضل من الناس ما ألزمكم
__________
(1) في المطبوعة : " إذا أنتم رمتم العمل بطاعة الله " ، وهو لا معنى له ، أساء قراءة ما في المخطوطة ، لسوء كتابتها.

(11/152)


الله به فيه ، من فرض الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الذي يركبه أو يحاول ركوبه ، والأخذ على يديه إذا رام ظلمًا لمسلم أو معاهد ومنعه منه فأبى النزوع عن ذلك ، ولا ضير عليكم في تماديه في غيِّه وضلاله ، إذا أنتم اهتديتم وأديتم حق الله تعالى ذكره فيه.
وإنما قلنا ذلك أولى التأويلات في ذلك بالصواب ، لأن الله تعالى ذكره أمر المؤمنين أن يقوموا بالقسط ، ويتعاونوا على البر والتقوى. ومن القيام بالقسط ، الأخذ على يد الظالم. ومن التعاون على البر والتقوى ، الأمر بالمعروف. وهذا مع ما تظاهرت به الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من أمره بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. ولو كان للناس تركُ ذلك ، لم يكن للأمر به معنًى ، إلا في الحال التي رخَّص فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم تركَ ذلك ، وهي حال العجز عن القيام به بالجوارح الظاهرة ، فيكون مرخصًا له تركه ، إذا قام حينئذ بأداء فرض الله عليه في ذلك بقلبه.
وإذا كان ما وصفنا من التأويل بالآية أولى ، فبيِّنٌ أنه قد دخل في معنى قوله : " إذا اهتديتم " ، ما قاله حذيفة وسعيد بن المسيب من أن ذلك : " إذا أمرتم بالمعروف ونهيتم عن المنكر " ، ومعنى ما رواه أبو ثعلبة الخشني عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
* * *
القول في تأويل قوله : { إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (105) }
قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره للمؤمنين من عباده : اعملوا ، أيها المؤمنون ، بما أمرتكم به ، وانتهوا عما نهيتكم عنه ، ومروا أهل الزَّيغ والضلال وما حاد عن

(11/153)


يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ أَوْ آَخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ إِنْ أَنْتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَأَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةُ الْمَوْتِ تَحْبِسُونَهُمَا مِنْ بَعْدِ الصَّلَاةِ فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ إِنِ ارْتَبْتُمْ لَا نَشْتَرِي بِهِ ثَمَنًا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَلَا نَكْتُمُ شَهَادَةَ اللَّهِ إِنَّا إِذًا لَمِنَ الْآَثِمِينَ (106)

سبيلي بالمعروف ، وانهوهم عن المنكر. فإن قبلوا ، فلهم ولكم ، وإن تمادَوْا في غيهم وضلالهم ، فإن إليّ مرجع جميعكم ومصيركم في الآخرة ومصيرهم ، (1) وأنا العالم بما يعمل جميعكم من خير وشر ، فأخبر هناك كلَّ فريق منكم بما كان يعمله في الدنيا ، (2) ثم أجازيه على عمله الذي قَدِم به عليّ جزاءه حسب استحقاقه ، فإنه لا يخفى عليَّ عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى.
* * *
القول في تأويل قوله : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ }
قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره للمؤمنين به : " يا أيها الذين آمنوا شهادةُ بينكم " ، يقول : ليشهد بينكم " إذا حضر أحدكم الموت حين الوصية " ، يقول : وقت الوصية " اثنان ذوا عدل منكم " ، يقول : ذوا رشد وعقل وحِجًى من المسلمين ، (3) كما : -
12882 - حدثنا محمد بن بشار وعبيد الله بن يوسف الجبيري قالا حدثنا مؤمل بن إسماعيل قال ، حدثنا شعبة ، عن قتادة ، عن سعيد بن المسيب في قوله : وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ [سورة الطلاق : 2] ، قال : ذَوَي عقل. (4)
واختلف أهل التأويل في تأويل قوله : " ذوا عدل منكم " .
فقال بعضهم : عنى به : من أهل ملتكم.
__________
(1) انظر تفسير " المرجع " فيما سلف 6 : 464/10 : 391 ، تعليق : 2.
(2) انظر تفسير " أنبأ " فيما سلف من فهارس اللغة (نبأ).
(3) انظر تفسير ألفاظ هذه الآية فيما سلف من فهارس اللغة.
(4) الأثر : 12882 - " عبيد الله بن يوسف الجبيري " ، " أبو حفص البصري " ، شيخ الطبري ، ثقة. روي له ابن ماجه. مترجم في التهذيب. وفي المخطوطة : " عبد الله بن يوسف " ، وهو خطأ. ومضى في رقم : 109 ، ولم يترجم هناك.
وهذا الخبر في تفسير الآية الثانية من " سورة الطلاق " ، ولم يذكره أبو جعفر هناك في تفسير الآية. فهذا من ضروب اختصاره تفسيره.

(11/154)


* ذكر من قال ذلك :
12883 - حدثنا حميد بن مسعدة قال ، حدثنا يزيد بن زريع ، عن سعيد ، عن قتادة ، عن سعيد بن المسيب قال : شاهدان " ذوا عدل منكم " ، من المسلمين.
12884 - حدثنا عمران بن موسى القزاز قال ، حدثنا عبد الوارث بن سعيد قال ، حدثنا إسحاق بن سويد ، عن يحيى بن يعمر في قوله : " اثنان ذوا عدل منكم " ، من المسلمين.
12885 - حدثنا ابن بشار وابن المثنى قالا حدثنا ابن أبي عدي ، عن سعيد ، عن قتادة ، عن سعيد بن المسيب في قوله : " اثنان ذوا عدل منكم " ، قال : اثنان من أهل دينكم.
12886 - حدثنا أبو كريب قال ، حدثنا ابن إدريس ، عن أشعث ، عن ابن سيرين ، عن عبيدة قال : سألته ، عن قول الله تعالى ذكره : " اثنان ذوا عدل منكم " ، قال : من الملة.
12887 - حدثنا أبو كريب قال ، حدثنا ابن إدريس ، عن هشام ، عن ابن سيرين ، عن عبيدة ، بمثله إلا أنه قال فيه : من أهل الملة.
12888 - حدثني يعقوب قال ، حدثنا ابن علية ، عن هشام ، عن ابن سيرين قال : سألت عبيدة عن هذه الآية : " اثنان ذوا عدل منكم " ، قال : من أهل الملة.
12889 - حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا أبي ، عن ابن عون ، عن ابن سيرين ، عن عبيدة ، مثله.

(11/155)


12890 - حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا حسين ، عن زائدة ، عن هشام ، عن ابن سيرين قال : سألت عبيدة ، فذكر مثله.
12891 - حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا ابن مهدي ، عن حماد ، عن ابن أبي نجيح وقال ، حدثنا مالك بن إسماعيل ، عن حماد بن زيد ، عن ابن أبي نجيح عن مجاهد ، مثله.
12892 - حدثني محمد بن سعد قال ، حدثني أبي قال ، حدثني عمي قال ، حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس : " ذوا عدل منكم " ، قال : ذوا عدل من أهل الإسلام.
12893 - حدثني يونس قال ، أخبرنا ابن وهب قال ، قال ابن زيد في قوله : " ذوا عدل منكم " ، قال : من المسلمين.
12894 - حدثنا بشر بن معاذ قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد ، عن قتادة قال : كان سعيد بن المسيب يقول : " اثنان ذوا عدل منكم " ، أي : من أهل الإسلام.
* * *
وقال آخرون : عنى بذلك : ذوا عدل من حَيِّ الموصِي. وذلك قول روي عن عكرمة وعبيدة وعدّة غيرهما.
* * *
واختلفوا في صفة " الاثنين " اللذين ذكرهما الله في هذه الآية ، ما هي ، وما هما ؟
فقال بعضهم : هما شاهدان يشهدان على وصية الموصي.
* * *
وقال آخرون : هما وصيان.
* * *
وتأويل الذين زعموا أنهما شاهدان. قولَه : " شهادة بينكم " ، ليشهد شاهدان

(11/156)


ذوا عدل منكم على وصيتكم.
* * *
وتأويل الذين قالوا : " هما وصيان لا شاهدان " قولَه : " شهادة بينكم " ، بمعنى الحضور والشهود لما يوصيهما به المريضُ ، من قولك : " شهدت وصية فلان " ، بمعنى حضرته. (1)
* * *
قال أبو جعفر : وأولى التأويلين بقوله : " اثنان ذوا عدل منكم " ، تأويلُ من تأوّله بمعنى أنهما من أهل الملة ، دون من تأوّله أنهما من حيّ الموصي.
وإنما قلنا ذلك أولى التأويلين بالآية ، لأن الله تعالى ذكره ، عم المؤمنين بخطابهم بذلك في قوله : " يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم إذا حضر أحدكم الموت حين الوصية اثنان ذوا عدل منكم " فغير جائز أن يصرف ما عمَّه الله تعالى ذكره إلى الخصوص إلا بحجة يجب التسليم لها. وإذ كان ذلك كذلك ، فالواجب أن يكون العائدُ من ذكره على العموم ، (2) كما كان ذكرهم ابتداءً على العموم.
* * *
وأولى المعنيين بقوله : " شهادة بينكم " اليمين ، لا " الشهادة " التي يقوم بها مَنْ عنده شهادة لغيره ، لمن هي عنده ، على مَن هي عليه عند الحكام. (3) لأنا لا نعلم لله تعالى ذكره حكمًا يجب فيه على الشاهد اليمين ، فيكون جائزًا صرفُ " الشهادة " في هذا الموضع ، إلى " الشهادة " التي يقوم بها بعض الناس عند الحكام والأئمة.
__________
(1) انظر تفسير " شهد " فيما سلف من فهارس اللغة ، واختلاف معانيها.
(2) في المطبوعة : " من ذكرهم " ، وما في المخطوطة صواب محض.
(3) كان صدر هذه العبارة في المخطوطة : " شهادة بينكم ، لأن الشهادة . . . " ، أسقط لفظ " اليمين " ، وجعل " لا الشهادة " ، " لأن الشهادة " ، وهو فاسد ، والذي في المطبوعة هو الصواب المحض إن شاء الله ، وهو مطابق لما رواه القرطبي في تفسيره 6 : 348 ، عن أبي جعفر الطبري.

(11/157)


وفي حكم الآية في هذه ، اليمينَ على ذوي العدل وعلى من قام مقامهم ، باليمين بقوله (1) " تحبسونهما من بعد الصلاة فيقسمان بالله " أوضحُ الدليل على صحة ما قلنا في ذلك ، من أن " الشهادة " فيه : الأيمان ، دون الشهادة التي يقضَى بها للمشهود له على المشهود عليه وفسادِ ما خالفه.
* * *
فإن قال قائل : فهل وجدتَ في حكم الله تعالى ذكره يمينًا تجب على المدَّعي ، فتوجه قولك في الشهادة في هذا الموضع إلى الصحة ؟
فإن قلتَ : " لا " ، تبين فساد تأويلك ذلك على ما تأوّلت ، لأنه يجب على هذا التأويل أن يكون المقسمان في قوله : " فإن عثر على أنهما استحقا إثما فآخران يقومان مقامهما من الذين استحق عليهم الأوليان فيقسمان بالله لشهادتنا أحقّ من شهادتهما " ، هما المدعيين.
وإن قلت : " بلى " ، قيل لك : وفي أيّ حكم لله تعالى ذكره وجدتَ ذلك ؟ قيل : وجدنا ذلك في أكثر المعاني. وذلك في حكم الرجل يدَّعي قِبَل رجل مالا فيقرّ به المدّعَى عليه قِبَله ذلك ، ويدّعي قضاءه. فيكون القول قول ربّ الدين (2)
والرجل يعرّف في يد الرجل السلعةَ ، فيزعم المعرّف في يده أنه اشتراها من المدّعِي ، أو أنّ المدعي وهبها له ، وما أشبه ذلك مما يكثر إحصاؤه. وعلى هذا الوجه أوجبَ الله تعالى ذكره في هذا الموضع اليمين على المدعيين اللذين عثرا على الخائنين فيما خانا فيه. (3)
__________
(1) في المطبوعة هنا " في اليمين بقوله " غير ما في المخطوطة ، وأفسد الكلام. والسياق " وفي حكم الآية . . . باليمين . . . أوضح الدليل . . . " .
(2) قوله : " والرجل يعترف " ، معطوف على قوله : " في حكم الرجل . . . . " . وكان في المطبوعة هنا " والرجل يعترف . . . فيزعم المعترفة " ، وهو خطأ ، وصوابه ما أثبت كما في المخطوطة.
(3) في المطبوعة : " . . . على الجانبين فيما جنيا فيه " ، وهو لا معنى له هنا. وفي المخطوطة : " على الجانبين فيما صاهما فيه " ، وصواب قراءتها ما أثبت.

(11/158)


قال أبو جعفر : واختلف أهل العربية في الرافع قولَه : " شهادة بينكم " ، وقولَه : " اثنان ذوا عدل منكم " .
فقال بعض نحويي البصرة : معنى قوله : " شهادة بينكم " ، شهادة اثنين ذوي عدل ، ثم ألقيت " الشهادة " ، وأقيم " الاثنان " مقامها ، فارتفعا بما كانت " الشهادة " به مرتفعة لو جعلت في الكلام. (1) قال : وذلك في حذف ما حذف منه ، وإقامة ما أقيم مقام المحذوف نظيرُ قوله : وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ [سورة يوسف : 82] ، وإنما يريد : واسأل أهل القرية ، وانتصبت " القرية " بانتصاب " الأهل " ، وقامت مقامه ، ثم عطف قوله : " أو آخران " على " الاثنين " .
* * *
وقال بعض نحويي الكوفة : رفع " الاثنين " ب " الشهادة " ، أي : ليشهدكم اثنان من المسلمين ، أو آخران من غيركم.
* * *
وقال آخر منهم : رفعت " الشهادة " ، ب " إذا حضر " . وقال : إنما رفعت بذلك ، لأنه قال : " إذا حضر " فجعلها " شهادة " محذوفة مستأنفة ، ليست بالشهادة التي قد رفعت لكل الخلق ، لأنه قال تعالى ذكره : " أو آخران من غيركم " ، وهذه شهادة لا تقع إلا في هذا الحال ، وليست مما يثبت. (2)
* * *
قال أبو جعفر : وأولى هذه الأقوال في ذلك عندي بالصواب ، قولُ من قال : " الشهادة " مرفوعة بقوله : " إذا حضر " ، لأن قوله : " إذا حضر " ،
__________
(1) في المطبوعة والمخطوطة : " بما كانت الشاهدة به مرتفعة " ، وهو خطأ لا شك فيه ، صوابه ما أثبت.
(2) في المطبوعة : " مما ثبت " ، وأثبت ما في المخطوطة.

(11/159)


بمعنى : عند حضور أحدكم الموت ، و " الاثنان " مرفوع بالمعنى المتوهَّم ، وهو : أن يشهد اثنان فاكتفي من قيل : " أن يشهد " ، بما قد جرى من ذكر " الشهادة " في قوله : " شهادة بينكم " .
وإنما قلنا ذلك أولى بالصواب ، لأن " الشهادة " مصدر في هذا الموضع ، و " الاثنان " اسم ، والاسم لا يكون مصدرًا. غير أن العرب قد تضع الأسماء مواضع الأفعال. (1) فالأمر وإن كان كذلك ، فصرْفُ كل ذلك إلى أصح وُجوهه ما وجدنا إليه سبيلا أولى بنا من صرفه إلى أضعفها.
* * *
القول في تأويل قوله : { أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ }
قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره للمؤمنين : ليشهد بينكم إذا حضر أحدكم الموت ، عدلان من المسلمين ، أو آخران من غير المسلمين.
* * *
وقد اختلف أهل التأويل في تأويل قوله : " أو آخران من غيركم " .
فقال بعضهم : معناه : أو آخران من غير أهل ملتكم ، نحو الذي قلنا فيه.
* ذكر من قال ذلك :
12859 - حدثنا حميد بن مسعدة وبشر بن معاذ قالا (2) حدثنا يزيد بن زريع ، عن سعيد ، عن قتادة ، عن سعيد بن المسيب : " أو آخران من غيركم " ، من أهل الكتاب.
__________
(1) " الأفعال " : المصادر. وانظر فهارس المصطلحات فيما سلف.
(2) في المطبوعة والمخطوطة : " يونس بن معاذ " ، وهو خطأ محض. و " بشر بن معاذ " عن يزيد بن زريع ، عن سعيد ، عن قتادة " إسناد دائر في أكثر صفحات هذا التفسير.

(11/160)


12896 - حدثنا محمد بن بشار ومحمد بن المثنى قالا حدثنا محمد بن جعفر قال ، حدثنا شعبة قال ، سمعت قتادة يحدث ، عن سعيد بن المسيب : " أو آخران من غيركم " ، من أهل الكتاب.
12897 - حدثني أبو حفص الجبيري ، عبيد الله بن يوسف قال ، حدثنا مؤمل بن إسماعيل قال ، حدثنا شعبة ، عن قتادة ، عن سعيد بن المسيب ، مثله. (1)
12898 - حدثنا محمد بن بشار قال ، حدثنا ابن أبي عدي ، عن سعيد ، عن قتادة ، عن سعيد ، مثله.
12899 - حدثني يعقوب قال ، حدثنا هشيم قال ، أخبرنا مغيرة ، عن إبراهيم وسليمان التيمي ، عن سعيد بن المسيب ، أنهما قالا في قوله : " أو آخران من غيركم " ، قالا من غير أهل ملتكم.
12900 - حدثني يعقوب قال ، حدثنا هشيم قال ، أخبرنا مغيرة قال ، حدثني من سمع سعيد بن جبير يقول ، مثل ذلك.
12901 - حدثني يعقوب قال ، حدثنا هشيم قال ، أخبرنا التيمي ، عن أبي مجلز قال : من غير أهل ملتكم.
12902 - حدثنا ابن بشار قال ، حدثنا محمد بن جعفر قال ، حدثنا شعبة ، عن مغيرة ، عن إبراهيم ، مثله.
12903 - حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا جرير ، عن مغيرة ، عن إبراهيم قال : إن كان قُرْبَه أحدٌ من المسلمين أشهدهم ، وإلا أشهد رجلين من المشركين.
12904 - حدثنا عمرو بن علي قال ، حدثنا أبو قتيبة قال ، حدثنا هشيم ، عن المغيرة ، عن إبراهيم وسعيد بن جبير في قوله : " أو آخران من غيركم " ، قالا
__________
(1) الأثر : 12897 - " أبو حفص الجبيري " ، " عبيد الله بن يوسف " ، مضى قريبًا رقم : 12882.

(11/161)


من غير أهل ملتكم. (1)
12905 - حدثنا عمرو قال ، حدثنا يحيى بن سعيد قال ، حدثنا سعيد ، عن قتادة ، عن سعيد : " أو آخران من غيركم " ، قال : من أهل الكتاب.
12906 - حدثنا عمرو قال ، حدثنا محمد بن سواء قال ، حدثنا سعيد ، عن قتادة ، عن سعيد بن المسيب ، مثله. (2)
12907 - حدثنا هناد قال ، حدثنا وكيع وحدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا أبي عن شعبة ، عن قتادة ، عن سعيد بن المسيب ، مثله.
12908 - حدثنا عمران بن موسى قال ، حدثنا عبد الوارث بن سعيد قال ، حدثنا إسحاق بن سويد ، عن يحيى بن يعمر في قوله : " اثنان ذوا عدل منكم " ، من المسلمين ، فإن لم تجدوا من المسلمين ، فمن غير المسلمين.
12909 - حدثنا محمد بن المثنى قال ، حدثنا عبد الأعلى قال ، حدثنا داود ، عن عامر ، عن شريح في هذه الآية : " يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم إذا حضر أحدكم الموتُ حين الوصية اثنان ذوا عدل منكم أو آخران من غيركم " ، قال : إذا كان الرجل بأرض غُرْبة ولم يجد مسلمًا يشهده على وصيته ، فأشهد يهوديًّا أو نصرانيًّا أو مجوسيًّا ، فشهادتهم جائزة. (3) فإن جاء رجلان مسلمان فشهدا بخلاف شهادتهما ، أجيزت شهادة المسلمين ، وأبطلت شهادة الآخرَيْن. (4)
__________
(1) الأثر : 12904 - " أبو قتيبة " هو " سلم بن قتيبة الشعيري الفريابي " . مضى برقم : 1899 ، 1924 ، 6395 ، 9714. وكان في المطبوعة : " قتيبة " ، غير كنية ، والصواب من المخطوطة.
(2) الأثر : 12906 - " عمرو " هو " عمرو بن علي الفلاس " ، مضى مرارًا.
و " محمد بن سواء بن عنبر السدوسي العنبري " . صدوق ، ثقة ، متكلم فيه. مترجم في التهذيب.
وكان في المطبوعة : " محمد بن سوار " وهو خطأ ، وفي المخطوطة : " محمد بن سوا " ، وأساء الناشر قراءته.
(3) في المطبوعة : " فشهادتها " ، وأثبت ما في المخطوطة ، وهو الصواب ، وسيأتي كذلك في رقم : 12974.
(4) الأثر : 12909 - في المخطوطة والمطبوعة : " حدثني المثنى " . والصواب ما أثبته ، وسيأتي هذا الخبر في موضعين بهذا الإسناد على الصواب ، وذلك رقم : 12943 ، 12974 ، ولذلك رددته إلى الصواب.

(11/162)


12910 - حدثني يعقوب قال ، حدثنا هشيم قال ، أخبرنا الأعمش ، عن إبراهيم ، عن شريح : أنه كان لا يجيز شهادة اليهود والنصارى على مسلم إلا في الوصية ، ولا يجيز شهادتهما على الوصية إلا إذا كانوا في سفَر.
12911 - حدثنا عمرو بن علي قال ، حدثنا أبو معاوية ووكيع قالا حدثنا الأعمش ، عن إبراهيم ، عن شريح قال : لا تجوز شهادة اليهودي والنصرانيّ إلا في سفر ، ولا تجوز في سفر إلا في وصية. (1)
12912 - حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا أبي ، عن الأعمش ، عن إبراهيم ، عن شريح ، نحوه.
12913 - حدثنا عمرو بن علي قال ، حدثنا محمد بن عبد الله بن الزبير الأسدي قال ، حدثنا سفيان ، عن منصور ، عن إبراهيم قال : كتب هشام بن هُبَيرة لمسلمة عن شهادة المشركين على المسلمين ، فكتب : " لا تجوز شهادة المشركين على المسلمين إلا في وصية ، ولا يجوز في وصية إلا أن يكون الرجل مسافرًا " .
12914 - حدثنا أبو كريب قال ، حدثنا ابن إدريس ، عن أشهب ، عن ابن سيرين ، عن عبيدة قال : سألته عن قول الله تعالى ذكره : " أو آخران من غيركم " ، قال : من غير الملة.
12915 - حدثنا أبو كريب قال ، حدثنا ابن إدريس ، عن هشام ، عن ابن سيرين ، عن عبيدة ، بمثله.
12916 - حدثني يعقوب قال ، حدثنا ابن علية ، عن هشام ، عن ابن سيرين قال : سألت عبيدة ، عن ذلك فقال : من غير أهل الملة.
12917 - حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا جرير ، عن هشام ، عن ابن
__________
(1) في المطبوعة : " اليهود والنصارى " ، وأثبت ما في المخطوطة.

(11/163)


سيرين ، عن عبيدة قال : من غير أهل الصلاة.
12918 - حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا ابن إدريس ، عن هشام ، عن ابن سيرين ، عن عبيدة قال : من غير أهل دينكم.
12919 - حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا حسين ، عن زائدة ، عن هشام ، عن ابن سيرين ، عن عبيدة قال : من غير أهل الملة.
12920 - حدثنا عمرو بن علي قال ، حدثنا أبو داود قال ، حدثنا أبو حرّة ، عن محمد بن سيرين ، عن عبيدة : " أو آخران من غيركم " ، قال : من غير أهل ملتكم.
12921 - حدثنا عمرو بن علي قال ، حدثنا عبد الرحمن بن عثمان قال ، حدثنا هشام بن محمد قال ، سألت سعيد بن جبير عن [ قول الله : " أو آخران من غيركم " ، قال : من غير أهل ملتكم] . (1)
12922 - حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا مالك بن إسماعيل ، عن حماد بن زيد ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله.
12923 - حدثنا عمرو قال ، حدثنا أبو داود قال ، حدثنا حماد بن زيد ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد قال : من غير أهل ملتكم.
12924 - حدثني محمد بن سعد قال ، حدثني أبي قال ، حدثني عمي قال ، حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس : " أو آخران من غيركم " ، من غير أهل الإسلام.
12925 - حدثنا أبو كريب قال ، حدثنا أبو بكر بن عياش قال ، قال أبو إسحاق : " أو آخران من غيركم " ، قال : من اليهود والنصارى قال
__________
(1) الأثر : 12921 - انتهى هذا الأثر في المخطوطة عند قوله : " . . . سعيد بن جبير عن " ووضع الناسخ في المخطوطة حرف (ط) بالأحمر في الهامش ، دلالة على الخطأ والشك. أما المطبوعة ، فزادت ما وضعته بين القوسين ، وهو صواب في المعنى إن شاء الله.

(11/164)


قال شريح : لا تجوز شهادة اليهوديّ والنصراني إلا في وصية ، ولا تجوز في وصية إلا في سفر.
12926 - حدثني يعقوب قال ، حدثنا هشيم قال ، أخبرنا زكريا ، عن الشعبي : أن رجلا من المسلمين حضرته الوفاة بدَقوقَا هذه. (1) قال : فحضرته الوفاة ولم يجد أحدًا من المسلمين يشهده على وصيته ، فأشهده رجلين من أهل الكتاب ، فقدما الكوفة ، فأتيا الأشعريّ فأخبراه ، وقدِما بتركته ووصيته ، فقال الأشعري : هذا أمر لم يكن بعدَ الذي كان في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم! فأحلفهما وأمضى شهادتهما. (2)
12927 - حدثنا عمرو بن علي قال ، حدثنا أبو داود قال ، حدثنا شعبة ، عن مغيرة الأزرق ، عن الشعبي : أن أبا موسى قضى بها بدَقوقَا.
12928 - حدثنا عمرو قال ، حدثنا عثمان بن الهيثم قال ، حدثنا عوف ، عن محمد : أنه كان يقول في قوله : " اثنان ذوا عدل منكم أو آخران من غيركم " ، شاهدان من المسلمين وغير المسلمين.
12929 - حدثني يونس قال ، أخبرنا ابن وهب قال ، قال ابن زيد : " أو آحران من غيركم " ، من غير أهل الإسلام.
12930 - حدثني المثنى قال ، حدثنا إسحاق قال ، حدثنا عبد الرحمن بن سعد قال ، أخبرنا أبو حفص ، عن ليث ، عن مجاهد قال : من غير أهل الإسلام.
__________
(1) " دقوقا " و " دقوقاء " ، مقصورًا وممدودًا ؛ مدينة بين إربل وبغداد معروفة ، لها ذكر في الأخبار والفتوح ، كان بها وقعة للخوارج ، وكثر ذكرها في بعض أشعار الخوارج.
وكان في المطبوعة : " . . . بدقوقا ، ولم يجد أحدًا من المسلمين " ، حذف ما أثبته من المخطوطة.
وأساء. وظاهر من الخبر أن الشعبي قال هذا ، وهو يومئذ بدقوقا. وهو أيضًا ثابت في سنن أبي داود.
(2) الأثر : 12926 - رواه أبو داود في سننه 3 : 417 رقم : 3605 .

(11/165)


12931 - حدثني يونس قال ، أخبرنا ابن وهب قال ، أخبرني عبد الله بن عياش قال : قال زيد بن أسلم في هذه الآية : " شهادة بينكم " الآية كلها ، قال : كان ذلك في رجل تُوُفّيَ وليس عنده أحد من أهل الإسلام ، وذلك في أوّل الإسلام ، والأرض حرب ، والناس كفار ، إلا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه بالمدينة ، وكان الناس يتوارثون بالوصية ، ثم نُسِخت الوصية وفرضت الفرائض ، وعمل المسلمون بها. (1)
* * *
وقال آخرون : بل معنى ذلك : أو آخران من غير حَيِّكم وعشيرتكم.
* ذكر من قال ذلك :
12932 - حدثنا عمرو بن علي قال ، حدثنا عثمان بن الهيثم بن الجهم قال ، حدثنا عوف ، عن الحسن في قوله : " اثنان ذوا عدل منكم أو آخران من غيركم " ، قال : شاهدان من قومكم ومن غير قومكم. (2)
12933 - حدثنا عمرو قال ، حدثنا أبو داود قال ، حدثنا صالح بن أبي الأخضر ، عن الزهري قال : مضت السُّنة أن لا تجوز شهادة كافر في حضر ولا سفر ، إنما هي في المسلمين. (3)
12934 - حدثنا بشر بن معاذ قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد ، عن قتادة قال : كان الحسن يقول : " اثنان ذوا عدل منكم " ، أي : من عشيرته " أو آخران من غيركم " ، قال : من غير عشيرته.
__________
(1) الأثر : 12931 - " عبد الله بن عياش بن عباس القتباني " ، " أبو حفص " المصري. مضى برقم : 12177. وكان في المطبوعة : " عبد الله بن عباس " ، وهو خطأ ، وهو على الصواب في المخطوطة.
(2) الأثر : 12932 - " عثمان بن الهيثم بن الجهم بن عيسى العصري العبدي " ، وهو " الأشج العصري " ثقة. علق عنه البخاري. يروي عن عوف الأعرابي ، مترجم في التهذيب.
(3) الأثر : 12933 - " صالح بن أبي الأخضر اليمامي " ، خادم الزهري ، مضى برقم : 9312.

(11/166)


12935 - حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا أبو أسامة ، عن ثابت بن زيد ، عن عاصم ، عن عكرمة : " أو آخران من غيركم " ، قال : من غير أهل حيِّكم.
12936 - حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا ابن مهدي ، عن ثابت بن زيد ، عن عاصم ، عن عكرمة : " أو آخران من غيركم " ، قال : من غير حيكم.
12937 - حدثنا عمرو بن علي قال ، حدثنا أبو داود قال ، حدثنا ثابت بن زيد ، عن عاصم الأحول ، عن عكرمة في قول الله تعالى ذكره : " أو آخران من غيركم " ، قال : من غير أهل حيه يعني : من المسلمين.
12938 - حدثني الحارث بن محمد قال ، حدثنا عبد العزيز قال ، حدثنا مبارك ، عن الحسن : " أو آخران من غيركم " ، قال : من غير عشيرتك ، ومن غير قومك ، كلهم من المسلمين.
12939 - حدثنا الحسن بن يحيى قال ، أخبرنا عبد الرزاق قال ، أخبرنا معمر ، عن أيوب ، عن ابن سيرين ، عن عبيدة قوله : " أو آخران من غيركم " ، قال : مسلمين من غير حيكم.
12940 - حدثني المثنى قال ، حدثنا عبد الله بن صالح قال ، حدثني الليث قال ، حدثني عقيل قال : سألت ابن شهاب عن قول الله تعالى ذكره : " يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم إذا حضر أحدكم الموت " ، إلى قوله : " والله لا يهدي القوم الفاسقين " ، قلت : أرأيت الاثنين اللذين ذكر الله ، من غير أهل المرء الموصي ، أهما من المسلمين ، أم هما من أهل الكتاب ؟ وأرأيت الآخرين اللذين يقومان مقامهما ، أتراهما من [غير] أهل المرء الموصي ، (1) أم هما من غير
__________
(1) الزيادة التي بين القوسين لا بد منها. وفي المخطوطة كما كانت في المطبوعة ، إلا أن الناسخ وضع في الهامش علامة الشك ، وهي هكذا (1) ، فأثبت الصواب إن شاء الله.

(11/167)


المسلمين ؟ قال ابن شهاب : لم نسمع في هذه الآية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولا عن أئمة العامة ، سنة أذكرها ، وقد كنا نتذاكرها أناسًا من علمائنا أحيانًا ، فلا يذكرون فيها سُنة معلومة ، ولا قضاءً من إمام عادل ، ولكنه يختلف فيها رأيهم. وكان أعجبهم فيها رأيًا إلينا ، الذين كانوا يقولون : هي فيما بين أهل الميراث من المسلمين ، يشهد بعضهم الميت الذي يرثونه ، ويغيب عنه بعضهم ، ويشهد من شهده على ما أوصى به لذوي القربى ، فيخبرون من غاب عنه منهم بما حضرُوا من وصية. فإن سلّموا جازت وصيته ، وإن ارتابوا أن يكونوا بدَّلوا قولَ الميت ، وآثروا بالوصية من أرادوا ممن لم يوص لهم الميت بشيء ، حَلَف اللذان يشهدان على ذلك بعد الصلاة ، وهي صلاة المسلمين ، فيقسمان بالله : " إن ارتبتم لا نشتري به ثمنا ولو كان ذا قربى ولا نكتم شهادة الله إنا إذًا لمن الآثمين " . فإذا أقسما على ذلك جازت شهادتهما وأيمانهما ، ما لم يعثر على أنهما [استحقا إثمًا في شيء من ذلك ، فإن عُثر على أنهما استحقا إثمًا في شيء من ذلك ] ، (1) قام آخران مقامهما من أهل الميراث ، من الخصم الذين ينكرون ما شهد به عليه الأوَّلان المستحلفان أول مرة ، فيقسمان بالله لشهادتنا [ أحق من شهادتكما] ، (2) على تكذيبكما أو إبطال ما شهدتما به " وما اعتدينا إنا إذًا لمن الظالمين " " ذلك أدنى أن يأتوا بالشهادة على وجهها أو يخافوا أن ترد أيمان بعد أيمانهم " ، الآية.
* * *
قال أبو جعفر : وأولى التأويلين في ذلك عندنا بالصواب ، تأويل من تأوّله : أو آخران من غير أهل الإسلام. وذلك أن الله تعالى عرَّف عباده المؤمنين عند
__________
(1) هذه الجملة التي بين القوسين ، ليست في المخطوطة ، ووضع في المطبوعة مكانها : " فإن عثر " ، واقتصر على ذلك ، واستظهرت الجملة من سياق أبي جعفر.
(2) هذه الزيادة بين القوسين لا بد منها ، استظهرتها من الآية والسياق.

(11/168)


الوصية ، شهادة اثنين من عدول المؤمنين ، أو اثنين من غير المؤمنين. ولا وجه لأن يقال في الكلام صفة شهادة مؤمنين منكم ، أو رجلين من غير عشيرتكم ، وإنما يقال : صفة شهادة رجلين من عشيرتكم أو من غير عشيرتكم أو رجلين من المؤمنين أو من غير المؤمنين.
فإذ كان لا وجه لذلك في الكلام ، فغير جائز صرف معنى كلام الله تعالى ذكره إلا إلى أحسن وجوهه. (1)
وقد دللنا قبل على أن قوله تعالى : " ذوا عدل منكم " ، إنما هو من أهل دينكم وملتكم ، بما فيه كفاية لمن وفق لفهمه.
وإذ صح ذلك بما دللنا عليه ، فمعلوم أن معنى قوله : " أو آخران من غيركم " ، إنما هو : أو آخران من غير أهل دينكم وملتكم. وإذ كان ذلك كذلك ، فسواء كان الآخران اللذان من غير أهل ديننا ، يهوديين كانا أو نصرانيين أو مجوسيين أو عابدَيْ وثَن ، أو على أي دين كانا. لأنّ الله تعالى ذكره لم يخصص آخرين من أهل ملة بعينها دونَ ملة ، بعد أن يكونا من [غير] أهل الإسلام. (2)
* * *
القول في تأويل قوله : { إِنْ أَنْتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ فَأَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةُ الْمَوْتِ }
قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره للمؤمنين : صفة شهادة بينكم إذا حضر أحدكم الموتُ وقتَ الوصية ، أن يشهد اثنان ذوا عدل منكم ، أيها المؤمنون ، أو رجلان آخران من غير أهل ملتكم ، إن أنتم سافرتم ذاهبين وراجعين في الأرض.
* * *
__________
(1) في المطبوعة : " صرف مغلق كلام الله " ، وفي المخطوطة : " معلق " ، وصواب قراءتها " معنى "
(2) هذه الزيادة بين القوسين ، لا بد منها ، وإلا فسد الكلام.

(11/169)


وقد بينا فيما مضى السبب الذي من أجله قيل للمسافر : " الضارب في الأرض " . (1)
" فأصابتكم مصيبة الموت " ، يقول : فنزل بكم الموت. (2)
* * *
ووجَّه أكثر التأويل هذا الموضع إلى معنى التعقيب دون التخيير ، وقالوا : معناه : شهادة بينكم إذا حضر أحدكم الموت حين الوصية ، اثنان ذوا عدل منكم إن وجدا ، فإن لم يوجدا فآخران من غيركم وإنما فعل ذلك من فعله ، لأنه وجَّه معنى " الشهادة " في قوله : " شهادة بينكم " ، إلى معنى الشهادة التي توجب للقوم قيامَ صاحبها عند الحاكم ، أو يُبطلها. * ذكر بعض من تأول ذلك كذلك :
12941 - حدثنا عمران بن موسى القزاز قال ، حدثنا عبد الوارث بن سعيد قال ، حدثنا إسحاق بن سويد ، عن يحيى بن يعمر في قوله : " ذوا عدل منكم " ، من المسلمين. فإن لم تجدوا من المسلمين ، فمن غير المسلمين.
12942 - حدثنا محمد بن بشار ومحمد بن المثنى قالا حدثنا ابن أبي عدي ، عن سعيد ، عن قتادة ، عن سعيد بن المسيب في قوله : " اثنان ذوا عدل منكم أو آخران من غيركم " ، قال : اثنان من أهل دينكم " أو آخران من غيركم " ، من أهل الكتاب ، إذا كان ببلادٍ لا يجد غيرهم.
12943 - حدثنا ابن المثنى قال ، حدثنا عبد الأعلى قال ، حدثنا داود ، عن عامر ، عن شريح في هذه الآية : " شهادة بينكم " إلى قوله : " أو آخران من غيركم " ، قال : إذا كان الرجل بأرض غربة ولم يجد مسلمًا يشهده على وصيته ، فأشهد يهوديًّا أو نصرانيًّا ، أو مجوسيًّا ، فشهادتهم جائزة.
__________
(1) انظر تفسير " الضرب في الأرض " فيما سلف 5 : 593/7 : 332/9 : 123.
(2) انظر تفسير " الإصابة " فيما سلف 8 : 514 ، 538 ، 555/10 : 393 ، 404

(11/170)


12944 - حدثني محمد بن الحسين قال ، حدثنا أحمد بن مفضل قال ، حدثنا أسباط ، عن السدي : " يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم إذا حضر أحدكم الموت حين الوصية اثنان ذوا عدل منكم " ، قال : هذا في الحضر " أو آخران من غيركم " ، في السفر " إن أنتم ضربتم في الأرض فأصابتكم مصيبة الموت " ، هذا ، الرجل يدركه الموت في سفره وليس بحضرته أحد من المسلمين ، (1) فيدعو رجلين من اليهود والنصارى والمجوس ، فيوصي إليهما.
12945 - حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثنا هشيم قال ، أخبرنا مغيرة ، عن إبراهيم وسعيد بن جبير أنهما قالا في هذه الآية : " يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم " الآية ، قال : إذا حضر الرجلَ الوفاةُ في سفر ، فيشهد رجلين من المسلمين. فإن لم يجد رجلين من المسلمين ، فرجلين من أهل الكتاب.
12946 - حدثني المثنى قال ، حدثنا عبد الله بن صالح قال ، حدثني معاوية ، عن علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : " يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم " إلى قوله : " ذوا عدل منكم " ، فهذا لمن مات وعنده المسلمون ، فأمره الله أن يشهد على وصيته عَدْلين من المسلمين. ثم قال : " أو آخران من غيركم إن أنتم ضربتم في الأرض فأصابتكم مصيبة الموت " ، فهذا لمن مات وليس عنده أحد من المسلمين ، فأمره الله تعالى ذكره بشهادة رجلين من غير المسلمين.
* * *
ووجَّه ذلك آخرون إلى معنى التخيير ، وقالوا : إنما عنى بالشهادة في هذا الموضع ، الأيمان على الوصية التي أوصى إليهما ، وائتمانَ الميت إياهما على ما ائتمنهما عليه من مال ليؤدِّياه إلى ورثته بعد وفاته ، إن ارتيب بهما. قالوا : وقد
__________
(1) في المطبوعة : " هذا الرجل " ، زاد " في " ، وأثبت ما في المخطوطة. وسيأتي على الصواب في رقم : 12954.

(11/171)


يتَّمِن الرجلُ على ماله من رآه موضعًا للأمانة من مؤمن وكافر في السفر والحضر. (1) وقد ذكرنا الرواية عن بعض من قال هذا القول فيما مضى ، وسنذكر بقيته إن شاء الله تعالى بعد.
* * *
القول في تأويل قوله : { تَحْبِسُونَهُمَا مِنْ بَعْدِ الصَّلاةِ فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ إِنِ ارْتَبْتُمْ لا نَشْتَرِي بِهِ ثَمَنًا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى }
قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره للمؤمنين به وبرسوله : شهادة بينكم إذا حضر أحدكم الموت ، إن شهد اثنان ذوا عدل منكم ، أو كان أوصى إليهما أو آخران من غيركم إن كنتم في سفر فحضرتكم المنيّة ، فأوصيتم إليهما ، ودفعتم إليهما ما كان معكم من مال وتركة لورثتكم. فإذا أنتم أوصيتم إليهما ودفعتم إليهما ما كان معكم من مال ، فأصابتكم مصيبة الموت ، فأدَّيا إلى ورثتكم ما اتَّمنتموهما وادَّعوا عليهما خيانة خاناها مما اتُّمنا عليه ، (2) فإن الحكم فيهما حينئذ أن تحبسوهما يقول : تستوقفونهما بعد الصلاة. وفي الكلام محذوف اجتزئ بدلالة ما ظهر منه على ما حذف ، وهو : " فأصابتكم مصيبة الموت ، وقد أسندتم وصيتكم إليهما ، ودفعتم إليهما ما كان معكم من مال " ، فإنكم تحبسونهما من بعد الصلاة " فيقسمان بالله إن ارتبتم " ، يقول : فيحلفان بالله إن اتهمتموهما بخيانة فيما اُّتمنا عليه من تغيير وصية أوصى إليهما بها أو تبديلها و " الارتياب " ، هو الاتهام (3) " لا نشتري به ثمنًا " ،
__________
(1) في المطبوعة : " وقد يأمن الرجل على ماله " ، وفي المخطوطة : " سمى الرجل " غير منقوطة ، وصواب قراءتها ما أثبت. " أمن الرجل على كذا ، وائتمنه ، واتمنه " (الأخيرة ، مشددة التاء). وانظر ما سلف 5 : 298 ، تعليق : 4.
(2) في المطبوعة في المواضع كلها " ائتمن " مكان " اتمن " ، وانظر التعليق السالف.
(3) انظر تفسير " الارتياب " فيما سلف 6 : 78 ، وتفسير " الريب " فيما سلف 8 : 592 ، تعليق : 5 ، والمراجع هناك.

(11/172)


يقول : يحلفان بالله لا نشتري بأيماننا بالله ثمنًا ، يقول : لا نحلف كاذبين على عوض نأخذه عليه ، وعلى مال نذهب به ، (1) أو لحقّ نجحده لهؤلاء القوم الذين أوصى إلينا وَليُّهم وميِّتهم. (2)
* * *
و " الهاء " في قوله : " به " ، من ذكر " الله " ، والمعنيُّ به الحلف والقسم ، ولكنه لما كان قد جرى قبل ذلك ذكر القسم به ، فعُرِف معنى الكلام ، اكتفي به من إعادة ذكر القسم والحلف. (3)
" ولو كان ذا قربى " ، يقول : يقسمان بالله لا نطلب بإقسامنا بالله عوضًا فنكذب فيها لأحد ، ولو كان الذي نقسم به له ذا قرابة منا. (4)
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك روي الخبر عن ابن عباس.
* ذكر من قال ذلك :
12947 - حدثني المثنى قال ، حدثنا عبد الله بن صالح قال ، حدثني معاوية بن صالح ، عن علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس قوله : " أو آخران من غيركم إن أنتم ضربتم في الأرض فأصابتكم مصيبة الموت " ، فهذا لمن مات وليس عنده أحد من المسلمين ، فأمره الله بشهادة رجلين من غير المسلمين. فإن ارتيب في شهادتهما ، استحلفا بعد الصلاة بالله : لم نشتر بشهادتنا ثمنًا قليلا.
* * *
وقوله : " تحبسونهما من بعد الصلاة " ، من صلاة الآخرين. ومعنى الكلام :
__________
(1) انظر تفسير " الاشتراء " و " الثمن " فيما سلف من فهارس اللغة (شرى) و (ثمن).
(2) في المطبوعة : " أوصى إلينا وإليهم وصيهم " ، غير ما في المخطوطة مع وضوحه!!
(3) في المطبوعة : " فيعرف من معنى الكلام ، واكتفى به . . . " ، وفي المخطوطة : " فيعرف معنى الكلام " ، والصواب ما أثبت ، بجعل " فيعرف " " فعرف " ، وحذف " من " ، وحذف الواو من " واكتفى " .
(4) انظر تفسير " ذو القربى " فيما سلف 2 : 292/3 : 344/8 : 334 .

(11/173)


أو آخران من غيركم تحبسونهما من بعد الصلاة ، إن ارتبتم بهما ، فيقسمان بالله لا نشتري به ثمنًا ولو كان ذا قربى.
* * *
واختلفوا في " الصلاة " التي ذكرها الله تعالى في هذه الآية ، فقال : " تحبسونهما من بعد الصلاة " .
فقال بعضهم : هي صلاة العصر.
* ذكر من قال ذلك :
12948 - حدثني يعقوب قال ، حدثنا هشيم قال ، أخبرنا زكريا عن الشعبي : أن رجلا من المسلمين حضرته الوفاة بدقوقا ، فلم يجد أحدًا من المسلمين يشهده على وصيته ، فأشهد رجلين من أهل الكتاب. قال : فقدما الكوفة ، فأتيا الأشعري فأخبراه ، وقدما بتركته ووصيته ، فقال الأشعري : هذا أمر لم يكن بعد الذي كان في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم! قال : فأحلفهما بعد العصر : بالله ما خانا ولا كذبا ولا بَدّلا ولا كتما ، ولا غيَّرا ، وإنها لوصية الرجل وتركته. قال : فأمضى شهادتهما. (1)
12949 - حدثنا ابن بشار وعمرو بن علي قالا حدثنا محمد بن جعفر قال ، حدثنا شعبة ، عن أبي بشر ، عن سعيد بن جبير : " أو آخران من غيركم " ، قال : إذا كان الرجل بأرض الشرك ، فأوصى إلى رجلين من أهل الكتاب ، فإنهما يحلفان بعد العصر.
12950 - حدثنا ابن بشار قال ، حدثنا محمد بن جعفر قال ، حدثنا شعبة ، عن مغيرة ، عن إبراهيم ، بمثله.
12951 - حدثنا بشر قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد ، عن قتادة
__________
(1) الأثر : 12948 - انظر الأثر السالف رقم : 12926 ، والتعليق عليه. والأثر التالي رقم : 12953.

(11/174)


قوله : " يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم " إلى " فأصابتكم مصيبة الموت " ، فهذا رجل مات بغُرْبة من الأرض ، وترك تركته ، وأوصى بوصيته ، وشهد على وصيته رجلان. فإن ارتيب في شهادتهما ، استحلفا بعد العصر. وكان يقال : عندها تصير الأيمان.
12952 - حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثني هشيم قال ، أخبرنا مغيرة ، عن إبراهيم وسعيد بن جبير : أنهما قالا في هذه الآية : " يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم " ، قالا إذا حضر الرجل الوفاة في سفر ، فليشهد رجلين من المسلمين. فإن لم يجد فرجلين من أهل الكتاب. فإذا قدما بتركته ، فإن صدّقهما الورثة قُبِل قولهما ، وإن اتهموهما أحلفا بعد صلاة العصر : بالله ما كذبنا ولا كتمنا ولا خُنَّا ولا غيَّرنا.
12953 - حدثنا عمرو بن علي قال ، حدثنا يحيى بن القطان قال ، حدثنا زكريا قال ، حدثنا عامر : أن رجلا توفي بدَقُوقا ، فلم يجد من يشهده على وصيته إلا رجلين نصرانيين من أهلها. فأحلفهما أبو موسى دُبُر صلاة العصر في مسجد الكوفة : بالله ما كتما ولا غيرا ، وأن هذه الوصية. فأجازها. (1)
* * *
وقال آخرون : بل يستحلفان بعد صلاة أهل دينهما وملتهما.
* ذكر من قال ذلك :
12954 - حدثني محمد بن الحسين قال ، حدثنا أحمد بن مفضل قال ، حدثنا أسباط ، عن السدي : " يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم " إلى قوله : " ذوا عدل منكم " ، قال : هذا في الوصية عند الموت ، يوصي ويشهد رجلين من المسلمين على ما لَهُ وعليه ، قال : هذا في الحضر " أو آخران من غيركم " في السفر " إن أنتم ضربتم في الأرض فأصابتكم مصيبة الموت " ، هذا ، الرجل
__________
(1) الأثر : 12953 - انظر التعليق على رقم : 12948.

(11/175)


يدركه الموت في سفره وليس بحضرته أحد من المسلمين ، فيدعو رجلين من اليهود والنصارى والمجوس ، فيوصي إليهما ، ويدفع إليهما ميراثه. فيقبلان به. فإن رضي أهل الميت الوصية وعرفوا مالَ صاحبهم ، تركوا الرجلين. وإن ارتابوا ، رفعوهما إلى السلطان. فذلك قوله : " تحبسونهما من بعد الصلاة إن ارتبتم " . قال عبد الله بن عباس : كأني أنظر إلى العِلْجين حين انتُهِى بهما إلى أبي موسى الأشعري في داره ، (1) ففتح الصحيفة ، فأنكر أهل الميت ، وخوَّنوهما. فأراد أبو موسى أن يستحلفهما بعد العصر ، فقلت له : " إنهما لا يباليان صلاة العصر ، ولكن استحلفهما بعد صلاتهما في دينهما ، فيوقف الرجلان بعد صلاتهما في دينهما ، ويحلفان بالله : لا نشتري ثمنًا قليلا ولو كان ذا قربى ولا نكتم شهادة الله إنّا إذًا لمن الآثمين ، أنّ صاحبهم لبهذا أوصى ، وأنّ هذه لتركته. فيقول لهما الإمام قبل أن يحلفا : إنكما إن كنتما كتمتما أو خنتما فضحتكما في قومكما ، ولم تجز لكما شهادة ، وعاقبتكما! فإذا قال لهما ذلك ، فإن ذلك أدنى أن يأتوا بالشهادة على وجهها.
* * *
قال أبو جعفر : وأولى القولين في ذلك بالصواب عندنا ، قولُ من قال : " تحبسونهما من بعد صلاة العصر " . لأن الله تعالى عرَّف " الصلاة " في هذا الموضع بإدخال " الألف واللام " فيها ، ولا تدخلهما العرب إلا في معروف ، إما في جنس ، أو في واحد معهود معروف عند المتخاطبين. فإذا كان كذلك ، وكانت " الصلاة " في هذا الموضع مجمعًا على أنه لم يُعْنَ بها جميع الصلوات ، لم يجز أن يكون مرادًا بها صلاة المستحلَف من اليهود والنصارى ، لأن لهم صلوات ليست واحدة ، فيكون معلومًا أنها المعنيَّة بذلك. فإذْ كان ذلك كذلك ، صح أنها صلاة بعينها من صلوات المسلمين. وإذ كان ذلك كذلك ، وكان النبي صلى الله عليه وسلم
__________
(1) " العلج " (بكسر العين وسكون اللام) : الرجل من كفار العجم.

(11/176)


صحيحًا عنه أنه إذْ لاعَنَ بين العَجْلانيين ، لاعَن بينهما بعد العصر دون غيره من الصلوات (1) كان معلومًا أنّ التي عنيت بقوله : " تحبسونهما من بعد الصلاة " ، هي الصلاة التي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتخيَّرها لاستحلاف من أراد تغليظَ اليمين عليه. هذا مع ما عند أهل الكفر بالله من تعظيم ذلك الوقت ، وذلك لقربه من غروب الشمس.
* * *
وكان ابن زيد يقول في قوله : " لا نشتري به ثمنًا " ، ما : -
12955 - حدثني به يونس بن عبد الأعلى قال ، أخبرنا ابن وهب قال ، قال ابن زيد في قوله : " لا نشتري به ثمنًا " ، قال : نأخذ به رشوة.
* * *
القول في تأويل قوله : { وَلا نَكْتُمُ شَهَادَةَ اللَّهِ إِنَّا إِذًا لَمِنَ الآثِمِينَ (106) }
قال أبو جعفر : اختلفت القرأة في قراءة ذلك.
فقرأته عامة قرأة الأمصار : ( ولا نكتم شهادة الله ) ، بإضافة " الشهادة " إلى " الله " ، وخفض اسم الله تعالى يعني : لا نكتم شهادة لله عندنا.
* * *
وذكر عن الشعبي أنه كان يقرؤه كالذي : -
12956 - حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا أبو أسامة ، عن ابن عون ، عن عامر : أنه كان يقرأ : ( ولا نكتم شهادة الله إنا إذا لمن الآثمين ) بقطع " الألف " ، وخفض اسم الله هكذا حدثنا به ابن وكيع.
* * *
وكأن الشعبي وجَّهَ معنى الكلام إلى : أنهما يقسمان بالله لا نشتري به ثمنًا ،
__________
(1) انظر خبر العجلانيين في السنن الكبرى للبيهقي 7 : 398 ، وما بعدها.

(11/177)


ولا نكتم شهادةً عندنا. ثم ابتدأ يمينًا باستفهام : بالله أنهما إن اشتريا بأيمانهما ثمنًا أو كتما شهادته عندهما ، لمن الآثمين.
* * *
وقد روي عن الشعبي في قراءة ذلك رواية تخالف هذه الرواية ، وذلك ما : -
12957 - حدثني أحمد بن يوسف التغلبي قال ، حدثنا القاسم بن سلام قال ، حدثنا عباد بن عباد ، عن ابن عون ، عن الشعبي : أنه قرأ : ( ولا نكتم شهادة الله إنا إذا لمن الآثمين ) (1) قال أحمد : قال أبو عبيد : تنوّن " شهادة " ويخفض " الله " على الاتصال. قال : وقد رواها بعضهم بقطع " الألف " على الاستفهام. (2)
* * *
قال أبو جعفر : وحفظي أنا لقراءة الشعبي بترك الاستفهام. (3)
* * *
وقرأها بعضهم : ( ولا نكتم شهادة الله ) ، بتنوين " الشهادة " ، ونصب اسم " الله " بمعنى : ولا نكتم الله شهادةً عندنا.
* * *
قال أبو جعفر : وأولى القراءات في ذلك عندنا بالصواب ، قراءة من قرأ : ( ولا نكتم شهادة الله ) ، بإضافة " الشهادة " إلى اسم " الله " ، وخفض اسم " الله " لأنها القراءة المستفيضة في قرأة الأمصار التي لا تتناكر صحَّتَها الأمة.
* * *
__________
(1) في المطبوعة : " شهادة الله " ، هو خطأ ، صوابه في المخطوطة. وقراءة الشعبي أو قراءاته التي رويت عنه - مذكورة في تفسير أبي حيان 4 : 44 ، والمحتسب لابن جني ، فراجعها هناك.
(2) الأثر : 12957 - " أحمد بن يوسف التغلبي الأحول " ، مضى برقم : 5919 ، 5954 ، 7664 ، وكان في المطبوعة هنا " الثعلبي " ، وهو خطأ بيناه هناك.
و " عباد بن عباد الرملي الأرسوفي " ، " أبو عتبة الخواص " . روى عن ابن عون. مترجم في التهذيب.
(3) في المطبوعة : " وخفض إنا لقراءة الشعبي " ، وهو خلط لا معنى له ، صوابه من المخطوطة.

(11/178)


فَإِنْ عُثِرَ عَلَى أَنَّهُمَا اسْتَحَقَّا إِثْمًا فَآَخَرَانِ يَقُومَانِ مَقَامَهُمَا مِنَ الَّذِينَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْأَوْلَيَانِ فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ لَشَهَادَتُنَا أَحَقُّ مِنْ شَهَادَتِهِمَا وَمَا اعْتَدَيْنَا إِنَّا إِذًا لَمِنَ الظَّالِمِينَ (107)

وكان ابن زيد يقول في معنى ذلك : ولا نكتم شهادة الله ، وإن كان بعيدًا. (1)
12958 - حدثني بذلك يونس قال ، أخبرنا ابن زيد ، عنه.
القول في تأويل قوله : { فَإِنْ عُثِرَ عَلَى أَنَّهُمَا اسْتَحَقَّا إِثْمًا فَآخَرَانِ يَقُومَانِ مَقَامَهُمَا مِنَ الَّذِينَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ الأَوْلَيَانِ }
قال أبو جعفر : يعني تعالى ذكره بقوله : " فإن عُثِر " ، فإن اطُّلع منهما أو ظهر. (2)
وأصل " العثر " ، الوقوع على الشيء والسقوط عليه ، ومن ذلك قولهم : " عثرت إصبع فلان بكذا " ، إذا صدمته وأصابته ووقعت عليه ، ومنه قول الأعشي ميمون بن قيس :
بِذَاتِ لَوْثٍ عَفَرْنَاةٍ إذَا عَثَرَتْ... فَالتَّعْسُ أَدْنَى لَهَا مِنْ أَنْ أَقُولَ لَعَا (3)
__________
(1) في المطبوعة : " وإن كان صاحبها بعيدًا " ، وأثبت ما في المخطوطة ، وأنا في شك منه على كل حال ، أخشى أن يكون سقط من الكلام شيء. ولم أجد مقالة ابن زيد فيما بين يدي من الكتب.
(2) في المطبوعة : " فيهما " ، والصواب " منهما " .
(3) ديوانه : 83 ، من قصيدته في هوذة بن علي الحنفي ، وقد مضى خبرها 2 : 94 ، تعليق : 1 ، ومضى منها أبيات في 1 : 106/2 : 540 ، وقيل البيت في ذكر أرض مخوفة الليل ، وهي " البلدة " المذكورة في البيت التالي : وَبَلْدَةٍ يَرْهَبُ الجَوًّابُ دُلْجَتَهَا ... حَتَّى تَرَاهُ عَلَيْهَا يَبْتَغِي الشِّيَعَا
لاَ يَسْمَعُ المَرْءُ فِيهَا مَا يُؤَنِّسُهُ ... بِاللَّيْلِ إلاَّ نَئِيمَ البُومِ والضُّوَعَا
كَلَّفْتُ مَجْهُولَها نَفْسِي ، وَشَايَعَنِي ... هَمِّي عَلَيْهَا ، إذَا مَا آلُهَا لَمَعَا
" الدلجة " : سير الليل. و " الشيع " الأصحاب. و " النئيم " : صوت البوم ، أو الصوت الضعيف من صوته. و " الضوع " ، طائر من طيور الليل ، إذا أحس بالصباح صدح ، وقيل هو : " الكروان " . و " الآل " السراب ، و " اللوث " : القوة ، يصف ناقته أنها ذات لحم وشحم ، قوية على السير. وقوله : " بذات لوث " ، متعلق بقوله : " كلفت " و " عفرناة " (بفتح العين والفاء) صفة للناقة بأنها قوية كأنها من نشاطها مجنونة. و " التعس " ؛ الانحطاط والعثور.
وقوله : " ولعًا " ، كلمة تقال للعاثر ، يدعى له بأن ينتعش من عثرته ، ومعناها الارتفاع ، " لعا لفلان " أي أقامه الله من عثرته ، لما وصف الأعشي ناقته بالقوة والنشاط ، أنكر أن يكون لها عثرة في سرعتها ، فإذا عثرت ، كان الدعاء عليها بأن يكبها الله لمنخريها ، أولى به من أن يدعو بإقالة عثرتها.

(11/179)


يعني بقوله : " عثرت " ، أصاب منسِمُ خُفِّها حجرًا أو غيرَه. (1) ثم يستعمل ذلك في كل واقع على شيء كان عنه خفيًّا ، كقولهم : (عَثَرتْ على الغَزْل بأَخَرة* فلم تَدَعْ بنَجْدٍ قَرَدَةَ) ، بمعنى : وقعت. (2)
* * *
وأما قوله : " على أنهما استحقا إثمًا " ، فإنه يقول تعالى ذكره : فإن اطلع من الوصيين اللذين ذكر الله أمرهما في هذه الآية بعد حلفهما بالله : لا نشتري بأيماننا ثمنًا ولو كان ذا قربى ، ولا نكتم شهادة الله " على أنهما استحقا إثمًا " ، يقول : على أنهما استوجبا بأيمانهما التي حلفا بها إثمًا ، وذلك أن يطلع على أنهما كانا كاذبين في أيمانهما بالله ما خُنّا ولا بدَّلنا ولا غيَّرنا. فإن وجدا قد خانا من مال الميت شيئًا ، أو غيرا وصيته ، أو بدّلا فأثما بذلك من حلفهما بربهما (3) " فآخران يقومان مقامهما " ، يقول ، يقوم حينئذ مقامهما من ورثة الميت ، الأوليان الموصَى إليهما.
__________
(1) في المطبوعة : " ميسم خفها حجر أو غيره " ، والصواب ما أثبت. و " المنسم " (بفتح فسكون فكسر) : طرف خف البعير ، والنعامة والفيل. و " منسما البعير " ظفراه اللذان في يديه ، وهما له كالظفر للإنسان.
(2) هذا مثل. مجاز القرآن لأبي عبيدة 1 : 181 ، الأمثال للميداني 1 : 395 ، والأمثال لأبي هلال العسكري : 142. قوله " بأخرة " (بفتح الألف والخاء والراء) أي : أخيرًا. تقول : " ما عرفته إلا بأخرة " ، أي : أخيرًا. " ونجد " ، هي الأرض المعروفة. " قردة " . وجمعها " قرد " (كله بفتحات) ، هو : ما تمعط من الوبر والصوف وتلبد ، وهو نفاية الصوف. وأصله أن المرأة تترك الغزل وهي تجد ما تغزل من قطن أو كتان ، حتى إذا فاتها ، تتبعت القرد (نفاية الصوف) في القمامات ، ملتقطة لتغزله. ويضرب مثلا في التفريط مع الإمكان ، ثم الطلب مع الفوت. قال أبو هلال : " وهذا مثل قول العامة : نعوذ بالله من الكسلان إذا نشط " . وروى هذا المثل صاحب لسان العرب في (قرد) ، ونصه " عكرت على الغزل . . . " ، وفسره " عكرت ، أي : عطفت " . وهو بهذه الرواية لا شاهد فيه.
(3) قوله " فأثما . . . بربهما " ، انظر ما قلت في " أثم بربه " فيما سلف 4 : 530 تعليق : 3 ، / ثم 6 : 92 ، تعليق : 2 ، وبيانه هناك.

(11/180)


وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك :
12959 - حدثنا محمد بن بشار قال ، حدثنا محمد بن جعفر قال ، حدثنا شعبة ، عن أبي بشر ، عن سعيد بن جبير : " أو آخران من غيركم " ، قال : إذا كان الرجل بأرض الشرك ، فأوصى إلى رجلين من أهل الكتاب ، فإنهما يحلفان بعد العصر. فإذا اطُّلع عليهما بعد حلفهما أنهما خانا شيئًا ، حلف أولياء الميت أنه كان كذا وكذا ، ثم استحقوا.
12960 - حدثنا ابن بشار قال ، حدثنا محمد بن جعفر قال ، حدثنا شعبة ، عن مغيرة ، عن إبراهيم ، بمثله.
12961 - حدثني المثنى قال ، حدثنا عبد الله بن صالح قال ، حدثني معاوية بن صالح ، عن علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس في قوله : " أو آخران من غيركم " ، من غير المسلمين " تحبسونهما من بعد الصلاة " ، فإن ارتيب في شهادتهما استحلفا بعد الصلاة بالله : ما اشترينا بشهادتنا ثمنًا قليلا. فإن اطلع الأولياء على أن الكافرين كذبا في شهادتهما ، قام رجلان من الأولياء فحلفا بالله : " إن شهادة الكافرين باطلة ، وإنا لم نعتد " . فذلك قوله : " فإن عثر على أنهما استحقا إثمًا " ، يقول : إن اطلع على أنّ الكافرَيْن كذبا " فآخران يقومان مقامهما " ، يقول : من الأولياء ، فحلفا بالله : " إن شهادة الكافرين باطلة ، وإنا لم نعتد " ، فتردّ شهادة الكافرين ، وتجوز شهادة الأولياء.
19262 - حدثنا بشر قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد ، عن قتادة : " فإن عثر على أنهما استحقا إثمًا " ، أي : اطلع منهما على خيانة أنهما كذبا أو كتما.
* * *
واختلف أهل التأويل في المعنى الذي له حَكَم اللهُ تعالى ذكره على الشاهدين

(11/181)


بالأيمان فنقلها إلى الآخرين ، (1) بعد أن عثر عليهما أنهما استحقا إثمًا.
فقال بعضهم : إنما ألزمهما اليمين ، إذا ارتيب في شهادتهما على الميت في وصيته أنه أوصى بغير الذي يجوز في حكم الإسلام. (2) وذلك أن يشهد أنه أوصى بماله كله ، أو أوصى أن يفضل بعض ولده ببعض ماله.
* ذكر من قال ذلك :
12963 - حدثني محمد بن سعد قال ، حدثني أبي قال ، حدثني عمي قال ، حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس : " يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم إذا حضر أحدكم الموت " إلى قوله : " ذوا عدل منكم " ، من أهل الإسلام " أو آخران من غيركم " ، من غير أهل الإسلام " إن أنتم ضربتم في الأرض " إلى : " فيقسمان بالله " ، يقول : فيحلفان بالله بعد الصلاة ، فإن حلفا على شيء يخالف ما أنزل الله تعالى ذكره من الفريضة ، (3) يعني اللذين ليسا من أهل الإسلام " فآخران يقومان مقامهما " ، من أولياء الميت ، فيحلفان بالله : " ما كان صاحبنا ليوصي بهذا " ، أو : " إنهما لكاذبان ، ولشهادتنا أحق من شهادتهما " .
12964 - حدثني محمد بن الحسين قال ، حدثنا أحمد بن مفضل قال ، حدثنا أسباط ، عن السديّ قال : يوقف الرجلان بعد صلاتهما في دينهما ، يحلفان بالله : لا نشتري به ثمنًا ولو كان ذا قربى ولا نكتم شهادة الله إنا إذًا لمن الآثمين " ، إن صاحبكم لبهذا أوصى ، وإنّ هذه لتركته : فإذا شهدا ، وأجاز الإمام شهادتهما على ما شهدا ، قال لأولياء الرجل : اذهبوا فاضربوا في الأرض واسألوا عنهما ، فإن أنتم وجدتم عليهما خيانة ، أو أحدًا يطعُن عليهما ، رددنا شهادتهما. فينطلق الأولياء فيسألون ، فإن وجدوا أحدًا يطعُن عليهما ، أو هما غير
__________
(1) في المخطوطة : " فمن نقلها " ، والصواب ما في المطبوعة ، أو شبيه بالصواب.
(2) في المطبوعة والمخطوطة : " لغير الذي يجوز " ، وصواب قراءتها ما أثبت.
(3) " الفريضة " ، يعني المواريث.

(11/182)


مرضيين عندهم ، أو اطُّلع على أنهما خانا شيئًا من المال وجدُوه عندهما ، أقبل الأولياء فشهدوا عند الإمام ، (1) وحلفوا بالله : " لشهادتنا إنهما لخائنان متهمان في دينهما مطعون عليها ، أحق من شهادتهما بما شهدا ، وما اعتدينا " . فذلك قوله : " فإن عُثر على أنهما استحقا إثمًا فآخران يقومان مقامهما من الذين استحق عليهم الأوليان " .
* * *
وقال آخرون : بل إنما ألزم الشاهدان اليمين ، لأنهما ادَّعيا أنه أوصى لهما ببعض المال. وإنما ينقل إلى الآخرين من أجل ذلك ، إذا ارتابوا بدعواهما. (2)
* ذكر من قال ذلك :
12965 - حدثنا عمران بن موسى القزاز قال ، حدثنا عبد الوارث بن سعد قال ، حدثنا إسحاق بن سويد ، عن يحيى بن يعمر في قوله : " تحبسونهما من بعد الصلاة فيقسمان بالله " ، قال : زعما أنه أوصى لهما بكذا وكذا " فإن عثر على أنهما استحقا إثمًا " . أي بدعواهما لأنفسهما " فآخران يقومان مقامهما من الذين استحق عليهم الأوليان " ، أنّ صاحبنا لم يوص إليكما بشيء مما تقولان.
* * *
قال أبو جعفر : والصواب من القول في ذلك عندنا ، أنّ الشاهدين ألزما اليمينَ في ذلك باتهام ورثة الميت إياهما فيما دفع إليهما الميت من ماله ، ودعواهم قبلهما خيانةَ مالٍ معلوم المبلغ ، ونقلت بعد إلى الورثة عند ظهور الريبة التي كانت من الورثة فيهما ، وصحة التهمة عليهما بشهادة شاهد عليهما أو على أحدهما ، فيحلف الوارث حينئذ مع شهادة الشاهد عليهما ، أو على أحدهما ، إنما صحح دعواه إذا حُقِّق حقه أو : الإقرار يكون من الشهود ببعض ما ادَّعى عليهما الوارث أو بجميعه ، ثم
__________
(1) في المطبوعة : " فأقبل الأولياء فشهدوا " ، وفي المخطوطة : " فأقبل الأولياء شهدوا " ، والسياق يقتضي ما أثبت.
(2) في المخطوطة : " إذا ارتابا " .

(11/183)


دعواهما في الذي أقرّا به من مال الميت ما لا يقبل فيه دعواهما إلا ببينة ، ثم لا يكون لهما على دعواهما تلك بيِّنة ، فينقل حينئذ اليمين إلى أولياء الميت.
وإنما قلنا ذلك أولى الأقوال في ذلك بالصحة ، لأنا لا نعلم من أحكام الإسلام حكمًا يجب فيه اليمين على الشهود ، ارتيب بشهادتهما أو لم يُرْتَبْ بها ، فيكون الحكم في هذه الشهادة نظيرًا لذلك ولا - إذا لم نجد ذلك كذلك - صحّ بخبر عن الرسول صلى الله عليه وسلم ، (1) ولا بإجماع من الأمة. لأن استحلاف الشهود في هذا الموضع من حكم الله تعالى ذكره ، فيكون أصلا مسلمًا. والقول إذا خرج من أن يكون أصلا أو نظيرًا لأصل فيما تنازعت فيه الأمة ، كان واضحًا فسادُه.
وإذا فسد هذا القول بما ذكرنا ، فالقول بأن الشاهدين استحلفا من أجل أنهما ادّعيا على الميت وصية لهما بمال من ماله ، أفسد (2) من أجل أن أهل العلم لا خلاف بينهم في أنّ من حكم الله تعالى ذكره أن مدّعيًا لو ادّعى في مال ميت وصية ، أنّ القول قولُ ورثة المدعي في ماله الوصية مع أيمانهم ، دون قول مدعي ذلك مع يمينه ، وذلك إذا لم يكن للمدعي بينة. وقد جعل الله تعالى اليمين في هذه الآية على الشهود إذا ارتيب بهما ، وإنما نُقِل الأيمانُ عنهم إلى أولياء الميت ، إذا عثر على أن الشهود استحقوا إثمًا في أيمانهم. فمعلوم بذلك فساد قول من قال : " ألزم اليمينَ الشهودُ ، لدعواهم لأنفسهم وصية أوصى بها لهم الميت من ماله " .
على أن ما قلنا في ذلك عن أهل التأويل هو التأويل الذي وردت به الأخبارُ عن بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قَضَى به حين نزلت هذه الآية ، بين الذين نزلت فيهم وبسببهم.
* ذكر من قال ذلك :
__________
(1) في المطبوعة : " فلم نجد ذلك كذلك صح . . . " ، وأثبت ما في المخطوطة ، وسياقه " ولا . . . صح بخير عن الرسول " ، وقوله : " إذا لم نجد ذلك كذلك " اعتراض.
(2) السياق : " فالقول بأن الشاهدين . . . أفسد " ، يعني : أفسد من القول السابق.

(11/184)


12966 - حدثني ابن وكيع قال ، حدثنا يحيى بن آدم ، عن يحيى بن أبي زائدة ، عن محمد بن أبي القاسم ، عن عبد الملك بن سعيد بن جبير ، عن أبيه ، عن ابن عباس قال : خرج رجل من بني سهم مع تميم الداريّ وعديّ بن بدَّاء ، فمات السَّهمي بأرض ليس فيها مسلم. فلما قدِما بتركته ، فقدوا جامًا من فضة مخوَّصًا بالذهب ، (1) فأحلفهما رسول الله صلى الله عليه وسلم. ثم وُجِد الجام بمكة ، فقالوا : اشتريناه من تميم الداريّ وعديّ بن بدّاء! فقام رجلان من أولياء السهمي فحلفا : " لشهادتنا أحق من شهادتهما " ، وأنّ الجام لصاحبهم. قال : وفيهم أنزلت : " يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم " . (2)
__________
(1) " الجام " : إناء من فضة ، وهو عربي صحيح. " مخوص بالذهب " : عليه صفائح من ذهب على هيئة خوص النخل ، وهو ورقه. و " التخويص " : أن يجعل على الشيء صفائح من الذهب ، على قدر عرض خوص النخل.
(2) الأثر : 12966 - " محمد بن أبي القاسم " ، الطويل ، الكوفي. روى عن أبيه ، وعبد الله وعبد الملك ، ابني سعيد بن جبير ، وعن عكرمة. وروى عنه يحيى بن زكريا بن أبي زائدة ، وأبو أسامة ، وحماد بن أسامة. وثقه ابن معين ، وأبو حاتم. وقال البجيري وقال البخاري " : " لا أعرف محمد بن أبي القاسم كما أشتهي ، وكان علي بن عبد الله يستحسن هذا الحديث (يعني حديث تميم الداري) قيل له : رواه غير محمد بن أبي القاسم ؟ قال : لا. قال : وروى عنه أبو أسامة ، إلا أنه غير مشهور " . وقال الحافظ ابن حجر ، بعد ذكر محمد بن أبي القاسم : " وما له في البخاري ، ولا لشيخه عبد الملك بن سعيد بن جبير ، غير هذا الحديث الواحد. ورجال الإسناد الإسناد ، ما بين علي بن عبد الله المديني (شيخ البخاري) ، وابن عباس ، كوفيون " .
و " عبد الملك بن سعيد بن جبير الأسدي " ، الكوفي ، عزيز الحديث ، ثقة. مضى برقم : 12776.
و " تميم الداري " ، هو " تميم بن أوس بن خارجة اللخمي " ، منسوب إلى جده " الدار بن هانئ بن حبيب بن نمارة بن لخم " ، وفد على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، سنة تسع وأسلم. وكان نصرانيا ، وهو الذي قال لرسول الله : " ألا أعمل لك منبرًا كما رأيت يصنع بالشأم! " فصنع المنبر. وكان عابدًا.
وأما " عدي بن بداء " (بتشديد الدال) ، فكان نصرانيا ، ذكر أنه أسلم ، ولكن صحح ابن حجر في ترجمته في الإصابة أنه مات نصرانيًّا.
وهذا الحديث ، رواه البخاري في صحيحه (الفتح 5 : 307 309) ، وفي التاريخ الكبير 1/1/215 ، وأبو داود في سننه 3 : 418 ، ورقم : 3606 ، والبيهقي في السنن الكبرى 10 : 165 ، وأبو جعفر النحاس في الناسخ والمنسوخ : 133 ، وأحكام القرآن للجصاص 2 : 490 ، والترمذي في سننه (في كتاب التفسير) ، وقال : " هذا حديث حسن غريب ، وهو حديث ابن أبي زائدة " .
وذكره ابن كثير في تفسيره 3 : 266 ، نقلا عن الطبري ، ولم يذكر روايته في صحيح البخاري. وخرجه السيوطي في الدر المنثور 2 : 342 ، فقصر في نسبته إلى البخاري في صحيحه ، ونسبه إليه في التاريخ ، ثم زاد نسبته إلى ابن المنذر ، والطبراني ، وأبي الشيخ ، وابن مردويه.

(11/185)


12967 - حدثنا الحسن بن أحمد بن أبي شعيب الحراني قال ، حدثنا محمد بن سلمة الحراني قال ، حدثنا محمد بن إسحاق ، عن أبي النضر ، عن باذان مولى أم هانئ ابنة أبي طالب ، عن ابن عباس ، عن تميم الدرايّ في هذه الآية : " يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم إذا حضر أحدكم الموت " ، قال : برئ الناس منها غيري وغير عديّ بن بدّاء وكانا نصرانيّين يختلفان إلى الشأم قبل الإسلام. فأتيا الشأم لتجارتهما ، وقدم عليهما مولى لبني سهم يقال له بريل بن أبي مريم بتجارة ، ومعه جامُ فضّة يريد به الملك ، وهو عُظم تجارته ، (1) فمرض ، فأوصى إليهما ، وأمرهما أن يُبلغا ما ترك أهله. قال تميم : فلما مات أخذنا ذلك الجامَ فبعناه بألف درهم ، فقسمناه أنا وعديّ بن بدّاء ، [فلما قدمنا إلى أهله ، دفعنا إليهم ما كان معنا ، وفقدوا الجام ، فسألوا عنه] ، (2) فقلنا : ما ترك غيرَ هذا ، وما دفع إلينا غيره : قال تميم : فلما أسلمتُ بعد قدوم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة ، تأثَّمت من ذلك ، (3) فأتيت أهله فأخبرتهم الخبر ، وأدّيت إليهم خمسمئة درهم ، وأخبرتهم أن عند صاحبي مثلها! فوثبوا إليه ، (4) فأتوا به رسول الله صلى الله عليه وسلم.
__________
(1) في المخطوطة : " وهي عظم " ، وأثبت ما في المطبوعة ، لمطابقته لما في المراجع الأخرى. وقوله : " عظم تجارته " ، أي : معظمها ، يعني أن الجام كان أنفس ما معه وأغلاه ثمنًا.
(2) هذه الجملة التي بين القوسين ، ليست في المخطوطة ولا المطبوعة ، وهي ثابتة في المراجع الأخرى ، وأثبتها من نص الناسخ والمنسوخ.
(3) " تأثم من الشيء " ، تحرج منه ، ووجده إثمًا يريد البراءة منه.
(4) قوله : " فوثبوا إليه " ، حذفها ناشر المطبوعة ، وهي ثابتة في المخطوطة ، وفي الناسخ والمنسوخ.

(11/186)


فسألهم البينة ، فلم يجدوا. فأمرهم أن يستحلفوه بما يُعَظَّم به على أهل دينه ، فحلف ، فأنزل الله تعالى ذكره : " يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم " إلى قوله : " أن ترد أيمان بعد أيمانهم " ، فقام عمرو بن العاص ورجل آخر منهم فحلفا ، (1) فنزعتُ الخمسمئة من عدي بن بدَّاء. (2)
12968 - حدثنا القاسم ، حدثنا الحسين قال ، حدثنا أبو سفيان ، عن معمر ، عن قتادة وابن سيرين وغيره قال ، وثنا الحجاجُ ، عن ابن جريج ، عن عكرمة دخل حديث بعضهم في بعض : " يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم " الآية ، قال : كان عدي وتميم الداري ، وهما من لَخْم ، نصرانيَّان ، يتَّجران إلى مكة في الجاهلية. فلما هاجرَ رسول الله صلى الله عليه وسلم حوَّلا متجرهما إلى المدينة ، فقدم ابن أبي مارية ، مولى عمرو بن العاص المدينة ، وهو يريد الشأم تاجرًا ، فخرجوا جميعًا ، حتى إذا كانوا ببعض الطريق ، مرض ابن أبي مارية ، فكتب وصيَّته بيده تم دسَّها في متاعه ، ثم أوصى إليهما. فلما مات فتحا متاعه ، فأخذا ما أرادا ، ثم قدما على أهله فدفعا ما أرادا ، ففتح أهله متاعه ، فوجدوا كتابه وعهده وما خرج به ، وفقدوا شيئًا ، فسألوهما عنه ، فقالوا : هذا الذي قبضنا له ودفع إلينا. قال لهما أهله : فباع شيئًا أو ابتاعه ؟ قالا لا! قالوا : فهل استهلك من متاعه شيئًا ؟ (3) قالا لا! قالوا : فهل تَجَر
__________
(1) في المخطوطة : " حلفا " ، بغير فاء ، وأثبت ما في المطبوعة والمراجع.
(2) الأثر : 12967 - " الحسن بن أحمد بن أبي شعيب الحراني " ، " أبو مسلم الحراني " ، ثقة مأمون ، مضت ترجمته برقم : 10411 ، وكان في المطبوعة هنا : " الحسن بن أبي شعيب " أسقط " بن أحمد " ، مع ثبوتها في المخطوطة ، وعذره أنه رأى الناسخ كتب " الحسن بن يحيى أحمد قال ابن أبي شعيب " ، وضرب على " يحيى " وعلى " قال " ، فضرب هو أيضا على " بن أحمد " فحذفها! ! وهو تساهل رديء.
و " محمد بن سلمة الحراني الباهلي " ، ثقة ، مضت ترجمته برقم : 175 ، وقد ورد في إسناد محمد ابن إسحق ، مئات من المرات.
و " أبو النضر " هو " محمد بن السائب الكلبي " ، ضعيف جدًا ، رمي بالكذب. وقد روى الثوري عن الكلبي نفسه أنه قال : " ما حدثت عني ، عن أبي صالح ، عن ابن عباس ، فهو كذب ، فلا تروه " . مضت ترجمته برقم : 72 ، 246 ، 248.
وأما " باذان ، مولى أم هانئ " ، أو " باذام " فهو " أبو صالح " ، ثقة ، مضى برقم : 112 ، 168 وغيرها. وهو مترجم في التهذيب ، والكبير 1/2/144 ، وابن أبي حاتم 1/1/431.
وكان في المطبوعة والمخطوطة ، والناسخ والمنسوخ جميعًا " زاذان ، مولى أم هانئ " ، وهذا شيء لم يقله أحد ، ولذلك غيرته إلى الصواب الذي أجمعوا عليه ، وكأنه خطأ من الناسخ.
وأما " تميم الداري " ، و " عدي بن بداء " فقد سلفا في الأثر السابق.
وأما " بريل بن أبي مريم " ، مولى بني سهم ، أو مولى عمرو بن العاص السهمي ، صاحب هذه التجارة ، فقد ترجم له ابن حجر في الإصابة في " بديل " بالدال ، وكذلك ابن الأثير في أسد الغابة. وكان بديل مسلمًا من المهاجرين.
يقال في اسمه " بديل بن أبي مريم " ، و " بديل بن أبي مارية " ، ثم اختلف في " بديل " ، فروي بالدال ، وروي " بريل " بالراء ، وروي " بزيل " بالزاي ، وروي " برير " ، وقال ابن الأثير : " والذي ذكره الأئمة في كتبهم : يزيل ، بضم الباء وبالزاي ، ونحن نذكره في موضعه إن شاء الله تعالى " . هكذا قال ووعد ، ثم لم أجد له ذكرًا في كتابه بعد ذلك ، فلا أدري أنسي ابن الأثير ، أم في كتابه خرم أو نقص!!
وقال الحافظ ابن حجر في فتح الباري 5 : 308 ، ما لم يذكره في الإصابة ، فقال : " بزيل " بموحدة ، وزاي ، مصغر. وكذا ضبطه ابن ماكولا ، ووقع في رواية الكلبي ، عن أبي صالح ، عن ابن عباس ، عن تميم نفسه عنه الترمذي والطبري (يعني هذا الخبر) : بديل ، بدال ، بدل الزاي. ورأيته في نسخة من تفسير الطبري : بريل ، براء بغير نقطة. ولابن مندة من طريق السدي ، عن الكلبي : بديل بن أبي مارية " . ثم قال : " ووهم من قال فيه : بديل بن ورقاء ، فإنه خزاعي ، وهذا سهمي ، وكذا وهم من ضبطه بذيل ، بالذال المعجمة " .
وكان في المطبوعة " بديل " ، ولكني أثبت ما في المخطوطة ، وأخشى أن تكون مخطوطتنا هذه ، هي " النسخة الصحيحة من تفسير الطبري " التي ذكرها الحافظ ابن حجر ، أو هي منقولة عن النسخة التي ذكرها ووصفها وصححها.
وهذا الخبر ، رواه أبو جعفر النحاس في الناسخ والمنسوخ : 133 ، والترمذي في سننه في كتاب التفسير ؛ بهذا الإسناد نفسه. وقال الترمذي : " هذا حديث غريب ، وليس إسناده بصحيح. وأبو النضر ، الذي روى عنه محمد بن إسحق هذا الحديث ، هو عندي : محمد بن السائب الكلبي ، يكنى أبا النضر ، وقد تركه أهل العلم بالحديث ، وهو صاحب التفسير. سمعت محمد بن إسمعيل. يقول : محمد بن سائب الكلبي ، يكنى أبا النضر ، ولا نعرف لسالم أبي النضر المديني رواية عن أبي صالح (باذان) مولى أم هانئ. وقد روي عن ابن عباس شيء من هذا على الاختصار ، عن غير هذا الوجه " ، ثم ساق الترمذي الأثر السالف بإسناده.
وخرجه السيوطي في الدر المنثور 2 : 341 ، وزاد نسبته إلى ابن أبي حاتم ، وأبي الشيخ ، وابن مردويه ، وأبي نعيم في المعرفة.
(3) قولهم : " فهل استهلك من متاعه شيئًا " ، أي : أضاعه وافتقده ، وهذا حرف لم تقيده كتب اللغة ، استظهرت معناه من السياق. وقد جاء في حديث عائشة (صحيح مسلم 2 : 59 ، وتفسير الطبري رقم : 9640) أن عائشة : " استعارت من أسماء قلادة فهلكت " ، أي : ضاعت ، كما فسرته فيما سلف 8 : 404 ، رقم : 2. فقوله : " استهلك " هنا ، من معنى هذا الحرف الذي لم تقيده كتب اللغة ببيان واضح ، وهو " استفعل " ، بمعنى : وجده قد ضاع. وهو من صحيح القياس وجيده ، وهذا شاهده إن شاء الله.

(11/187)


تجارة ؟ (1) قالا لا! قالوا : فإنا قد فقدنا بعضَه! فاتُّهما ، فرفعوهما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فنزلت هذه الآية : " يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم إذا حضر أحدكم الموت " إلى قوله : " إنا إذا لمن الآثمين " . قال : فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يستحلفوهما في دُبُر صلاة العصر : بالله الذي لا إله إلا هو ، ما قبضنا له غيرَ هذا ، ولا كتمنا " . قال : فمكثنا ما شاء الله أن يمكثَا ، (2) ثم ظُهِرَ معهما على إناء من فضةٍ منقوش مموَّه بذهب ، (3) فقال ، أهله : هذا من متاعه ؟ قالا نعم ، ولكنا اشترينا منه ، ونسينا أن نذكره حين حلفنا ، فكرهنا أن نكذِّب أنفسنا! (4) فترافعوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فنزلت الآية الأخرى : " فإن عثر على أنهما استحقا إثمًا فآخران يقومان مقامهما من الذين استحق عليهم الأوليان " ، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلين من أهل الميت أن يحلفا على ما كتما وغيَّبا ويستحقَّانه. ثم إنّ تميمًا الداري أسلم وبايع النبي صلى الله عليه وسلم ، وكان يقول : صدق الله ورسوله : أنا أخذت الإناء! (5)
12969 - حدثني يونس قال ، أخبرنا ابن وهب قال ، قال ابن زيد ، في قوله : " يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم إذا حضر أحدكم الموت حين الوصية اثنان ذوا عدل منكم " ، الآية كلها. قال : هذا شيء [كان] حين لم يكن الإسلام إلا بالمدينة ، (6) وكانت الأرض كلها كفرًا ، (7) فقال الله تعالى ذكره : " يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم إذا حضر أحدكم الموت حين الوصية اثنان ذوا عدل منكم " ، من المسلمين " أو آخران من غيركم " ، من غير أهل الإسلام " إن أنتم ضربتم في الأرض فأصابتكم مصيبة الموت " ، قال : كان الرجل يخرج مسافرًا ، والعرب أهلُ كفر ، فعسى أن يموت في سفره ، فيُسند وصيته إلى رجلين منهم " فيقسمان بالله إن ارتبتم " ، في أمرهما. إذا قال الورثة : كان مع صاحبنا كذا وكذا ، فيقسمان بالله : ما كان معه إلا هذا الذي قلنا " فإن عثر على أنهما استحقا إثمًا " ، أنما حلفا على باطل وكذب " فآخران يقومان مقامهما من الذين استحق عليهم الأوليان " بالميت " فيقسمان بالله لشهادتنا أحق من شهادتهما وما اعتدينا إنا إذًا لمن الظالمين " ، ذكرنا أنه كان مع صاحبنا كذا وكذا ، قال هؤلاء : لم يكن معه! قال : ثم عثر على بعض المتاع عندهما ، فلما عثر على ذلك رُدّت القسامة على وارثه ، (8) فأقسما ، ثم ضمن هذان. قال الله تعالى : " ذلك أدنى أن يأتوا بالشهادة على وجهها أو يخافوا أن ترد أيمان بعد أيمانهم " ، (9) فتبطل أيمانهم " واتقوا الله واسمعوا والله لا يهدي القوم الفاسقين " ، الكاذبين ، الذين يحلفون على الكذب. وقال ابن زيد : قدم تميمٌ الداريّ وصاحب له ، وكانا يومئذ مشركين ، ولم يكونا أسلما ، فأخبرا أنهما أوصى إليهما رجلٌ ، وجاءا بتركته. فقال أولياء الميت :
__________
(1) " تجر يتجر تجرًا وتجارة " (على وزن : نصر ينصر) : باع وشرى. وأرادوا به هنا معنى الشراء بالعوض ، فيما أستظهر ، فإنهم قد سألوه قبل عن البيع والابتياع.
(2) في المطبوعة : " فمكثنا ما شاء الله أن نمكث " ، غير الناشر ما في المخطوطة ، وأفسد.
(3) " ظهر " (بالبناء للمجهول) ، أي : عثر معها على إناء.
(4) في المخطوطة : " نفسا " غير منقوطة ، ولو شئت قرأتها : " نفسينا " ، مكان " أنفسنا " ، وهما صواب.
(5) الأثر : 12968 - " أبو سفيان " هو : المعمري ، " محمد بن حميد اليشكري " ، مضى برقم : 1787 ، 8829.
و " الحسين " الراوي عنه ، هو " سنيد بن داود " ، مضى مرارًا.
و " ابن أبي مارية " ، هو " بديل بن أبي مارية " ، وقد بينت ذلك في التعليق على الأثر السالف.
وهذا الخبر خرجه السيوطي في الدر المنثور 2 : 342 ، وزاد نسبته إلى ابن المنذر.
(6) الزيادة بين القوسين ، لا بد منها للسياق ، وكان في المخطوطة : " . . . لم يكن السلام " ، والصواب ما في المطبوعة.
(7) في المطبوعة : " كفر " بالرفع ، وأخشى أن يكون الأصل : " وكانت الأرض كلها دار كفر " ، أو ما أشبه ذلك ، وتركت ما في المطبوعة على حاله ، وهو صواب أيضًا.
(8) " القسامة " (بفتح القاف) ، أراد بها هنا : اليمين.
(9) قوله تعالى : " بعد أيمانهم " لم تكن في المخطوطة ولا المطبوعة ، والصواب إثباتها.

(11/189)


كان مع صاحبنا كذا وكذا ، وكان معه إبريق فضة! وقال الآخران : لم يكن معه إلا الذي جئنا به! فحلفا خَلْف الصلاة ، ثم عثر عليهما بعدُ والإبريق معهما. فلما عثر عليهما ، رُدَّت القسامة على أولياء الميت بالذي قالوا مع صاحبهم ، ثم ضمنهما الذي حلف عليه الأوليان.
12970 - حدثنا الربيع قال ، حدثنا الشافعي قال ، أخبرنا أبو سعيد معاذ بن موسى الجعفري ، عن بكير بن معروف ، عن مقاتل بن حيان قال بكير ، قال مقاتل : أخذت هذا التفسير عن مجاهد والحسن والضحاك في قول الله : " اثنان ذوا عدل منكم " ، أن رجلين نصرانيين من أهل دارِين ، أحدهما تميمي ، والآخر يماني ، صاحَبهما مولًى لقريش في تجارة ، فركبوا البحر ، ومع القرشي مال معلومٌ قد علمه أولياؤه ، من بين آنية وبزّ ورِقَة. (1) فمرض القرشي ، فجعل وصيته إلى الداريّين ، فمات ، وقبض الداريّان المال والوصية ، فدفعاه إلى أولياء الميت ، وجاءا ببعض ماله ، وأنكر القوم قلّة المال ، فقالوا للداريَّين : إن صاحبنا قد خرج معه بمال أكثر مما أتيتمونا به ، فهل باع شيئًا أو اشترى شيئًا ، فوُضِع فيه ، (2) وهل طال مرضه فأنفق على نفسه ؟ قالا لا! قالوا : فإنكما خنتمانا! فقبضوا المال ، ورفعوا أمرهما إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم ، فأنزل الله تعالى : " يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم " إلى آخر الآية. فلما نزل : أن يُحْبسا من بعد الصلاة ، أمر النبي صلى الله عليه وسلم ، فقاما بعد الصلاة ، فحلفا بالله رب السموات : " ما ترك مولاكم من المال إلا ما أتيناكم به ، وإنا لا نشتري بأيماننا
__________
(1) " البز " : الثياب ، أو ضروب منها ، وبائعها يقال له : " البزاز " . و " الرقة " (بكسر الراء وفتح القاف) : الفضة ، وأصلها " الورق " (بفتح الواو وكسر الراء) ، ثم حذفت الواو ، وجعلت الهاء في آخرها عوضًا عن الواو.
(2) يقال : " وضع في تجارته يوضع ضعة ، ووضيعة فهو موضوع فيها " ويقال : " أوضع " (كلاهما بالبناء للمجهول) ، ويقال : " وضع في تجارته وضعًا " (مثل : فرح فرحًا) : غبن فيها ، وخسر من رأس المال.

(11/191)


ثمنًا قليلا من الدنيا ، ولو كان ذا قربى ، ولا نكتم شهادة الله إنا إذًا لمن الآثمين " . فلما حلفا خلَّى سبيلهما. ثم إنهم وجدوا بعد ذلك إناءً من آنية الميت ، فأُخذ الداريَّان ، فقالا اشتريناه منه في حياته! وكذبا ، فكلِّفا البينة ، فلم يقدرا عليها. فرفعوا ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فأنزل الله تعالى ذكره : " فإن عثر " ، يقول : فإن اطُّلع " على أنهما استحقا إثمًا " ، يعني الداريين ، إن كتما حقًّا " فآخران " ، من أولياء الميت " يقومان مقامهما من الذين استحق عليهم الأوليان " ، فيقسمان بالله : " إنّ مال صاحبنا كان كذا وكذا ، وإن الذي يُطلب قبل الداريين لحقّ ، وما اعتدينا إنا إذًا لمن الظالمين " ، هذا قول الشاهدين أولياء الميت " ذلك أدنى أن يأتوا بالشهادة على وجهها " ، يعني : الداريَّين والناس ، أن يعودوا لمثل ذلك. (1)
* * *
قال أبو جعفر : ففيما ذكرنا من هذه الأخبار التي روينا ، دليلٌ واضح على صحة ما قلنا ، من أنّ حكم الله تعالى ذكره باليمين على الشاهدين في هذا الموضع ، إنما هو من أجل دعوى وَرَثته على المسنَد إليهما الوصية ، خيانةً فيما دفع الميت من ماله إليهما ، أو غير ذلك مما لا يبرأ فيه المدعي ذلك قِبَله إلا بيمين وأن نقل اليمين إلى ورثة الميت بما أوجبه الله تعالى ذكره ، بعد أن عثر على الشاهدين [أنهما استحقا إثمًا] ، في أيمانهما ، (2) ثم ظُهِر على كذبهما فيها ، إن القوم ادَّعوا
__________
(1) الأثر : 12970 - " معاذ بن موسى الجعفري " ، " أبو سعيد " ، لم أجد له ترجمة إلا في تعجيل المنفعة : 406 ، لم يزد على أن قال : " معاذ بن موسى ، عن بكير بن معروف.
وعند الشافعي ، رحمه الله تعالى " . وكان في المطبوعة : " سعيد بن معاذ بن موسى " وهو خطأ ، مخالف للمخطوطة.
و " بكير بن معروف الأسدي " ، " أبو معاذ النيسابوري ، الدامغاني " صاحب التفسير ، وهو صاحب مقاتل. قال ابن عدي : " ليس بكثير الرواية ، وأرجو أنه لا بأس به ، وليس حديثه بالمنكر جدًا " ، مترجم في التهذيب ، والكبير 1/2/117 ، وابن أبي حاتم 1/1/406.
وكان في المطبوعة : " بكر " ، وهو خطأ صرف.
وهذا الخبر رواه البيهقي في السنن الكبرى 10 : 164 من طريق إسمعيل بن قتيبة ، عن أبي خالد يزيد بن صالح ، عن بكير بن معروف ، عن مقاتل بن حيان. ثم رواه (10 : 165) من طريق أبي العباس الأصم ، عن الربيع بن سليمان ، عن الشافعي ، ثم أحال لفظه على الذي قبله.
(2) هذه الزيادة بين القوسين ، لا بد منها ، استظهرتها من نص الآية.

(11/192)


فيما صَحَّ أنه كان للميت دعوًى من انتقال ملك عنه إليهما ببعض ما تزول به الأملاك ، مما يكون اليمينُ فيها على ورثة الميت دون المدَّعَى ، وتكون البينة فيها على المدعي وفسادِ ما خالف في هذه الآية ما قلنا من التأويل. (1)
وفيها أيضًا ، (2) البيانُ الواضح على أن معنى " الشهادة " التي ذكرها الله تعالى في أول هذه القصة إنما هي اليمين ، كما قال الله تعالى في مواضع أُخر : والذين يرمون أزواجهم ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم فشهادة أحدهم أربع شهادات بالله إنه لمن الصادقين ، [سورة النور : 6]. فالشهادة في هذا الموضع ، معناها القَسم ، من قول القائل : " أشهد بالله إني لمن الصادقين " ، (3) وكذلك معنى قوله : " شهادة بينكم " إنما هو : قسَم بينكم " إذا حضر أحدكم الموتُ حين الوصية " ، أن يقسم اثنان ذوا عدل منكم ، إن كانا اتُّمنا على مال فارتيب بهما ، أو اتُّمِنَ آخران من غير المؤمنين فاتُّهما. (4) وذلك أن الله تعالى ذكره ، لما ذكر نقل اليمين من اللذين ظُهر على خيانتهما إلى الآخرين ، قال : " فيقسمان بالله لشهادتنا أحق من شهادتهما " . ومعلومٌ أنّ أولياء الميت المدعين قِبل اللذين ظُهر على خيانتهما ، غير جائز أن يكونا شهداء ، بمعنى الشهادة التي يؤخذ بها في الحكم حق مدعًى عليه لمدّع. لأنه لا يعلم لله تعالى ذكره حكم قضى فيه لأحد بدعواه ويمينه على مدعًى عليه بغير بينة ولا إقرار من المدعَى عليه ولا برهان. فإذ كان معلومًا أن قوله : " لشهادتنا أحق من شهادتهما " ، إنما معناه : قسمُنا أحق من قَسَمهما وكان قسم اللذين عُثر على أنهما أثِمَا ، هو الشهادة التي ذكر
__________
(1) في المطبوعة : " مما قلنا من التأويل " ، وفي المخطوطة : " ما قبلنا من التأويل " ، وصواب القراءة ما أثبت.
(2) قوله : " وفيها أيضًا " ، الضمير عائد على قوله في أول الفقرة السالفة : " ففيما ذكرنا من هذه الأخبار التي روينا " ، وهي عطف عليه.
(3) في المطبوعة : " إنه لمن الصادقين " ، وأثبت ما في المخطوطة.
(4) انظر ما كتبه في " اتمن " فيما سلف ص : 172 ، تعليق : 1 ، 2

(11/193)


الله ذكره تعالى في قوله : " أحق من شهادتهما " صحَّ أن معنى قوله : " شهادة بينكم " ، بمعنى : " الشهادة " في قوله : " لشهادتنا أحق من شهادتهما " ، وأنها بمعنى القسم.
* * *
قال أبو جعفر : واختلفت القرأة في قراءة قوله : " من الذين استحق عليهم الأوليان " .
فقرأ ذلك قرأة الحجاز والعراق والشأم : مِنَ الَّذِينَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ الأَوْلَيَانِ ، بضم " التاء " .
* * *
وروي عن علي ، وأبيّ بن كعب ، والحسن البصري أنهم قرءوا ذلك : مِنَ الَّذِينَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ ، بفتح " التاء " .
* * *
واختلفت أيضًا في قراءة قوله : " الأوليان " .
فقرأته عامة قراء أهل المدينة والشأم والبصرة : (الأَوْلَيَان).
* * *
وقرأ ذلك عامة قرأة أهل الكوفة : (الأَوَّلِينَ).
* * *
وذكر عن الحسن البصري أنه كان يقرأ ذلك : ( مِنَ الَّذِينَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمْ الأَوَّلانِ).
* * *
قال أبو جعفر : وأولى القراءتين بالصواب في قوله : " من الذين استحق عليهم " ، قراءة من قرأ بضم " التاء " ، لإجماع الحجة من القرأة عليه ، مع مشايعة عامة أهل التأويل على صحة تأويله ، (1) وذلك إجماع عامتهم على أن تأويله : فآخران من أهل الميت ، الذين استحق المؤتمنان على مال الميت الإثم فيهم ،
__________
(1) في المطبوعة : " مع مساعدة أهل التأويل " ، وفي المخطوطة : " مع مساعه " غير منقوطة ، وآثرت قراءتها كما كتبتها. و " المشايعة " ، الموافقة والمتابعة.

(11/194)


يقومان مقام المستحقَّيْ الإثم فيهما ، بخيانتهما ما خانَا من مال الميت.
وقد ذكرنا قائلي ذلك ، أو أكثر قائليه ، فيما مضى قبل ، ونحن ذاكُرو باقيهم إن شاء الله ذلك :
12971 - حدثني محمد بن عمرو قال ، حدثنا أبو عاصم قال ، حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قول الله تعالى ذكره : " شهادة بينكم " ، أن يموت المؤمن فيحضر موته مسلمان أو كافران ، لا يحضُره غير اثنين منهم. فإن رضي ورَثته ما عاجل عليه من تركته فذاك ، وحلف الشاهدان إن اتُّهما : إنهما لصادقان " فإن عثر " وُجد......... ، (1) حلف الاثنان الأوليان من الورثة ، فاستحقّا وأبطَلا أيمانَ الشَّاهدين.
* * *
وأحسب أن الذين قرءوا ذلك بفتح " التاء " ، أرادوا أن يوجهوا تأويلَه إلى : " فآخران يقومان مقامهما " ، مقام المؤتمنين اللذين عُثِر على خيانتهما في القَسم ، و " الاستحقاق به عليهما " ، دعواهما قِبَلهما من " الذين استحقَّ " على المؤتمنين على المالِ على خيانتهما القيامَ مقامهما في القَسَم والاستحقاق ، الأوليان بالميت. (2) وكذلك كانت قراءة من رُوِيت هذه القراءة عنه ، فقرأ ذلك : مِنَ الَّذِينَ اسْتَحَقَّ بفتح " التاء " و " الأوليان " ، (3) على معنى : الأوليان بالميت وماله. وذلك مذهبٌ صحيحٌ ، وقراءةٌ غير مدفوعة صحَّتها ، غير أنا نختار الأخرى ،
__________
(1) في المطبوعة : " فإن عثر ، وجد لطخ حلف الاثنان . . . " ، وقوله : " لطخ " هنا من عجائب الكلام ، وفي المخطوطة بعد : " فإن عثر وجد " بياض إلى آخر السطر ، مع علامات بعد الكلام بالحمرة. والظاهر أن النسخة التي نقل عنها ناشر المطبوعة ، كان فيها في هذا الموضع حرف (ط) دلالة على الخطأ ، فكتب مكانها ما كتب. ووضعت أنا مكان البياض في المخطوطة نقطًا ، والظاهر أن سياق الكلام كان : " فإن عثر ، وجد أنها استحقا إثمًا " حلف الاثنان . . . " ، ولكني آثرت ترك البياض كما هو في المخطوطة ، والمعنى ظاهر.
(2) في المطبوعة : " في الأوليان " بزيادة " في " ، أثبت ما في المخطوطة ، وهو الصواب.
(3) في المطبوعة ، حذف قوله : " والأوليان " ، وساق الكلام على سياق واحد. وأثبت ما في المخطوطة.

(11/195)


لإجماع الحجة من القرأة عليها ، مع موافقتها التأويل الذي ذكرْنا عن الصحابة والتابعين.
12972 - حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا يحيى بن آدم ، عن إسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن أبي عبد الرحمن وكريب ، عن علي : أنه كان يقرأ : (مِنَ الَّذِينَ اسْتُحِقَّ عَلَيْهِمْ الأَوْلَيَانْ). (1)
12973 - حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا مالك بن إسماعيل ، عن حماد بن زيد ، عن واصل مولى أبي عُيينة ، عن يحيى بن عقيل ، عن يحيى بن يعمر ، عن أبيّ بن كعب : أنه كان يقرأ : (مِنَ الَّذِينَ اسْتُحِقَّ عَلَيْهِمْ الأَوْلَيَان). (2)
* * *
قال أبو جعفر : وأما أولى القراءات بالصَّواب في قوله : " الأوليان " عندي ،
__________
(1) الأثر : 12972 - " أبو إسحق " ، هو السبيعي.
و " أبو عبد الرحمن " هو " السلمي " القارئ ، " عبد الله بن حبيب " مضى برقم : 82.
و " كريب " هو " كريب بن أبي كريب " ، روى عن علي. وروى عنه أبو إسحق ، مترجم في الكبير4/1/231 ، وابن أبي حاتم 3/2/168 ، ولم يذكرا فيه جرحا. وترجمه في لسان الميزان ، وقال : " يروي المقاطيع ، من ثقات ابن حبان " .
(2) الأثر : 12973 - " مالك بن إسمعيل بن درهم النهدي " ، " أبو غسان " ، مضى برقم : 2989 ، 4433 ، 4926 ، 8292. وأخشى أن يكون راوي هذا الخبر هو " مؤمل بن إسمعيل العدوي " ، لا " مالك بن إسمعيل " ، ولكن هكذا ثبت في المخطوطة.
و " حماد بن زيد بن درهم الأزدي " ، مضى برقم : 856 ، 1682 ، 5454.
و " واصل مولى أبي عيينة بن المهلب بن أبي صفرة " ، ثقة ، روى عن يحيى بن عقيل الخزاعي ، والحسن البصري ، ورجاء بن حيوة ، وأبي الزبير المكي. روى عنه هشام بن حسان من أقرانه ، ومهدي بن ميمون ، وحماد بن زيد ، وغيرهم. مترجم في التهذيب ، والكبير 4/2/172 ، وابن أبي حاتم 4/2/30. وكان في المطبوعة والمخطوطة : " وائل بن أبي عبيدة " ، وهو خطأ لا شك فيه ، بيانه في التاريخ الكبير للبخاري.
و " يحيى بن عقيل الخزاعي البصري " ، روى عن يحيى بن يعمر ، وابن أبي أوفى ، ذكره ابن حبان في الثقات ، وقال ابن معين : " ليس به بأس " ، مترجم في التهذيب ، والكبير 4/2/292 وابن أبي حاتم 4/2/176.
وأما " يحيى بن يعمر القيس الجدلي " ، فهو ثقة جليل ، يروي عن الصحابة والتابعين. كان نحويًا صاحب علم بالعربية والقرآن ، وهو أول من نقط المصاحف. مترجم في التهذيب ، والكبير 4/2/311 ، وابن أبي حاتم 4/2/196.

(11/196)


فقراءة من قرأ : (الأَوْلَيَانِ) لصحة معناها. (1) وذلك لأن معنى : " فآخران يقومان مقامهما من الذين استُحِقّ عليهم الأوليان " : فآخران يقومان مقامهما من الذي استُحقّ] فيهم الإثم ، (2) ثم حذف " الإثم " ، وأقيم مقامه " الأوليان " ، لأنهما هما اللذان ظَلَما وأثِما فيهما ، بما كان من خيانة اللذين استحقا الإثم ، وعُثر عليهما بالخيانة منهما فيما كان اُّتمنهما عليه الميت ، (3) كما قد بينا فيما مضى من فعل العرب مِثل ذلك ، من حذفهم الفعل اجتراء بالاسم ، (4) وحذفهم الاسم اجتزاء بالفعل. (5) ومن ذلك ما قد ذكرنا في تأويل هذه القصة ، وهو قوله : " شهادة بينكم إذا حضر أحدكم الموت حين الوصية اثنان " ، ومعناه : أن يشهد اثنان ، وكما قال : " فيقسمان بالله إن ارتبتم لا نشتري به ثمنًا " ، فقال : " به " ، فعاد بالهاء على اسم الله ، وإنما المعنى : لا نشتري بقسمنا بالله ، فاجتزئ بالعود على اسم الله بالذكر ، والمراد به : " لا نشتري بالقسم بالله " ، استغناء بفهم السامع بمعناه عن ذكر اسم القسم. وكذلك اجتزئ ، بذكر " الأوليين " من ذكر " الإثم " الذي استحقه الخائنان لخيانتهما إيَّاهما ، إذ كان قد جرى ذكر ذلك بما أغنى السامع عند سماعه إياه عن إعادته ، وذلك قوله : " فإن عثر على أنَّهما استحقا إثمًا " .
* * *
وأما الذين قرءوا ذلك(الأَوَّلِينَ) ، فإنهم قصدوا في معناه إلى الترجمة به عن " الذين " ، فأخرجوا ذلك على وجه الجمع ، إذْ كان " الذين " جميعًا ، (6) وخفضًا ،
__________
(1) في المطبوعة والمخطوطة : " بصحة معناها " بالباء ، والصواب ما أثبته.
(2) الذي وضعته بين الأقواس ، هو حق السياق والمعنى ، فإن السياق يقتضي أن يذكر الآية ، ثم يذكر تأويلها ، وهكذا فعلت ، وهو الصواب إن شاء الله.
(3) في المطبوعة : " ائتمنهما " ، وانظر ما كتبته سالفًا ص : 172 ، تعليق 1 ، 2 ، وص : 193 تعليق : 4.
(4) " الفعل " ، هو المصدر ، كما سلف مرارًا ، وانظر فهارس المصطلحات.
(5) انظر ما سلف ص : 160.
(6) في المطبوعة : " جمعا " ، وأثبت ما في المخطوطة.

(11/197)


إذ كان " الذين " مخفوضًا ، وذلك وجه من التأويل ، غير أنه إنما يقال للشيء " أوّل " ، إذا كان له آخر هو له أوّل. وليس للذين استحق عليهم الإثم ، آخرهم له أوّل. بل كانت أيمان اللذين عثر على أنهما استحقَّا إثمًا قبل أيمانهم ، فهم إلى أن يكونوا إذ كانت أيمانهم آخرًا أولى أن يكونوا " آخرين " ، من أن يكونوا " أوّلين " ، وأيمانهم آخرة لأولى قبلها.
* * *
وأما القراءة التي حكيت عن الحسن ؛ فقراءةٌ عن قراءَة الحجة من القرأة شاذة ، وكفى بشذوذها عن قراءتهم دليلا على بُعدها من الصواب.
* * *
واختلف أهل العربية في الرافع لقوله : " الأوليان " ، إذا قرئ كذلك.
فكان بعض نحويي البصرة (1) يزعم أنه رفع ذلك ، بدلا من : " آخران " في قوله : " فآخران يقومان مقامهما " . وقال : إنما جاز أن يبدل " الأوليان " ، وهو معرفة ، من " آخران " وهو نكرة ، لأنه حين قال : " يقومان مقامهما من الذين استحق عليهم " ، كان كأنه قد حدَّهما حتى صارا كالمعرِفة في المعنى ، فقال : " الأوليان " ، فأجرى المعرفة عليهما بدلا. قال : ومثل هذا مما يجري على المعنى كثير ، واستشهد لصحة قوله ذلك بقول الراجز : (2)
عَلَيَّ يَوْمَ يَمْلِكُ الأُمُورَا... صَوْمُ شُهُورٍ وَجَبَتْ نُذُورَا
وَبَادِنًا مُقَلَّدًا مَنْحُورَا (3)
__________
(1) في المخطوطة والمطبوعة : " فقال بعض نحويي . . . " ، والصواب ما أثبت.
(2) لم أعرف قائله.
(3) " البادن " : الضخم السمين المكتنز ، ولم أجدهم قالوا : " البادن " وأرادوا به " البدنة " (بفتح الباء والدال) ، وهي الناقة التي كانوا يسمنونها ثم تهدى إلى البيت ، ثم تنحر عنده. ولعل الراجز استعملها على الصفة ، ومع ذلك فهي عندي غريبة تقيد. و " المقلد " ، الذي وضعت عليه القلائد ، إشعارًا بأنه هدي يساق إلى الكعبة. ذكر الراجز ما نذره إذا ولى هذا الرجل أمور الناس.

(11/198)


قال : فجعله : عليَّ واجب ، لأنه في المعنى قد أوجب. (1)
* * *
وكان بعض نحويي الكوفة ينكر ذلك ويقول : لا يجوز أن يكون " الأوليان " بدلا من : " آخران " ، من أجل أنه قد نَسَق " فيقسمان " على " يقومان " في قوله (2) " فآخران يقومان " ، فلم يتمّ الخبر بعد " مِنْ " . (3) قال : ولا يجوز الإبدال قبل إتمام الخبر. (4) وقال : غير جائز : " مررت برجل قام زيدٍ وقَعَد " ، و " زيد " بدل من " رجل " .
* * *
قال أبو جعفر : والصواب من القول في ذلك عندي أن يقال : " الأوليان " مرفوعان بما لم يسمَّ فاعله ، وهو قوله : (اسْتُحِقَّ عَلَيْهِمْ) وأنهما وُضِعا موضع الخبر عنهما ، (5) فعمل فيهما ما كان عاملا في الخبر عنهما. وذلك أن معنى الكلام : " فآخران يقومان مَقامهما من الذين استُحِقَّ عليهم الإثم بالخيانة " ، فوضع " الأوليان " موضع " الإثم " كما قال تعالى ذكره في موضع آخر : أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ [سورة التوبة : 19] ، ومعناه : أجعلتم سقاية الحاجِّ وعمارةَ المسجد الحرام كإيمان من آمن بالله واليوم الآخر
__________
(1) تركت هذه الجملة كما هي في المخطوطة والمطبوعة. وإن كنت أرجح أنه استشهد بالرجز على أنه نصب " صوم شهور " ، وعطف عليه " وبادنًا مقلدًا منحورًا " ، على معنى : قد أوجبت على نفسي صوم شهور ، وبادنًا مقلدًا منحورًا. فإن صح ذلك فيكون صواب هذه العبارة : " فجعله : على واجب لأنه في المعنى : قد أوجبت " .
(2) " نسق " ، أي : عطف.
(3) في المطبوعة : " فلم يتم الخبر عند من قال . . . " ، غير ما في المخطوطة ، وهذا خطأ محض. الصواب ما في المخطوطة ، يريد : بعد " من الذين استحق عليهم الأوليان " .
(4) في المطبوعة والمخطوطة : " قال " بغير واو ، والصواب إثباتها كما يدل عليه السياق.
ثم كتب في المطبوعة بعد ذلك " كما قال : غير جائز . . . " ، بزيادة " كما " ، وهي في المخطوطة ، مكتوبة متصلة بالراء ، فآثرت قراءتها " وقال " ، لأنه حق السياق.
(5) في المطبوعة : " وأنهما موضع الخبر " أسقط " وضعا " ، وهي ثابتة في المخطوطة.

(11/199)


وكما قال : وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ ، [سورة البقرة : 93] ، وكما قال بعض الهذليين. (1)
يُمَشِّي بَيْنَنَا حَانُوتُ خَمْرٍ... مِنَ الخُرْسِ الصَّرَاصِرَةِ الْقِطَاطِ (2)
وهو يعني : صاحب حانوت خمر ، فأقام " الحانوت " مقامه ، لأنه معلوم أن " الحانوت " ، لا يمشي! ولكن لما كان معلومًا عنده أنَّه لا يخفى على سامعه ما قصد إليه من معناه ، حذف " الصاحب " ، واجتزأ بذكر " الحانوت " منه. فكذلك قوله : " من الذين استُحِقّ عليهم الأوليان " ، إنما هو من الذين استُحِقّ فيهم خيانتهما ، فحذفت " الخيانة " وأقيم " المختانان " ، مقامها. فعمل فيهما ما كان يعمل في المحذوف ولو ظهر.
* * *
وأما قوله : " عليهم " في هذا الموضع ، فإن معناها : فيهم ، كما قال تعالى : وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ ، [سورة البقرة : 102] ، يعني : في
__________
(1) هو المنخل الهذلي
(2) ديوان الهذليين 2 : 21 ، والمعاني الكبير : 472. واللسان (حنت) (قطط) (خرص) ، من قصيدة له طويلة ، يذكر مواضي أيامه ، ثم يقول بعد البيت في صفة الخمر : رَكُودٍ في الإنَاءِ لَهَا حُمَيَّا ... تَلَذُّ بأَخْذِها الأَيْدِي السَّوَاطِي
مُشَعْشَعَةٍ كَعَيْنِ الدَّيكِ ، لَيْسَتَْتْ ، ... إذَا ذِيقَتْ ، مِنَ الخَلِّ الخِمَاطِ
وقوله : " الخرس " ، جمع " أخرس " ، وهو الذي ذهب كلامه عيًا أو خلقة. ويعني به : خدمًا من العجم لا يفصحون ، فلذلك سماهم " خرسًا " . وروى بعضهم " من الخرص " ، وهو خطأ ، فيه نبّه عليه الأزهري رحمه الله.
و " الصراصرة " نبط الشأم. وعندي أنهم سموا بذلك ، لشيء كان في أصواتهم وهم يتكلمون ، في أصواتهم صياح وارتفاع وامتداد ، كأنه صرصة البازي. و " القطاط " جمع " قطط " (بفتحتين) و " قط " (بفتح وتشديد) : وهو الرجل الشديد جعودة الرأس. وقوله : " ركود في الإناء " ، يعني أنها صافية ساكنة. و " حميا الخمر " ، سورتها وأخذها بالبدن. و " الأيدي السواطي " ، التي تسطو إليها ، أي : تتناولها معجلة شديدة الرغبة فيها. و " مشعشعة " : قد أرقها مزجها بالماء. و " الخماط " من الخمر : التي أصابتها ريح ، فلم تستحكم ولم تبلغ الحموضة.

(11/200)


ملك سليمان ، وكما قال : وَلأصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ [سورة طه : 71]. ف " في " توضع موضع " على " ، و " على " في موضع " في " ، كل واحدة منهما تعاقب صاحبتها في الكلام ، (1)
ومنه قول الشاعر : (2)
مَتَى مَا تُنِْكرُوها تَعْرِفُوهَا... عَلَى أَقْطَارِهَا عَلَقٌ نَفِيثُ (3)
وقد تأوّلت جماعة من أهل التأويل قول الله تعالى ذكره : " فإن عثر على أنهما استحقا إثمًا فآخران يقومان مقامهما من الذين استحقّ عليهم الأوليان " ، أنهما رجلان آخرَان من المسلمين ، أو رجلان أعدل من المقسمين الأوَّلَين
* ذكر من قال ذلك :
12974 - حدثنا محمد بن المثنى قال ، حدثنا عبد الأعلى قال ، حدثنا داود بن أبي هند ، عن عامر ، عن شريح في هذه الآية : " يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم إذا حضر أحدكم الموت حين الوصية اثنان ذوا عدل منكم أو آخران من غيركم " ، قال : إذا كان الرجل بأرض غُرْبة ولم يجد مسلمًا يشهده على
__________
(1) انظر ما سلف 1 : 299/2 : 411 ، 412 ، وغيرها من المواضع في باب تعاقب الحروف.
(2) هو أبو المثلم الهذلي.
(3) ديوان الهذليين 2 : 224 ، مشكل القرآن : 295 ، 430 ، والمعاني الكبير : 969 ، 970 ، والاقتضاب : 451 ، والجواليقي : 373 ، واللسان (نفث) وغيرها. من أبيات في ملاحاة بينه وبين صخر الغي ، من جراد دم كان أبو المثلم يطلب عقله ، أي ديته ، وقبل البيت : لَحَقٌ بَنِي شُغَارَةَ أن يَقُولوا ... لِصَخْرِ الغَيِّ : مَاذَا تَسْتَبِيثُ?
أي : ماذا تستثير ؟ وإنما أراد الحرب ، فقال له بعد : " متى ما تنكروها . . . " ، أي : إذا جاءت الحرب أنكرتموها ، ولكن ما تكادون تنكرونها ، حتى تروا الدم يقطر من نواحيها ، يعني كتائب المحاربين. و " العلق " : الدم ، و " الأقطار " : النواحي. و " النفيث " ، الدم الذي تنفثه القروح والجروح.
وقد خلط البطليوسي في شرح هذا الشعر ، فزعم أن الضمير في قوله : " متى ما تنكروها " ، عائد " إلى المقالة " ، يعني هذا الهجاء بينهما ، وأتى في ذلك بكلام لا خير فيه ، أراد به الإغراب كعادته.

(11/201)


وصيته ، فأشهد يهوديًّا ، أو نصرانيًّا ، أو مجوسيًّا ، فشهادتهم جائزة. فإن جاء رجلان مسلمان فشهدَا بخلاف شهادتهم ، أجيزت شهادة المسلمين ، وأبطلت شهادة الآخرين. (1)
12975 - حدثنا بشر بن معاذ قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد ، عن قتادة : " فإن عثر " ، أي : اطلع منهما على خيانة ، على أنهما كذبا أو كَتما ، فشهد رجلان هما أعدل منهما بخلافِ ما قالا أجيزت شهادة الآخرين ، وأبطلت شهادة الأوَّلين.
12976 - حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا جرير ، عن عبد الملك ، عن عطاء قال : كان ابن عباس يقرأ : (مِنَ الَّذِينَ اسْتُحِقَّ عَلَيْهِمُ الأوَّلَيْنِ) قال ، كيف يكون " الأوليان " ، أرأيت لو كان الأوليان صغيرين ؟
12977 - حدثنا هناد وابن وكيع قالا حدثنا عبدة ، عن عبد الملك ، عن عطاء ، عن ابن عباس قال : كان يقرأ : (مِنَ الَّذِينَ اسْتُحِقَّ عَلَيْهِمُ الأوَّلَيْنِ) قال ، وقال : أرأيت لو كان الأوليان صغيرين ، كيف يقومان مقامهما ؟
قال أبو جعفر : فذهب ابن عباس ، فيما أرى ، إلى نحو القول الذي حكيتُ عن شريح وقتادة ، من أنّ ذلك رجلان آخران من المسلمين ، يقومان مقام النَّصرانيين ، أو عَدْلان من المسلمين هما أعدل وأجوزُ شهادة من الشاهدين الأولين أو المقسمين.
وفي إجماع جميع أهل العلم على أنْ لا حكم لله تعالى ذكره يجب فيه على شاهدٍ يمينٌ فيما قام به من الشهادة ، دليلٌ واضح على أنّ غير هذا التأويل الذي قاله الحسن ومن قال بقوله في قول الله تعالى ذكره : " فآخران يقومان مقامهما " أولى به.
__________
(1) الأثر : 12974 - مضى هذا الخبر برقم : 12909 ، 12943 ، وانظر التعليق على رقم : 12909.

(11/202)


وأما قوله " الأوليان " ، فإن معناه عندنا : الأوْلى بالميت من المقسمين الأولين فالأولى. (1) وقد يحتمل أن يكون معناه : الأولى باليمين منهما فالأولى ثم حذف " منهما " ، (2) والعرب تفعل ذلك فتقول : " فلان أفضل " ، وهي تريد : " أفضل منك " ، وذلك إذا وضع " أفعل " موضع الخبر. وإن وقع موقع الاسم وأدخلت فيه " الألف واللام " ، فعلوا ذلك أيضًا ، إذا كان جوابًا لكلام قد مضى ، فقالوا : " هذا الأفضل ، وهذا الأشرف " ، يريدون : هو الأشرف منك.
* * *
وقال ابن زيد : معنى ذلك : الأوليان بالميت.
12978 - حدثني يونس ، عن ابن وهب ، عنه.
* * *
القول في تأويل قوله : { فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ لَشَهَادَتُنَا أَحَقُّ مِنْ شَهَادَتِهِمَا وَمَا اعْتَدَيْنَا إِنَّا إِذًا لَمِنَ الظَّالِمِينَ (107) }
قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره : فيقسم الآخران اللذان يقومان مقام اللَّذين عثر على أنهما استحقا إثمًا بخيانتهما مالَ الميت ، الأوْليان باليمين والميِّت من الخائنين : " لشهادتنا أحقُّ من شهادتهما " ، يقول : لأيماننا أحقُّ من أيمان المقسمَين المستحقَّين الإثم ، وأيمانِهما الكاذبة في أنَّهما قد خانا في كذا وكذا من مال ميّتنا ، وكذا في أيمانِهما التي حلفا بها " وما اعتدينا " ، يقول : وما تجاوزنا الحقَّ في أيماننا.
* * *
وقد بينا أن معنى " الاعتداء " ، المجاوزة في الشيء حدَّه. (3)
* * *
__________
(1) السياق : " الأولى بالميت . . . فالأولى " .
(2) في المطبوعة : " ثم حذف فيهما " ، وهو خطأ صرف ، وهي في المخطوطة غير منقوطة.
(3) انظر تفسير " الاعتداء " فيما سلف من فهارس اللغة (عدا).

(11/203)


ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يَأْتُوا بِالشَّهَادَةِ عَلَى وَجْهِهَا أَوْ يَخَافُوا أَنْ تُرَدَّ أَيْمَانٌ بَعْدَ أَيْمَانِهِمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاسْمَعُوا وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ (108)

" إنا إذًا لمن الظالمين " يقول : " إنّا إن كنا اعتدينا في أيماننا ، فحلفنا مبطلين فيها كاذبين " لمن الظالمين " ، يقول : لَمِنْ عِدَادِ مَنْ يأخذ ما ليس له أخذه ، (1) ويقتطع بأيمانه الفاجرة أموال الناس. (2)
* * *
القول في تأويل قوله : { ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يَأْتُوا بِالشَّهَادَةِ عَلَى وَجْهِهَا أَوْ يَخَافُوا أَنْ تُرَدَّ أَيْمَانٌ بَعْدَ أَيْمَانِهِمْ }
قال أبو جعفر : يعني تعالى ذكره بقوله : " ذلك " ، هذا الذي قلت لكم في أمر الأوصياء إذا ارتبتم في أمرهم ، واتهمتموهم بخيانة لمالِ من أوصى إليهم ، من حبسهم بعد الصلاة ، واستحلافكم إيَّاهم على ما ادَّعى قِبَلهم أولياء الميت " أدنى " لهم " أن يأتوا بالشهادة على وجهها " ، يقول : هذا الفعل ، إذا فعلتم بهم ، أقربُ لهم أن يصدُقوا في أيمانهم ، (3) ولا يكتموا ، ويقرُّوا بالحق ولا يخونوا (4) " أو يخافوا أن تردّ أيمان بعد أيمانهم " ، يقول : أو يخاف هؤلاء الأوصياء إن عثر عليهم أنهم استحقُّوا إثمًا في أيمانهم بالله ، أن تردَّ أيمانهم على أولياء الميت ، بعد أيمانهم التي عُثِر عليها أنها كذب ، فيستحقُّوا بها ما ادّعوا قِبَلهم من حقوقهم ، فيصدقوا حينئذٍ في أيمانهم وشهادتهم ، مخافةَ الفضيحة على أنفسهم ، وحذرًا أن يستحقّ عليهم ما خانُوا فيه أولياء الميِّت وورثته.
* * *
__________
(1) في المطبوعة : " لمن عدا ومن يأخذ " ، غير ما في المخطوطة ، وأساء أقبح الإساءة.
(2) انظر تفسير " الظلم " فيما سلف من فهارس اللغة.
(3) انظر تفسير " أدنى " فيما سلف 6 : 78/7 : 548.
(4) انظر تفسير " على وجهه " فيما سلف 2 : 511.

(11/204)


وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. وقد تقدّمت الروايةُ بذلك عن بعضهم ، نحن ذاكرو الرواية في ذلك عن بعضِ من بَقي منهم.
12979 - حدثني المثنى قال ، حدثنا عبد الله بن صالح قال ، حدثني معاوية بن صالح ، عن علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : " فإن عُثر على أنهما استحقّا إثمًا " ، يقول : إن اطُّلع على أنّ الكافرين كذبَا " فآخران يقومان مقامهما " ، يقول : من الأولياء ، فحلفا بالله أنّ شهادة الكافرين باطلة ، وأنا لم نعتد ، فتردّ شهادة الكافرين ، وتجوز شهادة الأولياء. يقول تعالى ذكره : ذلك أدنى أن يأتي الكافرون بالشهادة على وجهها ، أو يخافوا أن تردّ أيمان بعد أيمانهم. وليس على شُهود المسلمين أقسْام ، وإنما الأقسام إذا كانوا كافرين.
12980 - حدثنا بشر بن معاذ قال ، حدثنا يزيد بن زريع قال ، حدثنا سعيد ، عن قتادة قوله : " ذلك أدنى أن يأتوا بالشهادة " الآية ، يقول : ذلك أحرَى أن يصدقوا في شهادتهم ، وأن يخافوا العَقِب. (1)
12981 - حدثني يونس قال ، أخبرنا ابن وهب قال ، قال ابن زيد في قوله : " أو يخافوا أن تردَّ أيمان بعد أيمانهم " ، قال : فتبطل أيمانهم ، وتؤخذ أيمانُ هؤلاء.
* * *
وقال آخرون : [معنى ذلك تحبسونهما من بعد الصلاة. ذلك أدنى أن يأتوا بالشهادة على وجهها ، على أنهما استحقا إثمًا ، فآخران يقومان مقامهما]. (2)
* ذكر من قال ذلك :
__________
(1) في المطبوعة : " وأن يخافوا العقاب " ، والصواب ما في المخطوطة و " العقب " (بفتح فكسر) : العاقبة ، وذلك عاقبة أمرهما في وبطلان أيمانهم ، وعاقبة رد الفضيحة على أنفسهم.
(2) هذه الجملة كلها مضطربة المعنى ، ولا تطابق الأثر التالي ، وظني أن في الكلام سقطًا ، أسقط الناسخ سطرًا أو نحوه ، وتركتها على حالها في المخطوطة والمطبوعة ، ولكني وضعتها بين قوسين ، شكًّا مني في صحتها.

(11/205)


12982 - حدثني محمد بن الحسين قال ، حدثنا أحمد بن مفضل قال ، حدثنا أسباط ، عن السدي قال : يوقف الرجلان بعد صلاتهما في دينهما ، فيحلفان بالله : " لا نشتري به ثمنًا قليلا ولو كان ذا قربى ولا نكتم شهادة الله إنا إذًا لمن الآثمين ، أنّ صاحبكم لبهذا أوصى ، وأنّ هذه لتركته " . فيقول لهما الإمام قبل أن يحلفا : " إنكما إن كنتما كتمتما أو خنتما ، فضحتكما في قومكما ، ولم أجز لكما شهادة ، وعاقبتكما " . فإن قال لهما ذلك ، فإنّ ذلك أدنى أن يأتوا بالشهادة على وجهها.
* * *
القول في تأويل قوله : { وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاسْمَعُوا وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ (108) }
قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره : وخافوا الله ، أيها الناس ، وراقبوه في أيمانكم أن تحلفوا بها كاذبةً ، وأن تُذْهبوا بها مال من يَحْرم عليكم ماله ، وأن تخونوا من اتَّمنكم (1) " واسمعوا " ، يقول : اسمعوا ما يقال لكم وما توعظون به ، فاعملوا به ، وانتهوا إليه " والله لا يهدي القوم الفاسقين " ، يقول : والله لا يوفِّق من فَسَق عن أمر ربّه ، فخالفه وأطاع الشيطانَ وعصى ربَّه.
* * *
وكان ابن زيد يقول : " الفاسق " ، في هذا الموضع ، هو الكاذب. (2)
12983 - حدثني يونس قال ، أخبرنا ابن وهب قال ، قال ابن زيد : " والله لا يهدي القومَ الفاسقين " ، الكاذبين ، يحلفون على الكذب.
* * *
__________
(1) انظر ما كتبته في " اتمن " فيما سلف ص : 197 ، تعليق : 3.
(2) انظر تفسير " الفاسق " بهذا المعنى من تفسير ابن زيد ، فيما سلف رقم : 12103 في الجزء 10 : 376. ثم انظر تفسير " الفسق " فيما سلف من فهارس اللغة (فسق).

(11/206)


وليس الذي قال ابن زيد من ذلك عندي بمدفُوعٍ ، إلا أن الله تعالى ذكره عَمَّ الخبر بأنه لا يهدي جميع الفسَّاق ، ولم يخصص منهم بعضًا دون بعض بخبر ولا عقلٍ ، فذلك على معاني " الفسق " كلها ، حتى يخصِّص شيئًا منها ما يجب التسليمُ له ، فيُسلِّم له.
* * *
ثم اختلف أهل العلم في حكم هاتين الآيتين ، هل هو منسوخ ، أو هو مُحكَم ثابت ؟
فقال بعضهم : هو منسوخ
* ذكر من قال ذلك :
12984 - حدثنا أبو كريب قال ، ثنا ابن إدريس ، عن رجل قد سماه ، عن حماد ، عن إبراهيم قال : هي منسوخة.
12985 - حدثني محمد بن سعد قال ، حدثني أبي قال ، حدثني عمي قال ، حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قال : هي منسوخة يعني هذه الآية : " يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم " ، الآية.
* * *
وقال جماعة : هي محكمة وليست بمنسوخة. وقد ذكرنا قولَ أكثرهم فيما مضَى.
* * *
قال أبو جعفر : والصواب من القول في ذلك أن حكم الآية غيرُ منسوخ (1) وذلك أن من حكم الله تعالى ذكره الذي عليه أهل الإسلام ، من لدن بعث الله تعالى ذكره نبيّه محمدًا صلى الله عليه وسلم إلى يومنا هذا ، أنّ من ادُّعِي عليه
__________
(1) في المطبوعة والمخطوطة : " أن حكم الآية منسوخ " ، وهو خطأ فاحش ، فإن أبا جعفر يقول بعد ذلك أنها غير منسوخة ، كما سترى ، فالصواب ما أثبته.

(11/207)


دَعْوى ممَّا يملكه بنو آدم ، أنّ المدَّعَى عليه لا يبرئه مما ادُّعي عليه إلا اليمين ، إذا لم يكن للمدَّعِي بيّنة تصحح دَعواه وأنه إن اعترف في يَدِ المدَّعى [عليه] سلعةً له ، (1) فادَّعَى أنها له دون الذي في يده ، فقال الذي هي في يده : " بل هي لي ، اشتريتها من هذا المدَّعِي " ، أنّ القول قول من زَعَم الذي هي في يده أنه اشتراها منه ، دون من هي في يده مع يمينه ، إذا لم يكن للذي هي في يده بيّنة تحقق به دعواه الشراءَ منه.
فإذ كان ذلك حكم الله الذي لا خلافَ فيه بين أهل العلم ، وكانت الآيتان اللتان ذكر الله تعالى ذكره فيهما أمرَ وصية الموصِي إلى عدلين من المسلمين ، أو إلى آخرين من غيرهم ، إنما ألزَم النبي صلى الله عليه وسلم ، فيما ذكر عنه ، الوصيَّين اليمينَ حين ادَّعَى عليهما الورثة ما ادَّعوا ، ثم لم يلزم المدَّعَى عليهما شيئًا إذ حلفا ، حتى اعترفت الورثة في أيديهما ما اعترفُوا من الجام أو