اللهم استجب

سبحانك وبحمدك وأستغفرك أنت الله الشافي الكافي الرحمن الرحيم الغفار الغفور القادر القدير المقتدر الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر الخالق البارئ المصور... الواحد الأحد الواجد الماجد الملك المغيث لا إله إلا أنت وحدك لا شريك لك ..لك الملك ولك الحمد وأنت علي كل شيئ قدير ولا حول ولا قوة إلا بك وأستغفرك اللهم بحق أن لك هذه الأسماء وكل الأسماء الحسني وحق إسمك الأعظم الذي تعلمه ولا أعلمه أسألك أن تَشفني شفاءا لا يُغادر سقما وأن تَكفني كل همي وتفرج كل كربي وتكشف البأساء والضراء عني وأن تتولي أمري وتغفر لي ذنبي وأن تشرح لي صدري وأن تُيسر لي أمري وأن تحلل عُقْدَةً  من لساني يفقهوا قولي وأن تغنني بفضلك عمن سواك اللهم أصلحني: حالي وبالي وأعتقني في الدارين وخُذ بيدي يا ربي وأخرجني من الظلمات الي النور بفضلك  وأن ترحم وتغفر لوالديَّ ومن مات من اخوتي وان تغفر لهم أجمعين وكل من مات علي الايمان والتوبة اللهم آمين  //اللهم تقبل/ واستجب//https://download.tvquran.com/download/selections/315/5cca02c11a61a.mp3

المصحف

 تحميل المصحف

القرآن الكريم وورد word doc icon تحميل المصحف الشريف بصيغة pdf تحميل القرآن الكريم مكتوب بصيغة وورد تحميل سورة العاديات مكتوبة pdf

Translate

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الخميس، 29 سبتمبر 2022

نهاية البدية صفة أهل آخر الزمان و«بعثت أنا والساعة كهاتين» .+«إنما أجلكم في أجل من خلا من الأمم قبلكم، كما بين صلاة العصر ومغرب الشمس، ومثلكم ومثل اليهود والنصارى....»..

صفة أهل آخر الزمان 

 قال الإمام أحمد: حدثنا عبد الصمد، حدثنا همام، حدثنا قتادة، عن الحسن، عن عبد الله بن عمرو، قال: قال رسول الله ﷺ: «لا تقوم الساعة حتى يأخذ الله شريطته من أهل الأرض، فيبقى فيها عجاجة لا يعرفون معروفا، ولا ينكرون منكرا».

 

[ص:282] وحدثناه عفان، حدثنا همام، عن قتادة، عن الحسن، عن عبد الله بن عمرو، ولم يرفعه، وقال: «حتى يأخذ الله شريطته من الناس».

 

وقال الإمام أحمد: حدثنا عفان، حدثنا قيس، حدثنا الأعمش، عن إبراهيم، عن عبيدة السلماني، عن عبد الله بن مسعود، قال: سمعنا رسول الله ﷺ يقول: «إن من البيان سحرا، وشرار الناس الذين تدركهم الساعة وهم أحياء، والذين يتخذون قبورهم مساجد». وهذا إسناد صحيح، ولم يخرجوه من هذا الوجه.

 

وقال الإمام أحمد: حدثنا بهز، حدثنا شعبة، حدثنا علي بن الأقمر، سمعت أبا الأحوص يحدث عن عبد الله، قال: قال رسول الله ﷺ: «لا تقوم الساعة إلا على شرار الناس». ورواه مسلم، عن زهير بن حرب، عن عبد الرحمن بن مهدي، عن شعبة، عن علي بن الأقمر به.

 

وقد تقدم في الأحاديث السابقة أنه يقل الرجال، وتكثر النساء، حتى [ص:283] يكون لخمسين امرأة القيم الواحد، يلذن به، وأنهم يتسافدون في الطرقات، كما يتسافد البهائم. وقد أوردناها بأسانيدها وألفاظها بما أغنى عن إعادتها، ولله الحمد.

 

وقال الإمام أحمد: حدثنا عفان، حدثنا حماد، أخبرنا ثابت، عن أنس، قال: قال رسول الله ﷺ: «لا تقوم الساعة حتى لا يقال في الأرض: لا إله إلا الله». ورواه مسلم، عن زهير بن حرب، عن عفان به. ولفظه: «لا تقوم الساعة حتى لا يقال في الأرض: الله الله».

 

وقال الإمام أحمد: حدثنا عبد الرزاق، أخبرنا معمر، عن ثابت، عن أنس، قال: قال رسول الله ﷺ: «لا تقوم الساعة على أحد يقول: الله الله». ورواه مسلم، عن عبد بن حميد، عن عبد الرزاق به.

 

وقال أحمد: حدثنا ابن أبي عدي، عن حميد، عن أنس، قال: قال رسول الله ﷺ: «لا تقوم الساعة حتى لا يقال في الأرض: الله الله».

 

وهذا الإسناد ثلاثي على شرط الصحيحين، وإنما رواه الترمذي، عن بندار، عن محمد بن عبد الله بن أبي عدي، عن حميد، عن أنس، مرفوعا، [ص:284] وقال: حسن. ثم رواه، عن محمد بن المثنى، عن خالد بن الحارث، عن حميد، عن أنس، موقوفا. ثم قال: وهذا أصح من الأول.

 

وفى معنى قوله ﷺ: «حتى لا يقال في الأرض: الله الله». قولان: أحدهما أن معناه أن أحدا لا ينكر منكرا ولا يزجر أحد أحدا إذا رآه قد تعاطى منكرا، وعبر عن ذلك بقوله: «حتى لا يقال: الله الله». كما تقدم في حديث عبد الله بن عمرو: «فيبقى فيها عجاجة لا يعرفون معروفا، ولا ينكرون منكرا». والقول الثاني: حتى لا يذكر الله في الأرض، ولا يعرف اسمه فيها، وذلك عند فساد الزمان، ودمار نوع الإنسان، وكثرة الكفر والفسوق والعصيان يتواكلون الخير بينهم، حتى لا يقول أحد لأحد: اتق الله خف الله، وهذا كما في الحديث الآخر: «لا تقوم الساعة حتى لا يقال في الأرض: لا إله إلا الله». وكما تقدم في الحديث الآخر أن الشيخ الكبير والعجوز الكبيرة يقولان: «أدركنا الناس وهم يقولون: لا إله إلا الله». ثم يتفاقم الأمر، ويتزايد الحال، حتى يترك ذكر الله جملة في الأرض، وينسى بالكلية، فلا يعرف فيها، وأولئك هم شرار الناس، وعليهم تقوم الساعة، كما تقدم في الحديث: «ولا تقوم الساعة إلا على شرار الناس». وفي لفظ: «شرار الناس الذين تدركهم الساعة وهم أحياء».

 

وفي حديث عبد العزيز بن صهيب، عن أنس، عن النبي ﷺ: «لا يزداد الناس إلا شحا، ولا يزداد الزمان إلا شدة، ولا تقوم الساعة إلا على شرار الناس».

 

[ص:285] وقال الإمام أحمد: حدثنا هاشم، حدثنا إسحاق بن سعيد بن عمرو بن سعيد بن العاص، عن أبيه، عن عائشة قالت: دخل علي رسول الله ﷺ وهو يقول: «يا عائشة، قومك أسرع أمتي لحاقا بي». قالت: فلما جلس قلت: يا رسول الله، جعلني الله فداك، لقد دخلت وأنت تقول كلاما أذعرني، قال: «وما هو؟» قالت: تزعم أن قومي أسرع أمتك بك لحاقا، قال؟ " نعم ". قالت: وعم ذاك؟ قال: «تستحلهم المنايا، فتنفس عليهم أمتهم». قالت: فقلت: فكيف الناس بعد ذلك؟ قال: «دبا يأكل شداده ضعافه، حتى تقوم عليهم الساعة». والدبا: الجنادب التي لم تنبت أجنحتها. تفرد به أحمد.

 

وقال أحمد: حدثنا علي بن ثابت، حدثني عبد الحميد بن جعفر، عن أبيه، عن علباء السلمي، قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: «لا تقوم الساعة إلا على حثالة من الناس». تفرد به، وقد رواه أبو خيثمة، عن علي بن ثابت به.

 

[ص:286] ولأبي نعيم من طريقه، بإسناده: «لا تقوم الساعة حتى يملك رجل من الموالي يقال له: جهجاه».

 

///

ذكر طرق الحديث الذي روي عن النبيﷺ كل طرفة عين، أنه قال: «بعثت أنا والساعة كهاتين».

 

رواية أنس بن مالك: قال الإمام أحمد: حدثنا أبو المغيرة، حدثنا الأوزاعي، حدثنا إسماعيل بن عبيد الله - يعني ابن أبي المهاجر الدمشقي - قال: قدم أنس بن مالك على الوليد بن عبد الملك، فسأله: ماذا سمعت من رسول الله ﷺ يذكر به الساعة؟ قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: «أنتم والساعة كتين». تفرد به أحمد من هذا الوجه.

 

طريق أخرى عنه: قال الإمام أحمد: حدثنا هاشم، حدثنا شعبة، عن أبي التياح، وقتادة، وحمزة، وهو ابن عمرو الضبي، أنهم سمعوا أنس بن مالك يقول عن النبي ﷺ: «بعثت أنا والساعة هكذا». وأشار بالسبابة والوسطى. وكان قتادة يقول: كفضل إحداهما على الأخرى. وأخرجه مسلم من حديث شعبة، عن حمزة الضبي هذا، وأبي التياح، كلاهما عن أنس، به.

 

[ص:287] طريق أخرى عنه: قال الإمام أحمد: حدثنا يزيد، حدثنا شعبة، عن قتادة، عن أنس بن مالك، عن النبي ﷺ قال: «بعثت أنا والساعة كهاتين». وأشار بالسبابة والوسطى. وأخرجه البخاري، ومسلم، والترمذي من حديث شعبة به - وفي رواية لمسلم: عن شعبة، عن قتادة، وأبي التياح، كلاهما عن أنس، به - وقال الترمذي: حسن صحيح.

 

طريق أخرى عنه: روى الإمام أحمد، عن يعقوب بن إبراهيم بن سعد، عن أبيه، عن محمد بن إسحاق، عن زياد بن أبي زياد المدني، عن أنس بن مالك، قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: «بعثت والساعة كهاتين». ومد إصبعيه، السبابة والوسطى. تفرد به أحمد، وإسناده لا بأس به.

 

طريق أخرى عنه: قال مسلم في صحيحه: حدثنا أبو غسان مالك بن عبد الواحد، حدثنا معتمر بن سليمان، عن أبيه، عن معبد بن هلال العنزي، عن أنس بن مالك أن رسول الله ﷺ قال: «بعثت أنا والساعة كهاتين». تفرد به مسلم.

 

طريق أخرى عنه: قال الإمام أحمد: حدثنا محمد بن جعفر، حدثنا [ص:288] شعبة، عن أبي التياح، سمعت أنس بن مالك يقول: إن رسول الله ﷺ قال: «بعثت أنا والساعة كهاتين». وبسط إصبعيه، السبابة والوسطى. وأخرجاه في الصحيحين من حديث شعبة، عن أبي التياح يزيد بن حميد - وزاد مسلم: وحمزة الضبي - عن أنس، به.

 

رواية جابر بن عبد الله، رضي الله عنهما: قال الإمام أحمد: حدثنا مصعب بن سلام، حدثنا جعفر، هو ابن محمد بن علي بن الحسين، عن أبيه، عن جابر بن عبد الله، قال: خطبنا رسول الله ﷺ، فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله، ثم قال: «أما بعد، فإن أصدق الحديث كتاب الله، وإن أفضل الهدي هدي محمد، وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة». ثم يرفع صوته وتحمر وجنتاه، ويشتد غضبه إذا ذكر الساعة كأنه منذر جيش، ثم يقول: «أتتكم الساعة، بعثت أنا والساعة هكذا - وأشار بإصبعيه؟ السبابة والوسطى - صبحتكم الساعة ومستكم، من ترك مالا فلأهله، ومن ترك دينا أو ضياعا فإلي وعلي». الضياع: ولده المساكين. وقد رواه مسلم والنسائي وابن ماجه، من طرق عن جعفر بن محمد، به، وعند مسلم قال: «بعثت أنا والساعة كهاتين».

 

رواية سهل بن سعد: قال مسلم: حدثنا سعيد بن منصور، قال: وحدثنا [ص:289] قتيبة بن سعيد، واللفظ له، حدثنا يعقوب، هو ابن عبد الرحمن، عن أبي حازم، أنه سمع سهلا يقول: سمعت النبي ﷺ يشير بإصبعيه التي تلي الإبهام والوسطى، وهو يقول: «بعثت أنا والساعة هكذا». تفرد به مسلم.

 

رواية أبي هريرة: قال الحافظ أبو يعلى الموصلي: حدثنا أبو هشام، حدثنا أبو بكر، حدثنا أبو حصين، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله ﷺ: «بعثت أنا والساعة كهاتين». وضم إصبعيه.

 

وقد رواه البخاري، عن يحيى بن يوسف، عن أبي بكر بن عياش، عن أبي حصين عثمان بن عاصم، عن أبي صالح ذكوان، عن أبي هريرة، عن النبيﷺ قال: «بعثت أنا والساعة كهاتين». ثم قال البخاري: وتابعه إسرائيل. ورواه ابن ماجه، عن هناد بن السري، وأبي هشام الرفاعي، عن أبي بكر بن عياش به، وقال: وجمع بين إصبعيه.

 

وقال أبو بكر بن أبي الدنيا: حدثنا أبو مسلم عبد الرحمن بن يونس، حدثنا سفيان، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن قيس بن أبي حازم، عن أبي جبيرة بن الضحاك، رضي الله عنه، قال: قال رسول الله ﷺ: «بعثت في [ص:290] نسم الساعة». يقول: حين بدت في أول وقتها. وهذا إسناد جيد، وليس هو في شيء من الكتب، ولا رواه أحمد بن حنبل، وإنما روى لأبي جبيرة حديثا آخر في النهي عن التنابز بالألقاب.////

حديث في تقريب يوم القيامة بالنسبة إلى ما سلف من الأزمنة 

قال الإمام أحمد: حدثنا أبو اليمان، حدثنا شعيب، عن الزهري، أخبرني سالم بن عبد الله أن عبد الله بن عمر قال: سمعت النبي ﷺ وهو قائم على المنبر، يقول: «إنما بقاؤكم فيما سلف قبلكم من الأمم، كما بين صلاة العصر إلى غروب الشمس، أعطي أهل التوراة التوراة فعملوا بها، حتى إذا انتصف النهار عجزوا، فأعطوا قيراطا قيراطا، ثم أعطي أهل الإنجيل الإنجيل فعملوا به حتى صلاة العصر، ثم عجزوا فأعطوا قيراطا قيراطا، ثم أعطيتم القرآن فعملتم به حتى غربت الشمس، فأعطيتم قيراطين قيراطين، فقال أهل [ص:291] التوراة والإنجيل: ربنا، هؤلاء أقل عملا، وأكثر أجرا ! فقال: هل ظلمتكم من أجركم من شيء؟ قالوا: لا. فقال: فذاك فضلي أوتيه من أشاء». وهكذا رواه البخاري، عن أبي اليمان.

 

وللبخاري من حديث سفيان الثوري، عن عبد الله بن دينار، عن ابن عمر، قال: قال رسول الله ﷺ: «إنما أجلكم في أجل من خلا من الأمم قبلكم، كما بين صلاة العصر ومغرب الشمس، ومثلكم ومثل اليهود والنصارى....». فذكر الحديث بتمامه وطوله.

 

طريق أخرى عن ابن عمر، رضي الله عنهما: قال الإمام أحمد: حدثنا الفضل بن دكين، حدثنا شريك، سمعت سلمة بن كهيل، يحدث عن مجاهد، عن ابن عمر، قال: كنا جلوسا عند النبي ﷺ، والشمس على قعيقعان، بعد العصر، فقال: «ما أعماركم في أعمار من مضى، إلا كما بقي من النهار فيما مضى منه». تفرد به أحمد. وهذا إسناد حسن، لا بأس به. طريق أخرى عنه: قال أحمد: حدثنا إسماعيل بن عمر، حدثني كثير بن [ص:292] زيد، عن المطلب بن عبد الله، عن عبد الله بن عمر، أنه كان واقفا بعرفات، فنظر إلى الشمس حين تدلت مثل الترس للغروب، فبكى واشتد بكاؤه، فقال له رجل عنده: يا أبا عبد الرحمن، قد وقفت معي مرارا فلم تصنع هذا؟! فقال: ذكرت رسول الله ﷺ وهو واقف بمكاني هذا، فقال: «أيها الناس، إنه لم يبق من دنياكم فيما مضى منها، إلا كما بقي من يومكم هذا فيما مضى منه». تفرد به أحمد.

 

طريق أخرى عنه: قال الإمام أحمد: حدثنا يونس، حدثنا حماد، يعني ابن زيد، عن أيوب، عن نافع، عن ابن عمر، قال: قال رسول الله ﷺ: «ألا إن مثل آجالكم في آجال الأمم قبلكم، كما بين صلاة العصر إلى مغيربان الشمس». ورواه البخاري، عن سليمان بن حرب، من حماد بن زيد، به، نحوه، بأبسط منه.

 

وروى الحافظ أبو القاسم الطبراني، من حديث عطية العوفي، ووهب بن كيسان، عن ابن عمر، عن النبي ﷺ، بنحو ذلك.

 

وهذا كله يدل على أن ما بقي من الدنيا بالنسبة إلى ما مضى منها شيء [ص:293] يسير، لكن لا يعلم مقدار ما مضى منها إلا الله تعالى، ولا ما بقي إلا الله تعالى، ولكن لها أشراط إذا وجدت كانت قريبة، والله أعلم، ولم يجئ في حديث تحديد يصح سنده عن المعصوم، حتى يصار إليه، ويعلم نسبة ما بقي بالنسبة إليه، ولكنه قليل جدا بالنسبة إلى الماضي، وتعيين وقت الساعة لم يأت به حديث صحيح، بل الآيات والأحاديث دالة على أن علم ذلك مما استأثر الله سبحانه وتعالى به، دون خلقه، كما سيأتي تقريره في أول الجزء الآتي بعد هذا، إن شاء الله تعالى، وبه الثقة، وعليه التكلان.

 

فأما الحديث الذي رواه الإمام أحمد، رحمه الله، في " مسنده " قائلا: حدثنا أبو اليمان، أخبرنا شعيب، عن الزهري، حدثني سالم بن عبد الله، وأبو بكر بن أبي حثمة، أن عبد الله بن عمر قال: صلى النبي ﷺ صلاة العشاء في آخر حياته، فلما سلم قام، فقال: «أرأيتكم ليلتكم هذه؟ فإن على رأس مائة سنة منها لا يبقى ممن هو اليوم على ظهر الأرض أحد». قال عبد الله: فوهل الناس في مقالة رسول الله ﷺ تلك، إلى ما يحدثون من هذه الأحاديث عن مائة سنة، وإنما قال النبي ﷺ: «لا يبقى ممن هو اليوم على ظهر الأرض أحد». يريد بذلك أنه ينخرم ذلك القرن. وهكذا رواه [ص:294] البخاري، عن أبي اليمان بسنده ولفظه سواء، ورواه مسلم، عن عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي، عن أبي اليمان الحكم بن نافع، عن شعيب، به. فقد فسر الصحابي المراد من هذا الحديث بما فهمه، وهو أولى بالفهم من كل أحد من أنه يريد بذلك أن ينخرم قرنه ذلك، فلا يبقى أحد ممن هو كائن على وجه الأرض من أهل ذلك الزمان من حين قال هذه المقالة إلى مائة سنة، وقد اختلف العلماء; هل ذلك خاص بذلك القرن؟ أو عام في كل قرن أنه لا يبقى أحد أكثر من مائة سنة؟ على قولين، والتخصيص بذلك القرن المعين الأول أولى; فإنه قد شوهد أن بعض الناس قد جاوز المائة سنة، وذلك طائفة كثيرة من الناس، كما قد ذكرنا هذا في كتابنا هذا في وفيات الأعيان، فالله أعلم.

 

ولهذا الحديث طرق أخرى، عن النبي ﷺ.

 

رواية جابر بن عبد الله: قال الإمام أحمد: حدثنا أبو النضر، حدثنا المبارك، حدثنا الحسن، عن جابر بن عبد الله، أن رسول الله ﷺ سئل عن الساعة قبل أن يموت بشهر، فقال: «تسألوني عن الساعة، وإنما علمها عند الله، فوالذي نفسي بيده، ما أعلم اليوم نفسا يأتي عليها مائة سنة». تفرد به أحمد، وهو إسناد جيد حسن رجاله ثقات; أبو النضر هاشم بن القاسم من رجال [ص:295] الصحيحين، ومبارك بن فضالة حديثه عند أهل السنن، والحسن بن أبي الحسن البصري من الأئمة الثقات الكبار، وروايته مخرجة في الصحاح كلها وغيرها.

 

طريق أخرى عن جابر: قال الإمام أحمد: حدثنا حجاج، قال ابن جريج: أخبرني أبو الزبير، أنه سمع جابر بن عبد الله يقول: سمعت النبي ﷺ يقول قبل أن يموت بشهر: «تسألوني عن الساعة، وإنما علمها عند الله، وأقسم بالله ما على الأرض نفس منفوسة اليوم يأتي عليها مائة سنة».

 

وكذا رواه مسلم، عن هارون بن عبد الله، وحجاج بن الشاعر، عن حجاج بن محمد الأعور، وعن محمد بن حاتم، عن محمد بن بكر، كلاهما عن ابن جريج، به.

 

وقال مسلم في " الصحيح "، باب تقريب قيام الساعة: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وأبو كريب، قالا: حدثنا أبو أسامة، عن هشام، عن أبيه، عن عائشة، قالت: كان الأعراب إذا قدموا على رسول الله ﷺ سألوه عن الساعة: متى الساعة؟ فنظر إلى أحدث إنسان منهم، فقال: «إن يعش هذا لم يدركه الهرم، قامت عليكم ساعتكم». تفرد به الإمام مسلم، رحمه الله.

 

ثم قال مسلم: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا يونس بن محمد، عن حماد بن سلمة، عن ثابت، عن أنس، أن رجلا سأل رسول الله ﷺ: متى تقوم [ص:296] الساعة؟ وعنده غلام من الأنصار يقال له: محمد. فقال رسول الله ﷺ: «إن يعش هذا الغلام، فعسى أن لا يدركه الهرم حتى تقوم الساعة». تفرد به مسلم من هذا الوجه.

 

ثم قال مسلم: وحدثني حجاج بن الشاعر، حدثنا سليمان بن حرب، حدثنا حماد، يعني ابن زيد، حدثنا معبد بن هلال العنزي، عن أنس بن مالك، أن رجلا سأل النبي ﷺ قال: متى تقوم الساعة؟ قال: فسكت النبي ﷺ هنيهة ثم نظر إلى غلام بين يديه من أزد شنوءة، فقال: «إن عمر هذا، لم يدركه الهرم حتى تقوم الساعة». قال أنس: ذاك الغلام من أترابي يومئذ. تفرد به مسلم أيضا من هذا الوجه.

 

ثم قال مسلم: حدثنا هارون بن عبد الله، حدثنا عفان بن مسلم، حدثنا همام، حدثنا قتادة، عن أنس قال: مر غلام للمغيرة بن شعبة، وكان من أقراني، فقال النبي ﷺ: «إن يؤخر هذا فلن يدركه الهرم حتى تقوم الساعة». ورواه البخاري، عن عمرو بن عاصم، عن همام، به.

 

وهذه الروايات تدل على تعداد هذا السؤال وهذا الجواب، وليس المراد بذلك تحديد وقت الساعة العظمى إلى وقت هرم هذا الغلام المشار إليه، وإنما المراد ساعتهم، وهو انقراض قرنهم وعصرهم، وأن قصاراه تتناهى في مدة عمر ذلك الغلام، كما تقدم في الحديث: «تسألوني عن الساعة، وإنما علمها عند [ص:297] الله، وأقسم بالله ما على الأرض نفس منفوسة اليوم يأتي عليها مائة سنة». ويؤيد ذلك رواية عائشة، رضي الله عنها: «قامت عليكم ساعتكم». وذلك أنه من مات فقد دخل في حكم القيامة، فإن عالم البرزخ قريب من عالم يوم القيامة، وفيه شبه من الدنيا أيضا، ولكن هو أشبه بالآخرة، ثم إذا تناهت المدة المضروبة للدنيا أمر الله بقيام الساعة، فجمع الأولون والآخرون لميقات يوم معلوم، كما سيأتي بيان ذلك من الكتاب والسنة، وبالله المستعان.///

ذكر دنو الساعة واقترابها وأنها آتية لا ريب فيها، وأنها لا تأتي إلا بغتة، ولا يعلم وقتها على التعيين إلا الله سبحانه

 

 

 

 

قال الله تعالى: اقترب للناس حسابهم وهم في غفلة معرضون [الأنبياء: 1]. وقال تعالى: أتى أمر الله فلا تستعجلوه [النحل: 1]. وقال: يسألك الناس عن الساعة قل إنما علمها عند الله وما يدريك لعل الساعة تكون قريبا [الأحزاب: 63]. وقال تعالى: سأل سائل بعذاب واقع للكافرين ليس له دافع من الله ذي المعارج. إلى قوله: يبصرونهم [المعارج: 1 - 11]. وقال تعالى: اقتربت الساعة وانشق القمر [القمر: 1]. وقال تعالى: ويوم يحشرهم كأن لم يلبثوا إلا ساعة من النهار يتعارفون بينهم قد خسر الذين كذبوا بلقاء الله وما كانوا مهتدين [يونس: 45]. وقال تعالى: كأنهم يوم يرونها لم يلبثوا إلا عشية أو ضحاها [النازعات: 46]. وقال تعالى: [ص:298] الله الذي أنزل الكتاب بالحق والميزان وما يدريك لعل الساعة قريب يستعجل بها الذين لا يؤمنون بها والذين آمنوا مشفقون منها ويعلمون أنها الحق ألا إن الذين يمارون في الساعة لفي ضلال بعيد [الشورى: 17، 18]. وقال تعالى: يوم ينفخ في الصور ونحشر المجرمين يومئذ زرقا [طه: 102] الآيات. وقال تعالى: قال كم لبثتم في الأرض عدد سنين قالوا لبثنا يوما أو بعض يوم فاسأل العادين قال إن لبثتم إلا قليلا لو أنكم كنتم تعلمون [المؤمنون: 112 - 114]. وقال تعالى: يسألونك عن الساعة أيان مرساها قل إنما علمها عند ربي لا يجليها لوقتها إلا هو ثقلت في السماوات والأرض لا تأتيكم إلا بغتة يسألونك كأنك حفي عنها قل إنما علمها عند الله ولكن أكثر الناس لا يعلمون [الأعراف: 187]. وقال تعالى: يسألونك عن الساعة أيان مرساها فيم أنت من ذكراها إلى ربك منتهاها [النازعات: 42 - 44]. وقال تعالى: إن الساعة آتية أكاد أخفيها لتجزى كل نفس بما تسعى فلا يصدنك عنها من لا يؤمن بها واتبع هواه فتردى [طه: 15، 16]. وقال تعالى: بل ادارك علمهم في الآخرة بل هم في شك منها بل هم منها عمون [النمل: 66]. وقال تعالى: إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث ويعلم ما في الأرحام وما تدري نفس ماذا تكسب غدا وما تدري نفس بأي أرض تموت إن الله عليم خبير [لقمان: 34].

 

ولهذا لما سأل جبريل رسول الله ﷺ عن الساعة، قال له«ما المسئول عنها بأعلم من السائل». يعني قد استوى فيها علم كل مسئول وسائل بطريق الأولى والأحرى " لأنه إن كانت الألف واللام في المسئول والسائل للعهد [ص:299] عائدة عليه وعلى جبريل، فكل أحد ممن سواهما لا يعلم ذلك بطريق الأولى والأحرى، وإن كانت للجنس عمت بطريق اللفظ. والله أعلم.

 

ثم ذكر النبي ﷺ له شيئا من أشراط الساعة، ثم قال: «في خمس لا يعلمهن إلا الله». ثم قرأ: ﴿إن الله عنده علم الساعة﴾ الآية.

 

وقال تعالى: ويستنبئونك أحق هو قل أي وربي إنه لحق وما أنتم بمعجزين [يونس: 53]. وقال تعالى: وقال الذين كفروا لا تأتينا الساعة قل بلى وربي لتأتينكم عالم الغيب لا يعزب عنه مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض ولا أصغر من ذلك ولا أكبر إلا في كتاب مبين ليجزي الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك لهم مغفرة ورزق كريم والذين سعوا في آياتنا معاجزين أولئك لهم عذاب من رجز أليم [سبأ: 3 - 5].

 

فهذه ثلاث آيات أمر الله سبحانه رسوله أن يقسم به فيهن على إتيان المعاد، وإعادة الخلق، وجمعهم ليوم لا ريب فيه، وليس لهن رابعة مثلهن، ولكن في معناهن كثير; قال تعالى: [ص:300] وأقسموا بالله جهد أيمانهم لا يبعث الله من يموت بلى وعدا عليه حقا ولكن أكثر الناس لا يعلمون ليبين لهم الذي يختلفون فيه وليعلم الذين كفروا أنهم كانوا كاذبين إنما قولنا لشيء إذا أردناه أن نقول له كن فيكون [النحل: 38 - 40].

 

وقال تعالى: ما خلقكم ولا بعثكم إلا كنفس واحدة [لقمان: 28]. وقال تعالى: إن الساعة لآتية لا ريب فيها ولكن أكثر الناس لا يؤمنون [غافر: 59]. وقال تعالى: أأنتم أشد خلقا أم السماء بناها [النازعات: 27]. إلى آخر السورة. وقال تعالى: قل كونوا حجارة أو حديدا أو خلقا مما يكبر في صدوركم فسيقولون من يعيدنا قل الذي فطركم أول مرة فسينغضون إليك رءوسهم ويقولون متى هو قل عسى أن يكون قريبا يوم يدعوكم فتستجيبون بحمده وتظنون إن لبثتم إلا قليلا [الإسراء: 50 - 52]. وقال تعالى: ونحشرهم يوم القيامة على وجوههم عميا وبكما وصما مأواهم جهنم كلما خبت زدناهم سعيرا ذلك جزاؤهم بأنهم كفروا بآياتنا وقالوا أئذا كنا عظاما ورفاتا أئنا لمبعوثون خلقا جديدا أولم يروا أن الله الذي خلق السماوات والأرض قادر على أن يخلق مثلهم وجعل لهم أجلا لا ريب فيه فأبى الظالمون إلا كفورا [الإسراء: 97 - 99]. وقال تعالى: أولم ير الإنسان أنا خلقناه من نطفة فإذا هو خصيم مبين [يس: 77]. إلى آخر السورة.

 

وقال تعالى: أولم يروا أن الله الذي خلق السماوات والأرض ولم يعي بخلقهن بقادر على أن يحيي الموتى بلى إنه على كل شيء قدير [الأحقاف: 33] وقال تعالى: ومن آياته أن تقوم السماء والأرض بأمره ثم إذا دعاكم دعوة من الأرض إذا أنتم تخرجون. الآيات الثلاث إلى [ص:301] وهو العزيز الحكيم [الروم: 25 - 27].

 

وقال تعالى: ذلك بأن الله هو الحق وأنه يحيي الموتى وأنه على كل شيء قدير وأن الساعة آتية لا ريب فيها وأن الله يبعث من في القبور [الحج: 6 - 7]. وقال تعالى: ومن آياته أنك ترى الأرض خاشعة فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت إن الذي أحياها لمحيي الموتى إنه على كل شيء قدير [فصلت: 39].

 

وقال تعالى: ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين إلى قوله: ثم إنكم بعد ذلك لميتون ثم إنكم يوم القيامة تبعثون ولقد خلقنا فوقكم سبع طرائق وما كنا عن الخلق غافلين [المؤمنون: 12 - 17]. فيستدل تعالى بإحياء الأرض الميتة على إحياء الأجساد بعد موتها وفنائها وتمزقها، وصيرورتها ترابا وعظاما ورفاتا، وكذلك يستدل ببدأة الخلق على إعادة النشأة الآخرة، كما قال تعالى: وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده وهو أهون عليه [الروم: 127] وقال تعالى: قل سيروا في الأرض فانظروا كيف بدأ الخلق ثم الله ينشئ النشأة الآخرة إن الله على كل شيء قدير [العنكبوت: 20]. وقال تعالى: والذي نزل من السماء ماء بقدر فأنشرنا به بلدة ميتا كذلك تخرجون [الزخرف: 11]. وقال تعالى: والله الذي أرسل الرياح فتثير سحابا فسقناه إلى بلد ميت فأحيينا به الأرض بعد موتها كذلك النشور [فاطر: 9]. وفي " الأعراف ": كذلك نخرج الموتى لعلكم تذكرون [الأعراف: 57]. وقال تعالى: [ص:302] فلينظر الإنسان مم خلق خلق من ماء دافق يخرج من بين الصلب والترائب إنه على رجعه لقادر يوم تبلى السرائر [الطارق: 5 - 9]. وكذلك سورة " ق " من أولها إلى آخرها فيها ذكر بعث ونشور، وكذلك سورة " الواقعة "، والقرآن كله طافح بهذا، ولا تبديل لكلمات الله.

 

وقال تعالى: نحن خلقناهم وشددنا أسرهم وإذا شئنا بدلنا أمثالهم تبديلا [الإنسان: 28]. وقال تعالى: فلا أقسم برب المشارق والمغارب إنا لقادرون على أن نبدل خيرا منهم وما نحن بمسبوقين [المعارج: 39 - 41]. وقال تعالى: يقولون أئنا لمردودون في الحافرة أئذا كنا عظاما نخرة قالوا تلك إذا كرة خاسرة فإنما هي زجرة واحدة فإذا هم بالساهرة [النازعات: 10 - 14]. وسورة " الصافات " فيها آيات كثيرة تدل على المعاد، وكذلك سورة " الكهف " وغيرها.

 

وقد ذكر الله سبحانه إحياء الموتى، وأنه أحيا قوما بعد موتهم في هذه الحياة الدنيا في سورة " البقرة " ; في خمسة مواضع منها؟ في قصة بني إسرائيل حين قتل بعضهم بعضا لما عبدوا العجل، في أول السورة، فقال تعالى: ثم بعثناكم من بعد موتكم لعلكم تشكرون [البقرة: 56]. وفى قصة البقرة: فقلنا اضربوه ببعضها كذلك يحيي الله الموتى ويريكم آياته لعلكم تعقلون [البقرة: 73]. فإنه أحيا ذلك الميت لما ضربوه ببعضها. وفى قصة الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت فقال لهم الله موتوا ثم أحياهم [ص:303] [البقرة: 243]. وفى قصة الذي: مر على قرية وهي خاوية على عروشها قال أنى يحيي هذه الله بعد موتها فأماته الله مائة عام ثم بعثه ثم أحيا حماره، والقصة معروفة، فلما تبين له قال أعلم أن الله على كل شيء قدير [البقرة: 259]. والخامسة قصة إبراهيم، عليه السلام، والطير: وإذ قال إبراهيم رب أرني كيف تحيي الموتى قال أولم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي قال فخذ أربعة من الطير فصرهن إليك ثم اجعل على كل جبل منهن جزءا ثم ادعهن يأتينك سعيا واعلم أن الله عزيز حكيم [البقرة: 260].

 

وذكر تعالى قصة أصحاب الكهف، وكيف أبقاهم في نومهم ثلاثمائة سنة شمسية، وهي ثلاثمائة وتسع سنين قمرية، وقال فيها: وكذلك أعثرنا عليهم ليعلموا أن وعد الله حق وأن الساعة لا ريب فيها الآية [الكهف: 21]. فجعل سبحانه ذلك دلالة على إحياء الموتى، وإتيان الساعة لا ريب فيها. والله سبحانه أعلم.////

 

 

 

 

ذكر زوال الدنيا وإقبال الآخرة

 

 

 

 

أول شيء يطرق أهل الدنيا بعد وقوع أشراط الساعة نفخة الفزع ; وذلك أن الله سبحانه يأمر إسرافيل فينفخ في الصور نفخة الفزع، فيطولها، فلا يبقى أحد من أهل الأرض ولا السماوات إلا فزع، إلا من شاء الله، ولا يسمعها أحد من أهل الأرض إلا أصغى ليتا ورفع ليتا - أي رفع صفحة عنقه وأمال الأخرى - [ص:304] يستمع هذا الأمر العظيم الذي قد هال الناس وأزعجهم عما كانوا فيه من أمر الدنيا، وشغلهم بها، ووقوع هذا الأمر العظيم.

 

قال تعالى: ويوم ينفخ في الصور ففزع من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله وكل أتوه داخرين وترى الجبال تحسبها جامدة وهي تمر مر السحاب صنع الله الذي أتقن كل شيء إنه خبير بما يفعلون [النمل: 87، 88].

 

وقال تعالى: وما ينظر هؤلاء إلا صيحة واحدة ما لها من فواق [ص:15]. وقال تعالى: فإذا نقر في الناقور فذلك يومئذ يوم عسير على الكافرين غير يسير [المدثر: 8 - 10]. وقال تعالى: قوله الحق وله الملك يوم ينفخ في الصور [الأنعام: 73].

 

ثم بعد ذلك بمدة يأمر الله تعالى إسرافيل أن ينفخ نفخة الصعق، فيصعق من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله، ثم يأمره فينفخ فيه أخرى فيقوم الناس لرب العالمين; كما قال الله تعالى: ونفخ في الصور فصعق من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله ثم نفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون وأشرقت الأرض بنور ربها ووضع الكتاب وجيء بالنبيين والشهداء [الزمر: 68، 69] الآيات إلى آخر السورة. وقال تعالى: ويقولون متى هذا الوعد إن كنتم صادقين ما ينظرون إلا صيحة واحدة تأخذهم وهم يخصمون [ص:305] [يس: 48، 49] الآيات إلى قوله تعالى: فما استطاعوا مضيا ولا يرجعون [يس: 67].

 

وقال تعالى: فإنما هي زجرة واحدة فإذا هم بالساهرة [النازعات: 13، 14]. وقال تعالى: وما أمرنا إلا واحدة كلمح بالبصر [الكهف: 99]. وقال تعالى: فإذا نفخ في الصور فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون [المؤمنون: 101].

 

وقال تعالى: فإذا نفخ في الصور نفخة واحدة. إلى قوله: لا يأكله إلا الخاطئون [الحاقة: 13 - 37].

 

وقال تعالى: يوم ينفخ في الصور فتأتون أفواجا [النبإ: 18] الآيات.

 

وقال تعالى: يوم ينفخ في الصور ونحشر المجرمين يومئذ زرقا [طه: 102]. الآيات.

 

وقد قال الإمام أحمد: حدثنا إسماعيل، حدثنا سليمان التيمي، عن أسلم العجلي، عن بشر بن شغاف، عن عبد الله بن عمرو، قال: قال أعرابي: يا رسول الله، ما الصور؟ قال: «قرن ينفخ فيه». ثم رواه عن يحيى بن سعيد القطان، عن سليمان بن طرخان التيمي، به.

 

وأخرجه أبو داود، والترمذي، والنسائي من طرق، عن سليمان التيمي، عن [ص:306] أسلم العجلي، به. وقال الترمذي: حسن، ولا نعرفه إلا من حديث أسلم العجلي.

 

وقال الإمام أحمد: حدثنا أسباط، حدثنا مطرف، عن عطية، عن ابن عباس في قوله: فإذا نقر في الناقور [المدثر: 8]. قال: قال رسول الله ﷺ: «كيف أنعم وصاحب القرن قد التقم القرن، وحنى جبهته ينتظر متى يؤمر فينفخ ؟». فقال أصحاب محمد ﷺ: يا رسول الله، كيف نقول؟ قال: «قولوا: حسبنا الله ونعم الوكيل، على الله توكلنا». انفرد به أحمد. وقد رواه أبو كدينة يحيى بن المهلب، عن مطرف، به.

 

وقال الإمام أحمد: حدثنا سفيان، عن مطرف، عن عطية، عن أبي سعيد، عن النبي ﷺ قال: «كيف أنعم وقد التقم صاحب القرن القرن، وحنى جبهته، وأصغى سمعه ينظر متى يؤمر؟» قال المسلمون: يا رسول الله، فما نقول؟ قال: «قولوا: حسبنا الله ونعم الوكيل، على الله توكلنا». وأخرجه [ص:307] الترمذي، عن ابن أبي عمر، عن سفيان بن عيينة، وقال: حسن. ثم رواه من حديث خالد بن طهمان، عن عطية، عن أبي سعيد، به، وحسنه أيضا.

 

وقال شيخنا أبو الحجاج المزي في " الأطراف ": ورواه إسماعيل بن إبراهيم أبو يحيى التيمي، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي سعيد. كذا قال رحمه الله، وهكذا رواه أبو بكر بن أبي الدنيا، في كتاب " الأهوال "، فقال: حدثنا عثمان بن أبي شيبة، حدثنا جرير، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله ﷺ: «كيف أنعم وصاحب الصور قد التقم الصور، وحنى جبهته ينتظر متى يؤمر أن ينفخ فينفخ». قلنا: يا رسول الله، ما نقول؟ قال: «قولوا: حسبنا الله ونعم الوكيل».

 

وقد قال أبو يعلى الموصلي في مسند أبي هريرة ( أبو صالح، عن أبي هريرة ): حدثنا أبو طالب عبد الجبار بن عاصم، حدثني موسى بن أعين الحراني، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة - وعن عمران، عن عطية، عن أبي سعيد - قال: قال رسول الله ﷺ: " كيف أنعم - أو: [ص:308] " كيف أنتم ". شك أبو طالب - " وصاحب الصور قد التقم القرن بفيه، وأصغى سمعه، وحنى جبينه، ينتظر متى يؤمر فينفخ ". قالوا: يا رسول الله، ما نقول؟ قال: «قولوا: حسبنا الله ونعم الوكيل، على الله توكلنا».

 

وقال الإمام أحمد: حدثنا أبو معاوية، حدثنا الأعمش، عن سعد الطائي، عن عطية العوفي، عن أبي سعيد الخدري قال: ذكر رسول الله ﷺ صاحب الصور، فقال: «عن يمينه جبريل، وعن يساره ميكائيل، عليهم السلام».

 

وقال ابن ماجه: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا عباد بن العوام، عن حجاج، عن عطية، عن أبي سعيد قال: قال رسول الله ﷺ: «إن صاحبي الصور بأيديهما - أو: في أيديهما - قرنان، يلاحظان النظر متى يؤمران».

 

وقال الإمام أحمد: حدثنا يحيى بن سعيد، عن التيمي، عن أسلم، عن أبي مرية، عن النبي ﷺ - أو عن عبد الله بن عمرو، عن النبي ﷺ - قال: «النفاخان في السماء الثانية، رأس أحدهما بالمشرق ورجلاه بالمغرب» - أو قال:«رأس أحدهما بالمغرب، ورجلاه بالمشرق - ينتظران متى يؤمران ينفخان في الصور، فينفخان». تفرد به أحمد. وأبو مرية هذا اسمه عبد الله بن عمرو [ص:309] العجلي، وليس بالمشهور، ولعل هذين الملكين أحدهما إسرافيل، وهو الذي ينفخ في الصور، كما سيأتي بيانه في حديث الصور بطوله، والآخر هو الذي ينقر في الناقور، وقد يكون الصور والناقور اسم جنس يعم أفرادا كثيرة، أو الألف واللام فيهما للعهد، ويكون لكل واحد منهما أتباع يفعلون كفعله. والله أعلم بالصواب.

 

وقال ابن أبي الدنيا: أخبرنا عبيد الله بن جرير، حدثنا موسى بن إسماعيل، حدثنا عبد الواحد بن زياد، حدثنا عبيد الله بن عبد الله بن الأصم، عن يزيد بن الأصم، قال: قال ابن عباس: إن صاحب الصور لم يطرف منذ وكل به، كأن عينيه كوكبان دريان، ينظر تجاه العرش; مخافة أن يؤمر أن ينفخ فيه قبل أن يرتد إليه طرفه.

 

وحدثنا أبو عبد الرحمن عبد الله بن عمر مشكدانة، حدثنا مروان بن معاوية، عن عبيد الله بن عبد الله بن الأصم، عن يزيد بن الأصم، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله ﷺ: «ما أطرف صاحب الصور منذ وكل به، مستعد، ينظر نحو العرش مخافة أن يؤمر قبل أن يرتد إليه طرفه، كأن عينيه كوكبان دريان».===========

حديث الصور بطوله

 

 

 

 

قال الحافظ أبو يعلى الموصلي في " مسنده ": حدثنا عمرو بن الضحاك بن مخلد، حدثنا أبو عاصم الضحاك بن مخلد، حدثنا أبو رافع إسماعيل بن رافع، عن محمد بن يزيد بن أبي زياد، عن محمد بن كعب القرظي، عن رجل من الأنصار، عن أبي هريرة، قال: حدثنا رسول الله ﷺ، وهو في طائفة من أصحابه، قال: «إن الله تعالى لما فرغ من خلق السماوات والأرض خلق الصور، فأعطاه إسرافيل، فهو واضعه على فيه، شاخص إلى العرش ببصره ينتظر متى يؤمر فينفخ». قال: قلت: يا رسول الله، ما الصور؟ قال:«قرن». قلت: كيف هو؟ قال: «عظيم، والذي بعثني بالحق إن عظم دائرة فيه كعرض السماوات والأرض، ينفخ فيه ثلاث نفخات; الأولى نفخة الفزع، والثانية نفخة الصعق، والثالثة نفخة القيام لرب العالمين. يأمر الله إسرافيل بالنفخة الأولى، فيقول: انفخ نفخة الفزع. فينفخ نفخة الفزع، فيفزع أهل السماوات والأرض إلا من شاء الله، ويأمره تعالى فيمدها ويطيلها ولا يفتر، وهي التي يقول الله تعالى: وما ينظر هؤلاء إلا صيحة واحدة ما لها من فواق [ص:15]. فتسير [ص:311] الجبال سير السحاب فتكون سرابا، وترتج الأرض بأهلها رجا فتكون كالسفينة الموبقة في البحر، تضربها الأمواج تكفأ بأهلها، كالقنديل المعلق بالعرش ترجحه الأرواح، ألا وهو الذي يقول تعالى: ﴿يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ (6) تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ (7) قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ وَاجِفَةٌ (8) أَبْصَارُهَا خَاشِعَةٌ (9)﴾ [النازعات: 6 - 9].

 

فتميد بالناس على وجهها، وتذهل المراضع، وتضع الحوامل، ويشيب الولدان، وتطير الشياطين هاربة من الفزع حتى تأتي الأقطار، فتلقاها الملائكة، فتضرب وجوهها، فترجع، ثم يولون مدبرين ما لهم من الله من عاصم، ينادي بعضهم بعضا، وهو الذي يقول الله تعالى: يوم التناد [غافر: 32]. فبينما هم على ذلك إذ تصدعت الأرض تصدعين، من قطر إلى قطر، فرأوا أمرا عظيما لم يروا مثله، وأخذهم لذلك من الكرب والهول ما الله به عليم، ثم تطوى السماء فإذا هي كالمهل، ثم انشقت السماء فانتثرت نجومها، وخسفت شمسها وقمرها».

 

قال رسول الله ﷺ: «الأموات لا يعلمون بشيء من ذلك». قال أبو هريرة: يا رسول الله، من استثنى الله حين يقول: ففزع من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله [النمل: 87] قال:«أولئك الشهداء، إنما يصل الفزع إلى الأحياء، وهم أحياء عند ربهم يرزقون، فوقاهم الله فزع ذلك اليوم وأمنهم منه، وهو عذاب الله يبعثه على شرار خلقه وهو الذي يقول الله تعالى: ﴿[ص:312] يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ ۚ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ (1) يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَىٰ وَمَا هُم بِسُكَارَىٰ وَلَٰكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ (2)﴾ [الحج: 1، 2]».

 

فيمكثون في ذلك العذاب ما شاء الله سبحانه، إلا أنه يطول، ثم يأمر الله إسرافيل، فينفخ نفخة الصعق، فيصعق أهل السماوات والأرض، إلا من شاء الله، فإذا هم خمدوا، جاء ملك الموت إلى الجبار تعالى، فيقول: يا رب، مات أهل السماوات والأرض إلا من شئت. فيقول الله سبحانه له، وهو أعلم: من بقي؟ فيقول: يا رب، بقيت أنت الحي الذي لا يموت، وبقيت حملة عرشك، وبقي جبريل وميكائيل وبقيت أنا. فيقول الله، عز وجل: ليمت جبريل وميكائيل. فينطق سبحانه العرش، فيقول: يا رب، يموت جبريل وميكائيل؟ فيقول الله سبحانه للعرش: اسكت، إني كتبت الموت على كل من كان تحت عرشي. فيموتان، ثم يأتي ملك الموت إلى الجبار، عز وجل، فيقول: يا رب، قد مات جبريل وميكائيل. فيقول، وهو أعلم بمن بقي: فمن بقي؟ فيقول: يا رب، بقيت أنت الحي الذي لا يموت، وبقي حملة عرشك، وبقيت أنا. فيقول الله تعالى: فليمت حملة عرشي. فيموتون، ثم يأمر الله سبحانه العرش فيقبض الصور من إسرافيل، وإسرافيل من جملة حملة العرش، ثم يأتي ملك الموت إلى الجبار، عز وجل، فيقول: يا رب، قد مات حملة عرشك. فيقول تبارك وتعالى، وهو أعلم بمن بقي: فمن بقي؟ فيقول: يا رب، بقيت أنت الحي الذي [ص:313] لا يموت، وبقيت أنا. فيقول الله تعالى: أنت خلق من خلقي، خلقتك لما رأيت، فمت. فيموت، فإذا لم يبق إلا الله - قال ابن أبي الدنيا: ثنا محمد بن الحسين، ثنا يونس بن يحيى الأموي أبو نباتة، ثنا إسماعيل بن رافع، عن محمد بن كعب القرظي قال: بلغني أن آخر من يموت من الخلق ملك الموت، يقال له: يا ملك الموت، مت موتا لا تحيا بعده أبدا. قال: فيصرخ عند ذلك صرخة لو سمعها أهل السماوات والأرض لماتوا فزعا، ثم يموت، ثم يقول تعالى: ﴿لِّمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ۖ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ﴾ [غافر: 16].

 

وقد رواه ابن أبي الدنيا أيضا عن إسحاق بن إسماعيل، عن إبراهيم بن عيينة، عن إسماعيل بن رافع، عن محمد بن يزيد بن أبي زياد، عن محمد بن كعب القرظي، عن رجل، عن أبي هريرة، مرفوعا بهذا.

 

ورواه الحافظ أبو موسى المديني من طريق محمد بن شعيب بن شابور، عن إسماعيل بن رافع، عن محمد بن كعب، عن أبي هريرة، عن النبي ﷺ نحو هذا الحديث، وفيه: «يا ملك، أنت خلق من خلقي، خلقتك لما رأيت، فمت، ثم لا تحيا أبدا». قال أبو موسى: لم يتابع إسماعيل على هذه اللفظة، [ص:314] ولم يقلها أكثر الرواة - قال: «فإذا مات ملك الموت، ولم يبق إلا الله الواحد، الأحد، الفرد الصمد، الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد، كان آخرا كما كان أولا، طوى السماوات والأرض كطي السجل للكتاب، ثم دحاهما، ثم تلقفهما ثلاث مرات، وقال: أنا الجبار. ثلاثا، ثم يهتف بصوته: لمن الملك اليوم؟ ثلاث مرات، فلا يجيبه أحد، ثم يقول لنفسه تعالى: لله الواحد القهار. ويبدل الله الأرض غير الأرض والسماوات، فيبسطها ويسطحها ويمدها مد الأديم العكاظي، لا ترى فيها عوجا ولا أمتا، ثم يزجر الله الخلق زجرة واحدة، فإذا هم في هذه المبدلة في مثل ما كانوا فيه من الأولى، من كان في بطنها كان في بطنها، ومن كان على ظهرها كان على ظهرها، ثم ينزل الله سبحانه عليهم ماء من تحت العرش، ثم يأمر الله السماء أن تمطر، فتمطر أربعين يوما، حتى يكون الماء فوقهم اثني عشر ذراعا، ثم يأمر الله سبحانه الأجساد أن تنبت كنبات الطراثيث، أو كنبات البقل، حتى إذا تكاملت أجسادهم، فكانت كما كانت قبل الموت، قال الله تعالى: لتحيا حملة عرشي. فيحيون، ويأمر الله إسرافيل فيأخذ الصور، فيضعه على فيه، ثم يقول: ليحيا جبريل وميكائيل. فيحييان، ثم يدعو الله بالأرواح فيؤتى بها، تتوهج أرواح المسلمين نورا، والأخرى ظلمة، فيقبضها جميعا، ثم يلقيها في الصور، ثم يأمر الله إسرافيل أن ينفخ فيه نفخة [ص:315] البعث، فينفخ نفخة البعث فتخرج الأرواح من الصور كأنها النحل، قد ملأت ما بين السماء والأرض، فيقول الله تعالى: وعزتي وجلالي لترجعن كل روح إلى جسدها. فتدخل الأرواح في الأرض إلى الأجساد، فتدخل في الخياشيم، ثم تمشي ضد الأجساد مشي السم في اللديغ، ثم تنشق الأرض عنكم، وأنا أول من تنشق عنه الأرض، فتخرجون منها سراعا إلى ربكم تنسلون مهطعين إلى الداع يقول الكافرون هذا يوم عسر [القمر: 8]. حفاة عراة غلفا غرلا، ثم تقفون موقفا واحدا مقدار سبعين عاما، لا ينظر إليكم، ولا يقضى بينكم، فتبكون حتى تنقطع الدموع، ثم تدمعون دما، وتعرقون حتى يبلغ ذلك منكم أن يلجمكم، أو يبلغ الأذقان، فتضجون وتقولون: من يشفع لنا إلى ربنا ليقضي بيننا. فيقولون: من أحق بذلك من أبيكم آدم؟ خلقه الله بيده، ونفخ فيه من روحه، وكلمه قبلا، فيأتون آدم، فيطلبون ذلك إليه، فيأتي، فيقول: ما أنا بصاحب ذلك، ثم يستقرون الأنبياء نبيا نبيا، كلما جاءوا نبيا أبى عليهم». قال رسول الله ﷺ:«حتى يأتوني، فأنطلق، حتى آتي الفحص، فأخر ساجدا». قال أبو هريرة: يا رسول الله، ما الفحص؟ قال: «قدام العرش، حتى يبعث الله إلي ملكا، فيأخذ بعضدي فيرفعني، فيقول لي: يا محمد. فأقول: نعم، لبيك يا رب. فيقول: ما شأنك؟ وهو أعلم، فأقول: يا رب، وعدتني الشفاعة، فشفعني في خلقك، فاقض بينهم. فيقول ﷺ: شفعتك، أنا [ص:316] آتيكم فأقضي بينكم». قال رسول الله ﷺ: «فأرجع، فأقف مع الناس، فبينما نحن وقوف إذ سمعنا حسا من السماء شديدا، فنزل أهل السماء الدنيا مثل من في الأرض من الجن والإنس، حتى إذا دنوا من الأرض أشرقت الأرض بنورهم، وأخذوا مصافهم قلنا لهم: أفيكم ربنا؟ قالوا: لا، وهو آت. ثم ينزل أهل السماء الثانية، بمثل من نزل من الملائكة من أهل السماء الدنيا، ومثل من فيها من الجن والإنس، حتى إذا دنوا من الأرض أشرقت الأرض بنورهم، وأخذوا مصافهم، وقلنا لهم: أفيكم ربنا؟ قالوا: لا، وهو آت، ثم ينزل أهل كل سماء على قدر ذلك من التضعيف حتى ينزل الجبار، تبارك وتعالى، في ظلل من الغمام، والملائكة، ويحمل عرشه يومئذ ثمانية، وهم اليوم أربعة، أقدامهم على تخوم الأرض السفلى، والسماوات إلى حجزهم، والعرش على مناكبهم، لهم زجل من تسبيحهم، يقولون: سبحان ذي العزة والجبروت، سبحان ذي الملك والملكوت، سبحان الحي الذي لا يموت، سبحان الذي يميت الخلائق ولا يموت، سبوح قدوس، سبحان ربنا الأعلى رب الملائكة والروح، الذي يميت الخلائق ولا يموت فيضع الله تعالى كرسيه حيث شاء من أرضه، ثم يهتف بصوته، فيقول تعالى: يا معشر الجن والإنس، إني قد أنصت [ص:317] لكم من يوم خلقتكم إلى يومكم هذا، أسمع قولكم، وأرى أعمالكم، فأنصتوا لي اليوم، إنما هي أعمالكم وصحفكم تقرأ عليكم، فمن وجد خيرا فليحمد الله، ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه. ثم يأمر الله سبحانه جهنم، فيخرج منها عنق ساطع مظلم، ثم يقول تعالى: ألم أعهد إليكم يا بني آدم أن لا تعبدوا الشيطان إنه لكم عدو مبين وأن اعبدوني هذا صراط مستقيم ولقد أضل منكم جبلا كثيرا أفلم تكونوا تعقلون هذه جهنم التي كنتم توعدون [يس: 60 - 63]. أو: بها تكذبون. شك أبو عاصم. وامتازوا اليوم أيها المجرمون [يس: 59]. فيميز الله الناس، وتجثو الأمم، يقول الله تعالى: وترى كل أمة جاثية كل أمة تدعى إلى كتابها اليوم تجزون ما كنتم تعملون [الجاثية: 28]. فيقضي الله بين خلقه إلا الثقلين; الإنس والجن، فيقضي بين الوحوش والبهائم; حتى إنه ليقيد الجماء من ذات القرن، فإذا فرغ الله من ذلك، فلم تبق تبعة عند واحدة لأخرى، قال الله لها: كوني ترابا. فعند ذلك يقول الكافر: يا ليتني كنت ترابا [النبإ: 40]. ثم يقضي الله تعالى بين العباد، فيكون أول ما يقضي فيه الدماء، ويأتي كل قتيل قتل في سبيل الله، فيأمر الله كل من قتل فيحمل رأسه، تشخب أوداجه دما. فيقول: يا رب، سل هذا فيم قتلني؟ فيقول تعالى وهو أعلم: فيم قتلته؟ فيقول: يا رب، قتلته لتكون العزة لك. فيقول الله تعالى: صدقت. فيجعل الله تعالى وجهه مثل نور السماوات، ثم تسوقه الملائكة إلى الجنة، ثم يأتي كل من كان قتل على غير [ص:318] ذلك، فيأمر من قتل، فيحمل رأسه تشخب أوداجه دما، فيقول: يا رب، سل هذا فيم قتلني؟ فيقول وهو أعلم: فيم قتلته؟ فيقول: يا رب، قتلته لتكون العزة لي. فيقول له: تعست. ثم ما تبقى نفس قتلها إلا قتل بها، ولا مظلمة إلا أخذ بها، وكان في مشيئة الله تعالى، إن شاء عذبه، وإن شاء رحمه.

 

ثم يقضي الله بين من بقي من خلقه، حتى لا تبقى مظلمة لأحد عند أحد إلا أخذها الله للمظلوم من الظالم، حتى إنه ليكلف شائب اللبن بالماء ثم يبيعه أن يخلص اللبن من الماء. فإذا فرغ الله من ذلك نادى مناد يسمع الخلائق كلهم: ليلحق كل قوم بآلهتهم وما كانوا يعبدون من دون الله. فلا يبقى أحد عبد شيئا من دون الله إلا مثلت له آلهته بين يديه، ويجعل يومئذ ملك من الملائكة على صورة عزير، وملك على صورة المسيح عيسى ابن مريم، فيتبع هذا اليهود، ويتبع هذا النصارى، ثم تقودهم آلهتهم إلى النار، فهذا الذي يقول الله تعالى: ﴿لَوْ كَانَ هَٰؤُلَاءِ آلِهَةً مَّا وَرَدُوهَا ۖ وَكُلٌّ فِيهَا خَالِدُونَ﴾ [الأنبياء: 99]. فإذا لم يبق إلا المؤمنون فيهم المنافقون; جاءهم الله فيما شاء من هيئة، فقال: يا أيها الناس، ذهب الناس، فالحقوا بآلهتكم وما كنتم تعبدون. فيقولون: والله ما لنا إله إلا الله، ما كنا نعبد غيره. فينصرف عنهم، وهو الله الذي يأتيهم، فيمكث عنهم ما شاء الله أن يمكث، ثم يأتيهم فيقول: يا أيها الناس، ذهب الناس، فالحقوا بآلهتكم وما كنتم تعبدون. فيقولون: والله ما لنا إله إلا الله، وما كنا نعبد غيره. فينصرف عنهم، وهو الله الذي يأتيهم، فيمكث عنهم ما شاء الله أن [ص:319] يمكث، ثم يأتيهم فيقول: يا أيها الناس، ذهب الناس، فالحقوا بآلهتكم وما كنتم تعبدون. فيقولون: والله ما لنا إله إلا الله، وما كنا نعبد غيره. فيكشف عن ساقه، ويتجلى لهم من عظمته ما يعرفون أنه ربهم، فيخرون له سجدا على وجوههم، ويخر كل منافق على قفاه، ويجعل الله سبحانه أصلاب المنافقين كصياصي البقر، ثم يأذن الله لهم فيرفعون رءوسهم.

 

ويضرب الله بالصراط بين ظهراني جهنم كقد الشعر - أو كعقد الشعر - وكحد السيف، عليه كلاليب وخطاطيف، وحسك كحسك السعدان، دونه جسر دحض مزلة، فيمرون كطرف البصر، أو كلمح البرق، أو كمر الريح، أو كجياد الخيل، أو كجياد الركاب، أو كجياد الرجال، فناج سالم، وناج مخدوش، ومكدوس على وجهه في جهنم.

 

فإذا أفضى أهل الجنة إلى الجنة حبسوا دونها قالوا: من يشفع لنا إلى ربنا فندخل الجنة؟ فيقولون: من أحق بذلك من أبيكم آدم؟ خلقه الله بيده، ونفخ فيه من روحه، وكلمه قبلا. فيأتون آدم، فيطلب ذلك إليه، فيذكر ذنبا ويقول: ما أنا بصاحب ذلك، ولكن عليكم بنوح; فإنه أول رسل الله. فيؤتى [ص:320] نوح، فيطلب ذلك إليه، فيذكر ذنبا، ويقول: ما أنا بصاحب ذلك، ولكن عليكم إبراهيم. فيأتون إبراهيم فيطلبون ذلك إليه، فيذكر ذنبا، ويقول: ما أنا بصاحبكم، ولكن عليكم بموسى. فيأتون موسى، فيذكر ذنبا، ويقول: ما أنا بصاحب ذلك، ولكن عليكم بروح الله وكلمته عيسى ابن مريم. فيأتون عيسى فيطلبون ذلك إليه، فيقول: ما أنا بصاحب ذلك، ولكن عليكم بمحمد ﷺ».

 

قال رسول الله ﷺ: {{حديث|فيأتوني، ولي عند ربي ثلاث شفاعات وعدنيهن، فأنطلق فآتي الجنة، فآخذ بحلقة الباب، ثم أستفتح فيفتح لي، فأحيا، ويرحب لي، فإذا دخلت الجنة فنظرت إلى ربي عز وجل خررت له ساجدا، فيأذن الله لي من حمده وتمجيده بشيء ما أذن به لأحد من خلقه، ثم يقول الله لي: ارفع رأسك يا محمد، واشفع تشفع، وسل تعطه. فإذا رفعت رأسي قال الله، وهو أعلم: ما شأنك؟ فأقول: يا رب، وعدتني الشفاعة، فشفعني في أهل الجنة يدخلون الجنة. فيقول الله، عز وجل: قد شفعتك، وأذنت لهم في دخول الجنة؛؛. فكان رسول الله ﷺ يقول: «والذي بعثني بالحق ما أنتم في الدنيا بأعرف بأزواجكم ومساكنكم من أهل الجنة بأزواجهم ومساكنهم. فيدخل كل رجل منهم على ثنتين وسبعين زوجة، سبعين مما ينشئ الله عز وجل، وثنتين آدميتين من بنات آدم، لهما فضل على من أنشأ الله، بعبادتهما الله في الدنيا، يدخل على الأولى منهما في غرفة من ياقوتة، على سرير من ذهب مكلل باللؤلؤ، عليه سبعون زوجا من سندس وإستبرق، وإنه ليضع يده بين كتفيها ثم ينظر إلى يده من صدرها، من وراء ثيابها وجلدها ولحمها، وإنه لينظر إلى مخ ساقها كما ينظر أحدكم إلى السلك في قصبة الياقوتة، كبده لها مرآة، وكبدها [ص:321] له مرآة، فبينما هو عندها لا يملها ولا تمله، لا يأتيها مرة إلا وجدها عذراء، ما يفتر ذكره، ولا يشتكي قبلها، إلا أنه لا مني ولا منية. فبينما هو كذلك إذ نودي: إنا قد عرفنا أنك لا تمل ولا تمل، إلا أن لك أزواجا غيرها. فيخرج فيأتيهن واحدة واحدة، كلما جاء واحدة قالت: والله ما في الجنة شيء أحسن منك، وما في الجنة شيء أحب إلي منك».

 

قال:«وإذا وقع أهل النار في النار، وقد وقع فيها خلق كثير من خلق ربك أوبقتهم أعمالهم; فمنهم من تأخذه النار إلى قدميه لا تجاوز ذلك، ومنهم من تأخذه إلى حقويه، ومنهم من تأخذ جسده كله إلا وجهه، وحرم الله صورته على النار». قال رسول الله ﷺ:«فأقول: يا رب، شفعني فيمن وقع في النار من أمتي. فيقول الله عز وجل: أخرجوا من عرفتم. يخرج أولئك حتى لا يبقى منهم أحد، ثم يأذن الله لي في الشفاعة، فلا يبقى نبي ولا شهيد إلا شفع. فيقول الله عز وجل: أخرجوا من وجدتم في قلبه زنة الدينار إيمانا. فيخرج أولئك حتى لا يبقى منهم أحد ثم يشفع من شاء الله فيقول: أخرجوا من وجدتم في قلبه إيمانا ثلثي دينار، ونصف دينار، وثلث دينار، وربع دينار، ثم يقول: وسدس دينار، ثم يقول: وقيراطا. ثم يقول: حبة من خردل. فيخرج أولئك حتى لا يبقى منهم أحد، وحتى لا يبقى في النار من عمل لله خيرا قط ; وحتى لا يبقى أحد له شفاعة إلا شفع، حتى إن إبليس ليتطاول لما يرى من رحمة الله سبحانه، رجاء أن يشفع له. ثم يقول الله، عز وجل: بقيت أنا، وأنا أرحم الراحمين. فيدخل الله سبحانه يده في جهنم، فيخرج منها ما [ص:322] لا يحصيه غيره، كأنهم خشب محترق، فيبثهم الله على نهر يقال له: نهر الحيوان. فينبتون كما تنبت الحبة في حميل السيل، فما يلي الشمس منها أخيضر، وما يلي الظل منها أصيفر، فينبتون نبات الطراثيث، حتى يكونوا أمثال الدر، مكتوب في رقابهم: الجهنميون، عتقاء الرحمن عز وجل. يعرفهم أهل الجنة بذلك الكتاب، ما عملوا خيرا قط، فيبقون في الجنة».

 

فذكره إلى هنا كان في أصل أبي بكر بن المقرئ، عن أبي يعلى رحمه الله تعالى. هذا حديث مشهور، رواه جماعة من الأئمة في كتبهم، كابن جرير في تفسيره، و الطبراني في الطوالات وغيرها، والبيهقي في كتاب " البعث والنشور "، والحافظ أبي موسى المديني في الطوالات أيضا - من طرق متعددة، عن إسماعيل بن رافع قاص أهل المدينة، وقد تكلم فيه بسببه. وفي [ص:323] بعض سياقاته نكارة واختلاف، وقد بينت طرقه في جزء مفرد.

 

قلت: وإسماعيل بن رافع المديني ليس من الوضاعين، وكأنه جمع هذا الحديث من طرق وأماكن متفرقة، وساقه سياقة واحدة، فكان يقص به على أهل المدينة، وقد حضره جماعة من أعيان الناس في عصره، ورواه عنه جماعة من الكبار; كأبي عاصم النبيل، والوليد بن مسلم، ومكي بن إبراهيم، ومحمد بن شعيب بن شابور، وعبدة بن سليمان، وغيرهم، واختلف عليه فيه قتادة، يقول: عن محمد بن يزيد، عن محمد بن كعب، عن رجل، عن أبي هريرة، عن النبي ﷺ. وتارة يسقط الرجل.

 

وقد رواه إسحاق بن راهويه، عن عبدة بن سليمان، عن إسماعيل بن رافع، عن محمد بن يزيد بن أبي زياد، عن رجل من الأنصار، عن أبي هريرة، عن النبي ﷺ.

 

ومنهم من أسقط الرجل الأول، قال شيخنا الحافظ المزي: وهذا أقرب، وقد رواه عن إسماعيل بن رافع الوليد بن مسلم، وله عليه مصنف بين شواهده من الأحاديث الصحيحة. وقال الحافظ أبو موسى المديني بعد إيراده له بتمامه: وهذا الحديث وإن كان في إسناده من تكلم فيه، فعامة ما فيه يروى مفرقا بأسانيد ثابتة. ثم تكلم على غريبه.

 

[ص:324] قلت: ونحن نتكلم عليه فصلا فصلا، وبالله المستعان.============

 

 

 

 

فصل (النفخ في الصور)

 

 

 

 

فأما النفخات في الصور فثلاث; نفخة الفزع، ثم نفخة الصعق، ثم نفخة البعث، كما تقدم بيان ذلك في حديث الصور بطوله. وقد قال مسلم في صحيحه: حدثنا أبو كريب، حدثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله ﷺ: «ما بين النفختين أربعون». قالوا: يا أبا هريرة، أربعون يوما؟ قال: أبيت. قالوا: أربعون شهرا؟ قال: أبيت. قالوا: أربعون سنة؟ قال: أبيت. قال: «ثم ينزل الله من السماء ماء، فينبتون كما ينبت البقل». قال: «وليس من الإنسان شيء إلا يبلى إلا عظما واحدا، وهو عجب الذنب، ومنه يركب الخلق يوم القيامة». ورواه البخاري من حديث الأعمش.

 

وحديث عجب الذنب، وأنه لا يبلى، وأن الخلق يبدأ منه ومنه يركب يوم القيامة - ثابت من رواية أحمد، عن عبد الرزاق، عن معمر، عن همام، عن [ص:325] أبي هريرة. ورواه مسلم، عن محمد بن رافع، عن عبد الرزاق. ورواه أحمد أيضا، عن يحيى القطان، عن محمد بن عجلان، ثنا أبو الزناد، عن عبد الرحمن بن هرمز الأعرج، عن أبي هريرة: أن رسول الله ﷺ قال: «كل ابن آدم يبلى، ويأكله التراب إلا عجب الذنب، منه خلق، وفيه يركب». انفرد به أحمد، وهو على شرط مسلم. ورواه أحمد أيضا، من حديث إبراهيم الهجري، عن أبي عياض، عن أبي هريرة، مرفوعا بنحوه.

 

وقال أحمد: حدثنا حسن بن موسى، حدثنا ابن لهيعة، حدثنا دراج، عن أبي الهيثم، عن أبي سعيد، عن رسول الله ﷺ قال: «يأكل التراب كل شيء من الإنسان إلا عجب ذنبه». قيل: ومثل ما هو يا رسول الله؟ قال: «مثل حبة خردل، منه تنبتون».

 

والمقصود هنا إنما هو ذكر النفختين، وأن بينهما أربعين; إما أربعين يوما، أو شهرا، أو سنة، وهاتان النفختان هما، والله أعلم، نفخة الصعق، ونفخة القيام للبعث والنشور، بدليل إنزال الماء بينهما، وذكر عجب الذنب الذي منه يخلق الإنسان، وفيه يركب عند بعثه يوم القيامة. ويحتمل أن يكون المراد منهما ما بين نفخة الفزع ونفخة الصعق، وهو الذي نريد ذكره في هذا المقام. وعلى كل تقدير فلا بد من مدة بين نفختي الفزع والصعق.

 

[ص:326] وقد ذكر في حديث الصور أنه يكون فيها أمور عظام، من ذلك زلزلة الأرض وارتجاجها، وميدانها بأهلها، وتكفيها يمينا وشمالا، قال الله تعالى: إذا زلزلت الأرض زلزالها [الزلزلة: 1]. وقال تعالى: يا أيها الناس اتقوا ربكم إن زلزلة الساعة شيء عظيم [الحج: 1]. وقال تعالى: إذا وقعت الواقعة ليس لوقعتها كاذبة خافضة رافعة إذا رجت الأرض رجا وبست الجبال بسا الآيات كلها إلى قوله: هذا نزلهم يوم الدين [الواقعة: 1 - 56].

 

ولما كانت هذه النفخة - أعني نفخة الفزع - أول مبادئ القيامة، كان اسم يوم القيامة صادقا على ذلك كله، كما ثبت في صحيح البخاري، عن أبي هريرة: أن رسول الله ﷺ قال: «ولتقومن الساعة وقد نشر الرجلان ثوبهما فلا يتبايعانه ولا يطويانه، ولتقومن الساعة وقد انصرف الرجل بلبن لقحته فلا يطعمه، ولتقومن الساعة وهو يليط حوضه فلا يسقي فيه، ولتقومن الساعة وقد رفع أكلته إلى فيه فلا يطعمها». وهذا إنما يتجه على ما قبل نفخة الفزع، وعبر عن نفخة الفزع بأنها الساعة لما كانت أول مبادئها، وتقدم في الحديث في صفة أهل آخر الزمان أنهم شرار الناس، وعليهم تقوم الساعة.

 

وقد ذكر في حديث ابن رافع في حديث الصور المتقدم، أن السماء تنشق فيما بين نفختي الفزع والصعق، وأن نجومها تتناثر، ويخسف شمسها وقمرها. والظاهر، والله أعلم، أن هذا إنما يكون بعد نفخة الصعق حين: [ص:327] تبدل الأرض غير الأرض والسماوات وبرزوا لله الواحد القهار وترى المجرمين يومئذ مقرنين في الأصفاد سرابيلهم من قطران وتغشى وجوههم النار [إبراهيم: 48 - 50]. وقال تعالى: إذا السماء انشقت وأذنت لربها وحقت الآيات [الانشقاق: 1، 2]. وقال تعالى: فإذا برق البصر وخسف القمر وجمع الشمس والقمر إلى قوله: ولو ألقى معاذيره [القيامة: 7 - 15].

 

وسيأتي تقرير هذا كله، وأنه إنما يكون بعد نفخة الصعق، وأما زلزال الأرض وانشقاقها بسبب تلك الزلزلة، وفرار الناس إلى أقطارها وأرجائها - فمناسب أنه بعد نفخة الفزع، وقبل الصعق، قال الله تعالى، إخبارا عن مؤمن آل فرعون أنه قال: ويا قوم إني أخاف عليكم يوم التناد يوم تولون مدبرين ما لكم من الله من عاصم [غافر: 32، 33]. وقال تعالى: يا معشر الجن والإنس إن استطعتم أن تنفذوا من أقطار السماوات والأرض فانفذوا لا تنفذون إلا بسلطان فبأي آلاء ربكما تكذبان يرسل عليكما شواظ من نار ونحاس فلا تنتصران فبأي آلاء ربكما تكذبان [الرحمن: 33 - 36].

 

وقد تقدم الحديث في مسند أحمد، وصحيح مسلم، والسنن الأربعة، عن أبي سريحة حذيفة بن أسيد أن رسول الله ﷺ قال: «إن الساعة لن تقوم حتى تروا عشر آيات». فذكرهن، إلى أن قال: «وآخر ذلك نار تخرج من قعر عدن، تسوق الناس إلى المحشر». وهذه النار تسوق الموجودين في آخر الزمان في سائر أقطار الأرض إلى أرض الشام منها، وهي بقعة المحشر والمنشر.

============

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

تابع أخبار مكة وما جاء فيها من الآثار

أخبار مكة وما جاء فيها من الآثار   ج1وج2. ج / 1 ص -3- بسم الله الرحمن الرحيم مقدمة التحقيق: لا نعرف عن بدايات التأليف في...