اللهم استجب

سبحانك وبحمدك وأستغفرك أنت الله الشافي الكافي الرحمن الرحيم الغفار الغفور القادر القدير المقتدر الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر الخالق البارئ المصور... الواحد الأحد الواجد الماجد الملك المغيث لا إله إلا أنت وحدك لا شريك لك ..لك الملك ولك الحمد وأنت علي كل شيئ قدير ولا حول ولا قوة إلا بك وأستغفرك اللهم بحق أن لك هذه الأسماء وكل الأسماء الحسني وحق إسمك الأعظم الذي تعلمه ولا أعلمه أسألك أن تَشفني شفاءا لا يُغادر سقما وأن تَكفني كل همي وتفرج كل كربي وتكشف البأساء والضراء عني وأن تتولي أمري وتغفر لي ذنبي وأن تشرح لي صدري وأن تُيسر لي أمري وأن تحلل عُقْدَةً  من لساني يفقهوا قولي وأن تغنني بفضلك عمن سواك اللهم أصلحني: حالي وبالي وأعتقني في الدارين وخُذ بيدي يا ربي وأخرجني من الظلمات الي النور بفضلك  وأن ترحم وتغفر لوالديَّ ومن مات من اخوتي وان تغفر لهم أجمعين وكل من مات علي الايمان والتوبة اللهم آمين  //اللهم تقبل/ واستجب//https://download.tvquran.com/download/selections/315/5cca02c11a61a.mp3

المصحف

 تحميل المصحف

القرآن الكريم وورد word doc icon تحميل المصحف الشريف بصيغة pdf تحميل القرآن الكريم مكتوب بصيغة وورد تحميل سورة العاديات مكتوبة pdf

Translate

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأربعاء، 27 مارس 2024

تابع كتاب تاريخ عجائب الآثار في التراجم والأخبار{الجزء الاوللللللل} تأليف: عبد الرحمن بن حسن الجبرتي

 

تابع كتاب تاريخ عجائب الآثار في التراجم والأخبار{الجزء الاوللللللل} تأليف: عبد الرحمن بن حسن الجبرتي الناشر: دار الجيل بيروت تاريخ عجائب الآثار في التراجم والأخبار ج / 1 ص -5- بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله القديم الأول الذي لا يزول ملكه ولا يتحول خالق الخلائق وعالم الذرات بالحقائق مفنى الأمم ومحيي الرمم ومعيد النعم ومبيد النقم وكاشف الغمم وصاحب الجود والكرم لا إله إلا هو كل شيء هالك إلا وجهه له الحكم وإليه ترجون واشهد أن لا إله إلا الله تعالى عما يشركون وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله إلى الخلق أجمعين المنزل عليه نبا القرون الأولين صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم ما تعاقبت الليالي والأيام وتداولت السنين والأعوام. وبعد فيقول الفقير عبد الرحمن بن حسن الجبرتي الحنفي غفر الله له ولوالديه وأحسن إليهما وإليه إني كنت سودت أوراقا في حوادث آخر القرن الثاني عشر وما يليه من أوائل الثالث عشر الذي نحن فيه جمعت فيها بعض الوقائع إجمالية وأخرى محققة تفصيلية وغالبها محن أدركناها وأمور شاهدناها واستطردت في ضمن ذلك سوابق سمعتها ومن أفواه الشيخة تلقيتها وبعض تراجم الأعيان المشهورين من العلماء والأمراء المعتبرين وذكر لمع من أخبارهم وأحوالهم وبعض تواريخ مواليدهم ووفياتهم فأحببت جمع شملها وتقييد شواردها في أوراق متسقة النظام مرتبة على السنين والأعوام ليسهل على الطالب النبيه المراجعة ويستفيد. ج / 1 ص -6- ما يرويه من المنفعة ويعتبر المطلع على الخطوب الماضية فيتأسى إذا لحقه مصاب ويتذكر بحوادث الدهر إنما يتذكر أولو الألباب فإنها حوادث غريبة في بابها متنوعة في عجائبها وسميته عجائب الآثار في التراجم والأخبار وأنا لنرجو ممن اطلع عليه وحل بمحل القبول لديه أن لا ينسانا من صالح دعواته وإن يغضى عما عثر عليه من هفواته. اعلم أن التاريخ علم يبحث فيه عن معرفة أحوال الطوائف وبلدانهم ورسومهم وعاداتهم وصنائعهم وأنسابهم ووفياتهم وموضوعه أحوال الأشخاص الماضية من الأنبياء والأولياء والعلماء والحكماء والشعراء والملوك والسلاطين وغيرهم والغرض منه الوقوف على الأحوال الماضية من حيث هي وكيكا كانت وفائدته العبرة بتلك الأحوال والتنصح بها وحصول ملكة التجارب بالوقوف على تغلبات الزمن ليتحرز العاقل عن مثل أحوال الهالكين من الأمم المذكورة السالفين ويستجلب خيار أفعالهم ويتجنب سوء أقوالهم ويزهد في الفاني ويجتهد في طلب الباقى وأول واضع له في الإسلام عمر بن الخطاب رضي الله عنه وذلك حين كتب أبو موسى الأشعري إلى عمر أنه يأتينا من قبل أمير المؤمنين كتب لا ندري على أيها نعمل فقد قرأنا صكا محله شعبان فما ندري أي الشعبانين أهو الماضي أم القابل وقيل: رفع لعمر صك محله شعبان فقال: أي شعبان هذا هو الذي نحن فيه أو الذي هو آت ثم جمع وجوه الصحابة رضي الله عنهم وقال: إن الأموال قد كثرت وما قسمناه غير مؤقت فكيف التوصل إلى ما يضبط به ذلك. فقال له الهرمزان: وهو ملك الأهواز وقد اسر عند فتوح فارس وحمل إلى عمر واسلم على يديه أن للعجم حسابا يسمونه ماه روز ويسندونه إلى من غلب عليهم الأكاسرة فعربوا لفظة ماه روز يمورخ ومصدره التاريخ واستعملوه في وجوه التصريف ثم شرح لهم الهرمزان كيفية استعمال ذلك فقال لهم: عمر ضعوا للناس تاريخا يتعاملون عليه وتصير أوقاتهم فيما يتعاطونه من المعاملات مضبوطة فقال. ج / 1 ص -7- له بعض من حضر من مسلمى اليهود: إن لنا حسابا مثله مسندا إلى الأسكندر فما ارتضاه الآخرون لما فيه من الطول وقال قوم: نكتب على تاريخ الفرس قيل: إن تواريخهم غير مسندة إلى مبدأ معين بل كلما قام منهم ملك ابتدأوا التاريخ من لدن قيامه وطرحوا ما قبله فاتفقوا على أن يجعلوا تاريخ دولة الإسلام من لدن هجرة النبي صلى الله عليه وسلم لأن وقت الهجرة لم يختلف فيه أحد بخلاف وقت ولادته ووقت مبعثه صلى الله عليه وسلم. وكان للعرب في القديم من الزمان بأرض اليمن والحجاز تواريخ يتعارفونها خلفا عن سلف إلى زمن الهجرة فلما هاجر صلى الله عليه وسلم من مكة إلى المدينة وظهر الإسلام وغلت كلمة الله تعالى اتخذت هجرته مبدأ لتاريخها وسميت كل سنة باسم الحادثة التي وقعت فيها وتدرج ذلك إلى سنة عشرة من الهجرة في زمن عمر فكان اسم السنة الأولى سنة الإذن بالرحيل من مكة إلى المدينة والثانية سنة الأمراي بالقتال إلى آخره. وقال أصحاب التواريخ: إن العرب في الجاهلية كانت تستعمل شهور الأهلة وتقصد مكة للحج وكان حجهم وقت عاشر الحجة كما رسمه سيدنا إبراهيم عليه الصلاة والسلام ولكن لما كان لا يقع في فصل واحد من فصول السنة بل يختلف موقعه منها بسبب تفاضل ما بين السنة الشمسية والقمرية ووقوع أيام الحج في الصيف تارة وفي الشتاء أخرى وكذا في الفصلين الآخرين أرادوا أن يقع حجهم في زمان واحد لا يتغير وهو وقت إدراك الفواكه والغلال واعتدال الزمن في الحر والبرد ليسهل عليهم السفر ويتجروا بما معهم من البضائع والأرزاق مع قضاء مناسكهم. فشكوا ذلك إلى أميرهم وخطيبهم فقام في الموسم عند إقبال العرب من كل مكان فخطب ثم قال: أنا أنشأت لكم في هذه السنة شهرا ازيده فتكون السنة ثلاثة عشر شهرا وكذلك أفعل في كل ثلاث سنين أو اقل حسبما يقتضيه حساب وضعته ليأتي حجكم وقت إدراك الفواكه والغلال. ج / 1 ص -8- فتقصدوننا بما معكم منها. فوافقت العرب على ذلك ومضت إلى سبيلها فنسأ المحرم وجعله كبيسا وآخره إلى صفر وصفر إلى ربيع الأول وهكذا فوقع الحج في السنة الثانية في عاشر المحرم وهو ذو الحجة عندهم. وبعد انقضاء سنتين أو ثلاثة وانتهاء نوبة الكبيس أي الشهر الذي كان يقع فيه الحج وانتقاله إلى الشهر الذي بعده قام فيهم خطيبا وتكلم بما اردا ثم قال: أنا جعلنا الشهر الفلاني من السنة الفلانية الداخلة للشهر الذي بعده ولهذا فسر النسىء بالتأخير كما فسر بالزيادة. وكانوا يديرون النسىء على جميع شهور السنة بالنوبة حتى يكون لهم مثلا في سنة محرمان وفي أخرى صفران ومثل هذا بقية الشهور فإذا آلت النوبة إلى الشهر المحرم قام لهم خطيبا فينبئهم أن هذه السنة قد تكرر فيها اسم الشهر الحرام فيحرم عليهم واحدا منها بحسب رأيه على مقتضى مصلحتهم فلما انتهت النوبة في أيام النبي صلى الله عليه وسلم إلى ذي الحجة وتم دور النسىء على جميع الشهور حج صلى الله عليه وسلم في تلك السنة حجة الوداع وهي السنة العاشرة من الهجرة لموافقة الحج فيها عاشر الحجة ولهذا لم يحج صلى الله عليه وسلم في السنة التاسعة حين حج أبو بكر الصديق رضي الله عنه بالناس لوقوعه في عاشر ذي القعدة. فلما حج صلى الله عليه وسلم حجة الوداع خطب وأمر الناس بما شاء الله تعالى ومن جملته "إلا أن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السموات والأرض" يعني رجوع الحج إلى الموضع الأول كما كان في زمن سيدنا إبراهيم صلوات الله تعالى عليه ثم تلا قوله تعالى: {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أربعةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أن اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ} {إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عَاماً وَيُحَرِّمُونَهُ عَاماً لِيُوَاطِئُوا عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ فَيُحِلُّوا مَا حَرَّمَ اللَّهُ زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمَالِهِمْ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ. ج / 1 ص -9- الْكَافِرِينَ} ومنع العرب من هذا الحساب وأمر بقطعه والاستمرار بوقوع الحج في أي زمان أتى من فصول السنة الشمسية فصارت سنوهم دائرة في الفصول الأربع والحج واقع في كل زمان منها كما كان في زمن إبراهيم الخليل عليه السلام ثم كون حجة الصديق واقعة في القعدة فهو قول طائفة من العلماء وقال آخرون: بل وقعت حجته أيضا في ميقاتها من ذي الحجة وقد روي في السنة ما يدل على ذلك والله اعلم بالحقائق. ولما كان علم التاريخ علما شريفا فيه العظة والاعتبار وبه يقيس العاقل نفسه على من مضى من أمثاله في هذه الدار وقد قص الله تعالى أخبار الأمم السالفة في أم الكتاب فقال تعالى: {لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ} وجاء من أحاديث سيد المرسلين كثير من اخبار الأمم الماضين كحديثه عن بني اسرائيل وما غيروه من التوراة والانجيل وغير ذلك من اخبار العجم والعرب مما يفضى بمتأمله إلى العجب. وقد قال الشافعي رضي الله عنه: من علم التاريخ زاد عقله. ولم تزل الأمم الماضية من حين اوجد الله هذا النوع الإنساني تعتني بتدوينه سلفا عن سلف وخلفا من بعد خلف إلى أن نبذه أهل عصرنا وأغفلوه وتركوه وأهملوه وغدوه من شغل البظالين وأساطير الأولين ولعمري أنهم لمعذورون وبالاهم مشتغلون ولا يرضون لأقلامهم المتعبة في مثل هذه المنقبة فإن الزمان قد انعكست أحواله وتقلصت ظلاله وانخرمت قواعده في الحساب فلا تضبط وقائعه في دفتر ولا كتاب. واشغال الوقت في غير فائدة ضياع وما مضى وفات ليس له استرجاع إلا أن يكون مثل الحقير منزويا في زوايا الخمول والإهمال منجمعا عما شغلوا به من الأشغال فيشغل نفسه في أوقات من خلواته ويسلي وحدته بعد سيئات الدهر وحسناته. وفن التاريخ علم يندرج فيه علوم كثيرة لولاه ما ثبتت أصولها ولا تشعبت فروعها منها طبقات القراء والمفسرين والمحدثين وسير الصحابة. ج / 1 ص -10- والتابعين وطبقات المجتهدين وطبقات النجاة والحكماء والاطباء وأخبار الانبياء عليهم الصلاة والسلام واخبار المغازي وحكايات الصالحين ومسامرة الملوك من القصص والاخبار والمواعظ والعبر والامثال وغرائب الأقاليم وعجائب البلدان ومنها كتب المحاضرات ومفاكهة الخلفاء وسلوان المطاع ومحاضرات الراغب وأما الكتب المصنفة فيه فكثيرة جدا ذكر منها في مفتاح السعادة الفا وثلثمائة كتاب قال في ترتيب العلوم: وهذا بحسب إدراكه واستقصائه وإلا فهي تزيد على ذلك لأنه ما ألف في فن من الفنون مثل ما ألف في التواريخ وذلك لانجذاب الطبع إليها والتطلع على لا أمور المغيبات ولكثرة رغبة السلاطين لزيادة اعتنائهم بحسب التطلع على سير من تقدمهم من الملوك مع ما لهم من الأحوال والسياسات وغير ذلك فمن الكتب المصنفة فيه تاريخ ابن كثير في عدة مجلدات وهو القائل شعرا: تمـــر بنـــا الأيـــام تتــرى وإنمــــا نساق إلى الآجال والعين تنظر فلا عائد صفو الشباب الذي مضى ولا زائل هذا المشيب المكـــدر وتاريخ الطبري وهو أبو جعفر محمد بن جرير الطبري مات سنة عشر وثلاثمائة ببغداد وتاريخ ابن الأثير الجزري المسمى بالكامل ابتدأ فيه من أول الزمان إلى أواخر سنة ثمان وعشرين وستمائة وله كتاب اخبار الصحابة في ست مجلدات وتاريخ ابن الجوزي وله المنتظم في تواريخ الأمم ومرآة الزمان لسبط ابن الجوزي في أربعين مجلدا وتاريخ ابن خلكان المسمى بوفيات الأعيان وانباء ابناء الزمان وتواريخ المسعودي اخبار الزمان والأوسط ومروج الذهب ومن اجل التواريخ تواريخ الذهبي الكبير والأوسط المسمى بالعير والصغير المسمى دول الإسلام وتورايخ السمعاني منها ذيل تاريخ بغداد لأبي بكر بن الخطيب نحو خمسة عشر مجلدا وتاريخ مرو يزيد على عشرين مجلدا والأنساب في. ج / 1 ص -11- نحو ثمان مجلدات وتواريخ العلامة ابن حجر العسقلاني وتاريخ الصفدي وتواريخ السيوطي وتاريخ الحافظ ابن عساكر في سبعة وخمسين مجلدا وتاريخ اليافعي وبستان التواريخ ست مجلدات وتواريخ بغداد وتواريخ حلب وتواريخ أصبهان للحافظ أبي نعيم وتاريخ بلخ وتاريخ الأندلس والإحاطة في اخبار غرناطة وتاريخ اليمن وتاريخ مكة وتواريخ الشام وتاريخ المدينة المنورة وتواريخ الحافظ المقريزي وهي التاريخ الكبير المقفى والسلوك في دول الملوك والمواعظ والاعتبار في الخطط والاثار وغير ذلك ونقل في مؤلفاته اسماء تواريخ لم نسمع باسمائها في غير كتبه مثل تاريخ ابن أبي طي والمسيحي وابن المأمون وابن زولاق والقضاعي. ومن التواريخ تاريخ العلامة العيني كي أربعين مجلدا رأيت منه بعض مجلدات بخطه وهي ضخمة في قالب الكامل ومنها تاريخ الحافظ السخاوي والضوء اللامع في أهل القرن التاسع رتبه على حروف المعجم في عدة مجلدات وتاريخ العلامة ابن خلدون في ثمان مجلدات ضخام ومقدمته مجلد على حدة من أطلع عليها رأى بحرا متلاطما بالعلوم مشحونا بنفائس جواهر المنطوق والمفهوم وتاريخ ابن دقاق.وكتب التواريخ أكثر من أن تحصى وذكر المسعودي جملة كبيرة منها وتاريخه لغاية سنة ثلاث وثلاثين وثلاثمائة فما ظنك بما بعد ذلك. قلت وهذه صارت اسماء من غير مسميات فأنا لم نر من ذلك إلا بعض اجزاء بقيت في بعض خزائن كتب الأوقاف بالمدارس مما تداولته أيدي الصحافيين وباعها القومة والمباشرون ونقلت إلى بلاد المغرب والسودان ثم ذهبت بقايا البقايا في الفتن والحروب وأخذ الفرنسيس ما وجدوه إلى بلادهم. ولما عزمت على جمع ما كنت سودته اردت أن اوصله بشيء قبله فلم أجد بعد البحث والتفتيش إلا بعض كراريس سودها بعض العامة من الأجناد ركيكة التركيب مختلة التهذيب والترتيب وقد اعتراها النقص من مواضع في خلال بعض الوقائع. وكنت ظفرت بتاريخ من تلك. ج / 1 ص -12- الفروع لكنه على نسق في الجملة مطبوع لشخص يقال له أحمد حلبي بن عبد الغني مبتدئا فيه من وقت تملك بني عثمان للديار المصرية وينتهي كغيره ممن ذكرناه إلى خمسين ومائة وألف هجرية. ثم أن ذلك الكتاب استعاره بعض الأصحاب وزلت به القدم ووقع في صندوق العدم. ومن ذلك الوقت إلى وقتنا هذا لم يتقيد أحد بتقييد ولم يسطر في هذا الشأن شيئا يفيد فرجعنا إلى النقل من افواه الشيخة المسنين وصكوك دفاتر الكتبة والمباشرين وما انتقش على احجار ترب المقبورين وذلك من أول القرن إلى السبعين وما بعدها إلى التسعين أمور شاهدناها ثم نسيناها وتذكرناها ومنها إلى وقتنا أمور تعقلناها وقيدناها وسطرناها إلى أن تم ما قصدنا باي وجه كان وانتظم ما أردنا استطراده من وقتنا إلى ذلك الأوان. وسنورد أن شاء الله تعالى ما ندركه من الوقائع بحسب الامكان والخلو من الموانع إلى أن يأتي أمر الله وإن مردنا إلى الله ولم اقصد بجمعه خدمة ذي جاه كبير أو طاعة وزير أو أمير ولم أداهن فيه دولة بنفاق أو مدح أو ذم مباين للأخلاق لميل نفساني أو غرض جسماني وأنا استغفر الله من وصفي طريقا لم اسلكه وتجارتي برأس مال لم أملكه. ج / 1 ص -13- مقدمة. اعلم أن الله تعالى لما خلق الأرض ودحاها وأخرج منها ماءها ومرعاها وبث فيها من كل دابة وقدر اقواتها احوج بعض الناس إلى بعض في ترتيب معايشهم ومآكلهم وتحصيل ملابسهم ومساكنهم لأنهم ليسوا كسائر الحيوانات التي تحصل ما تحتاج إليه بغير صنعة. فإن الله تعالى خلق الإنسان ضعيفا لا يستقل وحده بامر معاشه لاحتياجه إلى غذاء ومسكن ولباس وسلاح فجعلهم الله تعالى يتعاضدون يتعاونون في تحصيلها وترتيبها بان يزرع هذا الذاك ويخبز ذاك لهذا وعلى هذا القياس تتم سائر أمورهم ومصالحهم وركز في نفوسهم الظلم والعدل. ثم مست الحاجة بينهم ميزانا للعدالة وقانونا للسياسة توزن به حركاتهم وسكناتهم وترجع إليه طاعاتهم ومعاملاتهم فانزل الله كتابه بالحق وميزانه بالعدل كما قال تعالى: {اللَّهُ الَّذِي أَنْزَلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَالْمِيزَانَ}. قال علماء التفسير المراد بالكتاب والميزان العلم والعدل وكانت مباشرة هذا الأمر من الله بنفسه من غير واسطة وسبب على خلاف ترتيب المملكة وقانون الحكمة فاستخلف فيها من الآدميين خلائف ووضع في قلوبهم العلم والعدل ليحكموا بهما بين الناس حتى يصدر تدبيرهم عن دين مشروع وتجتمع كلمتهم على رأي متبوع ولو تنازعوا في وضع الشريعة لفسد نظامهم واختل معاشهم. فمعنى الخلافة هو أن ينوب أحد مناب آخر في. ج / 1 ص -14- التصرف واقفا على حدود أوامره ونواهيه وأما معنى العدالة فهي خلق في النفس أو صفة في الذات تقتضي المساواة لأنها أكمل الفضائل لشمول اثرها وعموم منفعتها كل شيء وإنما الإنسان عادلا لما وهبه الله قسطا من عدله وجعله سببا وواسطة لايصال فيض واستخلفه في ارضه بهذه الصفة حتى يحكم بين الناس بالحق والعدل كما قال تعالى: {يَا دَاوُدُ أنا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ}. وخلائف الله هم القائمون بالقسط والعدالة في طريق الأستقامة ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه والعدالة تابعة للعلم باوساط الأمور المعبر عنها في الشريعة بالصراط المستقيم. وقوله تعالى: {أن رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} إشارة إلى أن العدالة الحقيقة ليست إلا لله تعالى فهو العادل الحقيقي الذي لا يعزب عنه مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء ووضع كل شيء على مقتضى علمه الكامل وعدله الشامل. وقوله صلى الله عليه وسلم "بالعدل قامت السموات والأرض" اشارة إلى عدل الله تعالى الذي جعل لكل شيء قدرا لو فرض فارض زائدا عليه أو ناقصا عنه لم ينتظم الوجود على هذا النظام بهذا التمام والكمال. اصناف العدل من الخلائق خمسة ورفع الله بعضهم فوق بعض درجات كما قال تعالى: {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ الْأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ}. الأول: الانبياء عليهم الصلاة والسلام فهم ادلاء الأمة وعمد الدين ومعادن حكم الكتاب وأمناء الله في خلقه هم السرج المنيرة على سبيل الهدى وحملة الامانة عن الله إلى خلقه بالهداية بعثهم الله رسلا إلى قومهم وانزل معهم الكتاب والميزان ولا يتعدون حدود ما أنزل الله إليهم من الأوامر والزواجر ارشادا وهداية لهم حتى يقوم الناس بالقسط والحق ويخرجونهم من ظلمات الكفر والطغيان إلى نور اليقظة والايمان وهم سبب نجاتهم من دركات جهنم إلى درجات الجنان وميزان عدالة. ج / 1 ص -15- الأنبياء عليهم الصلاة والسلام الدين المشروع الذي وصاهم الله باقامته في قوله تعالى: {شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحاً} فكل أمر من أمور الخلائق دنيا واخرى عاجلا وآجلا قولا وفعلا حركة وسكونا جار على نهج العدالة ما دام موزونا بهذا الميزان ومنحرف عنها بقدر انحرافه عنه ولا تصح الاقامة بالعدالة إلا بالعلم وهو اتباع احكام الكتاب والسنة. الثاني: العلماء الذين هم ورثة الانبياء فهم فهموا مقامات القدوة من الانبياء وإن لم يعطوا درجاتهم واقتدوا بهداهم واقتفوا آثارهم إذ هم أحباب الله وصفوته من خلقه ومشرق نور حكمته فصدقوا بما اتوا به وسروا على سبيلهم وأيدوا دعوتهم ونشروا حكمتهم كشفا وفهما ذوقا وتحقيقا ايمانا وعلما بكمال المتابعة لهم ظاهرا وباطنا. فلا يزالون مواظبين على تمهيد قواعد العدل واظهار الحق برفع منار الشرع وأقامة اعلام الهدى والإسلام واحكام مباني التقوى برعاية الاحوط في الفتوى تزهدا للرخص لأنهم امناء لله في العالم وخلاصة بني ادم مخلصون في مقام العبودية مجتهدون في اتباع احكام الشريعة عن باب الحبيب لا يبرحون ومن خشية ربهم مشفقون مقبلون على الله تعالى بطهارة الأسرار وطائرون إليه باجنحة العلم والانوار هم أبطال ميادين العظمة وبلابل بساتين العلم والمكالمة. أولئك هم الوارثون الذين يرثون الفردوس هم فيها خالدون وتلذذوا بنعيم المشاهدة ولهم عند ربهم ما يشتهون وما ظهر في هذا الزمان من الاختلال في حال البعض من حب الجاه والمال والرياسة والمنصب والحسد والحقد لا يقدح في حال الجميع لأنه لا يخلو الزمان من محقيهم وإن كثر المبطلون ولكنهم اخفياء مستورون تحت قباب الخمول لا تكشف عن حالهم يد الغيرة الألهية والحكمة الأزلية. وهم آحاد الأكوان وافراد الزمان وخلفاء الرحمن وهم مصابيح الغيوب مفاتيح اقفال القلوب وهم خلاصة خاصة الله من خلقه وما برحوا أبدا في مقعد صدقه بهم يهتدي كل حيران ويرتوي كل ظمآن وذلك أن. ج / 1 ص -16- مطلع شمس مشارق أنوارهم مقتبس من مشكاة النبوة المصطفوية ومعدن شجرة اسرارهم مؤيد بالكتاب والسنة لا أحصي ثناء عليهم أفض اللهم علينا مما لديهم. الثالث: الملوك وولاة الأمور يراعون العدل والانصاف بين الناس والرعايا توصلا إلى نظام المملكة وتوسلا إلى قوام السلطنة لسلامة الناس في أموالهم وابدانهم وعمارة بلدانهم ولولا قهرهم وسطوتهم لتسلط القوي على الضعيف والدنيء على الشريف. فرأس المملكة واركانها وثبات احوال الأمة وبنيانها العدل والانصاف سواء كانت الدولة اسلامية أو غير اسلامية فهما اس كل مملكة وبنيان كل سعادة ومكرمة. فإن الله تعالى أمر بالعدل ولم تكتف به حتى اضاف إليه الاحسان فقال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْأِحْسَانِ} لأن بالعدل ثبات الأشياء ودوامها وبالجور والظلم خرابها وزوالها فإن الطباع البشرية مجبولة على حب الانتصاف من الخصوم وعدم الإنصاف لهم والظلم والجور كامن في النفوس لا يظهر إلا بالقدرة كما قيل: والظلم من شيم النفوس فإن تجد ذا عـفــة فلـعـلــة لا يـظـلــــــم فلولا قانون السياسة وميزان العدالة لم يقدر مصل على صلاته ولا عالم على نشر علمه ولا تاجر على سفره. فان قيل: فما حد الملك العادل قلنا هو مما قال العلماء بالله من عدل بين العباد وتحذر عن الجور والفساد حسبما ذكره رضي الصوفي في كتابه المسمى بقلادة الأرواح وسعادة الافراح عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "عدل ساعة خير من عبادة سبعين سنة قيام ليلها وصيام نهارها" وفي حديث آخر: "والذي نفس محمد بيده أنه ليرفع للملك العادل إلى السماء مثل عمل الرعية وكل صلاة يصليها تعدل سبعين ألف صلاة" وكأن الملك العادل قد عبد الله بعبادة كل عابد وقام له بشكر كل شاكر فمن لم يعرف قدر هذه النعمة الكبرى والسعادة. ج / 1 ص -17- العظمى واشتغل بظلمه وهواه يخاف عليه بان يجعله الله من جملة اعدائه وتعرض إلى اشد العذاب كما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إن أحب الناس إلى الله تعالى يوم القيامة وأقربهم منه إمام عادل وإن أبغض الناس إلى الله تعالى وأشدهم عذابا يوم القيامة إمام جائر" فمن عدل في حكمه وكف عن ظلمه نصره الحق واطاعه الخلق وصفت له النعمى واقبلت عليه الدنيا فتهنأ بالعيش واستغنى عن الجيش وملك القلوب وأمن الحروب وصارت طاعته فرضا وظلت رعيته جندا لأن الله تعالى ما خلق شيئا احلى مذاقا من العدل ولا أروح إلى القلوب من الانصاف ولا أمر من الجور ولا أشنع من الظلم. فالواجب على الملك وعلى ولاة الأمور أن لا يقطع في باب العدل إلا بالكتاب والسنة لأنه يتصرف في ملك الله وعباد الله بشريعة نبيه ورسوله نيابة عن تلك الحضرة ومستخلفا عن ذلك الجناب المقدس ولا يأمن من سطوات ربه وقهره فيما يخالف امره فينبغي أن يحترز عن الجور والمخالفة والظلم والجهل فإنه احوج الناس إلى معرفة العلم واتباع الكتاب والسنة وحفظ قانون الشرع والعدالة فإنه منتصب لمصالح العباد واصلاح البلاد وملتزم بفصل خصوماتهم وقطع النزاع بينهم وهو حامي الشريعة بالإسلام فلا بد من معرفة احكامها والعلم بحلالها وحرامها ليتوصل بذلك إلى ابراء ذمته وضبط مملكته وحفظ رعيته فيجتمع له مصلحة دينه ودنياه وتمتلىء القلوب بمحبته والدعاء له فيكون ذلك اقوم لعمود ملكه وأدوم لبقائه وابلغ الأشياء في حفظ المملكة العدل والانصاف على الرعية. وقيل لحكيم أيما افضل العدل أم الشجاعة فقال من عدل استغنى عن الشجاعة لأن العدل اقوى جيش وأهنأ عيش. وقال الفضيل بن عياض النظر إلى وجه الإمام العادل عبادة وإن المقسطين عند الله على منابر من نور يوم القيامة عن يمين الرحمن قال. ج / 1 ص -18- سفيان الثوري: "صنفان إذا صلحا صلحت الأمة وإذا فسدا فسدت الأمة الملوك والعلماء" والملك العادل هو الذي يقضي بكتاب الله عز وجل ويشفق على الرعية شفقة الرجل على أهله. روى ابن يسار عن أبيه أنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "أيما وال ولي من أمر أمتي شيئا فلم ينصح لهم ويجتهد كنصيحته وجهده لنفسه كبه الله على وجهه يوم القيامة في النار". الرابع أوساط الناس يراعون العدل في معاملاتهم وأروش جناياتهم بالانصاف فهم يكافؤون الحسنة بالحسنة والسيئة بمثلها. الخامس القائمون بسياسة نفوسهم وتعديل قواهم وضبط جوارحهم وانخراطهم في سلك العدول لأن كل فرد من افراد الإنسان مسؤول عن رعاية رعيته التي هي جوارحه وقواه كما ورد كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته كما قيل: صاحب الدار مسؤول عن أهل بيته وحاشيته. ولا تؤثر عدالة الشخص في غيره ما لم تؤثر أولا في نفسها إذ التأثير في البعيد قبل القريب بعيد. وقوله تعالى: {أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ} دليل على ذلك والإنسان متصف بالخلافة لقوله تعالى: {وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ}. ولا تصح خلافة الله إلا بطهارة النفس كما أن اشرف العبادات لا تصح إلا بطهارة الجسم فما اقبح بالمرء أن يكون حسن جسمه باعتبار قبح نفسه كما قال حكيم لجاهل صبيح الوجه: أما البيت فحسن وأما ساكنه فقبيح. وطهارة النفس شرط في صحة الخلافة وكمال العبادة ولا يصح نجس النفس لخلافة الله تعالى ولا يكمل لعبادته وعمارة أرضه إلا من كان طاهر النفس قد ازيل رجسه ونجسه. فللنفس نجاسة كما أن للبدن نجاسة فنجاسة البدن يمكن إدراكها بالبصر ونجاسة النفس لا تدرك إلا بالبصيرة كما اشار له بقوله تعالى: {إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ}. فان الخلافة هي الطاعة والاقتدار على قدر. ج / 1 ص -19- طاقة الإنسان في أكتساب الكمالات النفسية والاجتهاد بالاخلاص في العبودية والتخلق باخلاق الربوبية ومن لم يكن طاهر النفس لم يكن طاهر الفعل. فكل إناء بالذي فيه ينضح. ولهذا قيل: من طابت نفسه طاب عمله ومن خبثت نفسه خبث عمله وقيل: في قوله عليه الصلاة والسلام: "لا تدخل الملائكة بيتا فيه كلب" أنه أشار بالبيت إلى القلب وبالكلب إلى النفس الأمارة بالسوء أو إلى الغضب والحرص والحسد وغيرها من الصفات الذميمة الراسخة في النفس ونبه بان نور الله لا يدخل القلب إذا كان فيه ذلك الكلب. وإلى الطهارتين اشار بقوله تعالى: {وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ}. وأما الذي تطهر به النفس حتى تصلح للخلافة وتستحق به ثوابه فهو العلم والعبادة الموظفة اللذان هما سبب الحياة. ج / 1 ص -20- توضيح. اعلم أن الإنسان من حيث الصورة التخطيطية كصورة في جدار وإنما فضيلته بالنطق والعلم. ولهذا قيل: ما الإنسان لولا اللسان إلا بهمة مهملة أو صورة فبقوة العلم والنطق والفهم يضارع الملك وبقوة الأكل والشرب والشهوة والنكاح والغضب يشبه الحيوان. فمن صرف همته كلها إلى تربية القوة الفكرية بالعلم والعمل فقد لحق بافق الملك فيسمى ملكا وربانيا كما قال تعالى: {إِنْ هَذَا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ} ومن صرف همته كلها إلى تربية القوة الشهوانية باتباع اللذات البدنية ياكل كما تأكل الأنعام فحقيق أن يلحق بالبهائم إما غمرا كثور أو شرها كخنزير أو عقور ككلب أو حقودا كجمل أو متكبرا كنمر أو ذا حيلة ومكر كالثحلب أو يجمع ذلك كله فيصير كشيطان مريد وإلى ذلك الأشارة بقوله تعالى: {وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ} وقد يكون كثير من الناس من صورته صورة إنسان وليس هو في الحقيقة إلا كبعض الحيوان قال الله تعالى: {إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ}. مثل لبهائم جهلا جل خالقهم لهم تصاوير لم يقرن بهن جحا ج / 1 ص -21- من نصايح الرشاد لمصالح العباد. اعلم أن سبب هلاك الملوك اطراح ذوي الفضائل واصطناع ذوي الرذائل والاستفاف بعظة الناصح والاغتزار بتزكية المادح من نظر في العواقب سلم من النوائب وزوال الدول اصطناع السفل ومن استغنى بعقله ضل ومن أكتفى برأيه زل ومن استشار ذوي الألباب سلك سبيل الصواب ومن استعان بذوي العقول فاز بدرك المامول من عدل في سلطانه استغنى عن اعوانه عدل السلطان انفع للرعية من خصب الزمان الملك يبقى على الكفر والعدل ولا يبقى على الجور والإيمان ويقال حق على من ملكه الله على عباده وحكمه في بلاده أن يكون لنفسه مالكا وللهوى تاركا وللغيظ كاظما وللظلم هاضما وللعدل في حالتي الرضي والغضب مظهرا وللحق في السر والعلانية مؤثرا وإذا كان كذلك الزم النفوس طاعته والقلوب محبته واشرق بنور عدله زمانه وكثر على عدوه أنصاره وأعوانه. ولقد صدق من قال: يــا ايها المــلك الـذي بصلاحه صلح الجميع أنت الزمان فإن عدلت فكلــــه أبــدا ربيـــــع وقال عمرو بن العاص ملك عادل خير من مطر وابل من كثر ظلمه واعتداؤه قرب هلاكه وفناؤه. موعظة كل محنة إلى زوال وكل نعمة إلى انتقال: رأيت الدهر مختلفا يـــدور فلا حزن يدوم ولا سرور ج / 1 ص -22- وشيدت الملوك به قصورا فما بقي الملوك ولا القصور وقال المأمون: يبقى الثناء وتنفد الأموال ولكل وقت دولة ورجال من كبرت همته كثرت قيمته. لا تثق الدولة فإنها ظل زائل ولا تعتمد على النعمة فإنها ضيف راحل. فإن الدنيا لا تصفو لشارب ولا تفي لصاحب. كتب عمر بن عبدالعزيز إلى الحسن البصري أنصحني فكتب إليه أن الذي يصحبك لا ينصحك والذي ينصحك لا يصحبك. وسأل معاوية الاحنف بن قيس وقال له: كيف الزمان فقال أنت الزمان أن صلحت صلح الزمان وإن فسدت فسد الزمان. آفة الملوك سوء السيرة وآفة الوزراء خبث السريرة وآفة الجند مخالفة القادة وآفة الرعية مخالفة السادة وآفة الرؤساء ضعف السياسة وآفة العلماء حب الرياسة وآفة القضاة شدة الطمع وآفة العدول قلة الورع وآفة القوي استضعاف الخصم وآفة الجريء اضاعة الحزم وآفة المنعم قبح المن وآفة المذنب حسن الظن والخلافة لا يصلحها إلا التقوى والرعية لا يصلحها إلا العدل فمن جارت قضيته ضاعت رعيته ومن ضعفت سياسته بطلت رياسته ويقال شيئان إذا صلح أحدهما صلح الآخر السلطان والرعية. ومن كلام بعض البلغاء خير الملوك من كفى وكف وعفا وعف. قال وهب بن منبه: إذا هم الوالي بالجور أو عمل به ادخل الله النقص في أهل مملكته حتى في التجارات والزراعات وفي كل شيء وإذا هم بالخير أو عمل به ادخل الله البركة على أهل مملكته حتى في التجارات والزراعات وفي كل شيء ويعم البلاد والعباد. ولنقبض عنان العبارات النقلية في أرض الأشارات العقلية المقتطفة من نظم السلوك في مسامرة الملوك وغرر الخصائص وغرر النقائص وهو باب واسع كثير المنافع وملاك ج / 1 ص -23- الأمر في ذلك حسن القابلية وإن تكون مرآة غير صدية كما قيل: إذا كان الطباع طباع سوء فليس بنافع أدب الأديب وقيل أن الأخلاق وإن كانت غريزية فإنه يمكن تطبعها بالرياضة والتدريب والعادة والفرق بين الطبع والتطبع أن الطبع جاذب مفتعل والتطبع مجذوب منفعل تتفق نتايجهما مع التكلف ويفترق تأثيرهما مع الأسترسال. وقد يكون في الناس من لا يقبل طبعه العادة الحسنة ولا الاخلاق الجميلة ونفسه مع ذلك تتشوق إلى المنقبة وتتأنف من المثلبة. لكن سلطان طبعه يأبى عليه ويستعصي عن تكليف ما ندب إليه يختار العطل منها على التحلي ويستبدل الحزن على فواتها بالتسلي فلا ينفعه التأنيب ولا يردعه التأديب وسبب ذلك ما قرره المتكلمون في الاخلاق من أن الطبع المطبوع أملك للنفس التي هي محله لاستيطانه إياها وكثرة اعانته لها. وأما الذي يجمع الفضائل والرذائل فهو الذي تكون نفسه الناطقة متوسطة الحال بين اللؤم والكرم وقد تكتسب الاخلاق من معاشرة الاخلاء أما بالصلاح أو بالفساد فرب طبع كريم افسدته معاشرة الأشرار وطبع لئيم اصلحته مصاحبة الاخيار. وقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل". وقال علي رضي الله عنه لولده الحسن: الأخ رقعة في ثوبك فانظر بمن ترقعه. وقال بعض الحكماء في وصيته لولده: يا بني احذر مقارنة ذوي الطباع المزدولة لئلا تسرق طباعهم وأنت لا تشعر وأما إذا كان الخليل كريم الاخلاق شريف الأعراق حسن السيرة طاهر السريرة فبه في محاسن الشيم يقتدي وبنجم رشده في طريق المكارم يهتدي وإذا كان سيء الأعمال خبيث الاقوال كان المغتبط به كذلك ومع هذا فواجب على العاقل اللبيب والفطن الاريب أن يجهد نفسه حتى يحوز الكمال بتهذيب خلائقه ويكتسي حلل. ج / 1 ص -24- الجمال بدماثة شمائله وحميد طرائقه. وقال عمرو بن العاص: المرء حيث يجعل نفسه أن رفعها ارتفعت وإن وضعها اتضعت. وقال بعض الحكماء: النفس عزوف ونفور الوف متى ردعتها ارتدعت ومتى حملتها حملت وإن أصلحتها صلحت وإن افسدتها فسدت وقال الشاعر: وما النفس إلا حيث يجعلها الفتى فإن أطعمت تاقت وإلا تسلت وقالوا من فاته حسب نفسه لم ينفعه حسب أبيه والمنهج القويم الموصل إلى الثناء الجميل أن يستعمل الإنسان فكرة وتميزه فيما ينتج عن الاخلاق المحمودة والمذمومة منه ومن غيره فيأخذ نفسه بما استحسن منها واستملح ويصرفها عما استهجن منها واستقبح فقد قيل: كفاك تأديبا ترك ما كرهه الناس من غيرك. اللهم بحرمة سيد الأنام يسر لنا حسن الختام واصرف عنا سوء القضاء وانظر لنا بعين الرضاء وهذا أوان انشقاق كمائم طلع الشماريخ عن زهر مجمل التاريخ. أول خليفة في الأرض. اول خليفة جعل في الأرض آدم عليه الصلاة والسلام بمصداق قوله تعالى: {إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً} ثم توالت الرسل بعده لكنها لم تكن عامة الرسالة بل كل رسول أرسل إلى فرقة فهؤلاء الرسل عليهم السلام مقررون شرائع الله بين عباده وملزموهم بتوحيد وامتثال أوامره ونواهيه ليترتب على ذلك انتظام أمور معاشهم في الدنيا وفوزهم بالنعيم السرمدي إذا امتثلوا في الأخرى إلى أن جاء ختامهم الرسول الأكرم سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم أرسله الله بالهدي ودين الحق ليظهره على الدين كله وأمره بالصدع والأعلان والتطهير من عبادة الأوثان. وآمن به من أمن من الصحابة رضوان الله عليهم وعزروه ونصروه واتبعوا النور الذي انزي معه أولئك هم المفلحون. ولم يزل هذا الدين القويم من حين بعث النبي صلى الله عليه وسلم يزيد وينمو ويتع إلى ويسمو حتى تم ميقاته وقربت من. ج / 1 ص -25- النبي وفاته وأنزل الله عليه: {الْيَوْمَ أكمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْأِسْلامَ دِيناً}. ولما قبض صلى الله عليه وسلم قام بالأمر بعده أبو بكر الصديق رضي الله عنه ثم عمر رضي الله عنه ثم عثمان رضي الله عنه ثم علي كرم الله وجهه ولم تصف له الخلافة بمغالبة معاوية رضوان الله عليهم اجمعين في الأمر وبموت علي رضي الله عنه تمت مدة مدة الخلافة التي نص عليها النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: "الخلافة بعدي ثلاثون سنة ثم تكون ملكا عضوضا". وبخلافة معاوية كان ابتداء دولة الامويين وانقرضت بظهور أبي مسلم الخراساني واظهاره دولة بني العباس. فكان أولهم السفاح وظهرت دولتهم الظهور التام وبلغت القوة الزائدة والضخامة العظيمة ثم اخذت في الانحطاط بتغلب الاتراك والديلم ولم تزل منحطة وليس للخلفاء في آخر الأمر إلا الأسم فقط حتى ظهرت فتنة التاتار التي أبادت العالم وخرج هولاكو خان وملك بغداد وقتل الخليفة المعتصم وهو آخر خلفاء بني العباس ببغداد. ملوك مصر بعد ضعف الخلافة العباسية. وفي خلافة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه افتتحت الديار المصرية والبلاد الشامية على يد عمرو بن العاص ولم تزل في النيابة أيام الخلفاء الراشدين ودولة بني أمية وبني العباس إلى أن ضعفت الخلافة العباسية بعد قتل المتوكل بن المعتصم بن الرشيد سنة سبع وأربعين ومائتين. وتغلب على النواعي كل متملك لها فانفرد أحمد بن طولون بمملكة مصر والشام ثم دولة الاخشيد وبعده كافور أبو المسك. ولما مات قدم جوهر القائد من قبل المعز الفاطمي من المغرب فملكها من غير ممانع واسس القاهرة وذلك في سنة أحدى وستين وثلثمائة. وقد المعز إلى مصر بجنوده. ج / 1 ص -26- وأمواله ومعه رمم آبائه واجداده محمولة في توابيت وسكن بالقصرين وادعى الخلافة لنفسه دون العباسيين. وأول ظهور أمرهم في سنة سبعين ومائتين فظهر عبدالله بن عبيد الملقب بالمهدي وهو جد بني عبيد الحلفاء المصريين العبيديين الروافض باليمن وأقام على ذلك إلى سنة ثمان وسبعين فحج تلك السنة واجتمع بقبيلة من كنانة فأعجبهم حاله فصحبهم إلى مصر ورأى منهم طاعة وقوة فصحبهم إلى المغرب فنما شأنه وشأن أولاده من بعده إلى أن حضر المعز لدين الله أبو تميم معد بن إسمعيل بن القائم ابن المهدي إلى مصر وهو أولهم فملكوا نيفا ومائتين من السنين إلى أن ضعف أمرهم في أيام العاضد وسوء سياسة وزيره شاور فتملكت الافرنج بلاد السواحل الشامية وظهر بالشام نور الدين محمود بن زنكي فاجتهد في قتال الأفرنج واستخلاص ما استولوا عليه من بلاد المسلمين وجهز أسد الدين شيركوه بعساكر لأخذ مصر فحاصرها نحو شهرين فاستنجد العاضد بالافرنج فحضروا من دمياط فرحل اسد الدين إلى الصعيد فجبى خراجه ورجع إلى الشام. وقصد الافرنج الديار المصرية في جيش عظيم وملكوا بلبيس وكانت إذ ذاك مدينة حصينة ووقعت حروب بين الفريقين فكانت الغلبة فيها على المصريين وأحاطوا بالاقليم برا وبحرا وضربوا على أهله الضرائب. ثم إن الوزير شاور أشار بحرق الفسطاط فأمر الناس بالجلاء عنها وأرسل عبيدة بالشعل والنفوط فأوقدوا فيها النار فأحترقت عن آخرها واستمرت النار بها أربعة وخمسين يوما وأرسل الخليفة العاضد يستنجد نور الدين وبعث إليه بشعور نسائه فأرسل إليه جندا كثيفا وعليهم أسد الدين شيركوه وابن أخيه صلاح الدين يوسف فارتحل الافرنج عن البلاد وقبض أسد الدين على الوزير شاور الذي أشار بحرق المدينة وصلبه وخلع العاضد على أسد الدين الوزارة فلم يلبث أن مات بعد خمسة وستين يوما فولى. ج / 1 ص -27- العاضد مكانه ابن أخيه صلاح الدين وقلده الأمور ولقبه الملك الناصر فبذل لله همته وأعمل حيلته وأخذ في إظهار السنة واخفاء البدعة. فثقل أمره على الخليفة العاضد فابطن له فتنة أثارها في جنده ليتوصل بها إلى هزيمة الأكراد واخراجهم من بلاده فتفاقم الأمر وانشقت العصا ووقعت حروب بين الفريقين أبلى فيها الناصر يوسف وأخوه شمس الدولة بلاء حسنا وانجلت الحروب عن نصرتهما فعند ذلك ملك الناصر القصر وضيق على الخليفة وحبس أقاربه وقتل أعيان دولته واحتوى على ما في القصور من الذخائر والأموال والنفائس بحيث استمر البيع فيه عشر سنين غير ما اصطفاه صلاح الدين لنفسه. وخطب للمستضيء العباسي بمصر وسير البشارة بذلك إلى بغداد ومات العاضد قهرا وأظهر الناصر يوسف الشريعة المحمدية وطهر الاقليم من البدع والتشييع والعقائد الفاسدة وأظهر عقائد أهل السنة والجماعة وهي عقائد الأشاعرة والماتريدية وبعث إليه أبو حامد الغزالي بكتاب ألفه له في العقائد فحمل الناس على العمل بما فيه ومحا من الاقليم مستنكرات الشرع وأظهر الهدي ولما توفي نور الدين الشهيد انضم إليه ملك الشام وواصل الجهاد وأخذ في استخلاص ما تغلب عليه الكفار من السواحل وبيت المقدس بعد ما أقام بيد الافرنج نيفا وإحدى وتسعين سنة وأزال ما أحدثه الافرنج من الآثار والكنائس. ولم يهدم القمامة اقتداء بعمر رضي الله عنه وافتتح الفتوحات الكثيرة واتسع ملكه ولم يزل على ذلك إلى أن توفي سنة تسع وثمانين وخمسمائة ولم يترك إلا أربعين درهما وهو الذي انشأ قلعة الجبل وسور القاهرة العظيم. وكان المشد على عمائره بهاء الدين قراقوش ثم استمر الأمر في أولاده وأولاد أخيه الملك العادل وحضر الافرنج أيضا إلى مصر في أيام الملك الكامل بن العادل وملكوا دمياط وهدموها فحاربهم. ج / 1 ص -28- شهورا حتى أجلاهم وعمرت بعد ذلك دمياط هذه الموجودة في غير مكانها وكانت تسمى بالمنشية والكامل هذا هو الذي أنشأ قبة الشافعي رضي الله عنه عندما دفن بجواره موتاهم وأنشأ المدرسة الكاملية بين القصرين المعروفة بدار الحديث. الملوك الايوبية. وفي أيام الملك الصالح نجم الدين أيوب بن الكامل حضر الافرنج وملكوا دمياط وزحفوا إلى فارسكور واستمر الملك الصالح يحاربهم أربعة عشر شهرا وهو مريض وانحصر جهة الشرق وأنشأ المدينة المعروفة بالمنصورة ومات بها سنة سبع وأربعين وستمائة والحرب قائم وأخفت زوجته شجرة الدر موته ودبرت الأمور حتى حضر ابنه توران شاه من حصن كيفا وانهزمت الافرنج وأسر ملكهم ريدا وكانوا طائفة الفرنسيس والملك الصالح هذا هو أول من اشترى المماليك واتخذ منهم جندا كثيفا وبنى لهم قلعة الروضة واسكنهم بها وسماهم البحرية ومقدمهم االفارس أقطاي. والملك الصالح هو الذي بنى المدارس الصالحية بين القصرين ودفن بقبة بنيت له بجانب المدرستين. ولما انهزم الافرنج ومات الصالح وتملك ابنه توران شاه استوحش من مماليك أبيه واستوحشوا منه فتعصبوا عليه وقتلوه بفارسكور وقلدوا في السلطنة شجرة الدر ثلاثة أشهر ثم خلعت وهي آخر الدولة الأيوبية ومدة ولايتهم أحدى وثمانون سنة. الملوك التركية. ثم تولى سلطنة مصر عز الدين أيبك التركماني الصالحي سنة ثمان وأربعين وستمائة وهو أول الدولة التركية بمصر. ولما قتل ولوا ابنه المظفر علي فلما وقعت حادثة التتار العظمى خلع المظفر وتولى الملك. ج / 1 ص -29- المظفر قطز وخرج بالعساكر المصرية لمحاربة التتار فظهر عليهم وهزمهم ولم تقم لهم قائمة بعد ذلك بعد أن كانوا ملكوا معظم المعمور من الأرض وقهروا الملوك وقتلوا العباد وأخربوا البلاد. وفي سنة أربع وخمسين وستمائة ملكوا سائر بلاد الروم بالسيف وفي البحر. فلما فرغوا من ذلك صميعه نزل هولاكوخان وهو ابن طولون بن جنكيز خان على بغداد وذلك سنة ست وخمسين وهي إذ ذاك كرسي مملكة الإسلام ودار الخلافة فملكها وقتلوا ونهبوا وأسروا من بها من جمهور المسلمين والفقهاء والعلماء والأئمة والقراء والمحدثين وأكابر الأولياء والصالحين وفيها خليفة رب العالمين وإمام المسلمين وابن عم سيد المرسلين فقتلوه وأهله وأكابر دولته وجرى في بغداد ما لم يسمع بمثله في الآفاق. ثم أن هولاكوخان أمر بعد القتلى فبلغوا ألف ألف وثمانمائة ألف وزيادة ثم تقدم التتار إلى بلاد الجزيرة واستولوا على حران والرها وديار بكر في سنة سبع وخمسين ثم جاوزوا الفرات ونزلوا على حلب في سنة ثمان وخمسين وستمائة واستولوا عليها وأحرقوا المساجد وجرت الدماء في الازقة وفعلوا ما لم يتقدم مثله. ثم وصلوا إلى دمشق وسلطانها الناصر يوسف بن أيوب فخرج هاربا وخرج معه أهل القدرة ودخل التتار إلى دمشق وتسلموها بالأمان ثم غدروا بهم وتعدوها فوصلوا إلى نابلس ثم إلى الكرك وبيت المقدس فخرج سلطان مصر بجيش الترك الذين تهابهم الأسود وتقل في أعينهم أعداد الجنود فالتقاهم عند عين جالوت فكسرهم وشردهم وولوا الأدبار وطمع الناس فيهم يتخطونهم. ووصلت البشائر بالنصر فطار الناس فرحا. ودخل المظفر إلى دمشق مؤيدا منصورا واحبه الخلق محبة عظيمة وساق بيبرس خلف التتار إلى بلاد حلب وطردهم وكان السلطان وعد. ج / 1 ص -30- بحلب ثم رجع عن ذلك. فتأثر بيبرس وأضمر له الغدر وكذلك السلطان وأسر ذلك إلى بعض خواصه فأطلع بيبرس فساروا إلى مصر وكل منهما محترس من صاحبه فاتفق بيبرس مع جماعة من الأمراء على قتل المظفر فقتلوه في الطريق. الملك بيبرس. ودخل بيبرس مصر سلطانا وتلقب بالملك الظاهر وذلك سنة ثمان وخمسين وستمائة وهو السلطان ركن الدين أبو الفتح بيبرس البندقداري الصالحي النجمي أحد المماليك البحرية وعندما استقر بالقلعة أبطل المظالم والمكوس وجميع المنكرات وجهز الحج بعد انقطاعه اثنتي عشرة سنة بسبب فتنة التتار وقتل الخليفة ومنافقة أمير مكة مع التتار. فلما وصلوا إلى مكة منعوهم من دخول المحمل ومن كسوة الكعبة فقال أمير المحمل لامير مكة أما تخاف من الملك الظاهر بيبرس فقال: دعه يأتيني على الخيل البلق. فلما رجع أمير المحمل وأخبر السلطان بما قاله أمير مكة جمع له في السنة الثانية أربعة عشر ألف فرس أبلق وجهزهم صحبة أمير الحاج وخرج بعدهم على ثلاث نوق عشاريات فوافاهم عند دخولهم مكة وقد منعهم التتار وأمير مكة فحاربوهم فنصرهم الله عليهم وقتل ملك التتار وأمير مكة طعنه السلطان بالرمح وقال له: أنا الملك الظاهر جئتك على الخيل البلق. فوقع إلى الأرض وركب السلطان فرسه ودخل إلى مكة وكسا البيت وعاد إلى مصر واستقر ملكه حتى مات بدمشق سابع عشري المحرم سنة ست وسبعين وستمائة ومدته سبع عشرة سنة وشهران واثنا عشر يوما وحج سنة سبع وستين وستمائة. ولذلك خبر طويل ذكره العلامة القريزي في ترجمته في تواريخه وفي الذهب المسبوك فيمن حج من الخلفاء والملوك وكان من أعظم الملوك شهامة وصرامة وانقيادا للشرع وله فتوحات وعمارات مشهورة ومآثر ج / 1 ص -31- حميدة ومنها رد الخلافة لبني العباس وذلك أنه لما جرى ما جرى على بغداد وقتل الخليفة وبقيت ممالك الإسلام بلا خلافة ثلاث سنوات حضر شخص من أولاد الخلفاء الفارين في الواقعة إلى عرب العراق ومعه عشرة من بني مهارش فركب الظاهر للقائه ومعه القضاة وأهل الدولة فأثبت نسبه على يد قاضي القضاة تاج الدين بن بنت الأعز ثم بويع بالخلافة فبايعه السلطان وقاضي القضاة والشيخ عز الدين بن عبد السلام ثم الكبار على مراتبهم ولقب بالمستنصر وركب يوم الجمعة وعليه السواد إلى جامع القلعة وخطب خطبة بليغة ذكر فيها شرف بني العباس ودعا فيها للسلطان وللمسلمين ثم صلى بالناس ورسم بعمل خلعه خليفة إلى السلطان وكتب له تقليدا وقرىء بظاهر القاهرة بحضرة الجمع وألبس الخليفة السلطان الخلعة بيده وفوض إليه الأمور وركب السلطان بالخلعة والتقليد محمول على رأسه ودخل من باب النصر وزينت القاهرة والأمراء مشاة بين يديه ورتب له أتابكيا واستادارا وخازندارا وحاجبا وشرابيا وكاتبا وعين له خزانة وجملة مماليك ومائة فرس وثلاثين بغلا وعشر قطارات جمال إلى امثال ذلك. ثم أنه عزم على التوجه إلى العراق فخرج معه السلطان وشيعه إلى دمشق وجهز معه ملوك الشرق صاحب الموصل وصاحب سنجار والجزيرة وغرم عليه وعليهم ألف ألف دينار وستين ألف دينار وسافروا حتى تجاوزوا هيت فلاقاهم التتار فحاربوهم فعدم الخليفة ولم يعلم له خبر. وبعد أيام حضر شخص آخر من بني العباس وكان أيضا مختفيا عند بني خفاجة فتوصل مع العرب إلى دمشق وأقام عند الأمير عيسى بن مهنا فأخبر به صاحب دمشق فطلبه وكاتب السلطان في شأنه فأرسل يستدعيه فأرسله مع جماعة من أمراء العرب فلما وصل إلى القاهرة وجد المستنصر قد سبقه بثلاثة أيام فلم ير أن يدخل إليها فرجع إلى حلب فبايعه صاحبها. ج / 1 ص -32- ورؤساؤها ومنهم عبد الحليم بن تيمية وجمع خلقا كثيرا وقصد عانة ولقب بالحاكم. فلما خرج المستنصر وافاه بعانة فانقاد له هذا ودخل تحت طاعته وخاصته فلما قدم المستنصر قصد الحاكم الرحبة وجاء إلى عيسى ابن مهنا فكاتب الملك الظاهر فيه فطلبه فقدم إلى القاهرة ومعه ولده وجماعته فأكرمه الملك الظاهر وبايعوه بالخلافة كما سبق للمستنصر وأنزله بالبرج الكبير بالقلعة. واستمرت الخلافة بمصر وأقام الحاكم فيها نيفا وأربعين سنة وهذه من مناقب الملك الظاهر. ولما مات الملك الظاهر تولى بعده ابنه الملك السعيد ثم أخوه الملك العادل وكان صغيرا والأمر لقلاوون فخلعه واستبد بالملك ولقب بالملك المنصور قلاوون الالفي الصالحي النجمي جد الملوك القلاوونية وهو صاحب الخيرات والبيمارستان المنصوري والمدرسة والقبة التي دفن بها وله فتوحات بسواحل البحر الرومي ومصافات مع التتار وغير ذلك. تولى سنة ثمان وسبعين وستمائة ومات أواخر مدته أحدى عشرة سنة. وتولى بعده ابنه الملك الأشرف خليل بن قلاوون وكان بطلا شجاعا ذا همة علية ورياسة مرضية خانه أمراؤه وغدروه وقتلوه بترانة جهة البحيرة سنة ثلاث وتسعين وستمائة ونقل لتربته التي أنشأها بالقرب من المشهد النفيسي بجانب مدرسة أخيه الصالح علي بن قلاوون. مات في حياة أبيه وكان هو أكبر أولاده مرشحا للسلطنة. ولما مات الأشرف تولى بعده اخوه الملك الناصر محمد بن قلاوون الألفي الصالحي النجمي اقيم في السلطنة وعمره تسع سنين فأقام سنة وخلع بمملوك أبيه زين الدين كنبغا الملك العادل فثار الأمير حسام الدين لاجين المنصوري نائب السلطنة على العادل وتسلطن عوضه ثم ثأر عليه طغى وكبرى فقتلاه وقتلا أيضا. واستدعي الناصر من الكرك فقدم واعيد إلى السلطنة مرة ثانية فأقام عشر سنين وخمسة أشهر محجورا عليه. ج / 1 ص -33- والقائم بتدبير الدولة الأميران بيبرس الجاشنكير وسلار نائب السلطنة فدبر لنفسه في سنة ثمان وسبعمائة واظهر أنه يريد الحج بعياله فوافقه الأميران على ذلك وشرعا في تجهيزه وكتب إلى دمشق والكرك برمي الاقامات وألزم عرب الشرقية بحمل الشعير فلما تهيأ لذلك أحضر الأمراء تقاد معهم الخيل والجمال ثم ركب إلى بركة الحاج وتعين معه للسفر جماعة من الأمراء. وعاد بيبرس وسلار من غير أن يترجلا له عند نزوله بالبركة فرحل من ليلته وخرج إلى الصالحية وعيد بها وتوجه إلى الكرك فقدمها في عاشر شوال ونزل بقلعتها وصرح بأنه قد ثنى عزمه عن الحج واختار الاقامة بالكرك وترك السلطنة ليستريح وكتب إلى الأمراء بذلك وسأل أن ينعم عليه بالكرك والشوبك واعاد من كان معه من الأمراء وسلمهم الهجن وعدتها خمسمائة هجين والمال والجمال وجميع التقادم وأمر نائب الكرك بالمسير عنه وتسلطن بيبرس الجاشنكير وتلقب بالملك المظفر وكتب للناصر تقليدا بنيابة الكرك. فعندما وصله التقليد مع آل ملك اظهر البشر وخطب باسم المظفر على منبر الكرك وانعم على البريد الحاج آل ملك واعاده فلم يتركه المظفر وأخذ يناكده ويطلب منه من معه من المماليك الذين اختارهم للإقامة عنده والخيول التي أخذها من القلعة والمال الذي اخذه من الكرك. وهدده فحنق لذلك وكتب إلى نواب الشام يشكو ما هو فيه فاحثوه على القيام لأخذ ملكه ووعدوه بالنصرة فتحرك لذلك وسار إلى دمشق واتت النواب إليه وقدم إلى مصر وفر بيبرس وطلع الناصر إلى القلعة يوم عيد الفطر سنة تسع وسبعمائة فأقام في الملك اثنتين وثلاثين سنة وثلاثة أشهر ومات في ليلة الخميس حادي عشري ذي الحجة سنة أحدى وأربعين وسبعمائة وعمره سبع وخمسون سنة وكسور ومدة سلطنته ثلاث وأربعون سنة وثمانية أشهر وتسعة أيام. ج / 1 ص -34- وكان ملكا عظيما جليلا كفؤا للسلطنة ذا دهاء محبا للعدل والعمارة وطابت مدته وشاع ذكره وطار صيته في الآفاق وهابته الأسود وخطب له في بلاد بعيدة. ومن محاسنه أنه لما استبد بالملك اسقط جميع المكوس من اعمال الممالك المصرية والشامية وراك البلاد وهو الروك الناصري المشهود وابطل الرشوة وعاقب عليها فلا يتقلد المناصب إلا مستحقها بعد التروي والامتحان واتفاق الرأي ولا يقضي إلا بالحق. فكانت أيامه سعيدة وأفعاله حميدة. وفي أيامه كثرت العمائر حتى يقال أن مصر والقاهرة زادا في أيامه أكثر من النصف وكذلك القرى بحيث صارت كل بلدة من القرى القبلية والبحرية مدينة على انفرادها وله ولامرائه مساجد ومدارس وتكايا مشهورة وحضر في أوائل دولته القان غازات بجنود التتار فخرج إليهم بعساكر مصر وهزمهم مرتين. وبعض مناقبه تحتاج إلى طول ونحن لا نذكر إلا لمعا فمن أراد الاطلاع عليها فعليه بالمطولات. وفي السيرة الناصرية مؤلف مخصوص مجلدان ضخمان ينقل عنه المؤرخون وللصفي الحلي فيه مرثية رائية بليغة نحو ستين بيتا. ولما مات دفن على والده بالقبة المنصورية بين القصرين. وتولى من أولاده وأولاد أولاده اثنا عشر سلطانا منهم السلطان حسن صاحب الجامع بسوق الخيل بالرميلة ومن شاهده عرف علو همته بين الملوك وهو الذي ألف باسمه الشيخ بن أبي حجلة التلمساني كتبه العشرة التي منها ديوان الصبابة والسكردان وطوق الحمامة وحاطب ليل وقرع سن. ومنهم الملك الأشرف شعبان بن حسين بن الملك الناصر محمد وهو الذي أمر الأشراف بوضع العلامة الخضراء في عمائمهم وفي ذلك يقول بعضهم: ج / 1 ص -35- جعلوا لابنــاء النبي علامــة أن العلامة شأن من لم يشهر نور النبوة في كريم وجوههم يغني الشريف عن الطراز الأخض وفي أيام الأشراف هذا قدمت الإفرنج إلى الأسكندرية على حين غفلة ونهبوا أموالها واسروا نساءها ووصل الخبر إلى مصر فتجهز الأشرف وسار بعساكره فوجدهم قد ارتحلوا عنها وتركوها. ولهذه الواقعة تاريخ اطلعت عليه في مجلدين ويقال أن الفرنساوي الذين يكون في أذنه قرط امه اصلها من النساء المأسورات في تلك الواقعة. وفي أيامه كثر عبث المماليك الأجلاب فأمر باخراجهم من مصر فتجمعوا وعصوا فحاربهم وقاتلهم فانهزموا فقبض على كثير منهم فقتل منهم طائفة وغرق منهم طائفة ونفى منهم طائفة وبقى منهم بمصر طائفة التجأوا إلى بعض الأمراء وهؤلاء المماليك كانوا من مماليك يلبغا العمري مملوك السلطان حسن ومنهم صرغتمش واسند مرو آلجاي اليوسفي وهم كثيرون مختلفوا الأجناس ومنهم من جنس الجركس فلم يزالوا في اختلاف ومقت وهياج وحقد للدولة إلى أن تحيلوا وتراجعوا وتداخلوا في الدولة فاستقر أمرهم على أن طائفة منهم سكنوا بالطباق ودخلوا في مماليك الأسياد أي أولاد السلطان ومنهم من بقي أمير عشرة لا غير ومنهم من انضم إلى المماليك السلطانية ومماليك الأمراء وكانوا أرذل مذكور في الإقليم المصري. فلما عزم الأشرف على الحج وأخذ في أسباب ذلك انتهزوا عند ذلك الفرصة وكتموا أمرهم ومكروا مكرهم وتواعدوا مع أصحابهم الذين بصحبة السلطان أنهم يثيرون الفتنة مع السلطان في العقبة وكذلك المقيمون بمصر يفعلون فعلهم حتى ينقضوا نظام الدولة ويزيلوا السلطان والأمراء. ولما خرج السلطان من مصر خرج في ابهة عظيمة وتجمل زائد بعد أن ج / 1 ص -36- رتب الأمور واستخلف بمصر وثغورها من يثق به وأخذ بصحبته من لا يظن فيه الخيانة ومنهم جملة من الجلبان وابقى منهم ومن غيرهم بمصر كذلك ولا ينفع الحذر من القدر. فلما خرج السلطان وبعد عن مصر اثاروا الفتنة بعد أن استمالوا طائفة من المماليك السلطانية وفعلوا ما فعلوه ونادوا بموت السلطان وولوا ابنه ووقفوا مستعدين منتظرين فعل أصحابهم الغائبين مع السلطان وثار أيضا أصحابهم على السلطان في العقبة فانهزم بعد أمور طالبا المجيء إلى مصر وصحبته الأمراء الكبار وبعض المماليك ونهبت الخزينة والحج وذهب البعض إلى الشام والبعض إلى الحجاز والبعض إلى مصر صحبة حريم السلطان وجرى ما هو مسطر في الكتاب من ذبح الأمراء واختفاء السلطان وخنقه وتمكن هؤلاء الاجلاب من الدولة ونهبوا بيوت الأموال وذخائر السلطان واقتسموا محاظيه وكذلك الأمراء ووصل كل صعلوك منهم لمراتع الملوك وأزالوا عن الدولة القلاوونية وأخذوا لانفسهم الأمريات والمناصب وأصبح الذين كانوا بالأمس أسفل الناس ملوك الأرض يجبى إليهم ثمرات كل شيء. الجراكسة. ثم وقعت فيهم حوادث وحروب اسفرت عن ظهور برقوق الجركسي أحد مماليك يلبغا العمري واستقراره أميرا كبيرا. وكان غاية في الدهاء والمكر فلم يزل يدبر لنفسه حتى عزل بن الأشرف وأخذ السلطنة لنفسه وهو أول ملوك الجراكسة بمصر وبالأشرف شعبان هذا وأولاده زالت دولة القلاوونية وظهرت دولة الجراكسة. أولهم برقوق وبعده ابنه فرج واستمر الملك فيهم وفي أولادهم إلى الأشرف قانصوه الغوري وابتداء دولتهم سنة أربع وثمانين وسبعمائة وانقضاؤها سنة ثلاث وعشرين وتسعمائة فتكون مدة دولتهم مائة سنة. ج / 1 ص -37- وتسعة وثلاثين سنة. وسبب انقضائها فتنة السلطان سليم شاه ابن عثمان وقدومه إلى الديار المصرية فخرج إليه سلطان مصر قانصوه الغوري فلاقاه عند مرج دابق بحلب وخامر عليه أمراؤه خير بك والغزالي فخذلوه وفقدوه ولم يزل حتى تملك السلطان سليم الديار المصرية والبلاد الشامية. وأقام خير بك نائبا بها كما هو مسطر ومفصل في تواريخ المتأخرين مثل مرج الزهور لابن إياس وتاريخ القرماني وابن زقبل وغيرهم. وعادت مصر إلى النيابة كما كانت في صدر الإسلام ولما خلص له أمر مصر عفا عمن بقي من االجراكسة وابنائهم ولم يتعرض لاوقاف السلاطين المصرية بل قرر مرتبات الأوقاف والخيرات والعلوفات وغلال الحرمين والأنبار ورتب للأيتام والمشايخ والمتقاعدين ومصارف القلاع والمرابطين وأبطل المظالم والمكوس والمغارم. ثم رجع إلى بلاده وأخذ معه الخليفة العباسي وانقطعت الخلافة والمبايعة وأخذ صحبته ما انتقاه من أرباب الصنائع التي لم توجد في بلاده بحيث أنه فقد من مصر نيف وخمسون صنعة. ولما توفي تولى بعده ابنه المغازي السلطان سليمان عليه الرحمة والرضوان فاسس القواعد وتمم المقاصد ونظم الممالك وأنار الحوالك ورفع منار الدين واخمد نيران الكافرين وسيرته الجميلة اغنت عن التعريف وتراجمه مشحونة بها التصانيف. ولم تزل البلاد منتظمة في سلكهم ومنقادة تحت حكمهم من ذلك الأوان الذي استولوا عليها فيه إلى هذا الوقت الذي نحن فيه وولاة مصر نوابهم وحكامها أمراؤهم. وكانوا في صدر دولتهم من خير من تقلد أمور الأمة بعد الخلفاء المهديين واشد من ذب عن الدين واعظم من جاهد في المشركين. فلذلك اتسعت ممالكهم بما فتحه الله على ايديهم وأيدي نوابهم وملكوا احسن المعمور من الأرض ودانت لهم الممالك في الطول والعرض. هذا مع عدم أغفالهم الأمر وحفظ النواحي والثغور وأقامة الشعائر الإسلامية والسنن المحمدية. ج / 1 ص -38- وتعظيم العلماء وأهل الدين وخدمة الحرمين الشريفين والتمسك في الأحكام والوقائع بالقوانين والشرائع فتحصنت دولتهم وطالت مدتهم وهابتهم الملوك وانقاد لهم الممالك والمملوك. ومما يحسن ايراده هنا ما حكاه الأسحاقي في تاريخه أنه لما تولى السلطان سليم ابن السلطان سليمان المذكور كان لوالده مصاحب يدعى شمسي باشا العجمي ولا يخفي ما بين آل عثمان والعجم من العداوة المحكمة الأساس فأقر السلطان سليم شمسي باشا العجمي مصاحبا على ما كان عليه أيام والده وكان شمسي باشا المذكور له مداخل عجيبة وحيل غريبة يلقيها في قالب مرض ومصاحبة يسحر بها العقول فقصد أن يدخل شيئا منكرا يكون سببا لخلخلة دولة آل عثمان وهو قبول الرشا من أرباب الولاة والعمال. فلما تمكن من مصاحبة السلطان قال له: على سبيل العرض عبدكم فلان المعزول من منصب كذا وليس بيده منصب الآن قصده من فيض انعامكم عليه المنصب الفلاني ويدفع إلى الخزينة كذا وكذا. فلما سمع السلطان سليم ما ابداه شمسي باشا علم أنها مكيدة منه وقصده ادخال السوء بيت آل عثمان فتغير مزاجه وقال له: يا رافضي مريد أن تدخل الرشوة بيت السلطنة حتى يكون ذلك سببا لإزالتها. وامر بقتله فتلطف به وقال له: يابا دشاه لا تعجل هذه وصية والدك لي فإنه قال لي: إن السلطان سليم صغير السن وربما يكون عنده ميل للدنيا فاعرض عليه هذا الأمر فإن جنح إليه فامنعه بلطف فإن امتنع فقل له هذه وصية والدك فدم عليها ودعا له بالثبات وخلص من القتل. فانظر يا أخي وتأمل فيما تضمنته هذه الحكاية من المعاني. وأقول بعد ذلك يضيق صدري ولا ينطلق لساني وليس الحال بمجهول حتى يفصح عنه اللسان بالقول وقد اخر سني العجز أن افتح فما افغير الله ابتغى حكما. وفي اثناء الدولة العثمانية ونوابهم وامرائهم المصرية ظهر في عسكر ج / 1 ص -39- مصر سنة جاهلية وبدعة شيطانية زرعت فيهم النفاق واسست فيما بينهم الشقاق ووافقوا فيها أهل الحرف اللئام في قولهم سعد وحرام وهو أن الجند بأجمعهم اقتسموا قسمين واحتزبوا بأسرهم حزبين فرقة يقال لها فقارية واخرى تدعى قاسمية ولذلك اصل مذكور وفي بعض سير المتأخرين مسطور لا بأس بايراده في المسامرة تتميما للغرض في مناسبة المذاكرة وهو أن السلطان سليم شاه لما بلغ من ملك الديار المصرية مناه وقتل من قتل من الجراكسة وسامهم في سوق المواكسة قال يوما لبعض جلسائه وخاصته وأصدقائه: يا هل ترى هل بقي أحد من الجراكسة نراه وسؤال من جنس ذلك ومعناه. فقال له: خيربك نعم أيها الملك العظيم هنا رجل قديم يسمى سودون الأمير طاعن في السن كبير رزقه الله تعالى بولدين شهمين بطلين لا يضاهيهما أحد في الميدان ولا يناظرهما فارس من الفرسان. فلما حصلت هذه القضية تنحى عن المفارشة بالكلية وحبس ولديه بالدار وسد ابوابه بالأحجار وخالف العادة واعتكف على العبادة. وهو إلى الآن مستمر على حالته مقيم في بيته وراحته. فقال السلطان هذا والله رجل عاقل خبير كامل ينبغي لنا أن نذهب لزيارته ونقتبس من بركته واشارته قوموا بنا جملة نذهب إليه على غفلة لكي اتحقق المقال واشاهده على أي حالة هو من الأحوال. ثم ركب في الحال ببعض الرجال إلى أن توصل إليه ودخل عليه فوجده جالسا على مسطبة الايوان وبين يديه المصحف وهو يقرأ القرآن وعنده خدم واتباع وعبيد ومماليك أنواع فعندما عرف أنه السلطان بادر لمقابلته بغير توان وسلم عليه ومثل بين يديه فأمره بالجلوس ولاطفه بالكلام المأنوس إلى أن أطمأن خاطره وسكنت ضمائره فسأله عن سبب عزلته وانجماعه عن خلطته بعشيرته فاجابه أنه لما رأى في دولتهم اختلال الأمور وترادف الظلم والجور وأن سلطانهم مستقل برأيه فلم يضع إلى وزير ولا عاقل مشير واقصى كبار. ج / 1 ص -40- الأتراك لأنهم ليس لهم في ذلك الوقت إدراك. ثم أشار اليهما فنزلا عن فرسيهما وصعدا إلى أعلى المكان فخلع عليهما السلطان وقلدهما إمارتان ونوه بذكرهما بين الاقران وتقيدا بالركاب ولازما في الذهاب والإياب. ثم خرج في اليوم الثاني وحضر الأمراء والعسكر المتواني فامرهم أن ينقسموا باجمعهم قسمين وينحازوا باسرهم فريقين قسم يكون رئيسهم ذا الفقار والثاني أخوه قاسم الكرار. واضاف إلى ذي الفقار أكثر فرسان العثمانيين وإلى قاسم أكثر الشجعان المصريين وميز الفقارية بلبس الأبيض من الثياب وأمر القاسمية أن يتميزوا بالأحمر في الملبس والركاب. وأمرهم أن يركبوا في الميدان على هيئة المتحاربين وصورة المتنابذين المتخاصمين فاذعنوا بالانقياد وعلوا على ظهور الجياد وساروا بالخيل وانحدروا كالسيل وانعفوا متسابقين ورمحوا متلاحقين وتناوبوا في النزال واندفعوا كالجبال وساقوا في الفجاج وأثاروا العجاج ولعبوا بالرماح وتقابلوا بالصفاح وارتفعت الأصوات وكثرت الصيحات وزادت الهيازع وكثرت الزعازع وكاد الخرق يتسع على الراقع وقرب أن يقع القتل والقتال فنودي فيهم عند ذلك بالانفصال. فمن ذلك اليوم افترق أمراء مصر وعساكرها فرقتين واقتسموا بهذه الملعبة حزبين. واستمر كل منهم على محبة اللون الذي ظهر فيه وكره اللون الآخر في كل ما يتقبلون فيه حتى أواني المتناولات والمأكولات والمشروبات والفقارية يميلون إلى نصف سعد والعثمانيين والقاسمية لا يألفون إلى نصف حرام والمصريين. وصار فيهم قاعدة لا يتطرقها اختلال ولا يمكن الانحراف عنها بحال من الأحوال ولم يزل الأمر يفشو ويزيد ويتوارثه السادة والعبيد حتى تجسم ونما واهريقت فيه الدماء. فكم خربت بلاد وقتلت امجاد وهدمت دور واحرقت قصور وسبيت احرار وقهرت اخيار. وقيل غير ذلك وإن اصل القاسمية ينسبون إلى قاسم بك الدفتر دار. ج / 1 ص -41- الأتراك لأنهم ليس لهم في ذلك الوقت إدراك. ثم أشار اليهما فنزلا عن فرسيهما وصعدا إلى أعلى المكان فخلع عليهما السلطان وقلدهما إمارتان ونوه بذكرهما بين الاقران وتقيدا بالركاب ولازما في الذهاب والإياب. ثم خرج في اليوم الثاني وحضر الأمراء والعسكر المتواني فامرهم أن ينقسموا باجمعهم قسمين وينحازوا باسرهم فريقين قسم يكون رئيسهم ذا الفقار والثاني أخوه قاسم الكرار. واضاف إلى ذي الفقار أكثر فرسان العثمانيين وإلى قاسم أكثر الشجعان المصريين وميز الفقارية بلبس الأبيض من الثياب وأمر القاسمية أن يتميزوا بالأحمر في الملبس والركاب. وأمرهم أن يركبوا في الميدان على هيئة المتحاربين وصورة المتنابذين المتخاصمين فاذعنوا بالانقياد وعلوا على ظهور الجياد وساروا بالخيل وانحدروا كالسيل وانعفوا متسابقين ورمحوا متلاحقين وتناوبوا في النزال واندفعوا كالجبال وساقوا في الفجاج وأثاروا العجاج ولعبوا بالرماح وتقابلوا بالصفاح وارتفعت الأصوات وكثرت الصيحات وزادت الهيازع وكثرت الزعازع وكاد الخرق يتسع على الراقع وقرب أن يقع القتل والقتال فنودي فيهم عند ذلك بالانفصال. فمن ذلك اليوم افترق أمراء مصر وعساكرها فرقتين واقتسموا بهذه الملعبة حزبين. واستمر كل منهم على محبة اللون الذي ظهر فيه وكره اللون الآخر في كل ما يتقبلون فيه حتى أواني المتناولات والمأكولات والمشروبات والفقارية يميلون إلى نصف سعد والعثمانيين والقاسمية لا يألفون إلى نصف حرام والمصريين. وصار فيهم قاعدة لا يتطرقها اختلال ولا يمكن الانحراف عنها بحال من الأحوال ولم يزل الأمر يفشو ويزيد ويتوارثه السادة والعبيد حتى تجسم ونما واهريقت فيه الدماء. فكم خربت بلاد وقتلت امجاد وهدمت دور واحرقت قصور وسبيت احرار وقهرت اخيار. وقيل غير ذلك وإن اصل القاسمية ينسبون إلى قاسم بك الدفتر دار. ج / 1 ص -42- تابع مصطفى بك والفقارية نسبة إلى ذي الفقار بك الكبير وأول ظهور ذلك من سنة خمسين وألف والله اعلم بالحقائق. واتفق أن قاسم بك المذكور أنشأ في بيته قاعة جلوس وتأنق في تحسينها وعمل فيها ضيافة لذي الفقار بك أمير الحاج المذكور فأتى عنده وتغدى عنده بطائفة قليلة ثم قال له ذو الفقار بك: وانت أيضا تضيفني في غد وجمع ذو الفقار مماليكه في ذلك اليوم صناجق وامراء وااختيارية في الوجاقات وحضر قاسم بك بعشرة من طائفته واثنين خواسك خلفه والسعادة والسراج فدخل عنده في البيت وأوصى ذو الفقار أن لا أحد يدخل عليهما إلا بطلب إلى أن فرشوا السماط وجلس صحبته على السماط. فقال قاسم بك حتى الصناجق والاختيارية. فقال ذو الفقار أنهم يأكلون بعدنا هؤلاء جميعهم مماليكي عندما أموت يترحمون علي ويدعون لي وانت قاعتك تدعو لك بالرحمة الكونك ضيعت المال في الماء والطين. فعند ذلك تنبه قاسم بك وشرع ينشيء اشراقات كذلك وكانت الفقارية موصوفة بالكثرة والكرم والقاسمية بكثرة المال والبخل. وكان الذي يتميز به أحد الفريقين من الآخر إذا ركبوا في المواكب أن يكون بيرق الفقاري ابيض ومزاريقه برمانة وبيرق القاسمية احمر ومزاريقه بجلبة. ولم يزل الحال على ذلك. واستهل القرن الثاني عشر وامراء مصر فقارية وقاسمية فالفقارية ذو الفقار بك إبراهيم بك أمير الحاج ودرويش بك وإسمعيل بك ومصطفى بك قزلار وأحمد بك قزلار بجدة ويوسف بك القرد وسليمان بك بارم ذيله ومرجان جوزبك كان اصله قهوجي السلطان محمد قلدوه صنجقا فقاريا بمصر الجميع تسعة وأمير الحاج منهم والقاسمية مراد بك الدفتر دار ومملوكه ايواظ بك وإبراهيم بك أبو شنب وقانصوه بك وأحمد بك منوفية وعبد الله بك. ونواب مصر من طرف السلطان سليمان بن عثمان في أوائل القرن حسن باشا السلحدار سنة تسع وتسعين وألف وسنة مائة. ج / 1 ص -43- وواحد بعد الألف والسلطان في ذلك الوقت السلطان سليمان بن إبراهيم خان وتقلد إبراهيم بك أبو شنب إمارة الحاج وإسمعيل بك فتردار وذلك سنة تسع وتسعين. وفي أواخر الحجة سنة تسع وتسعين وألف حصلت واقعة عظيمة بين إبراهيم بك ابن ذي الفقار وبين العرب الحجازيين خلف جبل الجيوشي وقتلوا كثيرا من العرب ونهبوا ارزاقهم ومواشيهم وأحضر منهم اسرى كثيرة ووقفت الغرب في طريق الحج تلك السنة بالشرفة فقتلوا من الحاج خلقا كثيرا وأخذوا نحو ألف جمل باحمالها وقتلوا خليل كتخدا الحج فعين عليهم خمسة أمراء من الصناجق فوصلوا إلى العقبة وهرب العربان. وفي أيامه سافر ألفا شخص من العسكر والبسوا عليهم مصطفى بك طكوز جلان وسافروا إلى ادرنه في غرة جمادي الأولى سنة مائة وألف. وفي رابع جمادي الثانية خنق الباشا كتخدا بعد أن أرسله إلى دير الطين على أنه يتوجه إلى جرجا لتحصيل الغلال وذلك لذنب نقمه عليه. وفي شعبان نقب المحابيس العرقانة وهرب المسجونون منها. وفي أيامه غلت الأسعار مع زيادة النيل وطلوعه في أوانه على العادة ثم عزل حسن باشا ونزل إلى بيت محمد بك حاكم جرجا المقتول وتولى قيطاس بك قائمقام فكانت مدته هذه سنة واحدة وتسعة أشهر. ثم تولى أحمد باشا وكان سابقا كتخدا إبراهيم باشا الذي مات بمصر وحضر أحمد باشا من طريق البر وطلع إلى القلعة في سادس عشر المحرم سنة مائة واحدى وألف ووصل اغا بطلب الفي عسكري وعليهم صنجق يكون عليهم سر دار فعينوا مصطفى بك حاكم جرجا سابقا وسافر في منتصف جمادي الآخرة. وفي هذا التاريخ سافرت تجريدة عظيمة إلى ولاية البحيرة والبهنسا وعليهم صنجقان وتوجهوا في ثاني عشر جمادي الآخرة وسافر أيضا. ج / 1 ص -44- خلفهم إسمعيل بك وجميع الكشاف وكتخدا الباشا واغوات البلكات وكتخدا الجاويشية وبعض اختيارية وحاربوا ابن وافي وعربانه مرارا ثم وقعت بينهم وقعة كبيرة فهزم فيها الاحزاب وولوا منهزمين نحو الغرق وأما قيطاس بك وحسن اغا بليغا وكتخدا الباشا فإنهم صادفوا جمعا من العرب في طريقهم فأخذوهم ونهبوا مالهم وقطعوا منهم رؤوساء ثم حضر وإلى مصر. وفي انامهم كانت وقعة ابن غالب شريف مكة ومحاربته بها مع محمد بك حاكم جدة فكانت الهزيمة على الشريف. وتولى السيد محسن بن حسين بن زيد إمارة مكة ونودي بالأمان بعد حروب كثيرة وزينت مكة ثلاثة أيام بلي إليها وذلك في منتصف رجب ومرض أحمد باشا وتوفي ثاني عشر جمادي الآخرة سنة اثنتين ومائة وألف ودفن بالقرافة فكانت مدته سنة واحدة وستة أشهر. ومن مآثره ترميم الجامع المؤيدي وقد كان تداعى إلى السقوط فامر بالكشف عليه وعمره ورمه. وفي رابع عشر رجب توفي قيطاس بك الدفتر دار. وفي ثاني يوم حضر قانصوه بك تابع المتوفي من سفره بالخزينة مكان كتخدا الباشا المتولي قائمقام بعد موت سيده فألبس قانصوه بك دفتر دار ثم ورد مرسوم بولاية علي كتخدا الباشا قائمقام واذن بالتصرف إلى آخر مسرى فكانت مدة تصرفه أربعة وتسعين يوما. ثم تولى علي باشا وحضر من البحر إلى القلعة في ثاني عشرى رمضان سنة اثنتين ومائة وألف وحضر صحبته تترخان وأقام بمصر إلى أن توجه إلى الحج ورجع على طريق الشام. وفي ثاني عشري القعدة حضر قرا سليمان من الديار الرومية ومعه مرسوم مضمونه الخبر بجلوس السلطان أحمد بن السلطان إبراهيم فزينت مصر ثلاثة أيام وضربت مدافع من القلعة. وفي ثالث عشر صفر سنة ثلاث ومائة وألف ورد نجاب من مكة واخبر بان الشريف سعد تغلب على محسن وتولى إمارة مكة فأرسل الباشا عرضا إلى السلطنة بذلك. وفي ثامن ربيع. ج / 1 ص -45- أول ورد مرسوم مضمونه ولاية نظر الدشابش والحرمين لاربعة من الصناجق فتولى إبراهيم بك ابن ذي الفقار أمير الحاج حالا عوضا عن اغات مستحفظان ومراد بك الدفتر دار على المحمدية عوضا عن كتخدا مستحفظان وعبدالله بك على وقف الخاصكية عوضا عن كتخدا العزب وإسمعيل بك على اوقاف الحرمين عوضا عن باش جاويش مستحفظان. فالبسهم علي باشا قفاطين على ذلك. وفي مستهل رمضان من السنة حضر من الديار الرومية الشريف سعد بن زيد بولاية مكة وتوجه إلى الحجاز. وفي شهر شوال سافر على كتخدا أحمد باشا المنوفي إلى الروم. وفي تاريخه تقلد إسمعيل بك الدفتردارية عوضا عن مراد بك. وفي ثالث عشر شوال قتل جلب خليل كتخدا مستحفظان ببابهم وحصلت في بابهم فتنة اثارها كحك محمد واخرجوا سليم افندي من بلكهم ورجب كتخدا والبسوهما الصنجقية في ثالث عشرينه وابطل كجك محمد الحمايات من مصر باتفاق السبع بلكات وابطلوا جميع ما يتعلق بالعزب والانكشارية من الحمايات بالثغور وغيرها. وكتب بذلك بيورلدي ونادوا به في الشوارع. وفي غرة القعدة قبض الباشا على سليم افندي وخنقه بالقلعة ونزل إلى بيته محمولا في تابوت وتغيب رجب كتخدا ثم استعفى من الصنجقية فرفعوها عنه وسافر إلى المدينة. وفي ثامن عشر ربيع الأول ورد مرسوم بتزيين الأسواق بمصر وضواحيها بمولودين توأمين رزقهما السلطان أحمد سمي أحدهما سليان والآخر إبراهيم. وفي ثاني عشر شعبان سافر حسين بك أبو يدك بألف نفر من العسكر لاحقا بإبراهيم بك أبي شنب وقد كان سافر في أواخر ربيع الأول لقلعة كريد. وفي ثاني عشري رمضان سنة خمس ومائة وألف الموافق الحادي عشر بشنس هبت ريح شديدة وتراب أظلم منه الجو وكان الناس في صلاة الجمعة فظن الناس انها القيامة وسقطت المركب التي على منارة جامع طولون وهدمت دور كثيرة. تاريخ عجائب الآثار في التراجم والأخبار ج / 1 ص -46- سنة ست ومائة وألف. وقصر مد النيل تلك تلك السنة وهبط بسرعة فشرقت الأارضي ووقع الغلاء والفناء. وفي شهر الحجة سافر اناس من مكة إلى دار السلطنة وشكوا من ظلم الشريف سعد فعين إليه محمد بك نائب جده وإسمعيل باشا نائب الشام فوردا بصحبة الحاج فتحاربوا معه ونزعوه ونهب العسكر منزله وولوا الشريف عبدالله بن هاشم على مكة ثم بعد عود الحاج رجع سعد وتغلب وطرد عبدالله بن هاشم. وفي هذه السنة وقعت مصالحات في المال الميري بسبب الري والشراقي. وفي ثاني عشر جمادي الآخرة حضر الشريف أحمد بن غالب أمير مكة مطرودا من الشريف سعد. وفي ثامن عشري رجب سنة ألف ومائة وستة ورد الخبر بجلوس السلطان مصطفى بن محمد. وفي ثاني عشر شعبان طلع أحمد بك بموكب مسافر اباش على ألف عسكري إلى انكروس وطلع بعده أيضا في سابع عشرينه إسمعيل بك بالف عسكري لمحافظة رودس بموكب إلى بولاق فأقام بها ثلاثة أيام ثم سافر إلى الأسكندرية. وفي رابع شعبان ورد مرسوم بضبط أموال نذير اغا وإسمعيل اغا الطواشيين فسجنوهما بباب مستحفظان وضبطوا أموالهما وختموها. وفي خامس شوال انهى أرباب الأوقاف والعلماء والمجاورون بالأزهر إلى علي باشا امتناع الملتزمين من دفع خراج الأوقاف وخراج الرزق المرصدة على المساجد وما يلزم من تعطيل الشعائر فأمر الملتزمين بدفع ما عليهم من غير توقف فامتثلوا. وفي شوال أرسل الباشا إلى مراد بك الدفتردار بعمل جمعية في بيته بسبب غلال الأنبار فاجتمعوا وتشاوروا في ذلك فوقع التوافق أن البلاد الشرقي تبقى غلالها إلى العام القابل وأما الري فيدفع ملتزموها ما ج / 1 ص -47- عليهم. وأخذوا اوراقا بيعت بالثمن اشتراها الملتزمون من أرباب الأستحقاق عن الجراية مائة وخمسون نصفا وغلق الملتزمون ما عليهم بشراء الوصولات. وفي ثاني عشر شوال ورد الخبر من منفلوط بان الشريف فارس بن إسمعيل التيتلاوي قتل عبدالله بن وافي شيخ عرب المغاربة. وفي حادي عشر القعدة ورد اغا بمرسوم بمبيع متاع نذير اغا وإسمعيل اغا المعتقلين وضبط اثمانها ما عدا الجواهر والذخائر التي اختلسوها من السرايا فإنها تبقى بأعيانها وإن يفحص عن أموالهما واماناتهما وإن يسجنا في قلعة الينكجرية ففعل بهم ذلك وبلغ اثمان المبيعات الفا وأربعمائة كيس خلاف الجواهر والذخائر فإنها جهزت مع الأموال صحبة الخزينة على يد سليمان بك كاشف ولاية المنوفية. وفي منتصف المحرم سنة سبع ومائة وألف اجتمع الفقراء والشحاذون رجالا ونساء وصبيانا وطلعوا إلى القلعة ووقفوا بحوش الديوان وصاحوا من الجوع فلم يجبهم أحد فرجموا بالأحجار. فركب الوالي وطردهم فنزلوا إلى الرميلة ونهبوا حواصل الغلة التي بها ووكالة القمح وحاصل كتخدا الباشا وكان ملآنا بالشعير والفول وكانت هذه الحادثة ابتداء الغلاء حتى بيع الاردب القمح بستمائة نصف فضة والشعير بثلثمائة والفول بأربعمائة وخمسين والأرز بثمانمائة نصف فضة وأما العدس فلا يوجد. وحصل شدة عظيمة بمصر وأقاليمها وحضرت أهالي القرى والارياف حتى امتلأت منهم الأزقة واشتد الكرب حتى أكل الناس الجيف ومات الكثير من الجوع وخلت القرى من أهاليها وخطف الفقراء الخبز من الأسواق ومن الأفران ومن على رؤوس الخبازين. ويذهب الرجلان والثلاثة مع طبق الخبز يحرسونه من الخطيف وبايديهم العصي حتى يخبزوه بالفرن ثم يعودون به. واستمر الأمر على ذلك إلى أن عزل علي باشا في ثامن ج / 1 ص -48- عشري المحرم سنة سبع ومائة ألف. وورد مسلم إسمعيل باشا من الشام وجعل إبراهيم بك أبا شنب قائم قام ونزل علي باشا إلى منزل أحمد كتخدا العزب المطل على بركة الفيل فكانت مدته أربع سنوات وثلاثة أشهر وأياما ثم تولى إسماعيل باشا وحضر من البر وطلع إلى القلعة بالموكب على العادة في يوم الخميس سابع عشر صفر فلما استقر في الولاية ورأى ما فيه الناس من الكرب والغلاء أمر بجميع الفقراء والشحاذين بقراميدان فلما اجتمعوا أمر بتوزيعهم على الأمراء والأعيان كل إنسان على قدر حاله وقدرته وأخذ لنفسه جانبا ولأعيان دولته جانبا وعين لهم ما يكفيهم من الخبز والطعام صباحا ومساء إلى أن انقضى الغلاء واعقب ذلك وباء عظيم فامر الباشا بيت المال أن يكفن الفقراء والغرباء فصاروا يحملون الموتى من الطرقات ويذهبون بهم إلى مغسل السلطان عند سبيل المؤمن إلى أن انقضى أمر الوباء وذلك خلاف من كفنه الأغنياء وأهل الخير من الأمراء والتجار وغيرهم وانقضى ذلك في آخر شوال. وتوفي فيه الشيخ زين العابدين البكري وإبراهيم بك ابن ذي الفقار أمير الحاج وغيرهما. ولما انقضى ذلك عمل الباشا مهما عظيما لختان ولده إبراهيم بك وختن معه الفين وثلثمائة وستة وثلاثين غلاما من أولاد الفقراء ورسم لكل غلام بكسوة كاملة ودينار. وورد مرسوم بمحاسبة علي باشا المنفصل فحوسب فطلع عليه ستمائة كيس فختموا منزله وباعوا موجوداته حتى غلق ذلك. وورد أمر بالزينة بسبب نصره فزينت المدينة وضواحيها ثلاثة أيام. وفي رجب ورد مرسوم بطلب الفين من العسكر واميرهم مراد بك فلبس الخلع هو وأرباب المناصب وسافروا في حادي عشر شعبان. وفي سابع عشر رجب سنة سبع ومائة وألف تقلد قيطاس بك تابع أمير الحاج ذي. ج / 1 ص -49- الفقار بك الصنجقية عوضا عن ابن سيده إبراهيم بك وورد الافراج عن نذير آغا ورتب له خمسمائة عثماني وخمس جرايات وعشر علائف في ديوان مصر واستمر رفيقه إسمعيل اغا في السجن. وفي رابع رجب ورد أحمد بك من السفر وفي سابعه تقلد أيوب بك إمارة الحج. وفي ثاني شعبان ورد إسمعيل راجعا من السفر. وفي ثالث عشر ربيع الأول سنة ثمان ومائة وألف ورد أمر بتزيين اسواق مصر سرورا بمولود للسلطان وسمي محمودا. وورد ايا الخبر باستشهاد مراد بك. قتل ياسف اليهودي. وفي ثالث عشر رمضان من السنة قامت العساكر على ياسف اليهودي. قتلوه وجروه من رجله وطرحوه في الرميلة وقامت الرعايا فجمعوا حطبا واحرقوه وذلك يوم الجمعة بعد الصلاة. وسبب ذلك أنه كان ملتزما بدار الضرب في دولة علي باشا المنفصل ثم طلب إلى اسلامبول وسئل عن احوال مصر فأملى أمورا والتزم بتحصيل الخزينة زيادة عن المعتاد وحسن بمكره أحداث محدثات ولما حضر مصر تلقته اليهود من بولاق واطلعوه إلى الديوان وقرئت الأوامر التي حضر بها ووافقه الباشا على إجرائها وتنفيذها. واشهر النداء بذلك في شوارع مصر فاغتنم الناس وتوجه التجار وأعيان البلد إلى الأمراء وراجعوهم في ذلك فركب الأمراء والصناجق وطلعوا إلى القلعة وفاوضوا الباشا فجاد بهم بما لا يرضيهم فقاموا عليه قومة واحدة وسألوه أن يسلمهم اليهودي فامتنع من تسليمه فاغلظوا عليه وصمموا على اخذه منه فأمرهم بوضعه في العرقانة ولا يشوشوا عليه حتى ينظروا في امره ففعلوا به كما أمرهم. فقامت الجند على الباشا وطلبوا أن يسلمهم اليهودي المذكور ليقتلوه فامتنع فمضوا إلى السجن واخرجوه وفعلوا به ما ذكر. وفي تاريخه أحضر الباشا الشيخ محمد الزرقاني أحد شهود المحكمة بسبب أنه كتب حجة وقف منزل آل بيت المال فأمر بحلق لحيته. ج / 1 ص -50- وتشهيره على جمل في الأسواق والمنادي ينادي عليه هذا جزاء من يكتب الحجج الزور. ثم أمر بنفيه إلى جزيرة الطينة. وفي صفر وردت سكة دينار عليها طرة فجمع الباشا الأمراء واحضر امين الضربخانة وسلمها له وأمره أن يطبع بها وإن يكون عيار الذهب اثنين وعشرين قيراطا والوزن كل مائة شريفي مائة وخمسة عشر درهما وسعر أبي طرة مائة وخمسة عشر نصفا. وفي ذلك الشهر لبس عبدالرحمن بك على ولاية جرجا وتوجه إليها. وفي ثاني عشر ربيع الأول قامت العسكر المصرية وعزلوا الباشا فكانت مدة إسمعيل باشا سنتين وتقلد مصطفى بك قائمقام مصر إلى أن حضر حسين باشا من صيدا وطلع إلى القلعة في موكب عظيم في منتصف رجب سنة تسع ومائة وألف. وورد مرسوم بطلب تجهيز الفي نفر من العسكر وعليهم يوسف بك المسلماني فقضى اشغاله وسافر في تاسع عشر رمضان. وفي منتصف شهر ذي الحجة خرج إسمعيل باشا إلى العادلية ليسافر وكان قد حاسبه حسين باشا فتأخر عليه خمسون ألف اردب دفع عنها خمسين كيسا وباع منزله وبلاد البدرشين التي كان قد وقفها وتوجه إلى بغداد. وفي سنة عشر ومائة وألف أخذ أرباب الأستحقاقات الجراية ولعلائف بثمن عن كل اردب قمح خمسة وعشرون نصفا فضة وكل رادب شعير ستة عشر نصفا. وفي آخر جمادي الثانية ظهر رجل من أهل الفيوم يدعى بالعليمي قدم إلى القاهرة وأقام بظهر القهوة المواجهة لسبيل المؤمن فاجتمع عليه كثير من العوام وادعوا فيه الولاية وأقبلت عليه الناس من كل جهة واختلط النساء بالرجال وكان يحصل بسببه مفاسد عظيمة. فقامت عليه العسكر وقتلوه بالقلعة ودفن بناحية مشهد السيدة نفيسة رضي الله عنها. ج / 1 ص -51- وفي رابع عشر شوال كانت واقعة المغاربة من أهل تونس وفاس وذلك أن من عادتهم أن يحملوا كسوة الكعبة التي تحمل كل سنة للبيت الحرام ويمرون بها في وسط القاهرة وتحمل المغاربة جانبا منها للتبرك بها ويضربون كل من رأوه يشرب الدخان في طريق مرورهم. فرأوا رجلا من اتباع مصطفى كتخدا القازدغلي فكسروا انبوبته وتشاجروا معه وشجوا رأسه وكان في مقدمتهم طائفة منهم متسلحون وزاد التشاجر واتسعت القضية وقام عليهم أهل السوق. وحضر اوده باشة البوابة فقبض على أكثرهم ووضعهم في الحديد وطلع بهم إلى الباشا واخبروه بالقضية فأمر بسجنهم بالعرقانة. فاستمروا حتى سافر الحج من مصر ومات منهم جماعة في السجن ثم افرج عن باقيهم. ثم تولى قره محمد باشا وحضر إلى مصر منتصف ربيع الثاني سنة أحدى عشرة ومائة وألف وهو كتخدا إسمعيل باشا المتقدم ذكره. وفي أيامه سنة أربع عشرة حصلت حادثة الفضة المقصوصة والتسعيرة وسيأتي الخبر ذلك في ترجمة علي اغا مستحفظان. وفي سنة خمس عشرة وردت الأخبار بوفاة السلطان مصطفى وجلوس السلطان أحمد بن محمد خان في سابع عشر ربيع الآخر منها وأمر الباشا بقطع سقائف الدكاكين لاجل توسعة الطرق والاسواق ففعل ذلك ثم أمر بقطع الأرض وتمهيدها فحفروا نحو ذراع أو أكثر من الأسواق ففعل ذلك. ثم أمر بقطع الأرض إلى أن كشفت الجدران. ومكث محمد باشا واليا بمصر خمس سنوات إلى أن عزل في شهر رجب سنة ست عشرة ومائة وألف. ومن مآثره تعمير الأربعين الذي بجوار باب قراميدان وانشأ فيه جامعا بخطبة وتكية لفقراء الخلوتية من الأروام وأسكنهم بها وانشأ تجاهها مطبخا ودار ضيافة للفقراء وفي علوها مكتبا للأطفال يقرأون فيه القرآن ورتب لهم ما يكفيهم. وأنشأ فيما بينها وبين البستان المعروف بالغوري حماما فسيحا مفروشا بالرخام الملون وجدد بستان الغوري. ج / 1 ص -52- وغرس فيه الأشجار ورمم قاعة الغوري التي بالبستان وعمر بجوار المنزل سكن اميراخور وبنى مسطبة عظيمة برسم الباس القفاطين وتسليم المحمل لامير الحاج وأرباب المناصب وعمر مسطبة يرمى عليها النشاب وانشأ الحمام البديع بقراميدان ونقل إليه من القلعة حوض رخام صحن قطعة واحدة انزلوه من السبع حدارات وعملوا به فسقيه في وسط المسلخ وعمر بالقرافة مقام سيدي عيسى بن سيدي عبد القادر الجيلاني وجعل به فقراء مجاورين ورتب لهم ما يكفيهم وانشأ صهريجا بداخل القلعة بجوار نوبة الجاويشية ورتب فيها خمسة عشر نفرا يقرأون القرآن كل يوم بعد الشمس وهو الذي تسبب في قتل عبدالرحمن بك حاكم جرجا لحزازة معه من اجل مخدومة إسمعيل باشا وسيأتي تتمة ذلك في خبره عند ذكر ترجمته. وتولى رامي محمد باشا وكان تولي الوزارة في زمن السلطان مصطفى وانفصل عنها وجعل محافظا بجزيرة قبرص ثم حضر منها واليا على مصر فطلع إلى القلعة في يوم الإثنين سادس شعبان سنة ست عشرة ومائة وألف. وفي سبع عشرة تقلد قيطاس بك إمارة الحج عوضا عن أيوب بك. وفي تلك السنة توقف النيل عن الزيادة فضج لناس وابتهلوا بالدعاء وطلب الأستسقاء واجتمعوا على جبل الجيوشي وغيره من الاماكن المعروفة باجابة الدعاء فاستجاب الله لهم في حادي عشر توت وشذ ذلك من النوازل فروى بعض البلاد وهبط سريعا فحصل الغلاء وبلغ سعر الأردب القمح مائتين وأربعين فضة والفول كذلك والعدس مائتي نصف فضة والشعير مائة نصف فضة والأرز أربعمائة نصف فضة الأردب وبيع اللحم الضاني كل رطل بثلاثة انصاف فضة والجاموسي والبقري بنصفي فضة والسمن القنطار بستمائة نصف فضة والزيت بثلثمائة وخمسين والدجاجة بثمانية انصاف. وعلى هذا فقس والبيض كل ثلاث بيضات بنصف والرطل الشمع الدهن بثمانية انصاف وكثر الشحاذون في الأزقة. ج / 1 ص -53- وفي سنة ثمان عشرة لم يأت من اليمن ولا من الهند مراكب فشح القماش الهندي وغلا البن حتى بلغ القنطار الفين وسبعمائة وخمسين نصفا وغلا الشاش فبيع الفرحات خان بأربعمائة نصف فضة والخنكاري بسبعمائة نصف. وفي سادس رجب عزل محمد باشا وحضر مسلم علي باشا. وفي تاسعه نزل محمد باشا من القلعة في موكب عظيم وسكن بمنزل أحمد كتخدا العزب سابقا المطل على بركة الفيل بالقرب من حمام السكران. ووصل علي باشا من طريق البحر وذهبت إليه الملاقاة على العادة وارسى بساحل بولاق يوم الإثنين تاسع شعبان وهو في نحو ألف ومائتي نفس خلاف الاتباع. وفي ثاني عشر شعبان سنة ثمان عشرة ركب بالموكب وطلع إلى القلعة وضربوا المدافع لقدومه. وفي أواخر هذا الشهر وقعت فتنة بين العزب والمتفرقة وسببها أن شخصا من يلك العزب يسمى محمد افندي كاتب صغير سابقا ثم بعد عزله تولى خليفة في ديوان المقابلة وحصل له تهمة عزل بها من المقابلة ثم عمل سردار بالاسكندرية على طائفة العرب وعمل كتخدا القبودان وركب في المراكب واشيع أنه غرق في البحر فحلوا اسمه وماله من التعلقات في بابه وغيره. وبعد مدة حضر إلى مصر وطلع إلى الديوان وصحح اسمه الذي في العزب وجراياته وتعلقاته وبقي له بعض تعلقات لم يقدر على خلاصها ولم يساعده أهل بابه وأهملوا أمره فتغير خاطره منهم وذهب إلى بلك المتفرقة وانضم إليهم وسألهم أن يخرجوه من العزب ويدخلوه فيهم وجعل يركب معهم كل يوم للديوان ويمر على باب العزب. فبينما هو ذات يوم طالع إلى الديوان إذ وقف له جماعة من العزب وقبضوا على لجام فرسه وأنزلوه من على فرسه وحبسوه في بابهم. وبلغ الخبر المتفرقة وهم في الديوان وحضر محمد امين بيت المال في العزب وكان في ذلك. ج / 1 ص -54- اليوم نائبا عن باش جاويش لتمرضه. فعاتبه جماعة التفرقة على ما فعله جماعته فاغلظ عليهم في الجواب فقبضوا عليه من اطواقه وأرادوا ضربه فدخل بينهم المصلحون وخلصوه من أيديهم. فنزل إلى باب العزب وأخبرهم بما فعله المتفرقة فاجتمعت طائفة العزب ووقفوا على بابهم فلما مر عليهم اثنان من جماعة المتفرقة نازلين إلى منازلهم وهما محمد الأبدال وصاري علي فلما حاذياهم هجم عليهما طائفة العزب هجمة واحدة وضربوهما ضربا مؤلما وانزلوهما عن الخيل وشجوهما ونهبوا ما على الخيل من العدد وأخذوا ما عليهما من الملبوس. فلما وصل الخبر للمتفرقة اجتمعوا مع بقية الوجاقات وقعدوا في باب الينكجرية وانهوا أمرهم إلى الأغوات والصناجق وأهل الحل والعقد واستمروا على ذلك ثلاثة أيام إلى أن وقع التوافق على اخراج أربعة انفار الذين كانوا سببا لاشعال نار الفتنة ونفيهم من مصر وهم أحمد كتخدا العزب ومحمد أمين بيت المال والشريف محمد باش اوده باشه ومحمد افندي قاضي اوغلي الذي كان الباعث على ذلك. فوافق على ذلك الجميع وصمموا عليه فسفروهم إلى جهة الصعيد. وفي ثاني شهر الحجة عزل على اغا مستحفظان وتولى عوضه رضوان اغا كتخدا الجاوشية سابقا وركب بالشعار المعلوم وقطع ووصل وأمر أهل الأسواق أن يدفعوا الارطال في دار الضرب بالدمغة السلطانية. وجعلوا على كل دمغة نصف فضة فتحصل من ذلك مال له صورة. وفي سابع عشر المحرم سنة تسع عشرة ومائة وألف توفي إسمعيل بك الدفتردار وولي أيوب بك عوضه وهو الذي كان أمير الحاج سابقا. وفي سادس صفر ورد مرسوم من السلطان أحمد بان يكون عيار الذهب اثنين وعشرين قيراطا وكانوا يقطعونه على ستة عشر. وفي يوم الخميس ورد أمر بحبس محمد باشا الرامي وبيع كامل ما يملكه من متاع وملبوس وغيره فحبس بقصر يوسف صلاح الدين. ج / 1 ص -55- وإبطال والي البحر الذي يتولى من باب العزب. وفيه وصل الحجاج وقد تاخروا إلى نصف صفر بسبب دخول مراكب الهند وشراء ما بها من الأقمشة. وفي شهر ربيع حبس جماعة من اتباع الباشا وهم الكتخدا والخازندار وغيرهم من أرباب الكلمة. وفي ثامن عشر جمادي الآخرة تقلد إبراهيم بك الدفتردارية عوضا عن أيوب بك بموجب مرسوم سلطاني وفيه عزل رضوان اغا مستحفظان وتولى أحمد اغا ابن بكير افندي عوضا عنه. وفيه ورد أمر بابطال نوبة محمد باشا ونفيه إلى جزيرة رودس فنزل من يومه إلى بولاق وأقام بها إلى أن سافر. وفي أوائل رجب ورد أمر بعزل علي باشا وحبسه في قصر يوسف واستخلاص ما عليه من الديون إلى تجار اسلامبول وجعل إبراهيم بك قائمقام وحبس علي باشا وبيعت موجوداته. وفيها وقعت فتنة بباب الينكجرية فعزلوا افرنج أحمد باشا اوده باشا وحسين اوده باشا ثم نفوهم إلى الطينة بدمياط. ووردت الأخبار بولاية حسين باشا على مصر وقدومه إلى الأسكندرية فقدم إلى مصر في ثالث عشري شعبان سنة تسع عشرة. وفيه سافر الشريف يحيى بن بركات إلى مكة بمرسوم سلطاني. وفيه فر افرنج أحمد اوده باشا وحسين اغا من حبس الطينة ودخلا مصر ليلا فاختبآ عند اغات الجراكسة والتجأ حسين إلى باب التفكجبة. وفي خامس عشرينه طلع حسين باشا إلى القلعة بالموكب المعتاد على العادة. وفي سادس عشرينه اجتمع الينكجرية بالباب باسلحتهم لما بلغهم قدوم افرنج أحمد إلى مصر وقالوا لا بد من نفيه ورجوعه إلى الطينة فعاند في ذلك طائفة الجراكسة وامتنعوا من التسليم فيه وقالوا لا بد من نقله من وجاقكم. وساعدهم بقية البلكات ولم يوافق الينكجرية على ذلك. ج / 1 ص -56- ومكثوا ببابهم يومين وليلتين وكذلك فعل كل من بلك ببابه. فاجتمع كل العلماء والمشايخ على الصناجق والأعيان وخاطبوهم في حسم الفتنة فوقع الاتفاق على أن يجعلوه صاحب طبلخانة وأرسلوا له القفاطين مع كتخدا الباشا وأرباب الدرك واحضروه إلى مجلس الأغا وقرأوا عليه فرمان الصنجقية وإن خالف يكون عليه بخلاف ذلك فامتثل الأمر ولبس الصنجقية وطلع من منزل اغات الجراكسة بموكب عظيم إلى منزله ونزل له الصنجق السلطاني والطبلجانة في غايته. ومن الحوادث أنه حضر كتخدا حسين باشا المذكور من طريق البحر باوامر منها تحرير عيار الذهب على ثلاثة وعشرين قيراطا وإن يضربوا الزلاطة والعثامنة التي يقال لها الاخشاءة بدار الضرب واحضر معه سكة لذلك فامتنع المصريون من ذلك ووافقوا على تصحيح عيار الذهب فقط. وفي شهر شوال حضر اغا بمرسوم ببيع موجودات علي باشا المسجون فباعوها بالمزاد بالديوان. وفي شهر الحجة ورد اغا بطلب خازندار إبراهيم بك الدفتردار وسببه أنه انهى إلى السلطان أن خليل الخازندار المذكور أتاه رجل دلال بقوس فصار يجذبها ويتصرف فيها وكان بجانبه رجل من العثمانيين فأخذ القوس من يد خليل المذكور وأراد جذبها فلم يستطع فتعجب من قوة خليل المذكور وأخذ منه القوس وسافر بها إلى الديار الرومية ليمتحن بها أهل ذلك الفن فلم يقدر أحد على جذبها واتصل خبرها بالسلطان فطلبها لجذبها فلم يستطع فتعجب من صعوبتها فقال له: الرجل أن بمصر مملوكا عند إبراهيم بك أوترها وصار يجذبها حتى تجمع طرفاها وعنده أيضا مكحلة ثلاثون درهما يرمى بها الهدف وهو رامح على ظهر الحصان فامر السلطان باحضاره فجهزه إبراهيم بك وأرسله. تاريخ عجائب الآثار في التراجم والأخبار سنة عشرين ومائة وألف. ورد قبودان يسمى جانم خوجه رئيس المراكب وطلع إلى الديوان. ج / 1 ص -57- ومعه بقية الرؤساء فلما اجتمع بالباشا ابرز له مرسوما بتجهيز علي باشا إلى الديار الرومية فجهز في ثامن عشرينه ونزل بموكب فيه حسين باشا والصناجق والاغوات واتباعهم ونزل في السفائن وسافر في أوائل ربيع الأول. وفي ثامن عشر شوال اجتمع عسكر بالديوان وانهوا إلى الباشا أن محمد بك حاكم جرجا انزل عربان المغاربة وامنهم وهذا يؤدي إلى الفساد فعزلوه وولوا آخر اسمه محمد من اتباع قيطاس بك جعلوه صنجقا والبسوه على جرجا وهو الذي عرف بقطامش وستأتي اخباره. وفي تاسع عشر شوال ورد محسن زاده اخو كتخدا الوزير ادخله حسين باشا بموكب حفل وطلع إلى القلعة وابرز مرسوما بعزل ايواز بك وتولية محمد باشا محسن زاده في منصبه فانزله في غيظ قراميدان إلى أن سافر صحبة الحاج الشريف. ومن الحوادث أن في يوم الإثنين رابع عشر القعدة سنة عشرين ومائة وألف وقف مملوك لرجل يسمى محمد اغا الحلبي على دكان قصاب بباب زويلة ليشتري منه لحما فتشاجر مع حمار عثمان اوده باش البوابة فأعلم عثمان بذلك فأرسل أعوانه وقبضوا على ذلك المملوك واحضروه إليه فأمر بحبسه في سجن الشرطة فلما بلغ محمد جاويش سجن مملوكه حضر هو وأولاده واتباعه إلى باب صاحب الشرطة لخلاص مملكوه فتفاوضا في الكلام وحصل بينهما مشاجرة فقبض عثمان اوده باشا علي محمد جاويش المذكور وأودعه في السجن وركب إلى باش اوده باشا وهو إذ ذاك سليمان ابن عبدالله وطلع إلى كتخدا مستحفظان وعرض القصة فلم يرضوا له بذلك وامروه باطلاقه فرجع واخرج محمد جاويش ومملوكه من السجن وركب. ففي ثاني يوم الحادثة اجتمعت طائفة الجاويشية مع طائفة المتغرفة والثلاث بلكات الأسباهية والأمراء والصناجق والاغوات في الديوان وطلبوا نفي عثمان أوده باشا المذكور فلم توافقهم الينكجرية. ج / 1 ص -58- على ذلك فطلعوا إلى الديوان وطلبوا عثمان المذكور للدعوى عليه فحضر واقيمت الدعوى بحضرة الباشا والقاضي فأمر القاضي بحبس عثمان كما حبس محمد جاويش فلم يرض الاخصام بذلك وقالوا لا بد من عزله ونفيه فلم توافقهم الينكجرية فطلب العسكر من الباشا أمرا بنفيه فتوقف في ذلك فنزلوا مفغضبين واجتمعوا بمنزل كتخدا الجاويشية وأنزلوا مطبخهم من نوية خاناه إلى منزل كتخدا الجاويشية صالح اغا وأقاموا به ثلاثة أيام ليلا ونهارا وامتنعوا من التوجه إلى الديوان ثم اجتمع أهل البلكات وتحالفوا أنهم على قلب رجل واحد واتفقوا على نفي عثمان اوده باشا ثم اجتمعوا على الصناجق واتفقوا أن يكونوا معهم على طائفة الينكجرية لأنهم لم يعتبروهم. وأرسل الأسباهية مكاتبات لانفارهم المحافظين مع الكشاف بالولايات يأمرونهم بالحضور. وفي ذلك اليوم عزل أوده باش البوابة وولي خلافة. وفي يوم الجمعة ثامن عشري الشهر حضر إلى طائفة الينكجرية من أخبرهم أن العسكر يريدون قتالهم فأرسلوا القابجية إلى انفارهم ليحضروا إلى الباب بآلة الحرب فاجتمعوا وانزعج أهل الأسواق وقفل غالبهم دكاكينهم ثم اطمأنوا بعد ذلك وجلسوا في دكاكينهم. واستمر أهل الوجاقات الستة يجتمعون ويتشاورون في أبوابهم وفي منزل محمد اغا المعروف بالشاطر ومنزل إبراهيم بك الدفتردار وأما الينكجرية فإنهم كانوا يجتمعون بالباشا فقط. وفي يوم الأحد رابع عشر ذي الحجة قدم محمد بك الذي كان بالصعيد في جند كثيف واتباع كثيرة وطلع إلى ديوان مصر على عادة حكام الصعيد المعزولين ولبس الخلع السلطانية ونزل إلى بيته بالصليبة. ثم أن أهل الوجاقات الست اجتمعوا واتفقوا على ابطال المظالم المتجددة بمصر وضواحيها وكتبوا ذلك في قائمة واتفقوا أيضا أن من كان له وظيفة بدار الضرب والأنبار والتعريف بالبحرين أو المذبح لا يكون له. ج / 1 ص -59- جامكية في الديوان ولا ينتسب لوجاق من الوجاقات وإن لا يحتمي أحد من أهل الأسواق في الوجاقات وإن ينظر المحتسب في أمورهم ويحرر موازينهم على العادة وإن يركب معه نائب من باب القاضي مباشرا معه وإن يتعرض أحد للمراكب التي ببحر النيل التي تحمل غلال الإنبار وإن يحمل الغلال المذكورة جميع المراكب التي ببحر النيل. ولا تختص مركب منها بباب من ابواب الوجاقات وإن كل ما يدخل مصر من بلاد الامناء باسم الأكل لا يؤخذ عليه عشر وإن لا يباع شيء من قسم الحيوانات والقهوة إلى جنس الافرنج وإن لا يباع الرطل البن بازيد من سبعة عشر نصفا فضة. وأرسلوا القائمة المكتتبة إلى الباشا ليأخذوا عليها بيورلدي وينادى به في الأسواق. فتوقف الباشا في اعطاء البيورلدي ولما بلغ الانكشارية ما فعل هؤلاء اجتمعوا ببابهم وكتبوا قائمة نظير تلك القائمة بمظالم الخردة ومظالم اسبانية الولايات وغيرها وأرسلوها إلى الباشا فعرضها على أهل الوجاقات فلم يعتبروها وقالوا لابد من اجراء قائمتنا وابطال ما يجب ابطال منها من المظالم. وفي يوم الأحد حادي عشري ذي الحجة اجتمع أهل الوجاقات ومعهم الصناجق بباب الغرب وقاضي العسكر ونقيب الأشراف بالديوان عند الباشا وأرسلوا إلى الباشا أن يكتب لهم بيورلدي بابطال ما سألوه فيه والمناداة به وإن لم يفعل ذلك انزلوه ونصبوا عوضه حاكما منهم. وعرضوا ذلك على الدولة فلما تحقق الباشا منهم ذلك كتب لهم ما سألوه وكتب لهم القاضي أيضا حجة على موجبة ونزل بهما المحتسب وصاحب الشرطة ونائب القاضي واغا من اتباع الباشا ونادوا بذلك في الشوارع. وفي غاية الحجة سنة عشرين كسف جرم الشمس في الساعة الثامنة واستمر سبع عشرة درجة ثم انجلت. تاريخ عجائب الآثار في التراجم والأخبار سنة أحدى وعشرين ومائة وألف. وفي يوم السبت رابع محرم سنة أحدى وعشرين ومائة ألف اجتمع. ج / 1 ص -60- الينكجرية عند اغاتهم وتحالفوا أنهم على قلب رجل واحد واجتمع انفارهم جميعا بالغيط المعروف بخمسين كتخدا وتحالفوا كذلك. وفي سابعه اجتمع أهل الوجاقات بمنزل إبراهيم بك الدفتردار وتصالحوا على أن يكونوا كما كانوا عليه من المصافاة والمحبة بشرط أن ينفذوا جميع ما كتب في القائمة ونودي به ولا يتعرضوا في شيء منه فلم يستمر ذلك الصلح. وفي ليلة السبت حادي عشرة وقع في الجامع الأزهر فتنة بعد موت الشيخ النشرتي وسيأتي ذكرها في ترجمة الشيخ عبدالله الشبراوي ثم أن الينكجرية قالوا: لا نوافق على نقل دار الضرب إلى الديوان حتى تكتبوا لنا حجة بان ذلك لم يكن لخيانة صدرت منا ولا تخوف عليها فامتنع اخصامهم من اعطاء حجة بذلك ثم توافق أهل البلكات الست على أن يعرضوا في شأن ذلك إلى باب الدولة فإن أقرها في مكانها رضوا به وإن أمر بنقلها نقلت فاجتمعوا هم ونقيب الأشراف ومشايخ السجاجيد وكتبوا العرض المذكور ووضعوا عليه ختومهم ما عدا الينكجرية فإنهم امتنعوا من الختم ثم امضوه من القاضي وأرسلوه من أنفار من البلكات واغا من طرف الباشا في سادس عشري المحرم سنة أحدى وعشرين ومائة وألف. وأما الينكجرية فإنهم اجتمعوا ببابهم وكتبوا عرضا من عند انفسهم إلى أرباب الحل والعقد من أهل وجاقهم بالديار الرومية وعينوا للسفرية على افندي كاتب مستحفظان سابقا وأحمد جربجي وجهزوهم للسفر فسافروا في يوم الإثنين سابع عشرينه. وفي ثالث عشر ربيع الأول تقلد إمارة الحاج قيطاس بك مقررا على العادة في صبيحية المولد النبوي في كل سنة وكان أشيع أن بعض الأمراء سعى على منصب إمارة الحج فلما بلغ الينكجرية ذلك اجتمعوا ببابهم لابسين سلاحهم وجلسوا خارج الباب الكبير على طريق الديوان بناء على أنه أن لبس شخص إمارة الحج خلاف قيطاس بك لا يمكنوه من ذلك. ج / 1 ص -61- فلما رأى الصناجق والأمراء ذلك منهم خافوهم وقالوا هذه أيام تحصيل الخزينة ونخشى وقوع امره من هؤلاء الجماعة يؤدي إلى تعطيل المال فاجتمع رأي الصناجق وأهل الوجاقات الست على نفي ستة أشخاص من الينكجرية الذين بيدهم الحل والعقد ويخرجونهم من مصر إلى بلاد التزامهم تسكينا للفتنة حتى يأتي جواب العرض. فلما بلغ الينكجرية ما دبروه اجتمعوا في بابهم في عددهم وعددهم فلم يلتفتوا إلى فعلهم وقالوا لا بد من نفيهم أو محاربتهم. واجتمعوا كذلك في ابوابهم واستعد الينكجرية في بابهم وشحنوه بالاسلحة والذخيرة والمدافع فحصل لأهل البلد خوف وانزعاج وأغلقوا الدكاكين وذلك سابع عشر ربيع الأول ونقل الجاويشية مطبخهم من القلعة من النوبة إلى منزل كتخدا الجاويشية وأقام طائفة الينكجرية منهم طوائف محافظين على أبواب القلعة وباب الميدان والسحراء الذي بالمطبخ الموصل إلى القرافة خوفا من أن العسكر يستميلون الباشا وينزلونه الميدان لأنهم كانوا أرسلوا له كتخد الجاويشية وطلبوا منه النزول إلى قراميدان ليتداعوا مع الينكجرية على بد قاضي العسكر فلم تمكنهم الينكجرية من ذلك وحصل لكتخدا الجاويشية ومن معه مشبقة في ذلك اليوم من المذكورين عند عودهم من عند الباشا وما خلصوا إلا بعد جهد عظيم. وفي يوم الخميس عشري ربيع الأول اجتمع الصناجق والعسكر واختاروا محمد بك الذي كان بالصعيد لحصار القلعة من جهة القرافة على جبل الجيوشي بالمدافع والعسكر ففعل ما أمروا به وخافت العسكر وقوع نهب بالمدينة فعينوا مصطفى اغا أغات الجراكسة يطوف في اسواق البلد وشوارعها. كما كان يفعل في زمن عزل الباشا. وفي يوم السبت ثاني عشرينه اجتمع الأمراء الصناجق والاسباهية بالرذيلة وعينوا أحمد بك المعروف بافرنج أحمد أغات التفكجية ليحاصروا طائفة الينكجرية من بابهم المتوصل منه إلى المحجر وباب الوزير. ج / 1 ص -62- ويمنعوا من يصل إليهم بالامداد. واما الينكجرية الذين كانوا بالقاهرة فاجتمعوا بباب الشرطة واتفقوا على أن يدهموا العسكر المحافظين بالباب ويكشفوهم ويدخلوا إلى باب الينكجرية. فلما بلغ الصناجق ذلك والعسكر عينوا إبراهيم الشهير بالوالي ومصطفى اغات الجبجية في طائفة من الأسباهية فنزلوا إلى باب زويلة ولما بلغ خبرهم الينكجرية الذين كانوا تجمعوا في باب الشرشة تفرقوا فجلس مصطفى اغا محل جلوس الأوده باشا وإبراهيم بك في محل جلوس العسس وانتشرت طوائفهم في نواحي باب زويلة والخرق واستمروا ليلة الأحد على هذا المنوال فطلع في صبحها نقيب الأشراف والخلماء وقاضي العسكر وأرباب الأشاير واجتمعوا بالشيخونيتين بالصليبة وكتبوا فتوى بان الينكجرية أن لم يسلموا في نفي المطلوبين وإلا جاز محاربتهم وأرسلوا الفتوى صحبة جوخدار من طرف القاضي إلى باب الينكجرية فلما قرأت عليهم تراخت عزائمهم وفشلوا عن المحاربة وسلموا في نفي المطلوبين بشرط ضمانهم من القتل فضمنهم الأمراء الصناجق وكتبوا لهم حجة بذلك فلما وصلتهم الحجة انزلوا الانفار الثمانية المطلوبين إلى أمير اللواء ايواز بك ورضوان اغا فتوجها بهم إلى بولاق ومن هناك سافروا إلى بلاد الريف. وفي يوم تاسع عشر ربيع الآخر ورد أمير زياده اخوز صغير من الديار الرومية وطلع إلى القلعة وابرز مرسومين فرثا بالديوان بمحضر الجميع أحدهما بابطال المظالم والحمايات بموجب القائمة المعروضة من العسكر ونفي عطاء الله المعروف ببولاق وأحمد جلبي بن يوسف اغا وإن يحاسبوا تجارة القهوة على مرابحة العشرة اثني عشر بعد رأس المال والمصاريف والأمر الثاني بنقل دار الضرب من قلعة الينكجرية إلى حوش الديوان وبناء قنطرة اللاهون بالفيوم وإن يحسب ما يصرف عليهما من مال الخزينة العامرة. وفي يوم تاريخه برز أمر من الباشا برفع صنجقية أحمد بك الشهير بافرنج أحمد بك والحاقه بوجاق الجميلة. ج / 1 ص -63- وفي يوم السبت اجتمع اعيان مستحفظان بمنزل أحمد كتخدا المعروف بشهر اغلان وأرسلوا خلف افرنج أحمد وتصالحوا معه وتعاهدوا على الصدق وإن لا يغدرهم ولا يغدروه. ومضوا معه إلى الباب الجملي وأخذوا عرضه وركب الحمار في يوم الأحد وطلع إلى باب مستحفظان في جم غفير من الأوده باشية وتقرر باش اوده باشا كما كان سابقا وعاد إلى منزله. وفي غاية الشهر رجع الانفار الثمانية المنفيون واخرجوهم من وجاق الينكجرية ووزعوهم على أهل الوجاقات باطلاع الأمراء الصناجق والاغواث. وفي أوائل جمادي الأولى أرسل القاضي فأحضر مشايخ الحرف وعرفهم أنه ورد أمر يتضمن أن لا يكون لاحد من أرباب الحرف والصنائع علاقة ولا نسبة في أحد الوجاقات السبع فأجابوه بان غالبهم عسكري وابن عسكري وقاموا على غير امتثال ثم بلغ القاضي أنهم اجمعوا على ايقاع مكروة به فخافهم وترك ذلك وتغافل عنه ولم يذكره بعد. وفي هذه السنة أبطل الينكجرية ما كانوا يفعلونه من الاجتماع بالمقياس وعمل الأسمطة والجمعيات وغيرها عند تنظيفه. وفي منتصف جمادي الثانية تم بناء دار الضرب التي أحدثوها بحوش الديوان وضرب بها السكة وكان محلها قبل ذلك معمل البارود ونقل معمل البارود إلى محل بجوارها. وفيه لبس إبراهيم بك أبو شنب أميرا على الحاج عوضا عن قيطاس بك وتولى قيطاس بك دفتردارية مصر عوضا عن إبراهيم بك بموجب مرسوم ورد بذلك من الأعتاب. وفي تاسع عشر رمضان ورد الخبر بعزل حسين باشا وولاية إبراهيم باشا القبودان ووردت منه مكاتبة بأن يكون حسين باشا نائبا عنه إلى حين حضوره ولم يفوض أمر النيابة إلى أحد من صناجق مصر كما هو المعتاد. ج / 1 ص -64- وفي شهر شوال الموافق لكيهك القبطي ترادفت الامطار وسالت الأودية حتى زاد بحر النيل بمقدار خمسة اذرع وتغير لونه لكثرة ممازجة الطفل للماء في الأودية واستمرت الامطار تنزل وتسكب إلى غاية الشهر وكان ابتداؤها من غرة رمضان. وفي منتصف ذي القعدة نزل حسين باشا من القلعة بموكب عظيم وإمامه الصناجق والاغوات إلى منزل الأمير يوسف اغا دار السعادة بسويقة عصفور ووصل إبراهيم باشا القبودان وطلع إلى القلعة في منتصف الحجة. تاريخ عجائب الآثار في التراجم والأخبار سنة اثنتين وعشرين ومائة وألف. وفي منتصف محرم سنة اثنين وعشرين ومائة وألف اجتمع أهل البلكات السبعة بسبيل علي باشا بجوار الإمام الشافعي واتفقوا على نفي ثلاثة انفار من بينهم فنفوا في يوم الخميس من اختيارية الجاويشية قاسم اغا وعلي افندي كاتب الحوالة ومن وجاق المتفرقة علي افندي المحاسبجي وسببه أنهم اتهموهم بانهم يجتمعون بالباشا في كل وقت ويعرفونه بالأحوال وإنهم أغروه بقطع الجوامك المكتتبة باسماء أولاد وعيال المحلول عنهم وأن العسكر راجعوه في ذلك فلم يوافقهم على ذلك وأيضا راجعه الاختيارية المرة بعد المرة فقال لا اسلم إلا الوجاقات السبعة فمن نقل اسمه فإني لا أعارضه فرضوا بذلك وأخذوه منه فرمانا فورد بعد ذلك سلحدار الوزير وعلى يده أوامر بابطال المرتبات وإن من عاند في ذلك يؤدبه الحاكم فاذعنوا بالطاعة فأراد الباشا نفي الثلاثة أنفار من اختيارية العزب فلم توافق العسكر ثم اتفق العسكر على كتابة عرض بالاستعطاف بابقاء ذلك وسافر به سبعة انفار من الأبواب السبعة. وفي يوم الخميس غاية ربيع الأول تقلد الأمير ايواز بك إمارة الحج عوضا عن إبراهيم بك لضعف مزاجه ووهن قوته. ج / 1 ص -65- وفي أوائل جمادى الأولى سنة اثنتين وعشرين ومائة وألف ورد من الديار الرومية مرسوم قرىء بالديون مضمونه أن وزن الفضة المصرية زائد في الوزن عن وزن اسلامبول والأمر بقطع الزائد وإن تضرب سكة الجنزرلي ظاهرة ويحرر عياره على ثلاثة وعشرين قيراطا. وفي ثاني رجب حصلت زلزلة في الساعة الثامنة. وفيه ورد مرسوم بابقاء المرتبات التي عرض في شأنها كما كانت ولكن لا يكتب بعد اليوم في التذاكر أولاد وعيال ولا ترتب على جهة وقف. وفي خامس عشرة ورد عزل إبراهيم باشا وولاية خليل باشا وأقامة أيوب بك قائمقام ونزل إبراهيم باشا من القلعة إلى منزل عباس اغا ببركة الفيل فكانت مدته ثمانية أشهر ووصل خليل باشا الكوسنج وكان بصيدا من اعمال الشام فقدم بالبر يوم الثلاثاء عاشر شعبان سنة اثنتين وعشرين ومائة وألف. وفي ثاني عشر ذي القعدة ورد أمر بطلب ثلاثة آلاف من العسكر المصري وعليهم صنجق لسفر الموسقو وكانت النوبة على محمد بك حاكم جاجا حالا فتعذر سفره فأقيم بدله إسمعيل بك تابع ذي الفقار بك فقلدوه الصنجقية وأمده محمد بك باربعين كيسا مصرية وجعله بدلا عنه وألبس القفطان ثاني عشر الحجة. تاريخ عجائب الآثار في التراجم والأخبار سنة ثلاث وعشرين ومائة وألف. ودخلت سنة ثلاث وعشرين ومائة وألف واستهل المحرم بيوم الخميس الموافق الرابع عشر أمشير القبطي سابع شباط الرومي وفي ذلك اليوم انتقلت الشمس لبرج الحوت. وفيه نزل إسمعيل بك بموكب وشق في وسط القاهرة إلى بولاق وسافر بالعسكر في منتصف المحرم. وفي يوم الجمعة سادس عشرة اجتمع طائفة مصطفى كتخدا القزدغلي ومعه من أعيان الينكجرية خمسة عشر نفرا واتفقوا أنهم لا يرضون افرنج أحمد باش اوده باشا فإما يلبس الضلمة أو يكون جربجيا في الوجاق وإن لم. ج / 1 ص -66- يرض باحد الأمرين يخرج المذكورون من الوجاق ويذهبون إلى أي وجاق شاؤوا. وكان الاجتماع بباب العزب وساعدهم على ذلك أرباب البلكات الستة وصمموا أيضا على رجوع الثمانية انفار الذين كانوا اخرجوهم من باب الينكجرية ومشت الصناجق بينهم والاختيارية وصاروا يجتمعون تارة بمنزل قيطاس بك الدفتردار وتارة بمنزل إبراهيم بك أمير الحاج سابقا ثم اجمع رأي الجميع على نقل الثمانية انفار المذكورين ومن انضم إليهم من الوجاقات إلى باب العزب وإن يخرجوا انفارا كثيرة من مصر منفيين منهم ثلاثة من الكتخدائية وعشرة من الجربجية والباقي من الينكجرية وعرضوا في شأن ذلك للباشا فاتفق الأمر على أن من كان منهم مكتوبا لسفر الموسقو فليذهب مع المسافرين ومن لم يكن مكتوبا فيعطى عرضه ويذهب إلى باب العزب. وحضر كاتب العزب والينكجرية في المقابلة واخرجوا من كان اسمه في السفر وما عداهم اعطوهم عرضهم وتفرقوا عن ذلك. ووقع الحث على سفر من خرج اسمه في المسافرين وعدم اقامتهم بمصر وإن يلحقوا بالمسافرين بثغر الأسكندرية. وفي ثالث عشر صفر قدم ركب الحاج صحبة أمير الحاج ايواز بك. وفيه اجتمع حسن جاويش القزدعلي الذي كان سردار القطار والأمير سليمان جربجي تابع القزدغلي سردار الصرة وإبراهيم جربجي سردار جداوي وطلبوا عرضهم من باب مستحفظان فذهب إليهم اختيارية بابهم واستعطفوهم فلم يوافقوهم ثم طلب موسى جربجي تابع بن الأمير مرزان أن يخرج أيضا من الوجاق وينقلوا اسمه من الجملية فلم يوافقه رضوان اغا فذهب موسى جربجي إلى إبراهيم بك وأيواز بك وقيطاس بك وسألهم أن يتشفعوا له في ذلك فلم يوافق رضوان أغا فاتفق رأيهم أن يعرضوا للباشا بأن يعزل رضوان اغا المذكور ويتولى علي اغات الينكجرية سابقا وإن يعزل سليمان كتخدا الجاويشية ويولى عوضه إسمعيل أغا تابع إبراهيم بك فامتنع. ج / 1 ص -67- الباشا من ذلك وكان اختيارية الجملية توافقوا مع الأمراء الصناجق على عزل رضوان أغا فلما رأوا امتناع الباشا أخذوا الصندوق من منزل رضوان أغا واجتمعوا بمنزل باشجاويش واجتمع أهل كل وجاق ببابهم واستمروا على ذلك أياما. واما الينكجرية الذين انتقلوا إلى العزب فإنهم اجتمعوا بباب العزب وقطعوا الطريق الموصلة إلى القلعة ومنعوا من يريد الطلوع إلى باب الينكجرية من العسكر والاتباع ولم يبق في الطريق الموصلة إلى القلعة إلا باب المطبخ ثم توجهوا للسواقي لاجل منع الماء عن القلعة فمنعهم العسكر من الوصول إليها فكسروا كشب السواقي التي بعرب اليسار وقطعوا الاحبال والقواديس ثم أن نفرا من انفار الينكجرية أراد الطلوع من طريق المحجر فضربوه وشجوا رأسه ومنعوه فمضى من طريق الجبل ودخل من باب المطبخ واجتمع بافرنج أحمد وبقية الينكجرية وعرفهم حاله فأخذه جماعة منهم وعرضوا أمره على خليل باشا وقاضي العسكر فقال هؤلاء صاروا بغاة خارجين عن الطاعة حيث فعلوا ذلك ومنعونا الماء والزاد أخافوا الناس وسلبوهم فقد جاز قتالهم ومحاربتهم وذلك سابع عشر صفر ثم أن أحمد أوده باشا أستاذن الباشا في محاربة باب العزب وضربهم بالمدافع والمكاحل فأذن له في ذلك. ومن ذلك الوقت تعوق القاضي عن النزول وأخافوه واستمر مع الباشا إلى انقضاء الفتنة مدة سبعين يوما ورجع افرنج أحمد وشرع في المحاربة وضرب على باب العزب بالمدافع وذلك من بعد الزوال إلى بعد العشاء وقتل من طائفة العزب أربعة انفار بالمحجر. ثم في صبيحة ذلك اليوم اجتمع من الأمراء الصناجق الأمير ايواز بك أمير الحاج والأمير إبراهيم أبو شنب وقانصوه بك ومحمود بك ومحمد بك تابع قيطاس بك الدفتردار واتفقوا على أن يلبسوا آلة الحرب ويذهبوا إلى الرميلة معونة للعزب على الينكجرية فأخبروا أن أيوب بك ركب مدافع على طريق المارين على منزله. ج / 1 ص -68- وعلى قلعة الكبش وربما أنهم إذا طلعوا إلى الرميلة يذهب أيوب بك وينهب منازلهم فامتنعوا من الركوب وجلسوا في منازلهم بسلاحهم خوفا من طارق. واستمر افرنج أحمد يحارب ثلاثة أيام بلي إليها واجتمع على رضوان اغا طائفة من نفره وتذاكروا فيمن كان سببا لاثارة الفتنة. فقالوا سليم جربجي ومحمد افندي بن طلق ويوسف افندي وأحمد جربجي تو إلى فقالوا: لا نرضي هؤلاء الأربعة بعد اليوم أن يكونوا اختيارية علينا ثم ركبوا وتوجهوا إلى منزل قيطاس بك وأرسلوا من كل بلك اثنين من الاختيارية إلى منزل أيوب بك يطلبون رضوان أغا فاركبوه في موكب عظيم وكتبوا تذاكر للاربعة الاختيارية المذكورين بأنهم يلزمون بيوتهم ولا يركبون لاحد ولا يجتمع بهم أحد. ثم ركب رضوان أغا إلى منزل أيوب بك وتذاكروا في الصلح وكتبوا تذكرة لأحمد باشا بابطال الحرب فأبى من الصلح فكتبوا عرضا إلى الباشا عن لسان الصناجق وأغوات الوجاقات الخمس برفع المحاربة فأرسل الباشا إلى الينكجرية فامتثلوا امره وابطلوا الحرب وضرب المدافع ثم أن الصناجق والاغوات أرسلوا يطلبون جماعة من اختيارية الينكجرية ليتكلموا معهم في الصلح فأجابوا إلى الحضور غير أنهم تعللوا إلى الحضور بانقطاع الطريق من العسكر المقيمين بالمحجر فأرسلوا إلى حسن كتخدا العزب فأرسل إليهم من أحضرهم وخلت الطريق فاجتمع رأي الينكجرية على ارسال حسن كتخدا سابقا وأحمد بن مقز كتخدا سابقا أيضا فاجتمعوا بالعسكر والصناجق بمنزل إسمعيل بك وحضر معهم جميع أهل الحل والعقد وتشاوروا في اخماد هذه الفتنة وأرسلوا إلى باب الينكجرية فقالوا نحن لا نأبى الصلح بشرط أن هؤلاء الثمانية الذين كانوا سببا لاثارة هذه الفتنة لا يكونون في باب العزب بل يذهبون إلى وجاقاتهم الأصلية ولا يقيمون فيه وإن يسلموا الأمير حسن الاخميمي للباشا يفعل فيه رأيه. ج / 1 ص -69- فأبى أهل باب العزب ذلك ولم يرضوه فأرسل الأمراء الصناجق كتخداتهم إلى افرنج أحمد ومعهم اختيارية الوجاقات الخمسة يشفعون عنده بان الانفار والثمانية يرجعون كما ذكرتم إلى وجاقاتهم ويعفون من النفي ومن طلب الأمير حسن فلم يوافق افرنج أحمد على ذلك وقال: إن لم يرضوا بشرطي وإلا حاربتهم ليلا ونهارا إلى أن أخفى آثار ديار العزب فتفرقوا على غير صلح ثم اجتمع الأمراء الصناجق والاغوات في رابع شهر ربيع بمنزل إبراهيم بك بقناطر السباع وتذاكروا في اجراء الصلح على كل حال وكتبوا حجة على أن من صدر منه بعد اليوم ما يخالف رضا الجماعة يكون خصم الجماعة المذكورين جميعا. وكلموا أيوب بك أن يرسل إلى افرنج أحمد بصورة الحال وإن يمنع المحاربة إلى تمام الأمر المشروع فبطل الحرب نحو خمسة عشر يوما وأخذ افرنج أحمد مدة هذه الأيام في تحصين جوانب القلعة وعمل متاريس ونصب مدافع وتعبية ذخيرة وجبخانة ملأوا الصهاريج وحضر في أثناء ذلك محمد بك حاكم الصعيد ونزل بالبساتين فأقام ثلاثة أيام ودخل في اليوم الرابع ومعه السواد الأعظم من العرب والمغارية والهوارة ونزل ببيت آق بردى بالرميلة وحارب من جامع السلطان حسن من منزل يوسف اغات الجراكسة سابقا فلم يظفر وقتل من جماعته نحو ثلاثين نفرا وظهر عليه محمد بك المعروف بالصغير تابع قيطاس بك من انضم إليه من اتباع إبراهيم بك وأيواز بك ومماليكه وكانوا تترسوا في ناحية سوق السلاح ووضعوا المتاريس في شبابيك الجامع وانتقل من محله وذهب إلى طولون وتترس هناك وهجم على طائفة العزب الذين كانوا بسبيل المؤمن على حين غفلة وصحبته ذو الفقار تابع أيوب بك فوقع بينهم مقتلة عظيمة من الفريقين فلم يطق العزب المقاومة فتركوا السبيل وذهبوا إلى باب العزب وربط محمد بك جماعة من عسكره في مكانهم. ج / 1 ص -70- ثم أن الشيخ الخليفي طلع إلى باب الينكجرية وتكلم مع أحمد أوده باشا والاختيارية في أمر الصلح فقام عليه افرنج أحمد وأسمعه ما لا يليق وأرسل إلى الطبجية وأمرهم بضرب المدافع على حين غفلة فانزعج الناس وقاموا وقام الشيخ ومضى وأما سكان باب العزب فإنهم أخذوا ما امكنهم من أمتعتهم وتركوا منازلهم ونزلوا المدينة وتفرقوا في حارات القاهرة. وحصل عند الناس خوف شديد وأغلقوا الوكائل والخانات والأسواق ورحل غالب السكان القريبين من القلعة مثل جهة الرميلة والحطابة والمحجر خوفا من هدم المنازل عليهم. وكان الأمر كما ظنوه فإن غالبها هدم من المدافع واحترق والذي سلم منها حرقه عسكر طوائف الينكجرية بالنار. ولم يصب باب العزب شيء من ذلك ما عدا مجلس الكتخدا فإنه انهدم منه جانب وكذلك موضع الأغا لاغير. ثم أن افرنج أحمد توافق مع أيوب بك وعينوا عمر أغا جراكسة وأحمد أغا تفكجيان ورضوان أغا جمليان فقعدوا بمن انضم إليهم بالمدرسة بقوصون وجامع مزدادة بسويقة العزى وجامع قجماس بالدرب الاحمر ليقطعوا الطريق على العزب واختار افرنج أحمد نحو تسعين نفرا من الينكجرية واعطى كل شخص دينارا طرلي وأرسلهم بعد الغروب إلى الاماكن المذكورة فأما رضوان أغا فإنه تعلل واعتذر عن الركوب وأما أحمد أغا فإنه توجه إلى المحل الذي عين له فتحارب مع طائفة من الصناجق والعزب في الجنابكية وأما الذين ربطوا بجامع مزدادة فلم يأتهم أحد إلى الصباح فأخذوا الفطور من الذاهبين به إلى باب العزب. وفي أثناء ذلك نزل رجل أوده باشا من العزب من السلطان حسن يريد منزله فقبض عليه طائفة من الاخصام وسلبوه ثيابه وتركوه بالقميص وأرسلوه إلى افرنج أحمد فلما بلغ العزب ذلك أرسلوا طائفة منهم إلى المقيمين بجامع مزدادة فدخلوا من بيت الشريف يحيى بن بركات ونقبوا ج / 1 ص -71- منزل عمر كتخدا مستحفظان إذ ذاك وما بجواره من المنازل إلى أن وصلوا منزل مراد كتخدا. فبمجرد ما رآهم العسكر الذين بجامع مزدادة فروا وأما عمر أغات جراكسة المقيم بجامع قجماس فإنه وزع أتباعه جهة باب زويلة وجهة التبانة فحصل لأهل تلك الخطة خوف شديد خصوصا من كان بيته بالشارع. فأرسلت العزب صالح جربجي الرزاز بجملة من عسكر العزب ومن انضم إليهم من الينكجرية الذين انقلبوا إلى العزب كأتباع الأمير حسن باشجاويش سابقا والأمير حسن جاويش تابع القزدغلي والأمير حسن جلب كتخدا وجماعة محمد جاويش كدك فحاربوا مع من بجامع قجماس واستولى صالح جربجي عليه وعلى المتاريس التي بشبابيكه وملك الأمير حسن جاويش تابع القزدغلي جامع المرداني وأقام به وحسن جاويش جلب أقام بجامع مع أصلم وانتشرت طوائفهم بتلك الاخطاط والاماكن فاطمأن الساكنون بها وأما عمر أغا الجراكسة فإنه لما فر من جامع قجماس ذهب إلى جامع المؤيد داخل زويلة ثم أن محمد بك أرسل بطلبه فركب ومر على أحمد أغا التفكجية فأركبه معه وذهبا إلى محمد بك الصعيدي بالصليبية وحصل لأهل خط قوصون خوف عظيم بسبب إقامة أحمد أغا بالسلمانية ورحل غالبهم من المنازل فلما رحل عنهم اطمأنوا وتراجعوا وحضرت طائفة من المتفرقة إلى محل أحمد أغا التفكجية وعملوا متاريس على رأس عطفة الحطب ومكثوا هناك أياما قلائل ثم رحلوا عنها. فأتى علي كتخدا الساكن بالداودية بطائفة من العزب فتملكوا ذلك الموضع وجلسوا به ثم أن طائفة من المتفرقة والاسباهية هجموا على منزل الأمير قرا إسمعيل كتخدا مستحفظان فدخلوا من بيت مصطفى بك بن ايواز ونقبوا الحائط بينه وبين منزل قرا إسمعيل كتخدا فلما وصل الخبر إلى العزب عينوا له بيرقا من عسكر العزب ورئيسهم أحمد جربجي تابع ظالم علي كتخدا فلم يمكنه الدخول من جهة الباب فخرق صدر دكان وتوصل منه. ج / 1 ص -72- إلى منزل أحمد افندي كاتب الجراكسة سابقا ثم نقبوا منه محلا توصلوا منه إلى منزل إسمعيل كتخدا ودخلوا على طائفة البغاة فوجدوهم مشغولين في نهب اثاث المنزل المذكور فهجموا عليهم هجمة واحدة فألقوا ما بايديهم من السلب ورجعوا القهقرى إلى المحل الذي دخلوا منه من بيت مصطفى بك فتبعوهم وتقاتل الفريقان إلى أن كانت الدائرة على المتفرقة والاسباهية ونهب العزب منزل مصطفى بك لكونه مكن البغاة من الدخول إلى منزله ولكونه كان مصادقا لأيوب بك. ثم أن أحمد جربجي المذكور انتقل بمن معه من العسكر إلى قوصون ودخل جامع الماس وتحصن به. وكان محمد بك حاكم جرجا يمر من هناك ويمضي إلى الصليبة فانتهز أحمد جربجي فرصة هو أنه وجد منزل حسين كتخدا الجزايرلي خاليا فدخل فيه فرأى داخله قصدا متصلا بمنزل محمد كتخدا عزبان المعروف بالبيرقدار بعلو دهليز منزله وطبقاته تشرف على الشارع فكمن فيه هو وطائفة ممن معه ليغتال محمد بك إذا مر به وإذا بمحمد بك قد خرج من عطفة الحطب مارا إلى جهة الصليبة فضربوه بالبندق فأصيب أربعة من طائفته فقتلوا فظن أن الرصاص أتاه من منزل محمد كتخدا البيرقدار فوقف على بابه واضرم النار فيه فاحترق أكثر المنزل ونهبوا ما فيه من أثاث ومتاع. ثم أن النار اتصلت بالأماكن المجاورة له والمواجهة فاحترقت البيوت والرباع والدكاكين التي هناك من الجهتين من جامع الماس إلى تربة المظفر يمينا وشمالا وأفسدت ما بها من الأمتعة والذي لم يحترق نهبته البغاة وخرجت النساء حواسر مكشفات الوجوه فأستولى أحمد جربجي على جامع الماس وعلي كتخدا الساكن بالداودية أقام بالمدرسة السليمانية وأما اطراف القاهرة فإنها تعطلت من المارة وعلى الخصوص طريق بولاق ومصر العتيقة والقرافة لكون أيوب بك أرسل إلى حبيب الدجوى يستعين به فحضر منهم طائفة وكذلك اخلاط الهوارة الذين حضروا من الصعيد صحبة. ج / 1 ص -73- محمد بك فاحتاطوا بالاطراف يسلبون الخلق واستاقوا جمال السقائين حتى كاد أهل مصر يموتون عطشا وصار العسكر فرقتين ايواز بك وقيطاس بك الدفتردار وإبراهيم بك أمير الحاج سابقا ومحمد بك وقانصوه بك وعثمان بك بن سليمان بك ومحمود بك وبلكات الأسباهية الثلاثة والجاويشية والعزب عصبة واحدة وأيوب بك ومحمد بك الكبير وأغوات الأسباهية من غير الانفار ومحمد أغا متفرقة باشا وأهل بلكه وسليمان أغا كتخدا الجاويشية وبلك الينكجرية المقيمين بالقلعة صحبة افرنج أحمد والباشا وقاضي العسكر الجميع عصبة واحدة وأخذوا عندهم نقيب الأشراف بحيلة واحتبسوه عندهم وأغلقوا جميع أبواب القلعة ما عدا باب الجبل وامتنع الناس من النزول من القلعة والطلوع إليها من الباب المذكور. واستمر افرنج أحمد ومن معه يضربون المدافع على باب العزب ليلا ونهارا وبباب العزب خلق كثيرون منتشرون حوله وما قاربه من الحارات ورتبوا لهم جوامك تصرف عليهم كل يوم فلما طال الأمر اجتمع الأمراء الصناجق بجامع بشتك بدرب الجماميز واتفقوا على عزل الباشا وأقامة قائمقام من الأمراء فأقاموا قانصوه بك قائمقام نائبا ولوا اغوات البلكات وهم الأسباهية الثلاثة فولوا على الجملية سالح أغا وعلى الجراكسة مصطفى أغا وعلى التفكجية محمد أغا بن ذي الفقار بك وإسمعيل اغا جعلوه كتخدا الجاويشية وعبدالرحمن أغا متفرقة باشا وقلدوا الزعامة الأمير حسن الذي كان زعيما وعزله الباشا بعبد الله أغا فلما أحكموا ذلك وبلغ الخبر طائفة الينكجرية الذين بالقلعة توجهوا إلى خليل باشا واخبروه بالصورة فكتب لاغوات البلكات الثلاث ومتفرقة باشا يأمرهم بمحاربة الصناجق ومن معهم لكونهم بغاة خارجين على نائب السلطان. ثم اتفق مع افرنج أحمد على اتخاذ عسكر جديد يقال لهم سردن كجدي ويعطى لكل من كتب اسمه خمسة دنانير وخمسة عثامنة فكتبوا ج / 1 ص -74- ثمانمائة شخص وعلى كل مائة بيرقدار ورئيس يقال له أغات السردن كجدي. ثم محمد بك الصعيدي اتفق مع افرنج أحمد بان يهجم على طائفة العزب من طريق قراميدان ويكسر باب العزب المتوصل منه إلى قراميدان ويهجم على العزب. ووصل خبر ذلك إلى العزب فاستعدوا له وكمنوا قريبا من الباب المذكور فلما كان بعد العشاء الاخيرة هجموا على الباب المذكور وكان العزب أحضروا شيأ كثيرا من حطب القرطم وطلوه بالزيت والقار والكبريت فلما تكامل عسكر محمد بك أوقدوا النار في ذلك الحطب فأضاء لهم قراميدان وصار كالنهار ثم ضربوهم بالبندق ففروا فصار كل من ظهر لهم ضربوه فقتلوا منهم طائفة كثيرة وولوا منهزمين ثم أن قانصوه بك صار يكتب بيورلديات وأوامر ويرسلها إلى محمد بك الصعيدي يأمره بالتوجه إلى ولايته آمنا على نفسه وتحصيل ما عليه من الأموال السلطانية فأرعد وابرق. ثم أن جماعة من العزب أخذوا حسن الوالي المولى من طرف قائمقام مصر وذهبوا وصحبتهم جماعة من اتباع الأمراء الصناجق إلى باب الوالي ليملكوه فلما بلغ الخبر عبدالله أغا الوالي أخذ فرشه وفر إلى بيت أيوب بك وفر الأود باشا أيضا فلما لم تجد العزب أحدا في بيت الوالي توجهوا لمنزل عبدالله الوالي لينهبوه فقام عليهم جماعة من أتباع سليمان كتخدا الجاويشية ومن بجوارهم من الجند فهزموا العزب وقتلوا منهم رجلا فأقام حسن الوالي بباب قيظاس بك الدفتردار فلما اتسع الخرق أرسل الباشا إلى إبراهيم بك وأيواظ بك وقيطاس بك يطلبهم إلى الديوان ليتداعوا مع الينكجرية فلما حضر تابع الباشا وقرأ عليهم الفرمان أجابوا بالسمع والطاعة واعتذروا عن الطلوع بانقطاع الطرق من الينكجرية وترتيب المدافع ولولا ذلك لتوجهنا إليه. فلما يئس الباشا منهم اتفق مع أيوب بك ومن انضم إليه من العسكر على محاربتهم وبرز الجميع إلى خارج البلد. ج / 1 ص -75- فلما كان يوم الأحد ثالث ربيع الأول أرسلوا أيوب بك ومحمد بك إلى العزبان ليأخذوا جمال السقائين وحميرهم ومنع الماء عن البلد فأخذوا جميع ما وجدوه فعز الماء ووصل ثمن القربة خمسة أنصاف فضة فأمر الأمراء الآخرون طائفة من العسكر أن يركبوا إلى جهة قصر العيني ويستخلصوا الجمال ممن نهبهم فتوجهوا وجلسوا بالمساطب ينتظرون من يمر عليهم بالجمال. فلما بلغ محمد بك حضورهم هناك مع طائفة هوارة وهجموا عليهم وهم غير مستعدين فأندهشوا ودافعوا عن أنفسهم ساعة ثم فروا وتأخر عنهم جماعة لم يجدوا خيلهم لكون سواسهم أخذوها وفروا فقتلهم محمد بك وأرسل رؤوسهم للباشا فانسر سرورا عظيما واعطى ذهبا كثيرا. فلما رجع المنهزمون إلى منزل قانصوه بك وأيواظ بك لم يسهل عليهم ذلك واتفقوا على البروز إليهم فركبوا في يوم الإثنين رابع عشر ربيع الثاني وخرج الفريقان إلى جهة قصر العيني والروضة فتلاقيا وتحاربا وتقاتلا قتالا عظيما تجندلت فيقالا بطل وقتل من الجند خاصة زيادة عن الأربعمائة نفر من الفريقين خلاف العربان والهوارة وغيرهم. وقصد ايواظ بك محمد بك الصعيدي فأنهزم إلى جهة المجراة فساق خلفه وكان الصعيدي قد اجلس أنفارا فوق المجراة مكيدة وحذرا فضربوا على ايواظ بك بالرصاص ليردوه فأصيب برصاصة في صدره فسقط عن جواده وتفرقت جموعه وأخذ الاخصام رأسه. وبينما القوم في المعركة إذ ورد عليهم الخبر بموت ايواظ بك فانكسرت نفوسهم وذهبوا في طلبه فوجدوه مقتولا مقطوع الرأس فحمله أتباعه ورجع القوم إلى منازلهم. ولما قطعوا رأس ايواظ بك وذهبوا بها إلى محمد بك قال: هذه رأس من قالوا: رأس قليدهم ايواظ بك فأخذها وذهب بها عند أيوب بك ورضوان. فقال أيوب بك: هذه رأس من قال: رأس قليدهم. فبكى أيوب بك وقال: حرم علينا عيش مصر. ج / 1 ص -76- قال محمد بك: هذا رأس قليدهم وراحت عليهم. قال له أيوب بك: أنت ربيت في أين إما تعلم أن ايواظ بك وراءه رجال وأولاد ومال. وهذه الدعوة ليس للقاسمية فيها جناية والآن جرى الدم فيطلبون ثأرهم ويصرفون مالا ولا يكون إلا ما يريده الله. ولما ذهبوا بالرأس إلى الباشا فرح فرحا شديدا وظن تمام الأمر له ولمن معه واعطى ذهبا وبقاشيش ودفنوا ايواظ بك وطلبوا من أيوب بك الرأس فأرسلها لهم بعد ما سلخها الباشا فدفنوها مع جثته. ثم أن أيوب بك كتب تذكرة وأرسلها إلى إبراهيم أبو شنب يعزيه في ايواظ بك ويقول له: إن شاء الله تعالى بعد ثلاثة أيام نأخذ خاطر الباشا ويقع الصلح. وأرادوا بذلك التثبيط حتى يأخذوا من الباشا دراهم يصرفونها ويرتبوا أمرهم. وام ما كان من أمر اتباع ايواظ بك فركب يوسف الجزار وأخذ معه إسمعيل بن ايواظ بك المتوفي وأحمد كاشف وذهبوا عند قانصوه بك فوجدوا عنده إبراهيم بك وأحمد بك مملوكه وقيطاس بك وعثمان بك بارم ذيله ومحمد بك الصغير المعروف بقطامش جالسين وعليهم الحزن والكآبة. فلما استقر بهم الجلوس بكى قيطاس بك فقال له يوسف الجزار: وما فائدة البكاء دبروا أمركم. قالوا: كيف العمل. قال يوسف الجزار: هذه الواقعة ليس لنا فيها علاقة انتم فقارية في بعضكم واننا الآن انجرحنا ومات منا واحد خلف الفا وخلف مالا اعملوني صنجقا وأمير حاج وسر عسكر واعملوا ابن سيدي إسمعيل صنجقا يفتح بيت أبيه وفيه البركة واعطوني فرمانا من الذي جعلتموه قائمقام وحجة من نائب الشرع الذي أقمتموه أيضا على أن الذي سقطت عدالته يسقط عنه حلوان البلاد ونحن نصرف الحلوان على العسكر والله يعطي النصر لمن يشاء من عباده. ففعلوا ذلك وراضوا أمورهم في الثلاثة أيام وتهيأ الفريقان للمبارزة وخرجوا يوم السبت تاسع عشر ربيع الثاني وكان ج / 1 ص -77- أيوب بك حصن منزله فاتفق رايهم على محاربة العسكر المجتمعة أولا ثم محاصرة المنزل فخرج أيوب بك على جهة طولون ووقعت حروب وأمور ثم رجعوا إلى منازلهم فلما رأى طائفة العزب تطاول الأمر وعدم التوصل إلى القلعة وامتناع من فيها وضرب المدافع عليهم ليلا ونهارا اجمع رأيهم على أن يولوا كتخدا على الينكجرية ويجلسوه بباب الوالي بطائفة من العسكر وينادوا في الشوارع بان كل من كانت له علوفة في وجاقات مستحفظان يأتي تحت البيرق بالبوابة ومن لم يأت بعد ثلاثة أيام ينهب بيته. ففعلوا ذلك وعملوا حسن جاويش قريب المرحوم جلب خليل كتخدا لكونها نوبته والبسه قانصوه بك قائمقام قفطانا وركب وإمامه الوالي والبيرق والعسكر والمنادي إمامه ينادي بما ذكر إلى أن نزل بيت الوالي واحضروا الأودة باشا المتولي إذ ذاك واجلسوه محله وطاف البلد بطائفته وكذلك العسكر. وفي يوم الخميس هجمت الينكجرية من البذرم على باب العزب ومعهم محمد بك الكبير وكتخدا الباشا وافرنج أحمد فعندما نزل أولهم من البذرم وكان العزب قد اعدوا في الزاوية التي تحت قصر يوسف مدفعين ملآنين بالرش والفلوس الجدد فضربوا عليهم فوقع محمد اغا سر كدك والبيرقدار وانفار منهم فولوا منهزمين يطأ بعضهم بعضا. فأخذت العزب رؤوس المقتولين فأرسلوها إلى قانصوه بك. ثم أن قائمقام والصناجق اتفقوا على تولية علي اغا مستحفظان لضبطه واهتمامه فلما أرسلوا له أبى أن يقبل ذلك فتغيب من منزله فركب يوسف بك الجزار ومحمد بك الصغير وعثمان بك في عدة كبيرة ودخلوا على منزل علي اغا فلم يجدوه واخبروا بالمكان الذي هو فيه فطلبوه فأتى بعد امتناع وتخويف وتوجه معهم إلى قائمقام فالبسه قفطان الأغاوية يوم الخميس رابع عشري ربيع الثاني وعاد إلى منزله بالقفطان يقدمه العسكر مشاة بالسلاح ج / 1 ص -78- والملازمون معلنين بالتكبير وبلفظ الجلالة كما هي عادتهم في المواكب. وفي صبيحة ذلك اليوم عين قائمقام بمعرفة حسن كتخدا مستحفظان طائفة من العسكر إلى بولاق صحبة أحمد جربجي ليجلسوه في التكية وصحبته والي بولاق واغا من المتفرقة عوضا عن اغات الرسالة الذي بها من جانب الباشا. فاجلسوه في منزله ونهبوا ما وجدوه لأغات الرسالة الأول من فرش وامتعة وخيل وغير ذلك. وفي صبيحة يوم السبت سادس عشريه خرج الفريقان إلى خارج القاهرة من باب قناطر السباع واجتمعوا بالقرب من قصر العيني ومعهم المدافع وآلات الحرب فتحارب الفريقان من ضحوة النهار إلى العصر وقتل من الفريقين من دنا اجله وأيوب بك ومحمد بك بالقصر. ثم تراجع الفريقان إلى داخل البلد وتاخرت طائفة من العزب فأتى إليهم محمد بك الصعيدي واحتاط بهم وحاصرهم وبلغ الخبر قانصوه بك فأرسل إليهم يوسف بك ومحمد بك وعثمان بك فتقاتلوا مع محمد بك الصعيدي وهزموه وتبعوه إلى قنطرة السد وقد كان أيوب بك داخل التكية المجاورة لقصر العيني فلما رأى الحرب ركب جواده ونجا بنفسه فبلغ يوسف بك أنه بالتكية فقصدوه واحتاطوا بالقصر فأخبرهم الدراويش بذهابه فلم يصدقوهم ونهبوا القصر واخرجوه واحرقوه وعادوا إلى منازلهم. وفي صبيحة يوم الأحد ذهب يوسف بك الجزار ونهب غيظ افرنج أحمد الذي بطريق بولاق ثم اجتمعوا في محل الحرب وتحاربوا ولم يزالوا على ذلك وفي كل يوم يقتل منهم ناس كثير. وفي ثاني جمادي الأولى اجتمع الأمراء الصناجق بمنزل قائمقام وتنازعوا بسبب تطاول الحرب وامتداد الأيام ثم اتفقوا على أن ينادوا في المدينة بان من له اسم في وجاق من الوجاقات السبعة ولم يحضر إلى بيت اغاته نهب ماله وقتل. وأمهلوهم ثلاثة أيام ونودي بذلك في عصريتها، ج / 1 ص -79- وكتب قائمقام بيورلدى إلى من في القلعة من طائفة الينكجرية والكتخدائية والجربجية والأوده باشية والنفر باننا امهلناكم ثلاثة أيام فمن لم ينزل منكم بعدها ولم يمتثهل نهبنا داره وهدمناها وقتلنا من ظفرنا به ومن فر رفعنا اسمه من الدفتر فتلاشى أمرهم واختلفت كلمتهم. وفي رابعه خرج الأمراء والاغوات إلى محل الحرب وأرسلوا طائفة كبيرة من العسكر المشاة لمحاصرة منزل أيوب بك فتحارب الفرسان إلى آخر النهار وأما الرجالة فإنهم تسلقوا من منزل إبراهيم بك وتوصلوا إلى منزل عمر اغا الجراكسة فتحاربوا مع من فيه إلى أن اخلوه ودخلوا فيه وشرعوا ليلا في نقب الربع المبني على علو منزل أيوب بك فنقبوه وكمنوا فيه. فلما كان صبيحة يوم الأحد خامس عشره حملوا حملة واحدة على منزل أيوب بك وضربوا البنادق فلم يجدوا من يمنعهم بل فر كل من فيه وركب أيوب بك وخرج هاربا من باب الجبل فلم يعلم اين توجه فملوا منزله ونهبوه مع كونه كان مستعدا وركب في اعالي منزله المدافع وفي قلعة الكبش فأرسل له افرنج أحمد بيرقا وعساكر فلم يفده ذلك شيئا ونهبوا أيضا منزل أحمد اغا التفكجية بعدما قتلوه ببيت قائمقام ولحق من لحق بايوب بك وفر الجميع إلى جهة الشام وفر محمد بك إلى جهة الصعيد ووقع النهب في بيوت من كان من حزبهم ونهبوا بيت يوسف اغا ناظر الكسوة سابقا وبيت محمد اغا متفرقة باشا وبيت محمد بك الكبير وأحرقوه وبيت أحمد جربجي القونيلي وأحرقوا بيت أيوب بك وما لاصقه من الربع والدكاكين. فلما حصل ذلك واجتمع العساكر بمنزل قائمقام بالاسلحة وآلات الحرب وذلك سادس جمادى الأولى فأرسلوا طائفة إلى جبل الجيوشي فركبوا مدافع على محل الباشا ومدافع على قلعة المستحفظان واحاطوا بالقلعة من اسفل وضربوا ستة مدافع على الباشا ورموا بنادق. فنصب الباشا بيرقا أبيض يطلب. ج / 1 ص -80- الأمان وفر من كان داخل القلعة من العسكر. فبعضهم نزل بالحبال من السور وبعضهم خرج من باب المطبخ فعند ذلك هجمت العساكر الخارجة على الباب ودخلوا الديوان فأرسل الباشا القاضي ونقيب الأشراف يأخذان له امانا من الصناجق والعسكر فتلقوهما وأكرموهما وسألوهما عن قصدهما فقالا لهم أن الباشا يقرئكم السلام ويقول لكم: أنا كنا اغتررنا بهؤلاء الشياطين وقد فروا المراد أن تعلمونا بمطلوبكم فلا نخالفكم. فقالوا له:ما اعلموه أن الصناجق والأمراء والاغوات والعسكر قد اتفقوا على عزله وإن قانصوه بك قائمقام وأما الباشا فإنه ينزل ويسكن في المدينة إلى أن نعرض الأمر على الدولة ويأتينا جوابهم. فأرسل القاضي نائبه إلى الباشا يعرفه عن ذلك فأجابه بالطاعة واستأمنهم على نفسه وماله واتباعه وركب من ساعته في خوصه يقدمه قائمقام واغات مستحفظان عن يمينه واغات المتفرقة عن شماله واختيارية الوجاقات من خلفه وإمامه ونزل من باب الميدان وشق من الرميلة على الصليبة والعامة قد اصطفت بشافهونه بالسب واللعن إلى أن دخل بيت على اغا الخازندار بجوار المظفر وهجم العسكر على باب مستحفظان فملكوه ونهبوا بعض اسباب حسين اغا مستحفظان. وخرج حسين اغا من باب المطبخ فلما رآه يوسف بك اشار إلى العسكر فقطعوه وقطعوا إسمعيل افندي بالمحجر وكذلك عمر اغات الجراكسة بحضرة إسمعيل بن ايواظ وخازنداره ذو الفقار وقع في عرض بلدية علي خازندار وحسن كتخدا الجلفي فحمياه من القتل وذو الفقار هذا هو الذي قتل إسمعيل بك بن ايواظ وصار اميرا كما يأتي ذكر ذلك في موضعه فقتلوه بباب العزب ونزل افرنج أحمد وكجك أحمد اوده باشا إلى المحجر متنكرين فعرفهما الجالسون بالمحجر فقبضوا عليهما وذهبوا بهما إلى باب العزب وقطعوا رؤوسهما وذهبوا بهما إلى بيت ايواز بك. وطلع علي اغا إلى محل حكمه وطلع حسن كتخدا من باب الوالي. ج / 1 ص -81- و إمامه العساكر بالاسلحة إلى باب مستحفظان والبيرق إمامه. ونزل جاويش إلى أحمد كتخدا برمقس فوجده في بيت إسمعيل كتخدا عزبان فأخذه وطلع به إلى الباب فخنقوه وأخذوه إلى منزله في تابوت. وركب علي اغا وإمامه الملازمون بالبيرشان فطاف البلد وأمر بتنظيف الاتربة واحجار المتاريس وبناء النقوب والبس قائمقام اغوات البلكات السبع قفاطين وطلع الذين كانوا بباب العزب من الينكجرية إلى بابهم وعدتهم ستمائة إنسان. وفي حادي عشر جمادى الأولى لبس يوسف بك الجزار على إمارة الحاج ومحمود بك على السويس وعين يوسف بك المذكور مصطفى اغات الجراكسة للتجريدة على الشرقية. وفي رابع عشره لبس محمد بك الصغير على ولاية الصعيد وخرج من بيته بموكب إلى الاثر وصحبته الطوائف الذين عينوا معه من السبع بلكات بسر دارياتهم وبيارقهم وعدتهم خمسمائة نفر منهم مائتان من الينكجرية والعزب وثلثمائة نفر من الخمس بلكات اعطوا كل نفر من المائتين ألف نصف فضة ترحيلة ولكل شخص من الثلثمائة ألف وخمسمائة نصف فضة وسافروا رابع جمادي الآخرة وكان محمد بك الكبير خرج مقبلا وصحبته الهوارة فخرج وراءه يوسف بك الجزار وعثمان بك بارم ذيله ومحمد بك قطامش فوصلوا دير الطين فلاقاهم شيخ الترابين فاخبرهم أنه مر من ناحية التبين نصف الليل فرجعوا إلى منازلهم وبلغهم في حال رجوعهم أن خازندار رضوان اغا تخلف عند الدراويش بالتكية فقبضوا عليه وقطعوا دماغه ولم يزل محمد بك الصعيدي حتى وصل اخميم وصحبته الهوارة وقتل ما بها من الكشاف ونهب البلاد وفعل افعالا قبيحة. ثم ذهب إلى اسيوط وأرسل إلى قامئمقام جرجا فتصرف في جميع تعلقاته وأرسلها إليه نقودا ونزل مختفيا إلى بحري ومر من انيابة نصف الليل ولم يزل سائرا إلى دمياط ونزل في مركب افرنجي وطلع إلى حلب ووصل ج / 1 ص -82- خبره إلى السردار فجمع السردارة والعسكر ولحقوه على البرج فلم يدركوه ثم أنه ركب من حلب وذهب إلى دار السلطنة من البروكان أيوب بك ومحمد اغا متفرقة وكتخدا الجاويشة سليمان اغا وحسن الوالي وصلوا قبله وقابلوا الوزير واعلموه بقصتهم وعرضوا عليه الفتوى وعرض الباشا والقاضي فاكرمهم وانزلهم في مكان ورتب لهم تعيينا. ثم اتاهم محمد بك وقابل معهم الوزير أيضا فخلع عليه وولاه منصبا. وأما رضوان اغا فإنه تخلف ببلاد الشام ومحمد اغا الكور صحبته. وفي تاسع عشر جمادى الأولى رجع يوسف بك ومصطفى اغا من الشرقية. وفي سابع جمادى الآخرة تقلد محمد بك ابن إسمعيل بك ابن ايواظ بك الصنجقية ثم إنهم اجتمعوا في بيت قائمقام وكتبوا عرضحال بصورة ما وقع وطلبوا ارسال باشا واليا على مصر وذكروا فيه أن الخزنة تصل صحبة محمد بك الدالي وانقضت الفتنة وما حصل بها من الوقائع التي لخصنا بعضها وذكرناه على سبيل الاختصار واستمر خليل باشا بمصر حتى حضر والي باشا وحاسبوه وسافر في ثامن عشر جمادى الأولى سنة أربع وعشرين ومائة وألف وكاننت أيام فتن وحروب وشرور. تولية والي باشا على مصر. ثم تولى على مصر والي باشا فوصل إلى مصر وطلع إلى القلعة في أواخر رجب سنة ثلاث وعشرين ومائة وألف. وفي شوال قلدوا أحمد بك الأعسر تابع إبراهيم بك صنجقية وزادوه كشوفية البحيرة وكان قانصوه بك قائمقام قبل وصول الباشا رسم باخراج تجريدة إلى هوارة المفسدين الذين اتوا إلى مصر صحبة محمد بك الصعيدي ورجعوا صحبته واخربوا اخميم وقتلوا الكشاف وأمير التجريدة محمد بك قطامش وصحبته ألف عسكري واعطوا كل عسكري. ج / 1 ص -83- ثلاثة آلاف نصف فضة من مال البهار سنة تاريخه وإن يكون محمد بك حاكم جرجا عن سنة ثلاث وعشرين وأربعة وعشرين وقضى اشغاله وبرز خيامه إلى الآثار ثم طلب الوجه البلي إلى أن وصل إلى اسيوط فقبض على كل من وجده من طرف محمد بك الصعيدي وقتله ومنهم حسين اوده باشا ابن دقماق ثم انتقل إلى منفلوط وهربت طوائف الهوارة بأهلها إلى الجبل الغربي واتت إليه هوارة بحري صحبة الأمير حسن فاخبروه بما وقع لهم وساروا صحبته إلى جرجا فنزل بالصيوان وابرز فرمانا قرىء بحضرة الجميع باهراق دم هوارة قبلي وأمر بالركوب عليهم إلى اسنا وتسلط عليهم هوارة تجري ونهبوا مواشيهم واغنامهم ومتاعهم وطواحينهم واشتفوا منهم وكل من وجدوه منهم قتلوه ولم يزل في سيره حتى وصل قنا وقوص ثم رجع إلى جرجا ثم أن هوارة قبلي التجأوا إلى إبراهيم بك أبو شنب والتمسوا منه أن ياخذ لهم مكتوبا من قيطاس بك بالامان ومكتوبا إلى حاكم الصعيد كذلك وفرمانا من الباشا بموجب ذلك فأرسل إلى قيطاس بك تذكرة صحبة أحمد بك الأعسر يترجى عنده فاجاب إلى ذلك وأرسلوا به محمد كاشف كتخدا وبرجوع التجريدة والعفو عن الهوارة. ورجع محمد كاشف والتجريدة وصحبته التقادم والهدايا وأرسلوا إلى إبراهيم بك مركب غلال وخيولا مثمنة وأغناما. وفي أواخر شوال ورد اغا من الدولة وعلى يده مرسومات منها محاسبة خليل باشا واستعجال الخزينة وبيع بلاد من قتل في أيام الفتنة وكذلك أملاكهم. وفي شهر رمضان قبل ذلك جلس بجامع المؤيد فكثر عليه الجمع وازدحم المسجد وأكثرهم اتراك ثم انتقل من الوعظ وذكر ما يفعله أهل مصر بضرايح الأولياء وأيقاد الشموع والقناديل على قبور الأولياء وتقبيل اعتابهم وفعل ذلك كفر يجب على الناس تركه وعلى ولاة الأمور السعي. ج / 1 ص -84- في ابطال ذلك. وذكر أيضا قول الشعراني في طبقاته أن بعض الأولياء اطلع على اللوح المحفوظ أنه لا يجوز ذلك ولا تطلع الانبياء فضلا عن الأولياء على اللوح المحفوظ وانه لا يجوز ذلك ولا تطلع الانبياء فضلا عن والتكايا ويجب هدم ذلك. وذكر أيضا وقوف الفقراء بباب زويلة في ليالي رمضان. فلما سمع حزبه ذلك خرجوا بعد صلاة التراويح ووقفوا بالنبابيت والاسلحة فهرب الذين يقفون بالباب فقطعوا الجوخ والاكر المعلقة وهم يقولون اين الأولياء: فذهب بعض الناس إلى العلماء بالأزهر واخبروهم بقول ذلك الواعظ وكتبوا فتوى واجاب عليها الشيخ أحمد النفراوي والشيخ أحمد الخليفي بأن كرامات الأولياء لا تنقطع بالموت وإن انكاره على اطلاع الأولياء على اللوح المحفوظ لا يجوز ويجب على الحاكم زجره عن ذلك. وأخذ بعض الناس تلك الفتوى ودفعها للواعظ وهو في مجلس وعظه فلما قرأها غضب وقال: يا ايها الناس إن علماء بلدكم أفتوا بخلاف ما ذكرت لكم وإني أريد أن أتكلم معهم وأباحثهم في مجلس قاضي العسكر فهل منكم من يساعدني على ذلك وينصر الحق. فقال له الجماعة: نحن معك لا نفارقك. فنزل عن الكرسي واجتمع عليه العامة زيادة عن ألف نفس ومر بهم من وسط القاهرة إلى أن دخل بيت القاضي قريب العصر فانزعج القاضي وسألهم عن مرادهم فقدموا له الفتوى وطلب منه أحضار المفتين والبحث معهما. فقال القاضي: اصرفوا هؤلاء الجموع ثم نحضرهم ونسمع دعواكم. فقالوا ما تقول في هذه الفتوى قال باطلة. فطلبوا منه أن يكتب لهم حجة ببطلانها. فقال أن الوقت قد ضاق والشهود ذهبوا إلى منازلهم وخرج الترجمان. فقال لهم: فضربوه واختفى القاضي بجريمة. فما وسع النائب إلا أنه كتب لهم حجة حسب مرادهم ثم اجتمع الناس في يوم الثلاثاء عشرينه وقت الظهر بالمؤيد لسماع الوعظ على عادتهم فلم يحضر ج / 1 ص -85- لهم الواعظ فأخذوا يسألون عن المانع من حضوره. فقال بعضهم اظن أن القاضي منعه من الوعظ. فقام رجل منهم وقال: ايها الناس من أراد أن ينصر الحق فليقم معي. فتبعه الجم الغفير فمضى بهم إلى مجلس القاضي فلما رآهم القاضي ومن في المحكمة طارت عقولهم من الخوف وفر من بها من الشهود ولم يبق إلا القاضي فدخلوا عليه وقالوا له: اين شيخنا فقال: لا أدري. فقالوا له: قم واركب معنا إلى الديوان ونكلم الباشا في هذا الأمر ونسأله أن يحضر لنا اخصامنا الذين افتوا بقتل شيخنا ونتباحث معهم فإن اثبتوا دعواهم نجوا من ايدينا وإلا قتلناهم. فركب القاضي معهم مكرها وتبعوه من خلفه وإمامه إلى أن طلعوا إلى الديوان فسأله الباشا عن سبب حضوره في غير وقته. فقال: انظر إلى هؤلاء الذين ملأوا الديوان والحوش فهم الذين اتوا بي وعرفه قصتهم وما وقع منهم بالامس واليوم وإنهم ضربوا الترجمان وأخذوا مني حجة قهرا وأتوا اليوم واركبوني قهرا. فأرسل الباشا إلى كتخدا الينكجرية وكتخدا العزب وقال لهما: اسألوا هؤلاء عن مرادهم. فقالوا نريد أحضار النفراوي والخليفي ليبحثا مع شيخنا فيما افتيا به عليه فاعطاهم الباشا بيورلديا على مرادهم ونزلوا إلى المؤيد وأتوا بالواعظ واصعدوه إلى الكرسي فصار يعظهم ويحرضهم على اجتماعهم في غد بالمؤيد ويذهبون بجمعيتهم إلى القاضي وحضهم على الانتصار للدين وقمع الدجالين. وافترقوا على ذلك وأما الباشا فإنه لما اعطاهم البيورلدي أرسل بيورلديا إلى إبراهيم بك وقيطاس بك بعرفهم ما حصل وما فعله العامة من سوء الأدب وقصدهم تحريك الفتن وتحقيرنا نحن والقاضي وقد عزمت أنا والقاضي على السفر من البلد. فلما قرأ الأمراء ذلك لم يقر لهم قرار وجمعوا الصناجق والاغوات ببيت الدفتردار واجمعوا رايهم على أن ينظروا هذه العصبة من أي وجاق ويخرجوا من حقهم وينفي ذلك الواعظ من البلد. ج / 1 ص -86- وأمروا الأغا أن يركب ومن رآه منهم قبض عليه وأن يدخل جامع المؤيد ويطرد من يسكنه من السفط. فلما كان صبيحة ذلك اليوم ركب الأغا وأرسل الجاويشية إلى جامع المؤيد فلم يجدوا منهم أحدا وجعل يفحص ويفتش على افراد المتعصبين فمن ظفر به أرسله إلى باب اغاته فضربوا بعضهم ونفوا بعضهم وسكنت الفتنة. تاريخ عجائب الآثار في التراجم والأخبار سنة أربع وعشرين ومائة وألف. وفي ثالث المحرم سنة أربع وعشرين ومائة وألف ورد مرسوم سلطاني بطلب ثلاثة آلاف من العساكر المصرية إلى الغزو. وفي ثامنه تشاجر رجل شريف مع تركي في سوق البندقانيين فضرب التركي الشريف فقتله ولم يعلم اين ذهب. فوضع الأشراف المقتول في تابوت وطلعوا به إلى الديوان واثبتوا القتل على القاتل. فلما كان يوم عاشره قامت الأشراف وقفلوا اسواق القاهرة وصاروا يرجمون أصحاب الدكاكين بالحجارة ويأمرونهم بقفل الدكاكين وكل من لقوه من الرعية أو من أمير يضربونه. ومكثوا على ذلك يومهم وأصبحوا كذلك يوم الجمعة وأرسلوا خبرا للاشراف القاطنين بقرى مصر ليحضروا واجتمعوا بالمشهد الحسيني ثم خرجوا وإمامهم بيرق وذهبوا إلى منزل قيطاس بك الدفتردار فخرج عليهم ابتاعه بالسلاح فطردوهم وهزموهم ثم فقرة جديدة. فلما تفاقم أمرهم تحركت عليهم اغوات الأسباهية الثلاث واغات الينكجرية في عددهم وعددهم وطافوا البلد. فعند ذلك تفرقت الجمعية ورجع كل إلى مكانه ونادوا بالأمن والأمان وفتحت الدكاكين ثم اجتمع راي الأمراء على نفي طائفة من أكابر الأشراف فتشفع فيهم المشايخ والعلماء فعفوا عنهم. وفي هذا الشهر وقع ثلج بقريتي سرسنة وعشما من بلاد المنوفية كل ج / 1 ص -87- قطعة منه مقدار نصف رطل واقل وأكثر ثم نزلت صاعقة احرقت مقدارا عظيما من زرع الناحية وقتلت إناسا. وفي يوم الخميس ثامن ربيع الأول سافر مصطفى بك تابع يوسف اغا من بولاق بالعسكر صحبة المعينين للغزو وحضرت العساكر الذين كانوا في سفر الموسقو صحبة سردارهم إسمعيل بك ولما عادوا إلى اسلامبول بالنصر وضعوا لهم على رؤوسهم ريشا في عمائمهم سمة لهم. ومات اميرهم إسمعيل بك باسلامبول ودخلوا مصر وعلى رؤوسهم تلك الريش المسماة بالشلنجات. وفي ثاني عشرينه قبل الغروب خرجت فرتينة بريح عاصف اظلم منها الجو وسقط منها بعض منازل. وفي غرة ربيع الثاني ورد اغا ومعه مرسوم مضمونه حصول الصلح بين السلطنة والموسقو ورجوع العسكر المصري ولما رجعوا أخذوا منهم ثلثي النفقة وتركوا لهم الثلث وكذلك التراقي من الجوامك التي تعطى للسردارية وأصحاب الدركات. وفي ثامن عشره ورد قابجي باشا وعلى يده مرسوم بتقليد قيطاس بك الدفتردار أميرا على الحاج عوضا عن يوسف بك الجزار وإن يكون إبراهيم بك بشناق المعروف بابي شنب دفتردار. فامتثلوا ذلك ولبسوا الخلع ومرسوم آخر بانشاء سفينتين ببحر القلزم لحمل غلال الحرمين وإن يجهزوا إلى مكة مائة وخمسين كيسا من الأموال السلطانية برسم عمارة العين على يد محمد بك ابن حسين باشا. ثم أن قيطاس بك اجتمع بالأمراء وشكا إليهم احتياجه لدراهم يستعين بها على لوازم الحاج ومهماته فعرضوا ذلك على الباشا وطلبوا منه أن يمده بخمسين كيسا من مال الخزينة ويعرض في شأنها بعد تسليمها إلى الدولة وإن لم يمضوا ذلك يحصلوها من الوجاقات بدلا عنها. ج / 1 ص -88- وفي يوم الأربعاء وصل من طريق الشام باشا معين لمحافظة جدة يسمى خليل باشا فدخل القاهرة في كبكبة عظيمة وعساكر رومية كثيرة يقال لهم سارجه سليمان وجمال محملة بالاثقال يقدمهم ثلاثة بيارق وخرج لملاقاتة الباشا وقيطاس بك أمير الحاج في طائفة عظيمة من الأمراء والاغوات والصناجق وقابلوه وانزلوه بالغيظ المعروف بحسن بك ومدوا هناك سماطا عظيما حافلا وقدموا له خيولا وساروا معه إلى أن دخلوا إلى المدينة في موكب عظيم إلى أن انزلوه بمنزل المرحوم إسمعيل بك المتوفي في سفر الموسقو بجوار الحنفي فلم يزل هناك حتى سافر في أوائل رجب سنة تاريخه وخرج بموكب عظيم أيضا. وفي منتصف شعبان تقلد أحمد بك الأعسر على ولاية جرجا عوضا عن محمد بك الصغير المعروف بقطامش ثم ورد أمر بتقليد إمارة الحج لمحمد بك قطامش عوضا عن سيده وطلع بالحج سنة أربع وعشرين ورجع سنة خمس وعشرين وذلك من فعل قيطاس بك سرا وتقلد ولاية جرجا مصطفى بك قزلار. وفي يوم الخميس عشرينه تقلد محمد بك المعروف بجركس تابع إبراهيم بك أبي شنب الصنجقية وكذلك قيطاس تابع قيطاس بك أمير الحاج. وفي عاشر شوال ورد عبد الباقي افندي وتولى كتخدائية والي باشا ومعه تقرير للباشا على ولاية مصر. وفي ثالث عشر ذي القعدة ورد أيضا مرسوم صحبة اغا معين بطلب ثلاثة الاف من العسكر المصري لسفر الموسقو لنقضهم المهادنة وقرىء ذلك بالديوان بحضرة الجميع فالبسوا حسين بك المعروف بشلاق سردار عوضا عن عثمان بك ابن سليمان بك بارم ذيله وقضى اشغاله وسافر في أوائل المحرم. تاريخ عجائب الآثار في التراجم والأخبار ج / 1 ص -89- سنة خمس وعشرين ومائة وألف. ورد أيضا اغا باستعجال الخزينة ورجع الحجاج في شهر صفر صحبة محمد بك قطامش وانتهت رياسة مصر إلى قيطاس بك ومحمد بك وحسن كتخدا النجدلي وكور عبدالله وإبراهيم الصابونجي. فسولت لقيطاس بك نفسه قطع بيت القاسمية وأخذ يدبر في ذلك واغرى سالم بن حبيب فهجم على خيول إسمعيل بك ابن ايواز بك في الربيع وجم أذناب الخيول ومعارفها ما عدا الخيول الخاص فإنها كانت بدوار الوسية وذهب ولم يأخذ منها شيئا وحضر في صبحها أمير اخور فاخبروه وكان عنده يوسف بك الجزار فلاطفة وسكن حدته واشار عليه بتقليد حسن أبي دفية قائمقام الناحية ففعل ذلك وجرت له مع ابن حبيب أمور ستذكر في ترجمة ابن حبيب فيما يأتي. ثم أنه كتب عرضحال أيضا على لسان الأمير منصور الخبيري يذكر فيه أن عرب الضعفاء اخربوا الوادي وقطعوا درب الفيوم. وأرسل ذلك العرضحال صحبة قاصد يأمنه فختمه منصور وأرسله إلى الباشا صحبة البكاري خفير القرافة. فلما طلع قيطاس بك في صبحها إلى الباشا واجتمع باقي الأمراء وكان قيطاس بك رتب مع الباشا أمرا سرا وأغراه وأطعمه في القاسمية وما يؤول إليه من حلوان بلاد إبراهيم بك ويوسف بك وابن ايواظ بك واتباعهم فلما استقر مجلسهم دخل البكاري بالعرضحال فأخذه كاتب الديوان وقرأه على اسماع الحاضرين فاظهر الباشا الحدة وقال: أنا أذهب لهؤلاء المفاسيد الذين يخربون بلاد السلطان ويقطعون الطريق. فقال إبراهيم بك أقل ما فينا يخرج من حقهم وانحط الكلام على ذهاب إبراهيم بك وإسمعيل بك ويوسف بك وقيطاس بك وعثمان بك ومحمد بك قطامش. وكان قانصوه بك في بني سويف في الكشوفية وأحمد بك الأعسر في اقليم البحيرة فلما وقع الاتفاق على ذلك ج / 1 ص -90- خلع عليهم الباشا قفاطين ونزلوا فأرسلوا خيامهم ومطابخهم إلى تحت ام خنان ببر الجيزة وعدوا بعد العصر ونزلوا بخيلهم. واتفق قيطاس بك مع عثمان بك أنهم يعدون خلفهم بعد المغرب ويكونون أكلوا العشاء وعلوا على الخيول وعندما ينزلون إلى الصيوان زياده يتركون الخيول ملجمة والمماليك والطوائف باسلحتها. فإذا أتى الينا الثلاثة صناجق نقتلهم ثم نركب على طوائفهم وخيولهم مربوطة فنقتل كل من وقع ونخلص ثأر الفقارية الذين قتلهم خال إبراهيم بك في الطرانة. فلما فعلوا ذلك وعدوا وأوقدوا المشاعل وذلك وقت العشاء ونزلوا بالصيوان قال إبراهيم بك ليوسف بك وإسمعيل بك: قوموا بنا نذهب عند قيطاس بك. قالا له: أنت فيك الكفاية. فذهب إبراهيم بك وهو ماش ولم يخطر بباله شيء من الخيانة. فلما دخل عندهم وسلم وجلس سأله قيطاس بك عن رفقائه. فقال: إنهم جالسون محلهم فلم يتم ما أرادوه فيهم من الخيانة. فعند ذلك قام محمد بك وعثمان بك إلى خيامهما وقلعا سلاحهما وخلعا لجامات الخيل وعلقا مخالي التبن ورجعا اليهما فقال قيطاس بك لإبراهيم بك اركبوا انتم الثلاثة في غد وانصبوا عند وسيم ونحن نذهب إلى جهة سقارة فنطرد العرب فيأتون إلى جهتكم فاركبوا عليهم. فأجابه إلى ذلك. ثم قام وذهب إلى رفقائه فاخبرهم بذلك وباتوا إلى الصباح. وفي الصباح حملوا وساروا إلى جهة وسيم كما اشار إليهم قيطاس بك فنزلت إليهم الزيدية بالفطور فسألوهم عن العرب فقالوا لهم: الوادي في أمن وأمان بحمد الله لا عرب ولا حرب ولا شر. وإما قيطاس بك ومن معه فإنه رجع إلى مصر وأرسل إلى ابن حبيب بأن يجمع نصف سعد وعرب بلي ويرسلهم مع ابنه سالم يدهمون الجماعة بناحية وسيم ويقتلونهم فتلكأ ابن حبيب في جمع العربان لصداقة قديمة بينه وبين إبراهيم بك وحضر لهم رجل من الأجناد كان تخلف عنهم لعذر حصل له فأخبرهم برجوع قيطاس بك ومن معه ج / 1 ص -91- إلى مصر فركب إبراهيم بك ويوسف بك وإسمعيل بك ونزلوا بالجيزة عند أبي هريرة وصحبتهم خيالة الزيدية وباتوا هناك وعادوا في الصباح إلى منازلهم سالمين. وفي هذه السنة حصل طاعون وكان ابتداؤه في القاهرة في غرة ربيع الأول وتناقص في أواخر جمادى الآخرة. ووصل عابدين باشا إلى الأسكندرية وتقلد يوسف بك الجزار قائمقام وخلع على ابن سيده إسمعيل بك ولما حضر الباشا إلى الحلى وطلع إلى العادلية واحضر الأمراء تقادمهم وقدم له إسمعيل بك تقدمة عظيمة واحبه الباشا واختص به ومال قلبه إلى فرقة القاسمية فقلدهم المناصب والكشوفيات. وحضر مرسوم بامارة الحج لاسمعيل بك ابن ايواظ بك وعابدين باشا هذا هو الذي قتل قيطاس بك بقراميدان كما يأتي خبر ذلك في ترجمة قيطاس بك. وهرب محمد بك قطامش تابعه بعد قتل سيده إلى بلاد الروم وأقام هناك مدة ثم عاد إلى مصر وسيأتي خبر ذلك في ترجمته. وفي ولايته تقلد عبدالله كاشف وصاري علي وعلي الأرمني وإسمعيل كاشف صناجق الأربعة ايواظية وتقلد منهم أيضا عبدالرحمن اغا ولجه اغات جملية وإسمعيل اغا كتخدا وأيواظ بك كتخدا جاويشية ومن اتباع إبراهيم بك أبي شنب قاسم الكبير وإبراهيم فارسكور وقاسم الصغير ومحمد جلبي بن إبراهيم بك أبي شنب وجركس محمد الصغير خمستهم صناجق واستقر الحال وطلع بالحج الأمير إسمعيل بك ابن ايواظ سنة سبع وعشرين و. سنة ثمان وعشرين. في أمن وأمان وسخاء ورخاء. تاريخ عجائب الآثار في التراجم والأخبار سنة ثمان وعشرين. وفي سنة ثمان وعشرين ورد اغا من اسلامبول وعلى يده مرسوم بطلب ثلاثة آلاف من العسكر المصري وعليهم أمير فادر وكانت النوبة على ج / 1 ص -92- محمد بك جركس الكبير فلما اجتمعوا بالديوان وقرىء المرسوم خلع الباشا على محمد بك جركس القفطان ونزل إلى داره فطوى القفطان وأرسله إلى سيده إبراهيم بك ويقول له: عندك خلافي صناجق كثيرة فإني قشلان. فتكدر خاطره ثم أرسل إليه صحبة أحمد بك الأعسر عشرين كيسا فاستقلها فاعطاه أيضا وصولا بعشرة أكياس على الطرانة فجهز حاله وركب إلى قصر الحلى بالموكب واحضر عنده الحريم فاقام أياما في حظه وصفائه والاغا المعين يستعجل السفر وفي كل يوم يأتيه فرمان من الباشا بالاستعجال والذهاب وهو لا يبالي بذلك. ثم أن الباشا تكلم مع إبراهيم بك في شأن ذلك فلما نزل إلى بيته أرسل إليه أحمد بك الأعسر وقاسم بك الكبير فاخبراه بتقريظ الباشا والاستعجال فقال في جوابه جلوسي هنا احسن من أقامتي تحت الطرانة حتى يدفعوا لي العشرة أكياس فلا ارتحل حتى تأتيني العشرة أكياس. ورمى لهم الوصول نرجع أحمد بك إلى إبراهيم بك وأخبره بمقالته ورد إليه الوصول فما وسعه إلا أنه دفع ذلك القدر إليه نقدا وقال: سوف يخرب هذا بيتي بعناده. فلما وصله ذلك نزل إلى المراكب وسافر. ثم ورد مسلم علي باشا واخبر بولايته مصر. تاريخ عجائب الآثار في التراجم والأخبار سنة تسع وعشرين ومائة وألف. فاجتمعوا بالديوان وتقلد إبراهيم بك أبو شنب قائمقام ونزل إلى بيته وخلع على أحمد بك الأعسر وجعله امين السماط. ونزل عابدين باشا من القلعة عندما وصل الخبر بوصول علي باشا إلى اسكندرية وسافرت إليه أرباب الخدم والعكاكيز وسافر عابدين باشا قبل حضور علي باشا بمصر. وحضر علي باشا وطلع إلى القلعة على الرسم المعتاد واستقر في ولاية مصر والأمور صالحة والفتن ساكنة ورياسة مصر للأمير إبراهيم بك أبي شنب الكبير والأمير إسمعيل بك ابن ايواظ بك ومحمد كتخدا جدك ج / 1 ص -93- مستحفظان وإبراهيم جربجي الصابونجي عزبان واتباع حسن جاويش القازدغلي وهم عثمان اوده باشا وسليمان اوده باشا وتابع مصطفى كتخدا وخلافهم من رؤساء باب العزب وباقي البلكات ومات الأمير إبراهيم بك الكبير. سنة ثلاثين. فاستقل بالرياسة إسمعيل بك ابن ايواظ بك وسكن محمد بك ابن إبراهيم بك بمنزل أبيه وفي نفسه ما فيها من الغيرة والحمد لاسمعيل بك ابن خشداش ابيه. وفي أواخر سنة تسع وعشرين ورد قابجي وعلى يده مرسوم بطلب ثلاثة آلاف من عسكر مصر وعليهم أمير لسفر الجهاد وكان الدور على نمحمد بك ابن ايواظ أخي إسمعيل بك فعلم اخوه أنه خفيف العقل فلا يستر نفسه في السفر فقلد أحمد كاشف صنجقية وجعله أمير العسكر وجعل مملوكه علي الهندي كتخدا إليه وقضوا اشغالهم. وركب الأمير والسدادرة بالموكب ونزلوا إلى بولاق وسافروا بعد ثلاثة أيام وادركوا عسكر الأورام وسافروا صحبتهم. تاريخ عجائب الآثار في التراجم والأخبار سنة ثلاثين. وحضر محمد جركس من السفر في سنة ثلاثين فوجد سيده إبراهيم بك توفي وأمير مصر إسمعيل بك فتاقت نفسه للرياسة فضم إليه جماعة من الفقارية مثل حسين أبو يدك وذي الفقار تابع عمر اغا وأصلان وقيلان ومن يلوذ بهم من امثالهم واتخذ لهم سراجا قبيحا يقال له الصيفي وكان الدفتردار في ذلك الوقت أحمد بك الأعسر تابع إبراهيم بك أبي شنب وكلما رأى تحرك محمد بك جركس لإثارة الفتن يهدي عليه ويلاطفه ويطفيء ناريته. وكان ذو الفقار لما قتل سيده عمر اغا واراد إسمعيل بك قتله أيضا في ذلك اليوم فوقع على خازندار حسن كتخدا الجلفي وحماه من القتل واخرج له حسن كتخدا حصة في قمن العروس بالمحلول عن. ج / 1 ص -94- سيده وهي شركة إسمعيل بك ابن ايواظ ولم يقدر حسن كتخدا أن يذاكر إسمعيل بك في فائظها لعلمه بكراهته لذي الفقار ويريد قتله. فلما مات حسن كتخدا الجلفي وحضر محمد بك جركس من السفر انضم إليه ذو الفقار المذكور وخاطب في شأنه إسمعيل بك فلم يفد ولم يرض أن يعطيه شيئا من فائظه وتكرر هذا مرارا حتى ضاق خناق ذي الفار من الفشل فدخل على محمد بك جركس في وقت خلوة وشكا إليه حاله وفاوضه في اغتيال إسمعيل بك. فقال له: افعل ما تريد. فأخذ معه في ثاني يوم اصلان وقيلان وجماعة خيالة من الفقارية ووقفوا لإسمعيل بك في طريق طريق الرميلة عند سوق الغلة وهو طالع إلى الديوان فمر إسمعيل بك وصحبته يوسف بك الجزار وإسمعيل بك جرجا وصاري علي بك فرموا عليهم بالرصاص فلم يصب منهم إلا رجل قواس ورمح إسمعيل بك ومن بصحبته إلى باب القلعة ونزل هناك وكتب عرضحال ملخصه الشكوى من محمد بك جركس وانه قد جمع عنده المفسدين ويريد اثارة الفتن في البلد وأرسله إلى الباشا صحبة يوسف بك. فأمر علي باشا بكتابة فرمان خطابا للوجاقات باحضار محمد بك جركس وإن ابى فحاربوه واقتلوه. فلما وصل الخبر إلى جركس ركب مع المنضمين إليه فقارية وقاسمية ووصل إلى الرميلة فصادف الموجهين إليه فحاربهم وحاربوه وقتل حسين بك أبو يدك وآخرون وانهزم جركس وتفرق من حوله ولم يتكمن من الوصول إلى داره. فذهب على طريق الناصرية ولم يزل سائرا حتى وصل إلى شبرا ولم يبق صحبته سوى مملوكين. فلاقاه جماعة من عرب الجزيرة فقبضوا عليهم وأخذوا سلاحهم وأتوا بهم إلى بيت إسمعيل بك ابن ايواظ بك وكان عند أحمد كتخدا امين البحرين والصابونجي فاشارا عليه بقتله فلم يرض. وقال: إنه دخل بيتي وخلع عليه فروة سمور واعطاه كسوة وذهبا ونفاه إلى جزيرة قبرص. ورجع العسكر الذين كانوا بالسفر واستشهد أمير العسكر ج / 1 ص -95- أحمد بك فقلدت الدولة علي كتخدا الهندي صنجقا عوضا عن مخدومه أحمد بك واعطوه نظر الخاصكية قيد الحياة واطلقوا له بلاده من غير حلوان. فلما وصلوا إلى مصر عمل له يوسف بك الجزار سماطا بالحلى ثم ركب وطلع إلى القلعة وخلع الباشا على علي بك الهندي خلعة السلامة ونزل إلى بيت إسمعيل بك وانعم عليه بتقاسيط بلاد فائظها اثنا عشر كيسا. واستمر صنجقا وناظرا على الخاصكية. وفي هذه السنة اعني سنة ثلاثين حصلت حادثة ببولاق وهو أن سكان حارة الجوابر تشاجروا مع بعض الجمالة اتباع اوسية أمير الحاج فحضر إليهم اميراخور فضربوه ووصل الخبر إلى الأمير إسمعيل بك فأرسل إليهم اغات الينكجرية والوالي فضربوهم فركب الصنجق بطائفته وقتلوا منهم جماعة وهرب باقيهم واخرجوا النساء بمتاعهن وسمروا الدرب من الجهتين. وكانت حادثة مهولة واستمر الدرب مقفولا ومسمرا نحو سنتين. وفيها كان موسم سفر الخزينة واميرها محمد بك ابن إبراهيم بك أبو شنب. وكان وصل إليه الدور وخرج بالموكب وأرباب المناصب والسدادرة ولما وصل إلى اسلامبول واجتمع بالوزير ورجال الدولة اوشى إليهم في حق إسمعيل بك ابن ايواظ وعرفهم أنه أن استمر امره بمصر ادعى السلطنة بها وطرد النواب فإن الأمراء وكبار الوجاقات والدفتردار وكتخدا الجاويشية صاروا كلهم اتباعه ومماليكه ومماليك أبيه. وعلي باشا المتولي لا يخرج عن مراده في كل شيء ونفي وابعد كل من كان ناصحا في خدمة الدولة مثل جركس ومن يلوذ به وعمل للدولة أربعة آلاف كيس على إزالة إسمعيل بك والباشا وتولية وال آخر يكون صاحب شهامة. فأجابوه إلى ذلك. وكان قبل خروجه من مصر اوصى قاسم بك الكبير على أحضار محمد بك جركس فأرسل إليه واحضره خفية واختفى عنده. ثم أن أهل الدولة عينوا رجب باشا أمير الحاج الشامي ورسموا له عند. ج / 1 ص -96- حضوره إلى مصر أن يقبض على علي باشا ويحاسبه ويقتله ثم يحتال على قتل إسمعيل بك ابن ايواظ وعشيرته ما عدا علي بك الهندي. ورجع محمد بك ابن أبي شنب إلى مصر وعمل دفتردار وحضر مسلم رجب باشا ومعه الأمر بحبس علي باشا بقصر يوسف قائمقامية إلى أحمد بك الأعسر. وبعد أيام وصل الخبر بوصول رجب باشا إلى العريش وسافرت له الملاقاة وتقلد إبراهيم بك قارسكور أمين السماط وطلع إسمعيل بك اميرا بالحج. تاريخ عجائب الآثار في التراجم والأخبار سنة أحدى وثلاثين. وهي سنة أحدى وثلاثون ومائة وألف وذبك عند وصول رجب باشا إلى العريش ثم حضر رجب باشا إلى مصر وعملوا له الشنك والموكب على العادة فلما اسقر بالقلعة أحضر إليه ابن علي باشا وخازنداره وكاتب خزينته والروزنامجي وأمرهم بعمل حسابه ثم قطع رأسه ظلما وسلخها وأرسلها إلى الباب ودفن علي باشا بمقام أبي جعفر الطحاوي بالقرافة ويعرف إلى الآن قبره بعلي باشا المظلوم وأمر بضبط جميع مخلفاته ثم أحضر له محمد جركس خفية وأمر الأغا والوالي بالمناداة عليه وكل من أواه يشنق على باب داره. ثم اختلى به وقال: له: كيف العمل والتدبير في قتل ابن ايواظ بك وجماعته فقال له: الرأي في ذلك أن ترسل إلى العرب يقفون في طريق الوشاوشة فإنهم يرسلون يعرفونكم بذلك فأرسلوا لهم عبدالله بك وبعد عشرة أيام أرسلوا يوسف بك الجزار ومحمد بك ابن ايواظ بك وإسمعيل بك جرجا وعبدالرحمن اغا ولجه اغات الجملية فعندما يرتحلون من البركة يقتل إسمعيل بك الدفتردار كتخدا الجاويشية وعند ذلك أنا اظهر ونقلد إمارة الحج إلى محمد بك ابن إسمعيل بك ونرسله بتجريدة إلى ابن ايواظ بك يقتلونه مع جماعته وهذا ج / 1 ص -97- هو الرأي والتدبير. ففعلوا ذلك ولم يتم بل اختفى إسمعيل بك ودخل إلى مصر ثم ظهر بعد أن دبر أموره وعزل رجب باشا وانزلوه إلى بيت مصطفى كتخدا عزبان وفسد تدبيره وكتبوا عرضحال بصورة الواقع وأرسلوه إلى اسلامبول. وسيأتي تتمة خبر ذلك في ترجمة إسمعيل بك. وكان رجب باشا أخذ من مال دار الضرب مائة وعشرين كيسا صرفها على التجريدة. تاريخ عجائب الآثار في التراجم والأخبار سنة ثلاث وثلاثين. وصل محمد باشا النشانجي سنة ثلاث وثلاثين. فعندما استقر بالقلعة طلب من رجب باشا المائة وعشرين كيسا وقلد إمارة الحج لمحمد بك فطلع بالحج سنة ثلاث وسنة أربع وثلاثين ثم حضر مرسوم بالأمان والعفو لاسمعيل بك ابن ايواظ بك وقرىء بالديوان وسافر رجب باشا وسكن الحال مع التنافر والحقد الباطني الكامن في نفس محمد بك جركس وابن أستاذه محمد بك أبي شنب لاسمعيل بك ابن ايواظ وهو يسامح لهم ويتغافل عن افعالهم وقبائحهم ويسوس أموره معهم وكل عقدة عقدوها بمكرهم حلها بحسن رايه وسياسته وجودة رايه. وجرت بينه وبينهم أمور ووقائع ومخاصمات وجمعيات ومصالحات يطول شرحها ذكرها أحمد جلبي عبد الغني في تاريخه الذي ضاع مني. ولم يزل إسمعيل بك ظاهرا عليهم حتى خانوه واغتالوه وقتلوه بالقلعة على حين غفلة على يد ذي الفقار تابع عمر اغا وأصلان وقيلان ومن معهم وقتلوا معه إسمعيل بك جرجا وعبدالله اغا كتخدا الجاويشية ثم تحيلوا على قتل عبدالله بك ومحمد بك ابن ايواظ وإبراهيم بك ابن الجزار وذلك في سنة ست وثلاثين ومائة وألف في أيام ولاية محمد باشا المذكور. وسيأتي تتمة ذلك في ذكر تراجمهم وقلدوا ذا الفقار قاتل إسمعيل بك الصنجقية وكشوفية المنوفية. ج / 1 ص -98- وانضم إليه من كان خاملا من الفقارية وبدأ أمرهم في الظهور. فممن انضم إليه مصطفى بك يلفيه ومحمد بك أمير الحاج وهو ابن إسمعيل بك الكبير الفقاري وإسمعيل بك الدالي وقيطاس بك الأعور وإسمعيل بك ابن سيده ومصطفى بك قزلار وخلافهم اختيارية واغوات من الوجاقلية ونظم أموره وقضى لوازمه واشغاله وجعل مصطفى افندي الدمياطي كاتب تركي وعزم على السفر إلى المنوفية وركب في موكب حافل وصحبته من ذكر من الفقارية. وكان رجب كتخدا ومحمد جاويش الداودية متوجهين إلى بيت محمد بك جركس وكانا خصيصين به وبيدهما باب الينكجرية مع الاقواسي ولهما الكلمة بالباب دون القازدغلية. فصادفا موكب ذي الفقار فوقفا ونظرا إلى الراكبين معه من الفقارية فتغير خاطرهم على جركس وتكدر مزاجهما وترحما على إسمعيل بك ابن ايواظ. ولما دخلا على جركس نظر اليهما فرآهما منفعلين فسألهما عن سبب انفعالهما فاخبراه بما راياه. وقالا أن دام هذا الحال قتلنا الفقارية فقال يكون خيرا. ثم أمر الصيفي بقتل اصلان وقيلان فوظب معه سراجا يثق به وأمره أن يقف في سلالم المقعد فعندما علم بحضورهما أحدث الصيفي مشاجرة مع ذلك السراج وفزع عليه بالطبنجة فهرب السراج من إمامه فجرى الصيفي خلفه فاخرج ذلك السراج طبنجته أيضا ورفع زنادها فقال له: اصلان عيب فافرغها فيه وفرغ أيضا الصيفي طبنجته في قيلان وذلك بسلالم المقعد ببيت جركس ومسح الخدم الدم وأخذوا خيولهما وأرسلوا المقتولين إلى بيوتهما في تابوتين. ثم أن محمد بك جركس طلع إلى القلعة وطلب من الباشا فرمانا بتجريدة يرسلها إلى ذي الفقار ومن معه من الفقارية فامتنع الباشا وقال: رجل خاطر بنفسه بمعرفتكم واطلاعكم كيف إني اعطيكم بعد ذلك فرمانا بقتله. فقام جركس ونزل إلى بيته ولم يطلع بعد ذلك إلى الديوان واهملوا الدواوين والباشا. فلما ضاق خناق الباشا أبرز ج / 1 ص -99- مرسوما برفع صنجقية جركس وكتب فرمانات للمشايخ والوجاقلية بذلك ويمنعهم من الذهاب إليه وبلغ إلى جركس فتدارك الأمر وعمل جمعيات ورتب أمورا واجتمعوا بالرميلة وحوالي القلعة وعزلوا الباشا وانزلوه واسكنوه في بيت ابن الدالي وكان ذلك في أواخر سنة سبع وثلاثين فكانت مدته في هذه المدة أربع سنوات وأرسلوا له محمد بك ابن أبي شنب فخلع عليه وجعلوه قائمقام وأخذوا منه فرمانا بالتجريدة على ذي الفقار وجعلوا إبراهيم بك فارسكور أمير العسكر وكاشف المنوفية. ووصل الخبر إلى ذي الفقار بك بما حصل من مصطفى بك بلغيه فوزع طوائفه في البلاد ودخل إلى مصر خفية إلى بيت أحمد اوده باشا مطر باز فلما سافر إبراهيم بك بالتجريدة فلم يجده فضبط موجوداته وتحقق من المخبرين أنه دخل إلى مصر وأرسل الخبر بذلك لجركس فامر لهلوبة الوالي والصيفي بالفحص ولتفتيش عليه وأرسلوا عرضحال محضرا بما نمقوه وبنزول الباشا. وكان محمد باشا أرسل قبل ذلك مكاتبات لرجال الدولة بما حصل بالتفصيل فلما وصل عرض المصريين عينوا علي باشا واليا جديدا إلى مصر بتدبير ومكيدة وصحبته قبودان وقابجي بطلب الأربعة الاف كيس التي جعلها محمد بك ابن أبي شنب حلوانا على بلاد الشواربية. بعض الحوادث في تلك السنة. ومن الحوادث في أيام محمد باشا أن في أول الخماسين طلع الناس على جري العادة في ذلك لاشتنشاق النسيم في نواحي الخلاء وخرج سرب من النساء إلى الازبكية وذهب منهن طائفة إلى غيط الأعجام تجاه قنطرة الدكة فحضر اليهن جماعة سراجون وبأيديهم السيوف من جهة الخليج وهم سكارى وهجموا عليهن وأخذوا ثيابهن وما عليهن من الحلي والحلل. ج / 1 ص -100- ثم أن الخفراء وأوده باشة القنطرة حضروا اليهن بعد ذهاب أولئك السراجين فأخذوا ما بقي وكملوا بقية النهب وجميع من كان هناك من النساء من الأكابر ومن جملة ما ضاع حزام جوهر وبشت جوهر قالوا: إن الحزام قيمته تسعة أكياس والبشت خمسة أكياس. ومن جملة من أن هناك آمنة الجنكية وصحبتها امرأة من الأكابر فعروهما وأخذوا ما عليهما وكان لها ولد صغير وعلى راسه طاقية عليها جواهر وبنادقة وزوجا أساور جوهر وخلخال ذهب بندقي قديم وزنه أربعمائة مثقال. ومن جملة ما أخذوا لباس شبيكة من الحرير الأصفر والقصب الأصفر وفي كل عين من السبيكة لؤلؤة شريط مخيش والدكة كذلك وأخذوا أزرهن وفرجياتهن وأرسلن إلى بيوتهن فتاتين بثياب يستترن بها وذهبن. وكانت هذه الحادثة من اشنع الحوادث. ثم أن في ثاني يوم قدموا عرضحال إلى الباشا وأخذوا على موجبه فرمانا إلى اغات الينكجرية على أنه يتوجه وصحبته الوالي وأوده باشة البوابة فذهبوا إلى محل الواقعة واحضروا أهل الخطة فشهدوا على أن هذه الفعلة من الخفراء بيد اوده باشة مركز القنطرة وهو الذي أرسل السراجين والحمارة فقبضوا على الخفراء والأوده باشا وسئلوا فانكروا فحبس الأوده باشا في بابة والخفراء في العرقانة وأمر الباشا الوالي بعقابهم فلما رأوا آلة العذاب اقروا أن ذلك من فعل الأوده باشا. فأخذوا منه مالا كثيرا ونفوه إلى أبي قير ونادى الأغا والوالي على النساء لا يذهبن إلى الغيطان بعد اليوم ولا يركبن الحمير. ومنها أنه ورد أغا من الديار الرومية في سابع عشر ربيع الآخرة سنة خمس وثلاثين وعلى يده مرسوم بدفع ستين كيسا إلى باشة جدة ليشتروا بها مركبا هنديا لحمل غلال الحرمين عوضا عن مركب غرقت قبل هذا التاريخ. وحضر صحبة ذلك الأغا عظيم من تجار الشوام ومعه اتباعه ووصل الجميع على خيل البريد إلى أن وصلوا إلى بركة الحاج. فنزلوا ج / 1 ص -101- ليأخذوا لهم راحة لكونهم وصلوا أرض الأمان وفارقهم الأغا فنزل عليهم سالم بن حبيب فعراهم وأخذ ما معهم وكذلك كل من صادفه في الطريق. ومن جملة ذلك سبعون جملا لعبدالرحمن بك محملة ذخيرة من الولجة إلى منزله وكذلك جمال عبدالله بك وجمال السقائين وحصل منهم ما لا خير فيه وكان صحبة سالم عرب الجزيرة ومغاربه. وسبب ذلك أنه لما طرد من دجوة وذهب إلى الصعيد فنزل إليه قيحاس بك وجمع عليه عربان القبائل وحاربه وقتل أولاده فرجع من خلف الجبل وقعد بالبركة وقطع الطريق. فلما وصل الخبر بذلك إلى مصر نزل إليه أمير الحاج وكاشف القليوبية حمزة بك تابع ابن ايواظ وعينوا صحبتهم عرب الصوالحة وهم نصف حرام فنزل أمير الحلي بالمسبك وجلس هناك وابن حبيب نازل في المساطب التي بعد البركة وناصب صيوان كاشف شرق اطفيح وكان نهبه وهو متوجه إلى قبلي فإن الكاشف لما أقبل عليه سالم رمح عليه وكان في قلة فهزمه سالم وأخذ صيوانه ونهب الوطاق والجمال وأخذ النقاقير ونزل البركة وربط خيوله هو ومن معه في الغيطان. فأكلوا ستة وثلاثين فدان برسيم في ليلة واحدة. ثم أن الباشا أرسل إلى أمير الحاج بالرجوع وعينوا عبدالله بك وحمزة بك وخليل اغا وأرسل إسمعيل بك صحبتهم خمسمائة جندي من اتباعه ومن البلكات ومعهم فرمان لجميع العرب بالتعمير في اوطانهم ما عدا سالم بن حبيب وإخوته ومن يلوذ به وسافرت لهم التجريدة وارتحل ابن حبيب وسار إلى جهة غزة. ونهبت التجريدة ما في طريقهم من البلاد وأرسل إليهم الباشا فرمانا بالعود فرجعوا من غير طائل. ومنها أنه ورد شاهقتان وهما مركبان من أرض حوران مملؤتان قمح حنطة في كل واحدة عشرة آلاف أردب بيعتا في دمياط وكان سعر الغلة غاليا بمصر لقصور النيل في العام الماضي وتسامعت البلاد بذلك. ج / 1 ص -102- فهذا هو السبب في ورود هذين المركبين. وفي شهر ذي القعدة سنة خمس وثلاثين ومائة وألف تقلدا الصنجقية علي اغا الارمني الذي عرف بابي العزب وكذلك علي اغا صنجقية وامين العنبر وحاكم جرجا وكمل بذلك صناجق مصر أربعة وعشرين صنجقا. وكانوا في المعتاد القديم اثنين وعشرين وكتخدا الباشا وقبطان الأسكندرية فتكرم اباشا بصنجقية كتخداه لعلى بك الارمني أكرما لإسمعيل بك ابن ايواظ بك فكمل بذلك عشرة من اتباع إسمعيل بك وهم إسمعيل بك الدفتردار وعبدالله بك واخوه محمد وحمزة بك وعلي بك الهندي وصاري علي بك وإبراهيم بك خازندار الجزار وعبدالرحمن بك ولجه وعلي بك هذا المعروف بابي العزب وهو عاشرهم ومن بيت أبي شنب محمد بك ابنه وجركس الكبير ومملوكه جركس الصغير وقاسم الكبير وقاسم الصغير والأعسر وإبراهيم بك فارسكور وذو الفقار تابع قانصوه ومصطفى بك القزلار وقيطاس بك تابع قيطاس بك الكبير وابن إسمعيل بك الدفتردار وهو محمد بك وأحمد بك المسلماني ومرجان جور وإبراهيم الوالي تتمة أربعة عشرة. وتقلد كشوفية الغربية محمد بن إسمعيل بك والبحيرة أحمد بك الأعسر وبني سويف قاسم بك الصغير والجيزة محمد بك أبي شنب الدفتردار والشرقية عبدالرحمن بك. ولبس علي القليوبية خليل اغا بعد عزله من اغاوية الجراكسة وتقلد قيطاس بك كشوفية المنوفية بعد عزله من اغاوية التفكجية وتقلد حسين اغا ابن محمد اغا تابع البكري كشوفية الفيوم وإبراهيم بك الوالي على الخزينة والبس إسمعيل بك محمد اغا ابن اشرف علي اغاوية الجملية على ما هو عليه. وكان أراد محمد بك تلبيس مصطفى اغا بلغيه فحصل بين محمد بك ابن أبي شنب وبين إسمعيل بك ابن ايواظ بك غم وكلام في الديوان فلما رأى مصطفى اغا ذلك ما وسعه إلا النزول من باب الميدان وتركهم والبس عبد الغفار أفندي ج / 1 ص -103- اغاوية الجراكسة ومصطفى اغا تابع عبدالرحمن بك اغات متفرقة. وركب إسمعيل بك بطائفته ونزل من باب الجبل إلى قصره بمصر القديمة ونزل بن أبي شنب والأعسر وقاسم بك وهم مملؤون من الغيظ. وفي رجب قبل ذلك ورد اغا من الديار الرومية وعلى يده مرسوم وسيف وقفطان للشريف يحيي شريف مكة وتقرير للباشا على السنة واغاوية المتفرقة لعبد الغفار افندي ولم يسبق نظير ذلك. وان اغاوية المتفرقة تاتي من الديار الرومية وسبب ذلك أن حسن افندي والد عبد الغفار افندي كان عنده طواشي اهداه إلى السلطنة فأرسل ذلك الأغا اغاوية المتفرقة إلى ابن سيده فالبسه الباشا القفطان على ذلك فحصل بسبب ذلك فتنة في الوجاق. وسبب ذلك أن وجاقهم فرقتان ظاهرتان بخلاف غيره والظاهر منهما ستة اشخاص من الاختيارية وهم سليمان اغا الشاطر وعلي اغا وعبدالرحمن اغا القاشقجي وخليل اغا وإبراهيم كاتب المتفرقة سابقا وكبيرهم محمد اغا السنبلاوين وهم من طرف محمد بك جركس لكن لما ظهر إسمعيل بك انحطت كلمتهم وظهرت كلمة الذين من طرف إسمعيل بك وهم إسمعيل اغا ابن الدالي وأحمد حلبي بن حسين اغا أستاذ الطالبية وأيوب جلبي. فلما تولى عبد الغفار اغاوية لحق أولئك الحقد والحسد وتناجوا فيما بينهم على أن يملكوا الباب فاجتمعوا بانفارهم وملكوا الباب فهرب عبد الغفار اغا إلى بيت إسمعيل بك وكان عنده الجماعة الآخرون. فدخل عليهم عبد الغفار اغا واخبرهم بما حصل فاشار عليهم إسمعيل بك أن يذهبوا إلى بيت أحمد جلبي ويجعلوه محل الحكم. وأرسل أولئك الطرف فطلبوا محمد اغا ابطال وباكير اغا تابع إسمعيل بك الكبير ومصطفى اغا وكانوا منفيين من بابهم إلى العزب وكانوا كبراءهم وخرجوا منهم في واقعة جركس المتقدمة فآبوا من الحضور اليهم. فلما ابوا عليهم عملوا القاشقجي باش اختيار عوضا عن ابطال وعزلوا وولوا على ج / 1 ص -104- مرادهم وطلع في صبحها إسمعيل بك إلى الديوان وصحبته علي بك وأمير الحاج واخبروا الباشا بما حصل فأرسل اثنين اغوات ومن كل وجاق اثنين اختيارية لينظروا الخبر ففزعوا عليهم فرجعوا وأخبروا الباشا والأمراء فأرسل لهم فرمانا بنفيهم إلى الكشيدة فأبوا وصمموا على عدم ذهابهم إلى الكشيدة. وأقام الأمراء عند الباشا إلى الغروب ثم إنهم نزلوا ووعدوا الباشا أنهم في غد يفصلون هذا الأمر وإن لم يمتثلوا حاربناهم. فلما كان في ثاني يوم عملوا جمعية واتفقوا على توزيع الستة انفار على الست وجاقات وكتبوا من الباشا ست فرمانات لكل فرد منهم فرمان فكان كذلك وتفرقوا في الوجاقات. ونزل إسمعيل بك ابن ايواظ ثالث عشر رجب سنة خمس وثلاثين إلى بيته بعد اقامته في باب العزب ثلاثة أيام في طائفته ومماليكه وصناجقه بحيث أن أوائل الطائفة دخلوا إلى البيت قبل ركوبه من باب العزب وكان خلفه نحو المائتين بالطرابيش الكشف وتمم الأمر على مراده. ثم تحقق الخبر فظهر له أن أصل هذه الفتنة من إسمعيل اغا ابن الدالي فطلع في ثاني يوم إلى الديوان والبس إسمعيل اغا اغاوية العزب واحضر محمد اغا ابطال وباكير أغا ومصطفى اغا من باب العزب وردهم إلى محلهم وعمل ابطال باش اختيارا. وفي ذلك اليوم حضر عبدالله بك وحمزة بك المتوجهان إلى العزب ومعهما أربعامئة وخمسون راسا وسبعة من المقادم بالحياة فأرسل اليهما إسمعيل بك بأن يرميا الرؤوس في الخانقاة ويقتلا الذين بالحياة ويدخلا إلى مصر بالليل ففعلا ذلك والله اعلم بغرضه في ذلك. وفي أيامه أيضا في شعبان سنة خمس وثلاثين ورد عرضحال من مكة بان يحيى الشريف وعلي باشا والي جدة وعسكر مصر الذين عينوا صحبة أحمد بك المسلماني وأهل مكة تحاربوا مع الشريف مبارك شريف مكة ج / 1 ص -105- سابقا وكان معه سبعة الاف من العرب اليمانية ووقع بينهم مقتلة عظيمة وسقط علي باشا من على ظهر جواده إلا أن أحمد بك ادركه وانقذه بجواده الجنيب فخلع على أحمد خلعة سمور وسردارية مستحفظان. وكان ذلك في عرفات وقتل من العرب زيادة عن الفين وخمسمائة ومن العسكر نحو الخمسين ومن اتباع الباشا كذلك. ومات علي اغا سردار جمليان وكان الباشا قتل من الأشراف اثني عشر شخصا وكانوا في جيرة الشريف يحيى وقد ابطل الجيرة ثم إنهم رجعوا بعد المعركة إلى جدة وإنهم مجتهدون في جمع اللموم وقادمون علينا بمكة والقصد الاهتمام والتعجيل بارسال قدر ألف وخمسمائة عسكري وعليهم صنجق لأن الذين عندنا عندما ينقضي الحج يذهبون إلى بلادهم وتصير مكة خالية. وقد اخبرناكم وأرسلنا بمثل ذلك إلى الديار الرومية صحبة الشيخ جلال الدين ومفتي مكة فكتب الباشا والأمرااء بذلك أيضا وانتظروا الجواب. ثم ورد الساعي واخبر بوصول علي باشا إلى سكندرية في غليون البليك وحضر بعد يومين المسلم بقائم مقامية لمحمد بك جركس فخلع عليه فروة سمور وانزله بمكان شهر حواله ورتب له تعيينات. وسافرت الملاقاة وأرباب الخدم والجاويشية والملازمون. وقلد محمد بك خازنداره رضوان صنجقية وجعله أمين السماط وأخذ الخاصكية من علي بك الهندي واعطاها لرضوان المذكور وأبطل الخط الشريف الذي بيده بالخاصكية قيد حياته. تاريخ عجائب الآثار في التراجم والأخبار سنة ثمان وثلاثين. ووصل علي باشا في منتصف ربيع أول سنة 1138 وركب إلى العادلية وخلع خلع القدوم وقدموا له التقادم وطلع إلى القلعة بالموكب المعتاد وضربوا له المدافع والشنك وسكن الحال. ثم أن محمد باشا المنفصل ج / 1 ص -106- أرسل تذكرة على لسان كتخداه خطابا لمصطفى بك بلغيه وعثمان جاويش القازدغلي مضمونها أن حضرة الباشا يسلم عليكم ويقول لكم: لا بد من التدبير في ظهور ذي الفقار وقطع بيت أبي شنب حكم الأمر السلطاني وتحصيل الأربعة آلاف كيس الحلوان المعين بها القابجي. فلما وصلت التذكرة إلى مصطفى بك أحضر عثمان جاويش وعرضها عليه فقال: هذا يحتاج أولا إلى بيت مفتوح تجتمع فيه الناس. فاتفقا على ضم علي بك الهندي اليهما وهو يجمع طوائف الصناجق المقتولين ومماليكهم ثم يدبرون تدبيرهم بعد ذلك. فاحضروه وعرضوا عليه ذلك فاعتذر بخلويدة فقالوا له: نحن نساعدك وكل ما تريده يحضر اليك. واحضر أحمد اوده باشا المطرباز ذا الفقار بك عند علي بك الهندي ليلا ثم أن علي بك الهندي أحضر مصطفى جلبي بن ايواظ فاحضر كامل طوائف أخيه وجماعة الأمراء المقتولين وبلغ محمد بك جركس أن علي بك الهندي عنده لموم وناس. فأرسل له رجب كتخدا ومحمد جاويش يأمره بتفريق الجمعية ووعده برد نظر الخاشكية إليه. فلما وصلا إليه وجدا كثرة الناس والازدحام وأكلا وشربا فقال له رجب كتخدا ايش: هذا الحال وانت اعتقدانها خلي وجمع الناس يحتاج إلى مال. فقال له: وكيف افعل قال: اطردهم. قال: وكيف اطردهم وهم ما بين ابن أستاذي وخشداشي وابن خشداشي حتى إني رهنت بلدا. فقال أقعد مع عائلتك وخدمك ونرد لك نظر الخاصكية واخلص لك البلد المرهونة. قال: يكون خيرا. وانصرفا من عنده ودخل علي بك فاخبر ذا الفقار بذلك فقال له: أرسل الي سليمان اغا أبي دفية يوسف جربجي البركاوي. فأرسل اليهما واحضرهما وادخلهما إليه وتشاوروا فيما يفعلونه. فاتفقوا على قتل إبراهيم افندي كتخدا العزب وبقتله يملكون باب العزب. وعند ذلك يتم غرضنا. فاصبحوا بعدما دبروا أمرهم مع الباشا المعزول والفقارية والشواربية وفرقوا الدراهم. فركب أبو دفية بعد الفجر وأخذ في طريقه ج / 1 ص -107- يوسف جربجي البركاوي ودخلا على إبراهيم كتخدا عزبان فركب معهم إلى الباب. وتطليس ذو الفقار وأخذ صحبته سليمان كاشف ويوسف زوج هانم بنت ايواظ بك ويوسف الشرايبي ومحمد بن الجزار وأتوا إلى الرميلة ينتظرونهم بعدما ربطوا المحلات والجهات. فعندما وصل إبراهيم كتخدا إلى الرميلة تقدم إليه سليمان كاشف ليسلم عليه وتبعه خازنداره ابن ايواظ وضربه فسقط إلى الأرض ورمحوا إلى الباب فطردوا البكجية وملكوه. وركب في الحال محمد باشا وحضر إلى جامع المحمودية ونزل علي باشا إلى باب العزب واجتمعت كامل صناجق نصف سعد وقسموا المناصب مثل الحال القديم أمير الحلي من الفقارية والدفتردار من القاسمية ومتفرقة باشا من الفقارية وكتخدا الجاويشة من القاسمية ونحو ذلك. وقرأوا فاتحة على ذلك واغات الينكجرية أبو دفية. ومصطفى فندي الدمياطي زعيم وكان القبودان أتى من الأسكندرية ونزل في قصر عثمان جاويش القازدغلي بعسكره فأتى بهم وملك السلطان حسن وكرنك به مع ذي الفقار بك. وخلع محمد باشا على علي بك الهندي دفتردار وعلى ذي الفقار صنجقيته كما كان وعلى علي كاشف قطامش صنجقية وعلى سليمان كاشف صنجقية وحاكم جرجا وعلى مصطفى جلبي ابن ايواظ صنجقية وعلى يوسف اغا زوج هانم صنجقية وعلى يسف الشرايبي صنجقية وسليمان أبي دفية أغات مستحفظان الدمياطي والي. وحضر إليهم محمد بك أمير الحاج سابقا ومصطفى بك بلغيه وإسمعيل بك الدالي وقيطاس بك الكور وإسمعيل بك ابن قيطاس وأقاموا في المحمودية. هذا ما كان من هؤلاء وأما محمد بك جركس فإنه استعد أيضا وأرسل إلى بيت قاسم بك عدة كبيرة من الأجناد ومدافع وعملوا متاريس عند درب الحمام وجامع الحصرية هجمت عساكرهم على من بسبيل المؤمن بالبنادق والرصاص حتى اجلوهم وهزموهم وهربوا إلى جهة القلعة وسوق السلاح. ج / 1 ص -108- وأكثرهم لم يدرك حصانه. فلما وقع ذلك عملوا متاريسهم في الحال عند مذبح الجمال ورموا على من بالمحمودية وهرب المجتمعون بالرميلة وبنى طائفة جركس في الحال متاريس عند وكالة الأشكنية وارتبك أمر الفرقة الاخرى. ثم أن يوسف جربجي البركاوي وكان حين ذاك من الخاملين القشلانين وتقدم له الطلوع بالسفر سردار بيرق رمى نفسه في الهلاك وتسلق من باب العزب ونط الحائط والرصاص نازل وطلع عند محمد باشا والصناجق بالمحمودية وطلب فرمانا لكتخدا العزب يعطيه بيرق سردن جشتي ومائة نفر وضمن لهم طرد الذين بسبيل المؤمن وملك بيت قاسم بك وعند ذلك يسير البيارق على بيت جركس. وشرط عليهم أن يجعلوه بعد ذلك كتخدا العزب فكعلوا ذلك ونزل بمن معه من باب الميدان وسار بهم من جانب تكية إسمعيل باشا وهناك باب ينفذ على تربة الرميلة فوقف بهم هناك وطوى البيرق وهجم بمن معه على سبيل المؤمن بطلق رصاص متتابع وهم مهللون على حين غفلة. فاجلوهم وفروا من مكانهم إلى درب الحصرية وهم في أقفيتهم حتى جاوزوا متاريسهم وملكوها منهم ودخلوا بيت قاسم بك وأداروا المدافع على بيت قاسم بك وصعدوا منارة جامع الحصرية ورموا بالبنادق على بيت قاسم بك. فعند ذلك نزلت البيارق من الأبواب وساروا إلى جهة الصليبة وطلع القبودان إلى قصر يوسف ورتب مدفعا على بيت جركس على الرحيل والفرار فخرج معه أحمد بك الأعسر ومحمد بك جركس الصغير واركب خمسة من مماليكه على خمسة من الهجن المحملة بالمال وذهبوا إلى جهة مصر القديمة وعدوا إلى البر الآخر وساروا وتخلف منهم بمصر محمد بك ابن أبي شنب وعمر بك أمير الحاج ورضوان بك وعلى بك وإبراهيم بك فارسكور. وطلع محمد باشا إلى القلعة ثانيا. ج / 1 ص -109- ونزل علي باشا وسافر إلى منصبه بكريد. وترأس ذو الفقار بك وقلد عثمان بك كاشف مملوكه صنجقية وهو عثمان بك الشهير الذي يأتي ذكره وأرسلوه صحبة يوسف بك زوج هانم بنت ايواظ خلف محمد بك جركس ومعهم عساكر واغات البلكات فصاروا كل من وجدوه من اتباع جركس بالجيزة أو خلافها يقتلونه. ووقعوا بأحمد افندي الروزنامجي فأرسلوه إلى محمد باشا فسجنه مع المعلم داود صاحب العيار بالعرقانة ثم قتلوهما وقتلوا عمر بك أمير الحاج ومحمد بك ابن أبي شنب وجدوه ميتا بالجامع الأزهر وعملوا رجب كتخدا سردار جداوي والاقواسي يمق. وخرجا إلى بركة الحاج ليذهبا إلى السويس فأرسلوا من قتلهما وأتى برؤوسهما ونهبوا بيوت المقتولين والهربانين وبيت جركس الكبير ومن معه. وبعد أيام رجع عثمان بك ويوسف بك والتجريدة فاخبروا ذا الفقار بك وعلي بك الهندي أنهم وصلوا حوش ابن عيسى سألوا العرب عن محمد بك جركس ومن معه فأخبروهم أنهم باتوا هناك. ثم أخذوا معهم دليلا اوصلهم إلى الجبل الاخضر وركبوا من هناك إلى درفه. وكان هروب جركس وخروجه من مصر يوم السبت سابع جمادي الآخرة سنة ثمان وثلاثين ومائة والف. ثم إنهم عملوا جمعية وكتبوا عرضحال بما حصل واعطوه للقابجي وسلموه ألف كيس من أصل حلوان بلاد إسمعيل بك ابن ايواظ أمرائه وبلاد أبي شنب وابنه وامرأته أيضا وذلك خلاف بلاد محمد بك قطامش ورضوان اغا وكور محمد اغا كتخدا قيطامس بك وكتبوا أيضا مكاتبة إلى الوزير الأعظم بطلب محمد بك قطامش تابع قيطاس بك الذي تقدم ذكره وهروبه إلى الروم بعد قتل سيده وختم عليه جميع الأمراء الصناجق والاغوات وأعطاه الباشا إلى قابجي باشا فلما وصل إلى الدولة طلب الوزير محمد بك فلما حضر بين يديه قال له: أهل مصر أرسلوا يطلبونك إليهم بمصر. فاعتذر بقلة ذات يده وانه مديون ج / 1 ص -110- فانعموا عليه بالدفتردارية والذهاب إلى مصر وكتبوا فرمانات لسائر الجهات باهدار دم محمد بك جركس اينما وجد لأنه عاص ومفسد وأهل شر وذلك حسب طلب المصريين. ثم أن محمد باشا والي مصر خلع على جماعة وقلدهم امريات فقلد مصطفى بن ايواظ صنجقية وحسن اغات الجملية سابقا صنجقية وإسمعيل بن الدالي صنجقية ومحمد جلبي بن يوسف بك الجزار صنجقية وسليمان كاشف القلاقي صنجقية وذلك خلاف الوجاقات والبلكات والسدادرة وغيرهم. وسكن الحال وانتهت الرياسة بمصر إلى ذي الفقار بك وعلي بك الهندي. وحضر محمد بك إلى مصر من الديار الرومية فلم يتمكن من الدفتردارية لأن علي بك الهندي تقلدها بموجب الشرط السابق وكل قليل يذاكر محمد بك ذا الفقار بك فيقول له: طول روحك. فاتفق أن علي بك المعروف بابي العذب ومصطفى بك بن ايواظ ويوسف بك الخائن ويوسف بك الشرايبي وعبدالله اغا كتخدا الجاويشية وسليمان اغا ابادفية والكل من فرقة القاسمية كانوا يجتمعون في كل ليلة عند واحد منهم يعملون حظا ويشربون شرابا. فاجتمعوا في ليلة عند علي بك أبي العذب فلما أخذ الشراب من عقولهم تأوه مصطفى بك ابن ايواظ وقال: يموت العزيز أخي الكبير والصغير ويصير الهندي مملوكنا سلطان مصر ونأكل من تحت يده والباشا في قبضته. وكان النيل قريب الوفاء فقال علي بك: أنا أقتل الباشا يوم جبر البحر. وقال أبو دفية: وأنا أقتل ذا الفقار. وقال مصطفى بك: وأنا أقتل الهندي. وكل واحد من الجماعة التزم بقتل واحد وقرأوا الفاتحة وكان معهم مملوك أصله من مماليك عبدالله بك ولما قتل سيده هرب إلى الهند وأقام في خدمته أياما فلما تقلد مصطفى بك الصنجقية أخذه من علي بك الهندي. فلما سمع منهم ذلك القول ذهب إلى علي بك الهندي وأخبره. فأرسله إلى ذي الفقار فاخبره أيضا. فبعثه إلى الباشا فاخبره فلما كان يوم الديوان وطلع علي بك أبو ج / 1 ص -111- العذب قبض عليه الباشا وقتله تحت ديوان قايتباي واحاط بداره ونهب ما فيها وكان شيئا كثيرا. وأرسل في الوقت فرمانا إلى الأغا بالقبض على باقي الجماعة فقبضوا على مصطفى بك ابن ايواط واركبوه حمارا وصحبته مقدمه واحضروه إلى الباشا فامر بقتله وقتل معه مقدمه أيضا واختفى الباقون. وأخذ ذو الفقار فرمانا ينفي هانم بنت ابواظ بك وام محمد بك ابن أبي شنب ومحظيته علي بك فمانع عثمان جاويش القازدغلي في ذلك واستقبحه وضمن غائلتهن والزمهن أن لا يخرجن من بيوتهن ورتب لهن كفايتهن. فلما حصل ذلك ضعف جانب القاسمية وانفرد علي بك الهندي وكان ذو الفقار أرسل إلى الشام فاحضر رضوان اغا ومحمد اغا الكور فجعلوا رضوان اغا اغات الجملية ومحمد بك الجزار غائب باقليم المنوفية. فعند ذلك اغتنموا الفرصة وتحرك محمد بك قطامش في طلب الدفتردارية فدبروا أمرهم مع يوسف جربجي عزبان البركاوي ورضوان اغا وعثمان جاويش القازدغلي وقتلوا علي بك الهندي وذا الفقار قانصوه وأرسلوا إلى محمد بك الجزار تجريدة واميرها إسمعيل بك قيطاس وهو باقليم المنوفية وقلدوا مصطفى افندي الدمياطي صنجقية وجعلوه حاكم جرجا. وقبضوا على سليمان بك أبي شنب وقضى إسمعيل بك اشغاله وسافر بالتجريدة إلى المنوفية وأخذ صحبته عربان نصف سعد وساروا إلى محمد بك الجزار. وأن كلما وصله الخبر أخذ ما يعز عليه وترك الوطاق وارتحل إلى جسر سديمة فلحقوه هناك وحاربوه وحاربهم وقتل بينهم أجناد وعرب وحمى نفسه إلى الليل. ثم أخذ معه مملكوين وبعض احتياجات ونزل في مركب وسار إلى رشيد وترك أربعة وعشرين مملوكا فأخذوا الهجن وساروا ليلا مبحرين حتى جاوزوا وطاق إسمعيل بك وتخلف عنهم مملوك ماشي فذهب إلى وطاق إسمعيل بك قيطاس وعرفه بمكانهم فأرسل إليهم كتخداه بطائفة فردوهم واخذهم عنده فاقاموا في خدمته. ولم ج / 1 ص -112- يزل محمد بك في سيره حتى دخل إلى رشيد واختفى في وكالة ووصل خبره إلى حسين جربجي الخشاب فقبض عليه وقتله بعد أن أستاذن في ذلك وتقلد في نظير ذلك الصنجقية وكشوفية البحيرة. تاريخ عجائب الآثار في التراجم والأخبار سنة أربعين ومائة وألف. ونزل بعد ذلك إلى البحيرة ثم حضر محمد بك جركس من غيبته ببلاد الافرنج وطلع على درنه وأرسل مركبه التي وصل فيها إلى الأسكندرية وحضر إليه أمراؤه الذين تركهم قبل جهة قبلي فركب معهم ونزل إلى البحيرة ليصل الأسكندرية. فصادف حسين بك الخشاب ففر منه وغنم جركس خيامه وخيوله وجماله. ثم رجعا إلى الفيوم ونزل على بني سويف ثم ذهب إلى القطيعة قرب جرجا واجتمع عليه القاسمية المشردون فحاربه حسين بك حاكم جرجا والسدادرة وقتل حسن بك وطائكته واستولى على وطاقهم وعازفهم. ووصلت اخباره إلى مصر فجمع ذو الفقار بك جمعية واخرج فرمانا بسفر تجريدة فسافر إليه عثمان بك وعلي بك قطامش وعساكر فتلاقوا معه بوادي البهنسا. فكانت الهزيمة على التجريدة واستولى محمد بك جركس ومن معه على عرضيهم وخيامهم وحال بينهم الليل ورجع المهزومون إلى مصر. فجمع ذو الفقار الأمراء واتفقوا على التشهيل وإخراج تجريدة اخرى فاحتاجوا إلى مصروف فطلبوا فرمانا من الباشا بمبلغ ثلثمائة كيس من الميري عن السنة القابلة فامتنع عليهم فركبوا عليه وانزلوه وقلدوا محمد بك قطامش قائمقام وأخذوا منه فرمانا بمطلوبهم وجهزوا أمر التجريدة واهتموا فيها اهتماما زائد ورتبوا اشغالهم. وخرجوا وجرت أمور وحروب وقتل من جماعة جركس سليمان بك ثم وقعت الهزيمة على جركس. ج / 1 ص -113- تولية باكير باشا وعزله. ووصل إلى مصر باكير باشا وذلك في سنة اثنتين وأربعين ومائة وألف وطلع إلى القلعة فمكث أشهرا وعزله العساكر في أواخر السنة وحصل بمصر في أيام هذه التجار يدضنك عظيم وثار جماعة القاسمية المختفون بالمدينة ودبروا مكرهم ورئيسهم في ذلك سليمان اغا أبو دفية. ودخل منهم طائفة على ذي الفقار بك وقت العشاء في رمضان وقتلوه. وكان محمد بك جركس جهة الشرق ينتظر موعدهم معه فقضى الله بموت جركس خارج مصر وموت ذي الفقار داخلها. ولم يشعر أحدهما بموت الآخر وكان بينهما خمسة أيام وثارت اتباع ذي الفقار بالقاسمية وظهروا عليهم وقتلوهم وشردوهم ولم يقم منهم قائم بعد ذلك إلى يومنا هذا. وانقرضت دولة القاسمية من الديار المصرية وظهرت دولة الفقارية وتفرع منها طائفة القازدغلية وسيأتي تتمة الأخبار عند ذكر تراحمهم في وفياتهم. وقد جعلت هذا فضلا مستقلا من أول القرن إلى سنة اثنتين وأربعين ومائة وألف التي هي آخر دولة القاسمية. تاريخ عجائب الآثار في التراجم والأخبار ذكر من مات في هذه السنين. من العلماء والاعاظم على سبيل الإجمال بحسب الامكان فإني لم أعثر على شيء من تراجم المتقدمين من أهل هذا القرن ولم أجد شيئا مدونا في ذلك إلا ما حصلته من وفياتهم فقط وما وعيته في ذهني واستنبطته من بعض أسانيدهم واجازات اشياخهم على حسب الطاقة وذلك من أول القرن إلى آخر سنة اثنتين وأربعين ومائة ألف وهي أول دولة السلطان محمود بن عثمان. وأولهم الإمام العلامة والحبر الفهامة شيخ السلام والمسلمين وارث علوم سيد المرسلين الشيخ محمد الخرشي المالكي شارح خليل وغيره ويروى عن والده الشيخ عبدالله الخرشي وعن العلامة الشيخ إبراهيم ج / 1 ص -114- اللقاني كلاهما عن الشيخ سالم السنهوري المالكي عن النجم الغيطي عن شيخ الإسلام زكريا الأنصاري عن الحافظ بن حجر العسقلاني بسنده إلى الإمام البخاري توفي سنة أحدى ومائة وألف. ومات الشيخ الإمام شمس الدين محمد بن داود بن سليمان العناني نزيل الجنبلاطية أخذ عن علي الحلبي صاحب السيرة والشهاب الغزي والشمس البابلي والشهاب الخفاجي والبرهان اللقاني وغيرهم. حدث عنه حسن بن علي البرهاني والخليفي والبديري وغيرهم توفي سنة ثمان وتسعين وألف. ومات إمام المحققين وعمدة المدققين صاحب التآليف العديدة والتصانيف المفيدة السيد أحمد الحموي الحنفي ومن تصانيفه شرح الكنز وحاشية الدرر والغرر والرسائل وغير ذلك. توفي أيضا في تلك السنة رحمه الله ومن شيوخه الشيخ علي الاجهوري والشيخ محمد ابن علان والشيخ منصور الطوخي والشيخ أحمد البشبيشي والشيخ خليل اللقاني وغيرهم كالشيخ عبدالله بن عيسى العلم الغزي. ومات علامة الفنون الشيخ شمس الدين محمد بن محمد بن محمد ابن أحمد بن أمير الدين محمد الضرير بن شرف الدين حسين الحسيني الشهير بالشرنبابلي شيخ مشايخ الأزهر في عصره كذا ذكر نسبه شيخنا السيد مرتضى نقلا عن سبطه العلامة محمد بن بدر الدين أخذ عن شيوخ عدة كالشيخ سلطان المزاحي والشيخ علي الشبراماسي وأجازه البابلي وأخذ عنه اليليدي والملوي والجوهري والشبراوي بواسطة الشيخ عبد ربه الديوي توفي سنة اثنتين ومائة وألف. ومات الشريف المعمر أبو الجمال محمد بن عبد الكريم الجزائري روى عن أبي عثمان سعيد قدورة وابي البركات عبد القادر وابي الوفاء الحسن ابن مسعود البوسي وابي الغيث القشاشي واجازه البابلي والاجهوري. ج / 1 ص -115- ومحمد الزرقاني وعبدالعزيز بن محمد الزمزمي والشبراملسي والشهاب القيلوني والغنيمي والشهاب الشلبي ومحمد حجازي الواعظ ومفتي تعز محمد الحبشي والتجم الغزي والقشاشي والشهاب السبكي والمزاحي توفي سنة اثنتين ومائة وألف. ومات الإمام العالم العلامة أبو الامداد خليل بن إبراهيم اللقاني المالكي أخذ عن والده وعن إخويه عبدالسلام ومحمد اللقانيين والنور الاجهوري والشبراماسي والشيخ عبدالله الخرشي والشمس البابلي وسلطان المزاحي والشيخ عامر الشبراوي والشهاب القليوبي والشمس الشوبري الشافعي وأحمد الشوبري الحنفي وعبد الجواد الجنبلاطي ويس العليمي الشامي وأحمد الدواخلي وعلي النبتيتي وعقد دروسا بالمسجد الحرام وأخذ بها عن محمد بن علان الصديقي والقاضي تاج الدين المالكي وبالمدينة عن الوجيه الخياري وغرس الدين الخليلي وأجازوه توفي سنة خمس ومائة وألف. ومات الإمام أبو سالم عبدالله بن محمد بن أبي بكر العياشي المغربي الإمام الرحالة قرأ بالمغرب على شيوخ منهم اخوه الأكبر عبد الكريم ابن محمد والعلامة أبو بكر بن يوسف الكتاني وإمام المغرب سيدي عبد القادر الفاسي والعلامة أحمد بن موسى الأبار ورحل إلى المشرق فقرأ بمصر على النور الاجهوري والشهاب الخفاجي وإبراهيم المأموني وعلي الشبراملسي والشمس البابلي وسلطان المزاحي وعبدالجواد الطريني المالكي وجاور بالحرمين عدة سنين فأخذ عن زين العابدين الطبري وعبد الله بن سعيد باقشير وعلي بن الجمال وعبدالعزيز الزمزمي وعيسى الثعالبي والشيخ إبراهيم الكردي وأجازوه ورجع إلى بلاده وأقام بها إلى أن توفي سنة تسعين وألف وله رحلة مجلدات وذكر فيها أنه اجتمع بالشيخ حسن العجمي وأجاز كل صاحبه. ج / 1 ص -116- ومات الإمام الحجة عبدالباقي بن يوسف بن أحمد بن محمد بن علوان الزرقاني المالكي الوفائي ولد سنة عشرين وألف بمصر ولازم النور الاجهوري مدة وأخذ عن الشيخ يس الحمصي والنور الشبراملسي وحضر في دروس الشمس البابلي الحديثية وأجازه جل شيوخه وتلقى الذكر من أبي الاكرام توفي سنة خمس وأربعين وألف وتصدر للاقراء بالأزهر وله مؤلبفات منها شرح مختصر خليل وغيره توفي في رابع عشرين رمضان سنة تسع وتسعين وألف وصلى عليه إماما بالناس الشيخ محمد قوشي. ومات عالم القدس الشيخ عبدالرحيم بن أبي اللطف الحسيني الحنفي المقدسي قرأ بمكة على الإمام زين العابدين بن عبدالقادر الطبري وبمصر على الشيخ الشبراملسي والشمس البابلي والشمس الشوبري والفقه على الشهاب الشوبري الحنفي وحسن الشرنبلالي وعبدالكريم الحموي الطرابلسي وبدمشق على السيد محمد بن علي بن محمد الحسيني المقدسي الدمشقي توفي غريبا بأدرنة سنة أربع ومائة وألف. ومات الإمام العلامة شمس الدين محمد بن قاسم بن إسمعيل البقري المقرىء الشافعي الصوفي الشناوي أخذ علم القراآت عن الشيخ عبدالرحمن اليمني والحديث عن البابلي والفقه عن المزاحي والزيادي والشوبري ومحمد المنياوي والحديث أيضا عن النور الحلبي والبرهان اللقاني والطريقة عن عمه الشيخ موسى بن إسمعيل البقري والشيخ عبدالرحمن الحلبي الأحمدي وغالب علماء مصر أما تلميذه أو تلميذ تلميذه وألف واجاد وانفرد ومولده سنة ثماني عشرة وألف وتوفي في رابع عشرى جمادى الثانية سنة أحدى عشرة ومائة وألف عن ثلاث وتسعين سنة. ومات الأديب الفاضل الشاعر أبو بكر بن محمود بن أبي بكر بن أبي الفضل العمري الدمشقي الشافعي الشهير بالصفوري ولد بدمشق وبها ج / 1 ص -117- نشأ ورحل إلى مصر وتوطنها وأخذ بها عن الشمس البابلي ونظم سيرة الحلبي ولم يتمه وجمع ديوان شعره باسم الأستاذ محمد بن زين العابدين البكري وكان من الملازمين له توفي سنة اثنتين ومائة وألف ودفن بتربة الشيخ فرج خارج بولاق عند قصر الأستاذ البكري. ومات السيد عبد الله بن عبد الرحمن بن عبد الله بن أحمد بن محمد كريشه بن عبد الرحمن بن إبراهيم بن عبد الرحمن السقاف ترجمة صاحب المشرع فقال ولد بمكة وتربى في حجر والده وادرك شيخ الإسلام عمر ابن عبد الرحيم البصري وصحب الشيخ محمد بن علوي وألبسه الخرقة وكذا أبو بكر بن حسين العيدروس الضرير وزوجة ابنته وأخذ عنه العلوم الشرعية وزار جده وعاد إلى مكة وبها توفي ليلة الجمعة سنة أربع ومائة وألف. ومات الأستاذ زين العابدين محمد بن محمد بن محمد ابن الشيخ أبي المكارم محمد ابيض الوجه البكري الصديقي ولد سنة ستين وألف وكان تاريخ ولادته أشرق الافق بزين العابدين توفي سنة سبع ومائة وألف في الفصل ودفن عند اسلافه بجوار الإمام الشافعي رضي الله عنه. ومات السند شيخ الشيوخ برهان الدين إبراهيم بن حسن بن شهاب الدين الكوراني المدني ولد بشهران في شوال سنة خمس وعشرين وألف وأخذ العلم عن محمد شريف الكوراني الصديقي ثم ارتجل إلى بغداد وأقام بها مدة ثم دخل دمشق ثم إلى مصر ثم إلى الحرمين والقى عصا تسيارة بالمدينة المنورة ولازم الصيفي القشاشي ويه تخرج وأجازه الشهاب الخفاجي والشيخ سلطان والشمس البابلي وعبد الله بن سعيد اللاهوري وأبو الحسين علي بن مطير الحكمي وقد أجاز لمن ادرك عصره وتوفي ثامن عشرين جمادي الأولى سنة أحدى ومائة وألف. ومات الإمام العلامة برهان الدين إبراهيم بن مرعي الشبرخيتي المالكي. ج / 1 ص -118- تفقه على الشيخ الاجهوري والشيخ يوسف الفيشي وله مؤلفات منها شرح مختصر خليل في مجلدات وشرح على العشماوية وشرح على الأربعين النووية وشرح على الفية السيرة للعراقي مات غريقا بالنيل وهو متوجه إلى رشيد سنة ست ومائة وألف. ومات الأستاذ أبو السعود بن صلاح الدين الدنجيهي الدمياطي المولد والمنشأ الشافعي الفاضل البارع ولد سنة ألف ةوستين وجود القرآن على العلامة بن المسعودي أبي النور الدمياطي ثم قدم مصر ولازم دروس الشهاب البشبيشي وجد في الأشتغال وقدم مكة وتوفي وهو راجع من الحج بالمدينة في أوائل المحرم سنة تسع ومائة وألف. ومات الإمام العلامة مفتي المسلمين الشيخ حسن بن علي بن محمد ابن عبدالرحمن الجيرتي الحنفي وهو جد الشيخ الوالد أخذ عن أشياخ عصره من أهل القرن الحادي عشر كالبابلي والاجهوري والزرقاني وسلطان المزاحي والشبراملسي والشهاب الشويري وتفقه على الشيخ حسن الشرنبلالي الكبير ولازمه ملازمة كلية وكتب تقاريره على نسخ الكتب التي حضرها عليه ومنها كتاب الأشباه والنظائر للعلامة بن نجيم وكتاب الدرر شرح الغرر لملاخسرو وكلا النسختين بخطه الأصلي وما عليهما من الهوامش ثم جرد ما عليهما فصارا تأليفين مستقلين وهما الحاشيتان المشهورتان على الدرر والاشباه للعلامة الشرنبلالي وكلتا النسختين وما عليهما من الهوامش موجودتان عندي إلى الآن بخط المترجم ومن تآليفه رسالة على البسملة. ولما توفي الأستاذ الشرنبلالي في سنة تسع وستين وألف تصدر بعده للافادة والتدريس والافتاء واقرأ ولده الشيخ حسن وتقيد به حتى ترعرع وتمهر وتوفي المترجم في سنة ست وتسعين وألف وترك الجد إبراهيم صغيرا فربته والدته الحاجة مريم بنت المرحوم الشيخ محمد المنزلي حتى بلغ رشده فزوجته ببنت عبد الوهاب افندي الدلجي. ج / 1 ص -119- وعقد عقده عليها بحضرة كل من الشيخ جمال الدين يوسف أبي الارشاد ابن وفي والشيخ عبدالحي الشرنبلالي الحنفي وشهاب الدين أحمد المرحومي والشيخ شهاب الدين أحمد البرماوي والشيخ زين الدين أبي السعود الدنجيهي الشافعي الدمياطي شيخ المدرسة المتبولية والشيخ شمس الدين محمد الارمناوي وغيرهم المثبتة اسماؤهم في حجة العقد في كاغد كبير رومي محرر ومسطر بالذهب وعليه لوحة مموهة بالذهب مؤرخة بغاية شعبان سنة ثمان ومائة وألف وهي محفوظة عندي إلى الآن بامضاء موسى افندي بمحكمة الصالحية النجمية وبني بها في ربيع أول وحملت منه بالمرحوم الوالد فات الحد بعد ولادة الوالد بشهر واحد وذلك في سنة عشر ومائة وألف وعمره ست عشرة سنة لا غير. ومات الإمام العلامة نور الدين حسن بن أحمد بن العباس بن أحمد ابن العباس بن أبي سعيد المكناسي ولد بها سنة ألف واثنتين وخمسين وقر الفاسي وكثيرين وقدم مصر سنة أربع وسبعين وألف وحضر دروس علي محمد بن أحمد الفاسي نزيل مكناس وحضر دروس سيدي عبد القادر الشبراملسي ومنصور الطوخي وأحمد البشبيشي ويحيى الشهاوي وحج واجتمع على السيد عبد الرحمن المحجوب المكناسي وكانت له مشاركة في سائر العلوم مات بمصر سنة أحدى ومائة وألف. ومات الشيخ الإمام العلامة إبراهيم ابن محمد بن شهاب الدين بن خالد البرماوي الأزهري الشافعي الأنصاري الأحمدي شيخ الجامع الأزهر قرأ على الشمس الشوبري والمزاحي والبابلي والشبراملسي ثم لازم دروس الشهاب القليوبي واختص به وتصدر بعده بالتدريس في محله توفي سنة ست ومائة وألف روى عنه محمد بن خليل العجلوني وعلي ابن علي المرحومي نزيل مخا ورافقه المليحي في دروس القليوبي وترجمة واثنى عليه وله تآليف عديدة. ج / 1 ص -120- ومات عالم المغرب الشيخ الإمام نور الدين حسن بن مسعود اليوسي قدم مكة حاجا سنة اثنتين ومائة وألف وله مؤلفات عديدة مشهورة توفي بالمغرب سنة أحدى عشرة ومائة وألف. ومات الإمام العلامة شيخ الشيوخ شاهين بن منصور بن عامر ابن حسن الأرمناوي الحنفي ولد ببلده سنة ثلاثين وألف وحفظ القرآن والكنز والالفية والشاطبية والرجبية وغيرها ورحل إلى الأزهر فقرأ بالروايات على العلامة المقرىء عبد الرحمن اليمني الشافعي ولازم في الفقه العلامة أحمد الشوبري وأحمد المنشاوي الحنفيين وأحمد الرفاعي ويس الحمصي ومحمد المنزلاوي وعمر الدفري والشهاب القليوبي وعبد السلام اللقاني وإبراهيم الميموني الشافعي وحسن الشرنبلالي الحنفي وفي العلوم العقلية شيخ الإسلام محمد الشهير بسيبويه تلميذ أحمد بن قاسم العبادي ولازمه كثيرا وبشره باشياء حصلت له وأخذ عن العلامة سري الدين الدروري والشيخ علي الشبراملسي والشمس البابلي وسلطان المزاحي واجازه جل شيوخه وتصدر للاقراء في الأزهر في فنون عديدة وعنه أخذ جمع من الأعيان كمحمد ابن حسن الملا والسيد علي الحنفي وغيرهما توفي سنة أحدى ومائة وألف. ومات العلامة الشيخ أحمد بن حسن البشتكي أخذ عن البناء وعن الشيخ محمد الشرنبابلي وتوفي سنة عشر ومائة وألف. ومات السيد الشريف عبد الله بن أحمد بن عبد الرحمن بن أحمد بن محمد بن عبد الرحمن بن عبد الله بلفقيه التريمي الإمام الفقيه المحدث أخذ عن مصطفى بن زين العابدين العيدروس والسيد محمد سعيد وعنه ولده عبد الرحمن والسيد شيخ بن مصطفى العيدروس واخواه زين العابدين وجعفر توفي ببندر الشحرفي آخر جمادى سنة أربع ومائة وألف. ج / 1 ص -121- ومات خاتمة المحدثين بمصر شمس السنة محمد بن منصور الاطفيحي الوفائي الشافعي ولد سنة اثنتين وأربعين وألف وأخذ عن أبي الضياء علي الشبراملسي وعن الشمس البابلي والشيخ سلطان المزاحي والشمس محمد عمر الشوبري الصوفي والشهاب أحمد القليوبي توفي سنة خمس عشرة ومائة وألف تاسع عشر شوال. ومات إمام المحققين الشيخ عبد الحي بن عبد الحق بن عبد الشافي الشرنبلالي الحنفي علامة المتأخرين وقدوة المحققين ولد ببلده ونشأ بها ثم ارتحل إلى القاهرة واشتغل بالعلوم وأخذ عن الشيخ حسن الشرنبلالي والشهاب أحمد الشوبري وسلطان المزاحي والشمس البابلي وعلي الشبراملسي والشمس محمد العناني والسري محمد بن إبراهيم الدروري والسراج عمر بن عمر الزهري المعروف بالدفري وتفقه بهم ولازم فضلاء عصره في الحديث والمعقول وأخذ أيضا عن الشيخ العلامة يس بن زين الدين العليمي الحمصي والشيخ عبد المعطي البصير والشيخ حسين النماوي وابن خفاجي واجتهد وحصل واشتهر بالفضيلة والتحقيق وبرع في الفقه والحديث وأكب عليهما آخرا واشتهر بهما وشارك في النحو والأصول والمعاني والصرف والفرائض مشاركة تامة. وقصدته الفضلاء وانتفعوا به وانتهت إليه رياسة مصر. توفي سنة سبع عشرة ومائة وألف ودفن عند معبد السيدة نفيسة. ومات الشيخ الإمام الفقيه الفرضي الحيسوب صالح بن حسن بن أحمد بن علي البهوتي الحنبلي أخذ عن اشياخ وقته وكان عمدة في مذهبه وفي المعقول والمنقول والحديث وله عدة تصانيف وحواش وتعليقات وتقييدات مفيدة متداولة بايدي الطلبة أخذ عن الشيخ منصور البهوتي الحنبلي ومحمد الخلوتي وأخذ الفرائض عن الشيخ سلطان المزاحي ومحمد الدلجموني وهو من مشايخ الشيخ عبد الله الشبراوي ولازم عمه ج / 1 ص -122- الشمس الخلوني وأخذ الحديث عن الشيخ عامر الشبراوي وله الفية في الفقه والفية في الفرائض ونظم الكافي. توفي يوم الجمعة ثامن وعشرين ربيع الأول سنة أحدى وعشرين ومائة وألف. ومات الإمام العلامة محمد فارس التونسي من ذرية سيدي حسن الششتري الاندلسي وهو والد الشيخ محمد ابن محمد فارس من أكابر الصوفية كان يحفظ غالب ديوان جده أقام بدمياط مدة ثم رجع إلى مصر ومات بها سنة أربع عشرة ومائة وألف. ومات الإمام العلامة الشيخ أبو عبد الله محمد بن عبد الباقي بن يوسف ابن أحمد بن علوان الزرقاني المالكي خاتمة المحدثين مع كمال المشاركة وفصاحة العبارة في باقي العلوم ولد بمصر سنة خمس وخمسين وألف وأخذ عن النور الشبراملسي وعن حافظ العصر البابلي وعن والده وحدث عنه العلامة السيد محمد بن محمد ابن محمد الاندلسي وعبد الله الشبراوي والملوي والجوهري والسيد زين الدين عبد الحي ابن زين العابدين بن الحسن البهنسي وعمر بن يحيى بن مصطفى المالكي والبدر البرهاني وله المؤلفات النافعة كشرح الموطأ وشرح المواهب واختصر المقاصد الحسنة للسخاوي ثم اختصر هذا المختصر في نحو كراسين باشارة والده وعم نفعها وكان معيدا لدروس الشبراملسي وكان يعتني بشأنه كثيرا وكان إذا غاب يسأل عنه ولا يفتتح درسه إلا إذا حضر مع أنه أصغر الطلبة فكان محسودا لذلك في جماعته وكان الشيخ يعتذر عن ذلك ويقول: إن النبي صلى الله عليه وسلم أوصاني به. توفي سنة اثنتين وعشرين ومائة وألف. ومات الشيخ رضوان إمام الجامع الأزهر في غرة رمضان سنة خمس عشرة ومائة وألف. ومات الشيخ المجذوب أحمد أبو شوشة خفير باب زويلة وكانت ج / 1 ص -123- كراماته ظاهرة وكان يضضع في فمه نحو المائة ابرة ويأكل ويشرب وهي في فمه لا تعوقه عن الأكل والشرب والكلام مات في يوم الثلاثاء سابع عشري جمادي الآخرة سنة خمس عشرة ومائة وألف. ومات السند العمدة الشيخ حسن أبو البقاء بن علي ابن يحيى بن عمر العجمي المكي الحنفي صاحب الفنون ولد سنة تسع وأربعين وألف كما وجدته بخط والده بمكة وبها نشأ وحفظ القرآن وعدة متون وأخذ عن الشيخ زين العابدين الطبري وعلي بن الجمال وعبد الله بن سعيد باقشير والسيد محمد صادق وحنيف الدين المرشدي والشمس البابلي وبالمدينة علي القشاشي ولبس منه الخرقة وأخذ عن جمع من الوافدين كعيسى الجعفري ومحمد بن محمد العيثاوي الدمشقي وعبد القادر بن أحمد الفضي الغزي وعبد الله بن أبي العياشي واجازه جل شيوخه وكتب إليه بالاجازة غالب مشايخ الأقطار كالشيخ أحمد العجلي وهو من المعمرين والشيخ علي الشبراملسي وعبد القادر الصفوري الدمشقي والسيد محمد بن كمال الدين بن حمزة الدمشقي والشيخ عبد القادر الفاسي واعتنى باسانيد الشيوخ بالحرم وافاد وانتفع به جماعة من الأعلام كالشيخ عبد الخالق الزجاجي الحنفي المكي وأحمد بن محمد بن علي المدرس المدني وتاج الدين الدهان الحنفي المكي ومحمد بن الطيب بن محمد الفاسي والشيخ مصطفى بن فتح الله الحموي توفي ظهر يوم الجمعة ثالث شوال سنة ثلاث عشرة ومائة وألف بالطائف ودفن بالقرب من ابن عباس. ومات السيد عبد الله الإمام العلامة الشيخ أحمد المرحومي الشافعي وذلك سنة اثنتي عشرة ومائة وألف. ومات الأستاذ المعظم والملاذ المفخم صاحب النفحات والإشارات الشيخ يوسف بن عبد الوهاب أبو الإرشاد الوفائي وهو الرابع عشر من خلفائهم تولى النجادة يوم وفاة والده في ثاني رجب سنة ثمان وتسعين وألف ج / 1 ص -124- وسار سيرا حسنا بكرم نفس وحشمة زائدة ومعروف وديانة إلى أن توفي في حادي عشر المحرم سنة ثلاث عشرة ومائة وألف ودفن بحوطة اسلافه رضي الله عنهم. ومات الفقيه محمد بن سالم الحضرمي العوفي أخذ عن سليمان بن أحمد النجار وعنه محمد بن عبد الرحمن بن محمد العيدروس توفي بالهند سنة أحدى عشرة ومائة وألف. ومات الإمام العلامة المفيد الشيخ أحمد بن محمد المنفلوطي الأصل القاهري الأزهري المعروف بابن الفقي الشافعي ولد سنة أربع وستين وألف وأخذ القراءات عن الشمس البقري والعربية عن الشهاب السندوبي وبه تفقه والشهاب البشبيشي ولازمه السنين العديدة في علوم شتى وكذا أخذ عن النور الشبراملسي وحضر دروس الشهاب المرحومي وكان إماما عالما بارعا ذكيا حلو التقرير رقيق العبارة جيد الحافظة يقرر العلوم الدقيقة بدون مطالعة مع طلاقة الوجه والبشاشة وطرح التكلف ومن تآليفه حاشية علي الأشموني لم تكمل واخرى على شرح أبي شجاع للخطيب ورسالة في بيان السنن والهيئات هل هي داخلة في الماهية أو خارجة عنها واخرى في اشراط الساعة وشرح البدور السافرة ومات قبل تبييضه فاختلسه بعض الناس وبيضة ونسبه لنفسه وكتمه. توفي فجأة قيل: مسموما صبيحة يوم الإثنين سابع عشري شوال سنة ثمان عشرة ومائة وألف. ومات الإمام العالم العلامة الشيخ محمد النشرتي المالكي وهو كان وصيا على المرحوم الشيخ الوالد بعد موت الجد توفي يوم الأحد بعد الظهر وآخر دفنه إلى صبيحة يوم الإثنين وصلي عليه بالأزهر بمشهد حافل وحضر جنازته الصناجق والأمراء والأعيان وكان يوما مشهودا وذلك سنة عشرين ومائة وألف. ومات السيد أبو عبد الله أحمد بن عبد الرحمن بن أحمد بن محمد بن ج / 1 ص -125- محمد بن عبد الرحمن بن عبد الله بن أحمد بن علي بن محمد بن أحمد ابن الفقيه المقدم ولد بتريم وأخذ عن أحمد بن عمر البيتي والفقيه عبد الرحمن بن علو بلفقيه وابي بكر بن عبد الرحمن ابن شهاب العيدروس والقاضي أحمد بن الحسين بلفقيه وأحمد بن عمر عبديد وغيرهم واجازوه وتميز في العلوم وتمهر ودرس وصنفذ في الفقه والفرائض وممن روى عنه شيخ وجعفر وزين العابدين أولاد مصطفى بن زين العابدين بن العيدروس ومصطفى بن شيخ بن مصطفى العيدروس وغيرهم توفي بالشحر سنة ثمان عشرة ومائة وألف. ومات الأديب الاريب الشيخ أحمد الدلنجاوي شاعر وقته له ديوان في مجلد. ومات الشيخ العلامة المفيد سليمان الجنزوري الأزهري توفي سنة أربع وعشرين ومائة وألف. ومات الإمام المحدث الأخباري مصطفى بن فتح الله الحموي الحنفي المكي أخذ عن العجمي والبابلي والنخلي والثعالبي والبصري والشبراملسي والمزاحي ومحمد الشلبي وإبراهيم الكوراني وشاهين الارمناوي والشهاب أحمد البشبيشي وأكثر عن الشاميين وله رحلة إلى اليمن توسع فيها في الاخذ عن أهلها وألف كتابا في وفيات الأعيان سماه فوائد الارتحال ونتايج السفر في اخبار أهل القرن الحادي عشر توفي سنة أربع وعشرين ومائة وألف حدث عنه السيد عمر بن عقيل العلوي. ومات السيد السند صاحب الكرامات والإشارات السيد عبد الرحمن السقاف باعلوى نزيل المدينة. قال الشيخ العيدروس في ذيل المشرع: ولد بالديار الحضرمية ورحل إلى الهند فأخذ بها الطريقة النقشبندية عن الأكابر العارفين واشتغل بها حتى لاحت عليه أنوارها وورد الحرمين فقطن بالمدينة المنورة وبها تزوج الشريفة العلوية العيدروسية من ذرية. ج / 1 ص -126- السيد عبد الله صاحب الرهط وممن أخذ عليه بها الطريقة الشيخ محمد حياة السندي باشارة بعض الصالحين وكان المترجم يخبر عن نفسه أنه لم يبق بيني وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم حجاب وأنه لم يعط الطريقة النقشبندرية لاحد إلا باذن من رسول الله صلى الله عليه وسلم وانه اعطى سيف أبي بكر بن العيدروس الأكبر الذي يشير إليه بقوله: وسيفي في غمده لدفع الشدائد معدود وقوله: بسيفي يلاقي المهند وقائع تشيب الولود ولم يزل على طريقة حميدة حتى توفي بها سنة أربع وعشرين ومائة وألف. ومات الإمام الهمام عمدة المسلمين والإسلام الشيخ عبد ربه بن أحمد الديوي الضرير الشافعي أحد العلماء مصابيح الإسلام ولد ببلده ونشأ بها ثم ارتحل إلى دمياط وجاور بالمدرسة المتبولية فحفظ القرآن وعدة متون منها البهجة الوردية واشتغل هناك على أفاضلها كالشمس ابن أبي النور ولازمه في الفنون وتفقه به وقرأ عليه القرآن بالروايات وأخذ عنه الطريق وتهذب به ثم ارتحل إلى القاهرة فحضر عند الشهاب البشبيشي قليلا ثم لازم الشمس الشرنبابلي في فنون إلى أن توجه إلى الحج فأمره بالجلوس موضعه والتقييد بجماعته فتصدى لذلك وعم النفع وبرعت طلبته وقصدته الفضلاء من الآفاق وكان إماما فاضلا فقيها نحويا فرضيا حيسوبا عروضيا نحريرا ماهرا كثير الأستحضار غريب الحافظة صافي السريرة مشتغل الباطن بالله جميل الظاهر بالعلم توفي يوم السبت ثالث عشر ربيع الآخرة ودفن يوم الأحد بعد الصلاة عليه بالأزهر بمشهد حافل عظيم اجتمع فيه الخاص والعام وذلك سنة ست وعشرين ومائة وألف. ج / 1 ص -127- ومات الشيخ الإمام والعمدة الهمام عبد الباقي القليوبي سنة ثلاث وعشرين ومائة وألف. ومات الشيخ العلامة أبو المواهب محمد بن الشيخ تقي الدين عبد الباقي ابن عبد القادر الحنبلي البعلي الدمشقي مفتي السادة الحنابلة بدمشق ولد بها وأخذ عن والده وعمن شاركه ثم رحل إلى مصر وقرأ بالروايات على مقرئها الشيخ البقري والفقه على الشيخ محمد البهوتي الخلوتي والحديث على الشمس البابلي والفنون على المزاحي والشبراملسي والعناني توفي في شوال سنة ست وعشرين ومائة وألف عن ثلاث وثمانين سنة حدث عنه الشيخ أبو العباس أحمد بن علي بن عمر الدمشقي كتابه وهو عال والشيخ محمد ابن أحمد الحنبلي والسيد مصطفى بن كمال الدين الصديقي وغيرهم. ومات الإمام العلامة المحقق المعمر الشيخ سليمان بن أحمد بن خضر الخربتاوي البرهاني المالكي وهو والد الشيخ داود الخربتاوي الآتي ذكر ترجمته توفي سنة خمس وعشرين ومائة وألف عن مائة وست عشرة سنة. ومات الشيخ الإمام العالم العلامة الشيخ أحمد بن غنيم بن سالم بن مهنا النفراوي شارح الرسالة وغيرها ولد ببلدة نفرة ونشأ بها ثم حضر إلى القاهرة فتفقه في مبادىء امره بالشهاب اللقاني ثم لازم العلامة عبد الباقي الزرقاني والشمس محمد بن عبد الله الخرشي وتفقه بهما وأخذ الحديث عنهما ولازم الشيخ عبد المعطي البصير وأخذ العربية والمعقول عن الشيخ منصور الطوخي والشهاب البشبيشي واجتهد وتصدر وانتهت إليه الرياسة في مذهبه مع كمال المعرفة والاتقان للعلوم العقلية لا سيما النحو وأخذ الأعيان وانتفعوا به ومن مؤلفاته شرح الرسالة وشرح النورية وشرح الآجرومية توفي سنة خمس وعشرين ومائة وألف عن اثنتين وثمانين سنة. ج / 1 ص -128- ومات الإمام العلامة الشهير الشيخ أبو العباس أحمد بن محمد بن عطية ابن عامر بن نوار بن أبي الخير الموساوي الشهير بالخليفي الضرير أصله من الشرق وقدم جده أبو الخير وكان صالحا معتقدا وأقام بمنية موسى من اعمال المنوفية فحصل له بها الاقبال ورزق الذرية الصالحة واستمروا بها وولد الشيخ بها ونشأ بها وحفظ القرآن ثم ارتحل إلى القاهرة واشتغل بالعلوم على فضلاء عصره فتفقه على الشمس العناني والشيخ منصور الطوخي وهو الذي سماه بالخليفي لما ثقل عليه نسبة الموسوي فسأله عن أشهر أهل بلده فقال أشهرها من أولياء الله تعالى سيدي عثمان الخليفي فنسبه إليه ولازم الشهاب البشبيشي وأخذ عنه فنونا وحضر دروس الشهاب السندوبي والشمس الشرنبابلي وغيرهما واجازه الشيخ العجمي واجتهد وبرع وحصل واتقن وتفنن وكان محدثا فقيها أصوليا نحويا بيانيا متكلما عروضيا منطقيا آية في الذكاء وحسن التعبير مع البشاشة وسعة الصدر وعدم الملل والسآمة وحلاوة المنطق وعذوبة الألفاظ انتفع به كثير من المشايخ. توفي في عصر يوم الأربعاء خامس عشر صفر ودفن صبيحة يوم الخميس سادس عشره بالمجاورين سنة سبع وعشرين ومائة وألف عن ستة وستين سنة. ومات الإمام العمدة الفهامة الشيخ أحمد التونسي المعروف بالدقدوسي الحنفي توفي فجأة بعد صلاة العشاء ليلة الأحد سادس عشر المحرم سنة ثلاث وثلاثين ومائة وألف. ومات في تلك السنة أيضا الشيخ العلامة أحمد الشرفي المغربي المالكي. ومات الشيخ العلامة شيخ الجامع الأزهر الشيخ محمد شنن المالكي وكان مليئا متمول أغنى أهل زمانه بين اقرانه وجعل الشيخ محمد الجداوي وصيا على ولده سيدي موسى فلما بلغ رشده سلمه ماله فكان من صنف الذهب البندقي أربعون الفا خلاف الجنزرلي والطرلي وانواع الفضة. ج / 1 ص -129- والأملاك والضياع والوظائف والجماكي والرزق والاطيان وغير ذلك بدده جمعية ولده موسى وبنى له دارا عظيمة بشاطيء النيل ببولاق انفق عليها أموالا عظيمة ولم يزل حتى مات مديونا في سنة اثنتين وتسعين ومائة وألف وترك ولدا مات بعده بقليل وكان للمترجم مماليك وعبيد وجوار ومن مماليكه أحمد بك شنن الآتي ذكره توفي المترجم سنة ثلاث وثلاثين ومائة وألف عن سبع وسبعين سنة. ومات العمدة العالم الشيخ أحمد الوسيمي توفي سنة أحدى وثلاثين ومائة وألف. ومات الجناب المكرم السيد حسن افندي نقيب السادة الأشراف وكانت لأبيه وجده وعمه من قبله وبموته انقرضت دولتهم. واقيم في منصب النقابة عوضه السيد مصطفى بن سيدي أحمد الرفاعي قائمقام إلى حين ورود الأمر توفي يوم الجمعة تاسع عشر رجب سنة أحدى وعشرين ومائة وألف ثم ورد في شهر جمادى سنة اثنتين وعشرين ومائة وألف السيد عبد القادر نقيبا ونزل ببولاق بمنزل أحمد جاويش الخشاب وهو إذ ذاك باشجاويش الأشراف وبات هناك فوجد في صبحها مذبوحا في فراشه وحبس باشجاويش بسبب ذلك بالقلعة ولم يظهر قاتله وتقلد النقابة محمد كتخدا عزبان سابقا لامتناع السيد مصطفى الرفاعي عن ذلك ووافى تاريخه ذبح عبد القادر. ومات العلامة الفقيه المحدث الشيخ منصور بن علي بن زين العابدين المنوفي البصير الشافعي ولد بمنف ونشأ بها يتيما في حجر والدته وكان بارا بها فكانت تدعو له فحفظ القرآن وعدة متون ثم ارتحل إلى القاهرة وجاور بالأزهر وتفقه بالشهابين البشبيشي والسندوبي والشمس الشرنبابلي والزين منصور الطوخي ولازم النور الشبراملسي في العلوم وأخذ عنه الحديث وجد واجتهد وتفنن وبرع في العلوم العقلية والنقلية. ج / 1 ص -130- وكان إليه المنتهى في الحذق والذكاء وقوة الأستحضار لدقائق العلوم سريع الادراك لعويصات المسائل على وجه الحق نظم الموجهات وشرحها وانتفع به الفضلاء وتخرج به النبلاء وافتخرت بالاخذ عنه الأبناء على الآباء. توفي حادي عشرين جمادى الأولى سنة خمس وثلاثين ومائة وألف وقد جاوز التسعين. ومات الإمام العلامة شيخ الشيوخ الشيخ محمد الصغير المغربي سلخ رجب سنة ثمان وثلاثين ومائة وألف. ومات الأجل الفاضل العمدة العلامة رضوان افندي الفلكي صاحب الزيج الرضواني الذي حرره على طريق الدر اليتيم لابن المجدي على أصول الرصد الجديد السمرقندي وصاحب كتاب اسنى المواهب وغير ذلك تآليف وحسابيات وتحقيقات لا يمكن ضبطها لكثرتها وكتب بخطه ما ينوف عن حمل بعير مسودات وجداول حسابيات وغير ذلك وكان بسكن بولاق منجمعا عن خلطة الناس مقبلا على شأنه وكان في أيامه حسن افندي الروزنامجي وله رغبة ومحبة في الفن فالتمس منه بعض آلات وكرات فاحضر الصناع وسبك عدة كرات من النحاس الأصفر ونقش عليها الكواكب المرصوده وصورها ودوائر العروض والميول وكتب عليهما طلاها بالذهب وصرف عليها أموالا كثيرة وذلك في سنة اثنتي عشرة أو ثلاث عشرة ومائة وألف. واشتغل عليه الجمالي يوسف مملوك حسن افندي المذكور وكلارجيه وتفرغ لذلك حتى انجب وتمهر وصار من المحققين في الفن واشتهر فضله في حياة شيخه وبعده وألف كتابا عظيما في المنحرفات جمع فيه ما تفرق من تحقيقات المتقدمين واظهر ما في مكنون دقائق الأوضاع والرسومات والأشكال من القوة إلى الفعل وهو كتاب حافل نافع نادر الوجود وله غير ذلك كثير ومن تآليف رضوان افندي المترجم النتيجة الكبرى والصغرى وهما مشهورتان متداولتان. ج / 1 ص -131- بأيدي الطلبة بآفاق الأرض وطراز الدرر في رؤية الأهلة والعمل بالقمر وغير ذلك. توفي يوم السبت ثالث عشري جمادي الأولى سنة اثنتين وعشرين ومائة وألف. ومات الشيخ الصالح قطب الوقت المشهور بالكرامات معتقد أرباب الولايات الشيخ عبد الله النكاري الشافعي الشهير بالشرقاوي من قرية بالشرقية يقال لها النكارية أخذ عن الشيخ عبد القادر المغربي وكان يحكى عنه كرامات غريبة وأحوال عجيبة. وممن كان يعتقده الشيخ الحفني والشيخ عيسى البراوي والشيخ علي الصعيدي وقد خص كل واحد باشارة نالها كما قال له: وشملتهم بركته وانه تولى القبطانية وكان بينه وبين الشيخ محمد كشك مودة ومؤاخاة. توفي سنة أربع وعشرين ومائة وألف. ومات الشيخ العمدة المنتقد الفاضل الشاعر البليغ الصالح العفيف حسن البدري الحجازي الأزهري وكان عالما فصيحا مفوها متكلما منتقدا على أهل عصره وابناء مصره سمعت من الشيخ الوالد قال: رأيته ملازما لقراءة الكتب الستة تحت الدكة القديمة منجمعا عن خلطة الناس معتكفا على شأنه قانعا بحاله وله في الشعر طريقة بديعة وسليقة منيعة على غيره رفيعة وقلما تجد في نظمه حشوا أو تكلمه. وله ارجوزة في التصوف نحو ألف وحمسمائة بيت على طريق الصادح والباغم ضمنها أمثالا ونوادر وححكايات وديوان على حروف المعجم سماه باسمين تنبيه الافكار للنافع والضار واجماع الاياس من الوثوق بالناس شرح فيه حقيقة شرار الخليفة من الناس المنحرفة طباعهم عن طريقة قويم القياس استشهدت بكثير من كلامه في هذا المجموع بحسب المناسبة وفي بعض الوقائع والتراجم وله مزدوجة سماها الدرة السنية في الأشكال المنطقية ونظم رسالة الوضع للعلامة العضد ونظم لقطة العجلان في تعريف النقيضين والضدين والخلافين. ج / 1 ص -132- والمثلين وفي حكم المضارع صحيحا كان أو معتلا ورموز الجامع الضغير وختم ديوانه باراجيز بديعة ضمنها نصايح ونوادر وامثالا واستغاثات وتوسلات للقبول موصلات. ومن كلامه في قافية الباء: كن جار كلب وجار الشرة اجتنب ولــو أخـــالك مــن ام يرى وأب وجانب الدار أن ضاقت مرافقهـــا والمرأة السوء لو معروفة النسب ومركبا شرس الاخلاق لا سيما أن كـــان ذا قصــر أو ابتر الـذنب وله غير ذلك كثير اقتصرنا منه على هذا البعض. توفي سنة أحدى وثلاثين ومائة وألف رحمه الله. ومات الشيخ الإمام خاتمة المحدثين الشيخ عبد الله بن سالم بن عيسى البصري منشئا المكي مولدا الشافعي مذهبا ولد يوم الأربعاء رابع شعبان سنة ثمان وأربعين ومائة وألف كما ذكره الحموي وحفظ القرآن وأخذ عن علي بن الجمال وعبد الله بن سعيد باقشير وعيسى الجعفري ومحمد بن محمد بن سليمان والشمس البابلي والشهاب البشبيشي ويحيى الشاوي وعلي بن عبد القادر الطبري والشمس محمد الشرنبابلي والبرهان إبراهيم ابن حسن الكوراني ومحدث الشام محمد بن علي الكاملي ولبس الخرقة من يد السيد عبد الرحمن الادريسي والمسلسل بالأولية عن الشهاب أحمد ابن محمد بن عبد الغني الدمياطي. وتوفي يوم الإثنين رابع رجب سنة أربع وثلاثين ومائة وألف عن أربع وثمانين سنة ودفن بالمعلاة بمقام الولي سيدي عمر العرابي قدس سره. حدث عنه شيوخ العصر ابن أخته السيد العلامة عمر ابن أحمد بن عقيل العلوي والشهاب أحمد الملوي والجوهري وعلاء الدين بن عبد الباقي المزجاجي الزبيدي والسيد عبد الرحمن بن السيد عبد الرحمن بن السيد اسلم الحسيني والشبراوي والشيخ الوالد حسن الجبرتي وعندي سنده واجارته له بخطة والسيد المجدد محمد بن إسمعيل الصنعاني المعروف بابن الأمير ذي الشرفين كتابة من صنعاء والسيد ج / 1 ص -133- العلامة حسن بن عبد الرحمن باعيديد العلوي كتابة من المخنا والشيخ المعمر صبغة الله بن الهداد الحنفي كتابة من خير آباد ومحمد بن حسن ابن همان الدمشقي كتابة من القسطنطينية والشهاب بن أحمد بن عمر بن علي الحنفي كتابة من دمشق كلهم عنه وحدث عنه أيضا شيوخ المشايخ الشيخ المعمر محمد بن حيوة السندي نزيل المدينة المنورة والشيخ محمد طاهر الكوراني والشيخ محمد ابن أحمد بن سعيد المكي والشيخ العلامة إسمعيل بن محمد بن عبد الهادي بن عبد الغني العجلوني الدمشقي والشيخ عيد بن علي النمرسي الشافعي والشيخ عبد الوهاب الطندتائي والشيخ أحمد باعنتر نزيل الطائف والشهاب أحمد بن مصطفى بن أحمد الأسكندرية وغيرهم كذا في المربي الكايلي فيمن روى عن البابلي. ومات الرجل الصالح المجذوب الصاحى أحد صلحاء فقراء السادة الأحمدية بدمياط الشيخ ربيع الشبيال كان صالحا ورعا ناسكا حافظا لأوقاته ورعا ناسكا حافظا لا وقاته مداوما على الصلوات والعبادات والاذكار دائم الإقبال على الله لا يرى إلا في طاعة إذا احرم في الصلاة يصفر لونه وتأخذه رعدة فإذا نطق بالتكبير يخيل لك بان كبده قد تمزق وكان يتكسب بحمل الامتعة للناس بالاجرة مع صرفه جميع جوارحه واعضائه لما خلق لأجله. توفي سنة أحدى وعشرين ومائة وألف. ومات الشيخ المقري الصوفي محمد ابن سلامة بن عبد الجواد الشافعي ابن العارف بالله تعالى الشيخ نور الدين ساكن الصخرية من اعمال فارسكور فارسكور الصخري الدمياطي المعروف بابي السعود بن أبي النور أستاذ من جمع بين طريقي أهل الباطن والظاهر من أهل عصره ولد بدمياط ونشأ بها بين صلحائها وفضلائها فحفظ القرآن واشتغل بالعلوم فتفقه بالشيخ حلال الدين الفارسكوري وتلقى المنهج تسع مرات في تسع سنين عن العلامة مصطفى التلباني وأخذ الطريق عن جمع من أكمل العارفين ثم ارتحل إلى. ج / 1 ص -134- القاهرة فلازم الضياء المزاحي فتفقه به وأخذ عنه فنونا وقرأ القارءات السبع والعشر عليه وأخذ عن العلامة يس الحمصي فنونا واجتهد ودأب واتقن وألف في القراءات وغيرها وعم النفع به وأخذ عنه جمع من الأفاضل. توفي سنة سبع عشرة ومائة وألف. ومات أحد الأئمة المشاهير الإمام العلامة شهاب الدين أحمد بن محمد النخلي الشافعي المكي ولد بمكة وبها نشأ وأخذ عن علي بن الجمال وعبد الله بن سعيد باقشير وعيسى الثعالبي ومحمد بن سليمان والشمس البابلي وسليمان بن أحمد الضيلي القرشي والسيد عبد الكريم الكوراني الحسيني والشمس الميداني والشهاب أحمد المفلجي الوفائي والشيخ شرف الدين موسى الدمشقي والشيخ إبراهيم الحلبي الصابوتي والشيخ عبد الرحمن العمادي ومحمد بن علان البكري والصفي القشاشي والشيخ خير الدين الرملى وابى الحسن البازوري. توفي بمكة سنة ثلاثين ومائة وألف عن تسعين سنة. روى عنه السيد عمر بن أحمد والسيد عبد الرحمن ابن أسلم الحسيني والسيد عبد الله بن إبراهيم بن حسن الحنفي والشهاب أحمد بن عمر بن علي الدمشقي والملوي والجوهري والشبراوي والحنفي وحسن الجبرتي والسيد سليمان بن يحيى بن عمر الزبيدي والسيد عبد الله ابن علي الغرابي وإسمعيل بن عبد الله الأسكداري والشهاب أحمد بن مصطفى الصباغ. ومات الشيخ الإمام أبو العز محمد بن شهاب أحمد بن أحمد بن محمد ابن العجمي الوفائي القاهري خاتمة المسندين بمصر سمع على الشمس البابلي المسلسل بالأولية وثلاثيات البخاري وجملة من الصحيح والجامع الصغير وغير ذلك وذلك بعد عوده من مكة المشرفة كما رأيت ذلك بخط والده الشهاب في نص اجازته لنادرة العصر محمد بن سليمان المغربي. حدث عنه العلامة محمد بن أحمد بن حجازي العشماوي والشيخ أحمد بن. ج / 1 ص -135- الحسن الخالدي وابو العباس الملوي وابو علي المنطاوي وولده المعمر أبو العز أحمد. ومات أبو عبد الله العلامة محمد بن علي الكاملي الدمشقي الشافعي الواعظ انتهى إليه الوعظ بدمشق وكان فصيحا روى عن الشبراملسي وعبد العزيز بن محمد الزمزمي والمزاحي والبابلي والقشاشي وخير الدين الرملي. توفي في خامس عشر ذي القعدة سنة أحدى وثلاثين ومائة وألف عن سبع وقيل: عن تسع وثمانين روى عنه أبو العباس أحمد بن علي بن عمر العدوى وهو عال والشيخ محمد بن أحمد الحنبلي. ومات العلامة صاحب الفنون أبو الحسن بن عبد الهادي السندي الاثري شارح المسند والكتب الستة وشارح الهداية ولد بالسند وبها نشأ وارتجل إلى الحرمين فسمع الحديث على البابلي وغيره من الواردين. وتوفي بالمدينة سنة ست وثلاثين ومائة وألف. ومات الأجل العمدة بقية السلف الشيخ عبدالعظيم بن شرف الدين بن زين العابدين بن محيي الدين بن ولي الدين أبي زرعة أحمد بن يوسف بن زكريا بن محمد بن أحمد بن زكريا الأنصاري الشافعي الأزهري من بيت العلم والرياسة جده زكريا شيخ الإسلام عمر فوق المائة وولده يوسف الجمال روى عن أبيه والحافظ السخاوي والسيوطي والقلقشندي وحفيده محيي الدين روى عن جده وحفيده شرف الدين والد المترجم روى عن أبيه وعنه الأئمة أبو حامد البديري وغيره نشأ المترجم في عفاف وتقوى وصلاح معظما عند الأكابر وكان كثير الاجتماع بالشيخ أحمد بن عبد المنعم البكري ومن الملازمين له على طريقة صالحة وتجارة رابحة حتى مات سنة ست وثلاثين ومائة وألف وصلى عليه بالأزهر ودفن عند آبائه. ومات الشيخ العلامة حسن بن حسن بن عمار الشرنبلالي الحنفي أبو محفوظ حفيد أبي الاخلاص شيخ الجماعة ووالد الشيخ عبد الرحمن الآتي ج / 1 ص -136- ترجمته في محله كان فقيها فاضلا محققا ذا تؤدة في البحث عارفا بالأصول والفروع. توفي سنة تسع وثلاثين ومائة وألف. ومات العمدة الفاضل السيد محمد النبتيتي السقاف باعلوي وهو والد السيد جعفر الآتي ذكره أحد السادة الافراد أعجوبة زمانه ولد باليمن ودخل الحرمين وبها أخذ عن السيد عبد الله باحسين السقاف وكان يأخذه الحال فيطعن نفسه بالسلاح فلا يؤثر فيه وكان يلبس الثياب الفاخرة ويتزيا بزي اشراف مكة. توفي بمكة سنة خمس وعشرين ومائة وألف. ومات الأجل الأوحد السيد سالم بن عبد الله بن شيخ بن عمر بن شيخ ابن عبد الله بن عبد الرحمن السقاف ولد بجدة سنة أحدى وثلاثين وألف تقريبا ثم رحل به والده إلى المدينة وبها حفظ القرآن وغيره ثم إلى مكة وبها سكن واشتغل على علي بن الجمال وعلى محمد بن أبي بكر الشلبي في سنة اثنتين وسبعين وألف إلى وقت تأليف الكتاب وجد في تحصيل المكارم والفضائل حتى بلغ الغايات ولبس الخرقة عن والده وعن المحبوب ولازمه وصحبه مدة وله نظم حسن. توفي سنة ثلاث وعشرين ومائة وألف. ومات الحسيب النسيب السيد محمد بن عبد الله بن عبد الرحمن بن محمد ابن عبد الله بن شيخ بن عبدالله بن شيخ العيدروس ولد بتريم وبها نشأ وأخذ عن السيد عبد الله بافقيه وعن والده وعنه أخذ السيد شيخ العيدروس وغيره. توفي ثامن عشر شوال سنة أحدى وثلاثين ومائة وألف. ومات الشيخ الإمام العالم العلامة محمد بن عبد الرحمن المغربي ناظم كتاب الشفا والمنظومة المسماة درة التيجان ولقطة اللؤلؤ والمرجان. توفي سنة أحدى وأربعين ومائة وألف. ومات الإمام العلامة والنحرير الفهامة الشيخ علي العقدي الحنفي ولد سنة سبع وخمسين وألف أدرك الشمس البابلي وشملته اجازته وأخذ الفقه عن السيد الحموي وشاهين الارمناوي وعثمان النحراوي والمعقول ج / 1 ص -137- عن الشيخ سلطان المزاحي وعلي الشبراملسي ومحمد الحبار وعبد القادر الصفوري ولازم عمه العلامة عيسى بن علي العقدي وتفقه به وبالبرهان الوسيمي والشرف يحيى الشهاوي وعبد الحي الشرنبلالي ولازمه في الحديث والعلوم العقلية أكابر عصره كالشهاب أحمد بن عبد اللطيف اليشبيشي والشمس محمد بن محمد الشرنبابلي والشهاب أحمد بن علي السندوبي وأخذ عنه الشمائل وغيرها واجتهد وبرع واتقن وتفنن واشتهر بالعلم والفضائل وقصدته الطلبة من الاقطار وانتفعوا به وكان كثير التلاوة للقرآن وبالجملة فكان من حسنات الدهر ونادرة من نوادر العصر. توفي في شهر ربيع الآخر سنة أربع وثلاثين ومائة وألف عن ست وسبعين سنة وأشهر. ومات الإمام العلامة الشيخ محمد الحماقي الشافعي ولد سنة ثلاث وسبعين وألف وتوفي بنخل وهو متوجه إلى الحج في شهر القعدة سنة أربع وثلاثين ومائة وألف. ومات الإمام المحدث العلامة والبحر الفهامة الشيخ إبراهيم بن موسى الفيومي المالكي شيخ الجامع الأزهر تفقه على الشيخ محمد بن عبد الله الخرشي قرأ عليه الرسالة وشرحها وكان معيدا له فهيما وتلبس بالمشيخة بعد موت الشيخ محمد شنن ومولده سنة اثنتين وستين وألف أخذ عن الشبراملسي والزرقاني والشهاب أحمد البشبيشي وغيرهم كالشيخ الغرقاوي وعلي الجزايرلي الحنفي وأخذ الحديث عن يحيى الشاوي وعبد القادر الواطي وعبد الرحمن الاجهوري والشيخ إبراهيم البرماوي والشيخ محمد الشرنبابلي وآخرين وله شرح على العزية في مجلدين. توفي سنة سبع وثلاثين ومائة وألف عن خمس وسبعين سنة. ومات الجناب المكرم والملاذ المفخم محمد الدادة الشرايبي وكان إنسانا كريم الاخلاق طيب الاعراق جميل السمات حسن الصفات يسعى في قضاء ج / 1 ص -138- حوايج الناس ويؤاسي الفقراء ولما ثقل في المرض قسم ماله بين أولاده وبين الخواجا عبد الله بن الخواجا محمد الكبير وبين ابن أحمد أخي عبد الله كما فعل الخواجا الكبير فإنه قسم المال بين الدادة وبين عبد الله واخيه أحمد وكان المال ستمائة كيس والمال الذي قسمه الدادة بين أولاده وبين عبد الله وابن أخيه وهم قاسم وأحمد ومحمد جربجي وعبد الرحمن والطيب وهؤلاء أولاده لصلبه وعبد الله بن الخواجا الكبير وابن أخيه الذي يقال له ابن المرحوم ألف وأربعمائة وثمانون كيسا خلاف خان الحمزاوي وغيره من الاملاك وخلاف الرهن الذي تحت يده من البلاد وفائظها ستون كيسا والبلاد المختصة به أربعون كيسا وذلك خلاف الجامكية والوكائل والحمامات وثلاث مراكب في بحر القلزم وكل ذلك أحداث الدادة وأصل المال الذي استلمه الدادة في الأصل من الخواجا محمد الكبير سنة أحدى عشرة ومائة وألف تسعون كيسا لما عجز عن البيع والشراء ولما فعل ذلك وقسم المال بين الدادة وبين عبد الله وأخيه بالثلث غضب عبدالله وقال: هو أخ لنا ثالث فقال أبو عبدالله لا يقسم المال إلا مناصفة له النصف ولك ولاخيك النصف وهذا الموجود كله لسعد الدادة ومكسبه فإني لما سلمته المال كان تسعين كيسا وها هو الآن ستمائة كيس خلاف ما حدث من البلاد والحصص والرهن والأملاك. فكان كما قال: وكان جاعلا لعبد الله مرتبا في كل يوم ألف نصف فضة برسم الشبرقة خلاف المصروف والكساوي له ولأولاده ولعياله إلى أن مات يوم السبت سادس عشر رجب سنة سبع وثلاثين ومائة وألف وحضر جنازته جميع الأمراء والعلماء وأرباب السجاجيد والوجاقات السبعة والتجار وأولاد البلد وكان مشهده عظيما حافلا بحيث أن أول المشهد داخل إلى الجامع ونعشه عند العتبة الزرقاء وكان ذكيا فهيما دراكا سعيد الحركات وعلى قدر سعة حاله وكثرة ايراده ومصرفه لم يتخذ كاتبا ويكتب ويحسب لنفسه. ج / 1 ص -139- ومات الشيخ الإمام العالم العلامة مفرد الزمان ووحيد الأوان محمد ابن محمد بن محمد الولي شهاب الدين أحمد بن العلامة حسن بن العارف بالله تعالى علي بن الولي الصالح سلامة بن أولي الصالح العارف بدير بن محمد بن يوسف شمس الدين أبو حامد البديري الحسيني الشافعي الدمياطي مات جده بدير بن محمد سنة ستمائة وخمسين في وادي النسور وحفيده حسن ممن أخذ عن شيخ الإسلام زكريا الأنصاري أخذ أبو حامد المترجم عن الشيخ الفقيه العلامة زين الدين السلسلي إمام جامع البدري بالثغر وهو أول شيوخه قبل المجاورة ثم رحل إلى الأزهر فأخذ عن النور أبي الضياء علي بن محمد الشبراملسي الشافعي والشمس محمد بن داود العناني الشافعي قراءة على الثاني بالجنبلاطية خارج مصر القاهرة وإمام شرف الدين بن زين العابدين بن محي الدين بن ولي الدين بن يوسف جمال الدين بن شيخ الإسلام زكريا الأنصاري والمحدث المقري شمس الدين محمد بن قاسم البقري شيخ القراء والحديث بصحن الجامع الأزهر والشيخ عبد المعطي الضرير المالكي وشمس الدين محمد الخرشي والشيخ عطية القهوقي المالكي والشيخ المحدث منصور بن عبد الرزاق الطوخي الشافعي إمام الجامع الأزهر والشيخ المحدث العلامة شهاب الدين أبي العباس أحمد بن محمد بن عبد الغني الدمياطي الشافعي النقشبندي والمحقق شهاب الدين أحمد بن عبد اللطيف البشبيشي الشافعي وحيسوب زمانه محمود بن عبد الجواد بن العلامة الشيخ عبد القادر المحلي والعلامة الشيخ سلامة الشربيني والعلامة المهندس الحيسوب الفلكي رضوان افندي ابن عبد الله نزيل بولاق ثم رحل إلى الحرمين فأخذ بهما عن الإمام أبي العرفان إبراهيم بن حسن بن شهاب الدين الكوراني في سنة أحدى وتسعين وألف والسيدة قريش واختها بنت الإمام عبد القادر الطبري في سنة اثنتين وتسعين وألف روى وحدث وافاد واجاد أخذ عنه الشيخ ج / 1 ص -140- محمد الحنفي وبه تخرج واخوه الجمال يوسف والشيخ العارف بالله تعالى السيد مصطفى بن كمال الدين البكري وهو من اقرانه والفقيه النحوي الأصولي محمد بن يوسف الدنجيهي الشافعي والعلامة عبد الله بن إبراهيم بن محمد بن البشبيشي الشافعي الدمياطي ومصطفى بن عبد السلام المنزلي. توفي المترجم أبو حامد بالثغر سنة أربعين ومائة وألف. ومات العلامة الهمام محمد بن أحمد بن عمر الأسقاطي الأزهري نزيل ادلب كان جل تحصيله بمصر على والده وبه تخرج وتفنن وصار له قدم راسخ وله مشايخ آخرون ازهريون وحصل بينه وبين والده نزاع في أمر اوجب خروجه إلى بر الشام فلما نزل ادلب تلقاه شيخ العلماء بها أحمد ابن حسين الكاملي فانزله عنده وأكرمه غاية الاكرام وأرشد الطلبة إليه فانتفعوا به جدا ولم يزل مفيدا على أكمل الحالات حتى مات سنة تسع وثلاثين ومائة وألف. ومات الشيخ العلامة الزاهد الياس بن إبراهيم الكوراني الشافعي ولد بكوران سنة أحدى وثلاثين وألف وأخذ العلم بها عن عدة مشايخ وحج ودخل مصر والشام وألقى بها عصا التسيار عاكفا على اقراء العلوم العقلية والنقلية وكان على غاية من الزهد وروى عنه شيوخ العصر كالشيخ أحمد الملوي والشهاب أحمد بن علي المنيني وله المؤلفات والحواشي. توفي بدمشق بمدرسة جامع العراس بعد العصر من يوم الأربعاء لاربع عشرة ليلة بقين من شعبان سنة ثمان وثلاثين ومائة وألف ودفن بمقبرة باب الصغير بالقرب من قبر الشيخ نصر المقدسي رحمه الله. ومات الإمام العالم العلامة المحدث أبو عبد الله محمد بن علي المعمر الكاملي الدمشقي الشافعي ولد سنة أربع وأربعين وألف وأخذ العلم عن جماعة كثيرين وروى وحدث وانتهى إليه الوعظ بدمشق وكان فصيحا وإذا عقد مجلس الوعظ تحت قبة النسر غصت اركانها الأربعة بالناس. ج / 1 ص -141- وكان يحضره في دروس الجامع الصغير كثير من الافاضل وتزدحم عليه الناس العوام لعذوبة تقريره روى عنه ولده عبد السلام ومحمد بن أحمد الطرطوسي والشيخ أبو العباس أحمد المنيني. توفي في منتصف القعدة سنة أحدى وثلاثين ومائة وألف. ومات الأستاذ بقية السلف الشيخ مصلح الدين بن أبي الصلاح عبد الحليم بن يحيى بن عبد الرحمن بن القطب سيدي عبد الوهاب الشعراني قدس سره جلس على سجادة أبيه وجده وكان رجلا صالحا مهيبا مجذوبا. توفي يوم الثلاثاء تاسع ذي الحجة سنة ست وثلاثين ومائة وألف ولم يعقب إلا ابنته وابن عمة له وهو سيدي عبد الرحمن استخلف بعده وابن اخت له من إبراهيم جربجي باشجاويش الجاويشية جعلوا لكل منهم الثلث في الوقف وحرر الفائظ اثني عشر كيسا. ومات الأستاذ المجذوب الصاحي الشيخ أحمد بن عبد الرزاق الروحي الضماطي الشناوي الجمال كان والده جمالا من اتباع المشايخ الشناوية وحفظ القرآن بالذكر والعبادة إلى أن حصل له جذبة وربما اعتراه استغراق وكان من أكابر الأولياء أصحاب الكرامات. توفي في رمضان سنة أربع وعشرين ومائة وألف. ومات الأستاذ العلامة أحمد بن محمد بن أحمد بن عبد الغني الدمياطي الشافعي الشهير بالبناء خاتمة من قام باعباء الطريقة النقشبندية بالديار المصرية ورئيس من قصد لرواية الأحاديث النبوية ولد بدمياط ونشأ بها وحفظ القرآن واشتغل بالعلوم على علماء عصره ثم ارتحل إلى القاهرة فلازم الشيخ سلطان المزاحي والنور الشبراملسي فأخذ عنهما القراءات وتفقه بهما وسمع عليهما الحديث وعلى النور الاجهوري والشمس الشوبري والشهاب القليوبي والشمس البابلي والبرهان الميموني وجماعة آخرين واشتغل بالفنون من الدقة والتحقيق غاية قل أن يدركها ج / 1 ص -142- أحد من أمثاله ثم ارتحل إلى الحجاز فأخذ الحديث عن البرهان الكوراني ورجع إلى دمياط وصنف كتابا في القراءات سماه اتحاف البشر بالقراءات الأربعة عشر ابان فيه عن سعة اطلاعه وزيادة اقتداره حتى أن الشيخ أبو النصر المنزلي يشهد بانه ادق من ابن قاسم العبادي واختصر السيرة الحلبية في مجلد وألف كتابا في اشراط الساعة سماه الذخائر المهمات فيما يجب الايمان به من المسموعات وارتحل أيضا إلى الحجاز وحج وذهب إلى اليمن فاجتمع بسيدي أحمد بن عجيل ببيت الفقيه فأخذ عنه حديث المصافحة من طريق المعمرين وتلقن منه الذكر على طريق النقشبندية وحل عليه أكسير نظره ولم يزل ملازما لخدمته إلى أن بلغ مبلغ الكمال من الرجال فاجازه وأمره بالرجوع إلى بلده والتصدي للتسليك وتلقين الذكر فرجع وأقام مرابطا بقرية قريبة من البحر المالح تسمى بعزبة البرج واشتغل بالله وتصدى للارشاد والتسليك وقصد للزيارة والتبرك والاخذ والرواية وعم النفع به لا سيما في الطريقة النقشبندية وكثرت تلامذته وظهرت بركته عليهم إلى أن صاروا ائمة يقتدى بهم ويتبرك برؤيتهم. ولم يزل في اقبال على الله تعالى وازدياد من الخير إلى أن ارتحل إلى الديار الحجازية فحج ورجع إلى المدينة المنورة فادركته المنية بعد شيل الحج بثلاثة أيام في المحرم سنة سبع عشرة ومائة وألف ودفن بالبقيع مساء رحمه الله. واما من مات في هذه الاعوام من الأمراء المشاهير فلنقتصر على ذكر بعض المشهورين مما يحسن ايراده في التبيين إذ الأمر اعظم مما يحيط به المجيد فلنقتصر من الحلى على ما حسن بالجيد ما وصل علمه إلي وثبت خبره لدي إذ ! في أحوالهم متعذر والدواء من غير حمية غير متيسر ولم اخترع شيئا من تلقاء نفسي والله مطلع على أمري وحدسي. ج / 1 ص -143- مات الأمير ذو الفقار بك تابع الأمير حسن بك الفقاري تولى الصنجقية وامارة الحج في يوم واحد وطلع بالحج أحدى عشرة مرة وتوفي سنة اثنتين ومائة وألف. ومات ابنه الأمير إبراهيم بك تولى الإمارة بعد أبيه وطلع اميرا على الحج سنة ثلاث ومائة وألف وتحارب مع العرب تلك السنة في مضيق الشرفة فكانت معركة عظيمة وامتنع العرب من حمل غلال الحرمين فركب عليهم هو ودرويش بك وكبس عليهم آخر الليل عند الجبل الاحمر وساقوا منهم نحو ألف بعير ونهب بيوتهم واحضر الجمال إلى قراميدان واحضر أيضا بدنة اخرى شالوا معهم الغلال والقافلة. وولى من طرفه إبراهيم اغا الصعيدي زعيم مصر اخاف الناس وصار له سمعة وهيبة وطلع بالحج بعد ذلك ثلاث مرار في أمن وامان. وتاقت نفسه للرئاسة ولا يتم له ذلك إلا بملك باب مستحفظان وكان بيد القاسمية فاعمل حيلة بمعاضدة حسن اغا بلغيه واغراء علي باشا والي مصر حين ذاك فقلد رجب كتخدا مستحفظان وسليم افندي صناجق ثم عملوا دعوة على سليم بك المذكور انحط فيها الأمر على حبسه وقتله. فلما راى رجب بك ذلك ذهب إلى إبراهيم بك واستعفى من الإمارة فقلدوه سردار جداوي وسافر من القلزم وتوفي بمكة وخلف ولدا اسمه باكير حضر إلى مصر بعد ذلك ولما قتل سليم بك المذكور لا عن وارث ضبط مخلفاته الباشا لبيت المال وأخذوا جميع ما في بيته الذي بالازبكية المجاور لبيت الدادة أبي القاسم الشرايبي وهو الذي اشتراه القاضي مواهب أبو مدين جربجي عزبان في سنة أربع ومائة وألف. وقتلوا أيضا خليل كتخدا المعروف بالجلب وقلدوا كجك محمد باش اوده باشا وصار له كلمة وسمعة ونفى مصطفى كتخدا القازدغلي إلى أرض الحجاز. وصفا الوقت لإبراهيم بك وكجك محمد من طرفه في باب مستحفظان فعزم على قطع بيت القاسمية فاخرج ايواظ ج / 1 ص -144- بك إلى اقليم البحيرة وقاسم بك إلى جهة بني سويف وأحمد بك إلى المنوفية. وخلا له الجو وانفرد بالكلمة في مصر وصار منزله بدرب الجماميز مفتوحا ليلا ونهارا لقضاء الحوايج مع مشاركة الأمير حسن اغا بلغيه ثم أنه عزم على قتل إبراهيم بك أبي شنب واتفق مع الباشا على ذلك بحجة المال والغلال التي عليه فلم يتم ذلك ولم يزل المترجم اميرا على الحج إلى أن مات في فصل الشحاتين سنة سبع ومائة وألف وطلع بالحج خمس مرات. ومات الأمير إسمعيل بك الكبير الفقاري تابع حسن بك الفقاري وصهر حسن اغا بلغيه تولى الدفتردارية ثلاث سنين وسبعة أشهر ثم عزل وسافر أميرا على عسكر السفر إلى الروم ورجع إلى مصر واعيد إلى الدفتردارية ثانيا ولم يزل حتى مات سنة تسع عشرة ومائة وألف فجأة ليلة السبت تاسع عشري المحرم وكانت جنازته حافلة وخلف ولده محمد بك تولى بعده الإمارة وطلع بالحج سنة سبع وثلاثين ومائة وألف. ومات الأمير حسن اغا بلغيه الفقاري اغات ككللويان واصله رومي الجنس تابع محمد جاويش فياله تولى أغاوية العزب سنة خمس وثماني وألف ثم عمل متفرقة باشا سنة تسع وثمانين وألف ثم عزل عنها وتقلد أغات ككللويان سنة ثلاث وتسعين وألف وكان أميرا جليلا ذا دهاء ورأي وكلمة مسموعة نافذة بارض مصر صاحب سطوة وشهامة وحسن تدبير ولا يكاد يتم أمر من الأمور الكلية والجزئية إلا بعد مراجعته ومشورته وكل من انفرد بالكلمة في مصر يكون مشاركا له وتزوج بابنه إسمعيل بك الكبير المذكور آنفا وولد له منها ابنه محمد بك الآتي ذكره الذي تولى إمارة الحج في سنة وثلاثين ومائة وألف ومصطفى كتخدا القازدغلي جد القازدغلية كان أصله سراجا عنده وهو الذي رقاه حتى صار إلى ما صار إليه. وتفرعت عنه شجرة القازدغلية وغالب أمراء مصر ج / 1 ص -145- وحكامها يرجعون في النسبة إلى أحد البيتين وهم بيت بلغيه وبيت رضوان بك صاحب العمارة المتوفى سنة خمس وستين وألف. ولم يترك أولادا بل ترك حسن بك أمير الحاج المتقدم ذكره ولاجين بك حاكم الغربية وهو صاحب السويقة المنسوبة إليه وأحمد بك اباظه وشعبان بك أبا سنة وقيطاس بك جركس وقانصوه بك وعلي بك الصغير وحمزة بك هؤلاء قتلوا بعده في فتنة القاسمية بالطرانة. واما أمراؤه الذين يقتلوا واستمروا أمراء بمصر مدة طويلة فهم محمد بك حاكم جرجا وذو الفقار بك الماحي الكبير وكان رضوان بك هذا وافر الحرمة مسموع الكلمة تولى إمارة الحج عدة سنين وكان رجلا صالحا ملازما للصوم والعبادة والذكر وهو الذي عمر القصبة المعروفة به خارج باب زويلة عند بيته ووقف وقفا على عتقائه وعلى جهات بر وخيرات وكان من الفقارية. واما رضوان بك أبو الشوارب القاسمي وهو سيد ايواظ بك فظهر بعد موت رضوان بك المذكور وانفرد بالكلمة بمصر مع مشاركة قاسم بك جركس وأحمد بك بشناق الذي كان بقناشر السباع وهو قاتل الفقارية بالطراثة وهو أيضا عم إبراهيم بك بشناق المعروف بابي شنب سيد محمد جركس الآتي ذكره. ومات قاسم بك هذا سنة اثنتين وسبعين وألف وهو دفتردار بعد عزله من إمارة الحج وانفرد بعد رضوان بك أبي الشوارب أحمد بك. ثم مات رضوان بك عن ولده ازبك بك وانفرد أحمد بك بشناق بامارة مصر نحو سبعة أشهر فطلع يوم عرفه يهني شيطان إبراهيم باشا بالعيد فغدره وقتلوه بالخناجر أواخر سنة اثنتين وسبعين وألف ولم يزل حسن اغا بلغيه المترجم حتى توفي سنة خمس عشرة ومائة وألف على فراشه وعمره نحو تسعين سنة. ولما مات حسن اغا انفرد بالكلمة بعده صهره إسمعيل بك وخضعت له الرقاب مشاركة إبراهيم بك أبي شنب بضعف. ومات الأمير مصطفى كتخدا القازدغلي تابع لامير حسن اغا بلغيه أصله ج / 1 ص -146- رومي الجنس حضر إلى مصر وخدم عند حسن اغا المذكور ورقاه ولم يزل حتى تقلد كتخدا مستحفظان فلما حصل ما تقدم وتقلد كجك محمد باش اوده باشا بالباب خمل ذكر مصطفى كتخدا وخمدت شهرته ثم نفاه كجك محمد إلى الحجاز فأقام بها سنتين إلى أن ترجى حسن إنما عند إبراهيم بك أمير الحاج وكجك محمد في رجوعه فردوه إلى مصر فأقام مع كجك محمد خاملا فاغرى به رجلا سجماني كان عنده بناحية طلخا يضرب نشابا فضرب كجك محمد من شباك الجامع بالمحجر فاصابه وملك مصطفى كتخدا باب مستحفظان ذلك اليوم ونفى وقتل وفرق من يخشى طرفه وصفا له الوقت إلى أن مات على فراشه سنة خمس عشرة ومائة وألف. ومات كجك محمد المذكور باش اوده باشا وكان له سمعة وشهرة وحسن سياسة. ولما قصر مد النيل في سنة ست ومائة وألف وشرقت البلاد وكان القمح بستين نصفا فضة الاردب فزاد سعره وبيع باثنتين وسبعين فضة نزل كجك محمد إلى بولاق وجلس بالتكية واحضر الامناء ومنعهم من الزيادة عن الستين وخوفهم وحذرهم واجلس بالحملة اثنين من القابجية ويرسل حماره كل يومين أو ثلاثة مع الحمار يمشي به جهة الساحل ويرجع فيظنون أن كجك محمد ببولاق فلا يمنكهم زيادة في الغلة. فلما قتل كما ذكر بيع القمح في ذلك اليوم بمائة نصف فضة ولم يزل يزيد حتى بلغ ستمائة نصف فضة. ومما اتفق له أن بعض التجار بسوق الصاغة أراد الحج فجمع ما عنده من الذهبيات والفضيات واللؤلؤ والجواهر ومصاغ حريمة ووضعه في صندوق وأودعه عند صاحب له بسوق مرجوش يسمى الخواجا علي الفيومي بموجب قائمة اخذها معه مع مفتاح الصندوق وسافر إلى الحجاز وجاور هناك سنة ورجع مع الحجاج وحضر إليه احبابه وأصحابه للسلام عليه. وانتظر صاحبه الحاج علي الفيومي فلم يأته فسأل عنه فقيل له: إنه طيب بخير فأخذ شيئا من التمر واللبان والليف ووضعه في ج / 1 ص -147- منديل وذهب إليه ودخل عليه ووضع بين يديه ذلك المنديل فقال له: من أنت فإني لا اعرفك قبل اليوم حتى تهاديني. فقال له: أنا فلان صاحب الصندوق الامانة فجحد معرفته وانكر ذلك بالكلية ولم يكن بينه وبينه بينة تشهد بذلك فطار عقل الجوهري وتحير في امره وضاق صدره فأخبر بعض أصحابه فقال له: اذهب إلى كجك محمد اوده باشه. فذهب إليه واخبره بالفضة فأمره أن يدخل إلى المكان الداخل ولا يأتي إليه حتى يطلبه وأرسل إلى علي الفيومي. فلما حضر إليه بش في وجهه ورحب به وآنسه بالكلام الحلو ورأى في يده سبحة مرجان فأخذها من يده يقلبها ويلعب بها ثم قام كأنه يزيل ضرورة واعطاها لخادمه وقال له: خذ خادم الخواجا صحبتك واترك دابته هنا عند بعض الخدم واذهب صحبة الخادم إلى بيته وقف عند باب الحريم واعطهم السبحة إمارة وقل لهم أنه اعترف بالصندوق والامانة. كلما رأوا الإمارة والخادم لم يشكوا في صحة ذلك وعندما رجع كجك محمد إلى مجلسه قال للخواجا: بلغني أن رجلا جواهرجي اودع عندك صندوقا امانة ثم طلبه فأنكرته. فقال: لا وحياة راسك ليس له أصل وكأني اشتبهت عليه أو أنه خرفان وذهلان ولا اعرفه قبل ذلك ولا يعرفني. ثم سكتوا وإذا بتابع الأوده والخادم داخلين بالصندوق على حمار فوضعوه بين ايديهما فامتنع وجه الفيومي واسفر لونه فطلب الأودة باشه صاحب الصندوق فحضر فقال له: هذا صندوقك قال له: نعم. قال له: عندك قائمة بما فيه قال: معي. وأخرجها من جيبه مع المفتاح فتناولها الكاتب وفتحوا الصندوق وقابلوا ما فيه على موجب القائمة فوجده بالتمام. فقال له: خذ متاعك واذهب. فأخذه وذهب إلى داره وهو يدعو له ثم التفت إلى الخواجا علي الفيومي وهو ميت في جلده ينتظر ما يفعل به فقال له: صاحب الامانة اخذها وأيش جلوسك فقام وهو ينفض غبار الموت وذهب. ج / 1 ص -148- واتفق أن أحمد البغدادي أقم مدة يرصد المترجم يمر من عطفه النقيب ليضربه ويقتله إلى أن صادفه فضربه بالبندقية من الشباك فلم تصبه وكسرت زاوية حجر واخبروه انها من يد البغدادلي فاعرض عن ذلك وقال: الرصاص مرصود والحي ماله قاتل. وتقلد باش اوده باشه سنة خمس وثمانين وألف فتحركت عليه طائفته وارادوا قتله فخرج من وجاقه إلى وجاق آخر وعمل شغله في قتل كبار المتعصبين عليه وهم ذو الفقار كتخدا وشريف أحمد باشجاويش باتفاق مع عابدي باشا المتولي إذ ذاك خفية فقتل الباشا الشريف أحمد جاويش في يوم الخميس خامس الحجة سنة تسع وثمانين وألف وهرب ذو الفقار إلى طندتا فأرسلوا خلفه فرمانا خطابا لاسمعيل كاشف الغربية بقتله فركب إلى طندتا وقتله وأرسل دماغه وذلك بعد موت أحمد جاويش بعشرة أيام ورجع كجك محمد إلى مكانه كما كان واستمر مسموع الكلمة ببابه إلى أن ملك الباب جربجي سليمان كتخدا مستحفظان في سنة أربع وتسعين وألف. ونفى كجك محمد إلى بلاد الروم ثم رجع في سنة خمس وتسعين وألف بسعاية بعض أكابر البلكات بشرط أن يرجع إلى لبس الضلمة ولا يقارش في شيء فاستمر خامل الذكر إلى أن مات جربجي سليمان على فراشه فعند ذلك ظهر أمر المترجم وعمل باش اوده باشا كما كان ولم يزل إلى سنة سبع وتسعين وألف فاستوحش من سليم افندي كاتب كبير مستحفظان ورجب كتخدا فانتقل إلى وجاق جمليان وعمل جربجي وسافر هجان باشا ثم رجع إلى بابه سنة تسع وتسعين وألف كما كان بمعاضدة إبراهيم بك الفقاري واتفق معه على هلاك سليم افندي ورجب كتخدا فولوهما الصنجقية وقتلوهما كما ذكر. وكان سليم افندي المذكور قاسمي النسبة واستمر كجك محمد مسموع الكلمة نافذ الحرمة إلى أن قتل غيلة كما ذكر في طريق المحجر في يوم الخميس سابع المحرم سنة ست ومائة وألف. ج / 1 ص -149- ومات الأمير عبد الله بك بشناق الدفتردار تولى الدفتردارية سنة ثلاث ومائة وألف ثم عزل عنها بعد خمسة أشهر وعشرين يوما وسافر اميرا على العسكر إلى الروم ورجع إلى مصر وتولى قائمقام عندما عزل حسن باشا السلحدار في سنة اثنتين وذلك قبل سفره وحضر أحمد باشا ثم عزل بعد ذلك المترجم من الدفتردارية واستمر اميرا إلى أن مات سنة خمس عشرة ومائة وألف على فراشه. ومات الأمير سليمان بك الارمني المعروف ببارم ذيله تولى الصنجقية سنة اثنتين ومائة وألف وكان وجيها ذا مال وخدم ومماليك وتولى كشوفيات المنوفية والغربية مرارا عديدة ولم يزل في إمارته إلى أن توفي على فراشه سنة أحدى وعشرين ومائة وألف وخلف ولدا يسمى عثمان جلبي تقلد إمارة والده بعده وكان جميلا وجيها حاذقا يحب مطالعة الكتب ونشد الأشعار وتقلد كشوفية المنوفية والغربية والبحيرة وكان فارسا شجاعا ولم يزل حتى هرب مع من هرب في واقعة محمد بك قطامش سنة سبع وعشرين ومائة وألف فاختفى بمصر ونهب بيته واستمر مخفيا إلى أن مات بالطاعون سنة ثلاثين ومائة وألف وخرجوا بمشهده جهارا ومات وعمره سبع وثلاثون سنة. ومات الأمير حمزة بك تابع يوسف بك جلب القرد تأمر بعد سيده سنة عشرة ومائة وألف فمكث خمس سنوات اميرا ثم سافر بالخزينة ومات بالطريق سنة ست عشرة ومائة وألف ومات قبله سيده الأمير يوسف بك القرد تولى الصنجقية سنة ثلاث وسبعين وألف وتولى إمارة الحج ولم يزل حتى توفي سنة عشر وألف. ومات الأمير رمضان بك تولى الإمارة سنة سبع وسبعين وألف وعمل قائمقام عندما عزل أحمد باشا الدفتردار وسبب ذلك أنه لما ورد أحمد باشا المذكور واليا على مصر في سنة ست وثمانين وألف واشيع عنه بأن ج / 1 ص -150- قصده أحداث مظالم على البيوت والدكاكين والطواحين مثل الشام ويفتش على الجوامك وغيرها فاجتمع العسكر في خامس الحجة بالرميلة وقاموا قومة واحدة وقطعوا عبد الفتاح افندي الشعراوي كاتب مقاطعة الغلال وهو نازل من الديوان. وكان قبل تاريخه ذهب إلى الديار الرومية وحضر صحبته أحمد باشا فاتهموه بانه هو الذي اغرى الباشا على ذلك. ولما نزل الأمراء وأرباب الديوان قام عليهم العسكر والعامة وقالوا لهم لا بد من نزول الباشا وإلا طلعنا إليه وقطعناه قطعا. فطلعوا إلى الباشا فعرضوا عليه ذلك فامتنع وتكرر مراجعته والعسكر والناس يزيد اجتماعهم إلى قريب العصر فلم يسعه إلا النزول بالقهر عنه إلى بيت حاجي باشا بالصليبة وولوا رمضان بك هذا قائمقام. فلم يزل حتى ورد عبد الرحمن باشا في سادس جمادي الآخرة من سنة سبع وثمانين وألف ولم يزل المترجم اميرا حتى مرض ومات سنة ثلاث عشرة ومائة وألف. ومات الأمير درويش بك الفلاح تولى الإمارة سنة خمس وتسعين وألف ومات سنة ثمان ومائة وألف. ومات الأمير درويش بك جركس الفقاري وهو سيد أيوب بك تولى الإمارة سنة ثمان وتسعين وألف ومات سنة خمس ومائة وألف. ومات الأمير كتخدا عزبان البيرقدار وكان صاحب صولة وعز في بابه وكلمة وشهرة مع مشاركة محمد كتخدا البيقلي وكان المترجم شهير الذكر وبيته مفتوح وتسعى إليه الأمراء والأعيان ويقضي حوائج الناس ويسعى في اشغالهم. وظهر في أيامه أحمد اوده باشه القيومجي وظالم علي جاويش عزبان. مات المترجم ثالث عشري رمضان سنة سبع ومائة وألف على فراشه بمنزله ناحية المظفر. ومات أيضا محمد كتخدا البيقلي في ثالث عشري رمضان سنة خمس ومائة وألف بمنزله بسوق السلاح وعمره ولده بعد موته وهو يوسف كتخدا ج / 1 ص -151- عزبان وكالة سنة ست عشرة ومائة وألف. ومات الأمير أحمد جربجي عزبان المعروف بالقيومجي وسبب تسميته بالقيومجي أن سيده حسن جربجي كان أصله صائغا ويقال له باللغة التركية قيومجي فاشتهر بذلك وكان سيده في باب مستحفظان وأحمد هذا عزبان وكان المشارك لأحمد جربجي في الكلمة على جاويش المعروف بظالم علي وإلى إلى أن لبس ظالم علي كتخدا الباب سنة ثمان ومائة وألف ومضى عليه نحو سبعة أشهر فانتبذ أحمد جربجي وملك الباب على حين غفلة وانزل علي كتخدا إلى الكشيدة فخاف على نفسه ظالم علي فالتجأ إلى وجاق تفكجيان فسعى إليه جماعة منهم ومن اعيان مستحفظان وردوه إلى بابه بان يكون اختياريا وضمنوه فيما يحدث منه فاستمر مع أحمد كتخدا معززا إلى أن مات ظالم علي على فراشه بمنزله بالجبانية الملاصق للحمام سنة خمس عشرة ومائة وألف وانفرد بالكلمة أحمد كتخدا ولم يزل إلى أن مات على فراشه بمنزله ببولاق سنة عشرين ومائة وألف وكان سخيا يضرب بكرمه المثل وكان به بعض عرج بفخذه الايسر بسبب سقطة سقطها من على الحمار وهو اوده باشا. ومات الأمير الكبير المقدام ايواظ بك والد الأمير إسمعيل بك وأصل اسمه عوض فحرفت باعوجاج التركية إلى ايواظ فإن اللغة التركية ليس فيها الضاد فابدلت وحرفت بما سهل على لسانهم حتى صارت ايواظ وهو جركس الجنس قاسمي تابع مراد بك الدفتردار القاسمي الشهيد بالغزاة ومراد بك تابع ازبك بك أمير الحاج سابقا ابن رضوان بك أبي الشوارب المشهور المتقدم ذكره تولى الإمارة عوضا عن سيده مراد بك الشهيد بالغزاة في سنة سبع ومائة وألف وفي سنة عشر ومائة وألف. ورد مرسوم من الدولة خطابا لحسين باشا والي مصر إذ ذاك بالأمر بالركوب على المتغلب عبد الله وافي المغربي بجهة قبلي ومن معه من العربان واجلائهم عن البلاد. ج / 1 ص -152- وحضرت جماعة من الملتزمين والفلاحين يشكون ويتظلمون من المذكورين فجمع حسين باشا الأمراء والاغوات وأمرهم بالتهيؤ للسفر صحبته فقالوا نحن نتوجه جميعا وأما أنت فتقيم بالقلعة لأجل تحصيل الأموال السلطانية. ثم وقع الاتفاق على اخراج تجريدة واميرها ايواظ بك وصحبته ألف نفر من الوجاقات ويقرروا له على كل بلد كبيرة ثلاثة آلاف نصف فضة والصغيرة ألف وخمسمائة فأجابهم إلى ذلك وجعلوا لكل نفر ثلاثة آلاف فضة وللامير عشرة أكياس وخلع عليه الباشا قفطانا وخرج في يوم السبت سابع عشر جمادي الأخرة بموكب عظيم ونزل بدير الطين. فبات به وأصبح متوجها إلى قبلي ثم ورد منه في حادي عشر رجب يذكر كثرة الجموع ويطلب الامداد فعمل الباشا ديوانا وجمع الأمراء واتفقوا على ارسال خمسة من الأمراء الصناجق وهم أيوب بك أمير الحاج حالا وإسمعيل بك الدفتردار وإبراهيم بك أبو شنب وسليمان بك قيطاس وأحمد بك ياقوت زاده واغوات الأسباهية الثلاثة واتباعهم وانفارهم. فتهيأوا وسافروا ونزلوا بالجيزة وأقاموا بها أياما فورد الخبر أن ايواظ بك تحارب مع العربان وهزمهم وفروا إلى الوجه البحري من طريق الجبل ورجع الأمراء إلى مصر. وفي شوال نزلت جماعة من العربان بكرداسة فكسبهم ذو الفقار كاشف الجيزة وقتل منهم أربعة وسبعين رجلا وطلع برؤوسهم إلى الديوان ثم ورد الخبر بان جمع أبي زيد بن وافي نزل بوادي الطرانة فاحتاط به قائمقام البحيرة وقتل من معه من الرجال واحتاط بالاموال والمواشي ولما بلغ بقية العربان ما حصل لأبي زيد ضاقت بهم الأرض ففروا إلى الواحات وأقاموا بها مدة حتى اخربوها واغلوها وانقطعت السيارة فالجأتهم الضرورة إلى أن هبطوا في صعيد مصر بمحاجر الجعافرة بالقرب من اسنا وصحبتهم علي أبو شاهين شيخ النجمة. وحصل منهم الضرر فلما بلغ ذلك عبد الرحمن بك اغرى بهم عربان هوارة فاحتاطوا بهم ج / 1 ص -153- ونهبوهم وأخذوا منهم جملة كبيرة من الجمال وغيرها ففروا فتبعهم خيل هوارة إلى حاجز منفلوط فتبعهم عبد الرحمن بك ومن معه من الكشاف فاثخنوهم قتلا ونهبا وأخذوا منهم الفا وسبعمائة جمل باحمالها. وهرب من بقي. وما زالوا كلما هبطوا ارضا قاتلهم أهلها إلى أن نزلوا الفيوم بالغرق وافترق منهم أبو شاهين بطائفة إلى ولاية الجيزة فعين لهم الباشا تجريدة ذهبوا خلفهم إلى الجسر الأسود فوجدوهم عدوا إلى المنوفية. واما ايواظ بك فإنه من حين نزوله إلى الصعيد وهو يجاهد ويحارب في العربان حتى شتت شملهم وفرق جمعهم فتلقاهم عبد الرحمن بك فإذاقهم اضعاف ذلك وحضر ايواظ بك إلى مصر ودخل في موكب عظيم والرؤوس محمولة معه وطلعوا إلى القلعة وخلع عليه الباشا وعلى السدادرة الخلع السنية ونزلوا إلى منازلهم في ابهة عظيمة وتولى كشوفية الأقاليم الثلاثة على ثلاث سنوات ورجع إلى مصر. وحضر مرسوم بسفر عسكر إلى البلاد الحجازية وعزل الشريف سعد وتولية الشريف عبد الله واميرها ايواظ بك فخلع عليه الباشا وشهل له جميع احتياجاته وبرز إلى العادلية وصحبته السدادرة وسار برا في غير أوان الحج ولما وصل إلى مكة جمع السدادرة القدم والجدد وحاربوا الشريف سعدا وهزموه وملك دار السعادة واجلس الشريف عبد الله عوضه وقتل في الحرابة رضوان اغا ولده وكان خازنداره وأقام بمكة إلى أيام الحج أتى إليه مرسوم بانه يكون حاكم جدة وكانت إمارة جدة لأمراء مصر أقام بجدة وحاز منها شيئا كثيرا. وكان الوكيل عنه بمصر يوسف جربجي الجزار عزبان ويرسل له الذخيرة وما يحتاجه من مصر. وتولى المترجم إمارة الحج سنة اثنتين وعشرين وقتل في تلك السنة وذلك أنه اشتدت الفتنة بين العرب والينكجرية وحضر محمد بك حاكم الصعيد معينا للينكجرية وصحبته السواد الأعظم من العسكر والعرب والمغاربة والهوارة فنزل بالبساتين ثم دخل إلى مصر بجموعه نزل ببيت ج / 1 ص -154- آقبراي وحارب المتترسين بجامع السلطان حسن وكان به محمد بك الصغير وهو تابع قيطاس بك مع من انضم إليه من اتباع إبراهيم بك وأيواظ بك ومماليكه فكانت النصرة لمحمد بك الصغير بعد أمور وحروب. وانتقل محمد بك جرجا إلى جهة الصليبة ووقعت أمور يطول شرحها مشهورة من قتل ونهب وخراب اماكن. وطال الأمر ثم أن الأمراء اجتمعوا بجامع بشتاك وحضر معهم طائفة من العلماء والاشراف واتفقوا على عزل خليل باشا وأقامة قانصوه بك قائمقام وولوا مناصب واغوت ووالي. ووصل الخبر إلى الباشا ومن معه فحرض الينكجرية وفيهم افرنج أحمد ومحمد بك جرجا ومن معه على الحرب. ووقعت حروب عظيمة بين الفريقين عدة أيام وصار قانصوه بك يرسل بيولديات وتنابيه وأرسل إلى محمد بك جرجا يأمره بالتوجه إلى ولايته ويجتهد في تحصيل المال والغلال السلطانية فعندما وصل إليه البيورلدي قام وقعد واحتد واشتد بينهم الجلاد والقتال. واجتمع الأمراء والصناجق والاغوات عند قائمقام ورتبوا أمورهم وذهبت طائفة لمحاربة منزل أيوب بك إلى أن ملكوه بعد وقائع ونهبوه وخرج أيوب بك هاربا وكذلك منزل أحمد اغا التفكجية بعد قتله. وخرج أيضا محمد اغا الشاطر وعلي جلبي الترجمان وعبد الله الوالي ولحقوا بأيوب بك وفروا إلى جهة الشام وخرج محمد بك الكبير إلى جهة قبلي وانتهبت جميع بيوت الخارجين وبيت محمد بك الكبير وأحمد جربجي القنيلي واحرقوا بيت أيوب بك وما لاصقه من البيوت والحوانيت والرباع. وفي اثناء ذلك خروج من ذكر أيام اشتداد الحرب خرج محمد بك بمن معه إلى جهة قصر العيني فوصل الخبر إلى ايواظ بك فركب مع من معه ورفع القواس المزراق إمام الصنجق فانشبك في سكفة الباب وانكسر فقالوا للصنجق كسر المزراق. قال: وتطيروا من ذلك. فقال لعل بموتي ينصلح الحال. وطلب مزراقا آخر وسار إلى جهة القبر الطويل فظهر ج / 1 ص -155- محمد بك والهوارة فتحاربوا معهم فانهزم رجال محمد بك وفر هو ومن معه إلى السواق فطمع فيهم ايواظ بك ورمح خلفهم وكان محمد بك اجلس جماعة سجمانية على السواقي لمنع من يطرد خلفهم عند الانهزام فرموا عليهم رصاصا فأصيب ايواظ بك وسقط من على جواده. وحصل بعد ذلك ما حصل من الحروب ونصرة القاسمية والعزب وهروب المذكورين وعزل الباشا ودفن ايواظ بك بتربة أبي الشوارب وكان اميرا خيرا شهما حزن عليه كثير من الناس. وخلف ولده السعيد البشهيد إسمعيل بك الشهير السابق ذكره والآتي ترجمته وما وقع له ولاخيه محمد بك المعروف بالمجنون ومصطفى بك وخلف عدة من المماليك والأمراء ومنهم يوسف بك الجزار وغيره. ومات الأمير أيوب بك تابع درويش بك وهو كان ممن تسبب في اثارة الفتننة المذكورة وتولى كبرها مع افرنج أحمد وأرسل إلى محمد بك جرجا فحضر إليه معينا ومعه من ذكر من اخلاط العالم وحصل ما حصل وأصله جركس الجنس ومن الفقارية تولى إمارة الحج بعد موت إبراهيم بك ذي الفقار سنة سبع ومائة وألف وطلع بالحج عشر مرات وعزل سنة سبع عشرة ومائة وألف وتولى الدفتردارية ثم عزل عنها وقعت الفتنة وقهر فيها وخرج من مصر هاربا مع من هرب إلى جهة الشام وذهب إلى اسلامبول ولم يزل بها حتى مات سنة أربع وعشرين ومائة وألف طريدا غريبا وحيدا بعد الذي رآه من العز والجاه بمصر وخلف من الأولاد الذكور الإناث اثني عشر لم ينتج منهم أحد عاشوا وماتوا فقراء لأن ماله انتهب في الفتنة. ومات الأمير قيطاس بك وهو مملوك إبراهيم بك ذي الفقار كردلي الجنس تولى إمارة الحج سنة سبع عشرة ومائة وألف واستمر فيها إلى سنة أحدى وعشرين ومائة وألف طلع بالحج خمس مرات ثم عزل وتولى ج / 1 ص -156- الدفتردارية واستمر فيها إلى سنة أربع وعشرين ومائة وألف ثم عزل عنها وتولى إمارة الحج سنة تاريخه ثم عزل وتلبس بالدفتردارية واستمر فيها إلى أن قتل في سنة ست وعشرين ومائة وألف قتله عابدي باشا وذلك أنه لما حضر عابدي باشا إلى مصر وقدم له الأمراء التقادم وقدم له إسمعيل بك ابن ايواظ تقدمة عظيمة وكان إذ ذاك امين السماط فأحبه الباشا وسأل عمن تسبب في قتل أبيه فقالوا هذه قضية ليس لاحد فيها جنية وإنما قيطاس بك وأيوب بك من بيت واحد وكان أيوب بك اعظم فالتجأ قيطاس بك إلى المرحوم ايواظ بك إلى أن قتل بسببه وقتل أيضا كثير من رجاله. وبعدما بلغ مراده سعى في هلاكنا واراد قتلنا عند ام اخنان وسلط ابن حبيب على خيولنا في المربع وجم اذنابها. فقال الباشا يكون خيرا. ولما استقر الباشا وتقلد إسمعيل بك إمارة الحج وقلدوا مناصب الأقاليم للقاسمية وتقلد عبد الله بك خازندار ايواظ بك الصنجقية وأرسلوا بقتل الأمير حسن كاشف اخميم. ثم أن قيطاس بك أرسل كور عبد الله سرا إلى الباشا وكلمه في ادارة الكشوفيات على الفقارية وعمل رشوة فقال له: هذه السنة مضت وفي العام القابل نعطيكم جميع الكشوفيات فاطمأن بذلك وشرع في عمل عزومة للباشا بقصر العيني فأجاب لذلك وذهب مع القاضي وإبراهيم بك الدفتردار وأرباب الخدم وقدم لهم تقادم وخلع عليه الباشا فروة سمور وركبوا أواخر النهار وذهبوا إلى منازلهم. ومضى على ذلك أيام وكان محمد بك قطامش تابع قيطاس بك في الخفر بسبيل علام فحضر في بعض الأيام إلى الديوان لحاجة ودخل عند الباشا فقال له: اين كنت ولم تحضر معنا عزومة سيدك. فقال أنا في الخفر بسبيل علام. فقال الباشا وسبيل علام هذا بلد والاقلعة فعرفه أنه مثل القلعة وحوله قصور لنزول الأمراء. فقال الباشا احب أن ارى ذلك. فقال حبا وكرامة تشرفونا يوم السبت. فقال: كذلك ج / 1 ص -157- شهل روحك ونأتي صحبة سيدك والقاضي من غير زيادة وادع أنت من شئت. وقال الباشا لقيطاس بك: تنزل في صبح يوم السبت إلى قراميدان فتأتيني هناك ونركب صحبته. فقال كذلك. فأرسل إبراهيم أبو شنب تلك الليلة تذكرة لقيطاس بك أقبل النصيحة ولا تذهب إلى قراميدان. فلما قرأ التذكرة وأعرضها على كتخداه محمد اغا الكور فقال هذا عدو فلا تأخذ منه نصحية فإنه لا يحب قربك من الباشا. وفي الصباح ركب في قلة وذهب إلى قراميدان فوجد الباشا نزل وجلس بالكشك وأوقف اتباعه وعسكره. فلما حضر قيطاس بك قال له: الباشا من الشباك اطلع حتى يأتي القاضي ونركب سوية وخل الطوائف راكبين. فنزل وطلع وجلس فهجم عليه اتباع الباشا وقتلوه بالخناجر وقطعوا راسه ورموه لطائفته من الشباك. وركب الباشا في الحال وطلع إلى القلعة. فشاله اتباعه وذهبوا إلى بيته وذهبت طائفة إلى سبيل علام اخبروا محمد بك بقتل سيده فركب من ساعته وصحبته عثمان بك فاتوا صيوان قيطاس بك الاعور وكان طالعا بالخزينة فعرفوه أن سيده قتله القاسمية بيد الباشا وطلبوه يركب معهم ياخذون بثأره فأتى وقال: إنه قتل بأمر سلطاني والخزنة في تسليمي وانتم فيكم البركة فساروا إلى بيت أستاذهم فوجدوا هناك حسن كتخدا النجدلي وناصف كتخدا القازدغلي وكور عبد الله جاويش واحضروا راس الصنجق مسلوخة وغسلوه وكفنوه وصلوا عليه بسبيل المؤمن ودفنوه بالقرافة وكرنك محمد بك قطامش تابعه هو وعثمان بك سليمان بك بارم ذيله ولم يتم له أمر وهرب محمد بك إلى بلاد الروم وسيأتي خبره في ترجمته واختفى عثمان بك في بيت رجل مغربي حتى مات وكان إبراهيم بك أبو شنب يعرف مكانه ويرسل له مصروفا وثارت فتنة عظيمة بعد قتل قيطاس بك بين الينكجرية والعزب وهو أن حسن كتخدا النجدلي وناصف كتخدا وكور عبد الله جاويش أغراض ج / 1 ص -158- قيطاس بك ملكوا باب مستحفظان في ذلك اليوم في شهر رجب وقتلوا كتخدا الوقت شريف حسين وإبراهيم باش اوده باشه المعروف بكدك وكانوا يتهمونه في قتل قيطاس بك. ثم في أواخر رمضان ملك باب مستحفظان محمد كتخدا كدك على حين غفلة ليأخذ ثأر أخيه حسين وقتل حسن كتخدا النجدلي وناصف كتخدا القازدغلي وانزلوا رممهما في صبحها إلى بيوتهم وهرب كور عبد الله ثم قبضوا عليه بعد ستة أيام واحضروه وهو راكب على حصان وفي عنقه جنزير وعلى راسه ملاءة فطلع به محمد بك جركس إلى الباشا فأمر به إلى محمد كدك بالباب فقتله وأرسل رمته إلى بيته بسوق السلاح وذلك في غاية رمضان سنة سبع وعشرين ومائة وألف. ومات الأمير عبد الرحمن بك وكان أصله كاشف الشرقية وكان مشهورا بالفروسية والشجاعة قلده الإمارة إسمعيل باشا والي مصر سنة سبع ومائة وألف هو ويوسف بك المسلماني. فانه لما وقع الفصل في تلك السنة وغنم الباشا أموالا عظيمة من حلوان المحاليل والمصالحات فلما انقضى الفصل عمل عرسا عظيما لختان أولاده في سنة ثمان ومائة وألف وهادنه الأعيان والأمراء والتجار بالهدايا والتقادم وكان مهما عظيما استمر عدة أيام لم يتفق نظيره لاحد من ولاة مصر نصبوا في ديوان الغوري وقاتباي الاحمال والقناديل وفرشوهما بالفرش الفاخرة والوسائد والطنافس وانواع الزينة ونصبوا الخيام على حوش الديوان وحوش السراية وعلقوا التعاليق بها وخيام تركية واتصل ذلك بأبواب القلعة التحتانية إلى الرميلة والمحجر ووقف أرباب العكاكيز وكتخدا الجاوشية واغات المتفرقة والأمراء وباشجاويش الينكجرية والعزب والاغا والوالي والمحتسب الجميع ملازمون للخدمة وملاقاة المدعوين وفي اوسلعهم الحازم الزردخان وابو اليسر الجنكي ملازم بديوان الغوري ليلا ونهارا وجنك اليهود بديوان قايتباي ج / 1 ص -159- وأرباب الملاعيب والبهلوانيين والخيالة بالحيشان وابواب القلعة مفتوحة ليلا ونهارا وأصناف الناس على اختلاف طبقاتهم واجناسهم أمراء واعيان وتجار وأولاد بلد طالعين نازلين للفرجة ليلا ونهارا. وختن مع أولاده عند انقضاء المهم مائتي غلام من أولاد الفقراء ورسم لكل غلام بكسوة ودراهم ودعوا في أول يوم المشايخ والعلماء وثاني يوم أرباب السجاجيد والرق وثالث يوم الأمراء والصناجق ثم الأغوات والوجاقلية والاختيارية والجربجية وواجب رعايات الأبواب كل طائفة يوم مخصوص بهم ثم التجار وخواجات الشرب والغورية ثم القاقجية والعقادين والقوافين ومغاربة طيلون وأرباب الحرف ومجاوري الأزهر والعميان بوسط حوش الديوان غدوا وعشيا. ثم خلع الخلع والفراوي وانعم بحصص وعتامنة على أرباب الديوان والخدم وكذلك كساوي للجنك وأرباب الملاهي والبهلوانيين والطباخين والمزينين وانعامات وبقاشيش. ولما تم وانقضى المهم قال الباشا لإبراهيم بك وحسن افندي وكانا خصيصين به: أريد أقلد إمارة صنجقين لشخصين يكونان اشراقين ويكونان شجاعين قادرين. فوقع الاتفاق على يوسف اغا المسلماني وعبد الرحمن اغا كاشف الشرقية. هذا وكان ضرب هلباسو يد قبل تاريخه واشتهر بالشجاعة فخلع عليهما في يوم واحد وعملوا لهما رنك وسعاة ونزلت لهما الأطواغ والبيارق والتوبة وحضرت لهما التقادم والهدايا ولبسا الخلع. ثم إن الباشا أنشأ له تكية في قراميدان ووقف سبع بلاد من التي أخذها من المحاليل في اقليم البحيرة وهي امانة البدرشين وناحية الشنباب وناحية سقارة وناحية مائة رهينة أبي صبر الصدر وناحية شبرامنت بالجيزة وناحية ترسا وجعلها للتكية وسحابة بطريق الحجاز وجعل الناظر على ذلك خازنداره وارخى لحيته واعطاه قائظ وعتامنة في دفتر العزب وقلده جربجي تحت نظر أحمد كتخدا القيومجي وأرسل كتخداه قرا محمد اغا إلى اسلامبول لتنفيذ ج / 1 ص -160- ذلك وسافر على الفور. وعندما وصل إلى اسلامبول أرسل مقررا لمخدومه على سنة تسع ومائة وألف صحبة أمير اخور فوصل إلى بولاق ونزلت له الملاقية وحضر إلى الديوان. وبعد انفضاض الديوان دخل الأمراء الكبار وهم إبراهيم بك أبو شنب وأيواظ بك وقانصوه بك وإسمعيل بك الدفتردار للتهنئة ولم يدخل حسن اغا بلغيه والاغوات وعبد الرحمن بك ويوسف بك وسليمان بارم ذيله وقيطاس بك وحسين بك أبو يدك وكامل الفقارية فسأل الباشا عنهم فرآهم نزلوا فانقبض خاطره من الفقارية وقال لإبراهيم بك: أنا أكثر عتابي على اشراقي عبد الرحمن بك ويوسف بك وحيث انهما فعلا ذلك أنا اطلب منهما حلوان الصنجقية ثمانية وأربعين كيسا. فلاطفه إبراهيم بك وحسن افندي فلم يرجع وأمر بكتابة فرمانين وأرسلهما إلى الأميرين المذكورين بطلب أربعة وعشرين كيسا من كل امير. فقال عبد الرحمن بك أنا لم اطلب هذه البلية حتى ياخذ مني عليها هذا القدر. ولما حضر الأغا المعين ليوسف بك تركه في منزله وركب إلى عبد الرحمن بك معا إلى حسن اغا بلغيه وعملوا شغلهم وعزلوا الباشا. وكانوا تخيلوا منه الغدر بهم ونزل إلى بيت كان اشتراه من عتقي عثمان جربجي مطل على بركة الفيل بحدرة طولون بجوار حمام السكران ثم باع المنزل والبلاد التي وقفها على التكية والسحابة وغلق الذي تأخر في طرفه من المال والغلال لحسين باشا المتولي بعده. وخرج إلى العادلية وسافر إلى بغداد. وتولى عبد الرحمن بك على ولاية جرجا وحصل له أمور مع عربان هوارة ذكر بعضه في ترجمة ايواظ بك. وانفصل عبد الرحمن بك من ولاية الصعيد وحضر إلى مصر ونزل عند الآثار وأرسل إلى الباشا المتولي تقادم وعبيدا واغوات ونزل الباشا في ثاني يوم إلى قراميدان وحضر عبد الرحمن بك باتباعه ومماليكه وخلفه النوبة التركي فسلم على الباشا وخلع عليه فروة سمور وركب إلى البيت الذي نزل فيه وهو بيت رضوان بك بالقصبة ج / 1 ص -161- المعروفة بالقوافين. وكان ذلك الباشا هو قرا محمد كتخدا إسمعيل باشا المنفصل المتقدم ذكره وفي نفسه من المترجم ما فيها بسبب مخدومه فإنه هو الذي سعى في عزله وابطال وقفه وانسلخ من الفقارية وتنافس معهم وصار يقول: أنا قاسمي. فحقدوا عليه ذلك وسعوا في عزله من جرجا ولما حضر إلى مصر تعصبوا عليه ووافق ذلك غرض الباشا لكراهته له بسبب أستاذه. ولما استقر عبد الرحمن بك بمنزله حضرت إليه الأمراء للسلام عليه ما عدا حسن اغا بلغيه ومصطفى كتخدا القازدغلي. ثم بعد انقضاء ذلك ورجوع الهوارة إلى بلادهم وعمارهم كتبوا قوائم بما ذهب لهم من غلال ونحاس وثمنوها بثلثمائة كيس وجعلوا الآخذ لذلك جميعه عبد الرحمن بك وأرسلوا القوائم إلى ابن الحصري ووكلوا وجاق الينكجرية في خلاص ذلك من عبد الرحمن بك فعرض ذلك ابن الحصري على أستاذه القازدغلي وحسن اغا بلغيه وكتبوا بذلك عرضحال وقدموه للباشا بعدما وضبوا ما أرادوا من الرابطة والتعصيب فأرسل إليه الباشا يطلبه فامتنع من الطلوع وقال للاغا المعين: سلم على حضرة الباشا وسوف اطلع بعد الديوان أقابله. فنزل إليه كتخدا الجاويشية واغات المتفرقة وتكلموا معه بسبب ما تقدم فقال أنا لم أكن وحدي كان معي غزسيمانية وعرب هوارة بحري وكشاف الأمير حسن الاخميمي لموم كثيرة وكل من طال شيئا أخذه وسوف أتوجه للدولة بالخزينة وأعرفهم بفعل أيوب بك وحسن اغا بلغيه والقازدغلي واضمن لهم فتوح مصر وقطع الجبابرة فلاعفوه وعالجوه على الطلوع فامتنع من الطلوع مع الجمهور وقال: أروح معهم إلى بيت القاضي ويقيموا بينتهم واثباتهم وأنا قادر ومليء وما أنا محتاج ولا مفلس. فرجعوا وعرفوا الجمع بما قاله بالحرف الواحد. فقال الباشا للقاضي أكتب له مراسلة بالحضور والمرافعة. فكتب له وأرسلها القاضي صحبة جوخدار من طرفه. فلما وصل إليه قال: أنا لست ج / 1 ص -162- بعاصي الشرع ولا أترافع معهم إلا في بيت القاضي ولا اطلع في الجمهور فرجع الجوخدار بالجواب وكان فرغ النهار فعند ذلك بيتوا أمرهم واتفقوا على محاربته. واجتمع عند عبد الرحمن بك اغراضه وأحمد أوده باشا البغدادلي ووصله الخبر بركوبهم عليه فضاق صدره وخرج من منزله ماشيا واراد أن يذهب إلى الجامع الأزهر يقع على العلماء فلما وصل إلى باب زويلة لحقه أحمد البغدادلي وحسن الحازندار فرده وقالا له اجلس في بيتك ونحاربهم وعندنا العدة والعدد. وعند الصباح احتاطوا بداره ونزلت البيارق والمدافع والعسكر من كل جانب ورموا عليه من جميع الجهات ودخلت طائفة من العسكر إلى الجامع المواجه للبيت وصعدوا إلى المنارة ورموا بالرصاص فاصيب أحمد البغدادلي وحسن الخازندار وماتا وكان الصنجق والطائفة عند النقيب بالاسطبل فاخبروه بموت حسن الخازندار وكان يحبه فطلع إلى المقعد فاصيب أيضا ومات. فعند ذلك انحلت عزائم الطائفة وأولاد الخزنة فخرجوا من البيت مشاة بما عليهم من الثياب ظنوهم من طوائف الصناجق. ولما رأى الذين في النقب بطلان الرمي دخلوا وطلعوا إلى المقعد فوجدوا الصنجق ميتا فأخذوا رأسه ورأس البغدادلي وطلعوا بهم للباشا وعبرت العساكر إلى البيت نهبوه وأخذوا منه أموالا عظيمة وسبوا الحريم وأخذوا كامل ما في الحريم من بنت الصنجق يظنوها جارية فخرجت امها تصرخ من خلفها فخلصها مصطفى جاويش القيصرلي وطلع بها إلى الباشا فانعم عليها بخمسة وثلاثين عثماني ومائتين ذهب أخذها وأمها مصطفى جاويش وزوجها لبعض مماليك أبيها وكان قتل عبد الرحمن بك في ثاني عشر ربيع الأول سنة ثلاث عشرة ومائة وألف وأما يوسف بك فإنه توفي بالسفر ببلاد الروم. ومات الأمير علي أغا مستحفظان المشهور تولى أغاوية مستحفظان في ج / 1 ص -163- سنة ثمان ومائة وألف وفي سنة اثنتي عشرة وثلاث عشرة وأربع عشرة فشا أمر الفضة المقاصيص والزيوف وقل وجود الديواني وإن وجد اشتراه اليهود بسعر زائد وقصوه فتلف بسبب ذلك أموال الناس. فاجتمع أهل الأسواق ودخلوا الجامع الأزهر وشكوا أمرهم للعلماء وألزموهم بالركوب إلى الديوان في شأن ذلك فكتبوا عرضحال وقدموه إلى محمد باشا فقرأه كاتب الديوان على رؤوس الأشهاد فأمر الباشا بعمل جمعية في بيت حسن أغا بابطال الفضة المقصوصة وظهور الجدد وادارة دار الضرب وعمل تسعيرة وضرب فضة وجدد نحاس ويكون ذلك بحضور كتخدائه وكامل الأمراء الصناجق والقاضي والاغوات ونقيب الأشراف وكبار العلماء. وطلب جوابا كافيا وأعطاه ليد كتخدا الجاويشية فأرسل التنابيه مع الجاويشية تلك الليلة. واجتمع الجميع في صبحها بمنزل حسن أغا بلغيه واتفقوا على ابطال المقاصيص وضرب فضة جديدة توزع على الصيارف ويستبدلون المقاصيص بالوزن من الصيارف وإن صرف الكلب بثلاثة وأربعين نصفا والريال بخمسين والاشرفي بتسعين والطرلي بمائة وقيدوا بتنفيذ ذلك على اغا المذكور وكذلك الأسعار. وشرط عليهم ابطال. الحمايات وعدم معارضته في شيء. وكل من مسك ميزانا فهو تحت حكمي وكذلك الخصاصة وتجار البن والصابون ويركب بالملازمين ويكون معه من كل وجاق جاويش بسبب انفار الأبواب. وأخبروا الباشا بما حصل وكتب القاضي حجة بذلك وكتب المشايخ عليها وكذلك الباشا واعطوهما لعلي آغا فطلع إلى الباب واحضر شيخ الخبازين وباقي مشايخ الحرف واحضر اردب قمح وطحنه وعمل معدله على الفضة الديواني خمسة أوراق بجديدين والبن بأثني عشر فضة الرطل والصابون بثلاثة والسكر النبات بأثني عشر الرطل والخام بخمسة والمنعاد بستة وأربعة جدد والمكرر الشفاف بثمانية فضة وأربعة جدد والشمع االسكندري باربعة عشر فضة ج / 1 ص -164- والعسل الشهد بستة انصاف والسقر بثلاثة وأربعة جدد والسائل بنصفين والمرسل الحر بنصف فضة والقطر المنعاد بنصفين والقطر القناني بثلاثة والسمن البقري بثلاثة فضة وأربعة والمزهر بنصفين وستة جدد والجاموسي بنصفين وجديدين والزبد البقري بنصفين وأربعة جدد والزبد الجاموسي بنصفين وجديدين واللحم الضاني بنصفين والماعز بنصف وأربعة جدد والجاموسي بنصف وجديدين والزيت الطيب بنصفين وستة جدد والشيرج بنصفين والزيت الحار بنصف وستة جدد والجبن الكشكبان بثلاثة انصاف فضة والوادي بنصفين وأربعة جدد والجاموسي الطري بنصف وأربعة جدد والجبن المنصوري المغسول بنصف وستة جدد والحالوم الطري بنصف وجديدين الرطل والجبن المصلوق بنصف وأربعة جدد والشلفوطي والقربش بستة جدد الرطل والعيش العلامة خمسة أواق بجديدين والكشكار ستة أواق بجديدين. وحصل ذلك بحضرة مشايخ الحرف والمغارية وأرسل الأغا بقفل الصاغة ومسبك النحاس وأمر باحضار الذهب والفضة المبتاعة والنحاس لدار الضرب واحضر شيخ الصيارفة وأمرهم باحضار الذهب والريالات وقروش الكلاب يضرفونها بفضة وجدد نحاس وأعلمهم أنه يركب ثالث يوم العيد ويشق بالمدينة وكل من وجد حانوته خاليا من الفضة والجدد قتل صاحبه أو سمره. وكتب القائمة بالاسعار وطلع بها للباشا علم عليها. وركب ثالث يوم من شهر شوال سنة أربع عشرة ومائة وألف وعلى رأسه العمامة الديوانية المعروفة بالبيرشانة وإمامه القابجية والملازمون والوالي وامين الاحتساب وأوده البوابة بطائفته والسبعة جاويشية خلفه ونائب القاضي في مقدمته وكيس جوخ مملوء عكاكيزشوم على كتف قواس والمشاعلي بيده القائمة وهو ينادي على رأس كل حارة يقف مقدار نصف ساعة. وضرب في ذلك اليوم اثنين قبانية وثلاثة زياتين وجرار لحم خشن ومات الستة من الضرب ورسم على شيخ ج / 1 ص -165- القبانية بان لا أحد يزن في بيت زيات سمنا ولا جبنا وصار يتفقد الدراهم ويحرر الارطال والصنج ويسأل عن اسعار المبيعات ولا يقبل رشوة وكل من وجده على خلاف الشرط سواء كان فلاحا أو تاجرا أو قبانيا بطحه وضربه بالمساوق الشوم حتى يتلف أو يموت وغالبهم لم يعش بذلك وصار له هيبة عظيمة ووقار زائد. ولم يقف أحد في طريقه سواء كان خيالا أو حمارا أو قرابا إلا ويخشاه حتى النساء في البيوت وهو فائت لم تستطع امرأة أن تطل من طاقة واتفق أن إسمعيل بك الدفتردار صادفه بالصليبة فلما رأى المقادم دخل درب الميضاة حتى مر الأغا فقيل له: أنت صنجق ودفتردار وكيف انك تذهب من طريقه فقال كذا كتبنا على أنفسنا حتى يعتبر خلافنا. وأقام في هذه التولية ستة أشهر ثم عزل وولي رضوان أغا كتخدا الجاويشية سابقا وذلك أواخر سنة ثمان عشرة وعزل رضوان أغا في جمادى الأولى سنة تسع عشرة ومائة وألف وتولى أحمد اغا ابن باكير أفندي ثم تولى في أيام الواقعة الكبيرة في أواخر ربيع الثاني سنة ثلاث وعشرين ومائة وألف ولم يزل حتى مات في يوم الجمعة ثاني شهر شوال بجامع القلعة وذلك أنه صلى الجمعة والسنن بعدها وسجد في ثاني ركعة فلم يرفع رأسه من السجود فلما أبطأ حركوه فإذا هو ميت فغسلوه وكفنوه ودفنوه بتربة باب الوزير وذلك سنة ثلاث وعشرين ومائة وألف. وتولى بعده في اغاوية مستحفظان محمد افندي كاتب جمليان سابقا الشهير بابن طسلق وركب بالبيرشانة والهيئة وذلك عقيب الفتنة الكبيرة بنحو خمسة أشهر. ولما مات علي اغا وتولى هذا الأغا عملوا تسعيرة أيضا وجعلوا صرف الذهب البندقي بمائة وخمسة عشر نصف فضة والطرلي بمائة والريال بستين والكلب بخمسة وأربعين ونودى بذلك وبمنع التجار وأولاد البلد من ركوب البغال والاكاديش ومنع من بيع الفضة بسوق الصاغة وإن لاتباع الأبرار الضرب وقفل دكاكين الصواغين. ج / 1 ص -166- ومات الأمير الكبير إبراهيم بك المعروف بأبي شنب وأصله مملوك مراد بك القاسمي وخشداش ايواظ بك تقلد الإمارة والصنجقية مع ايواظ بك وكان من الأمراء الكبار المعدودين تولى إمارة الحج سنة تسع وتسعين وألف وطلع بالحج مرتين ثم عزل عنها باستعفائه لامور وقعت له مع العرب باغراء بعض أمراء مصر. وسافر أميرا على العسكر المعين في فتح كريد في غرة المحرم سنة أربع وألف. ولما ركب بالموكب خرج إمامه شيخ الشحاتين وجملة من طوائفه لأنه كان محسنا لهم ويعرفهم بالواحد. وكان إذا أعطى بعضهم نصفا في جهة ولاقاه في طريقه من جهة اخرى يقول له: أخذت نصيبك في المحل الفلاني. ثم رجع إلى مصر في شهر ذي الحجة وطلع إلى الأسكندرية ووصل خبر قدومه إلى مصر فجمع الشحاتون من بعضهم دراهم واشتروا حصانا أزرق عملوا له سرجا مغرقا ورختاور كابا مطليا وعباء زركش ورشمة كلفة ذلك اثنان وعشرون ألف فضة ولما وصل إلى الحلي قدموه له فقبله منهم وركبه إلى داره وذهبت إليه الأمراء والأعيان وسلموا عليه وهنوه بالسلامة وخلع على شيخ الشحاتين ونقيبهم كل واحد جوخة ولكل فقير جبة وطاقية وشملة ولكل امرأة قميص وملاية فيومي وأغدق عليهم اغداقا زائدا وعمل لهم سماطا وكان المتعين بالرياسة في ذلك الوقت إبراهيم بك ذو الفقار وفي عزمه قطع بيت القاسمية فأخرج ايواظ بك إلى اقليم البحيرة وقانصوه بك إلى بني سويف وأحمد بك إلى المنوفية. ولما حضر إبراهيم بك أبو شنب واستقر بمصر فأتفق إبراهيم بك ذو الفقار مع علي باشا المتولي إذ ذاك على قتله بحجة المال والغلال المنكسرة عليه في غيبته وقدرها اثنا عشر ألف إردب وأربعون كيسا صيفي وشتوي فأرسل إليه الباشا معين بفرمان يطلبه وكان أتاه شخص من اتباع الباشا أنذره من الطلوع فقال للمعلمين تسلم على الباشا وبعد الديوان اطلع اقابله. ففات العصر ولم يطلع فأرسل الباشا إلى درويش بك وكان خفيرا بمصر القديمة وامره ج / 1 ص -167- بالجلوس عند باب السر الذي يطلع على زين العابدين وإلى الوالي والعسس وأوده باشا البوابة يجلس عند بيت إبراهيم أبي شنب. واشبع ذلك وضاق خناق إبراهيم بك أبي شنب واغتنم جيرانه وأهل حارته لاحسانه في حقهم وحضر إليه بعض أصحابه يؤانسه مثل إبراهيم جربجي الداودية وشعبان افندي كاتب مستحفظان سابقا وأحمد افندي روزنامجي سابقا. فهم على ذلك وإذا بسليمان الساعي داخل على الصنجق بعد العشاء فأخبره أن مسلم إسمعيل باشا أمير الحاج الشامي ورد إلى العادلية وأرسل جماعة جوخدارية بقائمقامية إلى إبراهيم بك فأمر بدخولهم عليه فدخلوا واعطوه التذكرة فقرأها وعرف ما فيها فسري عنه الغم. وفي التذكرة أن كان غدا أول توت ندخل وإلا بعد غد وكانت سنة تداخل سنة ست في سنة سبع وكان الباشا أتى له مقرر من السلطان أحمد وتوفي وتولى السلطان مصطفى فعزل علي باشا عن مصر وولى إسمعيل باشا حاكم الشام وأرسل مسلمه بقائمقامية إلى إبراهيم بك فسأل الصنجق أحمد افندي عن أول توت فأخبره أن غدا أول توت. فقال لأحمد كاشف الاعسر: خذ الحصان الفلاني وعشرة طائفة والجوخدارية ومشعلين واذهبوا إلى العادلية وأحضروا بالاغا قبل الفجر. ففعلوا وحضروا به قبل الفجر بساعتين فخلع عليه فروة سمور وقال للمهنار: دقوا النوبة قاصد مفرح فلما ضربت النوبة سمعت الجيران قالوا: لا حول ولا قوة إلا بالله أن الصنجق اختل عقله عارف أنه ميت ويدق النوبة. ولما طلع النهار وأكلوا الفطور وشربوا القهوة ركب الصنجق بكامل طوائفه وصحبته الأغا وطلع إلى القلعة وجلس معه بديوان الغوري وحضر إليهم كتخدا الباشا فأطلعوه على المرسوم فدخل على الكتخدا فأخبر مخدومه بذلك فقال لا اله إلا الله. وتعجب في صنع الله ثم قال: هذا الرجل يأكل رؤوس الجميع. ودخلوا إليه فخلع عليه وعلى المسلم ونزل إلى داره ووصل الخبر إلى إسمعيل بك الدفتردار فركب ج / 1 ص -168- اسمعيل بك إلى إبراهيم ذي الفقار أمير الحاج فركب معه بباقي الأمراء وذهبوا إلى إبراهيم بك يهنوه وكذلك بقية الأعيان وخلع على محمد بك اباظة وجعله امين السماط. وتولى المترجم الدفتردارية سنة 1119 واستمر بها إلى 1121 ثم عزل وتقلد إمارة الحج ثم أعيد إلى الدفتردارية في سنة 1127 ولم يزل إلى أن مات بالطاعون سنة 1130 وعمره اثنان وتسعون سنة وخلف ولده محمد بك أميرا يأتي ذكره. ومات افرنج أحمد اوده باشا مستحفظان الذي تسببت عنه الفتنة الكبيرة والحروب العظيمة التي استمرت المدة الطويلة والليالي العديدة. وحاصلها على سبيل الاختصار هو أن افرنج أحمد أوده باشا المذكور لما ظهر امره بعد موت مصطفى كتخدا القازدغلي مع مشاركة مراد كتخدا وحسن كتخدا فلما مات مراد كتخدا في سنة 1117 زاد ظهور أمر المترجم ونفذت كلمته على أقرانه وكان جبارا عنيدا فتعصب عليه طائفة وقبضوا عليه على حين غفلة وسجنوه بالقلعة وكان ممن تعصب عليه حسن كتخدا النجدلي وناصف كتخدا ابن اخت القازدغلي وكور عبد الله ثم أخرجوه من مصر منفيا. فغاب أياما ورجع بنفسه ودخل إلى مصر والتجأ إلى وجاق الجملية وطلب غرضه من باب مستحفظان فلم يرضوا بذلك وقالوا: لا بد من خروجه إلى محل ما كان. ووقع بينهم التشاجر واتفقوا بعد جهد على عدم نفيه وإن يجعلوه صنجقا فقلدوه ذلك على كره منه واستمر مدة فلم يهنأ له عيش. وخمل ذكره وانفق ما جمعه قبل ذلك فاتفق مع أيوب بك الفقاري وعصب الوجاقات ونفوا حسن كتخدا النجدلي وناصف كتخدا وكور عبد الله باش أوده باشا وقرا إسمعيل كتخدا ومصطفى كتخدا الشريف وأحمد جربجي تابع باكير أفندي وإبراهيم أوده باشا الاكنجي وحسين اوده بلضا العنترلي الجميع من باب مستحفظان فأخرجوهم إلى قرى الأرياف ورمى المترجم الصنجقية ورجع إلى بابه وركب الحمار ج / 1 ص -169- ثانيا وصار أوده باشا كما كان. وهذا لم يتفق نظيره ابدا وكان يقول: عندما استقر صنجقا الذي جمعه الحمار أكله الحصان. ولما فعل ذلك زادت كلمته وعظمت شوكته ثم أن المنفيين المتقدم ذكرهم حضروا إلى مصر باتفاق الوجاقات الستة ولم يتمكنوا من الرجوع إلى بابهم وذلك أن الوجاقات الستة وبعض الأمراء الصناجق أرادوا رجوع المذكورين إلى باب مستحفظان وإن افرنج أحمد يلبس حكم قانونهم أو يعمل جربجي وإن كور عبد الله اوده باشا يرجع إلى بابه ويلبس باش كما كان فعاند افرنج أحمد وعضده أيوب بك وانضم إليهم من انضم من الاختيارية والصناجق والاغوات ووقع التفاقم والعناد وافترقت عساكر مصر وامراؤها فرقتين وجرى ما لم يقع مثله في الحروب والكروب وخراب الدور. وطالت مدة ذلك قريبا من ثلاثة أشهر وانجلت عن ظهور العزب على الينكجرية. وقتل في اثنائها الأمير ايواظ بك ثم كان ما ذكر بعضه آنفا في ترجمة المرحوم ايواظ بك وغيره وهرب أيوب بك ومحمد بك الصعيدي ومن تبعهم ونهبت دور الجميع واحزابهم وانتصر القاسمية ثم انزلوا الباشا بامان وهجمت العساكر على باب مستحفظان وملكوه وقبضوا على المترجم وقطعوا رأسه ورؤوس من معه وفيهم حسن كتخدا وإسمعيل افندي وعمر أغات الجراكسية وذهبوا برؤوسهم إلى بيت قانصوه بك قائمقام ثم طافوا بها على بيوت الأمراء ثم وضعوها على اجسادهم بالرميلة ثم أرسلوهم عند الغروب إلى منازلهم وذلك في أوائل جمادى الأولى سنة 1123 وهو صاحب القصر والغيظ المعروف به الذي كان بطريق بولاق ونهبه في أيام الفتنة يوسف بك الجزار وكان به شيء من الغلال والابقار والأغنام والارز والخيل والجاموس والدجاج والأوز والحمام حتى قلع أشجاره وهدم حيطانه. ولما بلغ محمد بك الكبير ما فعله يوسف بك الجزار في. ج / 1 ص -170- غيظ افرنج أحمد عمد هو أيضا إلى غيظ حسن كتخدا النجدلي وفعل به مثل ما فعل يوسف بك بغيظ افرنج أحمد ووقع غير ذلك أمور يطول شرحها. ومات محمد بك المعروف بالدالي وقد كان سافر بالخزينة سنة 1122 ومات ببلاد الروم ووصل خبر موته إلى مصر فقلدوا ابنه إسمعيل بك في الإمارة عوضا عنه بعد انقضاء الفتنة سنة 1124 وكان جركسي الجنس وعمل أغات متفرقة ثم اغات جمليان سنة 1113 ثم تقلد الصنجقية وسافر بالخزينة ومات بالديار الرومية كما ذكر. ومات الأمير حسن كتخدا عزبان الجلفي وكان إنسانا خيرا له بر ومعروف وصدقات واحسان للفقراء ومن مآثره أنه وسع المشهد الحسيني واشترى عدة اماكن بماله وأضافها إليه ووسعه وصنع له تابوتا من أبنوس مطعما بالصدف مضببا بالفضة وجعل عليه سترا من الحرير المزركش بالمخيش. ولما تمموا صناعته وضعه على قفص من جريد وحمله أربع رجال وعلى جوانبه أربع عساكر من الفضة مطليات بالذهب ومشت إمامه طائفة الرفاعية بطبولهم واعلامهم وبين ايديهم المباخر الفضة وبخور العود والعنبر وقماقم ماء الورد يرشون منها على الناس وساروا بهذه الهيئة حتى وصلوا المشهد ووضعوا ذلك الستر على المقام. توفي يوم الأربعاء تاسع شوال سنة 1124 وخرجوا بجنازته من بيته بمشهد عظيم حافل. وصلى عليه بسبيل المؤمن بالرميلة واجتمع بمشهده زيادة عن عشرة آلاف إنسان وكان حسن الاعتقاد محسنا للفقراء والمساكين رحمه الله. ومات الأمير إبراهيم جربجي الصابونجي عزبان وكان أسدا ضرغاما وبطلا مقداما كان ظهوره في سنة اثنتين وعشرين ومائة وألف وشارك في الكلمة أحمد كتخدا عزبان امين البحرين وحسن جربجي عزبان الجلفي وعمل أكنجي أوده باشه فلما لبس حسن جربجي الجلفي كتخدائية عزبان ج / 1 ص -171- ألبس المترجم باش أوده باشه وذلك في 1123 فزادت حرمته ونفذت بمصر كلمته ولما قتل قيطاس بك الفقاري في سنة 1127 خمدت بموته كلمة أحمد كتخدا امين البحرين فأنفرد بالكلمة في بابه إبراهيم جربجي الصابونجي المذكور وصار ركنا من اركان مصر العظيمة ومن أرباب الحل والعقد والمشورة وخصوصا في دولة إسمعيل بك ابن ايواظ. وادرك من العز والجاه ونفاذ الكلمة وبعد الصيت والهيبة عند الأكابر والأصاغر الغاية وكان يخشاه أمراء مصر وصناجقها ووجاقاتها ولم يتقلد الكتخدائية مع جلالة قدره. وسبب تسميته بالصابونجي أنه كان متزوجا بابنة الحاج عبد الله الشامي الصابونجي لكونه كان ملتزما بوكالة الصابون وكان له عزوة عظيمة ومماليك وابتاع ومنهم عثمان كتخدا الذي اشتهر ذكره بعده ولم يزل في سيادته إلى أن مات على فراشه خامس شهر شوال سنة 1131 وخلف ولدا يسمى محمدا قلدوه بعده جربجيا سيأتي ذكره. وسعى له عثمان كاشف مملوك والده وخلص له البلاد من غير حلوان وكان عثمان إذ ذاك جربجيا بباب عزبان. ومات الأمير الجليل يوسف بك المعروف بالجزار تابع الأمير الكبير ايواظ بك تقلد الإمارة والصنجقية في سنة 1123 أيام الواقعة الكبيرة بعد موت أستاذه من قانصوه بك قائمقام إذ ذاك. وكانت له اليد البيضاء في الهمة والاجتهاد والسعي لأخذ ثأر سيده والقيام الكلي في خذلان المعاندين. وجمع الناس ورتب الأمور وركب في اليوم الثاني من قتل سيده وصحبته إسمعيل بن أستاذه واتباعهم وطلع إلى باب العزب وفرق فيهم عشرة آلاف دينار وأرسل إلى البلكات الخمسة مثل ذلك وجر المدافع وخرج بمن انضم إليه إلى ميدان محمد بك الصعيدي وطائفته ومن بصحبته من الهوارة حتى هزمهم واجلاهم عن الميدان إلى السواقي. واستمر يخرج إلى الميدان في كل يوم ويكر ويفر ويدبر الأمور وينفق ج / 1 ص -172- الأموال وينقب النقوب ويدبر الحروب حتى تم لهم الأمر بعد وقائع وأمور ذكرنا بعضها في ولاية خليل باشا وفي بعض التراجم. وتقلد المترجم إمارة الحج وطلع به في تلك السنة وتقلد قائمقامية في 1126 عن عابدي باشا. ولما حقدوا على إسمعيل بك بن سيده ودبروا على ازالته في أيام رجب باشا وظهر جركس من اختفائه بعد أن اخرجوا المترجم ومن معه بحجة وقوف العرب وقتلوا من كان منهم بمصر وأخرجوا لهم تجريدة قام المترجم في تدبير الأمر واختفى إسمعيل بك ودخل منهم من دخل إلى مصر سرا ووزع المماليك والأمتعة على أرباب المناصب والسدادرة وأشاع ذهابهم إلى الشام مع الشريف يحيى وتصدر هو للامر وكتم أموره ولم يزل يدبر على اظهار ابن سيده واستمال أرباب الحل والعقد وانفق الأموال سرا وضم إليه من الاخصام أعاظمهم وعقلاءهم مثل أحمد بك الأعسر وقاسم بك الكبير واتفق معهم على اظهار إسمعيل بك واخيه إسمعيل بك جرجا وعمل وليمة في بيته جمع فيها محمد بك جركس وباقي أرباب الحل والعقد وأبرز لهم إسمعيل بك ومن معه بعد المذاكرة والحديث والتوطئة وتمموا أغراضهم وعزلوا الباشا وأنزلوه من القلعة وتأمر إسمعيل بك وظهر أمره كما كان وتولى الدفتردارية في سنة 1127 بعد انفصاله من إمارة الحج ثم عزل عنها واستمر أمير مسموع الكلمة وافر الحرمة إلى أن مات في سنة 1134 ووقع له مع العرب عدة وقائع وقتل منهم الوفا فلذلك يسمى بالجزار. ولما مات قلدوا مملوكه إبراهيم أغا الصنجقية عوضا عنه. ومات الأمير الجليل فانصوه بك القاسمي تابع قيطاس بك الكبير الدفتردار الذي كان بقناطر السباع رباه سيده وأرخى لحيته وجعله كتخداه وسافر معه إلى سفر الجهاد في سنة 1126 فمات سيده بالسفر فقلدوه الإمارة والصنجقية بالديار الرومية عوضا عن سيده وحضر إلى ج / 1 ص -173- مصر وتقلد كشوفية بني سويف خمس مرات وكشوفية البحيرة ثلاث مرات. ولما حصلت الفتنة في أيام خليل باشا كعب الشوم الكوسة 1123 كما تقدم غير مرة كان هو أحد الأعيان الرؤساء المشار إليهم من فرقة القاسمية فاجتمعوا وقلدوا المترجم قائمقام وعملوا ديوانهم وجمعيتم في بيته حتى انقضت الفتنة ونزل الباشا واستمر هو يتعاطى الاحكام أحدا وتسعين يوما حتى حضر والي باشا إلى مصر فعزل وكف بصره ومكث بمنزله حتى توفي على فراشه سنة 1127 وقلدوا امرته وصنجقيته لتابعه الأمير ذي الفقار أغا وتزوج بابنته وفتح بيت سيده واحيا مآثره من بعده. ومات الأمير إسمعيل بك المنفصل من كتخدائية الجاويشية وأصله جلبي بن كتخدا ابري بك وهو من اشراقات إسمعيل بك بن ايواظ قلده الصنجقية سنة 1128 وتولى الدفتردارية سنة 1131 واستمر فيها سنتين وخمسة أشهر وقتله رجب باشا هو وإسمعيل أغا كتخدا الجاويشية في وقت واحد عندما دبروا على قتل إسمعيل بك بن ايواظ وهو راجع من الحج فأحتجوا بالعرب وأرسلوا يوسف بك الجزار ومحمد بك بن ايواظ وإسمعيل بك ولجه لمحاربة العرب فلما بعدوا عن مصر طلع المترجم وصحبته إسمعيل أغا كتخدا الجاويشية وكان أصله كتخدا ايواظ بك الكبير فقتلوهما في سلالم ديوان الغوري غدرا باغراء محمد بك جركس. وفي ذلك الوقت ظهر جركس وركب حصان إسمعيل بك المذكور ونزل إلى بيته وكان قتلهما في أوائل سنة 1133 وقتلا ظلما وعدوانا رحمهما الله. ومات الأمير حسين بك المعروف بأبي يدك وأصله جرجي الجنس تقلد الإمارة والصنجقية سنة ثلاث وثلاثين ومائة وألف وكان مصاهر لسليمان بك بارم ذيله وكان متزوجا بأبنته وكان معدودا من الفرسان والشجعان. ج / 1 ص -174- الا أنه كان قليل المال ولما قتل قيطاس بك الفقاري وهرب محمد بك تابعه المعروف بقطامش إلى الديار الرومية اختفى المترجم بمصر وذلك في سنة 1127 بعد ما أقام في الإمارة أربعا وعشرين سنة. ثم ظهر مع من ظهر في الفتنة التي حصلت بين محمد بك جركس وبين إسمعيل بك بن ايواظ وكان المترجم من اغراض جركس. فلما هرب جركس هو أيضا فلحقه عبد الله بك صهر بن ايواظ وقتله بالريف وقطع رأسه فكان ظهوره سببا لقتله وذلك في سنة 1131. ومات الأمير حسين بك أرنؤد المعروف بأبي يدك وكان أصله أغات جراكسة ثم تقلد الصنجقية وكشوفيات الأقاليم مرارا عديدة وسافر إلى الروم أميرا على السفر في سنة 1124 فلما رجع في سنة 1129 استعفى من الصنجقية وسافر إلى الحجاز وجاور بالمدينة المنورة. فكانت مدة إمارته ثلاثا وعشرين سنة. واستمر مجاورا بالمدينة أربع سنوات ومات هناك سنة 1134 دفن بالبقيع. ومات الأمير يوسف بك المسلماني وكان أصله اسرائيليا وأسلم وحسن اسلامه ولبس أغات جراكسة ثم تقلد كتخدا الجاويشية وانفصل عنها وتقلد الصنجقية سنة 1107 وتلبس كشوفية المنوفية ثم إمارة جدة ومشيخة الحرم وجاور بالحجاز عامين. ثم رجع وسافر بالعسكر إلى الروم ورجع سالما وأخذ جمرك دمياط وذهب إليها وأقام بها إلى أن مات 1120 وأقام في الصنجقية اثنتي عشرة سنة وتسعة أشهر وترك ولدا يسمى محمد كتخدا عزبان. ومات الأمير حمزة بك تابع يوسف بك جلب القرد تقلد الإمارة عوضا عن سيده سنة 1110 ثم سافر بالخزينة ومات بالطريق سنة 1116. ومات الأمير محمد بك الكبير الفقاري تقلد الإمارة بعد سيده سنة 1117 وتولى إمارة جرجا وحكم الصعيد مرتين. وكان من أخصاء أيوب ج / 1 ص -175- بك المتقدم ذكرهما في الواقعة الكبيرة وأرسل إليه أيوب بك يستنصر به فأجاب دعوته وحضر إلى مصر ومعه الجم الغفير من العزبان والهوارة والمغاربة وأجناس البوادي وحارب وقاتل داخل المدينة وخارجها كما تقدم ذكر ذلك غير مرة وكان بطلا هماما وأسدا ضرغاما ولم يزل حتى هرب مع ايواظ بك إلى بلاد الروم فقلدوه الباشوية وعين في سفر الجهاد ومات سنة 1133. ومات الأمير مصطفى بك المعروف بالشريف وهو بن الأمير ايواظ بك الجرجي مملوك حسين أغا وكان والده ايواظ بك المذكور تولى أغاوية العزب سنة 1070 وتزوج ببنت النقيب برهان الدين افندي فولد له منها المترجم فلذلك عرف بالشريف وتقلد والده كتخدا الجاويشية 1079 وعزل عنها وتقلد الصنجقية سنة 1081 وتولى كشوفية الغربية وتقلد قائمقام مصر وعزل ولم يزل اميرا حتى مات على فراشه وترك ولده هذا المترجم وكان سنه حين مات والده اثنتي عشرة سنة فرباه ريحان اغا تابع والده ثم مات ريحان اغا فعند ذلك اسرف مصطفى جلبي واتلف أموال أبيه وكانت كثيرة جدا وكان المترجم في وجاق المتفرقة وصار فيهم اختيارا إلى أن لبس سردارية المتفرقة في سفر الخزينة سنة 1109 فمات صنجق الخزينة درويش بك الفلاح في السفر بالروم فلبس صنجقية المذكور حكم القانون ورجع إلى مصر اميرا واستمر في إمارته حتى مات سنة 1133 وكان قليل المال. ومات الأمير أحمد بك الدالي تابع الأمير ايواظ بك الكبير القاسمي تقلد الصنجقية يوم الخميس سابع جمادى الأولى سنة 1127 ولبس في يومها قفطان الإمارة على العسكر المسافر إلى بلاد مورة بالروم عوضا عن خشداشة يوسف بك الجزار وسافر بعد ستين يوما ومات هناك وتقلد عوضه مملوكه علي بك ورجع إلى مصر صنجقا وهو علي بك المعروف بالهندي. ج / 1 ص -176- ومات كل من الأمير حسين كتخدا الينكجرية المعروف بحسين الشريف وإبراهيم باش أوده باشا المعروف بكدك وذلك أنه لما قتل قيطاس بك الفقاري بقراميدان على يد عابدي باشا في شهر رجب سنة 1127 وثارت بعد ذلك الفتنة بين باب الينكجرية والعزب وذلك أن حسن كتخدا النجدلي وناصف كتخدا وكور عبد الله كانوا من عصبة قيطاس بك فلما قتل خافوا على انفسهم فملكوا باب مستحفظان على حين غفلة وقتلوا المذكورين وكانوا يتهمونهما بانهما تسببا في قتل قيطاس بك. ومات أيضا كل من الأمير حسن كتخدا النجدلي وناصف كتخدا القازدغلي وكور عبد الله وذلك أنه لما ملك المذكورون الباب وقتلوا حسين كتخدا الشريف وإبراهيم الباش كما تقدم وذلك في أواخر رجب وسكن الحال انتدب محمد كتخدا كدك لأخذ ثأر أخيه وملك الباب على حين غفلة وذلك ليلة الثلاثاء ثالث عشري رمضان وتعصب معه طائفة من أهل بابه وطائفة من باب العزب وقتل في تلك الليلة حسن كتخدا النجدلي وناصف كتخدا وانزلوهما إلى بيوتهما في صبح تلك الليلة في توابيت. وهرب كور عبد الله فقبض عليه محمد بك جركس بعد ستة أيام وحضر به وهو راكب على الحصان وفي عنقه الحديد ومغطى الرأس وطلع به إلى عابدي باشا. فلما مثل بين يديه سبه ووبخه وأمره بأخذه إلى بابه فأمر محمد كتخدا كدك بحبسه بالقلعة. وقتل في ذلك اليوم وأنزلوه إلى بيته بسوق السلاح. ومات أيضا محمد كتخدا كدك المذكور فإنه اشتهر صيته بعد هذه الحوادث ونفذت كلمته ببابه ولم يزل حتى مات على فراشه في شهر القعدة 1132. ومات الأمير أحمد بك المسلماني ويعرف أيضا باسكي نازي وكان أصله كاتب جراكسة وكان يسمى بأحمد افندي ثم عمل باش اختيار جراكسة. ج / 1 ص -177- وحصل له عز عظيم وثروة وكثرة مال وكان أغنى الناس في زمانه وكان بينه وبين إسمعيل بك بن ايواظ وحشة وكان بن ايواظ يكرهه ويريد قتله فالتجأ إلى محمد بك جركس. فلما هرب جركس في المرة الأولى اختفى أحمد افندي المترجم وبيعت بلاده ومتاعه فلما ظهر جركس ثانيا ظهر أحمد افندي وعمل صنجقيا سنة 1133 وصار صنجقيا فقيرا ثم ورد مرسوم بان يتوجه المترجم إلى مكة لاجراء الصلح بين الأشراف فتوجه ومكث هناك سنة ثم رجع إلى مصر ومكث بها مدة إلى 1136 فأرسلوه إلى ولاية جرجا ليشهل غلال المبري وكان ذلك حيلة عليه. فلما توجه إلى جرجا أرسل محمد باشا فرمانا إلى سليمان كاشف خفية بقتله فذهب سليمان كاشف ليسلم عليه فغمز عليه بعض أتباعه فضربوه وقتلوه عند العرمة وقطعوا رأسه في حادي عشرى شهر القعدة سنة 1136. ومات الأمير علي كتخدا المعروف بالداودية مستحفظان وكان من اعيان باب الينكجرية وأصحاب الكلمة مع مشاركة مصطفى كتخدا الشريف وكان من الأعيان المعدودين بمصر ولم يزل نافذ الكلمة وافر الحرمة إلى أن مات على فراشه في جمادى الاخرة سنة 1133. ومات الأمير إبراهيم افندي كاتب كبير الشهير بشهر اوغلان مستحفظان وكان أيضا من الأعيان المشهورين ببابهم مع مشاركة عثمان كتخدا الجرجي تابع شاهين جربجي وانفرد معه بالكلمة بعد مصطفى كتخدا الشريف ورجب كتخدا بشناق لما خرجهما إسمعيل بك بن ايواظ إلى الكشيدة كما تقدم الأشارة إلى ذلك. فلما قتل إسمعيل بك رجع مصطفى كتخدا الشريف ورجب كتخدا ثانيا إلى الباب وانحطت كلمة المترجم وعثمان كتخدا ثم عزل إبراهيم افندي المذكور إلى دمياط وأهين ومكث هناك أشهر ثم حضروه وجعلوه سردار جداوي وتوجه مع الحج ومات هناك في سنة 1137. ج / 1 ص -178- ومات النبيه الفطن الذكي حسن افندي الروزنامجي الدمرداشي وكان باش قلفه الروزنامجه فلما حضر إسمعيل باشا واليا على مصر في سنة ست ومائة وألف وكانت سنة تداخل فتكلم الباشا مع إبراهيم بك أبي شنب في كسر الخزينة وعرض عليه المرسوم السلطاني بتعويض كسر الخزينة من اشغال العشرين ألف عثماني التي كانت عليهم وكان له ميل للعلوم والمعارف وخصوصا الرياضيات والفلكليات ويوسف الكلارجي الفلكي الماهر هو تابع المذكور ومملوكه. وقرأ على رضوان افندي صاحب الازياج والمعارف وكان كثير العناية برضوان افندي المذكور ورسم باسمه عدة آلات وكرات من نحاس مطلية بالذهب واحضر المتفنين من أرباب الصنائع صنعوا له ما أراد بمباشرة وارشاد رضوان افندي وصرف على ذلك أموالا عظيمة وباقي اثر ذلك إلى اليوم بمصر وغيرها ونقش عليها اسمه واسم رضوان افندي وذلك سنة 1113 وقبل ذلك وبعدها ولم يزل في سيادته حتى توفي. ومات الأمير مصطفى بك القزلار المعروف بالخطاط تابع يوسف أغا القزلاردار السعادة تولى الإمارة الصنجقية في سنة 1094 وتقلد قائمقامية بعد عزل إسمعيل باشا وذلك سنة 1109 قهرا عنه وتقلد مناصب عديدة مثل كشوفية جرجا وغيرها ثم تقلد الدفتردارية سنة ثلاث وثلاثين فكان بين لبسه الدفتردارية والقائمقامية أربع وعشرون سنة وبعد عزله من الدفتردارية مكث في منزله صنجقيا بطالا إلى أن توفي سنة 1142. ومات الأمير المعظم والملاذ المفخم الأمير إسمعيل بك بن الأمير الكبير ايواظ بك القاسمي من بيت العز والسيادة والإمارة نشأ في حجر والده في صيانة ورفاهية وكان جميل الذات والصفات وتقلد الإمارة الصنجقية بعد موت والده الشهيد في الفتنة الكبيرة كما تقدم وكان لها أهلا ومحلا وكان عمره إذ ذاك ست عشرة سنة وقد دب عذاره وسمته النساء قشطة ج / 1 ص -179- بك فإنه لما أصيب والده في المعركة بالرملة تجاه الروضة وقتل في ذلك اليوم من الغز والاجناد خاصة نحو السبعمائة ودفن والده فلما أصبحوا ركب يوسف الجزار تابع ايواظ بك وأحمد كاشف وأخذوا معهم المترجم وذهبوا إلى بيت قانصوه بك قائمقام فوجدوا عنده إبراهيم بك أبا شنب وأحمد بك تابعه وقيطاس بك الفقاري وعثمان بك بارم ذيله ومحمد بك قطامش وهم جلوس وعليهم الكآبة والحزن وصاروا مثل الغنم بلا راع متحيرين في أمرهم وما يؤول إليه حالهم فلما استقر بهم الجلوس نظر يوسف الجزار إلى قيطاس بك فرآه يبكي فقال له: لأي شيء تبكي هذه القضية ليس لنا فيها ذنب ولا علاقة وأصل الدعوى فيكم معشر الفقارية والآن انحرجنا وقتل منا واحد وخلف مالا ورجالا قلدوني الصنجقية وأمير الحاج وسر عسكر وكذلك قلدوا ابن سيدي هذا صنجقية والده فيكون عوضا عنه ويفتح بيته واعطونا فرمانا وحجة من الذي جعلتموه نائب شرع بالمعافاة من الحلوان ونحن نصرف الحلوان على المقاتلين والله يعطي النصر لمن يشاء. ففعلوا ذلك ورجع يوسف بك وصحبته إسمعيل بك ومن معهم إلى بيت المرحوم ايواظ بك وقضوا اشغالهم ورتبوا أمورهم وركبوا في صبحها إلى باب العزب وأخذوا معهم الأموال فانفقوا في الست بلكات وغيرهم من المقاتلين ونظموا احوالهم في الثلاثة أيام الهدنة التي كانوا اتفقوا على رفع الحرب فيها بعد موت ايواظ بك. وكان الفاعل لذلك أيوب بك وقصده حتى يرتب أموره في الثلاثة أيام ثم يركب على بيت قانصوه بك ويهجم على من فيه ولو فعل ذلك في اليوم الذي قتل فيه ايواظ بك لتم لهم الأمر ولكن ليقضي الله أمرا كان مفعولا. ولم يرد الله لهم بذلك وأخذوا في الجد والاجتهاد وبرزوا للحرب في داخل المدينة وخارجها وعملوا المكايد ونصبوا شباك المصايد وأنفقوا الأموال ونقبوا النقوب حتى نصرهم الله على الفرقة الاخرى وهم أيوب ج / 1 ص -180- بك ومحمد بك الصعيدي وافرنج أحمد وباب الينكجرية ومن تبعهم وقتل من قتل وفر من فر ونهبت دورهم وشردوا في البلاد وتشتتوا في البلاد البعيدة كما ذكر غير مرة واستقر الحال وسافر أميرا بالحج في تلك السنة يوسف بك الجزار واستقر المترجم بمصر وافر الحرمة محتشم المكانة مشاركا لإبراهيم بك أبي شنب وقيطاس بك في الأمر والرأي وفي نفس قيطاس بك ما فيها من حقد العصبية فصار يناكدهما سرا وسلط حبيب وابنه سالم على خيول إسمعيل بك فجم اذنابها ومعارفها كما ذكر ثم نصب لهما ولمن والاهما شباكا ومكايد ولم يظفره الله بهما ولم يزل على ذلك وهما يتغافلان ويغضيان عن مساويه الخفية إلى أن حضر عابدي باشا وأرسل قلد يوسف بك الجزار قائمقام وخلع يوسف بك على ابن سيده إسمعيل بك وجعله امين السماط. ولما وصل الباشا إلى العادلية وقدمت له الأمراء التقادم وقدم له إسمعيل بك المترجم تقدمة عظيمة وتقيد بخدمة السماط أحبه عابدي باشا ومال بكليته إليه ثم أنه اختلى معه ومع يوسف بك وسألهما عن سبب موت والده فأخبراه أن مصر من قديم الزمان فرقتان وعرفاه الحال وإن قيطامس بك وأيوب بك بيت واحد ووقعت بينهما خصومة وأيوب بك أكثر عزوة وجندا فوقع قيطامس بك على ايواظ بك والتجأ إليه فقام بنصرته وفاداه وأنفق بسببه أموالا وتجندلت من رجاله أبطال إلى أن مات وقتل وبلغ قيطاس بك بنا ما بلغ فلم يراع معنا جميلا وفي كل وقت ينصب لنا الحبائل ويحفر فينا الغوائل ونحن بالله نستعين فقال الباشا يكون خيرا. وأضمر لقيطاس بك السوء ولم يزل حتى قتله كما ذكر بقراميدان وورد أمر بتقليد المترجم على الحج اميرا وتقليد إبراهيم بك الدفتردارية وألبسهما عابدي باشا الخلع وتسلم أدوات الحج والجمال وأرسل غلال الحرمين وبعث القومانية والغلال إلى البنادر وأرسل أناسا وعينهم لحفر الآبار المردومة وتنقية الاحجار من طريق الحجاج. ج / 1 ص -181- وضم إليه جماعة من الفقارية مثل حسين بك أبي يدك وذي الفقار معتوق عمر أغا بلغيه وأصلان وقبلان وأمثالهم وأخذوا يحفرون للمترجم وينصبون له الغوائل واتفقوا على غدره وخيانته ووقف له طائفة منهم بطريق الرميلة وهو طالع إلى الديوان فرموا عليهم الرصاص فلم يصب منهم سوى رجل قواس ورمح إسمعيل بك وأمراؤه إلى باب القلعة ونزل بباب العزب وكتب عرضحال وأرسله إلى علي باشا صحبة يوسف بك الجزار مضمونه الشكوى من محمد بك جركس وانه جامع عنده المفاسيد ويريدون اثارة الفتن في البلد. فكتب الباشا فرمانات إلى الوجاقات باحضار محمد بك جركس وإن أبي فحاربوه وركب جركس بالمنضمين إليه وهم قاسمية وفقارية وذلك بعد ابائه وعصيانه فصادف المتوجهين إليه فحاربهم بالرميلة وآل الأمر إلى انهزامه وتفرق من حوله ولم يتكمن من الوصول إلى داره وخرج هاربا من مصر وقبض عليه العربان وأحضروه إلى إسمعيل بك أسيرا عريانا في أسوأ حال فكساه وأكرمه والبسه فروة سمور واشار عليه أحمد كتخدا امين البحرين وعلي كتخدا الجلفي بقتله فلم يوافقهما على ذلك. وقال: إنه دخل إلى بيتي وحل في ذمامي فلا يصح أن أقتله ثم نفاه إلى قبرص. ولما سافر محمد بك بن أبي شنب إلى اسلامبول بالخزينة في تلك السنة وصى قاسم بك بالارسال إلى جركس واحضاره إلى مصر ففعل وحضر إلى مصر سرا واختفى عنده ولما وصل محمد بك بالخزينة واجتمع بالوزير الاعظم دس إليه كلاما في حق المترجم وقال له: إن أهملتم أمره استولى على الممالك المصرية وطرد الولاة ومنع الخزينة فإن الأمراء والدفتردارية وكبار الأمراء والوجاقات صاروا كلهم أتباعه ومساليكه ومماليك أبيه والذي ليس كذلك فهم صنائعه وعلي باشا المتولى لا يخرج عن مراده في كل ما يأمر به. وأخرج من مصر وأقصى كل ناصح في خدمة الدولة مثل محمد بك جركس ومن يلوذ به وعمل للوزير ج / 1 ص -182- أربعة آلاف كيس على ازالة إسمعيل بك والباشا وتولية خلافة ويكون صاحب شهامة وتدبير وكان ذلك في دولة السلطان أحمد فأجابوه إلى ذلك وعينوا رجب باشا أمير الحاج الشامي ورسموا له رسوما باملاء محمد بك أبي شنب ملخصها قتل الباشا وإسمعيل بك وعشيرته ما عدا علي بك الهندي. ولما حضر رجب باشا إلى مصر وقد كان قاسم بك أحضر محمد جركس واخفاه وكان إسمعيل بك بن ايواظ طالعا بالحج سنة 1131 فاليوم الذي وصل فيه رجب باشا إلى العريش ووصل المسلم إلى مصر كان خروج إسمعيل بك بالحج من مصر وأرسل رجب باشا مرسوما إلى أحمد بك الاعسر وجعله قائمقام وأمره بانزال علي باشا إلى قصر يوسف والاحتفاظ به ففعلوا ذلك ووصل رجب باشا فأحضر علي باشا وخازنداره وكاتب خزينته والروزنامجي وأمرهم بعمل حسابه ثم أمر بقتله فقتلوه ظلما وسلخوا رأسه وأرسلها إلى الروم وضبط مخلفاته ودبر معه أمر بن ايواظ. وأما ما كان من أمر الباشا وجركس ومن بمصرفانه فإنه لما سافر يوسف بك الجزار ومن معه على الرسم المتقدم عملوا شغلهم وقتلوا إسمعيل بك الدفتردار وإسمعيل اغا كتخدا الجاويشية وظهر محمد بك جركس ونزل من القلعة إلى بيته وهو راكب ركوبة الدفتردار واستقر الباشا أحمد بك الأعسر دفتردار. ولما وصل المتوجهون إلى سطح العقبة نزل يوسف بك الجزار وترك محمد بك بن ايواظ وإسمعيل بك جرجا في السطح فلما دخل على الصنجق وسلم عليه اشتغل خاطره وقال له: لأي شيء جئت فقال أنا لست وحدي بل صحبتي اخوك محمد بك وإسمعيل بك جرجا وعبد الرحمن أغا ولجه. فقال لا إله إلا الله كيف أنكم تتركون البلد وتأتون إما تعلموا أن لنا أعداء والعثمانية ليس لهم أمان ولا صاحب ويصيدون الارنب بالعجلة فأعدوا العدة وسافروا إلى مصر وبعد أيام وصل مرسوم بالأمان والرضا ج / 1 ص -183- لاسمعيل بك وجماعته وولوا على مصر محمد باشا من حيث أتى بعدما دفع المائة وعشرين كيسا التي اخذها من دار الضرب وصرفها على تجريدة اجرود ولم يزل محمد بك جركس ومحمد بك بن سيده ومن يلوذ بهم مصرين على حقدهم وعداوتهم للمترجم وهو يتغافل عنهم ويغضي عن مساويهم ويسامح زلاتهم حتى غدروا به وقتلوه بالقلعة على حين غفلة وذلك أنه لم يزل ذو الفقار تابع عمر اغا يطالب بفائظ حصته في قمن العروس ويكلم جركس يشفع له عند إسمعيل بك فيقول له: اطرد الصيفي من عندك وأرسل الي بعد ذلك ذا الفقار ويأخذ الذي يطلع له عندي إلى أن ضاق خناق ذي الفقار من الفشل والاعدام فطلع إلى كتخدا الباشا وشكا إليه حاله فقال له: وما الذي تريد نفعله قال: اريد أن أقتل ابن ايواظ عندما يأتي إلى هنا واعطوني صنجقية وعشرين كيسا فائظ من بلاده وكشوفية المنوفية فدخل الكتخدا واخبر مخدومه بذلك فأجابه إلى مطلوبه على شرط أن لا يدخلنا في دمه. فنزل ذو الفقار واخبر جركس بما حصل وطلب أن يكون ذلك بحضوره هو وإبراهيم بك فارسكور فأجابه إلى ذلك ولما اجتمعوا في ثاني يوم عند كتخدا الباشا دخل ذو الفقار وقدم له عرضحال إلى إسمعيل بك فأخذه وشرع يقرأ فيه وإذا بذي الفقار سحب الخنجر وضرب الصنجق به في مدوده وكان معه قاسم بك الصغير واصلان وقبلان وخلافهم مستعدين لذلك فعندما رأوه ضرب إسمعيل بك سحبوا سيوفهم وضربوا أيضا إسمعيل بك جرجا فقتلوه فهرب صاري علي وكتخدا الجاويشية مشاة إلى باب الينكجرية وقطعوا راس الأميرين وشالوا جثثهما إلى بيوتهما فغسلوهما وكفنوهما ودفنوهما بمدفن أبي الشوارب الذي بطريق الازبكية عند غيظ الطواشي وذلك في سنة 1136. ثم أرسلوا رأسيهما مسلوخين فدفنوهما أيضا وانقضت دولة إسمعيل بك ابن ايواظ. وكانت ج / 1 ص -184- أيامه سعيدة وافعاله حميدة والاقليم في أمن وأمان من قطاع الطريق وأولاد الحرام وله وقائع مع حبيب وأولاده يطول شرحها وسيأتي استطراد بعضها في ترجمة سويلم وكان صاحب عقل وتدبير وسياسة في الأحكام وفطانة ورياسة وفراسة في الأمور وله عدة عمائر ومآثر منها أنه جدد سقف الجامع الأزهر وكان قد آل إلى السقوط وانشأ مسجد سيدي إبراهيم الدسوقي بدسوق وكذلك انشأ مسجد سيدي علي المليجي على الصفة التي هما عليها الآن. ولما تمم بناء المسجد المليجي سافر إليه ليراه وذلك في منتصف شهر شعبان سنة 1135. ومن افاعيله الجميلة كان يرسل غلال الحرمين في أوانها ويرسل القومانية إلى البنادر ويجعل في بندر السويس والمويلح والينبع غلال سنة قابلة في الشون تشحن السفائن وتسافر في أوانها ويرسل خلافها على هذا النسق. ولما بلغ خبر موته لأهل الحرمين حزنوا عليه وصلوا عليه صلاة الغيبة عند الكعبة وكذلك أهل المدينة صلوا عليه بين المنبر والمقام ومات وله من العمر ثمان وعشرون سنة وطلع أمير بالحج ست مرات آخرها سنة ثلاث وثلاثين. وكان منزله هو بيت يوسف بك بدرب الجماميز المجاور لجامع بشناك المطل على بركة الفيل وقد عمره وزخرفه بأنواع الرخام الملون وصرف عليه أموالا عظيمة وقد خرب وصار حيشانا ومساكن للفقراء وطريقا يسلك منها المارة إلى البركة ويسمونها الخرابة ولما مات لم يخلف سوى ابنة صغيرة ماتت بعده بمدة يسيرة وحملين في سريتين ولدت أحداهن ولدا وسموه ايواظ عاش نحو سبعة أشهر ومات وولدت الاخرى بنتا ماتت في فصل كو دون البلوغ فسبحان الحي الذي لا يموت. ومات الأمير إسمعيل بك جرجا وكان أصله خازندار ايواظ بك الكبير وأمره إسمعيل بك وقلده صنجقا ومنصب جرجا فلذلك لقب بذلك ولم يزل حتى قتل مع ابن سيده في ساعة واحدة ودفن معه في مدفن رضوان ج / 1 ص -185- بك أبي الشوارب. ومات كل من الأمير عبد الله بك والأمير محمد بك بن ايواظ والأمير إبراهيم بك تابع الجزار قتل الثلاثة المذكورون في ليلة واحدة وذلك أنه لما قتل الأمير إسمعيل بك بن ايواظ بالقلعة بيد ذي الفقار بممالأة محمد بك جركس في الباطن وعبد الله بك لم يكن حاضرا انضمت طوائف الأمراء المقتولين ومماليكهم إلى عبد الله بك لكونه زوج اخت المرحوم إسمعيل بك ومن خاصة مماليك ايواظ بك الكبير. وكان كتخداه في حياته وقلده إسمعيل بك الإمارة والصنجقية وطلع اميرا بالحج في السنة الماضية التي هي سنة خمس وثلاثين ورجع سنة ست وثلاثين. فلما وقع ذلك انضموا إليه لكونه أرأس الموجودين واعقلهم واقبلت عليه الناس يعزونه في ابن سيده إسمعيل بك وازدحم بيته بالناس وتحقق المبغضون أنه أن استمر موجودا ظهر شأنه وانتقم منهم فاعملوا الحيلة في قتله وقتل أمرائهم. وطلع في ثاني يوم ذو الفقار قاتل المرحوم إسمعيل بك إلى القلعة فخلع عليه الباشا وقلده الأمرية والصنجقية وكاشف اقليم المنوفية. ونزل إلى بيت جركس ومعه تذكرة من كتخدا الباشا مضمونها أنه يجمع عنده عبد الله بك ومحمد بك ابن ايواظ وإبراهيم بك الجزار ويعمل الحيلة في قتلهم. فكتب جركس تذكرة إلى عبد الله بك وأرسلها صحبة كتخداه بطلبه للحضور عنده ليعمل معه تدبيرا في قتل قاتل المرحومين فلما حضر كتخدا جركس إلى بيت عبد الله بك بالتذكرة وجد البيت مملؤا بالناس والعساكر والاختيارية والجربجية وواجب رعاياه وعنده علي كتخدا الجلفي عزبان وحسن كتخدا حبانية تابع يوسف كتخدا تابع محمد كتخدا البيوقلي وغيرهم نفر وطوائف كثيرة فأعطاه التذكرة فقرأها ثم قال لعلي بك الهندي: خذ محمد بك وإبراهيم بك واذهبوا إلى بيت محمد بك جركس وانظروا كلامه وارجعوا فأخبروني بما يقول. ج / 1 ص -186- فركبوا وذهبوا عند جركس فدخلوا عليه فوجدوا عنده ذا الفقار بك وهو يتناجى معه سرا فادخلهم إلى تنهة المجلس وأرسل في الحال إلى كتخدا الباشا يخبره بحضور المذكورين عنده ويقول له: أرسل إلى عبدالله بك واطلبه فإن طلع اليكم وعوقتموه ملكنا غرضنا في باقي الجماعة. فأرسل الكتخدا يقول لجركس أن لا يتعرض لعلي بك الهندي لأن السلطان اوصى عليه وكذلك صاري علي اوصى عليه الباشا لأنه امين العنبر وناصح في الخدمة. وأرسل في الحال تذكرة إلى عبد الله بك ياخذ خاطره ويعزيه في العزيز ابن سيده ويطلبه للحضور عنده ليدبر معه أمر هذه القضية وقتل قاتل المرحوم. فراج عليه ذلك الكلام والتمويه. وركب في الحال لاجل نفاذ المقدور وقال لعلي كتخدا: اجلس هنا ولا تفارق حتى ارجع وطلع إلى القلعة ومعه عشرة من الطائفة ومملوكان والسعادة فقط ودخل على كتخدا الباشا فتلقاه بالبشاشة ورحب به وشاغله بالكلام إلى العصر وعندما بلغ محمد بك جركس ركوب عبد الله بك وطلوعه إلى القلعة صرف علي بك الهندي ووضع القبض على محمد بك ابن ايواظ وإبراهيم بك الجزار وربط خيولهما بالاسطبل وطردوا جماعتهم وطوائفهم وسراجينهم ولم يزل كتخدا الباشا يشاغل عبد الله بك ويحادثه ويلاهيه إلى قبيل الغروب حتى قلق عبد الله بك وأراد الانصراف فقال له: كتخدا الباشا لا بد من ملاقاتك الباشا ومحادثتك معه. وقام يستأذن له ودخل ورجع إليه وقال له: إن الباشا لا يخرج من الحريم إلا بعد الغروب وانت ضيفي في هذه الليلة لاجل ما نتحادث مع الباشا في الليل. وحسن له ذلك وتركه إلى الصباح فطلع محمد بك جركس وابن سيده محمد بك ابن أبي شنب وذو الفقار بك وقاسم بك وإبراهيم بك فرسكور وأحمد بك الاعسر الدفتردار فخلع الباشا على محمد بك إسمعيل وقلده أمير الحاج وقلد عمر اغا كتخدا ج / 1 ص -187- جاويشية عوضا عن عبد الله اغا وقلد محمد اغا لهلوبة والي ونزلوا إلى بيوتهم. وطلعت طوائف عبد الله بك واتباعه وانتظروه حتى انقضى أمر الديوان ولم ينزل. فاستمروا في انتظاره إلى بعد العصر ثم سألوا عنه فقالوا له:م أنه جالس مع الباشا في التنهة فنزلوا وأرسل محمد بك جركس لهلوبة الوالي إلى بيت كتخدا الباشا فقعد به إلى بعد العشاء فدخلت الجو خدارية إلى عبد الله بك فأخذوا ثيابه وما في جيوبه وانزلوه وسلموه إلى الوالي فاركبه على ظهر كديش ونزل به من باب الميدان وساروا به إلى بيت جركس فاوقفوه عند الحوض المرصود ونزلوا بمحمد بك ابن ايواظ وإبراهيم بك الجزار فاركبوهما حمارين وسار بهم إبراهيم بك فارسكور والوالي على جزيرة الخيوعية وانزلوهم في المركب وصحبتهم المشاعل فقتلوهم وسلخوا رؤوسهم ورموهم إلى البحر ورجعوا وانقضى أمرهم وتغيب حالهم وما فعل بهم أياما. وكانت قتلتهم في شهر ربيع الأول سنة 1136. ومات عبد الله بك وهو متقلد إمارة الحج وعمره ست وثلاثون سنة وكان حليما سموح النفس صافي الباطن. ومات محمد بك ابن ايواظ بك وسنه ست وعشرون سنة وكان أصغر من أخيه المرحوم. ومات الأمير قاسم بك الكبير وهو مملوك إبراهيم بك أبي شنب وخشداش محمد بك جركس تقلد الإمارة والصنجقية بعد قتل قيطاس بك في سنة 1126 في أيام عابدي باشا ولما هرب جركس وقبض عليه العربان واحضروه إلى إسمعيل بك ونفاه إلى قبرص اتفق محمد بك ابن أبي شنب مع قاسم بك سرا على أحضاره إلى مصر وسافر محمد بك إلى الروم بالخزينة واشتغل شغله هناك على قتل إسمعيل بك وأرسل في الخفية واحضره إلى مصر واخفاه حتى حضر رجب باشا وفعلوا ما تقدم ج / 1 ص -188- ذكره. ولم يزل اميرا ومتكلما بمصر حتى وقعت حادثة ظهور ذي الفقار بك والمحاربة الكبيرة التي خرج فيها جركس من مصر فقتل قاسم بك المذكور في بيته أصيب برصاصة من منارة الجامع كما تقدم وعندما علم جركس بموته حضر إليه والحرب قائم وكشف وجهه فرآه ميتا وذلك سنة 1138. ومات الأمير قاسم بك الصغير وهو أيضا من اتباع إبراهيم بك أبي شنب وكان فرعون هذه الطائفة في دولة محمد بك جركس وهو من جملة المتعصبين مع ذي الفقار على قتل إسمعيل بك ابن ايواظ والضارب فيه أيضا وفي إسمعيل بك جرجا ولم يزل حتى مات في رمضان بولاية البهنسا سنة 1137. ومات محمد اغا متفرقة سنبلاوين وكان اغات وجاق المتفرقة وصاحب وجاهة ومات مقتولا باغراء من محمد بك جركس. ومات الأمير إبراهيم افندي كتخدا العزب المذكور قتله سليمان اغا أبو دفية وسليمان كاشف وخازندار ابن ايواظ بالرميلة في حادثة ظهور ذي الفقار كما تقدم ذكر ذلك في أيام علي باشا وملكوا في ذلك الوقت باب العزب وحضر محمد باشا وعلي باشا ووقعت الحروب مع محمد بك جركس حتى خرج من مصر وذلك سنة ثمان وثلاثين وسيأتي تتمة ذلك في ترجمة جركس. ومات الأمير عبد الرحمن بك ملتزم الولجة وهو من اتباع ايواظ بك الكبير القاسمي وأمره ابنه إسمعيل بك ابن ايواظ وقلده الصنجقية وسافر بالخزينة 1135 وقتل إسمعيل بك في غيابه فلما حضر إلى مصر خلع عليه محمد بك ابن أبي شنب الدفتردار قائمقام قفطان ولاية جرجا واستعجله في الذهاب والسفر إلى قبلي فقضى اشغاله وبرز خيامه إلى ناحية الآثار وخرجت الأمراء والاغوات والاختيارية والوجاقات ومشوا في ج / 1 ص -189- موكبه على العادة ونزلوا بصيوانه وشربوا القهوة والشربات وودعوه ورجعوا إلى منازلهم. ثم أنه قال للطوائف والأتباع: اذهبوا إلى منازلكم واحضروا بعد غد بمتاعكم وانزلوا بالمراكب ونسير على بركة الله تعالى. ثم أنه تعشى هو ومماليكه وخواصه وعلق على الخيول والجمال وركب وسار راجعا من خلف القلعة إلى جهة سبيل علام إلى الشرقية ولم يزل سائرا إلى أن وصل إلى بلاد الشام ومنها إلى بلاد الروم هذا ما كان من امره. واما جركس فإنه أحضر علي بك وقاسم بك وعمر بك أمير الحاج وأمرهم بالركوب بعد العشاء بالطوائف ويأخذوا لهم راحة عند السواقي ثم يركبوا بعد نصف الليل ويهاجموا وطاق عبد الرحمن بك ولجة على حين غفلة ويقتلوه ويأخذوا جميع ما معه ففعلوا ذلك وساروا قرابة فلم يجدوا غير الخيام فأخذوها ورجعوا ولم يزل المترجم حتى وصل إلى اسلامبول واجتمع برجال الدولة فاسكنوه في مكان وأخذ مكتوبا من أغات دار السعادة خطابا إلى وكيله بمصر يتصرف له في حصصه بموجب دفتر المستوفي ويرسل له الفائظ كل سنة واستمر هناك إلى أن مات. ومات الأمير الشهير محمد بك جركس وأصله من مماليك يوسف بك القرد وكان معروفا بالفروسية بين مماليك المذكور فلما مات يوسف بك في سنة 1107 اخذه إبراهيم بك أبو شنب وارخى لحيته وعمله قائمقام الطرانة وتولى كشوفية البحيرة عدة مرار ثم إمارة جرجا وسافر إلى الروم سر عسكر على السفر في سنة 1128 فضم إليه المبغضين له من الفقارية وغيرهم وتوافقوا على اغتياله ورصد له طائفة منهم ووقفوا له بالرميلة وضربوا عليه بالرصاص فنجاه الله من شرهم وطلع إسمعيل بك وصناجقة إلى باب العزب وطلب جركس إلى الديوان ليتداعى معه فعصي وامتنع وتهيأ للحرب والقتال فقوتل وهزم وخرج هاربا من مصر فقبض عليه العربان واحضروه أسيرا إلى إسمعيل بك فاشاروا عليه بقتله ج / 1 ص -190- فأبى وقال: إنه دخل حيا إلى بيتي فلا سبيل إلى قتله. وانزله بمكان واحضر له الطبيب فداوى جراحته وأكرمه واعطاه ملابس وخلع عليه فروة سمور وألف دينار ونفاه إلى قبرص حسما للشر. واستمر الحقد في قلوب خشداشينه ومحمد بك ابن أبي شنب ابن أستاذهم واتفقوا على أحضار جركس سرا إلى مصر. وسافر ابن أبي شنب بالخزينة إلى دار السلطنة فاغرى رجال الدولة ورشاهم وجعل لهم أربعة آلاف كيس على ازالة إسمعيل بك وعشيرته. ووقع ما تقدم ذكره في ولاية رجب باشا. وحضر جركس إلى مصر في صورة درويش عجمي واختفى عند قاسم بك ودبروا بعد ذلك ما دبروه من قتل الباشا وما تقدم ذكره في ترجمة إسمعيل بك. ونجا إسمعيل بك أيضا من مكرهم وظهر عليهم وسامحهم في كل ما صدر منهم مع قدرته على ازالتهم. ولم يزالوا مضمرين له السوء حتى توافقوا على قتله غدرا وخانوه وقتلوه بالديوان وازالوا دولته. وصفا. وصفا عند ذلك الوقت لمحمد بك جركس وعشيرته فلم يحسن السير وطغى وتجبر وسار في الناس بالعسف والجور واتخذ له سراجا من أقبح خلق الله واظلمهم وهو الذي يقال له الصيفي ورخص له فيما يفعله ولا يقبل فيه قول أحد واتخذ له اعوانا من جنسه وخدما وكلهم على طبقته في الظلم والتعدي فكانوا يأخذون الأشياء من الباعة ولا يدفعون لها ثمنا ومن امتنع عليهم ضربوه بل وقتلوه وصاروا يخطفون النساء والأولاد. وصاروا يدخلون بيوت التجار في رمضان بالليل فلا ينصرفون حتى ضاق صدر الباشا وابرز مرسوما من الدولة برفع صنجقية محمد بك جركس وكتب فرامانات وأرسلها إلى الوجاقات ومشايخ العلم والبكري وشيخ السادات ونقيب الأشراف بالاخبار بذلك وبالمنع من الاجتماع عليه أو دخول منزله. ووصل الخبر إلى محمد بك جركس فكتب في الحال تذاكر وأرسلها إلى اختيارية الوجاقات والمشايخ بالحضور ج / 1 ص -191- ساعة تاريخه لسؤال وجواب فذهب إليه الاختيارية فاكرمهم واجلهم واجلسهم ثم حضر المشايخ فلما تكامل المجلس اوقف طوائفه ومماليكه بالاسلحة ثم قال لهم: تكونوا معي أو أقتلكم جميعا. فلم يسعهم إلا أنهم قالوا: له جميعا نحن معك على ما تريد. فقال اريد عزل الباشا ونزوله فقالوا نحن معك على ما تختار. ثم إنهم كتبوا فتوى مضمونها ما قولكم في نائب السلطان أراد الإفساد في المملكة وتسليط البعض على البعض وتحريك الفتن لاجل قتلهم وأخذ أموالهم فم إذا يلزم في ذلك فكتب المشايخ بوجوب ازالته وعزله قمعا للفساد وحقنا للدماء. فأخذ الفتوى منهم وقام وأخذ معه رجب كتخدا ومصطفى كتخدا وإبراهيم كتخدا عزبان ودخل إلى داخل وترك الجماعة في المقعد والحوش وعليهم الحرس وباتوا على ذلك من غير عشاء ولا دثار فلما أصبح صباح يوم الجمعة عاشر القعدة أرسل أحمد بك الاعسر إلى الباشا يقول له: أنت تنزل أو تحارب وكان أرسل قاسم بك الكبير إلى ناحية الجبل بنحو الخمسمائة خيال فقال بل انزل وانظروا إلى مكانا انزل فيه. ونزل في ذلك اليوم قبل الصلاة إلى بيت محمد اغا الدالي بقوصون ولم يخرج جركس من بيته ولا أحد من المعوقين سوى قاسم بك وأحمد بك. ثم أنه كتب عرضا على موجب الفتوى وختم عليه المشايخ والوجاقات وكتبوا فيه أنه باع غلال الحرمين وغلال الانبار وباع من غلال الدشائش والخواسك ثمانية وعشرين ألف اردب وختم عليه القاضي أيضا وأرسله صحبة ستة انفار من الوجاقلية في غرة الحجة سنة 1137. ولما فعل ذلك أقام محمد بك الدفتردار ابن أستاذه قائمقام فصار يعمل الدواوين في منزله ولم يطلع إلى القلعة إلا في يوم نزول الجامكية. ولما فعل جركس ذلك صفا له الوقت وعزل مملوكه محمد اغا الوالي وقلده الصنجقية وسماه جركس الصغير والبس على اغا مملوكه ابن أخي قاسم بك الصغير. ج / 1 ص -192- صنجقية عمه واعطاه بلاده وماله وجواره وقلد على المحرمجي مملوكه الصنجقية أيضا وكذلك أحمد الخازندار مملوك أحمد بك الاعسر وسليمان اغا جميزة تابع أحمد اغا الوكيل صناجق البسهم الجميع قائمقام في بيته. ولم يتفق نظير ذلك وحضر جن علي باشا وطلع إلى القلعة فلم يقابله جركس إلا في قصر الحلي وكمل له من الأمراء ثلاثة عشر صنجقا واستولوا على جميع المناصب والكشوفيات. ولما تأمر ذو الفقار بعد قتل إسمعيل بك انضم إليه كثير من الفقارية وسافر إلى المنوفية فاراد أن يجرد عليه وطلب من الباشا فرمانا بذاك فامتنع فتغير خاطره من الباشا واستوحش كل من الآخر وحصل ما تقدم ذكره من عزل الباشا ثم جرد علي ذي الفقار فاختفى ذو الفقار وتغيب بمصر إلى أن حضر علي باشا والي جريد واستقر بالقلعة ودبروا في ظهور ذي الفقار كما تقدم في خبر محمد باشا. وخرج محمد بك جركس هاربا من مصر فنهبوا بيته وبيوت اتباعه وعشيرته فاخرجوا من بيته شيئا لا يحد ولا يوصف حتى أنه وجد به من صنف الحديد أكثر من ألف قنطار ومن الغنم ازيد من الألف خروف. وبعدما احاطوا بما فيه من المواشي والأمتعة ونهبوها هدموه وأخذوا اخشابه وشبابيكه وأبوابه. ولم يمض ذلك النهار حتى خرب عن آخره. ولم يبق به مكان قائم الاركان وقد أقام يعمر فيه نحو أربع سنوات فخرب جميعه من الظهر إلى قبيل المغرب. وقتلوا كل من وجدوه من اتباعه واختفى منهم من اختفى ومن ظهر بعد ذلك قتلوه أيضا ونهبوا دياره. واخرج خلفه ذو الفقار تجريدة فلم يدركوه وذهب من خلف الجبل الأخضر إلى درنه فصادف مركبا من مراكب الافرنج فنزل فيها مع بعض مماليكه وتفرق من كان معه من الأمراء بالبلاد القبلية وسافر المترجم إلى بلاد الافرنج فاكرموه وتشفعوا فيه عند العثماني بواسطة الالجي فقبلوا شفاعتهم فيه وأخذوا له ج / 1 ص -193- مرسوما بالعودة إلى مصر واخذها أن قدر على ذلك بعد أن عرضوا عليه الولاية والباشوية ببعض الممالك فلم يقبل. ولم يرض إلا بالعودة إلى مصر فوصل إلى مالطة وانشأ له سفينة وشحنها بالجبخانة والآلات والمدافع ورجع إلى درنة فطلع من هناك وأمر الرؤساء بالذهاب بالسفينة إلى ثغر اسكندرية. وحضر إليه بعض أمرائه واتباعه المتفرقين فركب معهم وذهب إلى ناحية البحيرة فصادف حسين بك الخشاب فهرب من وجهه فنهب حملته وخيامه وذهب إلى الأسكندرية وكانت سفينته قد وصلت فأخذ ما فيها من المتاع والجبخانة والآلات ورجع إلى قبلي على حوش ابن عيسى واجتمع عليه الكثير من العربان وسار إلى الفيوم فهجم على دار السعادة وهربت الصيارف فأخذ ما وجده من المال ونزل على بني سويف وكان هناك علي بك المعروف بالوزير فنزل إليه وقابله ثم سار إلى القطيعة بالقرب من جرجا ثم عرجا جهة الغرب قبلي جرجا وأرسل إلى سليمان بك وطلبه للحضور إليه بمن عنده من القاسمية فعدى إليه سليمان بك ومن معه وقابله واطلعه على ما بيده من المرسوم والامان والعفو. وحضر إليه أحمد بك الاعسر وجركس الصغير فركب بصحبة الجميع وانحدر إلى جهة بحري فتعرض لهم حسن بك والسدادرة وعسكر جرجا وحاربوهم فقتل حسن بك وطائفته ولم ينج منهم إلا من دخل تحت بيارق العسكر. ونزل جركس بصيوان حسن بك وانزلوا مطابخهم وعازقهم في المراكب وسار بمن معه طالبين مصر ووصلت اخبارهم إلى ذي الفقار بك فعمل جمعية وأخذ فرمانا بسفر تجريدة وأميرها عثمان بك تابع ذي الفقار وعلي بك قطامش وعساكر اسباهية وغيرهم فقضوا اشغالهم وعدوا إلى ام خنان وصحبتهم الخبيري. وساروا إلى وادي البهنسا فتلاقوا مع محمد بك جركس فتحاربوا معه يوما وليلة وكان مع جركس طائفة من الزيدية والهوارة وعرب نصف ج / 1 ص -194- حرام فكانت الهزيمة على التجريدة واستولى محمد جركس ومن معه على عرضيهم وخيامهم وقتل منهم نحو مائة وسبعين جنديا وحال بينهم الليل ورجع المهزومون لمصر وقالوا لذي الفقار بك أن لم تتداركوا امركم وإلا دخلوا عليكم البيوت. فجمع ذو الفقار بك الأمراء واتفقوا على تشهيل تجريدة اخرى واحتاجوا إلى مصروف فطلبوا من الباشا فرمانا بمبلغ ثلثمائة كيس من الميري أو من مال البهار على السنة القابلة فامتنع الباشا فركبوا عليه وعزلوه وانزلوه ولبسوا محمد بك قطامش قائمقام وأخذوا منه فرمانا وجهزوا أمر التجريدة فاخرجوا فيها مدافع كبار وأحضروا سالم بن حبيب ومعه نصف سعد ونزل عثمان جاويش القازدغلي بجماعة جهة البدرشين وصحبته علي كتخدا الجلفي بالمراكب ورتبوا أمورهم واشغالهم ووصل جركس ومن معه ناحية دهشور والمنشية ووقعت بينهم حروب ووقعت الهزيمة على جركس وقتل سليمان بك ونزلت القرابة المراكب وسارت الخيالة صحبة العرب مقبلين. وسار عثمان جاويش القازدغلي خلف قرا مصطفى جاويش ليلا ونهارا حتى ادركه عند أبي جرج فقبض عليه ومعه ثلاثة وأخذ ما وجده معه وانزلهم في المركب وأتى بهم إلى مصر وقطعوا رؤوسهم وأرسلوا فرمانا برجوع التجريدة ولحوق الصنجقيين وأغات البلك والاسباهية وسالم بن حبيب بجركس أينما توجه. فسافروا خلفه أياما ثم عدى إلى جهة الشرق ومعه عرب خويلد وأقام هناك ينتظر حركة القاسمية بمصر وكانوا عدوا معه سرا على قتل ذي الفقار بك فعدى إليه علي بك قطامش والعسكر وسالم بن حبيب فتلاقوا معه ووقع بينهم مقتلة عظيمة انجلت عن انهزام جركس ومن معه حتى القوا بأنفسهم في البحر. وأما جركس فإنه خلع لجام الحصان واراد أن يعدي به بمفرده إلى البر الاخر فانغرز الحصان في روبة وتحتها الماء عميق فنزل من على ظهره ليخلصه فزلقت رجله وغرق ج / 1 ص -195- بجانبه وكان بالقرب منه شادوف وعليه رجلان من الفلاحين ينقلان الماء إلى المزرعة فنزلا إليه فوجدا الحصان ميتا وهو غاطس بجانبه ولم يعلما من هو فجراه من رجله وأخذا سلاحه وزرخه وثيابه وما في جيوبه ودفناه بالجزيرة. ومر بهما قارب صياد فطلباه ووضعاه فيه وكان علي بك جالسا بجنب البحر ومعه سالم بن حبيب فنظر سالم إلى القارب وهو مقبل فقال ما هذا إلا سمكة عظيمة وأصلة الينا فأوقفوا القارب في ناحية من البر وتقدم أحد الشدافين إلى الصنجق وباس يده فقال له: ما خبرك قال: وجدنا جنديا من المهزومين وهو غرقان بحصانه فلعله من المطلوبين وإلا رميناه البحر فلما رآه عرفه ورجع إلى الصنجق فأمر باخراجه من القارب ووضع أحد الرجلين في الحديد وقال للثاني: اذهب فآت بكامل ما أخذتماه وأنا أطلق لك رفيقك وأمر بسلخ رأسه وغسلوه وكفنوه ودفنوه ناحية شرونة وارتحلوا وساروا إلى مصر. وكان القاسمية الذين بمصر فعلوا فعلهم وقتلوا ذا الفقار بك وذلك في أواخر رمضان والبلد في كرب والقاسمية منتظرون قدوم جركس وأبواب المدينة مقفلة وعلى كل باب أمير من الصناجق والوجاقلية داثرون بالطوف في الشوارع وبأيديهم الأسلحة. فلما وصل علي بك قطامش إلى الآثار النبوية وأرسل عرفهم بما حصل خرج إليه عثمان بك ودخل صحبته بموكب والرأس إمامهم محمولة في صينية فكان ذلك اليوم يوم سرور عند الفقارية وحزن عظيم عند القاسمية. فطلعوا بالرأس إلى القلعة فخلع عليهم الباشا الخلع السمور ونزلوا إلى منازلهم وأتتهم التقادم والهدايا فكان بين موت جركس وذي الفقار خمسة أيام ولم يشعر أحدهما بموت الآخر. ثم تتبعوا القاسمية وقتلوا منهم الوفا. وبهذه الحوادث انقطعت دولة القاسمية والسبب في دمارهم محمد بك جركس المترجم وابن أستاذه محمد بك بن أبي شنب وسوء أفعالهما وخبث ج / 1 ص -196- نياتهما فإن جركس هذا كان من أظلم خلق الله واتباعه كذلك وخصوصا سراجه المعروف بالصيفي وطائفته وكانت أيامه شر الأيام وحصل منهم من أنواع الفساد والافساد مالا يمكن ضبطه وكان موته في أواخر رمضان سنة 1142. ومات الأمير علي بك المعروف بالهندي وهو مملوك أحمد بك تابع أيواظ بك الكبير جرجي الجنس تقلد الإمارة والصنجقية بالديار الرومية وذلك أنه لما قلد إسمعيل بك بن ايواظ أستاذ أحمد بك الصنجقية والامارة على السفر إلى بلاد مورة في سنة 1127 عوضا عن يوسف بك الجزار جعل عليا هذا كتخداه فلما توجهوا إلى هناك وتلاقوا في مصاف الحرب هجم المصريون على طابور العدو بعد انهزام الروميين فكسروا الطابور وانهزم العدو واستشهد أحمد بك أمير العسكر المصري. فلما رجعوا إلى اسلامبول ذكروا ذلك وحكوه لرجال الدولة فانعموا على علي الهندي وأعطوه صنجقية أستاذه أحمد بك واعطوه مرسوما بنظر الخاصكية قيد حياته زيادة على ذلك ورجع إلى مصر ولم يزل معدودا في الأمراء الكبار مدة دولة إسمعيل بك ابن سيد أستاذه حتى قتل إسمعيل بك وأراد قتله محمد بك جركس هو وعلي بك الارمني المعروف بأبي العدبات فدافع عنهما محمد باشا وقال: إن الهندي منظور مولانا السلطان والأرمني أمين العنبر وناصح في بخدمته وضمن عائلتهما الباشا فاستمروا في إمارتهما فلما استوحش جركس من ذي الفقار وجرد عليه وهو في كشوفية المنوفية هرب وحضر إلى مصر ودخل عند علي بك الهندي المذكور فاخفاه عنده خمسة وستين يوما ثم انتقل إلى مكان آخر والمترجم يكتم أمره فيه وجركس واتباعه يتجسسون ويفحصون عليه ليلا ونهارا وعزل جركس محمد باشا وحضر علي باشا ودبروا أمر وظهور ذي الفقار مع عثمان كتخدا القاذرغلي. ج / 1 ص -197- وأحضروا إليهم المترجم وصدروه لذلك وأعانوه بالمال وفتح بيته وجمع إليه الايواظية والخاملين من عشيرتهم وكتموا أمرهم وثاروا ثورة واحدة وأزالوا دولة جركس كما تقدم. وظهر أمر ذي الفقار وتلقد علي بك الهندي الدفتردارية بموجب الشرط المتقدم وحضر محمد بك قطامش من الديار الرومية باستدعاء المصريين بتقليد الدفتردارية من الدولة فلم يمكنه المترجم منها حتى ضاقت نفسه منه ووجه عزمه إلى ذي الفقار بك والح عليه وهو يعده ويمنيه ويأمره بالصبر والتأني إلى أن حضر المملوك الواشي واخبر علي بك باجتماع مصطفى بك بن ايواظ وأبي العدب ومن معهم وذكر له ما قالوه في حال نشوتهم فلم يتغافل عن ذلك وقال: لذلك المملوك اذهب إلى ذي الفقار بك فأخبره. فذهب إليه فعرفه صورة الحال فأوقع بهم ما تقدم ذكره من قتلهم بيد الباشا وكان يظن مصافاة ذي الفقار له ويعتقد مراعاة حقه له وبهذه النكتة صار علي بك وحيدا فطمع فيه العدو واختلى محمد بك قطامش بذي الفقار بك وتذاكر معه أمر الدفتردارية وعدم نزول علي بك عنها وقال: لا بد من قتلي اياه فقال له: ذو الفقار لا أدخل معك في دمه فإن له في عنقي جميلا فإن كنت ولا بد فاعلا فاذهب إلى يوسف كتخدا البركاوي ورضوان أغا وعثمان جاويش القازدغلي ودبر معهم ما تريد ولكن أن قتلتم الهندي فلازم من قتل محمد بك الجزار وذي الفقار قانصوه. فقال محمد قطامش أن ابن الجزار له في عنقي جميل فإنه صان بيتي وحريمي في غيابي كوالده من قبل فقال ذو الفقار بك: وأنا كذلك أقمت في الاختفاء بمنزل علي بك وبغيره باطلاعه. وانحط الأمر بينهم على الخيانة والغدر وذهب محمد بك فاجتمع بيوسف البركاوي ومن ذكر وتوافقوا على ذلك. فاحضر يوسف كتخدا البركاوي باش سراجينه وكلمه على قتل الهندي ووعده بالإكرام فأخذ معه في صحبها خمسة انفار ووقف ج / 1 ص -198- بهم عند باب االعزب. فلما أقبل علي بك في طائفته ابتكر ذلك السراج مشاجرة مع بعض السراجين وتسابوا فقيل لهم: اما تستحوا من الصنجق فأخرج ذلك السراج الطبنجة وضربها في صدر الصنجق علي بك جواده إلى جهة المحجر وسار على باب زويلة وذهب إلى داره بحارة عابدين وحضر إليه طوائفه واغراضه وأصحابه وامتلأ البيت والشارع وباتوا تلك الليلة وعند الفجر ركب محمد بك قطامش وحضر عند ذي الفقار بك فركب معه إلى جامع السلطان حسن وحضر عندهم رضوان اغا وعثمان جاويش القازدغلي ويوسف كتخدا البركاوي وباقي الأغوات فأرسلوا من طرفهم جاسوسا إلى بيت الهندي فرجع وعرفهم بمن عنده فقال رضوان اغا أنا أذهب إليه واحضره بحيلة إلى بيت ذي الفقار بك ويأتي اغات مستحفظان فيأخذه اليكم. فركب رضوان اغا وأرسلوا إلى ذي الفقار بك وقانصوه أتى عندهم أيضا. فلما دخل رضوان اغا على علي بك الهندي وده شعلة نار فجلس معه وحادثه وخادعه وقال له: بلغني أن ذو الفقار بك في بيتك خمسة وستين يوما وبينك وبينه عهد وميثاق فقم بنا إلى بيته وهو ينظر السراج الذي ضرب عليك الطبنجة وينتقم منه ودع الجماعة ينتظرونا إلى أن نعود اليهم. فطلب الحصان فاشار عليه علي كتخدا الجلفي بعدم الذهاب فلم يسمع وركب في قلة من اتباعه وصحبته مملوكان فقط وذهب مع رضوان اغا فدخل معه بيت ذي الفقار بك وتركه وسار ليأتي إليه بذي الفقار بك ذهب إليهم وعرفهم حصوله في بيت ذي الفقار. فأرسلوا إليه اغات مستحفظان في جماعة كثيرة فدخلوا بيت ذي الفقار بك وأخذوا الحصان والكرك من عليه وقدموا له أكديشا عريانا فقام عثمان تابع صالح كتخدا عزبان الرزاز وأخذ كليما قديما فوق الاكديش وميل عليه وقال له: هذا جزاء من يقص جناحه بيده. واركبوه عليه وذهبوا به إلى السلطان حسن. ج / 1 ص -199- فلما رآه ذو الفقار بك قال: خذوا هذا أيضا واشار إلى ذي الفقار قانصوه وكان رجلا وجيها ولحيته بيضاء عظيمة وعليه هيبة ووقار فسحبوهما مشاة على أقدامهما إلى سبيل المؤمن وقطعوا رؤوسهما ووضعوهما في تابوتين وذهبوا بهما إلى بيوتهما فما شعر الجماعة الجالسون في بيت الهندي إلا وهم داخلون عليهم برمته فغسلوه وكفنوه ومشوا في جنازته وذهبوا إلى منازلهم وانفض الجميع. وركب ذو الفقار ومن معه وطلعوا إلى القلعة وتمموا اغراضهم. وكان المترجم سليم الصدر وعنده الحلم والعفة وسماحة النفس وتولى كشوفية الغربية والمنوفية وبنى سويف ونظر الخاصكية بامر سلطاني قيد حياته. فلما ترأس محمد بك جركس وابن أستاذه محمد بك ابن أبي شنب الدفتردارية نزعها منه فورد بذلك مرسوم من الدولة بالتمكين للمترجم بنظر الخاصكية والبسه محمد باشا قفطانا بذلك فلم يمتثل محمد بك ابن أبي شنب ولم يمكنه منها فورد بعد ذلك مرسوم كذلك بتمكين علي بك فلبسه علي باشا قفطانا وبعث إلى محمد بك يطلب منه المفاتيح فوعده بذلك. ثم أحضروها له بسعي رجب كتخدا ومحمد جاويش الداودية فاعطاها إلى علي بك فركب بصحبة الأغا المعين ونائب القاضي ومن كل بلك واحد وفتحوا الخاصكية فلم يجدوا فيها شيئا فأخذ حجة بذلك. وكان موت المترجم في أوائل سنة 1140. ومات الأمير ذو الفقار بك قانصوه وهو تابع قانصوه بك الكبير الايواظي القاسمي تقلد الإمارة والصنجقية في سابع شعبان سنة 1128 ولبس عدة مناصب كثيرة مثل كشوفية بني سويف والبحيرة. ولما حصلت الحوادث وقتل إسمعيل بك ابن ايواظ اعتكف في بيته ولازم داره ولم يتداخل معهم في شيء من الأمور فلما تعصب ذو الفقار بك ومحمد بك قطامش ومن معهم على قتل علي بك الهندي واخماد فرقة القاسمية عزم على قتل ذي الفقار قانصوه أيضا وأرسل إليه واحضره إلى جامع السلطان حسن ج / 1 ص -200- وهو لم يخطر بباله أنهم يغدرونه لأنجماعه عنهم. فلما أحضروا علي بك الهندي على الصورة المتقدمة وسحبوه إلى القتل فقال ذو الفقار بك خذوا هذا أيضا واشار إلى المترجم لحزازة قديمة بينهما أو لعلمه بانه من رؤساء القاسمية وقاعدة من قواعدهم. فقال لهم: وما ذنبي خذوا عني الأمرية والبلاد ولا تقتلوني ظلما. فلم يمهلوه ولم يسمعوا لقوله فسحبوه ماشيا مع الهندي وقتلوهما تحت سبيل المؤمن بالرميلة وكان إنسانا عظيما وجيها منور الشبيبة عظيم اللحية رحمه الله تعالى. ومات الأمير محمد بك ابن يوسف بك الجزار تقلد الإمارة والصنجقية في شعبان سنة 1138 بعد واقعة محمد بك جركس وخروجه من مصر. ولما قتل علي بك الهندي وذو الفقار بك قانصوه كان هو في كشوفية المنوفية فعينوا له تجريدة وعليها إسمعيل بك قيطاس وأخذ صحبته عربان نصف سعد وكان قد وصل إليه الخبر فأخذ ما يعز عليه وترك الوطاق وارتحل إلى جسر سديمة. فلحقوه هناك واحتاطوا به وحاربوه وحاربهم وقتل بينهم اجناد وعرب وحمى نفسه إلى الليل. ثم أحضر مركبا فنزل فيها وصحبته مملوكان لا غير وفراش واخراج وذهب إلى رشيد وترك أربعة وعشرين مملوكا خلاف المقتولين. فأخذوا الهجن وساروا ليلا متحيرين حتى جاوزوا وطاق إسمعيل بك. وتخلف منهم شخص فحضر إلى وطاق إسمعيل بك قيطاس فاخبره فارتحل كتخداه بطائفة فردوهم واخذهم عنده فخدموه إلى أن مات. ودخل محمد بك الجزار ثغر رشيد فاختفى في وكالة فنمي خبره إلى حسين جربجي الخشاب السردار فحضر إليه وقبض عليه وسجنه مع أحد المملوكين وكان الثاني غائبا بالسوق فتغيب ولم يظهر إلا بعد مدة وارخى لجنة وفتح له دكانا يبيع ويشتري ولم يعرفه أحد. وأرسل حسين جربجي الخبر إلى مصر مع الساعي إلى ذي الفقار بك ويستأذن في امره بشرط أن يجعلوه صنجقا ج / 1 ص -201- ويعطوه كشوفية البحيرة عن سنة 1140. فأجيب إلى ذلك وأرسلوا له فرمانا بقتل محمد بك الجزار وقتل مملوكه وإن يأتي هو إلى مصر ويعطوه مراده ومطلوبه. ومع الفرمان اغا معين من طرف الباشا فقتلوا محمد بك ومعه مملوكه وسلخوا رؤوسهما. ورجع بهما الأغا المعين إلى مصر. ومات الأمير محمد بك ابن إبراهيم بك أبي شنب القاسمي وتقلد الإمارة والصنجقية في حياة والده في سنة 1127 ولما توفي والده انتقل إلى بيته الذي بالقرب من جامع اينال بالقرب من قناطر السباع وتولى عدة كشوفيات بالأقاليم في أيام المرحوم إسمعيل بك ابن ايواظ. وكان يحقده ويحسده ويكرهه باطنا هو ومماليك أبيه وخصوصا محمد بك جركس. وارادوا اغتياله وأوقفوا له في طريقه من يقتله ونجاه الله منهم فظفر بهم واخرج جركس منفيا إلى قبرص كما تقدم وسافر محمد بك المترجم بالخزينة فاغرى به رجال الدولة وأوشى في حقه وحصل ما تقدم ذكره وأيده الله عليهم أيضا في تلك المرة. ولما قتل إسمعيل بك واستقل محمد جركس فتقلد المترجم دفتردار وصار اميرا كبيرا يشار إليه ويرجع إليه في جميع الأمور ولما عزلوا محمد باشا النشنجي تقلد المترجم أيضا قائمقام وعمل الدواوين في بيته ولم يطلع إلى القلعة كعادة الوكلاء والنواب وقلد المناصب والأمريات في منزله وصار كأنه سلطان. وكان على نسق مملوك أبيه محمد جركس في العسف وسوء التدبير ولا يخرج أحدهما عن مراد الآخر. ولم يزل على ذلك حتى وقعت حادثة ظهور ذي الفقار وخرج محمد بك جركس ومن معه هاربين واختفى المترجم. ثم أن جماعة من العامة وجدوه ميتا بالجامع الأزهر. ومات أيضا عمر بك أمير الحاج تابع عبد الرحمن بك جرجا المتقدم ذكره انطوى إلى محمد بك جركس وأمره وجعله أمير الحاج في أيامه. ج / 1 ص -202- وكان غنيا وصاحب فائظ كثير ومات في واقعة جركس. ومات رضوان بك وهو من مماليك محمد بك جركس ويقال له رضوان الخازندار قلده الصنجقية وأخذ نظر الخاصكية من علي بك الهندي واعطاها له. وتنافس بسببها مع جركس وانجمع كل منهما عن الآخر مدة طويلة. ولما وقع لجركس ما وقع اختفى رضوان بك المذكور عند يوسف بك زوج هانم فاخبر عنه واخذه سليمان اغا وقتله فسمي لذلك يوسف الخائن. ومات الأمير علي بك المعروف بالارمني ويعرف أيضا بالشامي وهو من اتباع ابن ايواظ وكان امين العنبر ويعرف أيضا بابي العدب تقلد الصنجقية في عشري شهر القعدة سنة 1135 ولما أراد إسمعيل بك تأميره لم يجدوا له امرية في المحلول. فانعم عليه الباشا بصنجقية كتخداه رعاية لخاطر ابن ايواظ. ومات أيضا مصطفى بك ابن ايواظ وهو اخو إسمعيل بك تقلد الإمارة والصنجقية أيام ظهور ذي الفقار كما تقدم وصار من الأمراء القاسمية المعدودين فلما أحضر الباشا علي بك الارمني وقتله وأمر بالقبض على باقي الجماعة فقبضوا على مصطفى بك المذكور واحضروه على حمار وصحبته المقدم تابعه فقتلوهما تحت ديوان قايتباي بعد قتل علي بك بيومين. ومات الأمير صاري علي بك ويقال له علي بك الأصغر لأن صاري بمعنى الأصغر وهو من اتباع ايواظ بك تقلد الإمارة والصنجقية غاية شعبان سنة 1135 ولبس كشوفية الغربية ولما قتل ابن أستاذه إسمعيل بك استعفى من الصنجقية وعمل جربجيا بباب العزب واعتكف ببيته ولم يتداخل في أمر من الأمور ثم اعيد وسافر اميرا بالعسكر إلى الروم وتوفي بدار السلطنة سنة 1141. ومات الأمير أحمد كتخدا عزبان المعروف بامين البحرين وكان من ج / 1 ص -203- الأعيان المشهورين نافذ الكلمة وافر الحرمة. وكان بينه وبين الأمير إسمعيل بك ابن ايواظ وحشة وكان يكرههه فلما ظهر إسمعيل بك خمدت كلمة المترجم واستمر في خموله ثم انضم إلى إسمعيل بك وتحابب له وصار من أكبر أصدقائه. وعمل باش اوده باشه ثم تولى الكتخدائية وعمل امين البحرين ثالث مرة. وسمعت كلمته ونمي صيته فلما قتل إسمعيل بك رجع إلى خموله. ثم نفي إلى أبي قير بمعرفة اختيارية الباب وتعصب إبراهيم كتخدا افندي عليه وكان إذ ذاك ضعيف المزاج فأرسلوا له الفرمان صحبة كمشك جاويش ومعه نحو المائتين نفر فدخلوا عليه منزله بدرب السادات مطل على بركة الفيل على حين غفلة واركبوه من ساعته وهم حوله إلى بولاق وأرسلوه إلى أبي قير. ثم أرسلوا له فرمانا بالسفر إلى سفر العجم مع صاري علي وجعلوه سردار العزب ومع الفرمان القفطان وفيه الأمر له بان يجهز نفسه ويسافر من أبي قير إلى الأسكندرية. توفي في سنة 1141. ومات الأمير علي قاسم وهو ابن أخي قاسم بك الصغير ويلقب بالملفق ولما مات قاسم بك بالبهنسا كما تقدم قلد محمد بك جركس عليا هذا الصنجقية عوضا عن قاسم بك ونزل في منصبه واعطاه فائظه. ولم يزل اميرا حتى خرج محمد بك جركس من مصر هاربا وخرج معه من خرج واختفى المترجم فمين اختفى ببيت امرأة دلالة في كوم الشيخ سلامة ومات به. ومات الأمير رجب كتخدا سليمان الاقواسي وذلك أنه لما انقضى أمر جركس قلدوا رجب كتخدا سردار جداوي وجعلوا الاقواسي يمق وجهزوا أمورهما واحمالهما وخرجا إلى البركة ليذهبا إلى السويس فخرج اليهما صنجق من الأمراء وصحبته جاويش من الباب فاتياهما آخر الليل وقتلاهما وقطعا رؤوسهما وضبطا ما وجداه من متاعهما وسلماه لبيت المال بالباب. ج / 1 ص -204- ومات الأمير أحمد افندي كاتب الروزنامة ابن محمد افندي التذكرجي خنقة محمد باشا النشنجي في واقعة جركس وظهور ذي الفقار بك ولما خرج جركس من مصر هاربا خرج معه إلى وردان وكان جسيما فانقطع مع بعض المنقطعين واخذت ثيابهم العرب وقبضوا على من قبضوا عليه وفيهم أحمد افندي الروزنامجي واتوا بهم إلى مصطفى تابع رضوان اغا وكان في الطرانة قائمقام. فاخذهم وقتل منهم اناسا وأرسل رؤوسهم وأرسل أحمد افندي بالحياة فحضرواا به إلى بيت الدفتردار وهو راكب على ظهر حمار سوقي فأرسله علي بك الهندي الدفتردار إلي ذي الفقار لم يلتفت إليه ولم يخاطبه وأرسله إلى الباشا فمثل بين يديه وكان يوم ديوان وذلك بعد الواقعة بخمسة أيام فأرسله الباشا إلى كتخداه فبات عنده تلك الليلة ثم أرسله إلى كتخدا مستحفظان فحبسه بالقلعة وخنقوه تلك الليلة وانزلوه إلى بيته فغسلوه وكفنوه ودفنوه. ومات محمد جربجي المرابي وكان ذا مال عريض وضبط موجودة الفي كيس ولم يعقب أولادا إلا أولاد سيده وزوجته بنت أستاذه وأوصى لشخص يقال له عمر اغا بثلاثين كيسا ولآخر بالفي دينار ولآخر بالف ولكل مملوك من مماليكه ألف دينار ولمجاوري الأزهر خمسمائة دينار. توفي في عشرين رمضان سنة 1138. ومات المعلم داود صاحب عيار خنقه محمد باشا النشنجي بعد خروج محمد بك جركس فقبضوا عليه وحبسوه بالعرقانة وخنقوه وهو الذي ينسب إليه الجدد الداودية. وفي سنة 1137 الماضية حضر من الديار الرومية امين ضربخانة وصاحب عيار وصناع دار الضرب وصحبتهم سكة الفندقلي والنصف فندقلي وإن يكون عياره ثلاثة وعشرين قيراطا وصرف الفندقلي مائة وأربعة وثلاثون نصفا والنصف سبعة وستون فاحضر الباشا المعلم داود وطلب منه سكة الجنزرلي واعطاه سكة الفندقلي وختم ج / 1 ص -205- على سكة الجنزرلي في كيس وأودعها في خزانة الديوان. وعندما سمع داود بهذه الأخبار قبل حضورهم إلى مصر تدارك امره وفرق علي الباشا وكتخدا الباشا ومحمد بك جركس والمتكلمين عشرين ألف دينار. فلما قرىء المرسوم بالديوان قالوا: سمعنا واطعنا في أمر السكة وأما صاحب عيار فإن لا يتغير فقال الباشا: كذلك لكن يكون الأغا ناظرا على الضربخانة لاجل اجراء المرسوم وتم الأمر على ذلك. فلما عزل الباشا اجتمع الموردون للذههب عند المعلم داود وكلموه في اخراج سكة الجنزرلي لأنهم هابوا سكة الفندقلي وامتنعوا من جلب الذهب. وتعطل الشغل فرشا قائمقام واخرج له سكة الجنزرلي وسلمها لداود فأخذها إلى داره بالجيزة وعمل له فرمانا للذهب واحضر الصناع والذهب من التجار وضرب في ستين يوما وليلة تسعمائة وثمانين ألف جنزرلي ونقص من عياره قيراطا ودفع المصلحة وسدد ما عليه من ثمن الذهب وقضى ديونه وكشوفية دار الضرب. فصارت الصيارف تتوقف فيه ويقولون ضرب الجيزة يعجز خمسة انصاف فضة فنقمها محمد باشا على داود فلما عاد إلى المنصب في واقعة جركس وذي الفقار قبض عليه وقتله وذلك في أواخر جمادي الاخرة سنة 1138. ومات الأمير أحمد بك الأعسر وهو من مماليك إبراهيم بك أبي شنب القاسمي تقلد الإمارة والصنجقية في عشرين شهر شوال 1123 وتلبس بعده مناصب مثل جرجا والبحيرة والدفتردارية وعزل عنها وهو خشداش جركس وعضده وخرج معه من مصر ولما ذهب جركس إلى بلاد الافرنج تخلف عنه وأقام عند العرب ونزل عند ابن غازي بناحية درنه. فلما وصل الحاج المغربي أرسل معهم ثلاثة من مماليكه وأرسل معهم مكاتيب ومفاتيح إلى ولده وذكر له أنه يتوجه إلى رجل سماه له. فلما وصلت السفينة التي نزلوا بها اعلم القبطان سردار مستحفظان فقبض عليهم. ج / 1 ص -206- وأرسل بخبرهم إلى باب مستحفظان فأخبروا الباشا فاحضروا إلى الشرطة وأمره باحضار ابن أحمد بك الاعسر فاحضره فامر بحبسه بالعرقانة فحبسوه وعاقبوه فاقر بان المال عند ابن درويش المزين وهو كان مزين إبراهيم بك أبي شنب فأرسلوا إليه وهجموا عليه ليلا وأخذوا كل ما في داره ووجدوا عنده ثلاثة صناديق للاعسر ثم نفوا بعد ذلك ابن أحمد بك إلى دمياط ولم يزل أحمد بك ينتقل مرة عند عرب درنة ومرة عند الهوارة بالصعيد وكذلك باقي جماعة جركس وخشداشينه حتى رجع إليهم جركس وخرجت إليهم التجاريد وقتل في الحرب سنة 1142. ومات الأمير مصطفى بك الدمياطي قلده الصنجقية ذو الفقار بك بعد هروب محمد بك جركس وولاه جرجا وكان يقال له مصطفى الهندي فلما نزل إلى جرجا وكان بها سليمان بك القاسمي عدى سليمان بك إلى البر الشرقي تجاهه وصار كل يوم بعمل نشانا ويضرب الجرة فلم يتجاسر مصطفى بك على التعدية وكان غالب اتباع مصطفى بك وطوائفه قاسمية من اتباع المقتولين فراسلهم سليمان بك وراسلوه سرا ثم اتفقوا على قتل مصطفى بك فقتلوه وغدروه ليلا وأخذوا خزانته وما أمكنهم من متاعه وعدوا إلى سليمان بك وانضموا إليه. فلما أصبح مماليكه وخاصته وجدوا سيدهم مقتولا فغسلوه وكفنوه ودفنوه. وكتب كتخداه بذلك إلى ذي الفقار بك فلما وصل إليه الجواب أرسل إليه بالحضور بمخلفاته ومماليكه المشتروات ففعل ذلك وقلد عوضه حسن كاشف من اتباعه الصنجقية وولاية جرجا فأرسل قائمقامه ثم جهز أموره ونزل إلى منصبه. ومات سليمان بك القاسمي المذكور آنفا وذلك أنه لما رجع محمد بك جركس وسار إلى ناحية القطيعة ثم انتقل إلى جهة الغرب قبلي جرجا فأرسل إلى المتجرم يطلب للحضور إليه بمن معه من القاسمية فعدى إليه ج / 1 ص -207- بمن ذكر وصحبته قرا مصطفى اوده باشا فقابلوه وارتحل معهم إلى بحري فبرز إليهم حسن بك وقتل كما ذكر واستولى جركس على صيوانه ومطابخه وعازقه وارتحل جركس ومن معه إلى بحري وخرجت إليهم التجاريد واميرها عثمان بك وعلي بك قطامش فتلاقوا معهم بوادي البهنسا ووقعت بينهم الحروب. وكان مع جركس طوائف الزيدية وخلافهم وانجلت الحرب عن هزيمة المصريين واستولى جركس ومن معه على خيامهم ونزل جركس في وطاق عثمان بك وسليمان بك المترجم في وطاق علي بك ورجع المنهزمون إلى مصر وزحف جركس ومن معة إلى ناحية دهشور وخرجت لهم التجريدة ونصبوا تجاههم فاصبح سليمان بك وتهيأ للركوب والمحاربة فمنعه جركس وقال له: هدا اليوم ليس لنا فيه حظ. فقال له: كيف أصبر على القعاد والراية البيضاء إمامي ثم ركب وهجم على التجريدة وقتل اناسا كثيرا وشتتهم وانحازوا خلف المتاريس وردوه بالمدافع وبرزوا إليه مرتين وهزمهم وفي الثالثة أصيب جواده برصاصة في فخذه فسقط إلى الأرض فتحلقت به طوائفه ومماليكه وذهب بعض الخدم ليأتي إليه بمركوب آخر وتابع الاخصام الرمي حتى تفرق من حوله ولم يبق معه سوى مملوك وآخر من الطوائف فأصيب هو والطائفة فوقعا. فهجم عليه سالم بن حبيب وأخذوهما إلى الصيوان وقطعوا دماغهما ودفنوهما عند الشيمي فلما وقع لسليمان بك ما وقع ارتحل جركس وسار نحو الجبل. ومات قرا مصطفى جاويش وكان اوده باشا فلبسه جركس الضلمة في أيام رجب كتخدا مستحفظان سابقا ثم عمل كجك جاويش ونزل يجمع عمائد الباب من الوجه القبلي فوقع بمصر ما وقع ممن حروب جركس وقتل رجب كتخدا والاقواسي فالتجأ إلى سليمان بك المذكور وعدى صحبة الشرق فلما وقعت الحروب وقتل سليمان بك اجتمع إليه الطوائف ج / 1 ص -208- العرابة ونزل بهم المراكب وساروا إلى قبلي فتبعه عثمان جاويش القازدغلي ليلا ونهارا حتى لحقه وهو راسي تحت أبي جرج وكانت الأجناد الذين بصحبته طلعوا جهة الشرق قرابة من عدم القومانية فقبضوا على مصطفى جاويش المذكور ومعه ثلاثة من الغزنهب عثمان جاويش ما وجده في المراكب وحضر إلى مصر فقطعوا رأس مصطفى جاويش المذكور ومن معه. ومات الأمير ذو الفقار بك الفقاري وهو مملوك عمر اغا من اتباع بلغية قتل سيده المذكور بعد انفصال الفتنة الكبيرة. لما طلع الأمير إسمعيل بك أثر ذلك باب العزب وقتل حسن كتخدا برمق سرو أمر بقتل عمر اغا المذكور فقتلوه عند باب القلعة وأمر بقتل المترجم أيضا وكان إذ ذاك خازنداره فالتجا إلى علي خازندار حسن كتخدا الجلفي وكان من بدله فحماه وخاصم أستاذه من اجله وخلص له نصف قمن العروس وكانت لأستاذه فأخرج له تقسيطها وأخذ النصف الثاني إسمعيل بك من المحلول وتصرف في كامل البلد ومات حسن كتخدا الجلفي فانطوى المترجم إلى محمد بك جركس وترجاه كي استخلاص فائظة من إسمعيل بك وكلمة بسببه مرارا فلم ينجع. وكلما خاطبه في امره قطب وجهه وقال له: أما يكفيك أني تاركه حياء لاجل خاطرك فإن أردت قبول شفاعتك فيه اطرد الصيفي من بيتك وأرسل الي بعد ذلك المذكور يحاسبني واعطيه الذي له فيسكت جركس وضاق الحال بالمترجم من الفشل والاعدام فاستأذن جركس في غدر ابن ايواظ فقال افعل ما تريد فوقف له مع نظرائه بالرميلة وضربوا عليه الرصاص فلم يصيبوه ووقع بسبب ذلك ما وقع لجركس واخرج من مصر ونفي إلى قبرص كما تقدم وتغيب المترجم فلم يظهر حتى رجع جركس وظهر امره ثانيا وعاد إلى طلب فائظة والالحاح على جركس بذلك وهو يسوفه ويعده ويمنيه ويعتذر له. ج / 1 ص -209- إلى أن ضاق خناقه وعاد إلى حالة الغدر الأولى وفعل ما تقدم من المخاطرة بنفسه وقتله لابن ايواظ بمجلس كتخدا الباشا وكان إذ ذاك من آحاد الأجناد ولم يتقدم له إمارة ولا منصب فعندها قلده الصنجقية وكشوفية المنوفية وأخذ من فائظ إسمعيل بك عشرين كيسا وانضم إليه الكثير من فرقة الفقارية وحقد عليه القاسمية وحضر رجب كتخدا ومحمد جاويش الداودية عند جركس وتذاكروا أمر ذي الفقار وإنهم نظروه وهو خارج بالموكب إلى كشوفية المنوفية ومعة عصبة الفقارية وامراؤهم راكبين فىموكبه مثل مصطفى بك بليغة ومحمد بك أمير الحاج وإسمعيل بك الد إلى وقيطاس بك الاعور وإسمعيل بك ابن سيده ومصطفى بك قزلار وغيرهم وقالا له أن غفلنا عن هدا الحال قتلتنا الفقاريه فحركا فيه حمية الجاهلية وقتلا أصلان وقيلان بيد الصيفى وطلب من محمد باشا فرمانا بالتجريد على ذي الفقار فامتنع الباشا من ذلك وقال: رجل خاطر بنفسه وفعل ما فعله باطلاعكم فكيف أعطيكم فرمانا بقتله. فتحامل جركس على الباشا وعزله وقلد محمد بك ابن أستاذه قائمقام وأخذ منه فرمانا وجهز التجريدة إلى ذي الفقار وكتب بذلك مصطفى بك بلغيه إلى ذي الفقار يخبره بما حصل ويأمره بالاختفاء ففعل ذلك وحضر إلى مصر واختفى أحمد أوده باشا المطر باز أياما وعند علي بك الهندي زيادة عن شهرين وحصل له ما تقدم ذكره من حضور علي باشا والقبطان وقيام الايواظية والفقارية وظهور ذي الفقار ووقوع الحرب بينهم وبين محمد بك جركس وخروجه من مصر وذهابه إلى بلاد الافرنج ورجوعه وتجهيز ذي الفقار بك التجاريد إليه وهزمها وزحفه على مصر. وقد كان اوقع بالايواظية في غيبة جركس ما أوقعه من القتل والتشريد ما ذكرناه فلما قرب جركس من أرض مصر راسل القاسمية سرا ومنهم سليمان اغا أبو دفية وهم إذ ذاك خاملون ومتغيبون ج / 1 ص -210- ومختفون وذو الفقار بك يخص عنهم ويأمر الوالي والاغا والأوده باشة البوابة بالتجسس والتفتيش على كل من كان من القاسمية وخصوصا يعسوبهم سليمان آغا المذكور. وقرب ركاب جركس من مصر بعد ما كسر التجاريد وعدى إلى جهة الشرق واشتد الكرب بذي الفقار واجتهد في تحصين المدينة واجلس أمراءه وصناجقه على الأبواب وفي النواحي والجهات ولازم أرباب الدرك والمقادم الطواف والحرس وخصوصا بالليل وفتائل البندق مشعلة بالنار في الازقة والشوارع والقاسمية منتظرون الفرصة والوثوب من داخل البلدة. فلما تراسل جركس سليمان أغا أباد فيه الوثوب واعمال الحيلة على قتل ذي الفقار بك باي وجه أمكن توافقوا فيما بينهم على وقت معين واجتمع أبو دفية وخليل اغا تابع محمد بك قطامش وجمعوا اليم ثلاثين أود باشا من القاسمية وأعطاهم الفا ومائتي جنزرلي وإن يضم كل واحد منهم إليه عشرة أنفار ويقفوا متفرقين جة باب الخرق وجامع الحين وقت إذان العشاء وجمع الي خليل أغا نحو سبعين نفرا من القاسمية ولبسوا كملابس أتباع أود باشة البوابة ومن داخل ثيابم الأسلحة وبايديم النبابيت. ولبس خليل اغا هيئة الأودة باشا وزيه وكان شبيا به في الصورة وأخذوا معم سليمان اغا ابادفية وو مغطى الرأس وبيده القرابينة ودخلوا إلى بيت ذي الفقار بك في كبكبة وهم يقولون قبضنا على أبي دفية وكان المترجم جالسا بالمقعد ومع الحاج قاسم الشرايبي وآخرون وهو مشمر ذراعيه يريد الوضوء لصلاة العشاء فلما وقفوا بين يديه وقف على أقدامه وقال: أين هو؟ فقال خليل أغا: ها هو وكشفوا رأسه فأراد أن يكلمه ويوبخه فاطلق أبو دفية القرابينة في بطن الصنجق وأطلق باقي الجماعة ما معهم من الطبنجات فانعقدت الدخنة بالمقعد فنط قاسم الشرايبي ومن معه من المقعد إلى الحوش ونزلوا على ج / 1 ص -211- الفور فوجدوا سراجه المسمى بالشتوي فقتلوه في سلالم المقعد وعلي بك المعروف بالوزير قتلوه أيضا وهو داخل يظنوه مصطفى بك بلغيه وإذا بعلي الخازندار يقول باعلى صوته الصنجق طيب هاتوا السلاح وسمعه الجماعة فكانت هذه الكلمة سببا لظهور الفقارية وانقراض القاسمية إلى آخر الدهر. ولم يقم لهم بعدها قائم ابدا فإنهم لما سمعوا قول الخازندار ذلك اعتقدوا صحته وتحققوا فساد طبختهم وخرجوا على وجوههم وتفرق جمعهم فذهب أبو دفية ويوسف بك الشرايبي وخليل اغا فاختفوا بمكان يوسف بك زوج هانم بنت ايواظ الذي هو مختفي فيه وأربعة من اعيانهم اختفوا في دار عند مطبخ الأزهر وأما الجماعة المجتمعون بباب الخرق في انتظار إذان العشاء فما يشعرون إلا بالكرشة في الناس فتفرقوا واختفوا فلو قدر الله أنه اجتمع الواصلون والمجتمعون بباب الخرق وهم محرمون في صلاة التراويح لتم غرضهم وظهر شأن القاسمية ولكن لم يرد الله بذلك. ثم أن علي الخازندار أرسل إلى مصطفى بك بلغيه فحضر إليه بجمعه وإذا برجل سراج من العصبة المتقدمة حضر إليهم وعرفهم بصورة الواقع ليأخذ بذلك وجاهة عندهم فحبسوه إلى طلوع النهار فحضر عثمان جاويش القازدغلي ويوسف كتخدا البركاوي وعلي كتخدا الجلفي ومحمد بك قطامش وخليل افندي جراكسة فغروا على الخازندار فقال علي الخازندار لمحمد بك قطامش دم الصنجق عندك فإن القاتل لاستاذنا مملوكك خليل اغا فقال أنا طارده من يوم عزل من اغاوية العزب ووقت ما تجدوه أقتلوه ثم أحضروا ذلك السراج بين ايديهم وسأله عثمان جاويش فعرفه أنه ينكجري فأرسلوه إلى الباب ليقرروه على اسماء المجتمعين ثم غسلوا الصنجق وكفنوه وصلوا عليه في مصلى المؤمنين ودفنوه بالقرافة وطلعوا إلى القلعة وقلدوه الصنجقية وقلدوا أيضا صالح ج / 1 ص -212- كاشف تابع محمد بك قطامش وعزلوا محمد بك من إمارة الحج باستعفائه لعدم قدرته. وأرسلوا إلى خشداشة عثمان بك فحضر من التجريدة وسكن ببيت أستاذه وسكن علي بك في بيت محمد اغا تابع إسمعيل باشا في الشيخ الظلام وتزوج بزوجة سيده بعد ذلك وقطعوا فرمانا في اليوم الذي تقلد فيه علي بك الصنجقية بقتل القاسمية ومات محمد بك جركس بعد موت ذي الفقار كما ذكر وحضر برأسه علي بك قطامش وذلك بعد موت ذي الفقار بك بخمسة أيام. وانقضت دولة القاسمية وتتبعهم الفقارية بالقتل حتى افنوهم وكان موت ذي الفقار وجركس في أواخر شهر رمضان سنة 1142 وكان الأمير ذو الفقار بك اميرا جليلا شجاعا بطلا مهيبا كريم الاخلاق مع قلة ايراده وعدم ظلمه وكان يرسل اليلكات والكساوي في شهر رمضان لجميع الأمراء والأعيان والوجاقات ويرسل لأهل العلم بالأزهر ستين كسوة ودراهم تفرق على الفقراء المجاورين بالأزهر ومن انشائه الجنينة والحوض ببركة الحاج والوكالة التي برأس الجودرية ولم يتمها. ومات الأمير يوسف بك زوج هانم بنت ايواظ بك وتزوج بها بعد موت عبد الله بك وأصل يوسف بك من مماليك ايواظ بك وقلده الإمارة والصنجقية إسمعيل بك وعرف بالخائن لأنه لما هرب عنده رضوان بك خازندار جركس أخبر عنه وخفر ذمة نفسه وسلمه إليهم فقتلوه فسماه أهل مصر الخائن. ولما حصل ما تقدم ذكره من قصة اجتماعهم وحديثهم في حال نشوتهم بمنزل علي بك الارمني ونقل عنهم المملوك مجلسهم إلى علي بك الهندي وأرسله علي بك إلى الأمير ذي الفقار والباشا فنقل لهما ذلك وقتل الباشا علي بك الارمني ومصطفى بك ابن ايواظ فاختفى المترجم وباقي الجماعة ولم يزل في اختفائه إلى أن حضر رجل عطار إلى اغات مستحفظان واخبره عن رجل من الفقهاء يأتي إلى الجزار ج / 1 ص -213- بجواره ويأخذ منه كل يوم زيادة عن عشرة أرطال من اللحم الضاني وكان من عادته أن لا يأخذ سوى رطلين ونصف في يومين ولا بد لذلك من سبب بأن يكون عنده اناس من المطلوبين فركب الأغا والوالي إلى ذلك البيت فوجدوا به امرأتين عجوزتين وعندهم حلل وقصاع ومعالق وليس بالبيت فراش ولا متاع فطلعوا إلى أعلى المكان ونزلوا أسفله فلم يجدوا شيئا فنزل الأغا وهو يشتم العطار واراد ضربه وإذا بشخص من الأجناد أراد أن يزيل ضرورة في ناحية فلاح له رأس إنسان في مكان متسفل مظلم فلما رأى ذلك الجندي خبأ رأسه وانزوى إلى داخل فاخبر الأغا فأوقدوا الطلق وإذا بشخص صاعد من المحل وبيده سيف مسلول وهو يقول طريق فتكاثروا عليه وقتلوه ونزلوا بالطلق إلى أسفل فوجدوا يوسف بك المترجم ومعه شخصان فقبضوا عليهم وانعم الأغا علي العطار وأخذهم إلى الباشا فأرسلهم إلى عثمان بك ذي الفقار فضربوا رقابهم تحت المقعد. ومات كل من الأمير محمد بك جركس الصغير واخ محمد بك الكبير وذلك أنه لما انقضى أمر محمد بك جركس الكبير اختفى المذكوران ودخلا إلى مصر متنكرين واختفيا في بيت رجل من اتباعهما بخطة القبر الطويل ومعهما مملوكان. فاخلى لهم البيت وباع الخيل وشال العدد وأتى إلى اغات الينكجرية فاخبره فأرسل الأغا والوالي والأوده باشا وحضروا إليهم فرموا عليهم بالرصاص من الجانبين وكامنوهم إلى الليل وحضر علي بك ومصطفى بك بلغيه فنقب عليهم مصطفى بك من بيت إلى بيت حتى وصل إليهم وأوقد نارا من أسفل المكان الذي هم فيه فأحسوا بذلك فقرأ أحد المملوكين وهرب وقتل الثاني برصاصة وقبضوا على الإثنين وقتلوهما ودفنوهما. ومات الأمير خليل اغا تابع محمد بك قطامش اغات العزب سابقا وهو ج / 1 ص -214- الذي انتدب العمل المتصف المتقدم ذكره وتزيا بزي اوده باشا البوابة ودخل إلى بيت الأمير ذي الفقار وقت إذان العشاء ومعه سليمان أبو دفية وقتلوا ذا الفقار بك كما تقدم. ثم كانت الدائرة عليهم واختفوا ثم وقعوا بخازنداره بالخليج فقبضوا عليه وسجنوه وقرروه فأقر على سيده وغيره فقبضوا على خليل اغا من المكان الذي كان مختفيا فيه وكان بصحبته يوسف بك الشرايبي وسليمان اغا أبو دفية. ففي ذلك الوقت قال أبو دفية: قوموا من هذا المكان فإن قلبي يختلج. فقال يوسف الشرايبي وأنا كذلك. فتقنعا وخرجا واستمر خليل اغا في محله حتى وصلوا إليه في ذلك اليوم وقتل كما ذكر واخذه الأغا إلى بيت علي بك ذي الفقار فأرسله إلى الباشا وأرسله الباشا إلى عثمان بك فرمى دماغه تحت المقعد وكذلك عثمان اغا الرزاز وغيره. واما أبو دفية فإنه لما تقنع هو ويوسف الشرايبي وخرجا وتفرقا فذهب أبو دفية إلى بيت مقدمه ولبس زي بعض القواسة وركب فرسه ووضع له أوراقا في عمامته وخرج في وقت الفجر إلى جهة الشرقية وذهب مع القافلة إلى غزة ثم إلى الشام وسافر منها إلى اسلامبول. وخرج في السفر وذهب إلى عند التترخان فاعطاه منصبا وعمله مرزة وتزوج بقونية ولم يزل هناك حتى مات. واما يوسف بك الشرايبي فذهب إلى دار بالازبكية وخفى امره ومات بعد مدة ولم يعلم له خبر. ومات عبد الغفار اغا بن حسن افندي وقد تقدم أنه تقلد في أيام ابن ايواظ اغاوية المتفرقة بموجب مرسوم ورد من الدولة بذلك وسببه أن حسن افندي والده كان له يد وشهرة في رجال الدولة وكان من يأتي منهم إلى مصر يترددون إليه في منزله ويهادونه ويهاديهم فاتفق أنه اهدى إلى السلطنة عبدا طواشيا فترقى هناك وأرسل إلى ابن سيده مرسوما باغاوية المتفرقة وذلك في سنة 1135 بعد موت والده ج / 1 ص -215- والبسه الباشا قفطانا بذلك وعند ذلك من النوادر التي لم يسبق نظيرها ووقع بذلك فتنة في البلكات تقدم الالماع يذكر بعضها والتجأ المترجم إلى ابن ايواظ وهرب من الباب. ولحديث قتلة نبأ غريب وذلك أنه في اثناء تتبع القاسمية وقتلهم ورد مكتوب من كتخدا الوزير إلى عبد الله باشا الكبورلي بالوصية على عبد الغفار اغا فقال الباشا لكتخدا الجاويشية عندكم إنسان يسمى عبد الغفار اغا قال له: نعم كان اغات متفرقة ثم عمل اغات عزب وعزل. فقال أرسل إليه بالحضور. فخرج كتخدا الجاويشية واخبر محمد بك قطامش الدفتردار فقال أرسل إليه واطلبه للحضور. وطلب الوالي فقال له: إذا انقضى أمر الديوان فأنزل إلى باب العزب واجلس هناك وانتظر عبد الغفار اغا وهو نازل من عند الباشا فاركب وسر خلفه حتى يدخل إلى بيته فاعبر عليه واقطع رأسه. فلما أحضر المترجم صحبة الجاويش ودخل إلى الباشا وصحبته كتخدا الجاويشية وعرف الباشا عنه وتركه وخرج وانقضى الديوان وحضر الغداء فاشار إلى عبد الغفار اغا فجلس وأكل صحبته وحادثه الباشا فقال له: أنت لك صاحب في الدولة قال: نعم كان لأبي صديق من أغوات عابدي باشا وكان شهر حوالة وبلغني أنه الآن كتخدا الوزير وكان اشترى جارية ووضعها عندنا في مكان فكان ينزل ويبيت عندنا ولما عزل عابدي باشا اخذها وسافر فهو إلى الآن يودنا ويراسلنا بالسلام. فقال له: الباشا أنه أرسل يوصينا عليك فانظر ما تريد من الحوايج أو المناصب. فقال لا اريد شيئا ويكفيني نظركم ودعاؤكم. واخذ خاطر الباشا ونزل إلى داره فلما مر بباب العزب ركب الوالي ومشى في اثره ولم يزل سائرا خلفه حتى دخل إلى البيت ونزل من على الحصان بسلم الركوبة وكان بيته بالناصرية فعند ذلك قبضوا عليه وأخذوا عمامته وفروته وثيابه وسحبوه إلى باب الأسطبل فقطعوا رأسه واخذها الوالي ج / 1 ص -216- مع الحصان وأتى بهما إلى بيت محمد بك قطامش فصرخت والدته وزوجته وجواريه وتقنعن وطلعن إلى القلعة صارخات فقال الباشا ما خبر هذا الحريم فقالت والدته حيث أن الباشا أراد قتله كان يفعل به ذلك بعيدا عنا فتعجب الباشا وقام من مجلسه وخرج إلى ديوان قايتباي واستخبرهن فاخبرته بما حصل فاغتم غما شديدا وطلب الوالي وأمر برجوع الحوايج والرأس واعطاهن كفنا ودراهم واعطى والدته فرمانا بكامل ما كان تحت تصرفه من غير حلوان ونزلت الأغوات والنساء فأخذوا الرأس والثياب وغسلوه وكفنوه وصلوا عليه ودفنوه. ولما طلع محمد بك قطامش إلى الديوان قال له: الباشا تقتلون الأغوات في بيوتها من غير فرمان. فقال لم نقتله إلا بفرمان فإنه كان من جملة الثلثمائة المتعصبين على قتل اخينا ذي الفقار بك وعزل الباشا الوالي وقلد خلافه في الزعامة وكان المترجم آخر من قتل من القاسمية المعروفين رحمه الله وكان عند المترجم سبعة مماليك من مماليك محمد بك بن أبي شنب فبلغ خبرهم محمد بك قطامش فأرسل من اخذهم من عنده قبل كائنته بنحو ثمانية أيام. تاريخ عجائب الآثار في التراجم والأخبار ج / 1 ص -217- الفصل الثاني في ذكر حوادث مصر وولاتها وتراجم أعيانها ووفياتهم ابتداء من سنة 1143. ووجهه أن بهذا التاريخ كان انقراض فرقة القاسمية وظهور أمر الفقارية وخلع السلطان أحمد من السلطنة وولاية السلطان محمود خان ووالي مصر إذ ذاك عبد الله باشا الكبورلي بباء معطشة فارسية نسبة إلى كبور بلدة بالروم وحضر إلى مصر في السنة الخالية وكان من أرباب الفضائل وله ديوان شعر جيد على حروف المعجم ومدحه شعراء مصر لفضله وميله إلى الأدب وكان إنسانا خيرا صالحا منقادا إلى الشريعة ابطل المنكرات والخمامير ومواقف الخواطىء والبوظعن بولاق وباب اللوق وطولون ومصر القديمة وجعل للوالي والمقدمين عوضا عن ذلك في كل شهر كيسا من كشوفيات الباشوات وكتب بذلك حجة شرعية وفيها لعن كل من تسبب في رجوع ذلك. ووصل الأمر بالزينة في أيامه لتولية السلطان محمود وكان الوقت غير قابل لذلك فعملوا شنكا ومدافع بالقلعة. عزل عبد الله باشا وتولية عثمان باشا الحلبي. وعزل عبد الله باشا المذكور أواخر سنة أربع وأربعين ومائة وألف وأمراء مصر في هذا التاريخ محمد بك قطامش وتابعه علي بك قطامش وعثمان جاويش القازدغلي ويوسف كتخدا البركاوي وعبدالله كتخدا القازدغلي وسليمان كتخدا القازدغلي وحسن كتخدا القازدغلي ومحمد كتخدا ج / 1 ص -218- الداودية وعلي بك ذو الفقار وعثمان بك ذو الفقار خشداشة. ووصل مسلم محمد باشا السلحدار فأخبر بولاية محمد باشا السلحدار وقدم من البصرة سنة 1145 ونزل عبدالله باشا إلى بيت شكريره واستمر محمد باشا واليا على مصر إلى سنة ست وأربعين ثم عزل وتولى عثمان باشا الحلبي ووصل المسلم بقائمقامية إلى علي بك ذي الفقار فطلع إلى الديوان ولبس القفطان من عثمان باشا ونزل إلى بيته وحضر إليه الأمراء وهنوه وخلع علي إسمعيل بك أبي قلتج امين السماط ووصل عثمان باشا إلى العريش وتوجهت إليه الملاقاة وأرباب الخدم وحضر إلى العادلية وعملوا له شنكا وطلع إلى القلعة وخلع الخلع وورد قابجي باشا بالسكة وابطال سكة الذهب الفندقلي وضرب الزر محبوب كامل وصرفه مائة نصف فضة وعشرة انصاف وكذلك سكة النصف محبوب وصرفه خمسة وخمسون وزاد في الفندقلي الموجود بايدي الناس اثني عشر نصف فضة فصار يصرف بمائة نصف وستة وأربعين نصفا. وحضر مرسوم أيضا بتعيين صنجق للوجه القبلي بتحرير النصارى واليهود وما عليهم من الجزية في كل بلد العال أربعمائة نصف وعشرون نصفا والوسط مائتان وسبعون والدون مائة. فتشاوروا فيمن ينزل بصحبته الأغا والكاتب من الأمراء الصناجق لتحرير بلاد قبلي فقال حسين بك الخشاب أنا مسافر بمنصب جرجا وينزل بصحبتي الأغا المعين وانظروا من يذهب إلى بحري. فقال محمد بك قطامش كل اقليم يتقيد بتحريره الكاشف المتولى عليه ومعه الأغا والكاتب فاتفق الرأي على ذلك. وفي أيامه عمل إسمعيل بن محمد بك الدالي مهما لزواج ولده ودعا عثمان باشا إلى منزله الذي ببركة الفيل وعندما حضر الباشا واستقر به الجلوس وضع بين يديه منديلا فيه ألف دينار برسم تفرقة البقاشيش على الخدم وأرباب الملاعيب وقدم له تقادم خيول هدايا وجوادا مرختا وذلك في شعبان سنة 1147. ج / 1 ص -219- ومن الحوادث في أيامة أن في أوائل رمضان سنة تاريخه ظهر بالجامع الأزهر رجل تكروري وادعى النبوة فاحضروه بين يدي الشيخ أحمد العماوي فسأله عن حاله فاخبره أنه كان في شربين فنزل عليه جبريل وعرج به إلى السماء ليلة سبع وعشرين رجب وانه صلى بالملائكة ركعتين وأذن له جبريل ولما فرغ من الصلاة اعطاه جبريل ورقة وقال له: أنت نبي مرسل فأنزل وبلغ الرسالة واظهر المعجزات. فلما سمع الشيخ كلامه قال له: أنت مجنون فقال لست بمجنون وإنما أنا نبي مرسل فأمر بضربه فضربوه وأخرجوه من الجامع. ثم سمع به عثمان كتخدا فأحضره وسأله فقال مثل ما قاله للشيخ العماوي فأرسله إلى المارستان فاجتمع عليه الناس والعامة رجالا ونساء ثم إنهم أخفوه عن اعين الناس. ثم طلبه الباشا فسأله فأجابه بمثل كلامه الأول فأمر بحبسه في العرقانة ثلاثة أيام ثم أنه جمع العلماء في منتصف شهر رمضان وسألوه فلم يتحول عن كلامه فأمروه بالتوبة فامتنع واصر على ما هو عليه فامر الباشا بقتله فقتلوه بحوش الديوان وهو يقول فاصبر كما صبر أولو العزم من الرسل ثم أنزلوه وألقوه بالرميلة ثلاثة أيام. من الحوادث الغريبة. في أيامه أيضا في يوم الأربعاء رابع عشري الحجة آخر سنة 1147 اشيع في الناس بمصر بان القيامة قائمة يوم الجمعة سادس عشري الحجة وفشا هذا الكلام في الناس قاطبة حتى في القرى والأرياف وودع الناس بعضهم بعضا ويقول الإنسان لرفيقه بقي من عمرنا يومان وخرج الكثير من الناس والمخاليع الغيطان والمنتزهات ويقول بعضهم لبعض دعونا نعمل حظا ونودع الدنيا قبل أن تقوم القيامة. وطلع أهل الجيزة نساء ورجالا وصاروا يغتسلون في البحر. ومن الناس من علاه الحزن وداخله الوهم ومنهم من صار يتوب من ذنوبه ويدعو ويبتهل ويصلي واعتقدوا ج / 1 ص -220- ذلك ووقع صدقه في نفوسهم. ومن قال لهم: خلاف ذلك أو قال: هذا كذب لا يلتفتون لقوله ويقولون هذا صحيح وقاله فلان اليهودي وفلان القبطي وهما يعرفان في الجفور والزايرجات ولا يكذبان في شيء يقولانه. وقد أخبر فلان منهم على خروج الريح الذي خرج في يوم كذا وفلان ذهب إلى الأمير الفلاني وأخبره بذلك وقال له: احبسني إلى يوم الجمعة وإن لم تقم القيامة فأقتلني ونحو ذلك من وساوسهم وكثر فيهم الهرج والمرج إلى يوم الجمعة المعين المذكور. فلم يقع شيء. ومضى يوم الجمعة وأصبح يوم السبت فانتقلوا يقولون فلان العالم قال أن سيدي أحمد البدوي والدسوقي والشافعي تشفعوا في ذلك وقبل الله شفاعتهم. فيقول الآخر اللهم انفعنا بهم فاننا يا أخي لم نشبع من الدنيا وشارعون نعمل حظا ونحو ذلك من الهديانات. واقدم عثمان باشا في ولاية مصر إلى سنة 1148 فكانت مدة ولايته بمصر سنة واحدة وخمسة أشهر. ولاية باكير باشا. وتولى بعده باكير باشا وهي ولايته الثانية فقدم من جدة إلى السويس من القلزم لأنه كان واليا بعد انفصاله من مصر فقدم يوم السبت رابع عشرى شوال سنة 1147 ولما ركب بالموكب كان خلفه من اتباعه نحو الثلاثين خيالا ملبسه بالزروخ المذهبة وله من الأولاد خمسة ركبوا إمامه في الموكب وصرخت العامة في وجهه من جهة فساد المعاملة وهي الاخشا والمرادي والمقصوص والفندقلي فإن الاخشا صار بستة عشر جديد والمرادي باثنى عشر والمقصوص بثمانية جدد وصار صرف الفندقلي بثلثمائة نصف والجنزرلي بمائتين وغلت بسبب ذلك الأسعار وصار الذي كان بالمقصوص بالديواني فلم يلتفت الباشا لذلك. وفي شهر القعدة ورد اغا وعلى يده مرسوم بطلب سفر ثلاثة آلاف عسكري لمحافظة بغداد وإن يكون العسكر من أصحاب العتامنة ولا ج / 1 ص -221- يرسلوا عسكرا من فلاحي القليوبية والجيزة والبحيرة وشرق اطفيح والمنصورة فقلدوا أمير السفر مصطفى بك اباظة حاكم جرجا سابقا وسافر حسن بك الدالي بالخزينة وارتحل من العادلية في منتصف شهر الحجة وكان خروجه بالموكب في أوائل رجب. فاقام خارج القاهرة نحو خمسة أشهر وثمانية عشر يوما وأوكب مصطفى بك بموكب السفر يوم الخميس خامس الحجة وسافر في المحرم سنة ثمان وأربعين. وفي عاشر الحجة يوم الاضحية قبل إذان العصر خرجت ريح سوداء غريبة اظلمت منها الدنيا وحجبت نور الشمس فغرق منها مراكب وسقطت اشجار ومن جملتها شجرة جميز عظيمة بناحية الشيخ فمر وهدمت دورا قديمة وشجرة اللبخة بديوان مصر القديمة ثم اعقبها بعد العشاء مطرة عظيمة ووصل أيوب بك أمير سفر العجم وطلع إلى الديوان والبسه الباشا قفطان القدوم والسدادة وأصحاب الدركات وكانت مدة غيابه سنتين وثلاثة أشهر. وفي أيامه ورد أغا وعلى يده مراسيم وأوامر منها ابطال مرتبات الأولاد والعيال ومنها ابطال التوجيهات وإن المال يقبض إلى الديوان ويصرف من الديوان وإن الدفاتر تبقى بالديوان ولا تنزل بها الافندية إلى بيوتهم. فلما قرىء ذلك قال القاضي: أمر السلطان لا يخالف ويجب اطاعته. فقال الشيخ سليمان المنصوري يا قاضي الإسلام هذه المرتبات فعل نائب السلطان وفعل النائب كفعل السلطان وهذا شيء جرت به العادة في مدة الملوك المتقدمين وتداولته الناس وصار يباع ويشرى ورتبوه على خيرات ومساجد وأسبلة ولا يجوز ابطال ذلك وإذا بطل بطلت الخيرات وتعطلت الشعائر المرصد لها ذلك فلا يجوز لاحد يؤمن بالله ورسوله ابن يبطل ذلك وإن أمر ولي الأمر بابطاله لا يسلم له ويخالف أمره لأن ذلك مخالف للشرع ولا يسلم للإمام في فعل ما يخالف الشرع ولا لنائبه ج / 1 ص -222- أيضا. فسكت القاضي فقال الباشا هذا يحتاج إلى المراجعة ثم قال الشيخ سليمان: وأما التوجيهات ففيها تنظيم وصلاح وأمر في محله وانفض الديوان على ذلك وكتب الشيخ عبد الله الشبراوي عرضا في شأن المرتبات من انشائه ولولا خوف الاطالة اسطرته في هذا المجموع ثم إنهم عملوا مصالحة على تنفيذ ذلك فجعلوا على كل عثماني نصف جنزرلي وحضروا المرتبات في قائمقامية إبراهيم بك أبي شنب وابن درويش بك وقطامش وعلي بك الصغير تابع ذي الفقار بك من سنة ثلاثين فبلغت ثمانية وأربعين ألف عثماني فكانت أربعة وعشرين ألف جنزرلي فقسموها بينهم وأرسلوا إلى عثمان بك ورضوان بك ألف جنزرلي فأبيا من قبولها وقالا هذه دموع الفقراء والمساكين فلا نأخذ منها شيئا فإن رجع رد الجواب بالقبول كانت مظلمة وإن جاء بعدم القبول كانت مظلمتين. الطاعون. ووقع الطاعون المسمى بطاعون كو ويسمى أيضا الفصل العائق يأخذ على الرائق ومات به كثير من الأعيان وغيرهم بحيث مات من بيت عثمان كتخدا القازدغلي فقط مائة وعشرون نفسا وصارت الناس تدفن الموتى بالليل في المشاعل. ووقع في أيامه الفتنة التي قتل فيها عدة من الأمراء وسببها أن صالح كاشف زوج هانم بنت ايواظ بك كان ملتجئا إلى عثمان بك ذي الفقار وتزوج ببنت ايواظ بك بعد يوسف بك الخائن وكان من القاسمية فحرضته على طلب الإمارة والصنجقية وتأخذ له فائظ عشرين كيسا وكلم عثمان بك في شأن ذلك فوعده ببلوغ مراده وخاطب محمد بك قيطاس المعروف بقطامش وهو إذ ذاك كبير القوم في ذلك فلم يجبه وقال له: تريد أن تفتح بيتا للقاسمية فيقتلونا على غفلة هذا لا يكون أبدا ما دمت حيا. وكان عثمان بك المذكور أخذ كشوفية ج / 1 ص -223- المنصورة فأنزل فيها صالح كاشف قائمقام فلما كمل السنة ورجع تحركت الهمة إلى طلب الصنجقية وعاود عثمان بك في الخطاب وهو كذلك تكلم مع محمد بك فصمم على الامتناع فوقع على الأغوات والاختيارية فلم يجب ولم يرض ووافقه على الامتناع علي بك تابع المذكور وخليل افندي فذهب صالح كاشف إلى عثمان كتخدا القازدغلي واتفق معه على قتل الثلاثة وقال له: اعمل تدبيرا في قتلهم فذهب إلى رضوان بك أمير الحاج سابقا وسليمان بك الفراش فاتفق معهما على قتل الثلاثة في بيت محمد بك الدفتردار باطلاع باكير باشا. وعرفوا محمد بك بذلك فرضي وكتب فرمانا بالجمعية في بيت الدفتردار بسبب الحلوان والخزينة. فركبوا بعد العصر إلى بيت محمد بك قطامش وركبوا معه إلى بيت الدفتردار وصحبتهم علي بك وصالح بك وخليل افندي وأغات الجملية وعلي صالح جربجي واختيار من الأسباهية ويوسف كتخدا البركاوي وحضر عثمان بك ذو الفقار وعثمان كتخدا القازدغلي وأحمد كتخدا الخربطلي وكتخدا الجاويشية وأغات المتفرقة وعلي جلبي الترجمان. فلما تكاملت الجمعية أمر محمد بك قطامش بكتابة عرضحال وقال للكاتب أكتب كذا وكذا فطلع إلى خارج وصحبته كتخدا الجاويشية ومتفرقة باشا وجلس يكتب في العرض وقد قرب الغروب فارادوا الانصراف فوقف الدفتردار وقال هاتوا شربات. وكان ذلك القول هو الأشارة مع صالح كاشف وعثمان كاشف ومملوك سليمان بك. ففتحوا باب الخزانة وخرج منها جماعة بطرابيش وهم شاهرون السلاح. فوقف محمد بك قطامش على أقدامه وقال هي خونة فضربه الضارب بالقرابينة في صدره ووقع الضرب وهاج المجلس في دخنة البارودة وظلام الوقت فلم يعلم القاتل من المقتول وعندما سمع كتخدا الجاويشية أول ضربة وهو جالس مع الافندي الكاتب نزل مسرعا وركب وعلي الترجمان القى بنفسه ج / 1 ص -224- من شباك الجنينة وعثمان بك ذو الفقار أصابه فقطع شاشه وقاووقه ودفعه صالح كاشف فنجا بنفسه إلى اسفل وركب حصان بعض الطوائف وخرج من باب البركة وأصيب باش اختيار مستحفظان البرلي بجراحة قوية فأرسلوه إلى منزله ومات بعد ثلاثة أيام. ثم اوقدوا الشموع وتفقدوا المقتولين وإذا هم محمد بك قطامش وعلي بك تابعه وصالح بك وعثمان بك كتخدا القازدغلي وأحمد كتخدا الخربطلي ويوسف كتخدا البركاوي وخليل افندي وأغات الجملية وعلي صالح جربجي والاسباهي تتمة عشرة وباش اختيار الذي مات بعد ذلك في بيته. فعروا المقتولين ثيابهم وقطعوا رؤوسهم واتوا بهم جامع السلطان حسن فوجدوه مغلوقا فاحرقوا ضرفة الباب الذي جهة سوق السلاح ووضعوا الرؤوس العشرة على البسطة ووضعوا عند كل رأس شيئا من التبن وظنوا أنهم غالبون. وطلع صالح كاشف إلى الباشا من باب الميدان فخلع عليه الصنجقية فطلب منه دراهم يفرقها في العسكر المجتمعين إليه فقال له: انزل لاشغالك وأنا أرسل إليك ما تطلب. فنزل إلى السلطان حسن فوجد محمد كتخدا الداودية حضر باتباعه وجماعته هناك بظن أنهم غالبون وعندما بلغ الخبر سليمان كتخدا الجلفي ركب في جماعة بعد المغرب وطلع إلى باب العزب وكان كتخدا الوقت إذ ذاك أحمد كتخدا اشراق يوسف كتخدا البركاوي فطرق الباب فقال التفكجية من هذا فعرفهم عن نفسه فقال الكتخدا قولوا له أنت توليت الكتخدائية وتعرف القانون وأن الباب لا يفتح بعد الغروب فإن كان له حاجة يأتي في الصباح. وأما عثمان بك فإنه لما خرج من باب البركة وشاشه مقطوع لم يزل سائر إلى باب الينكجرية فوجده ملآن جاويشية وواجب رعايا ونفر وطلع عندهم عمر جلبي بن علي بك قطامش فأخذه حسن جاويش النجدلي ومعه طائفة وطلع به إلى الباشا بعد نزول صالح كاشف فخلع عليه صنجقية أبيه. ج / 1 ص -225- وأعطاه فرمانا بالخروج من حق الذين قتلوا الأمراء وحرقوا باب المسجد. ونزل فرد على كتخدا الوقت وصحبته حسن جاويش النجدلي ومعهم بيرق وأنفار وواجب رعايا من المحجر خلف جامع المحمودية وبيت الحصري وزاوية الرفاعي. وكانت ليلة مولده وهي أول جمعة في شهر رجب سنة 1149 فعلموا متريز على باب الدرب قبالة باب السلطان حسن وضربوا عليها بالرصاص وكذلك من باب العزب وبيت الأغا وكان اغات العزب عبد اللطيف افندي روزنامجي مصر سابقا. وأما صالح بك فإنه انتظر وعد الباشا فلم يرسل له شيئا فأخذ رضوان بك وعثمان كاشف ومملوك سليمان بك واختفوا في خان الخليلي واختفى أيضا محمد بك إسمعيل ومحمد كتخدا الداودية ندم على ما فعل فركب بجماعته وذهب إلى بيت مصطفى بك الدمياطي فوجده مقفولا. فطرق الباب فلم يجبه أحد فذهب إلى بيت إبراهيم بك بلغيه ودخل هناك ولما بطل الرمي من السلطان حسن هجم حسن جاويش فلم يجد به أحدا ولما طلع النهار ذهبوا إلى بيت الدفتردار فنهبوه ونهبوا أيضا بيت رضوان بك وذهبوا إلى سليمان بك قتلوه وقطعوا رأسه ونهبوا البيت وأتوا إلى الباب. ثم أن السبع وجاقات اجتمعوا في بيت علي كتخدا الجلفي وقالوا له: أنت بيت سر يوسف كتخدا البركاوي ولا يفعل شيئا إلا باطلاعك وعندك خبر بقتل أمرائنا واعياننا والشاهد على ذلك مجيء خشداشك سليمان كتخدا بعد المغرب بطائفته يملك باب العزب فحلف بالله العظيم لم يكن عنده خبر بشيء من ذلك ولا بمجيء سليمان كتخدا إلى الباب ولكن أي شيء جاء بمحمد كتخدا الداودية إلى السلطان حسن. ثم إنهم أنزلوا باكير باشا وعزلوه وطيبوا عليه حلوان بلاد المقتولين وكتبوا عرض محضر وسفروه صحبة سبعة أنفار. فحضر مصطفى اغا أمير اخور كبير ومعه مرسوم من الدولة بضبط متروكات المقتولين فمكث بمصر شهرين ثم ورد أمر بولايته على مصر وتوجيه باكير باشا إلى جده. ج / 1 ص -226- تولية مصطفى باشا وسليمان باشا الشامي. فتولى مصطفى باشا فأقام واليا بمصر إلى سنة 1152. وتولى بعده سليمان باشا الشامي الشهير بابن العظم ولما استقر في ولاية مصر أراد ايقاع فتنة بين الأمراء فضم إليه عمر بك ابن علي بك قطامش فأرسل إليه من يأمنه على سره واتفق معه على قتل عثمان بك ذي الفقار وإبراهيم بك قطامش وعبد الله كتخدا القازدغلي وعلي كتخدا الجلفي وهم إذ ذاك أصحاب الرياسة بمصر. ووعده نظير ذلك إمارة مصر والحاج وإن يعطيه من بلادهم فائظ عشرين كيسا فجمع عمر بك خليل أغا وأحمد كتخدا عزبان وإبراهيم جاويش قازذغلي واختلى بهم وعرفهم بالمقصود وتكفل أحمد كتخدا بقتل علي جاويش بعبد الله كتخدا. وإذا انفرد إبراهيم بك أخذوه بعد ذلك بحيلة وقتلوه في الديوان. ثم أن أحمد كتخدا اغرى بعلي كتخدا الاظ إبراهيم فقتل علي كتخدا عند بيت أقبري وهو طالع إلى الديوان وبلغ الخبر عثمان بك فتدارك الأمر وفحص عن القضية حتى انكشف له سرها وعمل شغله وقتل أحمد كتخدا. وعندما قتل علي كتخدا ظن الباشا تمام المقصد فاراد أن يملك باب الينكجرية بحيلة وأرسل مائتي تفكجي ومعهم مطرجي وجوخدار وهم مستعدون بالاسلحة فمنعهم التفكجية من العبور وطلب الكتخدا شخصين من أعيانهم يسألهما عن مرادهم. فقالا أن الباشا مقصر في حقنا ولم يعطنا علائقنا. فأرسل معهم باش جاويش بالسلام على الباشا من الاختيارية والوصية بهم فقبل ذلك ولم يتمكن من مراده. ثم أن حسين بك الخشاب طلع إلى باب العزب وتحيل في نزول أحمد كتخدا من الباب وملك هو الباب. واجتمعوا بعد ذلك وأمروا الباشا بالنزول إلى قصر يوسف. فركب وأراد ج / 1 ص -227- أن يدخل إلى باب الينكجرية فرفعوا عليه البنادق فدخل إلى قصر يوسف فوجده خرابا فأخذ حسن جاويش النجدلي خاطر الينكجرية على نزوله ببيت الأغا وانتقل الأغا إلى السرجي فأقام الباشا إلى أن نزل ببيت البيرقدار وسافر بعد ذلك فكانت ولايته على مصر إلى شهر جمادى الأولى سنة 1153. تولية الوزير علي باشا. ثم تولى بعده الوزير علي باشا حكيم أوغلي وهي توليته الأولى بمصر فدخل مصر في شهر جمادى الأولى سنة ثلاث وخمسين ومكث إلى عاشر جمادى الأولى سنة 1154 ونزل سليمان باشا إلى بيت البيرقدار وعمل علي باشا أول ديوان بقراميدان بحضرة الجم الغفير وقرىء مرسوم الولاية بحضرة الجميع. ثم قال الباشا: أنا لم آت إلى مصر لاجل اثارة فتن بين الأمراء واغراء ناس على ناس وإنما أتيت لاعطي كل ذي حق حقه وحضرة السلطان اعطاني المقاطعات وأنا أنعمت بها عليكم فلا تتعبوني في خلاص المال والغلال وأخذ عليهم حجة بذلك. وانفض المجلس. ثم أنه سلم على الشيخ البكري وقال له: أنا بعد غد ضيفك ثم ركب وطلع إلى السراية وأرسل إلى الشيخ البكري هدية وأغناما وسكرا وعسلا ومربات ونزل إليه في الميعاد وأمر ببناء رصيف الجنينة التي في بيته وكان له فيه اعتقاد عظيم لؤيا منامية رآها في بعض سفراته منقولة عنه مشهورة. وكانت أيامه امنا وأمانا والفتن ساكنة والأحوال مطمئنة. ثم عزل ونزل إلى قصر عثمان كتخدا القازدغلي بين بولاق وقصر العيني. تولية يحيى باشا. ثم تولى يحيى باشا ودخل إلى مصر وطلع إلى القلعة في موكبه على العادة وطلع إليه علي باشا وسلم عليه ونزل هو الآخر وسلم على علي ج / 1 ص -228- باشا بالقصر ودعاه عثمان بك ذو الفقار وعمل له وليمة في بيته وقدم له تقادم كثيرة وهدايا ولم يتفق نظير ذلك فيما تقدم أن الباشا نزل إلى بيت أحد من الأمراء في دعوة وإنما الأمراء يعملون لهم الولائم بالقصور في الخلاء مثل قصر العينى أو المقياس. واقام يحيى باشا في ولاية مصر إلى أن عزل في عشرين شهر رجب سنة 1156. توليةمحمد باشا اليدكشى. وتولى بعده محمد باشا اليدكشى وحضر إلى مصر وطلع إلى القلعه وفي أيامة كتب فرمان بابطال شرب الدخان في الشوارع وعلى الدكاكين وابواب البيوت. ونزل الأغا والو إلى فنادوا بذلك وشددوا في الانكار والنكال بمن يفعل ذلك من عال أو دون وصار الأغا يشق البلد في التبديل كل يوم ثلاث مرات. وكل من راى في يده الة الدخان عاقبه وربما اطعمه الحجر الذى يوضع فيه الدخان بالنار وكذلك الوالي. وفى أيامه أيضا قامت العسكر بطلب جراياتهم وعلائفهم من الشون ولم يكن بالشون أردب واحد فكتب الباشا فرمانا بعمل جمعية في بيت علي بك الدمياطى الدفتردار وينظروا الغلال في ذمة أي من كان يخلصونها منه. فلما كان في ثانى يوم اجتمعوا وحضر الروزنامجى وكاتب الغلال والقلقات واخبروة أن بذمة إبراهيم بك قطامش أربعين ألف اردب والمذكور لم يكن في الجمعيه وانتظروه فلم يات. فأرسلوا له كتخدا الجاويشيه واغات المتفرقة فامتنع من الحضور في الجمهور وقال الذي له عندي حاجة يأتي عندي قرجعوا واخبروهم بما قال. فقال العسكر نذهب إليه ونهدم بيته على دماغه فقام وكيل دار السعادة وأخذ معه من كل بلك اثنين اختيارية وذهبوا إلى إبراهيم بك قطامش. فقال له: الوكيل أي شيء هذا الكلام والعسكر قائمة علىاختيارتها قال: والمراد أى شيء وليس عندى غلال. قال له: الوكيل نجعلها مثمنة ج / 1 ص -229- بقدر معلوم. فثمنوا القمح بستين نصف فضة الأردب والشعير باربعين. فقال إبراهيم بك يصبروا حتى يأتينى شيء من البلاد. قال الوكيل العسكر: لا يصبروا ويحضل من ذلك أمر كبير. فجمعوا ميلغ اليكون فبلغ ثمانين كيسا فرهن عند الوكيل بلدين لاجل معلوم. وكتب بذلك تمسك وأخذ التقاسيط ورجع الوكيل إلى محل الجمعية واحضر مبلغ الدارهم وكل من كان عليه غلال اورد بذلك السعر وهده كانت أول بدعة ظهرت في تثمين غلال الأنبار للمستحقين. واستمر محمد باشا في ولاية مصر حتى عزل سنة 1158. تولية محمد باشا راغب. ووصل مسلم محمد باشا راغب وتقلد إبراهيم بك بلغيه قائمقام وخلع عليه محمد باشا القفطان وعلى محمد بك امين السماط. ثم وردالساعى من الأسكندري فأخبر بورود حضرة محمد باشا راغب إلى ثغر الأسكندرية فنزل أرباب العكاكيز لملاقاته وحضروا صحبته إلى مصر وطلع إلى القلعة وحصل بينه وبين حسين بك الخشاب محبة ومودة وحلف له أنه لا يخونه ثم أسر إليه أن حضرة السلطان يريد قطع بيت القطاشة والدمايطة فأجاب إلى ذلك. واختلى بإبراهيم جاويش وعرفه بذلك فقال له: الجاويش عندك توابع عثمان بك قرقاش وذو الفقار كاشف وهم يقتلون خليل بك وعلي بك الدمياطي في الديوان. فقال له: يحتاج أن يكون صحبتهم أناس من طرفك وإلا فليس لهم جسارة على ذلك. فقال له: أنا اتكلم مع عثمان أغا أبي يوسف بطلب شرهم لأنه من طرفي. فلما كان يوم الديوان وطلع حسين بك الخشاب وقرقاش وذو الفقار وجماعته وطلع علي بك الدمياطي وصحبته محمد بك وطلع في اثرهم خليل بك أمير الحاج وعمر بك بلاط جلسوا بجانب المحاسبة فحضر عثمان أغا أغات المتفرقة عند خليل بك فقال له: لم إذا لم تدخل عند ج / 1 ص -230- الباشا. فقال له: قد تركناه لك. فقال كأني لم اعجبك. واتسع بينهما الكلام فسحب أبو يوسف النمشة وضرب خليل بك وإذا بالجماعة كذلك أسرعوا وضربوا عمر بك بلاط. قتلوه ودخلوا برأسيهما إلى الباشا فقام علي بك الدمياطي ومحمد بك ونزلا ماشيين ودخلا إلى نوبة الجاويشية فأرسل الباشا للاختيارية يقول لهم: إنهما مطلوبان للدولة. وأخذهما وقطع رأسيهما أيضا. وكتبوا فرمانا إلى الصناجق والاغوات واختيارية السبع وجاقات بأن ينزلوا بالبيارق والمدافع إلى إبراهيم بك وعمر بك وسليمان بك الالفي وكان سليمان بك دهشور مسافرا بالخزينة. فنزلت البيارق والمدافع فضربوا أول مدفع من عند قنطرة سنقر فحمل الثلاثة احمالهم وخرجوا بهجنهم وعازقهم إلى جهة قبلي ودخل العساكر إلى بيت إبراهيم بك فنهبوه وكذلك بيت خليل بك وذهبوا إلى بيت علي بك فوجدوا فيه صنجقيا من الصناجق ملكة بما فيه ولم يتعرضوا ليوسف بك ناظر الجامع الأزهر ورفعوا صنجقية محمد بك صنجق ستة وماتت سته أيضا وذهب إلى طندتا وعمل فقيرا بضريح سيدي أحمد البدوي. ولما رجع سليمان بك دهشور من الروم رفعوا صنجقيته وأمروه بالاقامة برشيد وقلدوا عثمان كاشف صنجقية وكذلك كجك أحمد كاشف وقلدوا محمد بك اباظة اشراق حسين بك الخشاب دفتردارية مصر. وانقضت تلك الفتنة. ثم أن الباشا قال لحسين بك الخشاب مرادي: أن نعمل تدبيرا في قتل إبراهيم جاويش قازدغلي ورضوان كتخدا الجلفي وتصير أنت مقدام مصر وعظيمها. فاتفق معه على ذلك وجمع عنده علي بك جرجا وسليمان بك مملوك عثمان بك ذي الفقار وقرقاش وذي الفقار كاشف ودار القال والقيل وسعت المنافقون وعلم إبراهيم جاويش ورضوان كتخدا ما يراد بهما. فحضر إبراهيم جاويش عند رضوان كتخدا وامتلأ باب الينكجرية وباب العزب بالعسكر والأودة باشية. ج / 1 ص -231- واجتمعت الصناجق والاغوات االسبعة في سبيل المؤمن والاسباهية بالرميلة وأرسلوا يطلبون فرمانا من الباشا بالركوب على بيت حسين بك الخشاب الذي جمع عنده المفاسيد أعدائنا وقصده قطعنا. فلما طلع كتخدا الجاويشية ومتفرقة باشا إلى راغب باشا وطلبوا منه فرمانا بذلك فقال الباشا رجل نفذ أمر مولانا السلطان وخاطر بنفسه ولم ينكسر عليه مال ولا غلال كيف أعطيكم فرمانا بقتله الصلح أحسن ما يكون. فرجعوا وردوا عليهم بجواب الباشا فأرسلوا له من كل بلك اثنين اختيارية بالعرضحال وقالوا لهم أن أبي قولوا له ينزل ويولى قائمقام ونحن نعرف خلاصنا مع بعضنا. فنزل بكامل اتباعه من قراميدان ولما صار في الرميلة أراد أن ينزل علي شيخون إلى بيت حسين بك الخشاب يكرنك معه فيه وإذا بعزب المرابطين في السلطان حسن ردوه بالنار فقتل اغا من اغواته فنزل إلى بيت آقبردي إلى بيت ذي عرجان تجاه المظفر فأرسلوا له إبراهيم بك بلغيه صحبة كتخدا الجاويشية خلع عليه قفطان القائمقامية ورجع إلى بيته وأخذوا منه فرمانا بجر المدافع والبيارق من ناحية الصليبية. وسارت الصناجق يقدمهم عمر بك أمير الحاج ومحمد بك الدالي وإبراهيم بك بلغيه ويوسف بك قطامش وحمزة بك وعثمان بك أبو سيف وأحمد بك ابن كجك محمد وإسمعيل بك جلفي وعثمان بك وأحمد بك قازدغلية ورضوان بك خازندار عثمان كتخدا قازدغلي واحتاطوا ببيت حسين بك الخشاب ومحمد بك أباظة من الأربع جهات. فحارب بالبندق من الصبح إلى الظهر حتى وزع ما يعز عليه وحمل أثقاله وطلع من باب السر على زين العابدين وذهب إلى جهة الصعيد فدخل العسكر إلى بيته. فلم يجدوا فيه شيء ولا الحريم. وهرب أيضا إبراهيم بك قيطاس إلى الصعيد وعمر بك ابن علي بك وصحبته طائفة من الصناجق وهربوا إلى أرض الحجاز وكان ذلك أواخر سنة ج / 1 ص -232- 1161 فكانت مدة محمد باشا راغب في ولاية مصر سنتين ونصفا ثم سار إلى الديار الرومية وتولى الصدارة. وكان إنسانا عظيما عالما محققا وكان أصله رئيس الكتاب وسيأتي تتمة ترجمته في سنة وفاته والله اعلم. ذكر من مات في هذه السنين من اعيان العلماء والاكابر والعظماء. مات الإمام الكبير والاستاذ الشهير صاحب الأسرار والانوار الشيخ عبد الغنى بن إسمعيل النابلسى الحنفى الصالحى. ولد سنة 1050 واحواله شهيرة وأوصافه ومناقبة مفردة بالتأليف. ومن مؤلفاتة المقصود في وحدة الوجود وتحفة المسألة بشرح التحفه المرسلة والأصل للشيخ محمد فضل الله الهندى والفتح الربانى والفيض الرحمانى وربع الافادات فىربع العيادات وهو مؤلف جليل في مجلد ضخم في فقه الحنيفة نادر الوجود والرحلة القدسية وكوكب الصبح في ازالة القبح والحديقة الندية في شرح الطريقة المحمدية واالفتح الملكى واللمح الملكى وقطرالسماء ونظرة العلماء والفتح المدنى في النفس اليمنى وبدبعيتان أحداهما لم يلتزم فيها اسم النوع وشرحها والثانية التزمه فيها شرحها القلعى مع البديعيات العشر. توفي رضي الله عنه سنة 1143 عن ثلاث وتسعين سنة. ومات إمام الأئمة شيخ الشيوخ وأستاذ الأساتذة عمدة المحققين والمدققين الحسيب النسيب السيد علي بن علي اسكندر الحنفى السيواسى الضرير أخذ عن الشيخ أحمد الشوبرى والشرنبلالي والشيخ عثمان ابن عبدالله التحريري الحنفين وأخذ الحديث عن الشيخ البابلي والشبراملسي وغيرهم. وسبب تلقيبه باسكندرانه كان يقرأ دروسا بجامع اسكندر باشا بباب الخرق وكان عجيبا في الحفظ والذكاء وحدة الفهم وحسن الالقاء وكان الشيخ العلامة محمد السجيني إذا مر بحلقة ج / 1 ص -233- درسه خفض من مشيته ووقف قليلا وأنصت لحسن تقريره وكان كثير الأكل ضخم البدن طويل القامة لايلبس زي الفقهاء بل يعتم عمامه لطيفة بعذبة مرخية وكان يقول عن نفسه أنا أكل كثيرا واحفظ كثيرا. وسافر مرة إلى دار السلطنة وقرأ هناك دروسا واجتمع عليه المحققون حين ذاك وباحثوه وناقشوه واعترفوا بعمله وفضله وقوبل بالاجلال والتكريم وعاد إلى مصر ولم يزل يملي ويفيد ويدرس ويعيد حتى توفي في ذي القعدة سنة 1148 عن ثلاث وسبعين سنة وكسور أخذ عنه كثير من الأشياخ كالشيخ الحفني واخيه الشيخ يوسف والسيد البليدي والشيخ الدمياطي والشيخ الوالد والشيخ عمر الطحلاوي وغيرهم. وكان يقول بحرمة القهوة واتفق أنه عمل مهما لزواج ابنه فهاداه الناس وبعث إليه عثمان كتخدا القازدغلي فردين فامر بطرحه في الكنيف لأنه يرى حرمة الانتفاع بثمنه أيضا مثل الخمر ودليله في ذلك ما ذكر في وصف خمرة الجنة في قوله تعالى: {لا فِيهَا غَوْلٌ وَلا هُمْ عَنْهَا يُنْزَفُونَ} بأن الغول ما يعتري شارب الخمر بتركها وهذه العلة موجودة في القهوة بتركها بلا شك. توفي إلى رحمة الله تعالى سنة 1146. ومات الإمام العلامة والمحقق الفهامة شيخ مشايخ العلم الشيخ محمد عبد العزيز الزيادي الحنفي البصير أخذ عن الشيخ شاهين الارمناوي الحنفي عن العلامة البابلي وأخذ عنه الشمس الحفني والدمنهوري والشيخ الوالد والدمياطي وغيرهم توفي في أواخر ربيع الأول سنة 1148. ومات الشيخ الفقيه العلامة المتقن المتفنن الشيخ عيسى بن عيسى السقطي الحنفي أخذ عن الشيخ إبراهيم بن عبد الفتاح بن أبي الفتح الدلجي الفرضي الشافعي وعن الشيخ أحمد الاهناسي وعن الشيخ أحمد ابن إبراهيم التونسي الحنفي الشهير بالدوقدوسي وعن السيد علي ابن السيد علي الحسيني الشهير باسكندر والشيخ محمد بن عبد العزيز بن ج / 1 ص -234- إبراهيم الزيادي ثلاثتهم عن الشيخ شاهين الارمناوي وأخذ أيضا عن الشيخ العقدي والشيخ إبراهيم الشرنبلالي والشيخ حسن بن الشيخ حسن الشرنبلالي والشيخ عبد الحي الشرنبلالي ثلاثتهم عن الشيخ حسن الشرنبلالي الكبير. توفي المترجم في سنة 1143. ومات الأستاذ العلامة شيخ المشايخ محمد السجيني الشافعي الضرير أخذ عن الشيخ الشرنبالي ولازمه ملازمة كلية وأخذ أيضا عن الشيخ عبد ربه الديوي وأهل طبقته مثل الشيخ مطاوع السجيني وغيره وكان إماما عظيما فقيها نحويا أصوليا منطقيا أخذ عنه كثير من فضلاء الوقت وعلمائهم. توفي سنة 1158. ومات الإمام العلامة والبحر الفهامة إمام المحققين شيخ الشيوخ عبد الرؤوف بن محمد بن عبد اللطيف بن أحمد بن علي البشبيشي الشافعي خاتمة محققي العلماء وواسطة عقد نظام الأولياء العظماء ولد ببشبيش من اعمال المحلة الكبرى واشتغل علي علمائها بعد أن حفظ القرآن ولازم ولي الله تعالى العارف بالله الشيخ علي المحلي الشهير بالاقرع في فنون من العلم واجتهد وحصل واتقن وتفنن وتفرد وتردد على الشيخ العارف حسن البدوي وغيره من صوفية عصره وتأدب بهم وأكتسى من أنوارهم ثم ارتحل إلى القاهرة سنة 1081 وأخذ عن الشيخ محمد ابن منصور الاطفيحي والشيخ خليل اللقاني والزرقاني وشمس الدين محمد بن قاسم البقري وغيرهم واشتهر علمه وفضله ودرس وأفاد وانتفع به أهل عصره من الطبقة الثانية وتلقوا عنه المعقول والمنقول ولازم عمه الشهاب في الكتب التي كان يقرأها مع كمال التوحش والعزلة والانقطاع إلى الله وعدم مسايرة أحد من طلبة عمه والتكلم معهم بل كان الغالب عليه الجلوس في حارة الحنابلة وفوق سطح الجامع حتى كان يظن من لا يعرف حاله أنه بليد لا يعرف شيئا إلى أن توجه عمه إلى ج / 1 ص -235- الديار الحجازية حاجا سنة 1094 وجاور هناك فأرسل له بان يقرأ موضعه. فتقدم وجلس وتصدر لتقرير العلوم الدقيقة والنحو والمعاني والفقه. ففتح الله له باب القبض فكان يأتي بالمعاني الغريبة في العبارات العجيبة وتقريره أشهى من الماء عند الظمآن وانتفع به غالب مدرسي الأزهر وغالب علماء القطر الشامي ولم يزل على قدم الافادة وملازمة الافتاء والتدريس والاملاء حتى توفي في منتصف رجب سنة 1143. ومات الأستاذ الإمام صاحب الأسرار وخاتمة سلسلة الفخار الشيخ أحمد بن عبد المنعم بن محمد أبو السرور البكري الصديقي شيخ سجادة السادة البكرية بمصر اجازه أبو الاحسان بن ناصر وغيره وكان للوزير علي باشا بن الحكيم فيه اعتقاد عظيم كما تقدمت الأشارة إلى ذلك وعندما ذهب الأستاذ للسلام عليه تلقاه وقبل يديه وأقدامه وقال هذا الذي كنت رأيته في عالم الرؤيا وقت كربنا في السفرة الفلانية ولعله الشيخ البكري كما أخبرني عن نفسه. فقيل له: هو المشار إليه فاقبل بكليته عليه واستجازه في الزيارة بعد الغد وأرسل إليه هدية سنية ونزل لزيارته مرارا. توفي سنة 1153 ودفن بمشهد اسلافه عند ضريح الإمام الشافعي. ومات الإمام العلامة والعمدة الفهامة المتقنن المتفن المتبحر الشيخ محمد صلاح الدين البرلسي المالكي الشهير بشلبي أخذ عن الشيخ أحمد النفراوي والشيخ عبد الباقي القليني والشيخ منصور المنوفي وغيرهم وروى عن البصري والنخلي وعنه أخذ الأشياخ المعتبرون. توفي ليلة الخميس سابع عشر صفر سنة 1154. ومات الإمام العالم العلامة والعمدة الفهامة أستاذ المحققين وصدر المدرسين الشيخ أحمد بن أحمد بن عيسى العماوي المالكي أخذ عن الشيخ محمد الزرقاني والعلامة الشبراملسي والششخ محمد الاطفيحي ج / 1 ص -236- والشيخ عبد الرؤوف البشبيشي والشيخ منصور المنوفي والشيخ أحمد النفراوي كما نقلت ذلك من خطة واجازته للمغفور له عبد الله باشا كبورلي زاده وكان قد قرأ عليه صحيح البخاري ومسلم والموطأ وسنن أبي داود وابن ماجه والنسائي والترمذي والمواهب قراءة لبعضها دارية ولبعضها رواية ولباقيها اجازة وألفية المصطلح من أولها إلى آخرها دراية ولبعضها رواية ولباقيها اجازة وألفيه المصطلح من أولها إلى آخرها العلامة الشبراملسي تصدر للاقراء والإفادة في محله وانتفع به الطلبة وكان حلو التقرير فصيحا كثير الاطلاع مستحضرا للاصول والفروع والمناسبات والنوادر والمسائل والفوائد تلقى عنه غالب اشياخ العصر وحضروا دروسه الفقهية والمعقولية كما هو مذكور في تراجمهم. ولم يزل مواظبا وملازما على الأقراء والإفادة واملاء العلوم حتى وافاه الأجل المحتوم. وتوفي سابع جمادي الأولى من سنة 1155 وخلف بعده ابنه أستاذنا الإمام المحقق والتحرير المدقق بركة الوقت وبقية السلف الشيخ عبد المنعم ادام الله النفع بوجوده وأطال عمره مع الصحة والعافية آمين. ومات الإمام العلامة الوحيد والبحر الخضم الفريد روض العلوم والمعارف وكنز الأسرار واللطائف الشيخ محمد بن محمد الغلاني الكثناوي الدانرانكوي السوداني كان إماما دراكا متقنا متفننا وله يد طولى وباع واسع في جميع العلوم ومعرفة تامة بدقائق الأسرار والأنوار. تلقى العلوم والمعارف ببلاده عن الشيخ الإمام محمد ابن سليمان بن محمد النوالي البرناوي الباغرماوي والاستاذ الشيخ محمد بندو والشيخ الكامل الشيخ هاشم محمد فودو ومعناه الكبير. قال: وهو أول من حصل لي على يديه الفتح وعليه قرأت أكثر كتب الأدب ولازمته حضرا وسفرا نحو أربع سنوات فأخذ عنه الصرف والنحو حتى أتقن ذلك وصار شيخه المذكور يلقبه بسيبويه. وكان يلقبه قبل ج / 1 ص -237- ذلك بصاحب المقامات لحفظه لها واستحضاره لألفاظها استحضارا شديدا بحيث إذا ذكرت كلمة يأتي بما قبلها بالبديهة وعدم الكلفة. وتلقى عن الشيخ محمد بند وعلم الحرف والأوفاق وعلم الحساب والمواقيت على اسلوب طريقة المغاربة والعلوم السرية بانواعها الحرفية والوفقية وآلاتها الحسابية والميقاتية. وحصلت له منه المنفعة التامة قال: وقرأت عليه الأصول والمعاني والبيان والمنطق وألفية العراقي وجميع عقائد السنوسي الستة. وسمع عليه البخاري وثلاثة أرباع مختصر الشيخ خليل من أول البيوع إلى آخر باب السلم ومن أول الإجارة إلى آخر الكتاب ونحو الثلث من كتاب ملخص المقاصد وهو كتاب لابن زكري معاصر الشيخ السنوسي في ألف بيت وخمسمائة بيت في علم الكلام وأكثر تصانيفه إلى غير ذلك. قال: وسمعت منه كثيرا من الفوائد العجيبة والحكايات الغريبة والاخبار والنوادر ومعرفة الرجال ومراتبهم وطبقاتهم. ذكر ذلك في برنامج شيوخه المذكورين وكان للمترجم همة عالية ورغبة صادقة في تحصيل العلوم المتوقف عليه تحصيل الكتب وكان يقول عن نفسه أن مما من الله علي به إني لم أقرأ قط من كتاب مستعار وإنما ادنى مرتبتي إذا حاولت قراءة كتاب لم يكن موجودا عندي أن أكتب متنه موسع السطور لاقيد فيه ما أردته من شروحه أو ما سمعته من تقريرات الشيخ عند قراءته واعلاها أن أكتب شرحه وحاشيته بدليل أنه لولا علو همتي وصدق رغبتي في تحصيل العلوم لما فارقت أهلي وانسي وطلقت راحتي وبدلتهما بغربتي ووحشتي وكربتي مع كون حالي مع أهلي في غاية الغبطة والانتظام فبادرت في اقتحام الاخطار لكي ادرك الأوطار. ولما أستاذن شيخه في الرحلة والحج فمر في رحلته بعدة ممالك واجتمع بملوكها وعلمائها فمن اجتمع به في كاغ برن الشيخ محمد كرعك وأخذ عنه اشياء كثيرة من علوم الأسرار والرمل. ج / 1 ص -238- وأقام هناك خمسة أشهر وعنده قرأ كتاب الوالية للكردي وهو كتاب جليل معتبر في علم الرمل وقرأ عليه هو الرجراجي وبعض كتب من الحساب. وله رحلة تتضمن ما حصل له في تنقلاته وحج سنة اثنتين وأربعين ومائة وألف وجاور بمكة وابتدأ هناك بتأليف الدر المنظوم وخلاصة السر المكتوم في علم الطلاسم والنجوم وهو كتاب حافل رتبه على مقدمة وخمسة مقاصد وخاتمه وقسم المقاصد ابوابا واتم تبييضه بمصر المحروسة في شهر رجب سنة ست وأربعين ومن تأليفه كتاب بهجة الآفاق وأيضاح اللبس والاغلاق في علم الحروف والأوفاق رتبه على مقدمة ومقصد وخاتمة وجعل المقدمة ثلاثة ابواب والمقصد خمسة ابواب وكل باب يشتمل على مقدمة وفصول ومباحث وخاتمة. وله منظومة في علم المنطق سماها منح القدوس وشرحها شرحا عظيما سماه ازالة العبوس عن وجه منح القدوس وهو مجلد حافل نحو ستين كراسا. وله شرح بديع على كتاب الدر والترياق في علم الآفاق. ومن تآليفه بلوغ الأرب من كلام العرب في علم النحو وله غير ذلك. توفي سنة 1154 بمنزل المرحوم الشيخ الوالد وجعله وصيا على تركته وكتبه وكان يسكن أولا بدرب الأتراك وهو الذي أخذ عنه علم الأوفاق وعلم الكسر والبسط الحرفية والعددية ودفنه الوالد ببستان العلماء بالمجاورين وبنى على قبره تركيبة وكتب عليها اسمه وتاريخه. ومات جامع الفضائل والمحاسن طاهر الاعراق والأوصاف السيد علي افندي نقيب السادة الأشراف ذكره الشيخ عبد الله الادكاوي في مجموعته واثنى عليه وكان مختصا بصحبته. وحج مع المترجم سنة 1147 وعاد إلى مصر ولم يزل على احسن حال حتى توفي في الليلة الثامنة عشرة من شهر شوال سنة 1153. ومات الأستاذ العارف الشيخ أبو العباس أحمد بن أحمد العربي ج / 1 ص -239- الأندلسي التلمساني الأزهري المالكي أخذ الحديث عن الإمام أبي سالم عبد الله بن سالم البصري المكي وابي العباس أحمد بن محمد النخلي المكي الشافعيين وغيرهما من علماء الحرمين ومصر والمغرب أخذ عنه الشيخ أبو سالم الحفني والسيد علي بن موسى المقدسي الحسيني وغيرهما من علماء الحرمين ومصر والمغرب. وتوفي سنة 1151. ومات الإمام العلامة والنحرير الفهامة شمس الدين محمد بن سلامة البصير الأسكندري المكي البليغ الماهر أخذ العلم عن الشيخ خليل اللقاني والشهاب أحمد السندوبي والشيخ محمد الخرشي والشيخ عبد الباقي الزرقاني والشبرخيتي والابيذري وهو الشهاب أحمد الذي روى عن البرهان اللقاني والبابلي وأخذ أيضا عن الشيخ يحيى الشاوي والشهاب أحمد البشبيشي وله تأليفات عديدة منها تفسير القرآن العزيز نظما في نحو عشر مجلدات. وقد اجاز الشيخ أبا العباس أحمد بن علي العثماني واملي عليه نظما وذلك بمنزلة بالجانب الغربي من الحرم الشريف وعمر ابن أحمد بن عقيل ومحمد بن علي بن خليفة الغرياني التونسي وحسين ابن حسن الانطاكي المقري اجازه في سنة 1131 في الطائف وإسمعيل بن محمد العجلوني وغيرهم. توفي في ذي الحجة سنة 1149. ومات الشيخ الإمام العالم العلامة صاحب التآليف العديدة والتقريرات المفيدة أبو العباس أحمد بن عمر الديربي الشافعي الأزهري أخذ عن عمه الشيخ علي الديربي قرأ عليه التحرير وابن قاسم وشرح الرحبية وأخذ عن الشيخ محمد القليوبي الخطيب وشرح التحرير والشيخ خالد علي الآجرومية وعلى الأزهرية وعن الشيخ أبي السرور الميداني والشيخ محمد الدنوشري المشهور بالجندي علم الحساب والفرائض وأخذ عن الشيخ الشنشوري ومن مشايخه يونس بن الشيخ القليوبي والشيخ علي السنبطي والشيخ صالح الحنبلي والشيخ محمد النفراوي المالكي وأخوه ج / 1 ص -240- الشيخ أحمد النفراوي والشيخ خليل اللقاني والشيخ منصور الطوخي والشيخ إبراهيم الشبرخيتي والشيخ إبراهيم المرحومي والشيخ عامر السبكي والشيخ علي الشبراملسي والشيخ شمس الدين محمد الحموي والشيخ أبو بكر الدلجي والشيخ أحمد المرحومي والشيخ أحمد السندوبي والشيخ محمد البقري والشيخ منصور المنوفي والشيخ عبد المعطي المالكي والشيخ محمد الخرشي والشيخ محمد النشرتي والشيخ أبو الحسن البكري خطيب الأزهر وانتشر فضله وعلمه واشتهر صيته وافاد وألف وصنف. فمن تآليفه غاية المرام فيما يتعلق بانكحة الانام وكتب حاشية عليه مع زيادة احكام وأيضاح ما خفي فيه على بعض الانام وغاية المقصود لمن يتعاطى العقود على مذهب الأئمة الأربعة والختم الكبير على شرح التحرير المسمى فتح الملك الكريم الوهاب بختم شرح تحرير تنقيح اللباب وغاية المراد لمن قصرت همته من العبادة وختم على شرح المنهج سماه فتح الملك الباري بالكلام على آخر شرح المنهج للشيخ زكريا الأنصاري وختم على شرح الخطيب وعلى شرح ابن قاسم وكتابه المشهور المسمى فتح الملك المجيد لنفع العبيد جمع فيه ما جربه وتلقاه من الفوائد الروحانية والطبية وغيرها. وهو مؤلف لا نظير له في بابه وله رسالة على البسملة وحديث البداءة ورسالة تسمى تحفة المشتاق فيما يتعلق بالسنانية ومساجد بولاق ورسالة تسمى تحفة االصفا فيما يتعلق بابوي المصطفى والقول المختار فيما يتعلق بابوي النبي المختار ومناسك حج على مذهب الإمام الشافعي وتحفة المريد في الرد على كل مخالف عنيد وفتح الملك الجواد بتسهيل قسمة التركات على بعض العباد بالطريق المشهورة بين الفريضيين في المسائل العائلة ورسالة في سؤال الملكين وعذاب القبر ونعيمه والوقوف في المحشر والشفاعة العظمى وأربعون حديثا وتمام الانتفاع لمن أرادها من الانام وجاشية على شرح ابن قاسم ج / 1 ص -241- الغزي ورسالة تتعلق بالكواكب السبعة والساعات الجيدة وبضرب المنادل العلوية والسفلية واحضار عامر المكان واستنطاقه وعزله ولوح الحياة والممات وغير ذلك. توفي سابع عشرين شعبان سنة 1151. ومات الإمام العلامة والبحر الفهامة شيخ مشايخ العصر ونادرة الدهر الصالح الزاهد الورع القانع الشيخ مصطفى العزيزي الشافعي ذكره الشيخ محمد الكشناوي في آخر بعض تآليفه بقوله وكان الفراغ من تأليفه في شهر كذا سنة ست وأربعين وذلك في أيام الأستاذ زاهد العصر الفخر الرازي الشيخ مصطفى العزيزي وناهيك بهذه الشهادة. وسمعت وصفه من لفظ الشيخ الوالد وغيره من مشايخ العصر من أنه كان ازهد أهل زمانه في الورع والتقشف في المأكل والملبس والتواضع وحسن الأخلاق ولا يرى لنفسه مقاما. وكان معتقدا عند الخاص والعام وتأتي الأكابر والأعيان لزيارته ويرغبون في مهاداته وبره فلا يقبل من أحد شيئا كائنا ما كان مع قلة دنياه لا كثيرا ولا قليلا واثاث بيته على قدر الضرورة والاحتياج. وكان يقرأ دروسه بمدرسة السنانية المجاورة لحارة سكنه بخط الصنادقية بحارة الأزهر ويحضر دروسه كبار العلماء والمدرسين ولا يرضي للناس بتقبيل يده ويكره ذلك فإذا تكامل حضور الجماعة وتحلقوا حضر من بيته ودخل إلى محل جلوسه بوسط الحلقة فلا يقوم لدخوله أحد. وعندما يجلس يقرأ المقري وإذا تم الدرس قام في الحال وذهب إلى داره وهكذا كان دأبه. توفي سنة أربع وخمسين وأقام عثمان بك ذا الفقار وصيا على ابنته. ومات الإمام العمدة المتقن الشيخ رمضان بن صالح بن عمر بن حجازي السفطي الخانكي الفلكي الحيسوني أخذ عن رضوان افندي وعن العلامة الشيخ محمد البرشمسي وشارك الجمال يوسف الكلارجي والشيخ الوالد وحسن افندي قطة مسكين وغيرهم واجتهد وحسب وحرر وكتب ج / 1 ص -242- بخطة كثيرا جدا وحسب المحكمات وقواعد المقومات على أصول الرصد السمرقندي الجديد وسهل طرقها بادق ما يكون وإذا نسخ شيئا من تحريراته رقم منها عدة نسخ في دفعة واحدة فيكتب من كل نسخة صفحة بحيث يكمل الأربع نسخ أو الخمسة على ذلك النسق فيتم الجميع في دفعة واحدة. وكان شديد الحرص على تصحيح الارقام وحل المحلولات الخمسة ودقائقها إلى الخوامس والسوادس وكتب منها عدة نسخ بخطه وهو شيء يعسر نقله فضلا عن حسابه وتحريره. ومن تصانيفه نزهة النفس بتقويم الشمس بالمركز والوسط فقط والعلامة باقرب طريق واسهل ما أخذ واحسن وجه مع الدقة والأمن من الخطا وحرر طريقة أخرى على طريق الدر اليتيم يدخل إليها بفاضل الأيام تحت دقائق الخاصة ويخرج منها المقوم بغاية التدقيق لمرتبة الثوالث في صفحات كبيرة متسعة في قالب الكامل. واختصرها الشيخ الوالد في قالب النصف ويحتاج إليها في عمل الكسوفات والخسوفات والاعمال الدقيقة يوما يوما. ومن تآليفه كفاية الطالب لعلم الوقت وبغية الراغب في معرفة الدائر وفضله والسمت والكلام المعروف في اعمال الكسوف والخسوف والدرجات الوريفة في تحرير قسي العصر الأول وعصر أبي حنيفة وبغية الوطر في المباشرة بالقمر ورسالة عظيمة في حركات افلاك السيارة وهيآتها وحركاتها وتركيب جداولها على التاريخ العربي على أصول الرصد الجديد وكشف الغياهب عن مشكلات اعمال الكواكب ومطالع البدور في الضرب والقسمة والجذور وحرك ثلثمائة وستة وثلاثين كوكبا من الكواكب الثابتة المرصودة بالرصد الجديد بالاطوال والأبعاد ومطالع الممر ودرجاته لاول سنة 1139 والقول المحكم في معرفة كسوف النير الاعظم ورشف الزلال في معرفة استخراج قوس مكث الهلال بطريقي الحساب والجدول. واما كتاباته وحسابياته في أصول الظلال واستخراج ج / 1 ص -244- حضره بعض الأعيان من أمراء مصر فيسبهم جهرا ويشير إلى مثالهم وربما حنقوا منه وسلطوا عليه جماعة من الاتراك ليقتلوه فيخرج عليهم وحده فيغشى الله على ابصارهم. مات في حادي عشري الحجة سنة 1161. ومات القطب الكامل السيد عبد الله بن جعفر بن علوى مدهر باعلوى نزيل مكة ولد بالشحر وبها نشأ ودخل الحرمين وتوجه إلى الهندي ومكث في دهلي مدة تقرب من عشرين عاما ثم عاد إلى الحرمين وأخذ عن والده واخيه العلامة علوي ومحمد بن أحمد بن علي الستاري وابن عقيلة وآخرين. وعنه أخذ الشيخ السيد وشيخ والسيد عبد الرحمن العيدروس. وله مؤلفات نفيسة منها كشف اسرار علوم المقربين ولمح النور بباء اسم الله يتم السرور واشرق النور وسناه من سر معنى الله لا نشهد سواه والأصل أربعة أبيات للقطب الحداد واللآلىء الجوهرية على العقائد البنوفرية وشرح ديوان شيخ بن إسمعيل الشحري والنفحة المهداة بانفاس العيدروس بن عبد الله والايفا بترجمة العيدروس جعفر بن مصطفى وديوان شعر ومراسلات عديدة وله كرامات شهيرة. توفي بمكة سنة 1160. ومات السيد الأجل عبد الله بن مشهور بن علي بن أبي بكر العلوي أحد السادة أصحاب الكرامات والاشراقات كان مشهورا برؤية الخضر ادركه السيد عبد الرحمن العيدروس وترجمه في ذيل المشرع واثنى عليه وذكر له بعض كرامات. توفي سنة 1144. ومات الأستاذ النجيب الماهر المتفنن جمال الدين يوسف بن عبد الله الكلارجي الفلكي تابع حسن افندي كاتب الروزنامة سابقا. قرأ القرآن وجود الخط وتوجهت همته للعلوم الرياضية كالهيئة والهندسة والحساب والرسم فتقيد بالعلامة الماهر رضوان افندي وأخذ عنه واجتهد وتمهر. ج / 1 ص -245- وصار له باع طويل في الحسابيات والرسميات وساعده على إدراك مأمولة ثروة مخدومه فاستنبط واخترع ما لم يسبق به وألف كتابا حافلا في الظلال ورسم المنحرفات والبسائط والمزاول والاسطحة جمع فيه ما تفرق في غيره من اوضاع المتقدمين بالاشكال الرسمية والبراهين الهندسية والتزم المثال بعد المقال وألف كتابا أيضا في منازل القمر ومحلها وخواصها وسماها كنز الدرر في احوال منازل القمر وغير ذلك. واجتمع عنده كتب وآلات نفيسة لم تجتمع عند غيره ومنها نسخة الزيج السمرقندي بخط العجم وغير ذلك. توفي سنة 1153. ومات الإمام العلامة والعمدة الفهامة مفتي المسلمين الشيخ أحمد بن عمر الأسقاطي الحنفي المكنى بابي السعود تفقه على الشيخ عبد الحي الشرنبلالي والشيخ علي العقدي الحنفي البصير وحضر عليه المنار وشرحه لابن فرشته وغيره والشيخ أحمد النفراوي المالكي والشيخ محمد بن عبد الباقي الزرقاني والشيخ أحمد ابن عبد الرزاق الروحي الدمياطي الشناوي والشيخ أحمد الشهير بالبناء وأحمد بن محمد بن عطية الشرقاوي الشهير بالخليفي والشيخ أحمد بن محمد المنفلوطي الشافعي الشهير بابن الفقيه والشيخ عبد الرؤوف البشبيشي وغيرهم كالشيخ عبد ربه الديوي ومحمد بن صلاح الدين الدنجيهي والشيخ منصور المنوفي والشيخ صالح البهوتي ومهر في العلوم وتصدر لالقاء الدروس الفقيهة والمعقولية وافاد وافتى وألف واجاد وانتفع الناس بتآليفه ولم يزل يملي ويفيد حتى توفي سنة 1159. ومات الأستاذ الكبير والعلم الشهير صاحب الكرامات الساطعة والأنوار المشرقة اللامعة سيدي عبد الخالق بن وفا قطب زمانه وفريد أوانه وكان على قدم اسلافه وفيه فضيلة وميل للشعر وامتدحه الشعراء واجازهم الجوائز السنية وكان يحب سماع الآلات. توفي رحمه الله في ثاني عشر ذي الحجة سنة 1161. ج / 1 ص -246- ومات الأستاذ شيخ الطريقة والحقيقة قدرة السالكين ومربي المريدين الإمام المسلك السيد مصطفى بن كمال الدين المذكور في منظومة النسبة لسيدي عبد الغني النابلسي كما ذكره السيد الصديقي في شرحه الكبير على ورده السحري البكري الصديقي الخلوتي نشأ ببيت المقدس على أكرم الاخلاق وأكملها رباه شيخه الشيخ عبد اللطيف الحلبي وغذاه بلبان أهل المعرفة والتحقيق ففاق ذلك الفرع الأصل وظهرت به في افق الوجود شمس الفضل فبرع فهما وعلما وابدع نثرا ونظما ورحل إلى جل الأقطار لبلوغ أجل الأوطار كما دأب على ذلك السلف لما فيه من أكتساب المعالي والشرف. ولما ارتحل إلى اسلامبول لبس فيها ثياب الخمول ومكث فيها سنة لم يؤذن له بارتحال ولم يدر كيف الحال. فلما كان آخر السنة قام ليلة فصلى على عادته من التهجد ثم جلس لقراءة الورد السحري فاحب أن تكون روحانية النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك المجلس ثم روحانية خلفائه الأربعة والأئمة الأربعة والاقطاب الأربعة والملائكة الأربعة. فبينما هو في اثنائه إذ دخل عليه رجل فشمر عن اذياله كأنه يتخطى اناسا في المجلس حتى انتهى إلى موضع فجلس فيه ثم لما ختم الورد قام ذلك الرجل فسلم عليه ثم قال: ماذا صنعت يا مصطفى فقال له: ما صنعت شيئا. فقال له: الم ترني اتخطى الناس قال: بلى إنما وقع لي إني احببت أن تكون روحانية من ذكرناهم حاضرة. فقال له: لم يتخلف أحد ممن اردت حضوره وما اتيتك إلا بدعوة والآن أذن لك في الرحيل. وحصل الفتح والمدد والرجل المذكور هو الولي الصوفي السيد محمد التافلاتي ومتى عبر السيد في كتبه بالوالد فهو السيد محمد المذكور وقد منحه علوما جمة. ورحل أيضا إلى جبل لبنان وإلى البصرة وبغداد وما والاهما وحج مرات وتآليفه تقارب المائتين واحزابه وأوراده أكثر من ستين واجلها ورده السحري إذ هو باب الفتح وله عليه ثلاثة شروح أكبرها في مجلدين. وقد شاد اركان هذه الطريقة وأقام ج / 1 ص -247- رسومها وأبدى فرائدها واظهر فوائدها ومنحه الله من خزائن الغيب ما لا يدخل تحت حصر. قال الشيخ الحنفى: إنه جمع مناقب نفسه فىمؤلف نحو أربعين كراسا تسويدا في الكامل ولم يتم. وقد رأى النبى صلى الله عليه وسلم في النوم وقال له: "من أين لك هذا المدد" فقال منك يارسول الله. فأشار أن نعم ولقى الخضر عليه السلام ثلاث مرات وعرضت عليه قطبانية المشرق فلم يرضها وكان أكرم من السيل وامضى في السر من السيف وأوتى مفاتيح العلوم كلها حتى اذعن له أولياء عصره ومحققوه في مشارق الأرض ومغاربها وأخذ على رؤساء الجن العهود وعم مدده سائر الورود ومناقبه تجل عن التعداد وفيما اشرنا إليه كفاية لمن أراد. واخذ عنه طريق السادة الخلوتية الأستاذ الحفني وارتحل لزيارته والأخذ عنه إلى الديار الشامية كما سيأتي ذلك في ترجمته وحج سنة أحدى وستين ثم رجع إلى مصر وسكن بدار عند قبة المشهد الحسيني وتوفي بها في ثاني عشر ربيع الثاني 1162 ودفن بالمجاورين ومولده في آخر المائة الالف بدمشق الشام. ومات العلامة الثبت المحقق المحرر المدقق الشيخ محمد الدفري الشافعي أخذ العلم عن الأشياخ من الطبقة الأولى وانتفع به فضلاء كثيرون منهم العلامة الشيخ محمد المصيلحي والشيخ عبد الباسط السنديوني وغيرهما. توفي سنة 1161. ومات الأجل المكرم عبد الله افندي الملقب بالأنيس أحد المهرة في الخط الضابط كتب على الشاكري وغيره واشتهر امره جدا وكان مختصا بصحبة مير اللواء عثمان بك ذي الفقار أمير الحاج وكتب عليه جماعة ممن رأيناهم ومنهم شيخ الكتبة بمصر اليوم حسن افندي مولى الوكيل المعروف بالرشدي وقد أجازه في مجلس حافل. توفي سنة 1159. ومات الإمام الفقيه المحدث شيخ الشيوخ المتقن المتفنن المتجر الشيخ ج / 1 ص -248- أحمد بن مصطفى بن أحمد الزبيري المالكي الأسكندري نزيل مصر وخاتمة المسندين بها الشهير بالصباغ ذكر في ذكر شيوخه أنه أخذ عن إبراهيم بن عيسى البلقطري وعلي بن فياض والشيخ محمد النشرتي الزرقاني وأحمد الغزاوي وإبراهيم الفيومي وسليمان الشبرخيتي ومحمد زيتونه التونسي نزيل الأسكندرية وابي العز العجمي وأحمد بن الفقيه والكبنكسي ويحيى الشاوي وعبد الله البقري وصالح الحنبلي وعبد الوهاب الشنواني وعبد الباقي القليني وعلي الرميلي وأحمد السجيني وإبراهيم الكتبي وأحمد الخليفي ومحمد الصغير والوزراري وعبده الديوي وعبد القادر الواطي وأحمد بن محمد الدرعي. ورحل إلى الحرمين فأخذ عن البصري والنخلي والسندي ومحمد أسلم وتاج الدين القلعي ووالسيد سعد الله. وكان المترجم إماما علامة سليم الباطن معمور الظاهر قد عم به الانتفاع. روى عنه كثيرون من الشيوخ وكان يذهب في كل سنة إلى تغر الأسكندرية فيقيم بها شعبان ورمضان وشوالا ثم يرجع إلى مصر يملي ويفيد ويدرس حتى توفي في سنة 1162 ودفن بتربة بستان المجاورين بالصحراء. ذكر من مات في هذه السنين من الأمراء المشهورين والأعيان. مات الأمير علي بك ذو الفقار وهو مملوك ذي الفقار بك وخشداش عثمان بك ولما دخلوا على أستاذه وقت العشاء وقتلوه كما تقدم كان هو إذ ذاك خازنداره كما تقدم فقال المترجم باعلى صوته الصنجق طيب هاتوا السلاح. فكانت هذه الكلمة سببا لهزيمة القاسمية واخمادهم إلى آخر الدهر وعد ذلك من فطانته وثبات جأشه في ذلك الوقت والحالة. ثم أرسل إلى مصطفى بك بلغيه فحضر عنده وجمع إليه محمد بك قطامش وأرباب الحل والعقد وأرسلوا إلى عثمان بك فحضر من التجريدة ورتبوا ج / 1 ص -249- امورهم وقتلوا القاسمية الذينن وجدوهم في ذلك الوقت. ولما وقف العرب بطريق الحجاج في العقبة سنة سبع وأربعين وكان أمير الحاج رضوان بك أرسل إلى محمد بك قطامش فعرفه ذلك فاجتمع الأمراء بالديوان وتشاوروا فيمن يذهب لقتال العرب فقال المترجم أنا اذهب إليهم واخلص من حقهم وانقذ الحجاج منهم ولا أخذ من الدولة شيئا بشرط أن أكون حاكم جرجا عن سنة ثمان وأربعين فأجابوه إلى ذلك والبسه الباشا قفطانا وقضى اشغاله في اسرع وقت وخرج في طوائفه ومماليكه واتباع أستاذه وتوجه إلى العقبة وحارب العرب حتى انزلهم من الحلزونات واجلاهم وطلع أمير الحاج بالحجاج وساق هو خلف العرب فقتل منهم مقتلة عظيمة ولحق الحجاج بنخل ودخل صحبتهم. ولما دخل ترت سافر إلى ولاية جرجا فاقام بها أياما ومات هناك بالطاعون. ومات الأمير مصطفى بك بلغيه تابع حسن اغا بلغيه تقلد الإمارة والصنجقية في أيام إسمعيل بك ابن ايواظ سنة 1135 ولم يزل اميرا متكلما وصدرا من صدور مصر أصحاب الأمر والنهي والحل والعقد إلى أن مات بالطاعون على فراشه سنة 1148. ومات أيضا رضوان اغا الفقاري وهو جرجي الجنس تقلد اغاوية مستحفظان عندما عزل علي اغا المقدم ذكره في أواخر سنة 1118 ثم تقلد كتخدا الجاويشية ثم اغات جملية في سنة 1120 وكان من اعيان المتكلمين بمصر وفر من مصر وهرب مع من هرب في الفتنة الكبرى إلى بلاد الروم ثم رجع إلى مصر سنة خمس وثلاثين باتفاق من أهل مصر بعدما بيعت بلاده وماتت عياله ومات له ولدان. فمكث بمصر خاملا إلى سنة ست وثلاثين ثم قلده إسمعيل بك بن ايواظ آغاوية الجملية فاستقر بها نحو خمسين يوما. ولما قتل إسمعيل بك في تلك السنة نفي المترجم إلى أبي قير خوفا من حصول الفتن فأقام هناك ثم رجع إلى مصر واستمر بها إلى ج / 1 ص -250- ان مات في الفصل سنة 1148. ومات كل من إسمعيل بك قيطامس وأحمد بك اشراق ذي الفقار بك الكبير وحسن بك وحسين بك كتخدا الدمياطي وإسمعيل كتخدا تابع مراد كتخدا وخليل جاويش قباجيه وافندي كبير عزبان وحسن جاويش بيت مال العزب وافندي صغير مستحفظان وأحمد أوده باشا المطرباز ومحمد اغا ابن تصلق اغات مستحفظان وحسن جلبي بن حسن جاويش خشداش عثمان كتخدا القازدغلي وغير ذلك مات الجميع في الفصل سنة ثمان وأربعين. ومات أحمد كتخدا الخربطلي وهو الذي عمر الجامع المعروف بالفاكهاني الذي بخط العقادين الرومي بعطفة خوش وقدم وصرف عليه من ماله مائة كيس وأصله من بناء الفائز بالله الفاطمي وكان اتمامه في حادي عشر شوال سنة 1148 وكان المباشر على عمارته عثمان جلبي شيخ طائفة العقادين الرومي وجعل مملوكه علي ناظر عليه ووصيا على تركته. ومات المترجم في واقعة بيت محمد بك الدفتردار سنة 1149 مع من مات كما تقدم الالماع بذكر ذلك في ولاية باكير باشا. ومات الأمير عثمان كتخدا القازدغلي تابع حسن جاويش القازدغلي والد عبد الرحمن كتخدا صاحب العماير. تنقل في مناصب الوجاقات في أيام سيده وبعدها إلى أن تقلد الكتخدائية ببابه وصار من أرباب الحل والعقد وأصحاب المشورة واشتهر ذكره ونما صيته وخصوصا لما تغلبت الدول وظهرت الفقارية. ولما وقع الفصل في سنة ثمان وأربعين ومات الكثير من اعيان مصر وامرائها غنم أموالا كثيرة من المصالحات والتركات وعمر الجامع المعروف بالازبكية بالقرب من رصيف الخشاب في سنة سبع وأربعين وحصلت الصلاة فيه ووقع به ازدحام عظيم حتى أن عثمان بك ذا الفقار حضر للصلاة في ذلك اليوم متأخرا فلم يجد له محلا فيه فرجع ج / 1 ص -251- وصلى بجامع ازبك. وملأوا المزملة بشربات السكر وشرب منه عامة الناس وطافوا بالقلل لشرب من بالمسجد من الأعيان وعمل سماطا عظيما في بيت كتخداه سليمان كاشف برصيف الخشاب وخلع في ذلك اليوم على حسن افندى ابن البواب الخطيب والشيخ عمر الطهلاوي المدرس وأرباب الوظائف خلعا وفرق عل الفقراء دراهم كثيرة وشرع في بناء الحمام بجواره بعد تمام الجامع والسبيل والكتاب وبنى زاوية العميان بالأزهر ورحبة رواق الاتراك والرواق أيضا ورواق السليمانيه ورتب لهم مرتبات من وقفه وجعل مملوكه سليمان الجوخدار ناظرا ووصيا والبسه الضلمة. ولم يزل عثمان كتخدا أميرا ومتكلما بمصر وافر الحرمة مسموع الكلمة حتى قتل مع من قتل ببيت محمد بك الدفتردار مع أن الجمعية كانت باطلاعه ورأية ولم يكن مقصودا بالذات في القتل. ومات الأمير الكبير محمد بك قيطاس المعروف بقطاش وهو مملوك قيطاس بك جرجي الجنس وقيطاس بك مملوك إبراهيم بك ابن ذي الفقار بك تابع حسن بك الفقارى تولى الإمارة والصنجقية فىحياة أستاذه وتقلد إمارة الحج سنة خمس وعشرين وطلع بالحج مرتين وتقلد أيضا إمارة الحج سنة 1146 و1148 ولما قتل عابدى باشا أستاذه بقراميدان سنة 1126 كما تقدم ذكر ذلك عصى المترجم وكرنك في بيته هو وعثمان بك بارم ذيله وطلب بثار أستاذه ولم يتم له أمر وهرب إلى بلاد الروم فأقام هناك إلى أن ظهر ذو الفقار في سنة ثمان وثلاثين وخرج جركس هاربا من مصر فأرسل عند ذلك أهل مصر يستدعون المترجم ويطلبون من الدولة حضوره إلى مصر وأرسلو إلى مصر وانعموا عليه بالدفتردارية. ولما وصل إلى مصر لم يتمكن منها حتى قتل علي بك الهندى فعند ذلك تقلد الدفتردارية وظهر أمره ونما ذكره وقلد مملوكه علي صنجقا وكذلك إشراقه إبراهيم بك. ولما عزل باكير باشا تقلد المترجم قائمقامية ج / 1 ص -252- وذلك سنة ثلاث وأربعين. وبعد قتل ذى الفقار بك صار المترجم اعظم الأمراء المصرية وبيده النقض والابرام والحل والعقد وصناجقه علي بك ويوسف بك وصالح بك وإبراهيم بك ولم يزل اميرا مسموع الكلمة وافر الحرمة حتى قتل في واقعة بيت الدفتردار كما تقدم وقتل معه أيضا من أمرائه علي بك وصالح بك. ومات معهم أيضا يوسف كتخدا البركاوي وكان أصله جربجيا بباب العزب وطلع سردار بيرق في سفر الروم ثم رجع إلى مصر فأقام خاملا قليل الحظ من المال والجاه فلما حصلت الواقعة التي ظهر فيها ذو الفقار واجتمع محمد باشا وعلي باشا والأمراء وحصرهم محمد بك جركس من جهات الرميلة من ناحية مصلى المؤمنين والحصرية وتلك النواحي وتابعوا رمي الرصاص على من بالمحمودية وباب العزب والسلطان حسن بحيث منعوهم المرور والخروج والدخول وضاق الحال عليهم بسبب ذلك فعندها تسلق المترجم وخاطر بنفسه ونط من باب العزب إلى المحمودية والرصاص نازل من كل ناحية وطلع عند الباشا والأمراء وطلب فرمانا خطا بالكتخدا العزب بانه يفرد قايبر بمائة نفر وأوده باشه ويكون هو سر عسكر ويطرد الذين في سبيل المؤمنين وهو يملك بيت قاسم بك ويفتح الطريق فاعطوه ذلك وفعل ما تقدم ذكره وملك بيت قاسم بك وجرى بعد ذلك ما جرى. ولما انجلت القضية جعلوه كتخدا باب العزب وظهر شأنه من ذلك الوقت واشتهر ذكره وعظم صيته. وكان كريم النفس ليس للدنيا عنده قيمة ولم يزل حتى قتل في واقعة بيت الدفتردار. ومات الأمير قيطاس بك الاعور وهو مملوك قيطاس بك الفقاري المتقدم ذكره تقلد الإمارة في أيام أستاذه ولما قتل أستاذه كان المترجم مسافرا بالخزينة ونازلا بوطاقة بالعادلية وكان خشداشة محمد بك قطامش نازلا بسبيل علام فلما بلغه قتل أستاذه ركب هو وعثمان بك بارم ج / 1 ص -253- ذيله وأتيا إليه وطلباه للقيام معهما في طلب ثأر أستاذهم فلم يطاوعهما على ذلك وقال أنا معي خزينة السلطان وهي في ضماني فلا أدعها وأذهب معكما في الأمر الفارغ وفيكم البركة. وذهب محمد بك وفعل ما فعله من الكرنكة في داره ولم يتم له أمر وخرج بعد ذلك هاربا من مصر ولحق بقيامطس بك المذكور وسافر معه إلى الديار الرومية واستمر هناك إلى أن رجع كما ذكر وعاد المترجم من سفر الخزينة فاستمر أميرا بمصر وتقلد إمارة الحج سنة اثنتين وأربعين وتوفي بمنى ودفن هناك. ومات الأمير علي كتخدا الجلفي تابع حسن كتخدا الجلفي المتوفي سنة 1124. تنقل في الإمارة بباب عزبان بعد سيده وتقلد الكتخدائية وصار من اعيان الأمراء بمصر وأرباب الحل والعقد ولما انقضت الفتنة الكبيرة وطلع إسمعيل بك بن ايواظ إلى باب العزب وقتل عمر اغا أستاذ ذي الفقار بك وأمر بقتل خازنداره ذي الفقار المذكور استجار بالمترجم وكان بلديه وكان إذ ذاك خازندار عند سيده حسن كتخدا فأجاره وأخذه في صدره وخلص له حصة قمن العروس كما تقدم فلم يزل يراعي له ذلك حتى أن يوسف كتخدا البركاوي انحرف منه في أيام إمارة ذي الفقار وأراد غدره واسر بذلك إلى ذي الفقار بك فقال له: كل شيء اطاوعك فيه إلا الغدر بعلي كتخدا فإنه كان السبب في حياتي وله في عنقي ما لا انساه من المنن والمعروف وضمانه علي في كل شيء. وقلده الكتخدائية وسبب تلقبهم بهذا اللقب هو أن محمد اغا مملوك بشير اغا القزلار أستاذ حسن كتخدا كان يجتمع به رجل يسمى منصور الزتاحرجي السنجلفي من قرية من قرى مصر تسمى سنجلف وكان متمولا وله ابنة تسمى خديجة فخطبها محمد اغا لمملوكه حسن اغا أستاذ المترجم وزوجها له وهي خديجة المعروفة بالست الجلفية. وسبب قتل المترجم ما ذكر ج / 1 ص -254- في ولاية سليمان باشا بن العظم لما أراد ايقاع الفتنة واتفق مع عمر بك ابن علي بك قطامش على قتل عثمان بك ذي الفقار وإبراهيم بك قطامش وعبد الله كتخدا القازدغلي والمترجم وهم المشار إليهم إذ ذاك في رياسة مصر. واتفق عمر بك مع خليل بك وأحمد كتخدا عزبان البركاوي وإبراهيم جاويش القازدغلي وتكفل كل منهم بقتل أحد المذكورين فكان أحمد كتخدا ممن تكفل بقتل المترجم فأحضر شخصا يقال له لاظ إبراهيم من اتباع يوسف كتخدا البركاوي وأغراه بذلك فانتخب له جماعة من جنسه ووقف بهم في قبو السلطان حسن تجاه بيت آقبردي ففعل ذلك ووقف مع من اختارهم بالمكان المذكور ينتظر مرور علي كتخدا وهو طالع إلى الديوان وأرسل إبراهيم جاويش إنسانا من طرفه سرا يقول لا تركب في هذا اليوم صحبة أحمد كتخدا فإنه عازم على قتلك. وبعد ساعة حضر إليه أحمد كتخدا فقام وتوضأ وقال لكاتبه التركي خذ من الخازندار الفلاني ألف محبوب ندفعها فيما علينا من مال الصرة. فأخذها الكاتب في كيس وسبقه إلى الباب وركب مع أحمد كتخدا وإبراهيم جاويش وخلفهم حسن كتخدا الرزاز واتباعهم فلما وصلوا إلى المكان المعهود خرج لاظ إبراهيم وتقدم إلى المترجم كانه يقبل يده فقبض على يده وضربه بالطبنجة في صدره فسقط إلى الأرض واطلق باقي الجماعة ما معهم من آلات النار. وعبقت الدخنة فرمح ابن امين البحرين وذهب إلى بيته وطلع أحمد كتخدا وصحبته حسن كتخدا الرزاز إلى الباب. ولما سقط علي كتخدا سحبوه إلى الخرابة وفيه الروح فقطعوا راسه ووضعوها تحت مسطبة البوابة في الخرابة وطلعوا إلى الباب وعندما طلع أحمد كتخدا واستقر بالباب أخذ الالف محبوب من الكاتب وطرده واقترض من حسن كتخدا المشهدي ألف محبوب أيضا وفرق ذلك على من الباب من أوده باشيه والنفر. ومن مآثر علي كتخدا المترجم القصر ج / 1 ص -255- الكبير الذي بناحية الشيخ قمر المعروف بقصر الجلفي وكان في السابق قصر صغيرا يعرف بقصر القبرصلي وأنشأ أيضا القصر الكبير بالجزيرة المعروفة بالفرشة تجاه رشيد الذي هدمه الأمير صالح الموجود الآن زوج الست عائشة الجلفية في سنة 1202 وبااع أنقاضه وله غير ذلك مآثر كثيرة وخبرات رحمه الله. ومات أحمد كتخدا المذكور قاتل علي كتخدا المذكور ويعرف بالبركاوي لأنه اشراق يوسف كتخدا البركاوي. وخبر قتله أنه لما تم ما ذكر ونزل أحمد كتخدا من باب العزب بتمويهات حسين بك الخشاب وملكه اتباع عثمان بك ندم على تفريطه ونزوله وعثمان بك يقول لا بد من قتل قاتل صاحبي ورفيق سيدي قبل طلوعي إلى الحج وإلا أرسلت خلافي وأقمت بمصر وخلصت ثأر المرحوم. وأرسل إلى جميع الأعيان والرؤساء بانهم لا يقبلوه وطاف هو عليهم بطول الليل فلم يقبله منهم أحد فضاقت الدنيا في وجهه وتوفي في تلك الليلة محمد كتخدا الطويل فاجتمع الاختيارية والأعيان ببيته لحضور مشهده فدخل عليهم أحمد كتخدا في بيت المتوفي وقال أنا في عرض هذا الميت. فقال له: اطلع إلى المقعد واجلس به حتى نرجع من الجنازة. فطلع إلى المقعد كما أشاروا إليه وجلس لاظ إبراهيم بالحوش وصحبته اثنان من السراجين فلما خرجوا بالجنازة أغلقوا عليهم الباب من خارج وتركوا معهم جماعة حرسجية وأقاموا مماليك أحمد كتخدا في بيته يضربون بالرصاص على المارين حتى قطعوا الطريق وقتلوا رجلا مغربيا وفراشا وحمارا. فأرسل عثمان بك إلى رضوان كتخدا يأمره بارسال جاويش ونفر وقابجية بطلب محمد كتخدا من بيته ففعل ذلك فلما وصلوا إلى هناك ويقدمهم أبو مناخير فضة وجدوا رمي الرصاص فرجعوا ودخلوا من درب المغربلين وأرادوا ثقب البيت من خلفه فأخبرهم بعض الناس وقال لهم: الذي مرادكم فيه ج / 1 ص -256- دخل بيت الطويل فاتوا إلى الباب فوجدوه مغلوقا من خارج فطلبوا حطبا وأرادوا أن يحرقوا الباب فخاف الذين أبقوهم في البيت من النهب فقتلوا لاظ إبراهيم ومن معه وطلعوا إلى أحمد كتخدا فقتلوه أيضا وألقوه من الشباك المطل على حوض الداودية فقطعوا رأسه وأخذوها إلى رضوان كتخدا فأعطاهم البقاقيش وقطع رجل ذراعه وذهب بها إلى الست الجلفية وأخذ منها بقشيشا أيضا. ورجع من كان في الجنازة وفتحوا الباب وأخرجوا لاظ إبراهيم ميتا ومن معه وقطعوه قطعا. واستمر أحمد كتخدا مرميا من غير رأس ولا ذراع حتى دفنوه بعد الغروب ثم دفنوا معه الرأس والذراع. ومات الأمير سليمان جاويش تابع عثمان كتخدا القازدغلي الذي جعله ناظرا ووصيا وكان جوخداره ولما قتل سيده استولى على تركته وبلاده ثم تزوج بمحظية أستاذه الست شويكار الشهيرة الذكر ولم يعط الوارث الذي هو عبد الرحمن بن حسن جاويش أستاذ عثمان كتخدا سوى فائظ أربعة أكياس لا غير. وتواقع عبد الرحمن جاويش على اختيارية الباب فلم يساعده أحد فحنق منهم واتسلخ من بابهم وذهب إلى باب العزب وحلف أنه لا يرجع إلى باب الينكجرية ما دام سليمان جاويش حيا. وكان المترجم صحبة أستاذه وقت المقتلة ببيت الدفتردار فانزعج وداخله الضعف ومرض القصبة ثم انفصل من الجاويشية وعمل سردار قطار سنة أحدى وخمسين وركب في الموكب وهو مريض وطلع إلى البركة في تختروان وصحبته الطبيب فتوفي بالبركة وأمير الحاج إذ ذاك عثمان بك ذو الفقار وكان هناك سليمان أغا كتخدا الجاويشية وهو زوج ام عبد الرحمن جاويش فعرف الصنجق بموت سليمان جاويش ووارثه عبد الرحمن جاويش وأستأذنه في أحضاره وإن يتقلد منصبه عوضه فأرسلوا إليه وأحضروه ليلا وخلع عليه عثمان بك قفطان السردارية وأخذ عرضه من ج / 1 ص -257- باب العزب وطيب سليمان اغا خاطر الباشا بحلوان وكتب البلاد باسم عبد الرحمن جاويش واتباعه وتسلم مفاتيح الخشاخين والصناديق والدفاتر من الكاتب وجاز شيئا كثيرا وبرفي قسمه ويمينه. ومات الأمير محمد بك بن إسمعيل بك الدفتردار وقتل الأمراء المتقدم ذكرهم في بيته ووالدته بنت حسن اغا بلغيه. وخبر موته أنه لما حصل ما حصل وانقلب التخت عليهم اختفى المترجم في مكان لم يشعر به أحد فمرضت والدته مرض الموت فلهجت بذكر ولدها فذهبوا إليه وقنعوه وأتوا به إليها من المكان المحتفي فيه بزي النساء فنظرت إليه وتأوهت وماتت ورجع إلى مكانه. وكانت عندهم امرأة بلانة فشاهدت ذلك وعرفت مكانه فذهبت إلى اغات الينكجرية واخبرته بذلك فركب إلى المكان الذي هو فيه في التبديل وكبسوا البيت وقبضوا عليه وركبوه حمارا وطلعوا به إلى القلعة فرموا عنقه وكانوا نهبوا بيته قبل ذلك في أثر الحادثة وكان موته أواخر 1149. ومات عثمان كاشف ورضوان بك أمير الحاج سابقا ومملوكه سليمان بك فإنهم بعد الحادثة وقتل الأمراء المذكورين وانعكاس أمر المذكورين اختفوا بخان النحاس في خان الخليلي وصحبتهم صالح كاشف زوج بنت ايواظ الذي هو السبب في ذلك فاستمروا في اخفائهم مدة ثم إنهم دبروا بينهم رأيا في ظهورهم واتفقوا على ارسال عثمان كاشف إلى إبراهيم جاويش قازدغلي فغطى راسه بعد المغرب ودخل إلى بيت إبراهيم جاويش فلما رآه رحب به وسأله عن مكانهم فأخبره أنهم بخان النحاس وهم فلان وفلان يدعون لكم ويعرفون همتكم وقصدهم الظهور على أي وجه كان. فقال له: نعم ما فعلتم وآنسه بالكلام إلى بعد العشاء عندما أراد أن يقوم فقال له: اصبر وقام كأنه يزيل ضرورة. فأرسل سراجا إلى محمد جاويش الطويل يخبره عن عثمان كاشف بانه عنده فأرسل إليه ج / 1 ص -258- طائفة وسراجين وقفوا له في الطريق وقتلوه. ووصل الخبر إلى ولده ببيت أبي الشوارب فحضر إليه وواراه وأخذ ولده المذكور إبراهيم جاويش وطلع في صبحها إلى الباب فأخبر أغات مستحفظان فنزل وكبس خان النحاس وقبض على رضوان بك وصحبته ثلاثة فأحضرهم إلى الباشا فقطع رؤوسهم. واما صالح كاشف فإنه قام وقت الفجر فدخل إلى الحمام فسمع بالحمام قتل عثمان كاشف في حوض الداودية فطلع من الحمام وهو مغطى الرأس وتأخر في رجوعه إلى خان الخليلي. ثم سمع بما وقع لرضوان بك ومن معه فضاقت الدنيا في وجهه فذهب إلى بيته وعبأ خرج حوايج وما يحتاج إليه وحمل هجينا وأخذ صحبته خداما ومملوكا راكبا حصانا وركب وسار من حارة السقايين على طريق بولاق على الشرقية وكلما أمسى عليه الليل يبيت في بلد حتى وصل عربان غزة. ثم ذهب في طلوع الصيف إلى اسلامبول ونزل في مكان. ثم ذهب عند دار السعادة وكان أصله من اتباع والد محمد بك الدفتردار فعرفه عن نفسه فقال له: أنت السبب في خراب بيت ابن سيدي وأستاذن في قتله فقتلوه بين الأبواب في المحل الذي قتل فيه الصيفي سراج جركس فكان تحرك هؤلاء الجماعة وطلبهم الظهور من الاختفاء كالباحث على حتفه بظلفه. ومات الأمير خليل بك قطامش أمير الحاج سابقا تقلد الإمارة والصنجقية سنة تسع وأربعين بالحج اميرا سنة ثمان وخمسين ولم يحصل في إمارته على الحجاج راحة وكذلك على غيرهم. وكان اتباعه يأخذون التبن من بولاق ومن المراكب إلى المناخ من غير ثمن ومنع عوائد العرب وصادر التجار في أموالهم بطريق الحج. وكانت أولاد خزنته ومماليكه أكثرهم عبيد سود يقفون في حلزونات العقبة ويطلبون من الحجاج دراهم مثل الشحاتين. وكان الأمير بك ذو الفقار يكرهه ج / 1 ص -259- ولا تعجبه احواله ولما وقع للحجاج ما وقع في إمارته ووصلت الأخبار إلى مولاي عبد الله صاحب المغرب وتأخر بسبب ذلك الراكب عن الحج في السنة الاخرى أرسل مكتوبا إلى علماء مصر وأكابرهن ينقم عليهم في ذلك ويقول فيه وإن مما شاع بمغربنا والعياذ بالله وذاع وانصدعت منه صدور أهل الدين والسنة أي انصداع وضاقت من أجله الأرض على الخلائق وتحمل من فيه إيمان لذلك ما ليس بطائق من تعدى أمير حجكم على عباد الله واظهار جرأته على زوار رسول الله فقد نهب المال وقتل الرجال وبذل المجهود في تعدية الحدود وبلغ في خبثه الغاية وجاوز في ظلمه الحد والنهاية فيالها من مصيبة ما اعظمها ومن داهية دهماء ما اجسمها فكيف يا أمة محمد صلى الله عليه وسلم يهان أو يضام حجاج بيت الله الحرام وزائرو نبينا عليه الصلاة والسلام وبسببها تأخر الركب هذه السنة لهنالك وافصحت لنا علماء الغرب بسقوطه لما ثبت عندهم ذلك فياللعجب كيف بعلماء مصر ومن بها من اعيانها لا يقومون بتغيير هذا المنكر الفادح بشيوخها وشبانها. فهي والله معرة تلحقهم من الخاص والعام إلى آخر ما قال: فلما وصل الجواب واطلع عليه الوزير محمد باشا راغب أجاب عنه بأحسن جواب وأبدع فيما أودع من درر وغرر تسلب عقول أولي الالباب يقول فيه بعد صدر السلام وسجع الكلام ينهي بعد ابلاغ دعاء نبع من عين المحبة وسما وملأ بساط أرض الود وطما أن كتابكم الذي خصصتم الخطاب به إلى ذوي الافاضة الجلية النقية سلالة الطاهرة الفاخرة الصديقية اخواننا مشايخ السلسلة البكرية تشرفت انظارنا بمطالعة معانية الفائقة والتقطت انامل أذهاننا درر مضامينه الكافية الرائقة التي ادرجتم فيها ما ارتكبه أمير الحاج السابق في الديار المصرية في حق قصاد بيت الله الحرام وزوار روضة النبي الهاشمي عليه افضل الصلاة والسلام. فكل ما حررتموه صدر من الشقي المذكور بل ج / 1 ص -260- أكثر مما تحويه بطون السطور لكن الزارع لا يحصد إلا من جنس زرعه في حزن الأرض وسهله ولا يحيق المكر السيء إلا بأهله لأن الشقي المذكور لما تجاسر إلى بعض المنكرات في السنة الأولى حملناه إلى جهالته وأكتفينا بتهديدات تلين عروق رعونته وتكشف عيون هدايته فلم تفد في السنة الثانية إلا الزيادة في العتو والفساد ومن يضلل الله فما له من هاد. ولما تيقنا أن التهديد بغير الايقاع كالضرب في الحديد البارد أو كالسباخ لا يرويها جريان الماء الوارد هممنا باسقائه من حميم جراء افعاله لأن كل أحد من الناس مجزى باعماله فوفقني الله تعالى لقتل الشقي المذكور مع ثلاثة من رفقائه العاضدين له في الشرور وطردنا بقيتهم بانواع الخزي إلى الصحاري فهم بحول الله كالحيتان في البراري وولينا إمارة الحج من الأمراء المصريين من وصف بين أقرانه بالانصاف والديانة وشهد له بمزيد الحماية والصيانة. والحمد لله حق حمده رفعت البلية من رقاب المسلمين خصوصا من جماعة ركبوا غارب الأغتراب بقصد زيارة البلد الأمين. فان كان العائق من توجه الركب المغربي تسلط الغادر السالف فقد انقضى أوان غدره على ما شرحناه وصار كرماد اشتدت به الريح في يوم عاصف والحمد لله على ما منحنا من نصرة المظلومين وأقدرنا على رغم أنوف الظالمين وصلى الله على سيدنا محمد خاتم النبيين والمرسلين والحمد لله رب العالمين تحريرا في سادس عشر المحرم افتتاح سنة 1161. واجاب أيضا الأشياخ بجواب بليغ مطول اعرضت عن ذكره لطوله ومات خليل بك المذكور قتيلا في ولاية راغب باشا سنة 1160 قتله عثمان أغا أبو يوسف بالقلعة وقتل معه أيضا عمر بك بلاط وعلي بك الدمياطي ومحمد بك قطامش الذي كان تولى الصنجقية وسافر بالخزينة سنة سبع وخمسين عوضا عن عمر بك ابن علي بك ونزلت البيارق والعسكر والمدافع لمحاربة إبراهيم بك وعمر بك وسليمان ج / 1 ص -261- بك القطامشة فخرجوا بمتاعهم وعازقهم وهجنهم من مصر إلى قبلى ونهبوا بيوت المقتولين والفارين وبعض من هم من عصبتهم. ومات محمد بك المعروف باباظة وذلك أنه لما حصلت واقعة حسين بك الخشاب وخروجه من مصر كما تقدم في ولاية محمد باشا راغب حضر محمد بك المذكور إلى مصر وصحبته شخص آخر فدخلا خفية واستقرا بمنزل بعض الاختيارية من وجاق الجاويشية فوصل خبره إلى إبراهيم جاويش فأرسل إليه اغات الينكجرية فرمى عليه بالرصاص وحاربه. وحضر أيضا بعض الأمراء الصناجق فلم يزل يحاربهم حتى فرغ ما عنده من البارود فقبضوا عليه وقتلوه في الداودية ورموا رقبة بباب زويلة. ومات الأجل الامثل المبجل الخواجا الحاج قاسم بن الخواجا المرحوم الحاج محمد الدادة الشرايبي من بيت المجد والسيادة والامارة والتجارة وسبب موته أنه نزلت بانثيية نازلة فاشاروا عليه بفصدها واحضروا له حجاما ففصده فيها بمنزله الذي خلف جامع الغورية. ثم ركب إلى منزله بالازبكية فبات به تلك الليلة. وحضر له المزين في ثاني يوم ليغير له الفتيلة فوجد الفصد لم يصادف المحل فضربه بالريشة ثانيا فأصابت فرخ الانثيين ونزل منه دم كثير. فقال له: قتلتني انج بنفسك. وتوفي في تلك الليلة وهي ليلة السبت ثاني عشر ربيع الاخر سنة 1147 فقبضوا على ذلك المزين وأحضروه إلى أخيه سيدي أحمد فأمرهم باطلاقه فأطلقوه وجهزوا المتوفى وخرجوا بجنازته من بيته بالازبكية في مشهد عظيم حضره العلماء وأرباب السجاجيد والصناجق والاغوات والاختيارية والكواخي حتى أن عثمان كتخدا القازدغلي لم يزل ماشيا إمام نعشه من البيت إلى المدفن بالمجاورين. ومات الأمير حسن بك المعروف بالوالي الذي سافر بالخزينة إلى الديار ج / 1 ص -262- الرومية فتوفي بعد وصوله إلى اسلامبول وتسليمه الخزينة بثلاثة أيام ودفن باسكدار وألبسوا حسن مملوكه إمارته وذلك في أوائل جمادى الأولى سنة 1148. ومات الوزير المكرم عبد الله باشا الكبورلي الذي كان واليا في مصر في سنة 1143 وقد تقدم أنه من أرباب الفضائل وله ديوان وتحقيقات وكان له معرفة بالفنون والادبيات والقراءات وتلا القرآن على الشهاب الأسقاطي وأجازه وعلى محمد بن يوسف شيخ القراء بدار السلطنة. الأمير عثمان بك ذو الفقار. هو وإن لم يمت لكنه خرج من مصر ولم يعد إليها إلى أن مات بالروم وانقطع امره من مصر فكأنه صار في حكم من مات. وليس هو ممن يهمل ذكره أو يذكر في غير موضعه لأنه عاش بعد خروجه من مصر نيفا وثلاثين سنة. ولجلالة شأنه جعل أهل مصر سنة خروجه منها تاريخا لاخبارهم ووقائعهم ومواليدهم إلى الآن من تاريخ جمع هذا الكتاب أعني سنة 1220 فيقولون جرى كذا سنة خروج عثمان بك وولدت سنة خروج عثمان بك أو بعده بكذا سنة أو شهر. هو تابع الأمير ذي الفقار تابع عمر اغا تقلد الإمارة والصنجقية سنة 1138 بعد ظهور أستاذه من اختفائه وخروج محمد بك جركس من مصر فتقلد الإمارة وخرج بالعسكر للحوق بجركس وصحبته يوسف بك قطامش والتجريدة فوصلوا إلى حوش ابن عيسى وسألوا عنه فأخبرهم العرب أنه ذهب من خلف الجبل الأخضر إلى درنة. فعاد بالعسكر إلى مصر وتقلد عدة مناصب وكشوفيات الأقاليم في حياة أستاذه ولما رجع محمد بك جركس في سنة اثنتين وأربعين خرج إليه بالعسكر وجرى ما تقدم ذكره من الحروب والانهزام وخروجه صحبة علي بك قطامش ولما قتل سيده ج / 1 ص -263- بيد خليل آغا وسليمان أبي دفية قبل صلاة العشاء وجرى ما تقدم أرسلوا إليه وحضر من التجريدة وجلس ببيت أستاذه وتقلد خشداشة على الخازندار الصنجقية وتعضده به ومات محمد بك جركس ودخل براسه علي قطامش ثم تفرغوا للقبض على القاسمية فكان كلما قبضوا على أمير منهم أحضروه إلى محمد باشا فيرسله إلى المترجم فيأمر برمي عنقه تحت المقعد حتى افنوا الطائفة القاسمية قتلا وطردا وتشتتوا في البلاد واختفوا في النواحي والتجأ الكثير منهم إلى أكابر الهوارة ببلاد الصعيد ومنهم من فر إلى بلاد الشام والروم ولم يعد إلى مصر حتى مات ومات خشداشه علي بك بولاية جرجا سنة ثمان وأربعين فقلد عوضه مملوكه حسن الصنجقية. ولما حصلت كائنة قتل الأمراء الأحد عشر ببيت الدفتردار وكان المترجم حاضرا في ذلك المجلس وأصابه سيف فقطع عمامته فنزل وركب وخرج من باب البركة وسار إلى باب الينكجرية واجتمع إليه الأعيان من الاختيارية والجاويشية واحضروا عمر بن علي بك قطامش فقلدوه إمارة أبيه وضموا إليهم باب العزب وعملوا متاريس وحاربوا المجتمعين بجامع السلطان حسن حتى خذلوهم وتفرقوا واختفوا كما تقدم وعزلوا الباشا. وظهر أمر المترجم بعد هذه الواقعة وانتهت إليه رياسة مصر وقلد أمراء من اشراقاته وحضر إليه مرسوم من الدولة بالإمارة على الحج فطلع بالحج سنة أحدى وخمسين ورجع سنة اثنتين وخمسين في أمن وأمان وسخاء ورخاء. ولما حصلت الكائنة التي قتل فيها علي كتخدا الجلفي تعصب المترجم أيضا لطلب ثآره وبذل همته في ذلك وعضد اتباعه وعزل الباشا المتولي وقلد رضوان كتخدائية العزب عوضا عن أستاذه واحاط بأحمد كتخدا قاتل المذكور حتى قتل هو ولاظ إبراهيم كما تقدم وقلد مملوكه سليمان كاشف الصنجقية وجعله اميرا على الحج وسافر به سنة ثلاث وخمسين ج / 1 ص -264- ورجع سنة أربع وخمسين في أمن وأمان وطلع عمر بك ابن علي بك قطامش سنة أربع وخمسين ورجع سنة خمس وخمسين. ثم ورد أمر للمترجم بامارة الحج سنة خمس وخمسين وذلك في ولاية يحيى باشا. وفي تلك السنة عمل المترجم وليمة ليحيى باشا في بيته وحضر إليه وقدم له تقادم وهدايا ولم يتفق نظير ذلك فيما تقدم بان الباشا نزل إلى بيت أحد من الأمراء وإنما كانوا يعملون لهم الولائم بالقصور خارج مصر مثل قصر العيني أو المقياس. وطلع بالحج تلك السنة ورجع سنة ست وخمسين في أمن وأمان وانتهت إليه الرياسة وشمخ على أمراء مصر ونفذ احكامه عليهم قهرا عنهم وعمل في بيته دواوين لحكومات العامة وانصاف المظلوم من الظالم وجعل لحكومات النساء ديوانا خاصا ولا يجري احكامه إلا على مقتضى الشريعة ولا يقبل الرشوة ويعاقب عليها ويباشر أمور الحسبة بنفسه. وعمل معدل الخبز وغيره حتى الشمع والفحم ومحقرات المبيعات شفقة على الفقارء ومنع المحتسب من أخذ الرشوات وهجج الشهود من المحاكم. وكان يرسل الخاصكية اتباعه في التعايين حتى على الأمراء ولم يعهد عليه أنه صادر أحدا في ماله وأخذ مصلحة على ميراث ومات كثير من الأغنياء وأرباب الأموال العظيمة مثل عثمان حسون وسليمان جاويش تابع عثمان كتخدا فلم تطمح نفسه لشيء من أموالهم. ولما ورد الأمر بابطال المرتبات وجعلوا على تنفيذها مصلحة للباشا وغيره افرزوا له قدرا امتنع من قبوله واقتدى به رضوان بك وقال: هذا من دموع الفقراء وإن حصلت الاجابة كانت مظلمة وإن لم تحصل كانت مظلمتين. وكان عالي الهمة حسن السياسة ذكي الفطنة يحب اقامة الحق والعدل في الرعية وهابته العرب وامنت الطرق والسبل البرية والبحرية في أيامه وله حسن تدبير في الأمور طاهر الذيل شديد االغيرة. ولم يأت بعد إسمعيل بك ابن ايواظ في أمراء مصر من يشابهه او ج / 1 ص -265- يدانيه لولا ما كان فيه من حدة الطبيعة إذ قال كلاما أو عاند في شيء لا يرجع عنه وكان لا يجالس إلا أرباب الفضائل مثل المرحوم الشيخ الوالد والسيد أحمد النخال والشيخ عبد الله الادكاوي والشيخ يوسف الدلجي وسيدي مكي وقرأ على الشيخ الوالد تحفة الملوك في المذهب والمقامات الحريرية وكتبها له بخطة التعليق الحسن في خمسين جزأ لطافا كل مقامة على حدتها وألف لاجله مناسك الحج المشهورة في جزء لطيف وبالجملة فكان المترجم من خيار الأمراء لولا ما كان فيه من الحدة حتى استوحشوا منه وحضر إليه يوما على باشجاويش اختيار مستحفظان الدرندلي في قبضة فسبه وشتمه وكذلك علي جاويش الخربطلي شتمه واراد أن يضربه وغير ذلك. السبب في كائنة عثمان بك وخروجه من مصر. مبدأ ذلك تغير خاطره من إبراهيم جاويش وتغير خاطر إبراهيم جاويش منه لامور وحقد باطني لا تخلو عنه الرياسة والامارة في الممالك. والثاني أن علي كاشف له حصة بناحية طحطا وباقي الحصة تعلق عبد الرحمن جاويش ابن حسن جاويش القازدغلي فاجرها لعثمان بك ونزل علي كاشف فيها على حصته وحصة مخدومه فحضر إليه رجل واغراه على قتل حماد شيخ البلد وياخذ من أولاده مائة جنزرلي وحصانا ويعمل واحدا منهم شيخا عوضا عن أبيه ففعل ذلك ووعده إلى أن يذهب منهم شخص إلى مصر ويأتي بالدراهم من الأمين وضمنهم الذي كان السبب في قتل أبيهم فحضر شخص منهم إلى مصر وطلب من الأمين مائة جنزرلي وحكى له ما وقع فأخذه وأتى به إلى إبراهيم جاويش القازدغلي وعرفه بالقصة وما فعل علي كاشف باغراء سالم شيخ البلد وانه ضمنهم أيضا في المائة جنزرلي وقد أتى في غرضين تمنع عنه علي كاشف وتخلص ثاره من سالم. فركب إبراهيم جاويش وأتى بيت عبد الرحمن جاويش وصحبته الولد فقص ج / 1 ص -266- عليه القصة وفمهما ثم إنهم ركبوا وذهبوا عند عثمان بك فوجدوا عنده عبد الله كتخدا القازدغلي وعلي كتخدا الجلفي فسلموا وجلسوا فقال إبراهيم جاويش نحن قد اتينا في سؤال قال الصنجق خير. فذكر القصة ثم قال له: أرسل اعزل علي كاشف وأرسل خلافه. فقال الصنجق صاحب قيراط في الفرس يركب وهذا له حصة فلا يصح إني اعزله وللحاكم الخروج من حق المفسود. وتراددوا في الكلام إلى أن احتد الصنجق وقال إبراهيم جاويش أنت لك غيره على بلاد الناس وسنتك فرغت وأنا استأجرت الحصة. فقال له: الصنجق أنزل اعمل كاشفا فيها على سبيل الهزل. فقام إبراهيم جاويش منتورا وقام صحبته عبد الرحمن جاويش وذهبوا إلى بيت عمر بك فوجدوا عنده خليل اغا قطامش وأحمد كتخدا البركاوي صنجق ستة فحكوا لهم القصة وما حصل بينهم وبين عثمان بك فقال أحمد كتخدا عزبان الجمل والجمال حاضران أكتب ايجار حصة اخيك عبد الرحمن جاويش وخذ على موجبها فرمانا بالتصرف في الناحية فأحضروا واحدا شاهدا وكتبوا الايجار. وبلغ الخبر عثمان بك فأرسل كتخداه إلى الباشا يقول لا تعط فرمانا بالتصرف في ناحية طحطا لإبراهيم جاويش فلما خرجت الحجة أرسلها للباشا صحبة باشجاويش فامتنع الباشا من اعطاء الفرمان فقامت نفس إبراهيم جاويش من عثمان بك وعزم على غدره وقتله. ودار على الصناجق والوجاقلية وجمع عنده انفارا فسعى علي كتخدا الجلفي وبذل جهده في تمهيد النائرة وأرسل إبراهيم جاويش ابن حماد وقال له: لما تطلع البلد وزع كامل ما عندك وخليكم على ظهور الخيل ولما يأتيكم سالم اقتلوه واخرجوا من البلد حتى ينزل كاشف من طرفي أرسل لكم ورقة أمان ارجعوا وعمروا. فنزل الولد وفعل ما قاله له: الجاويش فوصل الخبر على كاشف فركب خلفهم فلم يحصل منهم أحدا وأرسل إبراهيم جاويش كاشفا من طرفه ج / 1 ص -267- بطائفة ومدافع ونقارية وورقة أمان لأولاد حماد. واستمر علي كتخدا يسعى حتى أصلح بين الصنجق والجاويش والذي في القلب في القلب كما قيل: أن القلوب إذا تنافر ودها مثل الزجاج كسرها لا يجبر ولما أخذ الخبر علي كاشف بالخصومة حضر إلى مصر قبل نزول الكاشف الجديد وكانت هذه القضية أوائل سنة 1149 قبل واقعة بيت الدفتردار وقتل الأمراء. وأما النفرة التي لم يندمل جرحها فهي دعوة برديس وفرشوط وهو أن شيخ العرب همام رهن عند إبراهيم جاويش ناحية برديس تحت مبلغ معلوم لأجل معلوم وشرط فيه وقوع الفراغ بمضي الميعاد فأرسل همام إلى المترجم يستعير جاهه في منع الفراغ بالناحية لإبراهيم جاويش فاخبر عثمان بك الباشا وقال له: هوارة قبلي راهنون عند إبراهيم جاويش بلدا وأرسلوا يقولون أن أوقع فيها فراغه وأرسل لها كاشفا قتلناه وقطعنا الجالب فانتم لا تعطونه فرمانا في بلاد هوارة فإنهم يوقفون المال والغلال. فلم يتمكن إبراهيم جاويش من عمل الفراغ ويطلب الدراهم فلا يعطيه وطالت الأيام وعثمان بك مستمر على عناده وإبراهيم جاويش يتواقع على الأمراء والاختيارية فلم ينفذ له غرض ويحتج عليه باشياء وشبه قوية وحسابات وحوالات ونحو ذلك إلى أن ضاق خناق إبراهيم جاويش فاجتمع على عمر بك وخليل بك وانجمعوا على رضوان كتخدا وكان انفصل من كتخدائية الباب فقالوا له: إما أن تكون معنا وأما أن ترفع يدك من عثمان بك. فلم يطاوع وقال هذا لا يكون وكيف إني أفوت إنسانا بذل مجهوده في تخليص ثارنا من اخصامنا ولولا هو لم يبق منا انسان. وكان وجاق العزب لهم صولة وخصوصا بعد الواقعة الكبيرة ولا يقع أمر بمصر إلا بيدهم ومعونتهم. فلما ايسوا منه قالوا: له إذا كان ج / 1 ص -268- كذلك فانت سياق عليه في قضية اخينا إبراهيم جاويش فوعدهم بذلك وذهب إلى عثمان بك وكلمه في خصوص ذلك. فقال هذا شيء لا يكون ولا يفرحون به فألح عليه في الكلام فنفر فيه وقال له: اترك هذا الكلام وأشار إلى وجهة بالمذبة فانجرح انفه فأخذ في نفسه رضوان كتخدا واغتم وقال له: حيث إنك لم تقبل شفاعتي دونك وأياهم ولا أدخل بينك وبينهم. وركب إلى بيته وأرسل إلى إبراهيم جاويش عرفه بذلك فركب في الوقت وأخذ صحبته حسن جاويش النجدلي وذهبوا إلى عمر بك فوجدوا عنده خليل بك ومحمد بك صنجق ستة فاجمعوا أمرهم واتفقوا على الركوب على عثمان بك يوم الخميس على حين غفلة وهو طالع إلى الديوان فاكمنوا له في الطريق فلما ركب في صبح يوم الخميس وصحبته إسمعيل بك أبو قلنج خرج عليه خليل بك ومن معه وهجم على عثمان بك شخص وضربه بالسيف في وجهه فزاغ عنه ولم يصب إلا طرف انفه ولفت وجهه ودخل من العطفة النافذة إلى بيت مناو وراس الخيمية وخاف من رجوعه على بيت إبراهيم جاويش ومر على قصبة رضوان على حمام الوالي وهرب أبو قلنج إلى بيت نقيب الأشراف. وبلغ الخبر عبد الله كتخدا فركب في الحال ليتدارك القضية ويمنعه من الركوب فوجده قد ركب ولاقاه عند حمام الوالي فرجع صحبته إلى البيت وإذا بإبراهيم جاويش وعلي جاويش الطويل وحسن جاويش النجدلي تجمعوا ومعهم عدة وافرة واحاطوا بالجهات وهجموا على بيوت اتباعه واشراقاته وأوقعوا فيها النهب واحرقوها بالنار وركبوا المدافع في رؤوس السويقة وضربوا بالرصاص من كل جهة وأخذوا ينقبون عليه البيت. فلما رأى ذلك الحال أمر بشد الهجن وركب وخرج من البيت وتركه بما فيه ولم يأخذ منه إلا بعض نقود مع أعيان المماليك وطلع من وسط المدينة ومر على الغورية ودخل من مرجوش وخرج من باب الحديد وذهب إلى بولاق. ج / 1 ص -269- ونزل في جامع الشيخ أبي العلا ولم يذهب أحد خلفه بل غم أمره على غالب الناس وعند خروجه دخل العسكر إلى بيته ونهبوه وسبوا الحريم والجواري واخرجوا منه ما يجل عن الوصف واغتنى كثير من السراجين وغيرهم من ذلك اليوم وصاروا تجارا وأكابر ولم يزالوا في النهب حتى قلعوا الرخام والاخشاب وأوقدوا النار. وحضر اغات الينكجرية أواخر النهار واخرج العالم وقفل الباب واعطى المفتاح للوالي ليدفن القتلى ويطفيء النار وأقامت النار وهم يطفئونها يومين وكان أمرا شنيعا. واما عثمان بك فإنه لما نزل بمسجد أبي العلا وصحبته عبد الله كتخدا أقاما إلى بعد الغروب فأرسل عبد الله كتخدا إلى داره فاحضر خياما وفراشا وقومانية وركبوا بعد الغروب وذهبوا إلى جهة قبلي من ناحية الشرق فلم يزالا إلى أن وصلا إلى اسيوط عند علي بك تابعه حاكم جرجا واجتمعت عليه طوائف القاسمية الهاربين الكائنين بشرق أولاد يحيى وغيرهم. واما ما كان من إبراهيم جاويش القازدغلي فإنه جعل مملوكه عثمان اغات متفرقة وكذلك رضوان كتخدا جعل مملوكه إسمعيل اغات عزب وشرعوا في تشهيل تجريدة وجعلوا خليل بك قطامش أمير العسكر. ووعدوه بولاية جرجا إذا قبض على عثمان بك. فجهزوا انفسهم وجمعوا الأسباهية وسافروا إلى أن قربوا من ناحية اسيوط فأرسلوا جواسيس لينظروا مقدار المجتمعين فرجعوا وأخبروا أنهم نحو خمسمائة جندي وعلي بك وسليمان وبشير كاشف وطوائفهم فاشاروا على عثمان بك بالهجوم على خليل بك ومن معه فلم يرض وقال المتعدي مغلوب. ثم إنهم أرسلوا إلى إبراهيم جاويش يطلبون منه تقوية فإنهم في عزوة كبيرة فشرع في تجهيز نفسه وأخذ صحبته علي جاويش الطويل وعلي جاويش الخربطلي وكامل اتباعهم وانفارهم وسافروا إلى أن وصلوا عند خليل بك. ووصل الخبر إلى عثمان بك فتفكر في نفسه ساعة ثم قال لعبد الله ج / 1 ص -270- كتخدا القازدغلي أنتم لم تفوتوا بعضكم. واشار عليه بان يطلع إلى عند السردار وطلع عند السردار وعدى عثمان بك ومن معه وانعم على القاسمية الواصلين إليه ورجعوا إلى أماكنهم. وسار هو من جهة الشرق إلى السويس ثم ذهب إلى الطور فاقام عند عرب الطور مدة أياما. ووصل إبراهيم جاويش ومن معه إلى اسيوط فوجدوه قد ارتحل وحضر إليهم السردار فأخبرهم بارتحال عثمان بك وتخلف عبد الله كتخدا عنده فأرسل إليه علي جاويش الطويل فاحضره إلى إبراهيم جاويش وعاتبه وارتحل في ثاني يوم خوفا من دخول عثمان بك إلى مصر. ولما وصل إبراهيم جاويش إلى مصر اتفقوا على نفي عبد الله كتخدا إلى دمياط فسافر إليها بكامل اتباعه ثم هرب إلى الشام وتوفي هناك ورجعت اتباعه إلى مصر بعد وفاته. ولما وصل عثمان بك إلى السويس أرسل القبطان الخبر بوروده البندر وصحبته سليمان بك وبشير كاشف بطوائفهم وإنهم أخذوا من البندر سمنا وعسلا وجبنا ودقيقا وذهبوا إلى الطور فعملوا جمعية في بيت إبراهيم بك قطامش واتفقوا على ارسال صنجقين وهما مصطفى بك جاهين ومحمد بك قطامش وصحبتهما اغات بلوك واسباهية وكتخدا إبراهيم بك وكتخدا عمر بك وطلعوا إلى الباشا فخلع عليهم قفاطين وجهزوا انفسهم وأخذوا مدفعين وجبخانة وساروا. ووصل الخبر إلى عثمان بك فخاف على العرب وركب بمن معه وأتى قرب اجرود فتلاقى معهم هناك ووقعت بينهم معركة ابلى فيها علي بك وسليمان بك وبشير كاشف وقتل كتخدا إبراهيم بك وكان عثمان بك نازلا بعيدا عن المعركة فأرسل إليهم وأمرهم بالرجوع وارتحل إلى الطور. وأما التجريدة فإنهم قطعوا رؤوسا من العرب ودخلوا بها مصر وكان عثمان بك أرسل مكاتبة سرا إلى محمد افندي كاتبه التركي يطلبه أن يأتيه إلى الطور فحضر محمد افندي المذكور إلى إبراهيم جاويش الذي أحضر رجلا بدويا طوريا ج / 1 ص -271- وسلمه له فاركبه هجينا وسار به إلى الطور فلما وصل إليه واجتمع به زين له الذهاب إلى اسلامبول وحسن له ذلك وانه يحصل له بذلك وجاهة ورفعة ويحصل من بعد الأمور أمور. فوافق على ذلك وعزم عليه وركب عثمان بك ومحمد افندي ومعهم جماعة عرب اوصلوهم إلى الشام ومنها ذهب إلى اسلامبول ودخل علي بك وسليمان بك وبشير اغا إلى مصر وبعد مدة ظهر بشير اغا فأرسله إبراهيم جاويش قائمقام على امانة في الصعيد. ولما وصل المترجم إلى اسلامبول وقابل رجال االدولة أكرموه وانزلوه بمنزل متسع باتباعه وخدمة وعينوا له كفايته من كل شيء. واجتمع بالسلطان وسأله عن احوال مصر فاخبره فقال له: من جملة الكلام وما صنعت مع اخوانك حتى تعصبوا عليك واخرجوك قال: لكوني أقول الحق واقيم الشرع فعلوا معي ما فعلوه ونهبوا من بيتي ما يزيد على الفي كيس ومن وسايا البلاد والخيار الشنبر ألف كيس وحلوان بلادي ألف كيس. فامر بكتابة مرسوم وطلب أربعة آلاف كيس وعينوا بذلك قابجي باشا ويكرمي سكزجلبي الذي كان الجي في بلاد الموسكو وبلاد فرنسيس وحضروا إلى مصر في أيام محمد باشا الذي تولى بعد يحيى باشا المعروف باليدكشي وذلك أواخر سنة سبع وخمسين. فلما قرىء ذلك المرسوم قالوا: في الجواب أما البيت فقد نهبته العسكر والرعايا والأوسية والخيار الشنبر نهبته اتباعه وخدمه والعرب والفلاحون وأما حلوان البلاد فعندما يتحرر الحساب فيخصم منه الذي في عهدته من المال السلطاني وما بقي ندفعه مثل العادة عن ثلاث سنوات فقال لهم: يكرمي سكزجلبي حرروا ثمن البلاد والخيار الشنبر واخصموا منه ما عليه وما بقي أكتبوا به عرض محضر ويذهب به قابجي باشا ويرجع لكم بالجواب. ففعلوا ذلك وذهب قابجي باشا وصحبته إسمعيل بك أبو قلتج بخزينة سنة ست وخمسين ولما عرض قابجي باشا ج / 1 ص -272- العرض بحضرة عثمان بك قال: ليس في جهتي هذا القدر ولكن أرسلوا يطلب الرزنامجي وأحمد السكري كتخدادي وكاتبي يوسف وجيش فكتبوا فرمانا بحضور المذكورين وأرسلوه صحبة جوخدار معين خطابا إلى محمد باشا ويكرمي سكن جلبي وذكروا فيه أن يكرمي سكزجلبي يحضر بثلث الحلوان بولصة. فلما وصل الجوخدار جمع الباشا الصناجق والاغوات والبلكات وقرأ عليهم ذلك المرسوم. فقالوا في الجواب أن من يوم هروب المترجم وخروجه من مصر لم نر كتخداه ولا يوسف وجيش الكاتب وأما الروزنامجي فهو حاضر ولكنه لا يمكنه النقص ولا الزيادة لأن حساب المبري محرر في المقاطعات والحال أن ابن السكري كان ممن نافق على أستاذه حتى وقع له ما وقع وأخذه إبراهيم جاويش عنده وجعله كتخدا وبعد مدة جعله متفرقة باشا ثم قلده الصنجقية وهو أحمد بك السكري أستاذ يحيى كاشف أستاذ علي كتخدا الموجود الآن الذي كان ساكنا بالسبع قاعات وبها اشتهر. ثم إنهم أكرموا سكز جلبي وقدموا له التقادم وعملوا له عزائم وولائم وهادوه بهدايا ثم اعطوه بولصة بثلث الحلوان وسافر من مصر مثنيا ومادحا في القطامشة والدمايطة والقازدغلية. ثم إنهم أرسلوا عثمان بك إلى برصا فأقام بها مدة سنين ثم رجع إلى اسلامبول واستمر بها إلى أن مات في حدود سنة 1190. واما يوسف وجيش فالتجأ إلى عبد الرحمن كتخدا القازدغلي ولما سافر عثمان بك من اجرود إلى الشام وارتاحوا من قبله قلد إبراهيم جاويش عثمان اغات تابعه المتفرقة وجعله صنجقا وهو عثمان بك الذي عرف بالجرجاوي وهو أول أمرائه وكذلك رضوان كتخدا الجلفي قلد تابعه إسمعيل اغات العزب والصنجقية وعزلوا يحيى باشا وحضر بعده محمد باشا اليدكشي. وتقلد إمارة الحج سنة 1156 إبراهيم بك بلغيه ورجع مريضا في تختروان سنة 1157. وترك المترجم ج / 1 ص -273- بمصر ولدين عاشا لحاهما وبنتا تزوج بها بعض الأمراء واتفق أنه سافر إلى اسلامبول في بعض المهمات ولم يقدر على مواجهة صهره ولم يقدر أحد على ذكره له مطلقا لشدة غيرته وحدة طبيعته وفي أواخر أمره أقعد ولم يقدر على النهوض فكانوا يحملونه لركوب الحصان. فإذا استوى راكبا أقوى من الشاب الصحيح ورمح وصفح وسابق ولم يزل باسلامبول حتى مات كما ذكر وكما سيأتي في تاريخ سنة وفاته. ومات مصطفى بك الدفتردار من اشراقات عثمان بك وذلك أنه سافر أميرا على العسكر الموجه إلى بلاد العجم ومات هناك سنة 1155. ومات أيضا إسمعيل بك أبو قلنج وكان سافر أيضا بالخزينة عن سنة 1156 ومات باسلامبول ودفن هناك. ومات الأمير عمر بك بن علي بك قطامش تقلد الإمارة والصنجقية سنة 1149 في رجب بعد واقعة بيت محمد بك الدفتردار ولما قتل والده علي بك مع أستاذ محمد بك اجتمع الأمراء والاختيارية بباب الينكجرية وأحضروا المترجم وطلعوا به إلى الباشا وقلدوه الإمارة ليأخذ بثار أبيه وجرى ما جرى على اخصامهم. وظهر شأن المترجم ونما امره واشتهر صيته وتقلد إمارة الحج سنة 1154 ورجع سنة 1155 ولم يزل حتى حصلت كائنة قتل خليل بك ومن معه بالديوان سنة 1160 فخرج المترجم هاربا من مصر إلى الصعيد ثم ذهب إلى الحجاز ومات هناك. ومات علي بك الدمياطي ومحمد بك قتلا في اليوم الذي قتل فيه خليل بك قطامش وعمر بك بلاط بالديوان في القلعة في ولاية محمد باشا راغب كما تقدم ومحمد بك المذكور من القطامشة وكان أغات مستحفظان فحصل دور السفر بالخزينة إلى عمر بك ابن علي بك المذكور فقلده الصنجقية وسافر بالخزينة عوضا عنه سنة سبع وخمسين ومائة وألف. ج / 1 ص -274- ومات أبو مناخير فضة وذلك أنه كان ببيت أستاذه رضوان كتخدا في ليالي مولد النبي صلى الله عليه وسلم وكان جعله باش نفر عنده فأقام يتفرج إلى نصف الليل وأراد الذهاب إلى بيته فركب حماره وسار وخلفه عبده من طريق تربة الازبكية على قنطرة الأمير حسين وإذا بجماعة من اتباع الدمايطة ضربوه بالسلاح وهرب العبد والخدام وظنوا أنه مات فتركوه ثم رجعوا إليه بعد ساعة فوجدوا فيه الروح فحملوه على الحمار وساروا فلاقاهم أوده باشة البوابة وهو من الدمايطة فوجد فيه الروح فكمل قتله فذهب العبد وعرف جماعة رضوان كتخدا فحضر منهم طائفة وشالوه ودفنوه في صحبها. وأرسل رضوان كتحدا فعزل الأوده باشة وولى خلافه وذلك في أواخر قبل واقعة الدمايطة. ومات علي كاشف قرقرش وهو من اتباع عثمان بك ذي الفقار المخفيين وذلك أن أوده باشة البوابة الذي تولى بعد عزل الأوده باشه الذي كمل قتل أبي مناخير فضة سرج بعد المغرب وجلس عند قنطرة سنقر وإذا بانسان جائز بالطريق وهو مغطى الرأس فقبضوا عليه ونظروا في وجهه فوجدوه علي قرقاش فعرفوا عنه إبراهيم جاويش فأمر الوالي بقتله. فقتله والله أعلم بالحقائق. في ذكر حوادث مصر وتراجم اعيانها وولاتها. من ابتداء سنة اثنتين وستين ومائة وألف إلى أواخر سنة ثلاث وسبعين ومائة وألف وذلك بحسب التيسير والامكان وما لا يدرك كله لا يترك كله. فنقول لما عزل الجناب المكرم حضرة محمد باشا راغب في الواقعة التي خرج فيها حسن بك الخشاب ومحمد بك اباظة ونزل من القلعة. ج / 1 ص -275- إلى بيت دوعزجان تجاه المظفر كما تقدم ثم سافر في أواخر سنة أحدى وستين ومائة وألف كما تقدم إلى ثغر رشيد. ولاية أحمد باشا المعروف بكور وزير. ووصل حضرة الجناب الافخم أحمد باشا المعروف بكور وزير وسبب تلقبه بذلك أنه كان بعينه بعض حول فطلع إلى ثغر سكندرية ووصلت السعاة ببشائر قدومه فنزلت إليه الملاقاة وأرباب العكاكيز وأصحاب الخدم مثل كتخدا الجاويشية وأغات المتفرقة والترجمان وكاتب الحوالة وغيرهم وكان الكاشف بالبحيرة إذ ذاك حسن أغا كتخدا بك تابع عمر بك وتوفي هناك. فأرسل عمر بك لكتخداه حسن أغا المذكور عوضا عن مخدومه المتوفى حتى تتم السنة وخرج عمر بك من مصر واستمر المذكور بالبحيرة إلى أن أحضر أحمد باشا المذكور إلى اسكندرية فحضر إليه وتقيد بخدمته وجمع الخيول لركوب أغواته واتباعه والجمال لحمل اثقاله وقدم له تقادم وعمل له السماط بالمعدية حكم المعتاد وعرفه بحاله ووفاة أستاذه وخروج سيدهم من مصر فخلع عليه الباشا صنجقية أستاذه واعطاه بلاده من غير حلوان وذلك قبل وصول الملاقاة. ووصل خبر ذلك إلى مصر فأرسل المتكلمون إلى كتخدا الجاويشية يقولون له أن المذكور رجل ضعيف ولا يليق بالصنجقية فقالوا للباشا ذلك فاغتاظ فسكتوا ووصل إلى رشيد واجتمع هناك براغب باشا وسافر في المركب التي حضر فيها أحمد باشا وحضر إلى مصر وطلع بالموكب المعتاد إلى القلعة في غرة المحرم سنة 1162 وضربوا له المدافع والشنك من ابراج الينكجرية وعمل الديوان وخلع الخلع على الأمراء والأعيان والمشايخ وخلصت رياسة مصؤ وأمارتها إلى إبراهيم جاويش ورضوان كتخدا وقلد إبراهيم جاويش مملوكه علي أغا وهو ج / 1 ص -276- الذي عرف بالغزاوي صنجقيا وكذلك حسين أغا وهو الذي عرف بكشكش. وكذلك قلد رضوان كتخدا أحمد أغا خازنداره صنجقيا فصار لكل واحد منهما ثلاثة صناجق وهم عثمان وعلي وحسين الإبراهيمية وإسمعيل وأحمد ومحمد الرضوانية. ثم إن إبراهيم جاويش عمل كتخدا الوقت ثلاثة أشهر وانفصل عنها. وحضر عبد الرحمن كتخدا القازدغلي من الحجاز وعمل كتخدا الوقت بباب مستحفظان سنتين وشرع في عمل الخيرات وبناء المساجد وأبطل الخمامير. وسيأتي تتمة ذلك في ترجمته سنة وفاته. وأقام أحمد باشا في ولاية مصر إلى عاشر شوال سنة 1163 وكان من أرباب الفضائل وله رغبة في العلوم الرياضية. ولما وصل إلى مصر واستقر بالقلعة وقابله صدور العلماء في ذلك الوقت وهم الشيخ عبد الله الشبراوي شيخ الجامع الأزهر ةوالشيخ سالم النفراوي والشيخ سليمان المنصوري فتكلم معهم وناقشهم وباحثهم ثم تكلم معهم في الرياضيات فأحجموا وقالوا لا نعرف هذه العلوم فتعجب وسكت. وكان الشيخ عبد الله الشبراوي له وظيفة الخطابة بجامع السراية ويطلع في كل يوم جمعة ويدخل عند الباشا ويتحدث معه ساعة وربما تغدى معه ثم يخرج إلى المسجد ويأتي إلى الباشا في خواصه فيخطب الشيخ ويدعو للسلطان وللباشا ويصلي بهم ويرجع الباشا إلى مجلسه وينزل الشيخ إلى داره. فطلع الشيخ على عادته في يوم الجمعة وأستاذن ودخل عند الباشا يحادثه فقال له الباشا: المسموع عندنا بالديار الرومية أن مصر منبع الفضائل والعلوم وكنت في غاية الشوق إلى المجيء إليها فلما جئتها وجدتها كما قيل: تسمع بالمعيدي خير من أن تراه. فقال له الشيخ: هي يا مولانا كما سمعتم معدن العلوم والمعارف فقال: وأين هي وأنتم أعظم علمائها وقد سألتكم عن مطلوبي من العلوم فلم أجد عندكم منها شيئا وغاية تحصيلكم الفقه والمعقول والوسائل ونبذتم المقاصد. فقال ج / 1 ص -277- له: نحن لسنا أعظم علمائها وإنما نحن المتصدرون لخدمتهم وقضاء حوائجهم عند أرباب الدولة والحكام وغالب أهل الأزهر لا يشتغلون بشيء من العلوم الرياضية إلا بقدر الحاجة الموصلة إلى علم الفرائض والمواريث كعلم الحساب والغبار. فقال له: وعلم الوقت كذلك من العلوم الشرعية بل هو من شروط صحة العبادة كالعلم بدخول الوقت واستقبال القبلة وأوقات الصوم والأهلة وغير ذلك. فقال: نعم معرفة ذلك من فروض الكفاية إذا قام به البعض سقط عن الباقين وهذه العلوم تحتاج إلى لوازم وشروط وآلات وصناعات وأمور ذوقية كرقة الطبيعة وحسن الوضع والخط والرسم والتشكيل والأمور العطاردية وأهل الأزهر بخلاف ذلك غالبهم فقراء واخلاط مجتمعة من القرى والآفاق فيندر فيهم القابلية لذلك. فقال: وأين البعض فقال: موجودون في بيوتهم يسعى إليهم. ثم أخبره عن الشيخ الوالد وعرفه عنه وأطنب في ذكره فقال: التمس منكم ارساله عندي. فقال: يا مولانا أنه عظيم القدر وليس هو تحت امري. فقال: وكيف الطريق إلى حضوره. قال: تكتبون له ارسالية مع بعض خواصكم فلا يسعه الامتناع. ففعل ذلك وطلع إليه ولبى دعوته وسر برؤياه واغتبط به كثيرا. وكان يتردد إليه يومين في الجمعة وهما السبت والاربعاء وأدرك منه مأموله وواصله بالبر والاكرام الزائد الكثير ولازم المطالعة عليه مدة ولايته. وكان يقول: لو لم أغنم من مصر إلا اجتماعي بهذا الأستاذ لكفاني. ومما اتفق له لما طالع ربع الدستور واتقنه طالع بعده وسيلة الطلاب في استخراج الاعمال بالحساب وهو مؤلف دقيق للعلامة المارديني فكان الباشا يختلي بنفسه ويستخرج منه ما يستخرجه بالطرق الحسابية ثم يستخرجه من النجيب فيجده مطابقا. فاتفق له عدم المطابقة في مسألة من المسائل فاشتغل ذهنه وتحير فكره إلى أن حضر إليه الأستاذ في الميعاد فاطلعه على ذلك وعن السبب ج / 1 ص -278- في عدم المطابقة فكشف له علة ذلك بديها. فلما انجلى وجهها على مرآه عقله كاد يطير فرحا وحلف أن يقبل يده ثم أحضر له فروة من ملبوسه السمور باعها المرحوم بثمانمائة دينار ثم اشتغل عليه برسم المزاول والمنحرفات حتى اتقنها ورسم على اسمه عدة منحرفات على الواح كبيرة من الرخام صناعة وحفرا بالازمير كتابة ورسما. ولاية عبد الله باشا. وصل الخبر بولاية الشريف عبد الله باشا ووصل إلى اسكندرية ونزل أحمد باشا إلى بيت البيرقدار وسافرت الملاقاة للباشا الجديد ثم وصل إلى مصر في شهر رمضان سنة 1164 وطلع إلى القلعة فأقام في ولاية مصر إلى سنة 1166 ثم عزل عن مصر وولي حلب فنزل إلى القصر بقبة العزب وهاداه الأمراء ثم سافر إلى منصبه. ووصل محمد باشا امين فطلع إلى القلعة وهو منحرف المزاج فأقام في الولاية نحو شهرين وتوفي في خامس شهر شوال سنة 1166 ودفن بجوار قبة الإمام الشافعي رضي الله تعالى عنه. قصد نصارى القبط الحج إلى بيت المقدس. وفي هذا التاريخ أحضر بطرك الأروام مرسوما سلطانيا بمنع طائفة النصارى الشوام من دخولهم كنائس الافرنج وإن دخلوا فإنهم يدفعون للدولة ألف كيس. فأرسل إبراهيم كتخدا فأخذ أربعة قسوس من دير الافرنج وحبسهم وأخذ منهم مبلغا عظيما من المال. واستمر نصارى الشوام يدخلون كنائس الافرنج ولعلها من تحيلات إبراهيم كتخدا. ومن الحوادث أيضا في نحو هذا التاريخ أن نصارى الاقباط قصدوا الحج إلى بيت المقدس وكان كبيرهم إذ ذاك نوروز كاتب رضوان كتخدا فكلم الشيخ عبد الله الشبراوي في ذلك وقدم له هدية وألف دينار. ج / 1 ص -279- فكتب له فتوى وجوابا ملخصه أن أهل الذمة لا يمنعون من دياناتهم وزياراتهم. فلما تم لهم ما أرادوا شرعوا في قضاء أشغالهم وتشهيل أغراضهم وخرجوا في هيئة وابهة واحمال ومواهي وتختروانات فيها نساؤهم وأولادهم ومعهم طبول وزمور ونصبوا لهم عرضيا عند قبة العزب واحضروا العربان ليسيروا في خفارتهم واعطوهم أموالا وخلعا وكساوي وانعامات. وشاع أمر هذه القضية في البلد واستنكرها الناس فحضر الشيخ عبدالله الشبراوي إلى بيت الشيخ البكري كعادته وكان علي افندي اخو سيدي بكري متمرضا فدخل إليه بعوده فقال له: أي شيء هذا الحال يا شيخ الإسلام على سبيل التبكيت كيف ترضي وتفتي النصارى وتأذن لهم بهذه الافعال لكونهم رشوك وهادوك. فقال: لم يكن ذلك. قال: بل رشوك بالف دينار وهدية وعلى هذا تصير لهم سنة ويخرجون في العام القابل بازيد من ذلك ويصنعون لهم محملا ويقال حج النصارى وحج المسلمين وتصير سنة عليك وزرها إلى يوم القيامة. فقام الشيخ وخرج من عنده مغتاظا وأذن للعامة في الخروج عليهم ونهب ما معهم وخرج كذلك معهم طائفة من مجاوري الأزهر فاجتمعوا عليهم ورجموهم وضربوهم بالعصي والمساوق ونهبوا ما معهم وجرسوهم ونهبوا أيضا الكنيسة القريبة من دمرداش وانعكس النصارى في هذه الحادثة عكسة بليغة وراحت عليهم وذهب ما صرفوه وانفقوه في الهباء. ولاية مصطفى باشا وعزله وولاية علي باشا اوغلي الثانية. وحضر مصطفى باشا وطلع إلى القلعة ثالث عشر ربيع الأول 1167 واستمر واليا على مصر إلى أن ورد الخبر بعزله في أوائل شهر ربيع الأول سنة 1169 وولاية حضرة الوزير المكرم علي باشا حكيم اوغلي وهي ولايته الثانية. وطلع إلى سكندرية ونزلت إليه الملاقاة وأرباب المناصب ج / 1 ص -280- والعكاكيز. ثم حضر إلى مصر وطلع إلى القلعة يوم الإثنين غرة شهر جمادى الأولى من السنة المذكورة وسار في مصر سيرته المعهودة وسلك طريقته المشكورة المحمودة فاحيا مكارم الأخلاق وادر على رعيته الارزاق بحلم وبشر ربي عليهما فكانا له طبعا وصدر رحب لا يضيق بنازله ذرعا. واستمر في ولاية مصر إلى شهر رجب سنة 1171. ذكر من مات في هذه الاعوام من العلماء والأعيان. مات الإمام العلامة شيخ المشايخ شمس الدين الشيخ محمد القليني الأزهري وكان له كرامات مشهورة ومآثر مذكورة منها أنه كان ينفق من الغيب لأنه لم يكن له ايراد ولا ملك ولا وظيفة ولا يتناول من أحد شيئا وينفق انفاق من لا يخشى الفقر وإذا مشى في السوق تعلق به الفقراء فيعطيهم الذهب والفضة وإذا دخل الحمام دفع الأجرة عن كل من فيه. توفي سنة 1164. ومات الشيخ الإمام الفقيه المحدث المسند محمد بن أحمد بن يحيى بن حجازي العشماوي الشافعي الأزهري تفقه على الشيخ عبده الديوي والشهاب أحمد بن عمر الديربي وسمع الحديث على الزرقاني وبعد وفاته أخذ الكتب الستة عن تلميذه الشهاب أحمد بن عبد اللطيف المنزلي وانفرد بعلو الأسناد وأخذ عنه غالب فضلاء العصر. توفي يوم الأربعاء ثاني عشري جمادى الأولى سنة 1167 ودفن بتربة المجاورين. ومات الشيخ الإمام العلامة سالم بن محمد النفراوي المالكي الأزهري المفتي الضرير أخذ عن الشيخ العمدة أحمد النفراوي الفقه وأخذ الحديث عن الشيخ محمد الزرقاني والشيخ محمد بن علاء الدين البابلي ببيته بالازبكية والشبراملسي وغيرهم وكان مشهورا بمعرفة فروع المذهب واستحضار الفروع الفقهية. وكانت حلقة درسه اعظم الحلق. ج / 1 ص -281- وعليه مهابة وجلالة. توفي يوم الخميس سادس عشر من شهر صفر سنة 1168. ومات الشيخ الفقيه المفتي العلامة سليمان بن مصطفى بن عمر بن الولي العارف الشيخ محمد المنير المنصوري الحنفي أحد الصدور المشار إليهم ولد سنة 1087 بالنقيطة أحدى قرى المنصورة وقدم الأزهر فأخذ عن شيوخ المذهب كشاهين الارمناوي وعبد الحي بن عبد الحق والشرنبلالي وأبي الحسن علي بن محمد العقدي وعمر الزهري وعثمان النحريري وقائد الابياري شارح الكنز فاتقن الأصول ومهر في الفروع ودارت عليه مشيخة الحنفية ورغب الناس في فتاويه وكان جليل القدر عالي الذكر مسموع الكلمة مقبول الشفاعة. توفي سنة 1169. ومات الشيخ الإمام الفاضل الصالح الشاعر الأديب عمر بن محمد بن عبد الله الحسيني الشنواني من ولد القطب شهاب الدين العراقي دفين شنوان قرأ على أفاضل عصره وتكمل في الفنون والقى دروسا بالأزهر. توفي في رجب سنة 1167. ومات الأجل المكرم الحاج صالح الفلاح وهو أستاذ الأمراء المعروفين بمصر المشهورين بجماعة الفلاح وينسون إلى القازدغلية. وكان متمولا ذا ثروة عظيمة وشيخ وأصله غلام يتيم فلاح من قرية من قرى المنوفية يقال لها الراهب. وكان خادما لبعض أولاد شيخ البلد فانكسر عليه المال فرهن ولده عند الملتزم وهو علي كتخدا الجلفي ومعه صالح هذا وهما غلامان صغيران فاقاما ببيت علي كتخدا حتى غلق أبوه ما عليه من المال واستلم ابنه ليرجع به إلى بلده فامتنع صالح وألف المقام ببيت الملتزم واستمر به يخدم مع صبيان الحريم وكان نبيها خفيف الروح والحركة. ولم يزل يتنقل في الاطوار حتى صار من أرباب الأموال واشترى المماليك والعبيد والجواري ويزوجهم من بعضهم ويشتري لهم الدور والايراد. ج / 1 ص -282- ويدخلهم في الوجاقات والبلكات بالمصانعات والرشوات لارباب الحل والعقد والمتكلمين وتنقلوا حتى تلبسوا بالمناصب الجليلة كتخدا آت واختيارية وأمراء طبلخانات وجاويشية وأوده باشية وغير ذلك حتى صار من مماليكه ومماليكهم من يركب في العذارات فقط نحو المائة وصار لهم بيوت واتباع ومماليك وشهرة عظيمة بمصر وكلمة نافذة وعزوة كبيرة. وكان يركب حمارا ويعتم عمة لطيفة على طربوش وخلفه خادمه ومات في سن السبعين ولم يبق في فمه سن وكان يقال له صالح جلبي والحاج صالح وبالجملة فكان من نوادر الزمن وكان يقرض إبراهيم كتخدا وأمراءه بالمائة كيس وأكثر وكذلك غيرهم ويخرج الأموال بالربا والزيادة وبذلك امحقت دولتهم وزالت نعمهم في أقرب وقت وآل أمرهم إلى البوارهم وأولادهم وبواقيهم لذهاب ما في ايديهم وصاروا اتباعا واعوانا للامراء المتأخرين. ومات الأمير إبراهيم كتخدا تابع سليمان كتخدا القازدغلي وسليمان هذا تابع مصطفى كتخدا الكبير القازدغلي وخشداش حسن جاويش أستاذ عثمان كتخدا والد عبد الرحمن كتخدا المشهور لبس الضلمة في سنة 1148 وعمل جاويشا وطلع سردار قطار في الحج في إمارة عثمان بك ذي الفقار سنة 1153. وفي تلك السنة استوحش منه عثمان بك باطنا لأنه كان شديد المراس قوي الشكيمة وبعد رجوعه من الحج في سنة 1152 نما ذكره وانتشر صيته ولم يزل من حينئذ ينمو أمره وتزيد صولته وتنفذ كلمته وكان ذا دهاء ومكر وتحيل ولين وقسوة وسماحة وسعة صدر وتؤدة وحزم وإقدام ونظر في العواقب. ولم يزل يدبر على عثمان بك وضم إليه كتخداه أحمد السكري ورضوان كتخدا الجلفي وخليل بك قطامش وعمر بك بسبب منافسة معه على بلاد هوارة كما تقدم حتى أوقع به على حين غفلة وخرج عثمان بك من مصر على الصورة المتقدمة. ج / 1 ص -283- فعند ذلك عظم شأنه وزادت سطوته واستكثر من شراء المماليك وقلد عثمان مملوكه الذي كان اغات متفرقة صنجقا وهو أول صناجقه وهو الذي عرف بالجرجاوي. ولما قتل خليل بك قطامش وعمر بك بلاط وعلي بك الدمياطي ومحمد بك في أيام راغب باشا بمغامرة حسين بك الخشاب ثم حصلت أيضا كائنة الخشاب وخروجه ومن معه من مصر وزالت دولة القطامشة والدمايطة والخشابية وعزلوا راغب باشا في اثناء ذلك كما تقدم فعند ذلك انتهت رئاسة مصر وسيادتها للمترجم وقسيمه رضوان كتخدا الجلفي ونفذت كلمتهما وعلت سطوتهما على باقي الأمراء والاختيارية الموجودين بمصر وتقلد المترجم كتخدائية باب مستحفظان ثلاثة أشهر ثم انفصل عنها. وذلك كما يقال لأجل حرمة الوجاق وقلد مملوكية عليا وحسينا صنجقين وكذلك رضوان كتخدا كما سبق وصار لكل واحد منهما ثلاثة صناجق. واشتعل المترجم بالأحكام وقبض الأموال الميرية وصرفها في جهاتها وكذلك العلوفات وغلال الانبار ومهمات الحج والخزينة ولوازم الدولة والولاة وقسيمة رضوان كتخدا مشتغل بلذاته ومنهمك على خلاعاته ولا يتداخل في شيء مما ذكر والمترجم يرسل له الأموال ويوالي بر الجميع ويراعي خواطرهم وينفذ اغراضهم وعبد الرحمن كتخدا مشتغل بالعمائر وفعل الخيرات وبناء المساجد. واستكثر المترجم من شراء المماليك وقلدهم الأمريات والمناصب وقلد إمارة الحج لمملوكه علي بك الكبير وطلع بالحج ورجع سنة 1167. وفي تلك السنة نزل على الحجاج سيل عظيم بمنزلة ظهر حمار فأخذ معظم الحجاج بجمالهم واحمالهم إلى البحر ولم يرجع من الحجاج إلا القليل. ومما يحكى عنه أنه رأى في منامه أن يديه مملوءتان عقارب فقصها على الشيخ الشبراوي فقال: هؤلاء مماليك يكونون مثل العقارب ويسري شرهم وفسادهم لجميع الناس. فان العقرب لدغت النبي صلى ج / 1 ص -284- الله عليه وسلم في الصلاة فقال صلى الله عليه وسلم: "لعن الله العقرب لا تدع نبيا ولا غيره إلا لدغته" وكذا يكون مماليكك. وكان الأمر كذلك وليس للمرتجم مآثر أخروية ولا افعال خيرية يدخرها ميعاده ويخفف عنه بها ظلم خلقه وعباده بل كان معظم اجتهاده الحرص على الرياسة والامارة وعمر داره التي بخط قوصون بجوار دار رضوان كتخدا والدار التي بباب الخرق وهي دار زوجته بنت البارودي والقصر المنسوب إليها أيضا بمصر القديمة. والقصرالذي عند سبيل قيماز بالعادلية وزوج الكثير من مماليكه نساء الأمراء الذين ماتوا وقتلوا وأسكنهم في بيوتهم وعمل وليمة لمصفي باشا وعزمه في بيته بحارة قوصون في سنة 1166 وقدم له تقادم وهدايا وادرك المترجم من العز والعظمة ونفاذ الكلمة وحسن السياسة واستقرار الأمور ما لم يدركه غيره بمصر ولم يزل في سيادته حتى مات على فرشه في شهر صفر سنة 1168. ومات بعده رضوان كتخدا الجلفي وهو مملوك علي كتخدا الجلفي تقلد كتخدائية باب عزبان بعد قتل أستاذه بعناية عثمان بك ذي الفقار كما تقدم ولم يزل يراعي لعثمان بك حقه وجميلة حتى اوقع بينهما إبراهيم كتخدا كما تقدم. ولما استقرت الأمور له ولقسيمه ترك له الرياسة في الأحكام واعتكف المترجم على لذاته وفسوقه وخلاعاته ونزهاته وانشأ عدة قصور واماكن بالغ في زخرفتها وتأنيقها وخصوصا داره التي انشأها على بركة الازبكية وأصلها بيت الدادة الشرايبي وهي التي على بابها العامودان الملتفان المعروفة عند أولاد البلد بثلاثة وليه وعقد على مجالسها العالية قبابا عجيبة الصنعة منقوشة بالذهب المحلول واللازورد والزجاج الملون والالوان المفرحة والصنائع الدقيقة ووسع قطعة الخليج بظاهر قنطرة الدكة بحيث جعلها بركة عظيمة وبنى عليها قصرا مطلا عليها وعلى الخليج الناصري من الجهة الأخرى. وكذلك ج / 1 ص -285- انشأ في صدر البركة مجلسا خارجا بعضه على عدة قناطر لطيفة وبعضه داخل الغيط المعروف بغيط المعدية وبوسطه بحيرة تمتلىء بالماء من اعلى ويصب منها إلى حوض من اسفل ويجري إلى البستان لسقي الأشجار. وبنى قصرا آخر بداخل البستان مطلا على الخليج وعلى الاعلاق من ظاهره. فكان يتنقل في تلك القصور وخصوصا في أيام النيل ويتجاهر بالمعاصي والراح والوجوه الملاح وتبرج النساء ومخاليع أولاد البلد. وخرجوا عن الحد في تلك الأيام ومنع أصحاب الشرطة من التعرض للناس في أفاعيلهم. فكانت مصر في تلك الأيام مراتع غزلان ومواطن حور وولدان كأنما أهلها خلصوا من الحساب ورفع عنهم التكليف والخطاب. وهو الذي عمر باب القلعة الذي بالرميلة المعروف بباب العزب وعمل حوله هاتين البدنتين العظيمتين والزلاقة على هذه الصورة الموجودة الآن. وقصدته الشعراء ومدحوه بالقصائد والمقامات والتواشيح واعطاهم الجوائز السنية وداعب بعضهم بعضا فكان يغري هذا بهذا ويضحك منهم ويباسطهم واتخذ له جلساء وندماء منهم الشيخ علي جبريل والسيد سليمان والسيد حمودة السديدي والشيخ معروف والشيخ مصطفى اللقيمي الدمياطي صاحب المدامة الارجوانية في المدائح الرضوانية ومحمد افندي المدني. وامتدحه العلامة الشيخ يوسف الحفني بقصائد طنانة وللشيخ عمار القروي فيه مدحا في المترجم ومداعبة للسيد حمودة السديدي المحلاوي. ولم يزل رضوان كتخدا وقسيمة على إمارة مصر ورئاستها حتى مات إبراهيم كتخدا كما تقدم فتداعى بموته ركن المترجم ورفعت النيام رؤوسها وتحركت حفائظها ونفوسها وظهر شان عبد الرحمن كتخدا القازدغلي وراج سوق نفاقه وأخذ يعضد مماليك إبراهيم كتخدا ويغريهم ويحرضهم على الجلفية لكونهم مواليه. فيخلص له بهم ملك مصر ويظن أنهم يراعون حق ولائه وسيادته جده فكان الأمر ج / 1 ص -286- عليه بخلاف ذلك كما ستراه وهم كذلك يظهرون له الانقياد ويرجعون إلى رايه ومشورته ليتم لهم به المراد. وكل من أمراء إبراهيم كتخدا متطلع للرياسة أيضا بالبلدة من الأكابر والاختيارية وأصحاب الوجاهة مثل حسن كتخدا أبي شنب وعلي كتخدا الخربطلي وحسن كتخدا الشعراوي وقرا حسن كتخدا وإسمعيل كتخدا التبانة وعثمان اغا الوكيل وإبراهيم كتخدا مناو وعلي اغا توكلي وعمر اغا متفرقة وعمر افندي محرم اختيار جاويشان وخليل جاويش حيضان مصلي وخليل جاويش القازدغلي وبيت الهياتم وإبراهيم اغا بن الساعي وبيت درب الشمسي وعمر جاويش الداودية ومصطفى افندي الشريف اختيارية متفرقة وبيت بلغيه وبيت قصبة رضوان وبيت الفلاح وهم كثيرون اختيارية وأوده باشيه ومنهم أحمد كتخدا وإسمعيل كتخدا وعلي كتخدا وذو الفقار جاويش وإسمعيل جاويش وغيرهم فأخذ اتباع إبراهيم كتخدا يدبرون في اغتيال رضوان كتخدا وازالته وسعت فيهم عقارب الفتن فتنبه رضوان كتخدا لذلك فاتفق مع اغراضه وملك القلعة ولابواب والمحمودية وجامع السلطان حسن واجمع إليه جمع كثير من أمرائه وغيرهم ومن انضم إليهم وكاد يتم له الأمر فسعى عبد الرحمن كتخدا ولاختيارية في اجراء الصلح وطلع بعضهم إلى رضوان نصحهم لأنه كان سليم الصدر ففرق الجمع ونزل إلى بيته الذي بقوصون فاغتنموا عند ذلك الفرصة وبيتوا أمرهم ليلا وملكوا القلعة والابواب والجهات والمترجم في غفلته أمن في بيته مطمئن من قبلهم ولا يدري ما خبىء له فلم يشعر إلا وهم يضربون عليه بالمدافع وكان المزين يحلق له رأسه فسقطت على داره الحلل فأمر بالاستعداد وطلب من يركن إليهم فلم يجد أحدا وجدهم قد أخذوا حوله الطرق والنواحي فحارب فيهم إلى قريب الظهر وخامر عليه اتباعه فضربه مملوكه صالح الصغير برصاصة من خلف الباب الموصل ج / 1 ص -287- لبيت الراحة فاصابته في ساقه وهرب مملوكه إلى الاخصام وكانوا وعدوه بأمرية أن هو قتل سيده. فلما حضر إليهم وأخبهم بما فعل أمر علي بك بقتله. ثم أمر رضوان بك بالخيول وركب في خاصته وخرج من نقب نقبه في ظهر البيت وتألم من الضربة لأنها كسرت عظم ساقه فسار إلى جهة البساتين وهو لا يصدق بالنجاة فلم يتبعه أحد ونهبوا داره ثم ركب وسار إلى جهة الصعيد فمات بشرق أولاد يحيى ودفن هناك. فكانت مدته بعد قسيمه قريبا من ستة أشهر. ولما مات تفرقت صناجقه ومماليكه في البلاد وسافر بعضهم إلى الحجاز من ناحية القصير ثم ذهبوا من الحجاز إلى بغداد واستوطنوها وتناسلوا وماتوا وانقضت دولتهما. فكانت مدتهما نحو سبع سنوات ومصر في تلك المدة هادية من الفتن والشرور والاقليم البحري والقبلي أمن وأمان والأسعار رخية والأحوال مرضية واللحم الضاني المجروم من عظمه رطله بنصفين والجاموسي بنصف والسمن البقري عشرته باربعين نصف فضة اللبن الحليب عشرته باربعة انصاف والرطل الصابون بخمسة انصاف والسكر المنعاد كذلك والمكرر قنطاره بالف نصف والعسل القطر قنطاره بمائة وعشرين نصفا وأقل والرطل البن القهوة باثني عشر نصفا والتمر يجلب من الصعيد في المراكب الكبار ويصب على ساحل بولاق مثل عرم الغلال ويباع بالكيل والارداب والارز اردبه باربعمائة نصف والعسل النحل قنطاره بخمسمائة نصف وشمع العسل رطله بخمسة وعشرين نصفا وشمع الدهن باربعة انصاف والفحم قنطاره باربعين نصفا والبصل قنطاره بسبعة انصاف وفسر على ذلك. يقول جامعة إني ادركت بقايا تلك الأيام وذلك أن مولدي كان في سنة 1167 ولما صرت في سن التمييز رأيت الأشياء على ما ذكر إلا قليلا وكنت اسمع الناس يقولون الشيء الفلاني زاد سعره عما كان في سنة كذا وذلك في مبادىء دولة إبراهيم كتخدا ج / 1 ص -288- وحدوث الاختلال في الأمور وكانت مصر إذ ذاك محاسنها باهرة وفضائلها ظاهرة ولاعدائها قاهرة يعيش رغدا بها الفقير وتتسع للجليل والحقير وكان لأهل مصر سنن وطرائق في مكارم الاخلاق لا توجد في غيرهم. أن في كل بيت من بيوت جميع الأعيان مطبخين أحدهما أسفل رجالي والثاني في الحريم. فيوضع في بيوت الأعيان السماط في وقتي العشاء والغداء مستطيلا في المكان الخارج مبذولا للناس ويجلس يصدره أمير المجلس وحوله الضيفان ومن دونهم مماليكه واتباعه. ويقف الفراشون في وسطه يفرقون على الجالسين ويقربون إليهم ما بعد عنهم من القلايا والمحمرات ولا يمنعون في وقت الطعام من يريد الدخول أصلا ويرون أن ذلك من المعايب حتى أن بعض ذوي الحاجات عند الأمراء إذا حجبهم الخدام انتظروا وقت الطعام ودخلوا فلا يمنعهم الخدم في ذلك الوقت فيدخل صاحب الحاجة ويأكل وينال غرضه من مخاطبة الأمير لأنه إذا نظر على سماطه شخصا لم يكن رآه قبل ذلك ولم يذهب بعد الطعام عرف أن له حاجة. فيطلبه ويسأله عن حاجته فيقضيها له وإن كان محتاجا واساه بشيء. ولهم عادات وصدقات في أيام المواسم مثل أيام أول رجب والمعراج ونصف شعبان وليالي رمضان والأعياد وعاشوراء والمولد الشريف يطبخون فيها الأرز باللبن والزردة ويملأون من ذلك قصاعا كثيرة ويفرقون منها على من يعرفونه من المحتاجين. ويجتمع في كل بيت الكثير من الفقراء فيفرقون عليهم الخبز ويأكلون حتى يشبعوا من ذلك اللبن والزردة. ويعطونهم بعد ذلك دراهم ولهم غير ذلك صدقات وصلات لمن يلوذ فيهم ويعرفون منه الاحتجاج وذلك خلاف ما يعمل ويفرق من الكعك المحشو بالسكر والعجمية والشريك على المدافن والترب في الجمع والمواسم. وكذلك أهل القرى والارياف فيهم من مكارم الاخلاق مالا يوجد في غيرهم ج / 1 ص -289- من أهل قرى الأقاليم. فان أقل ما فيهم إذا نزل به ضيف ولو لم يعرفه اجتهد وبادر بقراه في الحال وبذل وسعة في أكرامه وذبح له ذبيحة في العشاء وذلك ما عدا مشايخ البلاد والمشاهير من كبار العرب والمقادم فإن لهم مضايف واستعدادات للضيوف ومن ينزل عليهم من السفار والاجناد. ولهم مساميح واطيان في نظير ذلك خلفا عن سلف إلى غير ذلك مما يطول شرحه ويعسر استقصاؤه. ويموت رضوان كتخدا لم يقم لوجاق العزب صوله. ومات الأجل المكرم والملاذ المفخم الخواجا الحاج أحمد بن محمد الشرايبي وكان من أعيان التجار المشتهرين كاسلافه وبيتهم المشهور بالازبكية بيت المجد والفخر والعز ومماليكهم وأولاد مماليكهم من اعيان مصر جربجية وامراء ومنهم يوسف بك الشرايبي. وكانوا في غاية من الغنى والرفاهية والنظام ومكارم الاخلاق والاحسان للخاص والعام ويتردد إلى منزلهم العلماء والفضلاء ومجالسهم مشحونة بكتب العلم النفيسة للاعارة والتغيير وانتفاع الطلبة ولا يكتبون عليها وقفية ولا يدخلونها في مواريثهم. ويرغبون فيها ويشترونها باغلى ثمن ويضعونها على الرفوف والخزائن والخورنقات وفي مجالسهم جميعا. فكل من دخل إلى بيتهم من أهل العلم إلى أي مكان يقصد الاعارة أو المراجعة وجد بغيته ومطلوبه في أي علم كان من العلوم ولو لم يكن الطالب معروفا ولا يمنعون من يأخذ الكتاب بتمامه فإن رده في مكانه رده وإن لم يرده واختص به أو باعه لا يسأل عنه وربما بيع الكتاب عليهم واشتروه مرارا ويعتذرون عن الجاني بضرورة الاحتياج وخبزهم وطعامهم مشهور بغاية الجودة والاتقان والكثرة وهو مبذول للقاصي والداني مع السعة والاستعداد وجميعهم مالكيو المذهب على طريقة اسلافهم واخلاقهم جميلة وأوضاعهم منزهة عن كل نقص ورذيلة. ومن ج / 1 ص -290- أوضاعهم وطرائقهم أنهم لا يتزوجون الأمن بعضهم البعض ولا تخرج من بيتهم امرأة إلا للمقبرة فإذا عملوا عرسا أولموا الولائم واطعموا الفقراء والقراء على نسق اعتادوه وتنزل العروس من حريم ابيها إلى مكان زوجها بالنساء الخلص والمغاني والجنك تزفها ليلا بالشموع وباب البيت مغلوق عليهن وذلك عندما يكون الرجال في صلاة العشاء بالمسجد الازبكي المقابل لسكنهم وبيتهم يشتمل على اثني عشر مسكنا كل مسكن بيت متسع على حدته. وكان الأمراء بمصر يترددون إليهم كثيرا من غير سبق دعوة وكان رضوان كتخدا يتفسح عند المترجم في كثير من الأوقات مع الكمال والاحتشام ولا يصحبة في ذلك المجلس إلا اللطفاء من ندمائه وإذا قصده الشعراء بمدح لا يأتونه في الغالب إلا في مجلسه لينالوا فضيلتين ويحرزوا جائزتين. وكان من سنتهم أنهم يجعلون عليهم كبيرا منهم وتحت يده الكاتب والمستوفي والجابي فيجمع لديه جميع الايراد من الالتزام والعقار والجامكية ويسدد الميري ويصرف لكل إنسان راتبه على قدر حاله وقانون استحقاقه. وكذلك لوازم الكساوي للرجال والنساء في الشتاء والصيف ومصروف الجيب في كل شهر وعند تمام السنة يعمل الحساب ويجمع ما فضل عنده من المال ويقسمه على كل فرد بقدر استحقاقه وطبقته. واستمروا على هذا الرسم والترتيب مدة مديدة فلما مات كبارهم وقع بينهم الاختلاف واقتسوا الايراد واختص كل فرد منهم بنصيبه يفعل به ما يشتهي. وتفرق الجمع وقلت البركة وانعزل المحبون وصار كل حزب بما لديهم فرحون وكان مسك ختامهم صديقنا واخانا في الله اللوذعي الاريب والنادرة المفرد النجيب سيدي إبراهيم بن محمد بن الدادة الشرايبي الغزالي. كان رحمه الله تعالى ملكي الصفات بسام الثنايات عذب المورد رحيب النادي واسع الصدر للحاضر والبادي قطعنا معه اوقاتا كانت لعين الدهر قرة وعلى ج / 1 ص -291- مكتوب العمر عنوان المسرة. وما زال يشتري متاع الحياة بجوهر عمره النفيس مواظبا على مذاكرة العلم وحضور التدريس حتى كدر الموت ورده وبدد الحسود بنوائبه عقده كما يأتي تتمة ذلك في سنة وفاته وانمحت بموته من بيتهم المآثر وتبدد بقية عقدهم المتناثر. ومات أحمد جلبي ابن الأمير علي والأمير عثمان وتزوج مماليك القازدغلية نساءهم وسكنوا في بيتهم. ومنهم سليمان اغا صالح وتقلد الزعامة وصار بيتهم بيت الوالي وتوفي سنة 1171. وفاة السلطان محمود خان وتولية السلطان عثمان. ومات سلطان الزمان السلطان محمود خان العثماني وكانت مدته نيفا وعشرين سنة وهو آخر بني عثمان في حسن السيرة والشهامة والحرمة واستقامة الأحوال والمآثر الحسنة توفي ثامن صفر سنة 1168. وتولى السلطان عثمان بن أحمد أصلح الله شأنه. ومات النبيه النبيل والفقيه الجليل والسيد الأصيل السيد محمد المدعو حمودة السديدي أحد ندماء الأمير رضوان كتخدا ولد بالمحلة الكبرى وبها نشأ وحفظ القرآن واشتغل بطلب العلم فحصل مأموله في الفقه والمعقول والمعاني والبيان والعروض وعانى نظم الشعر وكان جيد القريحة حسن السليقة في النظم والنثر والانشاء وحضر إلى مصر وأخذ عن علمائها واجتمع بالأمير رضوان كتخدا عزبان الجلفي المشار إليه وصار من خاصة ندمائه وامتدحه بقصائد كثيرة طنانة وموشحات ومزدوجة بديعة والمقامة التي داعب بها الشيخ عمار القروي وأرادفها بقصيدة رائية بليغة في هجو المذور سامحهما الله. وكل ذلك مذكور في الفوائح الجنائية لجامعه الشيخ عبد الله الادكاوي. حج رحمه الله ومات وهو آريب باجرود سنة 1163. ج / 1 ص -292- ومات الأجل المكرم محمد جلبي ابن إبراهيم جربجي الصابونجي مقتولا وخبره أنه لما توفي ابوه وأخذ بلاده وبيتهم تجاه العتبة الزرقاء على بركة الازبكية فتوفى أيضا عثمان جربجي الصابونجي بمنفلوط وذلك سنة 1147 ومات غيره كذلك من معاتيقهم وكان محمد جربجي مثل والده بالباب ويلتجيء إلى يوسف كتخدا البركاوي فلما مات البركاوي خاف من علي كتخدا الجلفي فالتجأ إلى عبد الله كتخدا القازدغلي وعمل ينكجري فاراد أن يقلده اوده باشه ويلبسه الضلمة فقصد السفر إلى الوجه القبلي وذلك في سنة أربع وخمسين فسافر واستولى على بلاد عثمان جربجي ومعاتيقه وقام هناك وكان رذلا نجيلا طماعا شرها في الدنيا وكان مماليكه يهربون منه وكانت اخته زوجا لعمر أغا خازندار أبيه ولم يفتقدها بشيء. ولما مات إبراهيم كتخدا الجلفي القازدغلي ورضوان كتخدا الجلفي بدأ أمر اتباع إبراهيم كتخدا في الظهور وكان المتعين بالإمارة منهم عثمان بك الجرجاوي وعلي بك الذي عرف بالغزاوي وحسين بك الذي عرف بكشكش وهؤلاء الثلاثة تقلدوا الصنجقية والامارة في حياة أستاذهم. والذي تقلد الإمارة منهم بعد موته حسين بك الذي عرف بالصابونجي وعلي بك بلوط قبان وخليل بك الكبير. وأما من تأمر منهم بعد قتل حسين بك الصابونجي فهم حسن بك جوجه وإسمعيل بك أبو مدفع. واما من تأمر بعد ذلك بعناية علي بك بلوط قبان عندما ظهر أمره فهو إسمعيل بك الاخير الذي تزوج ببنت أستاذه وكان خازنداره وعلي بك السروجي. فلما استقر أمرهم بعد خروج رضوان كتخدا وزوال دولة الجلفية تعين بالرياسة منهم على اقرانه عثمان بك الجرجاوي فسار سيرا عنيفا من غير تدبر وناكد زوجة سيدة بنت البارودي وصادرها في بعض تعلقاتها. ج / 1 ص -293- فشكت امرها إلى كبار الاختيارية فخاطبوه في شأنها وكلمه حسن كتخدا أبو شنب فرد عليه ردا قبيحا فتحزبوا عليه ونزعوه من الرياسة وقدموا حسين بك الصابونجي وجعلوه شيخ البلد. ولم يزل حتى حقد عليه خشداشينه وقتلوه. وخبر موت حسين بك المذكور أنه لما مات إبراهيم كتخدا قلدوا المذكور إمارة الحج وطلع سنة 1169 وسنة 1170 ثم تعين بالرياسة وصار هو كبير القوم والمشار إليه وكان كريما جوادا وجيها وكان يميل بطبعه إلى نصف حرام لأن أصله من مماليك الصابونجي فهرب من بيته وهو صغير وذهب إلى إبراهيم جاويش فاشتراه من الصابونجي ورباه ورقاه ثم زوجه بزوجة محمد جربجي ابن إبراهيم الصابونجي وسكن بيتهم وعمره ووسعه وانشأ فيه قاعة عظيمة فلذلك اشتهر بالصابونجي. ولما رجع من الحجاز قلد عبد الرحمن اغا اغاوية مستحفظان وهو عبد الرحمن اغا المشهور في شهر شعبان من سنة 1171 وطلع بالحج في تلك السنة محمد بك بن الدالي ورجع في سنة 1172 ثم أن المترجم اخرج خشداشة علي بك المعروف ببلوط قبان ونفاه إلى بلده النوسات واخرج خشداشة أيضا عثمان بك الجرجاوي منفيا إلى اسيوط واراد نفي علي بك الغزاوي وأخرجه إلى جهة العادلية فسعى فيه الاختيارية بواسطة نسيبه علي كتخدا الخربطلي وحسن كتخدا أبي شنب فالزمه أن يقيم بمنزل صهره علي كتخدا المذكور ببركة الرطلي ولا يخرج من البيت ولا يجتمع باحد من أقرانه وأرسل إلى خشداشة حسين بك المعروف بكشكش فاحضره من جرجا وكان حاكما بالولاية فأمره بالاقامة في قصر العيني ولا يدخل إلى المدينة. ثم أرسل إليه يأمره بالسفر إلى جهة البحيرة وأحضروا إليه المراكب التي يسافر فيها ويريد بذلك تفرق خشداشينه في الجهات ثم يرسل إليهم ويقتلهم لينفرد بالأمر والرياسة ويستقل بملك مصر ويظهر ج / 1 ص -294- دولة نصف حرام وهو غرضه الباطني. وضم إليه جماعة من خشداشينه وتوافقوا معه على مقصد ظاهرا وهم حسن كاشف جوجه وقاسم كاشف وخليل كاشف جرجي وعلي اغا المنجي وإسمعيل كاشف أبو مدفع وآخر يسمى حسن كاشف. وكانوا من اخصائه وملازميه فاشتغل معهم حسين بك كشكش واستمالهم سرا واتفق معهم على اغتياله فحضروا عنده في يوم الجمعة على جري عادتهم وركبوا صحبته إلى القرافة فزاروا ضريح الإمام الشافعي ثم رجع صحبتهم إلى مصر القديمة فنزلوا بقصر الوكيل وباتوا صحبته في انس وضحك. وفي الصباح حضر إليهم الفطور فأكلوه وشربوا القهوة وخرج المماليك ليأكلوا الفطور مع بعضهم وبقي هو مع الجماعة وحده وكانوا طلبوا منه انعاما فكتب إلى كل واحد منهم وصولا بالف ريال وألف اردب قمح وغلال ووضعوا الأوراق في جيوبهم ثم سحبوا عليه السلاح وقتلوه وقطعوه قطعا ونزلوا من القصر واغلقوه على المماليك والطائفة من خارج. وركب حسن كاشف جوجه ركوبة حسين بك وكان موعدهم مع حسين بك كشكش عند المجراة فإنه لما أحضروا له مراكب السفر تلكأ في النزول وكلما أرسل إليه حسين بك يستعجله بالسفر يحتج بسكون الريح أو ينزل بالمراكب ويعدي إلى البر الآخر ويوهم أنه مسافر ثم يرجع ليلا ويتعلل بقضاء اشغاله. واستمر على ذلك الحال ثلاثة أيام حتى تمم اغراضه وشغله مع الجماعة ووعدهم بالأمريات. واتفق معهم أنه ينتظرهم عند المجراة وهم يركبون مع حسين بك ويقتلونه في الطريق أن لم يتمكنوا من قتله بالقصر. فقدر الله أنهم قتلوه وركبوا حتى وصلوا إلى حسين بك كشكش فاخبروه بتمام الأمر فركب معهم ودخلوا إلى مصر وذهب كشكش إلى بيت حسين بك بالداودية وملكه بما فيه وأرسل باحضار خشداشيه المنفيين. وعندما وصل الخبر إلى علي بك الغزاوي ببركة الرطلي ركب في الحال مع القاتلين وطلعوا إلى القلعة. ج / 1 ص -295- وأخذوا في طريقهم أكابر الوجاقلية ومنهم حسن كتخدا أبو شنب وهو من اغراض حسين بك المقتول وكان مريضا بالآكلة في فمه. فلما دخلوا إليه وطلبوه نزل إليهم من الحريم فاخبروه بقتلهم حسين بك فطلبوه للركوب معهم فاعتذر بالمرض فلم يقبلوا عذره فتطيلس وركب معهم إلى القلعة وولوا علي بك كبير البلد عوضا عن حسين بك المقتول وكان قتله في شهر صفر سنة 1171 ثم أن مماليكه وضعوا اعضاءه في خرج وحملوه على هجين ودخلوا به إلى المدينة فادخلوه إلى بيت الشيخ الشبراوي بالرويعي فغسلوه وكفنوه ودفنوه بالقرافة. وسكن علي بك المذكور بيت حسين بك الصابونجي الذي بالازبكية واحضروا علي بك من النوسات وعثمان بك الجرجاوي من اسيوط وقلدوا خليل كاشف صنجقية وإسمعيل أبو مدفع كذلك وقاسم كاشف قلدوه الزعامة ثم قلدوا بعد أشهر حسن كاشف المعروف بجوجه صنجقية ايما وكان ذلك في ولاية علي باشا ابن الحكيم الثانية فكان حال حسين بك المقتول مع قاتليه كما قال الشاعر: واخوان تخذتهمو دروعا فكانوها ولكن للاعادي وخلتهمو سهاما صائبات فكانوها ولكن في فؤادي واما من مات في هذا التاريخ من الأعيان خلاف حسين بك المذكور فالشيخ الإمام الفقيه المحدث الأصولي المتكلم الماهر الشاعر الأديب عبد الله بن محمد بن عامر بن شرف الدين الشبراوي الشافعي ولد تقريبا في سنة 1092 وهو من بيت العلم والجلالة فجده عامر بن شرف الدين ترجمه الاميني في الخلاصة ووصفه بالحفظ والذكاء فأول من شملته إجازته سيدي محمد بن عبد الله الخرشي وعمره إذ ذاك نحو ثمان سنوات وذلك في سنة 1100 وتوفي الشيخ الخرشي المالكي في سابع عشرين الحجة سنة 1101 وتولى بعده مشيخة الأزهر الشيخ محمد النشرتي ج / 1 ص -296- المالكي وتوفي في ثامن عشري الحجة سنة 1120 ووقع بعد موته فتنة بالجامع الأزهر بسبب المشيخة والتدريس بالاقبغاوية وافترق المجاورون فرقتين تريد الشيخ أحمد النفراوي والاخرى تريد الشيخ عبد الباقي القليني ولم يكن حاضرا بمصر فتعصب له جماعة النشرتي وأرسلوا يستعجلونه للحضور فقبل حضوره تصدر الشيخ أحمد النفراوي وحضر للدتريس بالاقبغاوية فمنعه القاطنون بها وحضر القليني فانضم إليه جماعة النشرتي وتعصبوا له فحضر جماعة النفراوي إلى الجامع ليلا ومعهم بنادق واسلحة وضربوا بالبنادق في الجامع واخرجوا جماعة القليني وكسروا باب الاقبغاوية واجلسوا النفراوي مكان النشرتي. فاجتمعت جماعة القليني في يومها بعد العصر وكبسوا الجامع وقفلوا أبوابه وتضاربوا مع جماعة النفراوي فقتلوا منهم نحو العشرة انفار وانجرح بينهم جرحى كثيرة وانتهبت الخزائن وتكسرت القناديل. وحضر الوالي فاخرج القتلى وتفرق المجاورون ولم يبق بالجامع أحد. ولم يصل فيه ذلك اليوم وفي ثاني يوم طلع الشيخ أحمد النفراوي إلى الديوان ومعه حجة الكشف على المقتولين فلم يلتفت الباشا إلى دعواه لعلمه بتعديه وأمره بلزوم بيته وأمر بنفي الشيخ محمد شنن إلى بلده الجدية وقبضوا على من كان بصحبته وحبسوهم في العرقانة وكانوا اثنى عشر رجلا. واستقر القليني في المشيخة والتدريس. ولما مات تقلد بعده الشيخ محمد شنن وكان النفراوي قد مات. ولما مات الشيخ شنن تقلد المشيخة الشيخ إبراهيم ابن موسى الفيومي المالكي. ولما مات في سنة سبع وثلاثين انتقلت المشيخة إلى الشافعية فتولاها الشيخ عبد الله السبراوي المترجم المذكور في حياة كبار العلماء بعد أن تمكن وحضر الأشياخ كالشيخ خليل بن إبراهيم اللقاني والشهاب الخليفي والشيخ محمد بن عبد الباقي الزرقاني والشيخ أحمد النفراوي والشيخ منصور المنوفي والشيخ صالح الحنبلي والشيخ ج / 1 ص -297- محمد المغربي والشيخ عيد النمرسي. وسمع الأولية وأوائل الكتب من الشيخ عبد الله بن سالم البصري أيام حجه ولم يزل يترقى في الأحوال والاطوار ويفيد ويملي ويدرس حتى صار اعظم الاعاظم ذا جاه ومنزلة عند رجال الدولة والأمراء ونفذت كلمته وقبلت شفاعته وصار لأهل العلم في مدته رفعة مقام ومهابة عند الخاص والعام واقبلت عليه الأمراء وهادوه بانفس ما عندهم وعمر دارا عظيمة على بركة الازبكية بالقرب من الرويعي وكذلك ولده سيدي عامر عمر دارا تجاه دار أبيه وصرف عليها أموالا جمة. وكان يقتني الظرائف والتحائف من كل شيء والكتب المكلفة النفسية بالخط الحسن وكان راتب مطبخ ولده سيدي عامر في كل يوم من اللحم الضاني راسين من الغنم السمان يذبحان في بيته وكان طلبة العلم في أيام مشيخة الشيخ عبد الله الشبراوي في غاية الأدب والاحترام. ومن آثاره كتاب مفائح الالطاف في مدائح الأشراف وشرح الصدر في غزوة بدر الفها باشارة علي باشا ابن الحكيم وذكر في اخرها نبذة من التاريخ وولاة مصر إلى وقت صاحب الأشارة. وله ديوان يحتوي على غزليات واشعار ومقاطيع مشهور بايدي الناس وغير ذلك كثير توفي في صبيحة يوم الخميس سادس ذي الحجة ختام سنة 1171 وصلي عليه بالأزهر في مشهد حافل عن ثمانين سنة تقريبا. ومات الشيخ الإمام الاحق بالتقديم الفقيه المحدث الورع الشيخ حسن ابن علي بن أحمد بن عبد الله الشافعي الأزهري المنطاوي الشهير بالمدابغي أخذ العلوم عن الشيخ منصور المنوفي وعمر بن عبد السلام التطاوني والشيخ عيد النمرسي والشيخ محمد بن أحمد الوزازي ومحمد بن سعيد التنبكتي وغيرهم خدم العلم ودرس بالجامع الأزهر وافتى وألف واجاد منها حاشيته على شرح الخطيب على أبي شجاع نافعة للطلبة وثلاثة شروح ج / 1 ص -298- على الآجرومية وشرح الصيغة الأحمدية وشرح الدلائل وشرح على حزب البحر وشرح حزب النووي شرحا لطيفا. واختصر شرح الحزب الكبير للبناني ورسالة في القراءات العشر واخرى في فضائل ليلة القدر واخرى في المولد الشريف وحاشيته على جمع الجوامع المشهورة وحاشيته على شرح الأربعين لابن حجر واختصر سيرة ابن الميت وحاشية التحرير وحاشية علي الأشموني وشرح قصيدة المقري التي أولها سبحان من قسم الحظوظ وحاشية على الشيخ خالد وغير ذلك. ومات العلامة القدوة شمس الدين محمد بن الطيب بن محمد الشرفي الفاسي ولد بفاس سنة 1110 واستجاز له والده من أبي الأسرار حسن ابن علي العجمي من مكة المشرفة وعمره إذ ذاك ثلاث سنوات فدخل في عموم اجازته وتوفي بالمدينة المنورة سنة 1170 وتاريخه مغلق عن ستين عاما رحمه الله تعالى. ومات الشيخ داود بن سليمان بن أحمد بن محمد بن عمر بن عامر بن خضر الشرنوبي البرهاني المالكي الخربتاوي ولد سنة 1080 وحضر على كبار أهل العصر كالشيخ محمد الزرقاني والخرشي وطبقتهما وعاش حتى الحق الاحفاد بالاجداد وكان شيخا معمرا مسندا له عناية بالحديث. توفي في جمادى الثانية سنة 1170. ومات الشيخ القطب الصالح العارف الواصل الشيخ محمد بن علي الجزائي القاسمي الشهير بكشك ورد مصر صغيرا وبها نشأ وحج وأخذ الطريقة عن سيدي أحمد السوسي تلميذ سيدي قاسم وجعله خليفة القاسمية بمصر فلو حظ بالانوار والاسرار ثم دخل المغرب ليزور شيخه فوجده قد مات قبل وصوله بثلاثة أيام واخبره تلامذة الشيخ أن الشيخ اخبر بوصول المترجم وأودع له امانة فأخذها ورجع إلى مصر وجلس للارشاد وأخذ العهود ويقال أنه تولى القبطانية توفي سنة 1170. ج / 1 ص -299- ومات الشيخ الفاضل العلامة محمد بن أحمد الحنفي الأزهري الشهير بالصائم تفقه على سيدي علي العقدي والشيخ سليمان المنصوري والسيد محمد أبي السعود وغيرهم وبرع في معرفة فروع المذهب ودرس بالأزهر وبمسجد الحنفي ومسجد محرم في أنواع الفنون ولازم الشيخ العقيقي كثيرا ثم اجتمع بالشيخ أحمد العريان وتجرد للذكر والسلوك وترك علائق الدنيا ولبس زي الفقراء ثم باع ما ملكت يداه وتوجه إلى السويس فركب في سفينة فانكسرت فخرج مجردا يساتر العورة. ومال إلى بعض خباء الاعراب فاكرمته امرأة منهم وجلس عندها مدة يخدمها ثم وصل إلى الينبع على هيئة رثة وأوى إلى جامعها. واتفق له أنه صعد ليلة من الليالي على المنارة وسبح على طريقة المصريين فسمعه الوزير إذ كان منزله قريبا من هناك فلما أصبح طلبه وسأله فلم يظهر حاله سوى أنه من الفقراء فانعم عليه ببعض ملابس وأمره أن يحضر إلى داره كل يوم للطعام ومضت على ذلك برهة إلى أن اتفق موت بعض مشايخ العربان وتشاجر أولاده بسبب قسمة التركة فاتوا إلى الينبع يستفتون فلم يكن هناك من يفك المشكل فراى الوزير أن يكتب السؤال ويرسله مع الهجان باجرة معينة إلى مكة يستفتي العلماء فاستقل الهجان الأجرة ونكص عن السفر ووقع التشاجر في دفع الزيادة للهجان وامتنع أكثرهم ووقعوا في الحيرة. فلما رأى المترجم ذلك طلب الدواة والقلم وذهب إلى خلوة له بالمسجد فكتب الجواب مفصلا بنصوص المذهب وختم عليها وناوله للوزير فلما قرأ تعجب وأكرمه الوزير واجله ورفع منزلته وعين له من المال والكسوة وصار يقرأ دروس الفقه والحديث هناك حتى اشتهر امره واقبلت عليه الدنيا. فلما امتلأ كيسه وانجلى بؤسه وقرب ورود الركب المصري رأى الوزير تفلته من يده فقيد عليه ثم لما لم يجد بدا عاهده على أنه يحج ويعود إليه فوصل مع الركب إلى مكة وأكرم وعاد إلى ج / 1 ص -300- مصر ولم يزل على حالة مستقيمة حتى توفي عن فالج فيه جلس فيه شهورا في سنة 1170 وهو منسوب إلى سفط الصائم أحدى قرى مصر من اعمال الفشن بالصعيد الأدنى ولم يخلف في فضائله مثله رحمه الله. ومات الإمام الأديب الماهر المتفنن اعجوبة الزمان علي بن تاج الدين محمد ابن عبد المحسن بن محمد بن سالم القلعي الحنفي المكي ولد بمكة وتربى في حجر أبيه في غاية العز والسيادة والسعادة وقرأ عليه وعلى غيره من فضلاء مكة وأخذ عن الورادين إليها ومال إلى فن الأدب وغاص في بحره فاستخرج منه الل إلى ء والجواهر وطارح الأدباء في المحاضر فبان فضله وبهر برهانه ورحل إلى الشام في سنة 1142 واجتمع بالشيخ عبد الغني النابلسي فأخذ عنه وتوجه إلى الروم وعاد إلى مكة وقدم إلى مصر سنة ستين ثم غاب عنها نحو عشر سنين ثم ورد عليها وحينئذ كمل شرحه على بديعيته وعلى بديعيتين لشيخه الشيخ عبد الغني وغيره ممن تقدم وهي عشر بديعيات وشرحه على بديعيته ثلاث مجلدات قرظ عليه غالب فضلاء مصر كالشبراوي والادكاوي والمرحومي ومن أهل الحجاز الشيخ إبراهيم المنوفي وكان للمترجم بالوزير المرحوم علي باشا ابن الحكيم التئام زائد لكونه له قوة يد ومعرفة في علم الرمل وكان في أول اجتماعه به في الروم اخبره بامور فوقعت كما ذكر فازداد عنده مهابة وقبولا. ولما تولى المذكور ثاني توليته وهي سنة سبعين قدم إليه من مكة من طريق البحر فأغدق عليه ما لا يوصف ونزل في منزل بالقرب من جامع ازبك بخط الصليبة وصار يركب في موكب حافل تقليدا للوزير. ورتب في بيته كتخدا وخازندار والمصرف والحاجب على عادة الأمراء وكان فيه الكرم المفرط والحياء والمروءة وسعة الصدر في اجازة الوافدين مالا وشعرا. ومدحه شعراء عصره بمدائح جليلة منهم الشيخ عبد الله الادكاوي له فيه عدة قصائد وجوزي بجوائز سنية. ولما عزل مخدومه ج / 1 ص -301- توجه معه إلى الروم فلما ولى الختام ثانيا زاد المترجم عنده ابهة حتى صار في سدة السلطنة أحد الأعيان المشار إليهم واتخذ دارا واسعة فيها أربعون قصرا ووضع في كل قصر جارية بلوازمها. ولما عزل الوزير ونفي إلى أحدى مدن الروم سلب المترجم جميع ما كان بيده ونفي إلى الأسكندرية. فمكث هناك حتى مات في سنة 1172 شهيدا غريبا ولم يخلف بعده مثله. وله ديوان شعر ورسائل منها تكميل الفضل بعلم الرمل ومتن البديعية سماه الفرج في مدح عالي الدرج أقترح فيها بانواع منها وسع الاطلاع والتطريز والرث والاعتراف والعود والتعجيب والترهيب والتعريض وأمثلة ذلك كله موضحة في شرحه على البديعية. ولما تغيرت دولة مخدومه وتغير وجه الزمان عاد روض انسه ذابل الافنان ذا احزان واشجان لم يطب له المكان ودخل اسم عزه في خبر كان وتوفي في نحو هذا التاريخ. ومات العمدة الأجل النبيه الفصيح المفوه الشيخ يوسف بن عبد الوهاب الدلجي وهو اخو الشيخ محمد الدلجي كلاهما ابنا خال المرحوم الوالد وكان إنسانا حسنا ذا ثروة وحسن عشرة وكان من جملة جلساء الأمير عثمان بك ذي الفقار ولديه فضيلة ومناسبات ويحفظ كثيرا من النوادر والشواهد وكان منزله المشرف على النيل ببولاق مأوى اللطفاء والظرفاء ويقتني السراري والجواري توفي سنة 1171 عن ولديه حسين وقاسم وابنة اسمها فاطمة موجودة في الاحياء إلى الآن. ومات الشيخ النبيه الصالح علي بن خضر بن أحمد العمروسي المالكي أخذ عن السيد محمد السلموني والشهاب النفراوي والشيخ محمد الزرقاني ودرس بالجامع الأزهر وانتفع به الطلبة واختصر المختصر الخليلي في نحو الرابع ثم شرحه وكان إنسانا حسنا منجمعا عن الناس مقبلا على شأنه توفي سنة 1173. ج / 1 ص -302- ومات الأستاذ المبجل ذو المناقب الحميدة السيد شمس الدين محمد أبو الأشراق بن وفي وهو ابن أخي الشيخ عبد الخالق ولما توفي عمه في سنة 1161 خلفه في المشيخة والتكلم وكان ذا ابهة ووقار محتشما سليم الصدر كريم النفس بشوشا. توفي سادس جمادى الأولى سنة 1171 وصلي عليه بالأزهر وحمل إلى الزاوية فدفن عند عمه وقام بعده في الخلافة الأستاذ مجد الدين محمد أبو هادي ابن وفي رضي الله عنهم اجمعين. ومات الإمام العلامة الفريد الفقيه الفرضي الحيسوبي الشيخ حسين المحلي الشافعي كان وححيد دهرة وفريد عصره فقها وأصولا ومعقولا جيد الأستحضار والحفظ للفروع الفقيه. واما في علم الحساب الهوائي والغباري والفرائض وشباك ابن الهائم والجبر والمقابلة والمساحة وحل الأعداد فكان بحرا لا تشبهه البحار ولا يدرك له قرار وله في ذلك عدة تآليف ومنها شرح السخاوية وشرح النزهة والقلصاوي وكان يكتب تآليفه بخطه ويبيعها لمن يرغب فيها ويأخذ من الطالبين أجرة على تعليمهم فإذا جاء من يريد التعلم وطلب أن يقرأ عليه الكتاب الفلاني تعزز عليه وتمنع ويساومه على ذلك بعد جهد عظيم وكان له حانوت بجوار باب الأزهر يتكسب فيه ببيع المناكيب لمعرفة الأوقات والكتب وتسفيرها. والف كتابا حافلا في الفروع الفقيهة على مذهب الإمام الشافعي وهو كتاب ضخم في مجلدين معتبر مشهور معتمد الأقوال في الافتاء وله غير ذلك كثير. وبالجملة فكان طودا راسخا تلقى عنه كثير من اشياخ العصر ومنهم شيخنا الشيخ محمد الشافعي الجناحي المالكي وغيره. توفي سنة 1170. ومات الشيخ الإمام المعمر القطب أحد مشايخ الطريق صاحب الكرامات الظاهرة والانوار الساطعة الباهرة عبد الوهاب بن عبد السلام بن أحمد ج / 1 ص -303- ابن حجازي بن عبد القادر بن أبي العباس بن مدين بن أبي العباس بن عبد القادر بن أبي العباس بن شعيب بن محمد بن القطب سيدي عمر الرزوقي العفيفي المالكي البرهاني يتصل نسبة إلى القطب الكبير سيدي مرزوق الكفافي المشهور ولد المترجم بمنية عفيف أحدى قرى مصر ونشأ بها على صلاح وعفة ولما ترعرع قدم إلى مصر فحضر على شيخ المالكية في عصره الشيخ سالم النفراوي أياما في مختصر الشيخ خليل واقبل على العبادة وقطن بالقاعة بالقرب من الأزهر بجوار مدرسة السنانية وحج فلقي بمكة الشيخ ادريس اليماني فأجازه وعاد إلى مصر وحضر دروس الحديث على الإمام المحدث الشيخ أحمد بن مصطفى الأسكندري الشهير بالصباغ ولازمه كثيرا حتى عرف به. واجازه مولاي أحمد التهامي حين ورد إلى مصر بطريقة الاقطاب والاحزاب الشاذلية والسيد مصطفى البكري بالخلوتية. ولما توفي شيخه الصباغ لازم السيد محمد البليدي في دروسه من ذلك تفسير البيضاوي بتمامه. وروى عنه جملة من افاضل عصره كالشيخ محمد الصبان والسيد محمد مرتضى والشيخ محمد بن إسمعيل النفراوي وسمعوا عليه صحيح مسلم بالاشرفية وكان كثيرا لزيارة لمشاهد الأولياء متواضعا لا يرى لنفسه مقاما متحرزا في مأكله وملبسه لا يأكل إلا ما يؤتى إليه من زرعه من بلده من العيش اليابس مع الدقة وكانت الأمراء تأتي لزيارته ويشمئز منهم ويفر منهم في بعض الأحيان. وكل من دخل عنده يقدم له ما تيسر من الزاد من خبزه الذي كان يأكل منه. وانتفع به المريدون وكثروا في البلاد ونجبوا ولم يزل يترقى في مدارج الوصول إلى الحق حتى تعلل أياما بمنزله الذي بقصر الشوك. وتوفي في ثاني عشر صفر سنة 1172 ودفن سيدي عبد الله المنوفي ونزل سيل عظيم وذلك في سنة 1178 فهدم القبور وعامت الأموات فانهدم قبره وامتلأ بالماء فاجتمع أولاده ومريدوه وبنوا له قبرا في العلوة على يمين ج / 1 ص -304- تربة الشيخ المنوفي ونقلوه إليه قريبا من عمارة السلطان قايتباي وبنوا على قبره قبة معقودة وعملوا له مقصورة ومقاما من داخلها وعليه عمامة كبيرة وصيروه مزارا عظيما يقصد للزيارة ويختلط به الرجال والنساء. ثم أنشأوا بجانبه قصرا عاليا عمره محمد كتخدا اباظة وسوروا له رحبة متسعة مثل الحوش لموقف الدواب من الخيل والحمير دثروا بها قبورا كثيرة بها كثير من أكابر الأولياء والعلماء والمحدثين وغيرهم من المسلمين والمسلمات. ثم إنهم ابتدعوا له موسما وعيدا في كل سنة يدعون إليه الناس من البلاد القبلية والبحرية فينصبون خياما كثيرة وصواوين ومطابخ وقهاوي ويجتمع العالم الأكبر من اخلاط الناس وخواصهم وعوامهم وفلاحي الارياف وأرباب الملاهي والملاعب والغوازي والبغايا والقزادين والحواة فيملأون الصحراء والبستان فيطأون القبور ويوقدون عليها النيران ويصبون عليها القاذورات ويبولون ويتغوطون ويزنون ويلوطون ويلعبون ويرقصون ويضربون بالطبول والزمور ليلا ونهارا ويستمر ذلك نحو عشرة أيام أو أكثر ويجتمع لذلك أيضا الفقهاء والعلماء وينصبون لهم خياما أيضا ويقتدي بهم الأكابر من الأمراء والتجار والعامة من غير انكار بل ويعتقدون أن ذلك قربة وعبادة. ولو لم يكن كذلك لانكره العلماء فضلا عن كونهم بفعلونه فالله يتولى هدانا اجمعين. ومات الشيخ الأجل المعظم سيدي محمد بكري أحمد بن عبدالمنعم ابن محمد بن أبي السرور محمد بن القطب أبي المكارم محمد ابيض الوجه ابن أبي الحسن محمد بن الجلال عبد الرحمن بن أحمد بن محمد بن أحمد ابن محمد بن عوض بن محمد بن عبد الخالق بن عبد المنعم بن يحيى بن الحسن بن موسى بن يحيى بن يعقوب بن نجم بن عيسى بن شعبان ابن عيسى بن داود بن محمد بن نوح بن طلحة بن عبد الله بن عبد الرحمن ابن أبي بكر الصديق وكان يقال له سيدي أبو بكر البكري شيخ ج / 1 ص -305- السجادة بمصر ولاه أبوه الخلافة في حياته لما تفرس فيه النجابة مع وجود إخوته الذين هم أعمامه وهم أبو المواهب وعبد الخالق ومحمد بن عبد المنعم. فسار في المشيخة احسن سير وكان شيخا مهيبا ذا كلمة نافذة وحشمة زائدة تسعى إليه الوزراء والأعيان والأمراء. وكان الشيخ عبد الله الشبراوي يأتيه في كل يوم قبل الشروق يجلس معه مقدار ساعة زمانية ثم يركب ويذهب إلى الأزهر. ولما مات خلفه ولده الشيخ سيد أحمد وكان المترجم متزوجا بنت الشيخ الحنفي فاولدها سيدي خليلا وهو الموجود الآن تركه صغيرا فتربى في كفالة ابن عمه السيد محمد افندي ابن علي افندي الذي انحصرت فيه المشيخة بعد وفاة ابن عمه الشيخ سيد أحمد مضافة إلى نقابة السادة الأشراف كما يأتي ذكر ذلك إن شاء الله. وكانت وفاة المترجم في أواخر شهر صفر سنة 1171. ومات أيضا في هذه السنة السلطان عثمان خان العثماني. وتولى السلطان مصطفى بن أحمد خان وعزل علي باشا ابن الحكيم وحضر إلى مصر محمد سعيد باشا في أواخر رجب سنة 1171 واستمر في ولاية مصر إلى سنة 1173. وفي تلك السنة نزل مطر كثير سالت منه السيول. ومات افضل النبلاء وانبل الفضلاء بلبل دوحة الفصاحة وغريدها من انحازت له بدائعها طريفها وتليدها الماجد الأكرم مصطفى اسعد اللقيمي الدمياطي وهو أحد الاخوة الأربعة وهم عمر ومحمد وعثمان والمترجم أولاد المرحوم أحمد بن محمد بن أحمد بن صلاح الدين اللقيمي الدمياطي الشافعي سبط العنبوسي وكلهم شعراء بلغاء توفي في سنة 1173. ومات اديب الزمان وشاعر العصر والأوان العلامة الفاضل شمس الدين الشيخ محمد سعيد بن محمد الحنفي الدمشقي الشهير بالسمان ورد إلى مصر في سنة 1144 فطارح الأدباء وزاحم بمناكبه الفضلاء ثم عاد إلى وطنه وورد إلى مصر أيضا في سنة 1172 وكان ذا حافظة وبراعة وحسن عشرة وصار بينه وبين الشيخ عبد الله الادكاوي محاضرات ومطارحات ج / 1 ص -306- وذكره في مجموعته واثنى عليه وأورد له من شعره كثيرا ثم توجه إلى الشام وقد وافاه الحمام ودفن بالصالحية سنة ثلاث وسبعين ومائة وألف. ومات الشيخ الصالح الشاعر اللبيب الناظم الناثر الشيخ عامر الانبوطي الشافعي شاعر مفلق هجاء لهيب شراره محرق كان يأتي من بلده يزور العلماء والأعيان. وكلما راى لشاعر قصيدة سائرة قلبها وزنا وقافية إلى الهزل والطبيخ فكانوا يتحامون عن ذلك. وكان الشيخ الشبراوي يكرمه ويكسبه ويقول له: يا شيخ عامر لا تزفر قصيدتي الفلانية وهذه جائزتك. ومن بعده الشيخ الحفني كان يكرمه ويغدق عليه ويستأنس لكلامه. وكان شيخا مسنا صلحا مكحل العينين دائما عجيبا في هيئته ومن نظمه الفية الطعام على وزن الفية ابن مالك وأولها: يقول عامر هو الانبوطي أحمد ربي لست بالقنوطي ومات الأمير الكبير عمر بك بن حسن بك رضوان وذلك أنه لما قلد إبراهيم كتخدا تابعه علي بك الكبير إمارة الحج وطلع بالحجاج ورجع في سنة 1167 ونزل عليهم السيل العظيم يظهر حمار والقى الحجاج واحمالهم إلى البحر ولم يرجع منهم إلا القليل تشاوروا فيمن يقلدونه إمارة الحج فاقتضى راي إبراهيم كتخدا تولية المترجم وقد صار مسنا هرما فاستعفى من ذلك فقال له: إبراهيم كتخدا اما أن تطلع بالحج أو تدفع مائتي كيس مساعدة. فحضر عند إبراهيم كتخدا فرأى منه الجد. فقال: إذا كان ولا بد فإني أصرفها واحج ولو إني أصرف ألف كيس. ثم توجه إلى القبلة وقال اللهم لا ترني وجه إبراهيم هذا بعد هذا اليوم اما إني أموت أو هو يموت. فاستجاب الله دعوته ومات إبراهيم كتخدا في صفر قبل دخول الحجاج إلى مصر بخمسة أيام. وتوفي عمر بك المذكور سنة 1171. ومات الرجل الفاضل النبيه الذكي المتفنن المتقن الفريد الأوسطي ج / 1 ص -307- إبراهيم السكاكيني كان إنسانا حسنا عطارديا يصنع السيوف والسكاكين ويجيد سقيها وجلاءها ويصنع قراباتها ويسقطها بالذهب والفضة ويصنع المقاشط الجيدة الصناعة والسقي والتطعيم والبركارات للصنعة واقلام الجدول الدقيقة الصنعة المخرمة وغير ذلك. وكان يكتب الخط الحسن الدقيق بطريقة متسقة معروفة من دون الخطوط لا تخفى وكتب بخطه ذلك كثيرا مثل مقامات الحريري وكتب ادبية ورسائل كثيرة في الرياضيات والرسميات وغير ذلك وبالجملة فقد كان فريدا في ذاته وصفاته وصناعته لم يخلف بعده مثله. توفي في حدود هذا التاريخ وكان حانوته تجاه جامع المرداني بالقرب من درب الصياغ. وفي تلك السنة اعني سنة 1171 نزل مطر كثير سالت منه السيول واعقبه الطاعون المسمى بقارب شيحة الذي أخذ المليح والمليحة. مات به الكثير من الناس المعروفين وغيرهم ما لا يحصى ثم خف وأخذ ينقر في سنة 1172 وكان قوة عمله في رجب وشعبان وولد للسلطان مصطفى مولود في تلك السنة وورد الأمر بالزينة في تلك الأيام. وهذا المولود هو السلطان سليم المتولي الآن ولما قتل حسين بك القازدغلي المعروف بالصابونجي وتعين في الرياسة بعده علي بك الكبير واحضر خشداشينه المنفيين واستقر أمرهم وتقلد إمارة الحج سنة 1173 فبيت مع سليمان بك الشابوري وحسن كتخدا الشعراوي وخليل جاويش حيضان مصلي وأحمد جاويش المجنون واتفق معهم على قتل عبد الرحمن كتخدا في غيبته وأقام عوضه في مشيخة البلد خليل بك الدفتردار فلما سافر استشعر عبد الرحمن كتخدا بذلك فشرع في نفي الجماعة المذكورين فاغرى بهم على ذلك بلوط قبن فنفى خليل جاويش حيضان مصلي وأحمد جاويش إلى الحجاز من طريق السويس على البحر ونفى حسن كتخدا الشعراوي وسليمان بك الشابوري مملوك خشداشه إلى فارسكور. فلما وصل علي بك وهو راجع بالحج إلى العقبة وصل إليه ج / 1 ص -308- الخبر فكتم ذلك وأمر بعمل شنك يوهم من معه بأن الهجان اتاه بخبر سار ولم يزل سائرا إلى أن وصل إلى قلعة نخل فانحاز إلى القلعة وجمع الدويدار وكتخدا الحج والسدادرة وسلمهم الحجاج والمحمل وركب في خاصته وسار إلى غزة وسار الحجاج من غير أمير إلى أن وصلوا إلى أجرود فأقبل عليهم حسين بك كشكش ومن معه يريد قتل علي بك فلم يجده فحضر بالحجاج ودخل بالمحمل إلى مصر واستمر علي بك بغزة نحو ثلاثة شهر وأكثر وكاتب الدولة بواسطة باشة الشام فأرسلوا إليه واحدا اغا ووعدوه ومنوه وتحيلوا عليه حتى استقصوا ما معه من المال والاقمشة وغير ذلك. ثم حضر إلى مصر بسعاية نسيبه علي كتخدا الخربطلي واغرااضه ومات بعد وصوله إلى مصر بثمانية أيام. يقال أن بعض خشداشينه شغله بالسم حين كان يطوف عليهم للسلام. ولاية مصطفى باشا وأحمد باشا كامل. وفي تلك السنة حضر مصطفى باشا واليا على مصر واستمر إلى أواخر سنة 1174 ونزل إلى القبة متوجها إلى جدة فاقام هناك. وحضر أحمد باشا كامل المعروف بصبطلان في أواخر سنة 1174. وكان ذا شهامة وقوة مراس فدقق في الاحكام وصار يركب وينزل ويكشف على الانبار والغلال فتعصبت عليه الأمراء وعزلوه وأصعدوا مصطفى باشا المعزول وعرضوا في شأنه إلى الدولة وسافر بالعرض الشيخ عبد الباسط السنديوني ووجه مصطفى باشا خازنداره إلى جدة وكيلا عنه. ولما وصل العرض إلى الدولة وكان الوزير إذ ذاك محمد باشا راغب فوجهوا أحمد باشا المنفصل إلى ولاية قندية ومصطفى باشا إلى حلب ووجهوا باكير باشا والي حلب إلى مصر فحضر وطلع إلى القلعة وأقام نحو شهرين ومات ودفن بالقرافة سنة 1175 وحضر حسن باشا في أواخر ج / 1 ص -309- سنة ست وسبعين ثم عزل. وحضر حمزة باشا في سنة 1179 وسيأتي تتمة ذلك واستقر الحال وتقلد في إمارة الحج حسين بك كشكش وطلع سنة 1174 ووقف له العرب في مضيق وحضر إليه كبراؤهم وطلبوا مطالبهم وعوائدهم فاحضر كاتبه الشيخ خليل كاتب الصرة والصراف وأمرهم بدفع مطلوبات العرب. فذهبوا معه إلى خيمته واحضر المال وشرع الصراف يعد لهم الدراهم فضرب عند ذلك مدفع الشهيل فقال لهم: حينئذ لا يمكن في هذا الوقت فاصبروا حتى ينزل الحج في المحطة يحصل المطلوب. وسار الحج حتى خرج من ذلك المضيق إلى الوسع ورتب مماليكه وطوائفه وحضر العرب وفيهم كبيرهم هزاع فامر بقتلهم فنزلوا عليهم بالسيوف فقتلوهم عن آخرهم وفيهم نيف وعشرون كبيرا من مشايخ العربان المشهورين خلاف هزاع المذكور وأمر بالرحيل وضربوا المدفع وسار الحج وتفرق قبائل العرب ونساؤهم يصرخون بطلب الثأر. فتجمعت القبائل من كل جهة ووقفوا بطريق الحجاج وفي المضايق وهو يسوق عليهم من إمام الحج وخلفه ويحاربهم ويقاتلهم بمماليكه وطوائفه حتى وصل إلى مصر بالحج سالما ومعه رؤوس العربان محملة على الجمال. ودخل المدينة بالمحمل والحجاج منصورا مؤيدا فاجتمع عليه الأمراء من خشداشينه وغيرهم وقال له: علي بك بلوط قبن انك افسدت علينا العرب واخربت طريق الحج ومن يطلع بالحج في العام القابل بعد هذه الفعلة التي فعلتها فقال: أنا الذي اسافر بالحج في العام القابل ومني للعرب اصطفل. فطلع أيضا في السنة الثانية وتجمع عليه العرب ووقفوا في كل طريق ومضيق وعلى رؤوس الجبال واستعدوا له بما استطاعوا من الكثرة من كل جهة فصادمهم وقاتلهم وحار بهم وصار يكر ويفر ويحلق عليهم من إمام الحج ومن خلفه حتى شردهم واخافهم وقتل منهم الكثير ولم يبال بكثرتهم مع ما هو فيه من القلة. ج / 1 ص -310- فإنه لم يكن معه إلا نحو الثلثمائة مملوك خلاف الطوائف والأجناد وعسكر المغاربة. وكان يبرز لحربهم حاسرا راسه مشهورا حسامه فيشتت شملهم ويفرق جمعهم فهابوه وانكمشوا عن ملاقاته وانكفوا عن الحج. فلم تقم للعرب معه بعد ذلك قائمة. فحج أربع مرات اميرا بالحج آخرها سنة 1176 ورجع سنة 1177 ولم يتعرض له أحد من العرب ذهابا وأيابا بعد ذلك. وكذلك اخاف العربان الكائنين حوالي مصر ويقطعون الطريق على المسافرين والفلاحي ويسلبون الناس فكان يخرج إليهم على حين غفلة فيقتلهم وينهب مواشيهم ويرجع بغنائمهم ورؤوسهم في اشناف على الجمال فارتدععوا وانكفوا عن أفاعيلهم. وأمنت السبل وشاع ذكره بذلك. وفي هذه المدة ظهر شأن علي بك بلوط قبن واستفحل امره وقلد إسمعيل بك الصنجقية وجعله اشراقه وزوجه هانم بنت سيده وعمل له مهما عظيما احتفل به للغاية ببركة الفيل. وكان ذلك في أيام النيل سنة 1174 فعملوا على معظم البركة أخشابا مركبة على وجه الماء يمشي عليها الناس للفرجة. واجتمع بها أرباب الملاهي والملاعيب وبهلوان الحبل وغيره من سائر الأصناف والفرج والمتفرجون والبياعون من سائر الأصناف والانواع وعلقوا القنناديل والوقدات على جميع البيوت المحيطة بالبركة وغالبها سكن الأمراء والأعيان أكثرهم خشداشين بعضهم البعض ومماليك إبراهيم كتخدا أبي العروس. وفي كل بيت منهم ولائم وعزائم وضيافات وسماعات وآلات وجمعيات. واستمر هذا الفرح والمهم مدة شهر كامل والبلد مفتحة والناس تغدو وتروح ليلا ونهارا للحظ والفرجة من جميع النواحي. ووردت على علي بك الهدايا والصلات من اخوانه الأمراء والأعيان والاختيارية والوجاقلية والتجار والمباشرين والاقباط والافرنج والاروام واليهود والمدينة عامرة بالخير والناس مطمئنة. ج / 1 ص -311- والمكاسب كثيرة والاسعار رخية والقرى عامرة. وحضرت مشايخ البلدان وأكابر العربان ومقادم الأقاليم والبنادر بالهدايا والاغنام والجواميس والسمن والعسل وكل من الأمراء الإبراهيمية كأنه صاحب الفرح والمشار إليه من بينهم صاحب الفرح علي بيك. وبعد تمام الشهر زفت العروس في موكب عظيم شقوا به من وسط المدينة بانواع الملاعيب والبهلوانات والجنك والطبول ومعظم الأعيان والجاويشية والملازمين والسعاة والاغوات إمام الحريمات وعليهم الخلع والتخاليق المثمنة وكذلك المهاترة والطبالون وغيرهم من المقدمين والخدم والجاويشية والركبدارية والعروس في عربة. وكان الخازندار لعلي بيك في ذلك الوقت محمد بك أبو الذهب ماشيا بجانب العربة وفي يده عكاز ومن خلفها أولاد خزنات الأمراء ملبسين بالزرد والخود واللثامات الكشميري مقلدين بالقسي والنشاب وبأيديهم المزاريق الطوال وخلف الجميع النوبة التركية والنفيرات. فمن ذلك الوقت اشتهر أمر علي بك وشاع ذكره ونما صيته وقلد أيضا علي بك المعروف بالسروجية. ولما كان عبد الرحمن كتخدا ابن سيدهم ومركز دائرة دولتهم انضوى إلى ممالأته ومال هو الآخر إلى صداقته ليقوى به على أرباب الرياسة من اختيارية الوجاقات وكل منهما يريد تمام الأمر لنفسه. حتى أن عبد الرحمن كتخدا لما أراد نفي الجماعة المتقدم ذكرهم مع بعض المتكلمين وصوروا على أحمد جاويش المجنون ما يقتضي نفيه ثم عرضوا ذلك على عبد الرحمن كتخدا فمانع في ذلك واظهر الغيظ وأصبح في ثاني يوم اجتمع عنده الاختيارية والصناجق على عادتهم. فلما تكامل حضور الجميع عين عبد الرحمن كتخدا غاديا إلى بيت علي بك وكذلك باقي الأمراء والاختيارية وصار الجميع والديوان في بيته من ذلك اليوم ولبس الخلعة من الباشا على ذلك. ثم إنهم طلعوا أيضا في ثاني يوم إلى الديوان واجتمعوا بباب الينكجرية وكتبوا عرضحال بنفي أحمد جاويش وخليل ج / 1 ص -312- جاويش وسليمان بك الشابوري فقال عبد الرحمن كتخدا: وأكتبوا معهم حسن كتخدا الشعراوي أيضا. فكتبوه واخرجوا فرمانا بذلك ونفوهم كما ذكر واستمروا في نفيهم. وعمل أحمد جاويش وقادا بالحرم المدني وخليل جاويش أقام أيضا بالمدينة والشابوري وحسن كتخدا جهة فارسكور والسرو ورأس الخليج وأخذ علي بك يمهد لنفسه واستكثر من شراء المماليك وشرع في مصادرة الناس. ويتحيل على أخذ الأموال من أرباب البيوت المدخرة والأعيان المستورين مع الملاطفة وادخال الوهم على البعض بمثل بمثل النفي والتعرض إلى الفائظ ببعض المقنضيات ونحو ذلك. حادثة سماوية. ومن الحوادث السماوية أن في يوم السبت تاسع عشر جمادى الأولى هبت ريح عظيمة شديدة نكباء غربية غرق منها بالاسكندرية ثلاثة وثلاثون مركبا في مرسى المسلمين وثلاثة مراكب في مرسى النصارى. وضجت الناس وهاج البحر شديدا وتلف بالنيل بعض مراكب وسقطت عدة أشجار. وطلع علي بك اميرا بالحج في سنة 1177 ورجع في أوائل سنة 1178 في ابهة عظيمة وارخى مملوكه محمد الخازندار لحيته على زمزم. فلما رجع قلده الصنجقية وهو الذي عرف بابي الذهب. ثم قلد مملوكه أيوب اغا ورضوان قرابينه وإبراهيم شلاق بلغيه وذا الفقار وعلي بك الحبشي صناجق أيضا. وانقضت تلك السنة وأمر علي بك يتزايد. وشهلوا أمور الحج على العادة وقبضوا الميري وصرفوا العلوفات والجامكية والصرة وغلال الحرمين والأنبار وخرج المحمل على القانون المعتاد واميره حسن بك رضوان. ولما رجعوا من البركة بعد ارتحال الحج طلع علي بك ج / 1 ص -313- وخشداشينه واغراضه وملكوا أبواب القلعة وكتبوا فرمانا واخرجوا عبد الرحمن كتخدا وعلي كتخدا الخربطلي وعمر جاويش الداودية ورضوان جربجي الرزاز وغيرهم منفيين. فاما عبد الرحمن كتخدا فأرسلوه إلى السويس ليذهب إلى الحجاز وعينوا للذهاب معه صالح بك ليوصله إلى السويس. ونفوا باقي الجماعة إلى جهة بحري وارتجت مصر في ذلك اليوم وخصوصا لخروج عبد الرحمن كتخدا فإنه كان اعظم الجميع وكبيرهم وابن سيدهم وله الصولة والكلمة والشهرة وبه ارتفع قدر الينكجرية على العزب وكان له عزوة كبيرة ومماليك واتباع وعساكر مغاربة وغيرهم حتى ظن الناس وقوع فتنة عظيمة في ذلك اليوم. فلم يحصل شيء من ذلك سوى ما نزل بالناس من البهتة والتعجب. ثم أرسل إلى صالح بك فرمانا بنفيه إلى غزة فوصل إليه الجاويش في اليوم الذي نزل فيه عبد الرحمن كتخدا في المركب وسافر وذهب صالح بك إلى غزة فاقام بها مدة قليلة ثم أرسلوا له جماعة ونقلوه من غزة وحضروا به إلى ناحية بحري واجلسوه برشيد ورتب له علي بك ما يصرفه وجعل له فائظا في كل سنة عشرة أكياس. فاقام برشيد مدة فحضرت اخبار وصول الباشا الجديد وهو حمزة باشا إلى ثغر سكندرية فأرسلوا إلى صالح بك جماعة يغيبونه من رشيد ويذهبون به إلى دمياط يقيم بها وذلك لئلا يجتمع بالباشا. فلما وصلت إليه الأخبار بذلك ركب بجماعته ليلا وسار إلى جهة البحيرة وذهب من خلف جبل الفيوم إلى جهة قبلى فوصل إلى منية ابن خصيب فاقام بها واجتمع عليه اناس كثيرة من الذين شردهم علي بك ونفاهم في البلاد وبنى له ابنية ومتاريس وكان له معرفة وصداقة مع شيخ العرب همام وأكابر الهوارة وأكثر البلاد الجارية في التزامه جهة قبلي. واجتمع عليه الكثير منهم وقدموا له التقادم والذخيرة وما يحتاج إليه. ج / 1 ص -314- ووصل المولى حفيد افندي القاضي وكان من العلماء الافاضل ويعرف بطرون افندي وكان مسنا هرما فجلس على الكرسي بجامع المشهد الجسيني ليملي درسا فاجتمع عليه الفقهاء الأزهرية وخلطوا عليه وكان المتصدي لذلك الشيخ أحمد بن يونس والشيخ عبد الرحمن البراذعي فصار يقول لهم: كلموني بآداب البحث أما قرأتم آداب البحث. فزادوا في المغالطة فما وسعه إلا القيام فانصرفوا عنه وهم يقولون عكسناه. وفي شعبان من السنة المذكورة شرع القاضي المذكور في عمل فرح لختان ولده فأرسل إليه علي بك هدية حافلة وكذلك باقي الأمراء والاختيارية والتجار والعلماء حتى امتلأت حواصل المحكمة بالارز والسمن والعسل والسكر وكذلك امتلأ المقعد بفروق البن ووسط الحوش بالحطب الرومي واجتمع بالمحكمة أرباب الملاعيب والملاهي والبهلوانات وغيرهم واستمر ذلك عدة أيام والناس تغدو وتروح للفرجة. وسعت العلماء والأمراء والأعيان والتجار لدعوته. وفي يوم الزفة أرسل إليه علي بك ركوبته وجميع اللوازم من الخيول والمماليك وشجر الدر والزرديات وكذلك طاقم الباشا من الأغوات والسعاة والجاويشية والنوبة التركية واركبوا الغلام بالزفة إلى بيت علي بك فالبسه فروة سمور ورجع إلى المحكمة بالموكب وختن معه عدة غلمان وكان مهما مشهودا واتحد هذا القاضي بالشيخ الوالد وتردد كل منهما على الآخر كثيرا وحضر مرة في غير وقت ولا موعد في يوم شديد الحر فلما صعد إلى اعلى الدرج وكان كثيرا فاستلقى من التعب على ظهره لهرمه: فلما تروح وارتاح في نفسه قال له الشيخ: يا افندي لأي شيء تتعب نفسك أنا آتيك متى شئت. فقال: أنا اعرف قدرك وانت تعرف قدري. وكان نائبه من الاذكياء أيضا. ولما حضر حمزة باشا سنة 1179 المذكورة واليا على مصر وطلع إلى القلعة عرضوا له أمر صالح بك وأنه قاطع الطريق ومانع وصول الغلال ج / 1 ص -315- والميري وأخذوا فرمانا بالتجريد عليه وتقلد حسين بك كشكش حاكم جرجا وأمير التجريدة وشرعوا في التشهيل والخروج فسافر حسين بك كشكش وصحبته محمد بك أبو الذهب وحسن بك الازبكاوي فالتطموا مع صالح بك لطمة صغيرة ثم توجه وعدى إلى شرق أولاد يحيى وكان حسين بك شبكة مملوك حسين بك كشكش نفاه علي بك إلى قبلي فلما ذهب صالح بك إلى قبلي انضم إليه وركب معه فلما توجه حسين بك بالتجريدة وعدى صالح بك شرق أولاد يحيى انفصل عنه وحضر إلى سيده حسين بك وانضم إليه كما كان ورجع محمد بك وحسن بك إلى مصر وتخلف حسين بك عن الحضور يريد الذهاب إلى منصبه بجرجا وأقام في المنية فأرسل إليه علي بك فرمانا بنفيه إلى جهة عينها له فلم يتمثل لذلك وركب في مماليكه وأتباعه وامرائه وحضر إلى مصر ليلا فوجد الباب الموصل لجهة قناطر السباع مغلوقا فطرقه فلم يفتحوه فكسره ودخل وذهب إلى بيته وبقي الأمر بينهم على المسالمة أياما فاراد علي بك أن يشغله بالسم بيد عبد الله الحكيم وقد كان طلب منه معجونا للباءة فوضع له السم في المعجون واحضره له فامره أن يأكل منه أولا فتلكأ واعتذر فامر بقتله. وكان عبد الله الحكيم هذا نصرانيا روميا يلبس على رأسه قلبق سمور وكان وجيها جميل الصورة فصيحا متكلما يعرف التركية والعربية والرومية والطليانية. وعلم حسين بك انها من عزيمة علي بك فتأكدت بينهما الوحشة واضمر كل منهما لصاحبه السوء وتوافق علي بك مع جماعته على غدر حسين بك أو اخراجه فوافقوه ظاهرا واشتغل حسين بك على اخراج علي بك وعصب خشداشينه وغيرهم وركبوا عليه المدافع فكرنك في بيته وانتظر حضور المتوافقين معه فلم يأته منهم أحد وتحقق نفاقهم عليه. فعند ذلك أرسل إليهم يسألهم عن مرادهم فحضر إليه منهم من يأمره بالركوب والسفر فركب ج / 1 ص -316- وأخرجوه منفيا إلى الشام ومعه مماليكه وأتباعه وذلك في أواخر شهر رمضان سنة 1179 وأقام بالعادلية ثلاثة أيام حتى عملوا حسابه وحساب أتباعه وهم محيطون بهم من كل جهة بالعسكر والمدافع حتى فرغوا من الحساب واستخلصوا ما بقي على طرفهم ثم سافروا إلى جهة غزة وكانت العادة فيمن ينفى من أمراء مصر أنه إذا خرج إلى خارج فعلوا معه ذلك ولا يذهب حتى يوفي جميع ما يتأخر بذمته من ميري وخلافة وإن لم يكن معه ما يوفي ذلك باع اساس داره ومتاعه وخيوله ولا يذهب إلا خالص الذمة. وسافر صحبة علي بك أمراؤه وهم محمد بك وأيوب بك ورضوان بك وذو الفقار بك وعبد الله أغا الوالي وأحمد جاويش وسليمان جاويش وقيطاس كتخدا وباقي اتباعه. واستقر خليل بك كبير البلد مع قسيمه حسين بك كشكش وباقي جماعتهم وحسن بك جوجو وعزلوا عبد الرحمن أغا وقلدوا قاسم أغا الوالي أغات مستحفظان وورد الخبر من الجهة القبلية بأن صالح بك رجع من شرق أولاد يحيى إلى المنية واستقر فيها وحصنها. فعند ذلك شرعوا في تشهيل تجريدة وبرزوا إلى جهة البساتين. وفي تلك الأيام رجع علي بك ومن معه على حين غفلة ودخل إلى مصر فنزل ببيت حسين بك كشكش ومحمد بك نزل عند عثمان بك الجرجاوي وأيوب بك دخل منزل إبراهيم أغا الساعي فاجتمع الأمراء بالاثار وعملوا مشوره في ذلك. فاقتضى الرأي بان يرسلوه إلى جدة فاجتمع الرأي بان يعطوه النوسات ويذهب إليها فرضي بذلك وذهب إلى النوسات وأقام بها وأرسلوا محمد بك وأيوب بك ورضوان بك إلى قبلي بناحية اسيوط وجهاتها وكان هناك خليل بك الأسيوطي فانضموا إليه وصادقوه وسفروا التجريدة إلى صالح بك فهزمت فأرسلوا له تجريدة اخرى واميرها حسن بك جوجو وكان منافقا فلم يقع بينهم إلا بعض مناوشات ورجعوا أيضا كانهم مهزومون وأرسلوا له ثالث ركبة. ج / 1 ص -317- فكانت الحرب بينهم سجالا ورجعوا كذلك بعد أن اصطلحوا مع صالح بك أن يذهب إلى جرجا ويأخذ ما يكفيه هو ومن معه ويمكث بها ويقوم بدفع المال والغلال. وكان ذلك في شهر جمادى الأولى سنة 1180. وفي ثاني شعبان منها اتهموا حسن بك الازبكاوي أنه يراسل علي بك وعلي بك يراسله فقتلوه في ذلك اليوم بقصر العيني ورسموا بنفي خشداشينه وهم حسن بك أبو كرش ومحمد بك الماوردي وسليمان أغا كتخدا الجاويشية سيد الثلاثة وهو زوج أم عبد الرحمن كتخدا وكان مقيما بمصر القديمة وقد صار مسنا فسفروهم إلى جهة بحري وتخيلوا من اقامة علي بك بالنوسات فأرسلوا له خليل بك السكران فأخذه وذهب به إلى السويس ليسافر إلى جدة من القلزم وأحضر له المركب لينزل فيها. وفي ثاني شهر شوال من السنة ركب الأمراء إلى قراميدان ليهنئوا الباشا بالعيد وكان معتاد الرسوم القديمة أن كبار الأمراء يركبون بعد الفجر من يوم العيد كذلك أرباب العكاكيز فيطلعون إلى القلعة ويمشون إمام الباشا من باب السراية إلى جامع الناصر بن قلاوون فيصلون صلاة العيد ويرجعون كذلك ثم يقبلون اتكة ويهنئونه وينزلون إلى بيوتهم فيهنىء بعضهم بعضا على رسمهم واصطلاحهم وينزل الباشا في ثاني يوم إلى الكشك بقراميدان وقد هيئت مجالسه بالفرش والمساند والستائر واستعد فراشو الباشا بالتطلي والقهوة والشربات والقماقم والمباخر ورتبوا جميع الاحتياجات واللوازم من الليل واصطفت الخدم والجاويشية والسعاة والملازمون وجلس الباشا الكشك وحضرت أرباب العكاكيز والخدم قبل كل أحد ثم يأتي الدفتردار وأمير الحاج والأمراء الصناجق والاختيارية وكتخدا والعزب أصحاب الوقت والمقادم والأوده باشية واليمقات والجربجية فيهنئون الباشا ج / 1 ص -318- ويعيدون عليه على قدر مراتبهم بالقانون والترتيب ثم ينصرفون. فلما حضروا في ذلك اليوم المذكور وهنا الأمراء الصناجق الباشا وخرجوا إلى دهليز القصر يريدون النزول وقف لهم جماعة وسحبوا السلاح عليهم وضربوا عليهم بنادق فاصيب عثمان بك الجرجاوي بسيف في وجهه وحسين بك كشكش أصيب برصاصة نفذت من شقه وسحب الآخرون سلاحهم وسيوفهم واحتاط بهم مماليكهم ونط أكثرهم من حائط البستان ونفذوا من الجهة الاخرى وركبوا خيولهم وهم لا يصدقون بالنجاة. وانجرح أيضا إسمعيل بك أبو مدفع ومحمود بك وقاسم أغا ولكن لم يمت منهم إلا عثمان بك. وباتوا على ذلك فلما أصبحوا اجتمعوا وطلعوا إلى الأبواب وأرسلوا إلى الباشا يأمرونه بالنزول فنزل إلى بيت أحمد بك كشك بقوصون وعند نزوله ومروره بباب العزب وقف له حسين بك كشكش وأسمعه كلاما قبيحا ثم إنهم جعلوا خليل بك بلغيه قائمقام وقلدوا عبد الرحمن أغا مملوك عثمان بك صنجقا عوضا عن سيده ونسبت هذه النكتة إلى حمزة باشا وقيل: إنها من علي بك الذي بالنوسات ومراسلاته إلى حسن بك جوجو فبيت مع انفار من الجلفية وأخفاهم عنده مدة أيام وتواعدوا على ذلك اليوم وذهبوا إلى الكشك بقراميدان وكانوا نحو الأربعين فاختلفوا واتفقوا على ثاني يوم بدهليز بيت القاضي وتفرقوا إلا أربعة منهم ثبتوا على ذلك الاتفاق وفعلوا هذه الفعلة وبطل أمر العيد من قراميدان من ذلك اليوم. وتهدم القصر وخرب وكذلك الجنينة ماتت أشجارها وذهبت نضارتها ولما حصلت هذه الحادثة أرسلوا حمزة بك إلى علي بك فوجده في المركب الغاطس ينتظر اعتدال الريح للسفر فرده إلى البر واركبه بمماليكه واتباعه ورجع إلى جهة مصر ومر من الجبل وذهب إلى جهة شرق اطفيح ثم إلى أسيوط بقبلي ورجع حمزة بك إلى مصر. ثم أن علي بك اجتمع ج / 1 ص -319- عليه المنفيون وهوارة وخلافهم وأراد الانضمام إلى صالح بك فنفر منه فلم يزل يخادعه وكان علي كتخدا الخربطلي هناك منفيا من قبله وجعله سفيرا فيما بينه وبين صالح بك هو وخليل بك الأسيوطي وعثمان كتخدا الصابونجي فأرسلهم فلم يزالوا به حتى جنح لقولهم. فعند ذلك أرسل إليه محمد بك أبو الذهب فلم يزل به حتى انخدع له واجتمع عليه بكفالة شيخ العرب همام وتحالفا وتعاقدا وتعاهدا على الكتاب والسيف. وكتبوا بذلك حجة واتفق مع علي بك أنه إذا تم لهم الأمر اعطى لصالح بك جهة قبلي قيد حياته. واتفقوا على ذلك بالمواثيق الأكيدة وأرسلوا بذلك إلى شيخ العرب همام فانسر بذلك ورضي به مراعاة لصالح بك وأمدهم عند ذلك همام بالعطايا والمال والرجال واجتمع عليهم المتفرقون والمشردون من الغز والاجناد والهوارة والشجعان ولموا جموعا كثيرة وحضروا إلى المنية وكان بها خليل بك السكران. فلما بلغه قدومهم ارتحل منها وحضر إلى مصر هاربا واستقر علي بك وصالح بك وجماعتهم بالمنية وبنوا حولها اسوارا وابراجا وركبوا عليها المادفع وقطعوا الطريق على المسارفين المبحرين والمقبلين. وأرسل علي بك إلى ذي الفقار بك وكان بالمنصورة وصحبته جماعة كشاف فارتحلوا ليلا وذهبوا إلى المنية فعمل الأمراء جمعية وعزموا على تشهيل تجريدة وتكلموا وتشاوروا في ذلك فتكلم الشيخ الحفناوي في ذلك المجلس وأفحمهم الكلام ومانع في ذلك وحلف أنه لا يسافر أحد بتجريدة مطلقا وإن فعلوا ذلك لا يحصل لهم خير ابدا فقالوا أنه هو الذي يحرك الشر ويريد الانفراد بنفسه ومماليكه وإن لم نذهب إليه أتى هو الينا وفعل مراده فينا فقال لهم: الشيخ أنا أرسل إليه مكاتبة فلا تتحركوا بشيء حتى يأتي رد الجواب. فلم يسعهم إلا الامتثال فكتب له الشيخ مكتوبا ووبخه فيه وزجره ونصحه ووعظه وأرسلوه إليه فلم يلبث الشيخ بعد ج / 1 ص -320- هذا المجلس إلا أياما ومرض ورمى بالدم وتوفى إلى رحمة الله تعالى. فيقال أنهم اشغلوه وسموه ليتمكنوا من اغراضهم. ولاية محمد باشا راقم. وفي أثناء ذلك ورد الخبر بوصول محمد باشا راقم إلى سكندرية فأرسلوا له الملاقاة وحضر إلى مصر وطلع إلى القلعة في غرة ربيع الثاني سنة 1181. وفي حادي عشر جمادى الأولى اجتمعوا بالديوان وقلدوا حسن بك رضوان دفتردار مصر. وفي خامس عشرة قلدوا خليل بك بلغيه أمير الحاج وقاسم أغا صنجقا وكتبوا فرمانا بطلوع التجريدة إلى قبلي ولبس صاري عسكرها حسين بيك كشكش وشرعوا في التشهيل واضطرهم الحال إلى مصادرة التجار وأحضر خليل بيك النواخيد وهم منلا مصطفى وأحمد أغا الملطيلي وقرأ إبراهيم وكاتب البهار وطلب منهم مال البهار معجلا فاعتذروا فصرخ عليهم وسبهم فخرجوا من بين يديه وأخذوا في تشهيل المطلوب وجمع المال من التجار وبرز حسين بيك خيامه للسفر في منتصف جمادى الأولى وخرج صحبته ستة من الصناجق وهم حسن بيك جوجو وخليل بيك السكران وحسن بيك شبكة وإسمعيل بيك أبو مدفع وحمزة بيك وقاسم بيك واسرعوا في الارتحال. وفي عشرينه اخرج خلفهم أيضا خليل بك تجريدة اخرى وفيها ثلاثة صناجق ووجاقلية وعسكر مغاربة وسافروا أيضا في يومها وبعد ثلاثة أيام ورد الخبر وقوع الحرب بينهم ببياضة تجاه بني سويف فكانت الهزيمة على حسين بك ومن معه وقتل علي أغا الميجي وخلافه. وقتل من ذلك الطرف ذو الفقار بك ورجع المهزومون في ذلك ثاني يوم ج / 1 ص -321- الاحد طلعوا إلى ابواب القلعة وطلبوا من الباشا فرمانا بالتجريدة على الكثرة وهو يوم السبت رابع عشرينه وهم في اسوأ حال. وأصبحوا يوم علي بك وصالح بك ومن معهم وطلبوا مائتي كيس من الميري يصرفوها في اللوازم فامتنع الباشا من ذلك وحضر الخبر يوم الإثنين بوصول القادمين إلى غمازه وكان الوجاقلية وحسن بك جوجو ناصبين خيامهم جهة البساتين فارتحلوا ليلا وهربوا وتخبل عقل خليل بك وحسين بك ومن معهما وتحيروا في أمرهم وتحققوا الأدبار والزوال وأرسل الباشا إلى الوجاقلية يقول لهم: كل وجاق يلازم بابه. وفي سابع عشرينه حضر علي بك صالح بك ومن معهم إلى البساتين فازداد تحيرهم وطلعوا إلى الأبواب فوجدوها مغلوقة فرجعوا إلى قراميدان وجلسوا هناك ثم رجعوا وتسحب تلك الليلة كثير من الأمراء والاجناد وخرجوا إلى جهة علي بك وكان حسن بك المعروف بجوجو ينافق الطرفين ويراسل علي بك وصالح بك سرا ويكاتبهما وضم إليه بعض الأمراء مثل قاسم بك خشداشه وإسمعيل بك زوج هانم بنت سيدهم وعلي بك السروجي وجن علي وهو خشداش إبراهيم بك بلغية وكثير من اعيان الوجاقلية ويرسلون لهم الأوراق في داخل الاقصاب التي يشربون فيها الدخان ونحو ذلك. وفي ليلة الخميس تاسع عشرين جمادى الأولى هرب الأمراء الذين بمصر وهو خليل بك شيخ البلد واتباعه وحسين بك كشكش واتباعه وهم نحو عشرة صناجق وصحبتهم مماليكهم وأجنادهم عدة كثيرة وأصبح يوم الخميس فخرج الأعيان وغيرهم لملاقاة القادمين ودخل في ذلك اليوم علي بك وصالح بك وصناجقهم ومماليكهم واتباعهم وجميع من كان منفيا بالصعيد قبل ذلك من أمراء ووجاقلية وغيرهم وحضر صحبتهم علي كتخدا الخربطلي وخليل بك السيوطي وقلده علي بك ج / 1 ص -322- الصنجقية مجددا وضربت النوبة في بيته ثم أعطاه كشوفية الشرقية وسافر إليها. وفي يوم الأحد ثاني جمادى الثانية طلع علي بك وصالح بك وباقي الأمراء القادمين والذين تخلفوا عن الذاهبين مثل حسن بك جوجو وإسمعيل بك زوج هانم وجن علي وعلي بك السروجي وقاسم بك والاختيارية والوجاقلية وغيرهم إلى الديوان بالقلعة فخلع الباشا على علي بك واستقر في مشيخة البلد كما كان وخلع علي صناجقه خلع الأستمرار أيضا في إمارتهم كما كانوا ونزلوا إلى بيوتهم وثبت قدم علي بك في إمارة مصر ورئاستها في هذه المرة وظهر بعد ذلك الظهور التام وملك الديار المصرية والاقطار الحجازية والبلاد الشامية وقتل المتمردين وقطع المعاندين وشتت شمل المنافقين ووخرق القواعد وخرم العوائد وأحزب البيوت القديمة وأبطل الطرائق التي كانت مستقمية ثم أنه حضر سليمان أغا كتخدا الجاويشية وصناجقه إلى مصر وعزم على نفي بعض الأعيان واخراجهم من مصر فعلم أنه لا يتمكن من اغراضه مع وجود حسن بك جوجو وانم ما دام حيا لا يصفو له الحال فأخذ يدبر على قتله فبيت مع اتباعه على قتله فحضر حسن بك جوجو وعلي بك جن علي عند علي بك وجلسوا معه حصة من الليل وقام ليذهب إلى بيته فركب وركب معه جن علي ومحمد بك أبو الذهب وأيوب بك ليذهبا أيضا إلى بيوتهما لاتحاد الطريق فلما صاروا في الطريق التي عند بيت الشابوري خلف جامع قوصون سحبوا سيوفهم وضربوا حسن بك وقتلوه وقتلوا معه أيضا جن علي ورجعوا وأخبروا سيدهم علي بك وذلك ليلة الثلاثاء ثامن شهر رجب من سنة 1181 وأصبح علي بك مالكا للابواب ورسم بنفي قاسم بك وإسمعيل بك أبي مدفع وعبد الرحمن بك وإسمعيل بك كتخدا عزبان ومحمد كتخدا زنور ومصطفى جاويش تابع ج / 1 ص -323- مصطفى جاويش الكبير مملوك إبراهيم كتخدا وخليل جاويش درب الحجر. وفي حادي عشر شهر شوال اخرج أيضا نحو الثلاثين شخصا من الأعيان ونفاهم في البلاد وفيهم ثمانية عشر اميرا من جماعة الفلاح وفيهم علي كتخدا وأحمد كتخدا الفلاح وإبراهيم كتخدا مناو وسليمان أغا كتخدا جاووشان الكبير وصناجقه حسن بك أبو كرش ومحمد بك الماوردي وخلافهم مقادم وأوده باشية فنفى الجميع إلى جهة قبلي وأرسل سليمان أغا كتخدا الجاويشية إلى السويس ليذهب إلى الحجاز من القلزم واستمر هناك إلى أن مات. وفيه قبض علي بك على الشيخ يوسف بن وحيش وضربه علقة قوية ونفاه إلى بلده جناج فلم يزل بها إلى أن مات. وكان من دهاة العالم وكان كاتبا عند عبد الرحمن كتخدا القازدغلي وله شهرة وسمعة في السعي وقضاء الدعاوى والشكاوى والتحيلات والمداهنات والتلبيسات وغير ذلك. وفي شهر الحجة وصلت اخبار عن حسين بك كشكش وخليل بك أنهم لما وصلوا إلى غزة جمعوا جموعا وإنهم قادمون إلى مصر فشرع علي بك في تشهيل تجريدة عظيمة وبرزوا وسافروا. ثم ورد الخبر بعد ثلاثة أيام أنهم عرجوا إلى جهة دمياط ونهبوا منها شيئا كثيرا ثم حضروا إلى المنصورة ونهبوا منها كذلك فأرسل علي بك يأمر التجريدة بالذهاب إليهم وأرسل لهم أيضا عسكرا من البحر فتلاقوا معهم عند الديزس والجراح من أعمال المنصورة عند سمنود فوقع بينهم وقعة عظيمة وانهزمت التجريدة وولوا راجعين. وقتل في هذه المعركة سليمان جربجي باش اختيار جمليان وأحمد جرجبي ظنان جراكسه وعمر أغا جاووشان أمين الشون وكانوا صدور الوجاقات ولم يزالوا في هزيمتهم إلى دجوة. فلما وصل الخبر بذلك إلى علي بك اهتم لذلك ونزل الباشا وخرج إلى ج / 1 ص -324- قبة باب النصر خارج القاهرة وجمع الوجاقلية والعلماء وأرباب السجاجيد وأمر الباشا بأن كل من كان وجاقيا أو عليه عتامنة يشهل نفسه ويطلع إلى التجريدة أو يخرج عنه بدلا واجتهد علي بك في تشهيل تجريدة عظيمة أخرى وكبيرها محمد بك أبو الذهب وسافروا في أوائل المحرم واجتمعوا بالتجريدة الأولى وسار الجميع خلف حسين بك وخليل بك ومن معهم وكانوا عدوا إلى بر الغربية بعد أن هزموا التجريدة فلو قدر الله أنهم لما كسروا التجريدة ساقوا خلفهم كما فعل علي بك وصالح بك لدخلوا إلى مصر من غير مانع ولكن لم يرد الله تعالى لهم ذلك. وانقضت هذه السنين وما وقع بها. من مات في هذه الاعوام من أكابر العلماء وأعاظم الأمراء. مات الشيخ الإمام الفقيه المحدث الشريف السيد محمد بن محمد البليدي المالكي الأشعري الاندلسي حضر دروس الشيخ شمس الدين محمد بن قاسم البقري المقري الشافعي في سنة 1110 ثم على اشياخ الوقت كالشيخ العزيزي والملوي والنفراوي وتمهر ثم لازم الفقه والحديث بالمشهد الحسيني فراج أمره واشتهر ذكره وعظمت حلقته وحسن اعتقاد الناس فيه وانكبوا على تقبيل يده وزيارته وخصوصا تجار المغاربة لعلة الجنسية فهادوه وواسوه واشتروا له بيتا بالعطفة المعروفة بدرب الشيشيني وفسطوا المنه على أنفسهم ودفعوه من مالهم. فلم يزل مقبلا على شانه ملازما على طريقته مواطبا على املاء الحديث كصحيح البخاري ومسلم والموطأ والشفاء والشمائل حتى توفي ليلة التاسع والعشرين من رمضان سنة ست وسبعين ومائة وألف. ومات الأستاذ المعظم ذو المناقب العلية والسجايا المرضية بقية السلف السيد مجد الدين محمد أبو هادي بن وفي ولد سنة 1151 ومات والده وهو طفل فنشأ يتيما وخلف عمه في المشيخة والتكلم واقبل على العلم ج / 1 ص -325- والمطالعة والاذكار والأوراد وولى نقابة الأشراف بمصر في الإثناء فساس فيها أحسن سياسة وجمع له بين طرفي الرياسة وكان ابيض وسيما ذا مهابة لايهاب في الله إمارا بالمعروف فاعلا للخير توفي يوم الخميس خامس ربيع الأول سنة 1176 وصلي عليه بالأزهر في مشهد عظيم حضره الأكابر والأصاغر وحمل على الأعناق ودفن بزاويتهم بالقرب من عمه رضي الله عنه وتخلف بعده السيد شهاب الدين أحمد أبو الامداد. ومات أيضا في هذا الشهر والسنة الصدر الاعظم المغفور له محمد باشا المعروف براغب وكان معدودا من أفاضل العلماء وأكابر الحكماء جامعا للرياستين حويا للفضيلتين وله تأليف وابحاث في المعقول والمنقول والفروع والأصول وهو الذي حضر إلى مصر واليا في سنة 1159 ووقع له ما وقع مع الخشاب والدمايطة كما تقدم ورجع إلى الديار الرومية وتولى الصدارة ثم توفي إلى رحمة الله تعالى في رابع عشرين شهر رمضان سنة 1176. ومات الشيخ المجذوب علي الهواري كان من أرباب الأحوال الصادقين والأولياء المستغفرين وأصله من الصعيد. وكان يركب الخيول ويروضها ويجيد ركوبها ولذلك لقب بالهواري. ثم أقلع من ذلك وانجذب مرة واحدة وكان للناس فيه اعتقاد حسن وحكى عنه الكشف غير واحد ويدور في الأسواق والناس يتبركون به. مات شهيدا بالرميلة أصابته رصاصة من يد رومي فلتة في سنة 1176 وصلوا عليه بالأزهر وازدحم الناس على جنازته رحمه الله. ومات الشيخ المسند عمر بن أحمد بن عقيل الحسيني المكي الشافعي الشهير باسقاف ابن أخت حافظ الحجاز عبد الله بن سالم البصري وأسقاف لقب جده الأكبر عبد الرحمن من آل باعلوي. ولد بمكة سنة 1102 وروى عن خالد المذكور وعن الشيخين العجمي والنخلي. ج / 1 ص -326- والشيخ تاج الدين المفتي وحسين بن عبد الرحمن الخطيب ومحمد عقبلة وادريس بن أحمد اليماني والشيخ عيد وعبد الوهاب الطنتدائي ومصطفى ابن فتح الله الحنفي وسمع الأولية عاليا عن الشهاب أحمد البناء بعناية خاله سنة 1110 ومهر وانجب واشتهر صيته وسمع منه كبار الشيوخ وأجازهم كالشيخ الوالد والشيخ أحمد الجوهري وعندي اجازته للوالد بخطه وكذلك أجاز عبد الله بن سالم البصري والشيخ محمد عقيلة ومحمد السندي وذلك بمكة سنة 1157 وبه تخرج شيخنا السيد محمد مرتضى في غالب مروياته وسمعت منه أنه اجتمع به بالمدينة المنورة عند باب الرحمة أحد ابواب الحرم الشريف وسمع منه وأجازه اجازة عامة وذلك في سنة 1163 ولازمه بمكة سنة 1164 وسمع منه أوائل الكتب الستة وأباح له كتب خاله يراجع فيها ما يحتاج إليه وسمع من لفظه المسلسل بالعيد بالحرم المكي في صحبة سلالة الصالحين الشيخ عبد الرحمن المشرع وأجازهما توفي في سنة 1174. ومات العمدة العلامة المفوه النبيه الفقيه الشيخ محمد العدوي الحنفي تفقه على كل من الأسقاطي والسيد علي الضرير والشيخ الزيادي وغيرهم. وحضر في المعقول على أشياخ الوقف كالملوكي والعماوي وتصدر للافادة والاقراء وكان ذا شكيمة وشجاعة نفس وقوة جنان ومكارم أخلاق. توفي في ثالث الحجة سنة 1175. ومات الإمام العلامة الفقيه المتقن الشيخ محمد بن عبدالوهاب الدلجي الحنفي وهو ابن خال الوالد اشتغل بالعلوم والفقه على أشياخ الوقت ودرس وأفتى واقتنى كتبا نفيسة في الفقه وجميعها بخط حسن وقابلها وصححها وكتب عليها بخطه الحسن وكانت جميع كتبه الفقهية وغيرها في غاية الجودة والصحة يضرب بها المثل ويعتمد عليها إلى الآن. وكان ملازما للافادة والافتاء والتدريس والنفع على حالة حسنة ودماثة ج / 1 ص -327- أخلاق وحسن عشرة ولم يزل حتى توفي في شهر رجب سنة 1177. ومات الفقيه الصالح الخير الدين حسن بن سلامة الطيبي المالكي نزيل ثغر رشيد تفقه على شيخه محمد بن عبد الله الزهيري وبه تخرج وأجازه محمد بن عثمان الصافي البرلسي في طريقة البراهمة وسيدي أحمد ابن قاسم البوتي حين ورد ثغر رشيد في الحديث ودرس بجامع زغلول وأفتى ودرسه أكبر الدروس وكان لديه فوائد كثيرة. توفي سنة 1176. ومات المفتي الفاضل النبيه زين الدين أبو المعالي حسن بن علي بن علي ابن منصور بن عامر بن ذئاب شمة الفوي الأصل المكي ينتهي نسبة إلى الولي الكامل سيدي محمد بن زين النحراوي ومن أمة إلى سيدي إبراهيم البسيوني ولد بمكة سنة 1142 وبها تنشأ وأخذ العلم عن الشيخ عطاء بن أحمد المصري والشيخ أحمد الأشبولي وغيرهما من الواردين بالحرمين وأتى إلى مصر فحضر دروس الشيخ الحفني وله انتسب وأجازه في الطريقة البرهامية بلدية الشيخ منصور هدية وألف وأجاد وكان فصيحا بليغا ذكيا حاد الذهن جيد القريحة له سعة اطلاع في العلوم الغريبة ونظم رائق مع سرعة الارتجال وقد جمع كلامه في ديران هو على فضله عنوان وسكن في الآخر بولاق وبها توفي ليلة الجمعة رابع عشرين رمضان سنة 1146. ومات الشيخ الإمام الفقيه المحدث المحقق الشيخ خليل بن محمد المغربي الأصل المالكي المصري أتى والده من المغرب فتدير مصر وولده المترجم بها نشأ على عفة وصلاح وأقبل على تحصيل المعارف والعلوم فأدرك منها المروم وحضر دروس الشيخ الملوي والسيد البليدي وغيرهما من فضلاء الوقت إلى أن استكمل هلال معارفه وأبدر وفاق أقرانه في التحقيقات واشتهر وكان حسن الالقاء للعلوم حسن التقرير والتحرير حاد القريحة جيد الذهن إماما في المعقولات وحلالا للمشكلات وولي ج / 1 ص -328- خزانة كتب المؤيد مدة فأصلح ما فسد منها ورم ما تشعث وانتفع به جماعة كثيرون من أهل عصرنا وله مؤلفات منها شرح المقولات العشر. توفي يوم الخميس خامس عشرين المحرم سنة 1177 بالري وهو منصرف من الحج. ومات السيد الأديب الشاعر المفنن عمر بن علي الفتوشي التونسي ويعرف بابن الوكيل ورد مصر في سنة أربع وخمسين فسمع الصحيح على الشيخ الحفني وأجازه في ثاني المحرم منها ثم توجه إلى الأسكندرية وتديرها مدة ثم ورد في أثناء أربع وسبعين وكان ينشد كثيرا من المقاطع لنفسه ولغيره وألف رسالة في الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم خرج صيغها بالدور الاعلى للشيخ الأكبر وتولى نيابة القضاء بالكاملية وكان إنسانا حسنا لطيف المحاورة كثير التودد والمراعاة بشوش الملتقى مقبلا على شأنه. توفي في ثاني ذي الحجة 1175. ومات الأستاذ الذاكر الشيخ محفوظ الفوي تليذ سيدي محمد ابن يوسف من ورم في رجليه في غرة جمادى الثانية سنة 1178. ودفن يومه قريبا من مشهد السيدة نفيسة رضي الله عنها. ومات العالم الفقيه المحدث الأصولي الشيخ محمد بن يوسف بن عيسى الدنجيهي الشافعي بدمياط في سادس شعبان سنة 1178. ومات الجناب المكرم الصالح المنفصل عن مشيخة الحرم النبوي عبد الرحمن آغا في ثامن شوال سنة 1179 ودفن بجوار المشهد النفيسي. ومات الجناب المكرم محب الفقراء والمساكين الأمير إبراهيم أوده باشه غالم فجأة في ثامن جمادى الأولى سنة 1177 ودفن بمقبرتهم عند السادة المالكية. ومات أيضا العمدة الشيخ عبد الفتاح المرحومي بالازبكية في تاسع شوال سنة 1178. ج / 1 ص -329- ومات الأجل المكرم الحاج حسن فخر الدين النابلسي عن سن عالية وكان من أرباب الأموال رابع عشرين جمادى الأولى سنة 1178. ومات الأمير الأجل المحترم صاحب الخيرات والمحبب إلى الصالحات علي بن عبد الله مولى بشير آغا دار السعادة ولي وكالة دار السعادة فباشر فيها بحشمة وافرة وشهامة باهرة. وكان منزله مورد الوافدين من الآفاق مظهر التجليات الأشراق مع ميله إلى الفنون الغريبة وكماله في البدائع العجيبة من حسن الخط وجودة الرمي واتقان الفروسية. ومدحته الشعراء وأحبته العلماء والقت إليه الرياسة قيادها فاصلح ما وهن من اركانها وازال فسادها ولقد عزل عن منصبه ولم يأفل بدر كماله واستمر ناموس حشمته باقيا على حاله واقتنى كتبا نفيسة وكان سموحا باعارتها وكان من جملتها البرهان القاطع للتبريزي في اللغة الفارسية على هيئة القاموس وسفينة الراغب وهي مجموعة جامعة للفوائد الغريبة ومنها كشف الظنون في اسماء الكتب والفنون لمصطفى خليفة وهو كتاب عجيب. توفي يوم الإثنين ثامن عشر شهر صفر سنة 1176 وصلى عليه بسبيل المؤمن ودفن بالقرافة بالقرب من الإمام الشافعي ولم يخلف بعده مثله في المروءة والكرم رحمه الله تعالى وقد رثاه الشعراء بمراث كثيرة. ومات الإمام العالم العلامة والمدقق الفهامة الشيخ يوسف شقيق الأستاذ شمس الدين الحفني أخذ العلم عن مشايخ عصره مشاركا لاخيه وتلقى عن أخيه ولازمه ودرس وافاد وافتى وألف ونظم الشعر الفائق الرائق وله ديوان شعر مشهور وكتب حاشية عظيمة على الأشموني وهي مشهورة يتنافس فيها الفضلاء وحاشية على مختصر السعد وحاشية على شرح الخزرجية لشيخ الإسلام وحاشية على جمع الجوامع لم تكمل وحاشية على الناصر وابن قاسم وشرح شرح الأزهرية لمؤلفها وشرح على ج / 1 ص -330- شرح السعد لعقائد النسفي وحاشية الخيالي عليه. توفي في شهر صفر سنة 1178. ومات الإمام الفصيح المفرد الأديب الماهر الناظم الناثر الشيخ علي ابن الخبر بن علي المرحومي الشافعي خطيب جامع الحبشلي. توفي ليلة الجمعة سادس ذي القعدة سنة 1178. ومات الإمام العلامة السيد إبراهيم بن محمد أبي السعود بن علي بن علي الحسيني الحنفي ولد بمصر وقرأ الكثير على والده وبه تخرج في الفنون ومهر في الفقه وانجب وغاص في معرفة فروع المذهب وكانت فتاوية في حياة والده مسددة معروفة ويده الطولى في حل الأشكالات العقيمة مذكورة موصوفة رحل في صحبة والده إلى المنصورة فمدحهما القاضي عبد الله بن مرعي المكي واثنى عليهما بما هو مثبت في ترجمته ولو عاش المترجم لتم به جمال المذهب. توفي يوم الأحد سابع عشر جمادى الآخرة سنة 1179. ومات الفقيه الزاهد الورع العالم المسلك الشيخ محمد بن عيسى ابن يوسف الدمياطي الشافعي أخذ المعقول عن السيد على الضرير والشيخ العزيزي والشيخ إبراهيم الفيومي والفقه أيضا عنهما وعن الشيخ العياشي والشيخ الملوي والحفني وطبقتهم واجتمع بالسيد مصطفى البكري وأخذ عنه الطريقة الخلوتية ولقنه الأسماء بشروطها وألف حاشية على المنهج ونسبها لشيخه السيد مصطفى العزيزي وله حاشية على سلم الاخضري في المنطق وحاشية علي السنوسية وغير ذلك. توفي في ثامن رمضان سنة 1178 وكانت جنازته حافلة وصلى عليه بالأزهر ودفن ببستان المجاورين وبنوا على قبره سقيفة يجتمع تحتها تلامذته في صبح يوم الجمعة يقرأون عنده القرآن ويذكرون واستمروا على ذلك مدة سنين. ومات الإمام العلامة الناسك الشيخ أحمد بن محمد السحيمي الشافعي ج / 1 ص -331- نزيل قلعة الجبل حضر دروس الأشياخ ولازم الشيخ عيسى البراوي وبه انتفع وتصدر للتدريس بجامع سيدي سارية واحيا الله به تلك البقعة وانتفع به الناس جيلا بعد جيل وعمر بالقرب من منزله زاوية وحفر ساقية بذل عليها بعض الأمراء باشارته مالا حفيلا فنبع الماء وعد ذلك من كراماته فإنهم كانوا قبل ذلك يتعبون من قلة الماء كثيرا. وشغل الناس بالذكر والعلم والمراقبة وصنف التصانيف المفيدة في علم التوحيد على الجوهرة وجعله متنا وشرحه مزجا وهي غاية في بابها وله حال مع الله وتؤثر عنه كرامات اعتنى بعض أصحابه بجمعها واشتهر بينهم أنه كان يعرف الأسم الاعظم وبالجملة فلم يكن في عصره من يدانيه في الصلاح والخير وحسن السلوك على قدم السلف. توفي ثامن شعبان سنة 1178. ودفن بباب الوزير. ومات الإمام العلامة شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أحمد بن صالح ابن أحمد بن علي بن الأستاذ أبي السعود الجارحي الشافعي ويقال له: السعودي نسبة إلى جده المذكور حضر دروس الشيخ مصطفى العزيزي وغيره من فضلاء الوقت. وكان إماما محققا له باع في العلوم وكان مسكنه في باب الحديد أحد ابواب مصر وحضر السيد البليدي في تفسير البيضاوي وكان الشيخ يعتمده في أكثر ما يقول: ويعترف بفضله ويحسن الثناء عليه. توفي في شعبان سنة 1179. ومات السيد الأجل المحترم فخر أعيان الأشراف المعتبر بن السيد محمد بن حسين الحسيني العادلي الدمرداشي ولد بمصر قبل القرن بقليل وادرك الشيوخ وتمول واثرى وصار له صيت وجاه وكان بيته بالازبكية ويرد عليه العلماء والفضلاء وكان وحيدا في شأنه وكلمته مقبولة عند الأمراء والأكابر. ولما تولى الشيخ أبو هادي الوفائي رحمه الله تعالى كان يتردد إلى مجلسه كثيرا. توفي سنة 1178. ج / 1 ص -332- ومات الشيخ الفاضل الناسك الكاتب الماهر البليغ سليمان بن عبد الله الرومي الأصل المصري مولى المرحوم علي بك الدمياطي جود الخط على حسن افندي الضيائي وانجب وتميز فيه واجيز وكتب بخطه الفائق كثيرا من الرسائل والاحزاب والأوراد وكانت له خلوة بالمدرسة السليمانية لاجتماع الاحباب وكان حسن المذاكرة لطيف الشمائل حلو الفاكهة يحفظ كثيرا من الاناشيد والمناسبات. توفي سنة 1179. ومات السيد العالم الأديب الماهر الناظم الناثر محمد بن رضوان السيوطي الشهير بابن الصلاحي ولد باسيوط على رأس الأربعين ونشأ هناك وامه شريفة من بيت شهير هناك ولما ترعرع ورد مصر وحصل العلوم وحضر دروس الشيخ محمد الحفني ولازمه وانتسب إليه فلاحظته لوناره ولبسته اسراره ومال إلى فن الأدب فأخذ منه بالحظ الأوفر وخطه في غاية الجودة والصحة. وكتب نسخة من القاموس وهي في غاية الحسن والاتقان والضبط وله شعر عذب يغوص فيه على غرائب المعاني وربما يبتكر ما لم يسبق إليه. وتوجه بآخر امره إلى بلده وبه توفي سنة 1180 رحمه الله. ومات الإمام الصوفي العارف الناسك الشيخ محمد سعيد بن أبي بكر بن عبد الرحيم بن مهنا الحسيني البغدادي ولد بمحلة أبي النجيب من بغداد وبها نشأ وأخذ عن الشيخ عبد العزيز بن أحمد الرحبي وحسن ابن مصطفى القادري وآخرين وحج وقطن المدينة مدة واجازه الشيخ محمد حيوة السندي والشيخ حسن الكوراني. ورد مصر سنة 1171. فنزل بقصر الشوك قرب المشهد الحسيني وكان له في كلام القوم علافان إلى الغاية يورده على طريقة غريبة بحيث يرسخ في ذهن السامع ويلتذ به وكان يذهب لزيارته الأجلاء من الأشياخ مثل شيخنا السيد علي المقدسي والسيد محمد مرتضى والشيخ العفيفي وبالجملة فكان من ج / 1 ص -333- اعاجيب دهره وكان الشيخ العفيفي ينوه بشأنه ويقول: في حقه أنه من رجال الحضرة وانه ممن يرى النبي صلى الله عليه وسلم عيانا. وتوجه إلى الديار الرومية ثم عاد إلى المدينة ثم ورد أيضا إلى مصر بعد ذلك ونزل قرب الجامع الأزهر. ثم توجه إلى الديار الرومية وقطن بها. وظهرت له هناك الكرامات وطار صيته وعلت كلمته وصار له اتباع ومريدون ولم يزل هناك على حالة حسنة حتى وافاه الأجل المحتوم في أواخر الثمانين وخلف ولده من بعده رحمه الله تعالى وسامحه. ومات الفقيه الصالح العلامة الفرضي الحيسوبي الشيخ أحمد بن أحمد السبلاوي الشافعي الأزهري الشهير برزة كان إماما عالما مواظبا على تدريس الفقه والمعقول بالجامع الأزهر وكان يحترف بيع الكتب وله حانوت بسوق الكتبيين مع الصلاح والورع والديانة ملازما على قراءة ابن قاسم بالأزهر كل يوم بعد الظهر أخذ عن الأشياخ المتقدمين وانتفع به الطلبة وكان إنسانا حسنا بهي الشكل عظيم اللحية منور الشيبة معتنيا بشأنه مقبلا على ربه. توفي سنة 1180. ومات الأجل المكرم الفاضل النبيه النجيب الفقيه حسن افندي ابن حسن الضيائي المصري المجود المكتب ولد كما وجد بخطه سنة 1092 في منتصف جمادى الثانية واشتغل بالعلم على اعيان عصره واشتغل بالخط وجوده على مشايخ هذا الفن في طريقتي الحمدية وابن الصائغ. أما الطريقة الحمدية فعلى سليمان الشاكري والجزائري وصالح الحمامي وأما طريقة ابن الصائغ فعلى الشيخ محمد بن عبد المعطي السملاوي فالشاكري والحمامي جودا على عمر افندي وهو على درويش علي وهو على خالد افندي وهو على درويش محمد شيخ المشايخ حمد الله بن بير علي المعروف بابن الشيخ الاماسي وأما السملاوي فجود على محمد ابن محمد بن عمار وهو على والده وهو على يحيى المرصفي وهو على. ج / 1 ص -334- اسمعيل المكتب وهو على محمد الوسمي وهو على أبي الفضل الأعرج وهو على ابن الصائغ بسنده. وكان شيخا مهيبا بهي الشكل منور الشيبة شديد الانجماع عن الناس وله معرفة في علم الموسيقى والأوزان والعروض. وكان يعاشر الشيخ محمد الطائي كثيرا ويذاكره في العلوم والمعارف ويكتب غالب تقاريره على ما يكتبه بيده من الرسائل والمرقعات وقد اجاز في الخط لأناس كثيرا ويجتمع في مجالس الكتبة مع صرامة وشهامة وعزة نفس. توفي في منتصف ذي الحجة سنة 1180. ومات الإمام العالم أحد العلماء الاذكياء وافراد الدهر البحاث في المعضلات الفتاح للمقفلات الشيخ عبد الكريم بن علي المسيري الشافعي المعروف بالزيات لملازمته شيخه سليمان الزيات حضر دروس فضلاء الوقت وانضوى إلى الشيخ سليمان الزيات ولازمه حتى صار معيدا الدروسة ومهر وانجب وتضلع في الفنون ودرس واملى. وكان اوحد زمانه في المعقولات ولازم اخيرا دروس الشيخ الحفني وتلقن منه العهد ثم أرسله الشيخ إلى بلاد الصعيد لأنه جاءه كتاب من أحد مشايخ الهوارة ممن يعتقد في الشيخ بان يرسل إليهم أحد تلامذته ينفع الناس بالناحية فكان هو المعين لهذا المهم فالبسه واجازه ولما وصل إلى ساحل بهجورة تلقته الناس بالقبول التام وعين له منزل واسع وحشم وخدم واقطعوا له جانبا من الأرض ليزرعها. فقطن بالبهجورة واعتنى به أميرها شيخ العرب إسمعيل بن عبد الله فدرس وافتى وقطع العهود وأقام مجلس الذكر وراج امره وراش جناحه ونفع وشفع وأثرى جدا وتملك عقارات ومواشي وعبيدا وزروعات ثم تقلبت الأحوال بالصعيد وأوذي المترجم وأخذ ما بيده من الاراضي وزحرحت حاله فأتى إلى مصر فلم يجد من يعينه لوفاة شيخه. ثم عاد ولم يحصل على طائل وما زال بالبهجورة حتى مات في أواخر سنة 1181. ج / 1 ص -335- ومات الإمام العلامة المتقن المعمر مسند الوقت وشيخ الشيوخ الشيخ أحمد بن عبد الفتاح بن يوسف بن عمر المجيري الملوي الشافعي الأزهري ولد كما أخبر من لفظه في فجر يوم الخميس ثاني شهر رمضان سنة 1088 وأمه آمنة بنت عامر بن حسن بن حسن بن علي بن سيف الدين ابن سليمان بن صالح بن القطب علي المغراوي الحسني اعتنى من صغره بالعلوم عناية كبيرة وأخذ عن الكبار من أولى الأسناد والحق الاحفاد بالاجداد فمن شيوخه الشهاب أحمد بن الفقيه والشيخ منصور المنوفي والشيخ عبد الرؤوف البشبيشي والشيخ محمد بن منصور الاطفيحي والشهاب الخليفي والشيخ عيد النمرسي والشيخ عبد الوهاب الطندتاوي وابو العز محمد بن العجمي والشيخ عبد ربه الديوي والشيخ رضوان الطوخي والشيخ عبد الجواد وخاله أبو جابر علي بن فامر الايتاوي وابو الفيض علي بن إبراهيم البوتيجي وأبو الانس محمد بن عبد الرحمن المليجي هؤلاء من الشافعية ومن المالكية محمد بن عبد الرحمن بن أحمد الورزازي والشيخ محمد الزرقاني والشيخ عمر بن عبد السلام التطواني والشيخ أحمد الهشتوكي والشيخ محمد بن عبد الله السجلماسي والشيخ أحمد النفراوي والشيخ عبد الله الكنكسي وابن أبي زكري وسليمان الحصيني والشبرخيتي ومن الحنفية السيد علي بن علي الحسيني الضرير الشهير باسكندر ورحل إلى الحرمين سنة 1122. فسمع علي البصري والنخلي الأولية وأوائل الكتب الستة واجازه والشيخ محمد طاهر الكوراني واجازه الشيخ ادريس ليماني ومنلا الياسي الكوراني ودخل تحت اجازة الشيخ إبراهيم الكوراني في العموم وعاد إلى مصر وهو إمام وقته المشار إليه في حل المشكلات المعول عليه في المعقولات والمنقولات قرأ المنهج مرارا وكذا غالب الكتب وانتفع به الناس طبقة بعد طبقة وجيلا بعد جيل. وكان تحريره أقوى من تقريره. وله رضي ج / 1 ص -336- الله عنه مؤلفات كثيرة منها شرحان على متن السلم كبير وصغير وشرحان كذلك على السمرقندية وشرح على الياسمينية وشرح الأجرومية ونظم النسب وشرحها وشرح عقيدة الغمري وعقود الدرر على شرح ديباجة المختصر أتمه بالمشهد الحسيني سنة ثلاث وعشرين. ونظم الموجهات وشرحها وتعريب رسالة منلا عصام في المجاز ومجموع صيغ صلوات على النبي صلى الله عليه وسلم. ومؤلفاته مشهورة مقبولة متدولة بايدي الطلبة ويدرسها الأشياخ. وتعلل مدة وانقطع لذلك في منزله وهو ملقى على الفراش ومع ذلك يقرأ عليه كل يوم اوقات مختلفة أنواع العلوم وترد عليه الناس من الآفاق ويقرأون عليه ويستجيزونه فيجيزهم ويملي عليهم ويفيدهم ومنهم من يأتيه للزيارة والتبرك وطلب الدعاء فيمدهم بأنفاسه ويدعو لهم وكان ممتع الحواس وأقام على هذه الحالة نحو الثلاثين سنة حتى توفي في منتصف شهر ربيع الأول سنة 1181. ومات الشيخ الإمام الصالح عبد الحي بن الحسن بن زين العابدين الحسيني البهنسي المالكي نزيل بولاق ولد بالبهنسا سنة 1083 وقدم إلى مصر فأخذ عن الشيخ خليل اللقاني والشيخ محمد النشرتي والشيخ محمد الزرقاني والشيخ محمد الاطفيحي والشيخ محمد الغمري والشيخ عبد الله الكنكسي والشيخ محمد بن سيف والشيخ محمد الخرشي وحج سنة 1113. والف فأخذ عن البصري والتخلي واجازه السيد محمد التهامي بالطريقة الشاذلية والسيد محمد بن علي العلوي في الأحمدية والشيخ محمد شويخ في الشناوية وحضر دروس المحدث الشيخ علي الطولوني ودرس بالجامع الخطيري ببولاق وافاد الطلبة وكان شيخا بهيا معمرا منور الشيبة منجمعا عن الناس زاهدا قانعا بالكفاف. توفي ليلة الإثنين حادي عشري شعبان سنة 1181 بمنزلة ببولاق وصلي عليه ج / 1 ص -337- بالجامع الكبير في مشهد حافل وحمل على الاعناق إلى مدافن الخلفاء قرب مشهد السيدة نفيسة فدفن بها رحمه الله. ومات الشيخ إمام السنة ومقتدى الأمة عبد الخالق بن أبي بكر بن الزين ابن الصديق بن الزين بن محمد بن محمد بن عبد الرحمن بن محمد بن محمد بن أبي القاسم النمري الأشعري المزجاجي الزبيدي الحنفي من بيت العلم والتصوف جده الاعلى محمد بن محمد بن أبي القاسم صاحب الشيخ إسمعيل الجبرتي قطب اليمن وحفيده عبد الرحمن بن محمد خليفة جده في التسليك والتربية وهو الذي تدير زبيد بأهلة وعياله وكان قبل بالمزجاجة وهي قرية اسفل زبيد خربت الآن. ولد المترجم سنة ألف ومائة بزبيد وحفظ القرآن وبعض المتون ولما ترعرع أخذ عن الإمام المسند الشيخ علاء الدين المزجاجي والسيد عبد الفتاح بن إسمعيل الخاص والشيخ علي المرحومي نزيل مخا وأجازه من مكة الشيخ حسن العجمي بعناية والده وبعناية قريبه الشيخ علي بن علي المزجاجي نزيل مكة ووفد إلى الحرمين فأخذ بمكة عن الشيخ محمد عقيلة. روى عنه الكتب الستة وحمل عنه المسلسلات بشرطها والبسه وحكمه وحضر على الشيخ عبد الكريم اللاهوري في الفقه والأصول وكان يحثه على قراءة الاخسكيتي ويقول: لا يستغنى عنه طالب وحضر دروس الشيخ عبد المنعم ابن تاج الدين القلعي ومحمد بن حسن العجمي ومحمد بن سعيد التنبكتي وبالمدينة عن الشيخ محمد طاهر الكردي سمع منه أوائل الكتب الستة والشيخ محمد حياة السدي لازمه في سماع الكتب الستة وعاد إلى زبيد فاقبل على التدريس والافادة وسمع عليه شيخنا السيد محمد مرتضى الصحيحين وسنن النسائي كله بقراءته عليه في عين الرضا موضح بالنخل خارج زبيد كان يمكث فيه أيام خراف النخل والكنز والمنار كلاهما للنسفي ومسلسلات شيخه بن عقلية وهي خمسة وأربعون مسلسلا. وسمع عليه أيضا ج / 1 ص -338- المسلسل بيوم العيد ولازم درسه العامة والخاصة والبسه الخرقة ونقبه وحكمه بعد أن صحبه وتأدب به وبه تخرج شيخنا المذكور. كذا ذكر في ترجمته. قال: وفي اخرى توجه إلى الحرمين فمات بمكة في ذي الحجة سنة 1181. ومات الشيخ الإمام الثبت العلامة الفقيه المحدث الشيخ عمر بن علي ابن يحيى بن مصطفى الطحلاوي المالكي الأزهري تفقه على الشيخ سالم النفراوي وحضر دروس الشيخ منصور المنوفي والشهاب بن الفقيه والشيخ محمد الصغير الورزازي والشيخ أحمد الملوي والشبراوي والبليدي وسمع الحديث عن الشهابين أحمد البابلي والشيخ أحمد العماوي وابي الحسن علي بن أحمد الحريشي الفاسي وتمهر في الفنون ودرس بالجامع الأزهر وبالمشهد الحسيني واشتهر امره وطار صيته واشير إليه بالتقدم في العلوم وتوجه إلى دار السلطنة في مهم اقتضى لامراء مصر فقوبل بالاجابة والقى هناك دروسا في الحديث في آيا صوفية وتلقى عنه أكابر العلماء هناك في ذلك الوقت وصرف معززا مقضيا حوائجه وذلك في سنة 1147. ولما تمم عثمان كتخدا القزدغلي بناء مسجده بالازبكية في تلك السنة تعين المترجم للتدريس فيه وذلك قبل سفره إلى الديار الرومية وكان مشهورا في حسن التقرير وعذوبة البيان وجودة الالقاء وقرأ الموطأ وغيره بالمشهد الحسيني وافاد وأجاز الأشياخ وكان يطلع في كل جمعة إلى المرحوم حمزة باشا مرة فيسمع عليه الحديث. وكان للناس فيه اعتقاد حسن وعليه هيبة ووقار وسكون ولكلامه وقع في القلوب توفي ليلة الخميس حادي عشر صفر سنة 1181 وصلي عليه بصباحه في الأزهر في مشهد حافل ودفن بالمجاورين رحمه الله. ومات الوجيه الصالح الشيخ عبد الوهاب بن زين الدين بن عبد الوهاب بن نور الدين بن بايزيد بن أحمد بن القطب شمس الدين بن أبي ج / 1 ص -339- المفاخر محمد بن داود التشربيني الشافعي وهو أحد الاخوة الثلاثة وهو أكبرهم تولى النظر والمشيخة بمقام جده بعد أبيه فسار فيها سيرا مليحا وأحيا المآثر بعدما اندرست وعمر الزاوية وأكرم الوافدين وأقام حلقة الذكر كل يوم وليلة بالمسجد ويغدق على المنشدين وورد مصر مرارا منها صحبة والده ومنها بعد وفاته وألف باسمه شيخنا السيد مرتضى رسالة في الطريقة الأوسية سماها عقيلة الاتراب في سند الطريقة والاحزاب وفي آخره أتى إلى مصر لمقتضى ومرض ثلاثة أيام. وتوفي ليلة الأحد غرة ذي القعدة سنة 1181. ومات الشيخ الإمام العلامة الهمام أوحد أهل زمانه علما وعملا ومن أدرك ما لم تدركه الأول المشهود له بالكمال والتحقيق والمجمع على تقدمه في كل فريق شمس الملة والدين محمد بن سالم الحفاوي الشافعي الخلوتي وهو شريف حسيني من جهة أم أبيه وهي السيدة ترك ابنة السيد سالم بن محمد بن علي بن عبد الكريم بن السيد برطع المدفون ببركة الحاج وينتهي نسبه إلى الإمام الحسين رضي الله عنه وكان والده مستوفيا عند بعض الأمراء بمصر وكان غاية من العفاف ولد على راس المائة ببلده حفنا بالقصر قرية من اعمال بلبيس وبها نشأ والنسبة إليها حفناوي وحفني وحفنوي وغلبت عليه النسبة حتى صار لا يذكر إلا بها وقرأ بها القرآن إلى سورة الشعراء ثم حجزه ابوه باشارة الشيخ عبد الرؤوف البشبيشي وعمره أربع عشرة سنة بالقاهرة فكمل حفظ القرآن ثم اشتغل بحفظ المتون فحفظ الفية ابن مالك والسلم والجوهرة والرحبية وابا شجاع وغير ذلك. واخذ العلم عن علماء عصره واجتهد ولازم دروسهم حتى تمهر واقرأ ودرس وأفاد في حياة اشياخه واجازوه بالافتاء والتدريس فاقرأ الكتب الدقيقة كالاشموني وجمع الجوامع والمنهج ومختصر السعد وغير ذلك من كتب الفقه والمنطق والأصول والحديث ج / 1 ص -340- والكلام عام اثنتين وعشرين واشياخه الذين أخذ عنهم وتخرج عليهم الشيخ أحمد الخليفي والشيخ محمد الديربي والشيخ عبد الرؤوف البشبيشي والشيخ أحمد الملوى والشيخ محمد السجاعي والشيخ يوسف الملوي والشيخ عبده الديوي والشيخ محمد الصغير ومن اجل شيوخه الذين تخرج بالسند عنهم الشيخ محمد البديري الدمياطي الشهير بابن المبت أخذ عنه التفسير والحديث والمسندات والمسلسلات والاحياء للإمام الغزالي وصحيح البخاري ومسلم وسنن أبي داود وسنن النسائي وسنن ابن ماجه والموطأ ومسند الشافعي والمعجم الكبير للطيراني والمعجم الأوسط والصغير له أيضا وصحيح ابن حيان والمستدرك للنيسابوري والحلية للحافظ أبي نعيم وغير ذلك. وشهد له معاصروه بالتقدم في العلوم وحين جلس للافادة لازمه جل طلبة العلم ومن بهم يسمو المعقول والمنقول وكان إذ ذاك في شدة من ضيق العيش والنفقة فاشترى دواة وأقلاما وأوراقا واشتغل بنسخ الكتب فشق عليه ذلك خوفا من انقطاعه عن العلم. وكان يتردد إلى زاوية سيدي شاهين الخلوتي بسفح الجبل ويمكث فيها الليالي متحنثا واقبل على العلم وعقد الدروس وختم الختوم بحضرة جمع العلماء وقرأ المنهاج مرات وكتب عليه وكذلك جمع الجوامع والاشموني ومختصر السعد وحاشية حفيده علبه كتب عليها وقرأها غير مرة وكان الشيخ العلامة مصطفى العزيزي إذا رفع إليه سؤال يرسله إليه. واشتغل بعلم العروض حتى برع فيه وع إلى النظم والنثر وتخرج عليه غالب أهل عصره وطبقته ومن دونهم كأخيه العلامة الشيخ يوسف والشيخ إسمعيل الغنيمي صاحب التآليف البديعة والتحريرات الرفيعة المتوفى سنة أحدى وستين وشيخ الشيوخ الشيخ علي الغدوي والشيخ محمد الغيلاني والشيخ محمد الزهار نزيل المحلة الكبرى وغيرهم كما هو في تراجم المذكورين منهم. وكان على مجالسه هيبة ووقار ولا يسأله أحد لمهابته وجلالته فمن تآليفه المشهورة ج / 1 ص -341- حاشية على شرح رسالة العضد للسعد وعلى الشنشوري في الفرائض وعلى شرح الهمزية لابن حجر وعلى مختصر السعد وعلى شرح السمرقندي للياسمينية في الجبر والمقابلة وله تصانيف أخر مشهورة. وكان كريم الطبع جدا وليس للدنيا عنده قدر ولا قيمة جميل السجايا مهاب الشكل عظيم اللحية أبيضها كان على وجهه قنديلا من النور. وكان كريم العين على أحداهما نقطة وأكثر الناس لا يعلمون ذلك لجلالته ومهابته وكان في الحلم على جانب عظيم ومن مكارم آخلاقه اصغاؤه لكلام كل متكلم ولو من الخزعبلات مع انبساطه إليه واظهار المحبة ولو أطال عليه ومن رآه مدعيا شيئا سلم له في دعواه ومن مكارم أخلاقه أنه لو سأله إنسان اعز حاجة عليه اعطاها له كائنة ما كانت ويجد لذلك إنسا وانشراحا ولا يعلق أمله بشيء من الدنيا وله صدقات وصلات اخفية وظاهرة وكان راتب بيته من الخبز في كل يوم نحو الاردب والطاحون دائمة الدوران وكذلك دق البن وشربات السكر ولا ينقطع وورد الورادين ليلا ونهارا ويجتمع على مائدته الأربعون والخمسون والستون ويصرف على بيوت اتباعه والمنتسبين إليه. وشاع ذكره في أقطار الأرض واقبل عليه الوافدون بالطول والعرض وهادته الملوك وقصده والآخرة وجده. وكان رزقه فيضا الهيا. وللشيخ رضي الله عنه مناقب ومكاشفات وكرامات وبشارات وخوارق عادات يطول شرحها ذكرها الشيخ حسن المكي المعروف بشمه في كتابه الذي جمعه في خصوص الأستاذ وكذلك العلامة الشيخ محمد الدمنهوري المعروف بالهلباوي له مؤلف في مناقب الشيخ ومدائحه وغير ذلك. وصل في ذكر أخذ العهد بطريق الخلوتية. وهي نسبة إلى سيدي محمد الخلوتي أحد أهل السلسلة ويعرفون. ج / 1 ص -342- أيضا بالقرباشلية نسبة إلى سيدي علي افندي قره باش أحد رجالها أيضا وهذا هو الأسم الخاص المميز لهم عن غيرهم من الخلوتية ولذلك قال السيد البكري في الالفية: والخلوتية الكرام فرق قد نهجوا نهج الجنيد فرقوا وخيرهم طريقنا العلية من قد دعوا بالقربا شليه وهي طريقة مؤيدة بالشريعة الغراء والحنفية السمحاء ليس فيها تكليف بما لا يطاق وكانت خير الطرق لأن ذكرها الخاص بها لا إله إلا الله وهي أفضل ما يقول العبد كما في الحديث الشريف. وكان المترجم رضي الله عنه اشتغل بالسلوك وطريق القوم بعد الثلاثين فأخذ على رجل يقال له الشيخ أحمد الشاذلي المغربي المعروف بالمقري فتلقى منه بعض أحزاب وأوراد ثم قدم السيد البكري من الشام سنة 1133 فاجتمع عليه الشيخ بواسطة بعض تلامذة السيد وهو السيد عبد الله السلفيتي فسلم عليه وجلس فجعل السيد ينظر إليه وهو كذلك ينظر إليه فحصل بينهما الارتباط القلبي ثم قام وجلس بين يدي السيد بعد الأستئذان وكانت عادة السيد إذا أتاه مريد امره أولا بالاستخارة قبل ذلك إلا هو فلم يأمره بها وذلك اشارة إلى كمال الارتباط فأخذ عليه العهد حالا ثم اشتغل بالذكر والمجاهدة. فرأى في منامه في بعض الليالي السيد البكري والشيخ أحمد الشاذلي المذكور جالسين والشيخ حمد يعاتبه على دخوله في الطريق ويعاتب أيضا السيد فقال له السيد: هل لك معه حاجة قال: نعم لي معه أمانة. وإذا بجريدة خضراء بيد السيد فقال له: هذه أمانتك قال: نعم. فكسرها نصفين ورماها للشاذلي وقال له: خذ امانتك ثم انتبه. فأخبر السيد فقال له: هذا اتصال بنا وانفصال عنه. وهذه النسبة الباطنية التي صار بها سلمان الفارسي وصهيب من أهل البيت. وقال ابن الفارض في التائيه على لسان ج / 1 ص -343- الصادق صلى الله عليه وسلم: وإني وإن كنت ابن آدم صورة فلي فيه معنى شاهد بالأبوة فان آدم له أب من حيث النسبة الظاهرة وهو أب لآدم من حيث النسبة الباطنة لأنه نائب عنه في الارسال ومنبأ بخده في الانزال ولم يستمد من الحضرة العلية إلا بواسطته ولذلك لما توسل به قبلت توبته وزادت محبته ولم يجعل مهر حواء سوى الصلاة والسلام عليه كما ورد ذلك كله وهو من المعلوم ضرورة. فظهر بهذا أن هذه النسبة أعظم من تلك لترتب الثمرة عليها. ثم سار في طريقة القوم أتم سير حتى لقنه الأستاذ الأسم الثاني والثالث. ومن حين أخذ عليه العهد لم يقع منه في حق الشيخ إلا كمال الأدب والصدق التام وهو الذي قدمه وبه ساد أهل عصره. فمن ذلك أنه كان لا يتكلم في مجلسه أصلا إلا إذا سأله فإنه يجيبه على قدر السؤال ولم يزل يستعمل ذلك معه حتى اذن له بالتكلم في مجلسه في بعض رحلاته إلى القاهرة وسببه أنه لما رأى اقبال الناس عليه وتوجههم إليه قال له: انبسط إلى الناس واستقبلهم لأن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من حمر النعم. ومما اتفق له أن شيخه المذكور قال له: مرة تعال الليلة مع الجماعة واذكروا عندنا في البيت. فلما دخل الليل نزل شتاء ومطر شديد فلم يتخلف وذهب حافيا والمطر يسكب عليه وهو يخوض في الوحل فقال له: كيف جئت في هذه الحالة. فقال: يا سيدي امرتمونا بالمجيء ولم تقيدوه بعذر وأيضا لا عذر والحالة هذه لا مكان المجيء وإن كنت حافيا. فقال له: أحسنت هذا أول قدم في الكمال إلى غير ذلك. ولما علم الشيخ صدق حاله وحسن فعاله قدمه على خلفائه وأولاده حسن ولائه ودعاه بالاخ الصادق ومنحه أسرارا واراه عيون الحقائق وكيفية تلقين الذكر وأخذ العهد كما وجد بخط الأستاذ يظهر ثبت عبد الله بن سالم البصري ما نصه: ج / 1 ص -344- هذه صورة أخذ العهد أرسلها إليه السيد البكري الصديقي الخلوتي حين أذنه باخذ العهود على طريقة السادة الخلوتية. ونص ما كتب كيفية المبايعة للنفس الطائعة أن يجلس المريد بين يدي الأستاذ ويلصق ركبته بركبته والشيخ مستقبل القبلة ويقرأ الفاتحة ويضع يده اليمنى في يده مسلما له نفسه مستمدا من امداده ويقول له: قل معي استغفر الله العظيم ثلاث مرات ويتعوذ ويقرأ آية التحريم "يا ايها الذين آمنوا توبوا إلى الله توبة نصوحا" إلى "قدير" ثم يقرأ آية المبايعة التي في الفتح ليزول الأشتباه وهي: {إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ} اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم إلى قوله تعالى: {عَظِيماً} ثم يقرأ فاتحة الكتاب ويدعو الله لنفسه وللآخذ بالتوفيق ويوصيه بالقيام باوراد الطريق والدوام على ذوق أهل هذا الفريق وعرض الخواطر وقص الرؤيات العواطر وإذا وقعت الأشارة بتلقين الأسم الثاني لقنه ليبلغ الاماني. وفتح له باب توحيد الافعال إذ لا غيره فعال وفي الثالث توحيد الأسماء ليشهد السر الأسمى وفي الرابع توحيد الصفات ليدرجه إلى اعلى الصفات وفي الخامس توحيد الذات ليحظى باوفر اللذات وفي السادس والسابع يكمل له التوابع. ونسأل الله تعالى الهداية والرعاية والعناية والدراية والحمد لله رب العالمين انتهى. هذا ما كتب بخطه الشريف. قال: ورأيت أيضا بظهر الثبت المذكور ما نصه. ثم رأيت في الفتوحات الالهية في نفع أرواح الذوات الإنسانية وهو كتاب نحو كراس لشيخ الإسلام زكريا الأنصاري ما نصه إذا أراد الشيخ أن ياخذ العهد على المريد فليتطهر وليأمره بالتطهر من الحدث والخبث ليتهيا لقبول ما يلقيه إليه من الشروط في الطريق ويتوجه إلى الله تعالى ويسأله القبول لهما ويتوسل إليه في ذلك بمحمد صلى الله عليه وسلم لأنه الواسطة بينه وبين خلفه ويضع يده اليمنى على يد المريد اليمنى بان يضع رحته على راحته ويقبض ابهامه باصابعه ويتعوذ ج / 1 ص -345- ويبسمل ثم يقول: الحمد لله رب العالمين استغفر الله العظيم الذي لا اله إلا هو الحي القيوم واتوب إليه وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم ويقول المريد بعده مثل ما قال. ثم يقول اللهم: إني أشهدك وأشهد ملائكتك وأنبياءك ورسلك وأولياءك إني قد قبلته شيخنا في الله ومرشدا وداعيا إليه ثم يقول الشيخ اللهم: إني أشهدك واشهد ملائكتك وأنبياءك إني قد قبلته ولدا في الله فاقبله واقبل عليه وكن له ولا تكن عليه. ثم يدعو كأن يقول اللهم: أصلحنا وأصلح بنا واهدنا واهد بنا وأرشدنا وأرشد بنا اللهم: أرنا الحق حقا والهمنا اتباعه وأرنا الباطل باطلا وارزقنا اجتنابه اللهم: اقطع عنا كل قاطع بقطعنا عنك ولا تقطعنا عنك ولا تشغلنا بغيرك عنك انتهى. قلت والمراتب السبعة التي اشار إليها السيد في الكيفية المتقدمة هي مراتب الأسماء السبعة وللنفس في كل مرتبة منها مرتبة باسم خاص دال عليها الأسم الأول لا إله إلا الله وتسمى النفس فيه إمارة والثاني الله وتسمى النفس فيه لوامة والثالث هو وتسمى النفس فيه ملهمة والرابع حق وهو أول قدم يحله المريد من الولاية كما مرت الأشارة إليه وتسمى النفس فيه مطمئنة الخامس حي وتسمى النفس فيه راضية والسا دس قيوم وتسمى النفس فيه مرضية والسابع قهار وتسمى النفس فيه كاملة وهو غاية التلقين. وكلها ما عدا الأول منها تلقن في الاذن اليمنى إلا السابع ففي اليسري وتلقينها بحسب ما يراه الشيخ من احوال المريدين افعال وأقوال وعالم مثال. واعلم أن سلسلة القوم هذه في كيفية أخذ العهد والتلقين مروية عن النبي صلى الله عليه وسلم وهو يرويه عن جبريل وهو يرويه عن الله عز وجل. وفي بعض الروايات روايته عن رؤساء الملائكة الأربع والنبي صلى الله عليه وسلم لقن عليا رضي الله عنه وصورة ذلك كما في ريحان القلوب في التوصل إلى المحبوب لسيدي ج / 1 ص -346- يوسف العجمي أن عليا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله دلني على أقرب الطرق إلى الله تعالى. فقال: "يا علي عليك بمداومة ذكر الله في الخلوات". فقال علي رضي الله عنه: هذا فضيلة الذكر وكل الناس ذاكرون. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا علي لا تقوم الساعة وعلى وجه الأرض من يقول الله". فقال علي: كيف اذكر يا رسول الله. قال: غمض عينيك واسمع مني ثلاث مرات ثم قل أنت ثلاث مرات وأنا اسمع. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا إله إلا الله" ثلاث مرات مغمضا عينيه رافعا صوته وعلي يسمع ثم قال علي: لا إله إلا الله ثلاث مرات مغمضا عينيه رافعا صوته والنبي صلى الله عليه وسلم يسمع. ثم لقن علي الحسن البصري رضي الله عنهما على الصحيح عند أهل السلسلة الاخيار من المحدثين. قال الجاحظ السيوطي: الراجح أن البصري أخذ عن علي ومثله عن الضياء المقدسي ومن المقرر في الأصول أن المثبت مقدم على النافي ثم لقن الحسن البصري حبيبا العجمي وهو لقن داود الطائي وهو لقن معروفا الكرخي وهو لقن سريا السقطي وهو لقن أبا القاسم سيد الطائفتين الجنيد البغدادي وعنه تفرقت سائر الطرق المشهورة في الأسلام. ثم لقن الجنيد ممشاد الدينوري وهو لقن محمد الدينوري وهو لقن القاضي وجيه الدين وهو لقن عمر البكري وهو لقن أبا النجيب السهروردي وهو لقن قطب الدين الأبهري وهو لقن محمد النجاشي وهو لقن شهاب الدين الشيرازي وهو لقن جلال الدين التبريزي وهو لقن إبراهيم الكيلاني وهو لقن أخي محمد الخلوتي وإليه نسبة أهل الطريق وهو لقن بير عمر الخلوتي وهو لقن أخي بيرام الخلوتي وهو لقن عز الدين الخلوتي وهو لقن صدر الدين الخيالي وهو لقن يحيى الشرواني صاحب ورد الستار وهو لقن بير محمد الارزنجاني وهو لقن جلبي سلطان المشهور بجلبي خليفة وهو لقن خير التوقادي وهو لقن ج / 1 ص -347- شعبان القسطموني وهو لقن إسمعيل الجورومي وهو المدفون في باب الصغير في بيت المقدس عند مرقد سيدي بلال الحبشي وهو لقن سيدي علي افندي قره باش أي أسود الرأس باللغة التركية وإليه نسبة طريقنا كما مر وهو لقن مصطفى افندي ولده وخلفاؤه كما قال السيد الصديقي: أربعمائة ونيف وأربعون خليفة وهو لقن عبد اللطيف بن حسام الدين الحلبي وهو لقن شمس الطريقة وبرهان الحقيقة السيد مصطفى بن كمال الدين البكري الصديقي وهو لقن قطب رحاها ومقصد سرها ونجواها شيخنا الشيخ محمد الحفناوي وهو لقن وخلف اشياخا كثيرة منهم بركة المسلمين وكهف الواصلين الصوفي الصائم القائم العابد الزاهد الشيخ محمد السمنودي المعروف بالمنير شيخ القراء والمحدثين وصدر الفقهاء والمتكلمين. من مناقبه الحميدة صيام الدهر مع عدم التكلف لذلك وقيام الليل يقرأ في كل ركعة ثلث القرآن وربما نصفه أو جميعه في كل ركعة هذا ورده دائما صيفا وشتاء فتى وشيخا يافعا ومنها تواضعه وخموله وعدم رؤية نفسه ويبرأ من أن تنسب إليه منقبة وسيأتي باقي ترجمته في وفاته. ومنهم علامة وقته وأوانه الولي الصوفي الشيخ حسن الشيبيني ثم القوى طلب العلم وبرع فيه وفاق على أقرانه ثم جذبته ايدي العناية إلى الشيخ فأخذ عليه العهد ولقنه اسماء الطريق السبعة على حسب سلوكه في سيره ثنم البسه التاج واجازه باخذ العهود والتلقين والتسليك وصار خليفة محضا فادار مجالس الذكر ودعا الناس إليها من سائر الاقطار وفتح الله عليه باب العرفان حتى صار ينطق باسرار القرآن. ومنهم العالم النحرير الصوفي الصالح السلك الراجح الشيخ محمد السنهوري ثم الفوى طلب العلم حتى صار من أهل الافتاء والتدريس وانتصب للتأكيد والتأسيس ثم دعته سعادة حضرة القوم فسلك مع ج / 1 ص -348- المجاهدة وحسن السيرة على يد الأستاذ حتى لقنه الأسماء السبعة والبسه التاج وأقامة خليفة يهدي لاقوم منهاج ثم اذن له في التوجه إلى بلده فتوجه إليها وربي بها المريدين وادار مجالس الاذكار بتلك البقاع وعم به في الوجود الانتفاع. ومنهم البحر الزاخر حائز مراتب المفاخر الولي الرباني والصوفي في العالم الإنساني الشيخ محمد الزعيري اشتغل بالعلم حتى برع وصار قدوة لكل مفتدي وجذوة لمن لا يهتدي ثم سلك على يد الأستاذ فأخذ عليه العهد ولقنه الأسماء على حسب سيره وسلوكه ثم خلفه والبسه التاج واجازه بالتلقين والتسليك. ومنهم الحبر العلامة والبحر الفهامة شيخ الافتاء والتدريس الشيخ خضر رسلان اشتغل على الشيخ مدة مديدة ولازمه شديدة وأخذ عليه العهد في طريق الخلوتية حتى تلقن الأسماء والبسه الشيخ التاج وصار خليفة مجازا باخذ العهود والتسليك. ومنهم الشيخ الصوفي الولي صاحب الكرامات والايادي والمكرمات شيخنا الشيخ محمود الكردي أخذ على الشيخ العهد والطريق ولقنه الأسماء فكان محمود الإفعال معروفاة بالكمال ثم البسه التاج وصار خليفة واجازه بالتلقين والتسليك فارشد الناس وازال عن قلوبهم الوسواس. وهو مشهور البركة يعتقده الخاص والعام كثير الرؤية لرسول الله صلى الله عليه وسلم ومن كراماته أنه متى أراد رؤية النبي صلى الله عليه وسلم رآه. وله مكاشفات عجبية نفعنا الله بحبه ولا حجبنا عن قربه وهو الذي قام للارشاد والتسليك بعد انتقال شيخه وسلك على يده كثير وخلفوه من بعده منهم الشيخ الصالح الصوفي والشيخ محمد السقاط والشيخ العلامة شيخ الإسلام والمسلمين مولانا الشيخ عبد الله الشرقاوي شيخ الجامع الأزهر الآن والإمام الأوحد ج / 1 ص -349- الشيخ محمد بدير الذي هو الآن بالقدس الشريف والمشار إليه في التسليك بتلك الديار والشيخ الصالح الناجح إبراهيم الحلبي الحنفي والسيد الأجل العلامة والرحالة الفهامة السيد عبد القادر الطرابلسي الحنفي والشيخ الإمام العمدة الهمام الشيخ عمر البابلي وغيرهم ادام الله النفع بوجودهم. ومنهم العالم الالمعي الفهامة بقية السلف والخليفة ونعم الخلف الشيخ محمد سبط الأستاذ المترجم أطال الله بقاءه. ومنهم الشيخ الفهامة الأديب الاريب واللوذعي النجيب الشيخ محمد البلناوي الشهير بالدمنهوري الشافعي. ومنهم الشيخ الصوفي القدوة الشيخ أحمد الغزالي تلقن منه الأسماء وتخلف عنه والبسه التاج وأجازه بالتلقين والتسليك. ومنهم العالم العامل الشيخ أحمد القحافي الأنصاري أخذ العهد وانتظم في سلك أهل الطريق وتلقن الأسماء وصار خليفة مجازا فارشد الناس وافتتح مجالس الاذكار. ومنهم تاج الملة وانسان عين المجد من غير علة ذو النسب الباذخ والشرف الرفيع الشانح السيد علي القناوي تلقن الأسماء والبس التاج وصار خليفة حقا ومجازا بالتلقين والتسليك فادار مجالس الاذكار واشرقت به الأنوار. ومنهم العلامة العامل والفهامة الواصل الفاضل الشيخ سليمان المنوفي نزيل طندتا وارشده وخلفه والبسه التاج واجازه فسلك وأرشد وله أحوال عجيبة. ومنهم الصوفي الصالح الشيخ حسن السخاوي نزيل طندتا أيضا لقنه وخلفه والبسه التاج فدعا الناس لاقوم منهاج. ومنهم علامة الانام الشيخ محمد الرشيدي الملقب بشعير لقنه وخلفه واجازه فكثر نفعه. ج / 1 ص -350- ومنهم العلامة الأوحد ومن على مثله الخناصر تعقد الشيخ يوسف الرشيدي الملقب بالشيال رحل أيضا إليه فتلقن منه وسلك على يديه حتى صار خليفة والبسه التاج وأجازه بالتلقين والتسليك ورجع إلى بلاده باوفر زاد وادار مجالس الذكر وأكثر المراقبة والفكر حتى كثرت اتباعه وعم انتفاعه. ومنهم العمدة المقدم الهمام الناسك السالك الشيخ محمد الشهير بالسقالقنه واجازه بالتلقين والتسليك فكثر نفعه وطاب صنعه. ومنهم فريد دهره وعالم عصره معدن الفضل والكمال قطب الجمال والجلال الشيخ باكير افندي لقنه والبسه التاج وأجازه بالتلقين والتسليك. ومنهم بدر الطريق وشمس افق التحقيق العالم العلامة والصوفي الفهامة الشيخ محمد الفشني لقنه وخلفه والبسه التاج فأخذ العهود ولقن وسلك وفاق في سائر الآفاق وتقدم في الخلاف والوفاق. ومنهم العالم العامل والشهم الماهر الكامل الشيخ عبد الكريم المسيري الشهير بالزيات تلقن العهد والاسماء حسب سلوكه وسيره واجيز باخذ العهود والتلقين والتسليك فزاد نورا على نور وحبي بلذة الطاعة والحبور. ومنهم شيخ الفروع والأصول الجامع بين المعقول والمنقول علامة الزمان والحامل في وقته لواء العرفان الشيخ أحمد العدوي الملقب بدر دير جذبته العناية إلى نادي الهداية فجاء إلى الشيخ وطلب منه تلقين الذكر فلقنه وسار أحسن سير وسلك احسن سلوك حتى صار خليفة باخذ العهود والتلقين والتسليك مع المجاهدة والعمل المرضي وسيأتي في وفياتهم تتمة تراجمهم رضي الله عنهم. ومنهم أيضا الشيخ العلامة الولي الصوفي الشيخ محمد الرشيدي الشهير بالمعصراوي. ومنهم الإمام الجامع والولي الصوفي النافع مولاي أحمد الصقلي المغربي تلقن وتخلفه وأجيز باخذ العهود والتلقين والتسليك. ج / 1 ص -351- ومنهم الامجد العامل بعمله والمزدري السحر بفهمه الشيخ سليمان البتراوي ثم الأنصاري. ومنهم الصالح العامل الفهامة العابد الزاهد الشيخ إسمعيل اليمني تلقن وسلك مع التقى والعفاف والملازمة الشديدة والخدمة الأكيدة وحسن المجاهدة. ومنهم النحرير الكامل واللوذعي الفاضل مؤلف المجموع الشيخ حسن بن علي المكي المعروف بشمه الناظم الناثر الحاوي الخير المتكاثر وغير هؤلاء ممن لم نعرف كثير. في ذكر رحلة الأستاذ المترجم إلى بيت المقدس. وهو أنه لما اذن له السيد البكري بأخذ العهود وتلقين الذكر لم يقع له تسليك أحد في هذه الطريقة إنما كان شغله وتوجهه كله إلى العلم واقرائه لكن ذلك بجسمه وأما قلبه فلم يكن إلا عند شيخه السيد الصديقي ولم يزل كذلك إلى عام تسع وأربعين. فحن جسمه إلى زيارة شيخه وانشد لسان حاله: أخذتم فؤادي وهو بعضى فما الذي يضركم لو كان عندكم الكل ف أرسل إليه السيد يدعوه لزيارته فهام إذ فهم رمز اشارته وتعلقت نفسه بالرحيل فترك الاقراء والتدريس وتقشف وسافر إلى أن وصل بالقرب من بيت المقدس. فقيل له: إذا دخلت بيت المقدس فادخل من الباب الفلاني وصل ركعتين وزر محل كذا فقال لهم: أنا جئت قاصدا بيت المقدس وما جئت قاصدا إلا أستاذي فلا أدخل إلا من بابه ولا أصلي إلا في بيته. فعجبوا له فبلغ السيد كلامه فكان سببا لاقباله عليه وامداده ثم سار حتى دخل بيت المقدس فتوجه إلى بيت الأستاذ فقابله بالرحب والسعة وأفرد له مكانا ثم أخذ في المجاهدة من الصلاة والصوم والذكر ج / 1 ص -352- والعزلة والخلوة قال: فبينما أنا جالس في الخلوة إذا بداع يدعوني إليه فجئت إليه فوجدت بين يديه مائدة فقال: أنت صائم قلت نعم فقال: كل فامتثلت امره وأكلت فقال: اسمع ما أقول لك أن كان مرادك صوما وصلاة وجهادا أو رياضة فليكن ذلك في بلدك وأما عندنا فلا تشتغل بغيرنا ولا تقيد اوقاتك بما تروم من المجاهدة وإنما يكون ذلك بحسب الأستطاعة وكل واشرب وانبسط قال: فامتثلت اشارته ومكثت عنده أربعة أشهر كأنها ساعة غير إني لم افارقه قط خلوة وجلوة ومنحه في هذه المدة الأسرار وخلع عليه خلع القبول وتوجه بتاج العرفان واشهد مشاهد الجمع الأول والثاني وفرق له فرق الفرق الثاني فحاز من التداني اسرار المثاني ثم لما انقضت المدة واراد العود إلى القاهرة ودعه وما ودعه وسافر حتى وصل إلى غزة فبلغ خبره أمير تلك القرية وكانت الطريق مخيفة فوجه مع قافلة ببيرقين من العسكر فساروا فلقيهم في أثناء الطريق اعراب فخاوفوهم فقالوا لأهل القافلة لا تخافوا فلسنا من قطاع الطريق وإن كنا منهم فلا نقدر نكلمكم وهذا معكم وأشاروا إلى الشيخ ولم يزالوا سائرين حتى انتهوا إلى مكان في اثناء الطريق بعد مجاوزة العريش بنحو يومين فقيل لهم: إن طريقكم هذا غير مأمون الخطر ثم تشاوروا فقال لهم: إعراب ذلك المكان نحن نسير معكم ونسلك بكم طريقا غير هذا لكن اجعلوا لنا قدرا من الدراهم نأخذه منكم إذا وصلتم إلى بلبيس فتوقف الركب أجمعه فقال الأستاذ: أنا ادفع لكم هذا القدر هنالك فقالوا لا سبيل إلى ذلك كيف تدفع أنت وليس لك في القفل شيء والله ما نأخذ منك شيئا إلا أن ضمنت أهل القافلة فقبل ذلك فاتفق الرأي على دفع الدراهم من أرباب التجارات بضمانة الشيخ فضمنهم وساروا حتى وصلوا إلى بلبيس ثم منها إلى القاهرة فسرت به أتم سرور وأقبل عليه الناس من حينئذ أتم قبول ودانت لطاعته الرقاب وأخذ العهود على العالم. ج / 1 ص -353- وأدار مجالس الاذكار بالليل والنهار واحيا طريق القوم بعد دروسها وأنقذ من ورطة الجهل مهجا من عي نفوسها فبلغ هدية الاقطار كلها وصار في كثير من قرى مصر نقيب وخليفة وتلامذة واتباع يذكرون الله تعالى ولم يزل امره في ازدياد وانتشار حتى بلغ سائر اقطار الأرض. وسار الكبار والصغار والنساء والرجال يذكرون الله تعالى بطريقته وصار خليفة الوقت وقطبه ولم يبق ولي من أهل عصره إلا أذعن له وحين تصدى للتسليك وأخذ العهود أقبل عليه الناس من كل فج وكان في بدء الأمر لا يأخذون إلا بالاستخارة والاستشارة وكتابة اسمائهم ونحو ذلك فكثر الناس عليه وكثر الطلب فأخبر شيخه السيد الصديقي بذلك فقال له: لا تمنع أحدا يأخذ عنك ولو نصرانيا من غير شرط واسلم على يديه خلق كثير من النصارى وأول من أخذ عنه الطريق وسلك على يديه الولي الصوفي العالم العلامة المرشد الشيخ أحمد البناء الفوي ثم تلاه من ذكر وغيرهم وكان أستاذه السيد يثني عليه ويمدحه ويراسله نظما ونثرا ويترجمه بالاخ ولولا رآه قسيما له في الحال ما صدر عنه ذلك المقال حتى أنه قال له: يوما إني اخشى من دعائكم لي بالاخ لأنه خلاف عادة الأشياخ مع المريدين فقال له: لا تخش من شيء وامتدحه أشياخه ومعاصروه وتلامذته. توفي رضي الله عنه يوم السبت قبل الظهر سابع عشري ربيع الأول سنة 1181 ودفن يوم الأحد بعد أن صلي عليه في الأزهر في مشهد عظيم جدا وكان يوم هول كبير وكان بين وفاته ووفاة الأستاذ الملوي ثلاثة عشر يوما ومن ذلك التاريخ ابتدأ نزول البلاء واختلال أحوال الديار المصرية وظهر مصداق قول الراغب أن وجوده أمان على أهل مصر من نزول البلاء وهذا من المشاهد المحسوس وذلك أنه لم يكن في الناس من يصدع بالحق ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ويقيم الهدى فسد نظام العالم وتنافرت القلوب ومتى تنافرت القلوب نزل البلاء ومن المعلوم المقرر أن صلاح ج / 1 ص -354- الأمة بالعلماء والملوك وصلاح الملوك تابع لصلاح العلماء وفساد اللازم بفساد الملزوم فما بالك بفقده والرحى لا تدور بدون قطبها وقد كان رحمه الله قطب رحى الديار المصرية ولا يتم أمر من أمور الدولة وغيرها إلا باطلاعه واذنه ولما شرع الأمراء القائمون بمصر في اخراج التجاريد لعلي بك وصالح بك وأستاذنوه فمنعهم من ذلك وزجرهم وشنع عليهم ولم يأذن بذلك كما تقدم وعلموا أنه لا يتم قصدهم بدون ذاك فاشغلوا الأستاذ وسموه فعند ذلك لم يجدوا مانعا ولا رادعا وأخرجوا التجاريد وآل الأمر لخذلانهم وهلاكهم والتمثيل بهم وملك علي بك وفعل ما بدا له فلم يجد رادعا أيضا ونزل البلاء حينئذ بالبلاد المصرية والشامية والحجازية ولم يزل يتضاعف حتى عم الدنيا وأقطار الأرض فهذا هو السر الظاهري وهو لا شك تابع للباطني وهو القيام بحق وراثه النبوة وكمال المتابعة وتمهيد القواعد وأقامة اعلام الهدى والإسلام واحكام مباني التقوى لأنهم امناء الله في العالم وخلاصة بني آدم أولئك هم الوارثون الذين يرثون الفردوس هم فيها خالدون. ومات شمس الكمال أبو محمد الشيخ عبد الوهاب بن زين الدين بن عبد الوهاب بن الشيخ نور بن بايزيد شهاب الدين أحمد بن القطب سيدي محمد بن أبي المفاخر داود الشربيني بمصر ونقلوا جسده إلى شريين ودفن عند جده سامحه الله وتجاوز عن سيآته وتولى بعده في خلافتهم أخوه الشيخ محمد ولهما أخ ثالث اسمه علي وكانت وفاة المترجم ليلة الأحد غرة ذي القعدة سنة 1181. ومات الشيخ الإمام العلامة المتقن المتفنن الفقيه الأصولي النحوي الشيخ محمد بن محمد بن موسى العبيدي الفارسي الشافعي وأصله من فارسكور أخذ عن الشيخ علي قايتباي والشيخ الدفري والبشبيشي والنفراوي وكان آية في المعارف والزهد والورع والتصوف وكان ج / 1 ص -355- يلقي دروسا بجامع قوصون على طريقة الشيخ العزيزي والدمياطي وبآخراته توجه إلى الحجاز وجاور به سنة والقى هناك دروسا وانتفع به جماعة ومات بمكة وكان له مشهد عظيم ودفن عند السيدة خديجة رضي الله عنها. ومات الشيخ الإمام العلامة مفيد الطالبين الشيخ أحمد أبو عامر النفراوي المالكي أخذ الفقه عن الشيخ سالم النفراوي والشيخ البليدي والطحلاوي والمعقول عنهم وعن الشيخ الملوي والحفني والشيخ عيسى البراوي وبرع في المعقول والمنقول ودرس وافاد وانتفع به الطلبة وكان درسه حافلا وله حظوة في كثرة الطلبة والتلاميذ توفي سنة 1181. ومات الأمير حسن بك جوجو وجن علي بك وهما من مماليك إبراهيم كتخدا وكان حسن مذبذبا ومنافقا بين خشداشينه يوالي هؤلاء ظاهرا وينافق الآخرين سرا وتعصب مع حسين بك وخليل بك حتى أخرجوا علي بك إلى النوسات ثم صار يراسله سرا ويعلمه باحوالهم وأسرارهم إلى أن تحول إلى قبلي وانضم إلى صالح بك فأخذ يستميل متكلمي الوجاقلية إلى أن كانوا يكتبون لأغراضهم بقبلي ويرسلون المكاتبات في داخل افصاب الدخان وغيرها وهو مع من بمصر في الحركات والسكنات إلى أن حضر علي بك وصالح بك وكان هو ناصبا وطاقة معهم جهة البساتين فلما أرادوا الارتحال استمر مكانه وتخلف عنهم وبقي مع علي بك بمصر يشار إليه ويرى لنفسه المنة عليه وربما حدثته بالامارة دونه وتحقق علي بك أنه لا يتمكن من اغراضه وتمهيد الأمر لنفسه ما دام حسن بك موجودا فكتم امره وأخذ يدبر على قتله. فبيت مع اتباعه محمد بك وأيوب بك وخشداشينهم وتوافقوا على اغتياله فلما كان ليلة الثلاثاء ثامن من شهر رجب حضر حسن بك المذكور وكذا خشداشه جن علي بك وسمرا معه حصة من الليل ثم ركبا فركب صحبتهما محمد ج / 1 ص -356- بك وأيوب بك ومماليكهما واغتالوهما في اثناء الطريق كما تقدم. ومات الأمير رضوان جربجي الرزاز وأصله مملوك حسن كتخدا ابن الأمير خليل أغا وأصل خليل أغا هذا شاب تركي خردجي يبيع الخردة دخل يوما من بيت لاجين بك الذي عند السويقة المعروفة بسويقة لاجين وهو بيت عبد الرحمن أغا المتخرب الآن وكان ينفذ من الجهتين فرآه لاجين بك فمال قلبه إليه ونظر فيه بالفراسة مخايل النجابة فدعاه للمقام عنده في خدمته فأجاب لذلك واستمر في خدمته مدة وترقى عنده ثم عينه لسد جسر شرمساح ووعده بالاكرام أن هو اجتهد في سده على ما ينبغي فنزل إليه وساعدته العناية حتى سده وأحكمه ورجع ثم عينه لجبي الخراج وكان لا يحصل له الخراج إلا بالمشقة وتبقى البواقي على البواقي القديمة في كل سنة فلما نزل وكان في أوان حصاد الارز فوزن من المزارعين شعير الارز من المال الجديد والبواقي أولا بأول وشطب جميع ذلك من غير ضرر ولا أذية وجمعه وخزنه واتفق أنه غلا ثمنه في تلك السنة غلوا زائدا عن المعتاد فباعه بمبلغ عظيم ورجع لسيده بصناديق المال فقال: لا أخذ إلا حقي وأما الربح فهو لك فأخذ قدر ماله واعطاه الباقي فذهب واشترى لمخدومه جارية مليحة واهداها له فلم يقبلها وردها إليه وأعطى له البيت الذي بلتبانة ونزل له عن طصفة وكفرها ومنية تمامه وصار من الأمراء المعدودين فولد لخليل هذا حسن كتخدا ومصطفى كتخدا كانا أميرين كبيرين معدودين بمصر ومماليكه صالح كتخدا وعبد الله جربجي وإبراهيم جربجي وغيرهم ومن مماليكه حسن حسين جربجي المعروف بالفحل ورضوان جربجي هذا المترجم وغيرهما أكثر من المائة أمير. وكان رضوان جربجي هذا من الأمراء الخيرين الدينين له مكارم أخلاق وبر ومعروف ولما نفي علي بك عبد الرحمن كتخدا نفاه أيضا وأخرجه من مصر. ثم أن علي بك ذهب ج / 1 ص -357- يوما عند سليمان أغا كتخدا الجاويشية فعاتبه على نفي رضوان جربجي فقال له: علي بك تعاتبني على نفي رضوان جربجي ولا تعاتبني على نفي ابنك عبد الرحمن كتخدا فقال: ابني المذكور منافق يسعى في اثارة الفتن ويلقي بين الناس فهو يست أهل وأما هذا فهو إنسان طيب وما علمنا عليه ما تشينه في دينه ولا دنياه فقال: نرده لاجل خاطرك وخاطره ورده ولم يزل في سيادته حتى مات على فراشه سادس جمادى الأولى في هذه السنة والله سبحانه وتع إلى أعلم. تاريخ عجائب الآثار في التراجم والأخبار سنة اثنتين وثمانين ومائة وألف. استهل شهر المحرم بيوم الأربعاء في ثانية سافرت التجريدة المعينة إلى بحري بسبب الأمراء المتقدم ذكرهم وهم حسين بك وخليل بك ومن معهم وقد بذل جهده علي بك حتى شهل أمرها ولوازمها في أسرع وقت وسافرت يوم الخميس وأميرها وسر عسكرها محمد بك أبو الذهب. فلما وصلوا إلى ناحية دجوة وجدوهم عدوا إلى مسجد الخضر فعدوا خلفهم فوجدوهم ذهبوا إلى طندتا وكرنكوا بها فتبعوهم إلى هناك واحاطوا بالبلدة من كل جهة ووقع الحرب بينهم في منتصف شهر المحرم فلم يزل الحرب قائما بين الفريقين حتى فرغ ما عندهم من الجبخانة والبارود فعند ذلك أرسلوا إلى محمد بك وطلبوا منه الأمان فأعطاهم الأمان وارتفع الحرب من بين الفريقين. وكاتبهم محمد بك وخادعهم والتزم لهم باجراء الصلح بينهم وبين مخدومه علي بك فانخدعوا له وصدقوه وانحلت عزائمهم واختلفت آراؤهم. وسكن الحال تلك الليلة ثم أن محمد بك أرسل في ثاني يوم إلى حسين بك يستدعيه ليعمل معه مشورة فحضر عنده بمفرده وصحبته خليل بك السكران تابعة فقط. فلما وصلوا إلى مجلسه ودخلوا إليه فلم يجدوه فعندما استقر بهما الجلوس دخل عليهما جماعة وقتلوهما وحضر في أثرهما ج / 1 ص -358- حسن بك شبكة ولم يعلم ما جرى لسيده فلما قرب من المكان أحس قلبه بالشر فاراد الرجوع فعاقه رجل سائس يسمى مرزوق وضربه بنبوت فوقع إلى الأرض فلحقه بعض الجند واحتز رأسه فلما علم بذلك خليل بك الكبير ومن معه ذهبوا إلى ضريح سيدي أحمد البدوي والتجأوا إلى قبره واشتد بهم الخوف وعلموا أنهم لاحقون باخوانهم فلما فعلوا ذلك لم يقتلوهم وأرسل محمد بك يستشير سيده في أمر خليل بك ومن معه فأمر بنفيه إلى ثغر سكندرية وخنقوه بعد ذلك بها. ورجع محمد بك وصالح بك والتجريدة ودخلوا المدينة من باب النصر في موكب عظيم وإمامهم الرؤوس محمولة في صوان من فضة وعدتها ستة رؤوس وهي رأس حسين بك وخليل بك السكران وحسن بك شبكة وحمزة بك وإسمعيل بك أبي مدفع سليمان أغا الوالي وذلك يوم الجمعة سابع عشر المحرم. وفي يوم الثلاثاء رابع عشر صفر حضر نجاب الحج واطمأن الناس وفي يوم الجمعة سابع عشره وصل الحجاج بالسلامة ودخلوا المدينة وأمير الحاج خليل بك بلغيه وسر الناس بسلامة الحجاج وكانوا يظنون تعبهم بسبب هذه الحركات والوقائع. وفي ثامن عشر صفر أخرج علي بك جملة من الأمراء من مصر ونفى بعضهم إلى الصعيد وبعضهم إلى الحجاز وأرسل البعض إلى الفيوم وفيهم محمد كتخدا تابع عبد الله كتخدا وقرا حسن كتخدا وعبد الله كتخدا تابع مصطفى باش اختيار مستحفظان وسليمان جاويش ومحمد كتخدا الجردلي وحسن افندي الباقرجي وبعض أوده باشية وعلي جربجي وعلي افندي الشريف جمليان. وفيه صرف علي بك مواجب الجامكية. وفيه أرسل علي بك وقبض على أولاد سعد الخادم بضريح سيدي أحمد البدوي وصادرهم وأخذ منهم أموالا عظيمة لا يقدر قدرها. ج / 1 ص -359- وأخرجهم من البلدة ومنعهم من سكناها ومن خدمة المقام الأحمدي وأرسل الحاج حسن عبد المعطي وقيده بالسدنة عوضا عن المذكورين وشرع في بناء الجامع والقبة والسبيل والقيسارية العظيمة وأبطل منها مظالم أولاد الخادم والحمل والنشالين والحرمية والعيارين وضمان البغايا والخواطيء وغير ذلك. وفي تاسع شهر ربيع الأول حضر قابجي من الديار الرومية بمرسوم وقفطان وسيف لعلي بك من الدولة وفيه وصلت الأخبار بموت خليل بك الكبير بثغر سكندرية مخنوقا. وفي يوم السبت ثاني عشرة نزل الباشا إلى بيت علي بك باستدعائه فتغدى عنده وقدم له تقادم وهدايا. وفي يوم الأحد ثامن عشر ربيع الاخر اجتمع الأمراء بمنزل علي بك على العادة وفيهم صالح بك وقد كان علي بك بيت مع اتباعه على قتل صالح بك فلما انقضى المجلس وركب صالح بك ركب معه محمد بك وأيوب بك ورضوان بك وأحمد بك بشناق المعروف بالجرار وحسن بك العبداوي وعلي بك الطنطاوي واحدق الجميع بصالح بك ومن خلفهم الجند والمماليك والطوائف فلما وصلوا إلى مضيق الطريق عند المفارق بسويقة عصفور تأخر محمد بك ومن معه عن صالح بك قليلا واحدث له محمد بك حماقة مع سائسه وسحب سيفه من غمده سريعا وضرب صالح بك وسحب الآخرون سيوفهم ما عدا أحمد بك بشناق وكملوا قتلته ووقع طريحا على الأرض ورمح الجماعة الضاربون وطوائفهم إلى القلعة وعندما رأوا مماليك صالح بك واتباعه ما نزل بسيدهم خرجوا على وجوههم ولما استقر الجماعة القاتلون بالقلعة وجلسوا مع بعضهم يتحدثون عاتبوا أحمد بك بشناق في عدم ضربه معهم صالح بك وقالوا له: لم إذا لم تجرد سيفك وتضرب مثلنا فقل بل ضربت معكم فكذبوه. ج / 1 ص -360- فقال له بعضهم أرنا سيفك فامتنع وقال أن سيفي لا يخرج من غمده لأجل الفرجة ثم ستوا وأخذ في نفسه منهم وعلم أنهم سيخبرون سيدهم بذلك فلا يأمن غائلته وذلك أن أحمد بك هذا لم يكن مملوكا لعلي بك وإنما كان أصله من بلاد بشناق حضر إلى مصر في جملة اتباع علي باشا الحكيم عندما كان واليا على مصر في سنة 1169. فاقام في خدمته إلى سنة 1171. وتلبس صالح بك بامارة الحج في ذلك التاريخ فاستأذن أحمد بك المذكور علي باشا في الحج واذن له فحج مع صالح بك وأكرمه واحبه والبسه زي المصريين ورجع صحبته وتنقلت به الأحوال وخدم عند عبدالله بك علي ثم خدم عند علي بك فأعجبه شجاعته وفروسيته فرقاه في المناصب حتى قلده الصنجقية وصار من الأمراء المعدودين. فلم يزل يراعي منة صالح السابقة عليه فلما عزم علي بك على خيانة صالح بك السابقة وغدره خصصه بالذكر وأوصاه أن يكون أول ضارب فيه لما يعلمه في من العصبية له فقيل له: أن أحمد بك اسر ذلك إلى صالح بك وحذره غدر علي بك اياه فلم يصدقه لما بينهما من العهود والايمان والمواثيق ولم يحصل منه ما يوجب ذلك ولم يعارضه في شيء ولم ينكر عليه فعلا. فلما اختلى صالح بك بعلي بك اشار البه بما بلغه فحلف له علي بك بأن ذلك نفاق من المخبر ولم يعلم من هو فلما حصل ما حصل ورأى مراقبة الجماعة له ومناقشتهم له عند استقرارهم بالقلعة تخيل وداخله الوهم وتحقق في ظنه تجسم القضية فلما نزلوا من القلعة وانصرفوا إلى منازلهم تفكر تلك الليلة وخرج من مصر وذهب إلى الأسكندرية وأوصى حريمه بكتمان امره ما امكنهم حتى يتباعد عن مصر فلما تأخر حضوره بمنزل علي بيك وركوبه سألوا عنه فقيل له: إنه متوعك فحضر إليه في ثاني يوم محمد بيك ليعوده وطلب الدخول إليه فلم يمكنهم منعه فدخل إلى محل ج / 1 ص -361- مبيته فلم يجده في فراشه فسأل عنه حريمه فقالوا لا نعلم له محلا ولم يأذن لاحد بالدخول عليه وفتشوا عليه فلم يجدوه وأرسل علي بيك عبد الرحمن آغا وأمره بالتفتيش عليه وقتله فاحاط بالبيت وفتش عليه في البيت والخطة فلم يجده وهو قد كان هرب ليلة الواقعة في صورة جزائرلي مغربي وقصقص لحيته وسعى بمفرده إلى شلقان وسافر إلى بحري ووصل السعاة بخبره لعلي بيك بانه بالاسكندرية فأرسل بالقبض عليه فوجدوه نزل بالقبطانة واحتمى بها وكان من امره ما كان بعد ذلك كما سيأتي وهو أحمد باشا الجزار الشهير الذكر الذي تملك عكا وتولى الشام وامارة الحج الشامي وطار صيته في الممالك. وفيه عين علي بيك تجريدة على سويلم بن حبيب وعرب الجزيرة فنزل محمد بيك بتجريدة إلى عرب الجزيرة وأيوب بيك إلى سويلم فلما ذهب أيوب بيك إلى دجوة فلم يجد بها أحدا وكان سويلم بائتا في سند نهور وباقي الحبابية متفرقين في البلاد فلما وصله الخبر ركب من سند نهور وهرب بمن معه إلى البحيرة والتجأ إلى الهنادي. ونهبوا دوائره ومواشيه وحضروا بالمنهوبات إلى مصر واحتج عليه بسبب واقعة حسين بيك وخليل بيك لما اتيا إلى دجوة بعد واقعة الديرس والجراح قدم لهم التقادم وساعدهم بالكلف والذبائح ونحو ذلك والغرض الباطني اجتهاده في ازالة أصحاب المظاهر كائنا ما كان. وفي يوم الإثنين تاسع عشرة أمر علي بك بإخراج علي كتخدا الخربطلي منفيا وكذلك يوسف كتخدا مملوكه ونفي حسن افندي درب الشمسي واخوته إلى السويس ليذهبوا إلى الحجاز وسليمان كتخدا الجلفي وعثمان كتخدا عزبان المنفوخ وكان خليل بك الأسيوطي بالشرقية فلما سمع بقتل صالح بك هرب إلى غزة. وفي يوم الأحد خامس جمادى الأولى طلع علي بك إلى القلعة وقلد ج / 1 ص -362- ثلاثة صناجق من اتباعه وكذلك وجاقلية وقلد أيوب بك تابعه ولاية جرجا وحسن بك رضوان أمير حج وقلد الوالي وفي جمادى الآخرة قلد إسمعيل بك الدفتروارية وصرف المواجب في ذلك اليوم. وفي منتصف شهر رجب وصل آغا من الديار الرومية وعلى يده مرسوم بطلب عسكر للسفر فاجتمعوا بالديوان وقرأوا المرسوم وكان علي بك أحضر سليمان بك الشابوري من نفيه بناحية المنصورة وكان منفيا هناك من سنة 1172. وفي يوم الثلاثاء عملوا الديوان بالقلعة ولبسوا سليمان بك الشابوري أمير السفر الموجه إلى الروم وأخذوا في تشهيله وسافر محمد بك أبو الذهب بتجريدة ومعه جملة من الصناجق والمقاتلين لمنابذة شيخ العرب همام فلما قربوا من بلاده ترددت بيتهم الرسل واصطلحوا معه على أن يكون لشيخ العرب همام من حدود برديس ولا يتعدى حمكه لما بعدها. واتفقوا على ذلك ثم بلغ شيخ العرب أنه ولد لمحمد بك مولود فأرسل له بالتجاوز عن برديس أيضا إنعاما منه للمولود ورجع محمد بك ومن معه إلى مصر. وفيه قبض علي بك على الشيخ أحمد الكتبي المعروف بالسقط وضربه علقة قوية وأمر بنفيه إلى قبرص فلما نزل إلى البحر الرومي ذهب إلى اسلامبول وصاهر حسن افندي قطه مسكين النجم وأقام هناك إلى أن مات وكان المذكور من دهاة العالم يسعى في القضايا والدعاوى يحيى الباطل ويبطل الحق بحسن سبكه وتداخله. وفي سابع عشرة حصلت قلقة من جهة والي مصر محمد باشا وكان أراد أن يحدث حركة فوشي به كتخداه عبد الله بك إلى علي بك فاصبحوا وملكوا الأبواب والرميلة والمحجر وحوالي القلعة وأمروه بالنزول فنزل من باب الميدان إلى بيت أحمد بك كشك واجلسوا عنده الحرسجية. ج / 1 ص -363- وفي يوم الأحد غرة شعبان تقلد علي بك قائمقامية عوضا عن الباشا. وفي يوم الخميس أرسل علي بك عبد الرحمن اغا مستحفظان إلى رجل من الأجناد يسمى إسمعيل اغا من القاسمية وأمره بقتله وكان إسمعيل هذا منفيا جهة بحري وحضر إلى مصر قبل ذلك وأقام ببيته جهة الصليبة. وكان مشهورا بالشجاعة والفروسية والاقدام فلما وصل الأغا حذاء بيته وطلبه ونظر إلى الأغا واقفا باتباعه ينتظره علم أنه يطلبه ليقتله كغيره لأنه تقدم قتله لاناس كثيرة على هذا النسق بأمر علي بك فامتنع من النزول واغلق بابه ولم يكن عنده أحد سوى زوجته وهي أيضا جارية تركية. وعمر بندقيته وقرابينته وضرب عليهم فلم يستطيعوا العبور إليه من الباب وصارت زوجته تعمر له وهو يضرب حتى قتل منهم أناسا وانجرح كذلك واستمر على ذلك يومين وهو يحارب وحده. وتكاثروا عليه وقتلوا من اتباعه وهو ممتنع عليهم إلى أن فرغ منه البارود والرصاص ونادوه بالامان فصدقهم ونزل من الدرج فوقف له شخص وضربه وهو نازل من الدرج وتكاثروا عليه وقتلوه وقطعوا رأسه ظلما رحمه الله تعالى. وفي تاسع عشره صرفت المواجب على الناس والفقراء. وفي ثامن عشرينه خرج موكب السفر الموجه إلى الروم في تجمل زائد. وفي عاشر رمضان قبض علي بك على المعلم اسحق اليهودي معلم الديوان ببولاق وأخذ منه أربعين ألف محبوب ذهب وضربه حتى مات وكذلك صادر اناسا كثيرة في أموالهم من التجار مثل العشوبي والكمين وغيرهما وهو الذي ابتدع المصادرات وسلب الأموال من مبادي ظهوره واقتدى به من بعده. وفي شوال هيأ علي بك هدية حافلة وخيولا مصرية جيادا وأرسلها إلى اسلامبول للسلطان ورجال الدولة وكان المتسفر بذلك إبراهيم ج / 1 ص -364- أغا سراج باشا وكتب مكاتبات إلى الدولة ورجالها والتمس من الشيخ الوالد أن يكتب له أيضا مكاتبات لما يعتقده من قبول كلامه واشارته عندهم ومضمون ذلك الشكوى من عثمان بك بن العظم والي الشام وطلب عزله عنها بسبب انضمام بعض المصريين المطرودين إليه ومعاونته لهم وطلب منه أن يرسل من طرفه أناسا مخصوصين فأرسل الشيخ عبد الرحمن العريشي ومحمد افندي البردلي فسافروا مع الهدية وغرضه بذلك وضع قدمه بالقطر الشامي أيضا. وفي ثاني عشر ذي القعدة رسم بنفي جماعة من الأمراء أيضا وفيهم إبراهيم اغا الساعي اختيارية متفرقة وإسمعيل افندي جاويشان وخليل أغا باش جاويشان جمليان وباشجاويش تفكجيان ومحمد افندي جراكسة ورضوان والزعفراني فأرسل منهم إلى دمياط ورشيد واسكندرية وقبلي وأخذ منهم دراهم قبل خروجهم واستولى على بلادهم وفرقها في اتباعه وكانت هذه طريقته فيمن يخرجه يستصفي أموالهم أولا ثم يخرجهم ويأخذ بلادهم واقطاعهم فيفرقها على مماليكه واتباعه الذين يؤمرهم في مكانهم ونفى أيضا إبراهيم كتخدا جدك وابنه محمدا إلى رشيد وكان إبراهيم هذا كتخدا ثم عزله وولاه الحسبة فلما نفاه ولى مكانه في الحسبة مصطفى اغا والله اعلم. من مات في هذه السنة. ومات الإمام الفقيه المحدث الأصولي المتكلم شيخ الإسلام وعمدة الانام الشيخ أحمد بن الحسن بن عبد الكريم بن محمد بن يوسف بن كريم الدين الكريمي الحالدي الشافعي الأزهري الشهير بالجوهري وإنما قيل: له الجوهري لأن والده كان يبيع الجوهر فعرف به ولد بمصر سنة 1096 واشتغل بالعلم وجد في تحصيله حتى فاق أهل عصره ودرس بالأزهر وأفتى نحو ستين سنة مشايخه كثيرون منهم الشهاب أحمد بن الفقيه. ج / 1 ص -365- ورضوان الطوخي إمام الجامع الأزهر والشيخ منصور المنوفي والشهاب أحمد الخليلي والشيخ عبد ربه الديوي والشيخ عبد الرؤوف البشبيشي والشيخ محمد أبو العز العجمي والشيخ محمد الاطفيحي والشيخ عبد الجواد المخلي الشافعيون والشيخ محمد السجلماسي والشيخ أحمد الننراوي ! والشيخ سليمان الحصيني والشيخ عبدالله الكنكسي الشيخ محمد الصغير الورزازي وابن زكري والشيخ أحمد الهشتوكي والشيخ سليمان الشبرخيتي والسيد عبد القادر المغربي ومحمد القسطنطيني ومحمد النشرتي المالكيون ورحل إلى الحرمين في سنة 1120 فسمع من البصري والنخلي في سنة 1124 ثم في سنة 1130 وحمل في هذه الرحلات علوما جمة اجازه مولاي الطيب بن مولاي عبد الله الشريف الحسيني وجعله خليفة بمصر وله شيوخ كثيرون غير من ذكرت وقد وجدت في بعض إجازاته تفصيل ما سمعه من شيوحه ما نصه على البصري والنخلي أوائل الكتب الستة والاجازة العامة مع حديث الرحمة بشرطه وعلى الاطفيحي بعض كتب الفقه والحديث والتصوف والاجازة العامة وعلى السجلماسي في سنة 1126 الكبرى للسنوسي ومختصرة المنطقي وشرحه وبعض تلخيص القزويني وأول البخاري إلى كتاب الغسل وبعض الحكم العطائية وأجازه علي بن زكري أوائل الستة وأجازه وعلى الكنكسي الصحيح بطرفيه وشرح العقائد للسعد وعقائد السنوسي وشروحها وشرح التسهيل لابن مالك إلى آخره وشرح الالفية للمكوي والمطول بتمامه وشرح التلخيص وعلى الهشتوكي الاجازة بسائرها وعلى النفراوي شرح التلخيص مرارا وشرح الفية المصطلح وشرح الورقات وعلي الديوي شرح المنهج لشيخ الإسلام مرارا وشرح التحرير وشرح القية ابن الهائم وشرح التلخيص وشرح ابن عقيل على الالفية وشرح الجزرية وعلى المنوفي جمع الجوامع وشرحه للمحلى وشرح التلخيص. ج / 1 ص -366- وعلى ابن الفقيه شرح التحرير وشرح الخضيب مرارا وشرح العقائد النسفية وشرح التلخيص والخبيصي وعلى الطوخي شرح الخطيب وابن قاسم مرارا وشرح الجوهرة لعبد السلام وعلي الخليفي البخاري وشرح التلخيص والاشموني والعصام وشرح الورقات وعلي الحصيني شرح الكبرى للسنوسي بتمامه وعلى الشبرخيتي شرح الرحبية وشرح الاجرومية وغيرهما وعلى الورزازي شرح الكبرى بتمامه مرارا وشرح الصغرى وشرح مختصر السنوسي والتفسير وغيره وعلي البشبيشي المنهج مرارا وجمع الجوامع مرارا والتلخيص والفية المصطلح والشمائل وشرح التحرير لزكريا وغيره هذا نص ما وجدته بخطه. واجتمع بالقطب سيدي أحمد بن ناصر فأجازه لفظا وكتابه وممن أجازه أبو المواهب البكري وأحمد البناء وأبو السعود الدنجيهي وعبد الحي الشرنبلالي ومحمد بن عبد الرحمن المليجي وفي الحرمين عمر بن عبد الكريم الخلخالي حضر دروسه وسمع منه المسلسل بالأولية بشرطه وتوجه بآخرته الحرمين بأهله وعياله وألقى الدروس وانتفع به الواردون ثم عاد إلى مصر فانجمع عن الناس وانقطع في منزله يزار ويتبرك به وله تآليف منها منقذة العبيد عن ربقة التقليد في التوحيد وحاشية علي عبد السلام ورسالة في الأولية وأخرى في حياة الانبياء في قبورهم وأخرى في الغرائق وغيرها وكانت وفاته وقت الغروب يوم الأربعاء ثامن جمادى الأولى وجهز بصباحه وصلي عليه بالجامع الأزهر بمشهد حافل ودفن بالزاوية القادرية داخل درب شمس الدولة رحمه الله. ومات الإمام العلامة والحبر الفهامة الفقيه الدراكة الأصولي النحوي شيخ الإسلام وعمدة ذوي الافهام الشيخ عيسى بن أحمد بن عيسى بن محمد الزبيري البراوي الشافعي الأزهري ورد الجامع وهو ج / 1 ص -367- صغير فقرأ العلم على مشايخ وقته وتفقه على الشيخ مصطفى العزيزي وابن الفقيه وحضر دروس الملوي والجوهري والبشبراوي وانجب وشهد له بالفضل أهل عصره وقرأ الدروس في الفقه واحدقت به الطلبة واتسعت حلقته واشتهر بحفظ الفروع الفقهية حتى لقب بالشافعي الصغير لكثرة استحضاره في الفقه وجودة تقريره وانتفع به طلبة العصر طبقة بعد طبقة وصاروا مدرسين وروى الحديث عن الشيخ محمد الدفري وكان حسن الاعتقاد في الشيخ عبد الوهاب العفيفي وفي سائر الصلحاء. وله مؤلفات مقبولة منها حاشية على شرح الجوهرة في التوحيد وشرح على الجامع الصغير للسيوطي في مجلد يذكر في كل حديث ما يتعلق بالفقه خاصة ولا زال يملي ويفيد ويدرس ويعيد حتى توفي سحر ليلة الإثنين رابع رجب وجهز في صباحه وصلي عليه بالأزهر بمشهد حافل ودفن بالمجاورين وبني على قبره مزار ومقام واستقر مكانه في التصدر والتدريس ابنه العلامة الشيخ أحمد ولازم حضوره تلامذة أبيه رحمه الله. ومات الإمام العلامة الفقيه واللوذعي الذكي النبيه عمدة المحققين ومفتي المسلمين حسن بن نور الدين المقدسي الحنفي الأزهري تفقه على شيخ وقته الشيخ سليمان المنصوري والشيخ محمد عبد العزيزي الزيادي وحضر دروس الشيخ مصطفى العزيزي والسيد علي الضرير. والملوي والجوهري والحفني والبليدي وغيرهم ودرس بالجامع الأزهر في حياة شيوخه ولما بنى الأمير عثمان كتخدا مسجده بالازبكية جعله خطيبا وإماما به وسكن في منزل قرب الجامع وراج أمره ولما شعر فتوى الحنفية بموت الشيخ سليمان المنصوري جعل شيخ الحنفية بعناية عبد الرحمن كتخدا وكان له به الفة ثم ابتنى منزلا نفيسا مشرفا على بركة الازبكية بمساعدة بعض الأمراء واشتهر امره ودرس بعدة ج / 1 ص -368- أماكن كالصرغقشية المشروطة لشيخ الحنفية والمدرسة المحمودية والشيخ مطهر وغيرها وألف متنا في فقه المذهب ذكر فيه الراجح من الاقوال واقتنى كتبا نفيسة بديعة الامثال وكان عنده ذوق والفة ولطافة وأخلاق مهذبة توفي يوم الجمعة ثامن عشر جمادى الآخرة. ومات الإمام العلامة أحد أذكياء العصر ونجباء الدهر الشيخ محمد ابن بدر الدين الشافعي سبط الشمس الشرنبابلي ولد قبل القرن بقليل وأجازه جده وحضر بنفسه على شيوخ وقته كالشيخ عبد ربه الديوي والشيخ مصطفى العزيزي وسيدي عبد الله الكنكسي والسيد علي الحنفي والشيخ الملوي في آخرين وباحث وناصل وألف وأفاد ولزمه سليقة في الشعر جيدة وكلامه موجود بين ايدي الناس وله ميل لعلم اللغة ومعرفة بالأنساب غير أنه كان كثير الوقيعة في الشيخ محي الدين ابن عربي قدس الله سره وألف عدة رسائل في الرد عليه وكان يباحث بعض أهل العلم فيما يتعلق بذلك فينصحونه ويمنعونه من الكلام في ذلك فيعترف تارة وينكر أخرى ولا يثبت على اعترافه وبلغني أنه ألف مرة رسالة في الرد عليه في ليلة من الليالي ونام فاحترق منزله بالنار واحترقت تلك الرسالة من جملة ما احترق من الكتب ومع ذلك فلم يرجع عما كان عليه من التعصب وربما تعصب لمذهبه فيتكلم في بعض مسائل مع الحنفية ويرتب عليها أسئلة ويغض عنهم ولما كان عليه مما ذكر لم يخل حاله عن ضيق وهيئته عن رثاثة توفي المترجم في المحرم افتتاح السنة وصلي عليه بالأزهر ودفن بالقرافة عند جده لامه رحمه الله تعالى. ومات الجناب الامجد والملاذ الأوحد حامل لواء علم المجد وناشره وجالب متاع الفضل وتاجره السيد أحمد بن إسمعيل بن محمد أبو الامداد سبط بني الوفي والده وجده من أمراء مصر وكذا اخوه لأبيه محمد وكل منهم قد تولى الإمارة والمترجم أمه هي ابنة الأستاذ سيدي ج / 1 ص -369- عبد الخالق بن وفي ولد بمصر ونشأ في حجر أبويه في عفاف وحشمة وأبهة وأحبه الناس لمكان جده لامه المشار إليه مع جذب فيه وصلاح وتولى نقابة السادة الأشراف سنة 1168 ثم تولى الخلافة الوفائية بعد وفاة السيد أبي هادي فنزل عن النقابة للسيد محمد افندي الصديقي وقنع بخلافة بيتهم وكان إنسانا حسنا بهيا ذا تؤدة ووقار وفيه قابلية لادراك الأمور الدقيقة والأعمال الرياضية وهو الذي حمل الشيخ مصطفى الخياط الفلكي على حساب حركة الكواكب الثابتة وأطوالها وعروضها ودرجات ممرها ومطالعها لما بعد الرصد الجديد إلى تاريخ وقته وهي من مآثره مستمرة المنفعة لمدة من السنين واقتنى كثيرا من الآلات الهندسية الأدوات الرسمية رغب فيها وحصلها بالاثمان الغالية وهو الذي أنشأ المكان اللطيف المرتفع بدارهم المجاور للقاعة الكبيرة المعروفة بأم الافراح المطل على الشارع المسلوك وما به من الرواشن المطلة على حوش المنزل والطريق وما به من الخزائن والخورنقات والرفارف والشرفات والرفوف الدقيقة الصنعة وغير ذلك وهو الذي كنى الفقير بابي العزم وذلك في سنة 1177 برحاب اجدادهم يوم المولد النبوي المعتاد وتوفي في سابع المحرم سنة تاريخه وصلي عليه بالجامع الأزهر بمشهد حافل ودفن بتربة اجدادهم نفعنا الله بهم وامدنا من أمدادهم. وتولى الخلافة بعده مسك ختامهم ومهبط وحي اسرارهم نادرة الدهر وغرة وجه العصر الإمام العلامة واللوذعي الفهامة من مصابيح فضله مشارق الأنوار السيد شمس الدين محمد أبو الأنوار نسأل الله لحضرته طول البقاء ودوام العز والارتقاء آمين. ومات الإمام العلامة الفقيه النبيه شيخ الإسلام وعمدة الانام الشيخ عبد الرؤوف بن محمد بن عبد الرحمن بن أحمد السجيني الشافعي الأزهري شيخ الأزهر وكنيته أبو الجود أخذ عن عمه الشمس السجيني ج / 1 ص -370- ولازمه وبه تخرج وبعد وفاته درس المنهج موضعه وتولى مشيخة الأزهر بعد الشيخ الحفني وسار فيها بشهامة وصرامة إلا أنه لم تطل مدته وتوفي رابع عشر شوال وصلي عليه بالأزهر ودفن بجوار عمه باعلى البستان واتفق أنه وقعت له حادثة قبل ولايته على مشيخة الجامع بمدة وهي التي كانت سببا لاشتهار ذكره بمصر وذلك أن شخصا من تجار خان الخليلي تشاجر مع رجل خادم فضربه ذلك الخادم وفر من إمامه فتبعه هو وآخرون من ابناء جنسه فدخل إلى بيت الشيخ المترجم فاضل خلفه وضربه برصاصة فاصابت شخصا من أقارب الشيخ يسمى السيد أحمد فمات وهرب الضارب فطلبوه فامتنع عليهم وتعصب معه أهل خطته وابناء جنسه فاهتم الشيخ عبد الرؤوف وجمع المشايخ والقاضي وحضر إليهم جماعة من أمراء الوجاقلية وانضم إليهم الكثير من العامة وثارت فتنة أغلق الناس فيها الأسواق والحوانيت واعتصم أهل خان الخليلي بدائرتهم واحاط الناس بهم من كل جهة وحضر أهل بولاق وأهل مصر القديمة وقتل بين الفريقين عدة أشخاص واستمر الحال على ذلك اسبوعا ثم حضر علي بك أيضا وذلك في مبادي امره قبل خروجه منفيا واجتمعوا بالمحكمة الكبرى وامتلأ حوش القاضي بالغوغاء والعامة وانحط الأمر على الصلح وانفض الجمع ونودي في صبحها بالأمان وفتح الحوانيت والبيع والشراء وسكن الحال. ومات الشيخ الصالح الخير الجواد أحمد بن صلاح الدين الدنجيهي الدمياطي شيخ المتبولية والناظر على أوقافها كان رجلا رئيسا محتشما صاحب احسان وبر ومكارم اخلاق وكان ظلا ظليلا على الثغر يأوي إليه الواردون فيكرمهم ويواجههم بالطلاقة والبشر التام مع الإعانة والانعام ومنزله مجمع للاحباب ومورد لائتناس الأصحاب وتوفي يوم السبت ثاني عشر ذي الحجة عن ثمانين سنة تقريبا. ج / 1 ص -371- ومات الإمام الفاضل أحد المتصدرين بجامع بن طولون الشيخ أحمد ابن أحمد بن عبد الرحمن بن محمد بن عامر العطاشي الفيومي الشافعي كان له معرفة في الفقه والمعقول والادب بلغني أنه كان يخبر عن نفسه أنه يحفظ اثني عشر ألف بيت من شواهد العربية وغيرها وادرك الأشياخ المتقدمين وأخذ عنهم وكان إنسانا حسنا منور الوجه والسيبة ولديه فوائد ونوادر مات في سادس جمادى الثانية عن نيف وثمانين سنة تقريبا غفر الله له. ومات الأمير خليل بك القازدغلي أصله من مماليك إبراهيم كتخدا القازدغلي وتقلد الإمارة والصنجقية بعد موت سيده وبعد قتل حسين بك المعروف بالصابونجي وظهر شأنه في أيام علي بك الغزاوي وتقلد الدفتردارية ولما سافر علي بك اميرا بالحج في سنة ثلاث وسبعين جعله وكيلا عنه في رياسة البلد ومشيختها وحصل ما حصل من تعصبهم على علي بك وهروبه إلى غزة كما تقدم وتقلبت الأحوال فلما نفي علي بك جن في المرة الثانية كان هو المتعين للإمارة مع مشاركة حسين بك كشكش فلما وصل علي بك وصالح بك على الصورة المتقدمة هرب المترجم مع حسين بك وباقي جماعتهم إلى جهة الشام ورجعوا في صورة هائلة وجرد عليهم علي بك وكانت الغلبة لهم على المصريين فلم يجسراو على الهجوم كما فعل علي بك وصالح بك. فلو قدر الله لهم ذلك كان هو الرأي فجهز علي بك على الفور تجريدة عظيمة وعليهم محمد بك أبو الذهب وخشداشينه فخرجوا إليهم وعدوا خلفهم ولحقوهم إلى طندتا فحاصروهم بها وحصل ما حصل من قتل حسين بك ومن معه والتجأ المترجم إلى ضريح سيدي أحمد البلدوي فلم يقتلوه أكراما لصاحب الضريح. وأرسل محمد بك يخبر مخدومه ويستشيره في أمره فأرسل إليه بتأمينه وارساله إلى ثغر سكندرية ثم أرسل بقتله فقتلوه بالثغر خنقا ودفن هناك. وكان اميرا جليلا ذا عقل ورياسة وأما الظلم فهو قدر مشترك في الجميع. ج / 1 ص -372- ومات أيضا الأمير حسين بك كشكش القازدغلي وهو أيضا من مماليك إبراهيم كتخدا وهو أحد من تآمر في حياة أستاذه وكان بطلا شجاعا مقداما مشهورا بالفروسية وتقلد إمارة الحج أربع مرات آخرها سنة 1176 ورجع أوائل سنة 1177 ووقع له مع العرب ما تقدم الالماع به في الحوادث السابقة واخافهم وهابوه حتى كانوا يخوفون بذكره اطفالهم وكذلك عربان الأقاليم المصرية. وكان اسمر جهوري الصوت عظيم اللحية يخالطها الشيب يميل طبعه إلى المزاح والخدعة وإذا لم يجد من يمازحه في حال ركوبه وسيره مازح سواسه وخدمه وضاحكهم. وسمعته مرة يقول لبعضهم مثلا سائرا ونحو ذلك. وكان له ابن يسمى فيض الله كريم العين فكان يكنى به. قتل المترجم بطندتا وأتى برأسه إلى مصر كما تقدم ودفن هناك وقبره ظاهر مشهور ودفن أيضا معه مملوكه حسن بيك شبكة وخليل بيك السكران وكانا أيضا يشبهان سيدهما في الشجاعة والخلاعة. ومات الأمير الكبير الشهير صالح بك القاسمي وأصله مملوك مصطفى بك المعروف بالفرد ولما مات سيده تقلد الإمارة عوضه وجيش عليه خشداشينه واشتهر ذكره وتقلد إمارة الحج في سنة 1172 كما تقدم في ولاية علي باشا الحكيم وسار أحسن سير ولبسته الرياسة والامارة والتزم ببلاد أسياده واقطاعاتهم القبلية هو وخشداشينه واتباعهم وصار لهم نماء عظيم وامتزجوا بهوارة الصعيد وطباعهم ولغتهم ووكله شيخ العرب همام في أموره بمصر وأنشأ داره العظيمة المواجهة للكبش ولم يكن لها نظير بمصر. ولما نما أمر علي بك ونفي عبد الرحمن كتخدا إلى السويس كان المترجم هو المتسفر عليه وأرسل خلفه فرمانا بنفيه إلى غزة ثم نقل منها إلى رشيد ثم ذهب من هناك إلى الصعيد من ناحية البحيرة وأقام بالمنية وتحصن بها وجرى ما جرى من توجيه المحاربين إليه وخروج ج / 1 ص -373- علي بك منفيا وذهابه إلى قبلي وانضمامه إلى المذكور كما تقدم بعد الايمان والعهود والمواثيق وحضوره معه إلى مصر على الصورة المذكورة آنفا وقد ركن إليه وصدق مواثيقه ولم يخرج عن مزاجه ولا ما يأمر به مثقال ذرة وباشر قتال حسين بك كشكش وخليل بك ومن معهما مع محمد بك كما ذكر آنفا كل ذلك في مرضاة علي بك وحسن ظنه فيه ووفائه بعهده إلى أن غدر به وخانه وقتله كما ذكر. وخرجت عشيرته وأتباه من مصر على وجوههم منهم من ذهب إلى الصعيد ومنهم من ذهب إلى جهة بحري. وكان أميرا جليلا مهيبا لين العريكة يميل بطبعه إلى الخير ويكره الظلم سليم الصدر ليس فيه حقد ولا يتطلع لما في أيدي الناس والفلاحين ويغلق ما عليه وعلى أتباعه وخشداشينه من المال والغلال الميرية كيلا وعينا سنة بسنة وقورا محتشما كثير الحياء وكانت أحدى ثناياه مقلوعة فإذا تكلم مع أحد جعل طرف سبابته على فمه ليسترها حياء من ظهورها حتى صار ذلك عادة له. ولما بلغ شيخ العرب همام موته اغتم عليه غما شديدا وكان يحبه محبة أكيدة وجعله وكيله في جميع مهماته وبعلقاته بمصر ويسدد له ما عليه من الأموال الميرية والغلال. ولما قتل الأمير صالح بك أقام مرميا تجاه الفرن الذي هناك حصة ثم أخذوه في تابوت إلى داره وغسلوه وكفنوه ودفنوه بالقرافة رحمه الله. ومات وحيد دهره في المفاخر وفريد عصره في المآثر نخبة السلالة الهاشمية وطراز العصابة المصطفوية السيد جعفر بن محمد البيتي السقاف باعلوي الحسيني أديب جزيرة الحجاز ولد بمكة وبها أخذ عن النخلي والبصري وأجيز بالتدريس فدرس وأفاد. واجتمع إذ ذاك بالسيد عبد الرحمن العيدروس وكل منهما أخذ عن صاحبه وتنقلت به الأحوال فولي كتابة الينبع ثم وزارة المدينة وصار إماما في الأدب يشار إليه بالبنان وكلامه العذب يتناقله الركبان وله ديوان شعر جمعه لنفسه ج / 1 ص -374- وله مدائح وقصائد وغزليات كلها غرر محشوة بالبلاغة تدل على غزارة علمه وسعة اطلاعه. توفي بهذه السنة بالمدينة المنورة. تاريخ عجائب الآثار في التراجم والأخبار سنة ثلاث وثمانين ومائة وألف. فيها في المحرم أخرج علي بك عثمان اغا الوكيل من مصر منفيا إلى جهة الشام وكذلك أحمد أغا اغات الجوالي وأغات الضربخانة إلى جهة الروم. وكان أحمد أغا هذا رجلا عظيما ذا غنية كبيرة وثروة زائدة فصادره علي بك في ماله وأمره بالخروج من مصر فاحضر المطربازية والدلالين والتجار وأخرج متاعه وذخائره وباعها بسوق المزاد بينهم فبيع موجوده من أمتعة وثياب وجواهر وتحف واسلحة وكتب واشياء نفيسة وهو ينظر إليها ويتحسر ثم سافر إلى جهة الأسكندرية. وفيها توفي محمد باشا الذي كان بقصر عبد الرحمن كتخدا بشاطيء النيل ولعله مات مسموعا ودفن بالقرافة الصغرى عند مدافن الباشوات بالقرب من الإمام الشافعي. ونزل الحج ودخل إلى مصر مع أمير الحاج خليل بك بلغيا في أمن وأمان. ووصل باشا من طريق البر وطلع الأمراء إلى العادلية لملاقاته ونصبوا خيامهم ودخل بالموكب وذلك في شهر صفر. وفيها أرسل علي بك تجريدة إلى سويلم بن حبيب والهنادي بالبحيرة ثم نقل منها إلى المحلة الكبرى فاقام سنين. وفيها أرسل علي بك تجريدة إلى سويلم بن حبيب والهنادي بالبحبر وباش التجربدة إسمعيل بك وذلك أن ابن حبيب لما رحل من دجوة وذهب إلى البحيرة وانضم إلى عرب الهنادي وكان المتولي على كشوفية البحيرة عبدالله بك تابع علي بك فحاربوه وحاربهم حتى قتل عبد الله بك المذكور في المعركة ونهبوا متاعة ووطاقه وكان أحمد بك بشناق لما خرج من مصر هاربا بعد قتل صالح بك كما تقدم ذهب إلى الروم فصادف ج / 1 ص -375- هناك جماعة من الهربانين ومنهم يحيى السكري وعلي أغا المعمار وعلي بك الملط وغيرهم وزيفوا بسبب المغرضين لعلي بك بدار السلطنة فنزلوا في مركبين إلى درنة فوصلوها متفرقين. فالتي وصلت أولا بها يحيى السكري وعلي المعمار والملط فركبوا عندما وصلوا إلى درنة وذهبوا إلى الصعيد ووصلت المركب الأخرى بعد أيام وبها أحمد بك بشناق فطلع إلى عند الهنادي. فلما وصل إسمعيل بك ومن معة بالتجريدة فتحاربوا مع الحبايبة والهنادي ومعهم أحمد بك بشناق ثلاثة أيام وكان سويلم بن حبيب منعزلا في خيمة صغيرة عند امرأة بدوية بعيدا عن المعركة فذهب بعض العرب وعرف الأمراء بمكانة فكبسوه وقتلوه وقطعوا رأسة ورفعوها على رمح واشتهر ذلك. فارتفع الحرب من بين الفريقين وتفرق الهنادي وعرب الجزيرة والصوالحة وغيرهم وراحت كسرة على الجميع ولم يقم لهم قائم من ذلك اليوم. وتغيب أحمد بك بشناق فلم يظهر إلا بعد مدة ببلاد الشام. وفيها تقلد أيوب بك على منصب جرجا وخرج مسافرا ومعه عدة كبيرة من العساكر والاجناد فوصلوا إلى قرب اسيوط فوردت الأخبار باجتماع الأمراء المنفيين وتملكهم اسيوط وتحصنهم بها وكان من أمرهم أنه لما ذهب محمد بك أبو الذهب إلى جهة قبلي لمنابذة شيخ العرب همام كما تقدم وجرى بينهما الصلح على أن يكون لهمام من حدود برديس وتم الأمر على ذلك بشرط أن تطرد المصريين الذين عندك ولا تبقي منهم أحدا بدائرتك. فجمعهم وأخبرهم بذلك وقال لهم اذهبوا إلى اسيوط واملكوها قبل كل شيء فإن فعلتم ذلك كان لكم بها قوة ومنعة وأنا امدكم بعد ذلك بالمال والرجال فاستصوبوا رأيه وبادروا وذهبوا إلى اسيوط وكان بها عبد الرحمن كاشف من طرف علي بك وذو الفقار كاشف. ج / 1 ص -376- وقد كانوا حصنوا البلدة وجهاتها وبنوا كرانك والبوابة وركب عليها المدافع فتحيل ليلا وزحفوا إلى البوابة ومعهم انخاخ وأحطاب جعلوا فيها الكبريت والزيت وأشعلوها وأحرقوا الباب وهجموا على البلدة فلم يكن له بهم طاقة لكثرتهم وهم جماعة صالح بك وباقي القاسمية وجماعة الخشاب وجماعة الفلاح وجماعة مناو ويحيى السكري وسليمان الجلفي وحسن كاشف ترك وحسن بك أبو كرش ومحمد بك الماوردي وعبد الرحمن كاشف من خشداشين صالح بك وكان من الشجعان ومحمد كتخدا الجلفي وعلي بك الملط تابع خليل بك وجماعة كشكش وغيرهم ومعهم كبار الهوارة واهالي الصعيد. فملكوا اسيوط وتحصنوا بها وهرب من كان فيها ووردت الأخبار بذلك إلى علي بك فعين للسفر إبراهيم بلغيا ومحمد بك أبا شنب وعلي بك الطنطاوي ومن كل وجاق جماعة وعساكر ومغاربة وأرسل إلى خليل بك القاسمي المعروف بالاسيوطي فأحضره من غزة وطلع هو وإبراهيم بك تابع محمد بك بعساكر أيضا وعزل الباشا وأنزله وحبسه ببيت ايواظ يك عند الزير المعلق ثم سافر محمد بك أبو الذهب ورضوان بك وعدة من الأمراء والصناجق وضم إليهم ما جمعه وجلبه من العساكر المختلفة الأجناس من دلاة ودروز ومتاولة وشوام. وسافر الجميع برا وبحرا حتى وصلوا إلى أيوب بك وهو يرسل خلفهم في كل يوم بالامداد والجبخانات والذخيرة والبقسماط وذهب الجميع إلى أن وصلوا قرب اسيوط ونصبوا عرضيهم عند جزيرة منقباط وتحققوا وصول محمد بك ومن معه وفرحوا بذلك لأنهم كانوا رأوا في زايرجات الرمل سقوطه في المعركة. ثم أجمعوا رأيهم على أن يدهموهم آخر الليل فركبوا في ساعة معلومة وسار بهم الدليل في طوق الجبل وقصدوا النزول من محل كذا على ناحية كذا من العرضي فتاه وضل بهم الدليل حتى تجاوزوا ج / 1 ص -377- المكان المقصود بساعتين وأخذوا جهة الع رضي فوجدوه قبليهم بذلك المقدار وعلموا فوات القصد وإن القوم متى علموا حصولهم خلفهم ملكوا البلدة من غير مانع قبل رجوعهم من المكان الذي اتوا منه فما وسعهم إلا الذهاب إليهم ومصادمتهم على أي وجه كان فلم يصلوهم إلا بعد طلوع النهار. وتبقظ القوم واستعدوا لهم فالتطموا معهم وهم قليلون بالنسبة إليهم ووقع العرب واشتد الجلاد وبذلوا جهدهم في الحرب ويصرخ الكثير منهم بقوله اين محمد بك فبرز إليهم محمد بك أبو شنب وهو يقول: أنا محمد بك. فقصدوه وقاتلوه وقاتلهم حتى قتل وسقط جواد يحيى السكري فلم يزل يقاتل ويدافع حصة طويلة حتى تكاثروا علية وقتلوة وعبد الرحمن كاشف القاسمي يحارب بمدفع يضربة وهو على كتفة. وانجلت الحرب عن هزيمتهم ونصرة المصريين عليهم وذلك عند جبانة اسيوط. فتشتتوا في الجهات وانضموا إلى كبار الهوارة وملك المصريون اسيوط ودفنوا القتلى ومحمد بك أبا شنب. واغتم محمد بك أبو الذهب لموته وفرح لوقوع الزايرجة عليه ومفاداته لة لأنه كان يعلم ذلك أيضا. وأقاموا بأسيوط أياما ثم ارتحلوا إلى قبلي بقصد محاربة همام والهوارة. واجتمع كبار الهوارة مع من انضم إليهم من الأمراء المهزومين فراسل محمد بك إسمعيل أبا عبد الله وهو ابن عم همام واستماله ومناه وواعده برياسة بلاد الصعيد عوضا عن شيخ العرب همام حتى ركن إلى قوله وصدق تمويهاته وتقاعس وتثبط عن القتال وخذل طوائفه. ولما بلغ شيخ العرب همام ما حصل ورأى فشل القوم خرج من فرشوط وبعد عنها مسافة ثلاثة أيام ومات مكمودا مقهورا ووصل محمد بك ومن معه إلى فرشوط فلم يجدوا مانعا فملكوها ونهبوا وأخذوا جميع ما كان بدوائر همام وأقاربة واتباعه من ذخائر وأموال وغلال. وزالت دولة شيخ العرب همام من بلاد الصعيد من ذلك التاريخ كانها ج / 1 ص -378- لم يكن ورجع الأمراء إلى مصر ومحمد بك أبو الذهب وصحبته درويش ابن شيخ العرب همام. فانه لما مات أبوه وانكسر ظهر القوم بموته وعلموا أنهم لا نجاح لهم بعده أشاروا على ابنه بمقابلة محمد بك وانفصلوا عنه وتفرقوا في الجهات. فمنهم من ذهب إلى درنه ومنهم من ذهب إلى الروم ومنهم من ذهب إلى الشام. وقابل درويش بن همام محمد بك وحضر صحبته إلى مصر وأسكنه في مكان بالرحبة المقابلة لبيته وصار يركب ويذهب لزيارة المشاهد ويتفرج على مصر ويتفرج عليه الناس ويعدون خلفه وإمامه لينظروا ذاته. وكان وجيها طويلا أبيض اللون اسود اللحية جميل الصورة ثم أن علي بك أعطاه بلاد فرشوط والوقف بشفاعة محمد بك. وذهب إلى وطنه فلم يحسن السير والتدبير وأخذ امره في الانحلال وحاله في الاضمحلال وأرسل من طالبه بالأموال والذخائر فأخذوا ما وجدوه. وحضر إلى مصر والتجأ إلى محمد بك فاكرمه وانزله بمنزل بجواره فلم يزل مقيما به حتى خرج محمد بك من مصر مغاضبا لاستاذه فلحق به إلى الصعيد وخلص الاقليم المصري بحري. وقبلي إلى علي بك وأتباعه فشرع في قتل المنفيين الذين أخرجهم إلى البنادر مثل دمياط ورشيد والاسكندرية والمنصورة فكان يرسل إليهم ويخنقهم واحدا بعد واحد فخنق علي كتخدا الخربطلي برشيد وحمزة بك تابع خليل بك بزفتا وقتلوا معه سليمان أغا الوالي وإسمعيل بك أبا مدفع بالمنصورة وعثمان بك تابع خليل بك هرب إلى مركب البيليك فحماه وذهب إلى اسلامبول ومات هناك ونفى أيضا جماعة وأخرجهم من مصر وفيهم سليمان كتخدا المشهدي وإبراهيم أفندي جمليان. ومات الباشا المنفصل بالبيت الذي نزل فيه ولحق بمن قبله. ومما اتفق أن علي بك صلى الجمعة في أوائل شهر رمضان بجامع الداودية فخطب الشيخ عبد ربه ودعا للسلطان ثم دعا لعلي بك. فلما ج / 1 ص -379- انقضت الصلاة وقام علي بك يريد الانصراف أحضر الخطيب وكان رجلا من أهل العلم يغلب عليه البله والصلاح فقال له: من امرك بالدعاء باسمي على المنبر أقيل لك إني سلطان فقال: نعم أنت سلطان وأنا ادعو لك. فاظهر الغيظ وأمر بضربه فبطحوه وضربوه بالعصي فقام بعد ذلك متألما من الضرب وركب حمارا وذهب إلى داره ثم أن علي بك أرسل إليه في ثاني يوم بدراهم وكسوة واستسمحه. من مات في هذه السنة من العلماء والأمراء. مات الإمام الولي الصالح المعتقد المجذوب العالم العامل الشيخ علي ابن حجازي بن محمد البيومي الشافعي الخلوتي ثم الأحمدي ولد تقريبا سنة 1108 حفظ القرآن في صغره وطلب العلم وحضر دروس الأشياخ وسمع الحديث والمسلسلات على عمر بن عبد السلام التطاوني وتلقن الخلوتية من السيد حسين الدمرداشي العادلي وسلك بها مدة ثم أخذ طريق الأحمدية عن جماعة ثم حصل له جذب ومالت إليه القلوب وصار للناس فيه اعتقاد عظيم. وانجذبت إليه الأرواح ومشى كثير من الخلق على طريقته واذكاره وصار له اتباع ومريدون وكان يسكن الحسينية ويعقد حلق الذكر في مسجد الظاهر خارج الحسينية وكان يقيم به هو وجماعته لقربه من بيته وكان ذا وأرادات وفيوضات واحواله غريبة. وألف كتبا عديدة منها شرح الجامع الصغير وشرح الحكم لابن عطاء الله السكندري وشرح الإنسان الكامل للجيلي وله مؤلفات في طريق القوم خصوصا في طريق الخلوتية الدمرداشية الفه سنة 1144 وشرح الأربعين النووية ورسالة في الحدود وشرح على الصيغة الأحمدية وشرح على الصيغة المطلسمة وله كلام عال في التصوف وإذا تكلم افصح في البيان وأتى بما يبهر الاعيلان وكان يلبس قميصا أبيض وطاقية بيضاء ج / 1 ص -380- ويعتم عليها بقطعة شملة حمراء لا يزيد على ذلك شتاء وصيفا وكان لا يخرج من بيته إلا في كل اسبوع مرة لزيارة المشهد الحسيني وهو على بغلة واتباعه بين يديه وخلفه يعلنون بالتوحيد والذكر وربما جلس شهورا لا يجتمع باحد من الناس. وكانت له كرامات ظاهرة. ولما كان يعقد الذكر بالمشهد الحسيني في كل يوم ثلاثاء ويأتي بجماعته على الصفة المذكورة ويذكرون في الصحن إلى الضحوة الكبرى قامت عليه العلماء وانكروا ما يحصل من التلوث في الجامع من اقدام جماعته إذ غالبهم كانوا يأتون حفاة ويرفعون أصواتهم بالشدة وكاد أن يتم لهم منعه بواسطة بعض الأمراء فانبرى لهم الشيخ الشبراوي وكان شديد الحب في المجاذيب وانتصر له وقال للباشا والأمراء هذا الرجل من كبار العلماء والأولياء فلا ينبغي التعرض له. وحينئذ امره الشيخ بان يعقد درسا بالجامع الأزهر فقرأ في الطيبرسية الأربعين النووية وحضره غالب العلماء وقرر لهم ما بهر عقولهم فسكتوا عنه وخمدت نار الفتنة. ومن كلامه في آخر رسالة الخلوتية ما نصه فمن منن الله علي وكرمه إني رأيت الشيخ دمرداش في السماء وقال لي: لا تخف في الدنيا ولا في الآخرة وكنت ارى النبي صلى الله عليه وسلم في الخلوة في المولد فقال لي في بعض السنين: لا تخف في الدنيا ولا في الآخرة ورأيته يقول لأبي بكر رضي الله عنه: اسع بنا نطل على زاوية الشيخ دمرداش وجاءا حتى دخلا في الخلوة ووقفا عندي وأنا أقول الله الله وحصل لي في الخلوة وهم في رؤية النبي صلى الله عليه وسلم فرأيت الشيخ الكبير يقول لي عند ضريحه: مد يدك إلى النبي صلى الله عليه وسلم فهو حاضر عندي. ورأيته في خلوة الكردي يعني الشيخ شرف الدين المدفون بالحسينية بين اليقظة والنوم وأنا جالس فانتبهت فرأيت النور قد ملأ المحل فخرجت منها هائما فحاشني بعض من كان في المحل فوقفت عند الشيخ ولم أقدر ج / 1 ص -381- على العود إلى الخلوة من الهيبة إلى آخر الليل. وتبسم في وجهي مرة واعطاني خاتما وقال لي: والذي نفسي بيده في غد يظهر ما كان مني وما كان منك. ومن كراماته أنه كان يتوب العصاة من قطاع الطريق ويردهم عن حالهم فيصيرون مريدين له وذا سمعته من الثقات ومنهم من صار من السالكين وكان تارة يربطهم بسلسلة عظيمة من حديد في عمدان مسجد الظاهر وتارة بالشوق في رقبتهم يؤدبهم بما يقتضيه رأيه. وكان إذا ركب ساروا خلفه بالاسلحة والعصي وكانت عليه مهابة الملوك. وإذا ورد المشهد الحسيني يغلب عليه الوجد في الذكر حتى يصير كالوحش النافر في غاية القوة فإذا جلس بعد الذكر تراه في غاية الضعف. وكان الجالس يرى وجهه تارة كالوحش وتارة كالعجل وتارة كالغزال. ولما كان بمصر مصطفى باشا مال إليه واعتقده وزاره فقال له: انك ستطلب إلى الصدارة في الوقت الفلاني فكان كما قال له: الشيخ. فلما ولي الصدارة بعث إلى مصر وبنى له المسجد المعروف به بالحسينية وسبيلا وكتابا وقمة وبداخلها مدفن للشيخ علي على يد الأمير عثمان أغا وكيل دار السعادة ولما مات خرجوا بجنازته وصلي عليه بالأزهر في مشهد عظيم ودفن بالقبر الذي بني له بداخل القبة بالمسجد المذكور. ومات علامة وقته وأوانه الآخذ من كمية البلاغة بعنانه والولي الصوفي من صفا فصوفي الشيخ حسن الشيبيني ثم الفوي رحل من بلدته فوة إلى الجامع الأزهر فطلب العلم وأخذ عن الشيخ الديربي فجعله ممليا عليه في الدرس حتى قرأ الأشموني والمختصر ونحو ذلك واخبر عن نفسه كان ملازما لولي من أولياء الله تعالى فحين تعلقت نفسه بالمجيء إلى الجامع الأزهر توجه مع هذا الولي لزيارة ثغر دمياط. ثم اشتغل بالفقه وغيره من أصول ومنطق ومعان وبيان وتفسير وحديث وغير ذلك حتى فاق على أقرانه وصار علامة زمانه. ثم أخذ عن الشيخ الحفني الطريق ج / 1 ص -382- وتلقن الأسماء وسار على حسب سلوكه وسيره والبسه التاج واجازه باخذ العهود والتلقين والتسليك وصار خليفة محضا فادار مجالس الاذكار ودعا الناس إليها في سائر الاقطار وفتح الله عليه باب العرفان حتى صار ينطق باسرار القرآن ويتكلم في الحقائق. نقل عن الشيخ الحفني أنه ورد عليه منه مكتوب فقال: الحمد لله الذي جعل في اتباعه من هو كمحيي الدين ابن العربي. توفي رحمه الله تعالى في هذه السنة وخلف ولده السيد أحمد موجود في الاحياء بارك الله فيه. وممن أخذ عنه صاحبنا العمدة العلامة الصالح السيد علي المعروف بزيادة الرشيدي وهو خليفة الخلوتية الآن بثغر رشيد نفع الله به. ومات الجناب المبجل الفريد الكاتب الماهر المنشيء البليغ المجيد محمد أفندي بن إسمعيل السكندري العارف بالالسنة الثلاثة العربية والفارسية والتركية وكان لديه محاورات ولطائف ادبية وميل شديد إلى علم اللغة وبحث عن الأدوات المتعلقة به ورسائله في الالسن الثلاثة غاية في الفصاحة مع حسن حظ ووفور حظ ومهابة عند الأمراء وقبول عند الخواص ووالده كان إسرائيليا فاسلم وحسن اسلامه وتولى مناصب جليلة بالثغر وله هناك شهرة فولد هذا هناك وهذبه وادبه حتى صار إلى ما صار واستقر بمصر وما زالت له أملاك هناك وقرابة رايته يأتي لزيارة الشيخ الوالد وقد أكتهل وتناهى في السن وابقى الدهر في زواياه خبايا مستحسنة. ورأيت بخط يده كتاب بهارستان لمولانا جامي قد احسن في كتابته واتقن في سياقه ومجموعا فيه النوادر من أشعار الالسن الثلاثة. وبالجملة لم يكن في عصره من يدانية في الفنون التي كان تجمل بها. وقد ذكره الأديب الشيخ عبد الله الادكاري في بضاعة الاريب واثنى على محاسنه وكانت بينهما الفة تامة ومصافاة ومصادقة ومحاورات أدبية. فإن المترجم كان أوحد عصره ووحيد مصره لم يدانيه في مجموعة ج / 1 ص -383- الفضائل أحد ولم يزل حميد المسغى جميل السيرة بهيا وقورا مهيبا عند الأمراء والوزراء حتى وافاه الحمام في يوم الجمعة حادي عشر المحرم من السنة. ومات الأستاذ العارف سيدي علي بن العربي بن علي العربي الفاسي المصري الشهير بالسقاط ولد بفاس وقرأ على والده وعلى العلامة محمد ابن أحمد بن العربي بن الحاج الفاسي سمع منه الأحياء جميعا بقراءة ولد عمه النبيه الكاتب أبي عبد الله محمد بن الطيب بن محمد بن علي السقاط وعلى ولده أبي العباس أحمد بن محمد العربي ابن الحاج وعلى سيدي محمد بن عبد السلام البناني كتب العربية والمعقول والبيان ولما ورد مصر حاجا لازمه فقرأ عليه بلفظه من الصحيح إلى الزكاة والشمايل بطرفيه بالجامع الأزهر وكثيرا من المسلسلات والكتب التي تضمنتها فهرست ابن غازي قراءة بحث وتفهيم واجازه حينئذ باواسط جمادى الثانية سنة 1143 وجاور بمكة فسمع على البصري الصحيح كاملا ومسلما بفوت وجميع الموطأ رواية يحيى بن يحيى وذلك خلف المقام المالكي عند باب إبراهيم واجازه وعلى النخلي أوائل الكتب الستة واجازه وعاد إلى مصر فقرأ على الشيخ إبراهيم الفيومي أوائل البخاري وعلى أحمد بن أحمد الغرقاوي واجازه وعلى عمر بن عبد السلام التطاوني جميع الصحيح وقطعة من البيضاوي بجامع الغوري سنة 1136 وجميع المنح البادية في الأسانيد العالية واضافه على الأسودين وشابكه وصافحه وناوله السبحة واجازه بسائر السلسلات وعلى محمد القسطنطيني رسالة ابن أبي زيد برواق المغاربة وعلى محمد بن زكري شرحه على الحكم بجامع الغوري وعلى سيدي محمد الزرقاني كتاب الموطأ من باب العتق إلى آخره واجازه به يوم ختمه وذلك ثامن شعبان سنة 1113. وروى حديث الرحمة عن سيدي السيد مصطفى البكري في سنة 1160. ج / 1 ص -384- واجازه ابن الميت في العموم واجتمع به شيخنا السيد مرتضى في منزل السيد علي المقدسي كان قد أتى إليه لمقابلة المنح البادية على نسخته وشاركهما في المقابلة واحبه وباسطه وشافهه بالإجازة العامة وكان إنسانا مستأنسا بالوحدة منجمعا عن الناس محبا للانفراد غامضا مخفيا ولا زال كذلك حتى توفي في أواخر جمادى الأولى سنة 1183 ودفن بالزاوية بالقرب من الفحامين. ومات الجناب الأجل والكهف الأظل الجليل المعظم والملاذ المفخم الأصيلي الملكي ملجأ الفقراء والأمراء ومحط رجال الفضلاء والكبراء شيخ العرب الأمير شرف الدولة همام بن يوسف بن أحمد بن محمد بن همام بن صبيح بن سيبيه الهوراي عظيم بلاد الصعيد ومن كان خيره وبره يعم القريب والبعيد وقد جمع فيه من الكمال ما ليس فيه لغيره مثال تنزل بحرم سعادته قوافل الأسفار وتلقى عنده عصى التسيار واخباره غنية عن البيان مسطرة في صحف الامكان منها أنه إذا نزل بساحته الوفود والضيفان تلقاهم الخدم وانزلوهم في اماكن معدة لامثالهم واحضروا لهم الاحتياجات واللوازم من السكر وشمع العسل والأواني وغير ذلك ثم مرتب الاطعمة في الغداء والعشاء والفطور في الصباح والمربيات والحلوى مدة اقامتهم لمن يعرف ومن لا يعرف. فان أقاموا على ذلك شهورا لا يختل نظامهم ولا ينقص راتبهم وإلا قضوا اشغالهم على أتم مرادهم وزادهم أكراما وانصرفوا شاكرين وإن كان الوافد ممن يرتجى البر والاحسان أكرمه واعطاه وبلغه اضعاف ما يترجاه. ومن الناس من كان يذهب إليه في كل سنة ويرجع بكفاية عامة وهذا شأنه في كل من كان من الناس. وأما إذا كان الوافد عليه من أهل الفضائل أو ذوي البيوت قابلة بمزيد الاحترام وحياة بجزيل الأنعام وكان ينعم بالجواري والعبيد والسكر والغلال والثمر والسمن والعسل وإذا ج / 1 ص -385- ورد عليه إنسان ورآه مرة وغاب عنه سنين ثم نظره وخاطبه عرفه وتذكره ولا ينساه. وحاله فيما ذكر من الضيفان والوافدين والمسترفدين أمر مستمر على الدوام لا ينقطع أبدا. وكان الفراشون والخدم يهيئون أمر الفطور من طلوع الفجر فلا يفرغون من ذلك إلا ضحوة النهار ثم يشرعون في أمر الغداء من الضحوة الكبرى إلى قريب العصر ثم يبتدئون في أمر العشاء وهكذا. وعنده من الجواري والسراري والمماليك والعبيد شيء كثير ويطلب في كل سنة دفتر الارقاء ويسأل عن مقدار من مات منهم فإن وجده خمسمائة أو أربعمائة استبش وانشرح وإن وجده ثلثمائة أو أقل أو نحو ذلك اغتم وانقبض خاطره ورأى أن ربما كانت في اعظم من ذلك وكان له برسم زراعة قصب السكر وشركة فقط اثنا عشر ألف ثور وهذا بخلاف المعد للحرث ودراس الغلال والسواقي والطواحين والجواميس والابقار الحلابة وغير ذلك. واما شون الغلال وحواصل السكر والتمر بأنواعه والعجوة فشيء لا يعد ولا يحد وكان الإنسان الغريب إذا رأى شون الغلال من البعد ظنها مزارع مرتفعة لطول مكث الغلال وكثرتها فينزل عليها ماء المطر ويختلط بالتراب فتنبت وتصير خضرا كأنها مزروعة وكان عنده من الأجناد والقواسة وأكثرهم من بقايا القاسمية انضموا إليه وانتسبوا له وهم عدة وافرة وتزوجوا وتوالدوا وتخلقوا باخلاق تلك البلاد ولغاتهم وله دواوين وعدة كتبة من الأقباط والمستوفيين والمحاسبين لا يبطل شغلهم ولا حسابهم ولا كتابتهم ليلا ونهارا ويجلس معهم حصة من الليل إلى الثلث الأخير بمجلسه الداخل بحاسب ويملي ويأمر بكتابة مراسيم ومكاتبات. لا يعزب عن فكره شيء قل ولاجل ثم يدخل إلى الحريم فينام حصة لطيفة ثم يقوم إلى الصلاة. وإذا جلس مجلسا عاما وضع بجانبه فنجانا فيه قطنة وماء ورد فإذا قرب ج / 1 ص -386- منه بعض الاجلاف وتحادثوا معه وانصرفوا مسح بتلك القطنة عينيه وشمها بانفه حذرا من رائحتهم وصنانهم. وكان له صلات واغداقات وغلال يرسلها للعلماء وأرباب المظاهر بمصر في كل سنة. وكان ظلا ظليلا بارض مصر ولما ارتحل لزيارته شيخنا السيد محمد مرتضى وعرف فضله أكرمه أكراما كثيرا وانعم عليه بغلال وسكر وجوار وعبيد وكذلك كان فعله مع أمثاله من أهل العلم والمزايا. ولم يزل هذا شأنه حتى ظهر أمر علي بك وحصل ما تقدم شرحه من وقائعه من خشداشينه وذهابه إلى الصعيد وصلحه مع صالح بك وانضمامه إليه وكان المترجم صديقا لصالح بك وعشيرته فامدهما بالمال والرجال مراعاة لسعي صالح بك حتى تم لهما الأمر وغدر علي بك بصالح بك وخرجت رجاله واتباعه إلى الصعيد واعلموه بما اوقعه بهم علي بك فاغتم على فقد صالح بك غما شديدا. وحمله ذلك على أن أشار عليهم بذهابهم إلى اسيوط وتملكهم اياها فإنها باب الصعيد فذهبوا إليها مع جملة المنفيين من مصر والمطرودين كما تقدم وامدهم شيخ العرب المترجم حتى ملكوها واخرجوا من كان بها واستوحش منه علي بك بسبب ذلك وتابع ارسال التجاريد وقدر الله بخذلان القبالي ورجوعهم إلى قبلي على تلك الصورة فعند ذلك علم همام أنه لم يبق مطلوبا لهم سواه وخصوصا مع ما وقع من فشل كبار الهوارة وأقاربه ونفاقهم عليه فلم يسعه إلا الارتحال من فرشوط وتركها بما فيها من الخيرات وذهب إلى جهة اسنا فمات في ثامن شعبان من السنة ودفن في بلدة تسمى قمولة فقضى عليه بها رحمه الله. وخلف من الأولاد الذكور ثلاثة وهم درويش وشاهين وعبد الكريم. ولما مات انكسرت نفوس الأمراء ثم أن أكابر الهوارة قدموا ابنه درويشا لكونه أكبر اخوته وأشاروا عليه بمقابلة محمد بك ففعل. وأما الأمراء فنهم من أخذ أمانا من محمد بك وقابله وانضم إليه ومنهم من ذهب إلى ناحية ج / 1 ص -387- درنه ونزل البحر وسافر إلى الشام والروم ومنهم من انزوى إلى الهوارة بالصعيد. وحضر درويش صحبة محمد بك إلى مصر وقابل علي بك واعطاه بلاد فرشوط ورجع مكرما إلى بلاده. فلم يحسن السير ولم يفلح وأول ما بدأ في احكامه أنه صار يقبض على خدم أبيه واتباعه ويعاقبهم ويسلب أموالهم وقبض على رجل يسمى زعيتر وكيل البصل المرتب لمطابخ أبيه فأخذ منه أموالا عظيمة في عدة أيام على مرار أخذ منه في دفعة من الدفعات من جنس الذهب البندقي أربعين الفا وكذلك من يصنع البرد للجواري السود والعبيد وذلك خلاف وكلاء الغلال والاقصاب والسكر والسمن والعسل والتمر والشمع والزيت والبن والشركاء في المزارع. ووصلت اخباره بذلك إلى علي بك فعين عليه أحمد كتخدا وسافر إليه بعدة من الأجناد والمماليك وطالبه بالاموال حتى قبض منه مقادير عظيمة ورجع بها إلى مخدومه واقتدى به بعد ذلك محمد بك في أيام إمارته وأخذ منه جملة وكذلك اتباعه من بعده حتى اخرجوا ما في دورهم من المتاع والأواني والنحاس قناطير مقنطرة ثم تتبعوا الحفر لأجل استخراج الخبايا حتى هدموا الدور والمجالس ونبشوها واخربوها وحضر درويش المذكور بآخرة إلى مصر جاليا عن وطنه ولم يزل بها حتى مات كآحاد الناس. واستمر شاهين وعبد الكريم يزرعان بارض الوقف اسوة المزارعين ويتعيشون حتى ماتا. فاما شاهين فقتله مراد بك في سنة 1214 أيام الفرنسيس لأمور نقمها عليه وخلف ولدا يدعى محمدا. واما عبد الكريم فإنه مات على فراشه قريبا من ذلك التاريخ وترك ولدا يدعى هماما دون البلوغ يوصف بالنجابة حسبما نقل الينا من السفار. وكاتبني وكاتبته في بعض المقتضيات ورأيت ابن عمه محمد المكذور حين أتى إلى مصر بعد ذهاب الفرنسيس وتردد عندي مرارا وسبحان من يرث الأرض ومن عليها وهو خير الوارثين. ج / 1 ص -388- ومات الجناب الكبير والمقدام الشهير من سرت بذكره الركبان وطار صيته بكل مكان الفارس الضرغام النجيب شيخ العرب سويلم بن حبيب من أكابر عظماء مشايخ العرب بالقليوبية ومسكنهم دجوة على شاطيء البحر وهو كبير نصف سعد مثل أبيه حبيب بن أحمد وليس لهم أصل مذكور في قبائل العرب وإنما اشتهروا بالفروسية والشجاعة. وحبيب هذا أصله من شطب قرية قريبة من اسيوط ولما مات حبيب خلف ولديه سالما وسويلما وكان سالم أكبر من أخيه وهو الذي تولى الرياسة بعد أبيه واشتهر بالفروسية وعظم امره وطار صيته وكثرت جنوده وفرسانه ورحاله وخيوله واطاعته جميع المقادم وكبار القبائل ونفذت كلمته فيهم وعظمت صولته عليهم وامتثلوا أمره ونهيه ولا يفعلون شيئا بدون اشارته ومشورته. صار له خفارة البرين الشرقي والغربي من ابتداء بولاق إلى رشيد ودمياط. وكان هو وفرسه مقوما على انفراده بالف خيال. وكان ظهور حبيب هذا في أوائل القرن. واتفق له ولابنه سالم هذا وقائع وأمور مع إسمعيل بك ابن ايواظ وغيره لا بأس يذكر بعضها في ترجمته منها أن في سنة 1125 أرسل حبيب ولده سالما إلى خيول الأمير إسمعيل بك ابن ايواظ وهجم عليها بالمربع وجم معارفها واذنابها وتركها وذهب ولم ياخذ منها شيئا. وذلك باغراء بعض الناس مثل قيطاس بك وخلافه. وكانت الخيول بالغيط جهة القليوبية. وحضر اميرا خور واخبر مخدومه فاغتاظ لذلك وعزم على الركوب عليه فلاطفه يوسف بك الجزار حتى سكن غيظه ثم أحضر حسنا أبا دفية زعيم مصر سابقا من القاسمية مشهور بالشجاعة وجعلوه قائمقام الأمانة فسافر بجبخانة ومدفعين وصحبته طوائف ورجال وأمره بان يطلب شر حبيب وإن قدر على قتله فليفعل. وكتب مكاتبات للنواحي بان يكونوا مطيعين للمذكور فلم يزل حتى نزل في غيط برسيم عند ساقية خراب وعمل هناك متراسا ج / 1 ص -389- ووضع المدفعين وغطاهما بلباد وأقام رصد خيالة بالطريق وإذا بسالم بن حبيب ركب في عبيده ورجاله متوجهين إلى الجزيرة فنزل بطريقه بغيط الأوسية فحضر الخيالة الرصد إلى الأمير حسن أبي دفية واخبروه فركب برجاله وابقى عند المدافع عشرة من السجمانية وأوصاهم بانهم إذا انهزموا من القوم فإنهم يرمون بالمدفعين سواء ففعلوا ذلك بعدما لاقاهم ورمى منهم رجالا ووقع منهم أيضا عند رمي المدافع والرصاص ثلاثة عشر خيالا وأخذوا منهم نحو ستة قلائع. ورجع سالم بن حبيب بمن بقي من طائفته إلى أبيه وعرفه بما وقع له مع الأمير حسن أبي دفية فأرسل إلى عرب الجزيرة فاحضر منهم فرسانا كثيرة وكذلك من اقليم المنوفية وركب الجميع قاصدين مناوشته. ووصلته أخبار ذلك فركب بمن معه وفعل كالأول وركب مبحرا وانعطف عليهم وحاربهم فرمى منهم فرسانا فانهزموا إمامه. فوقف مكانه فرجعت عليه العرب والعبيد فانهزم إمامهم فرمحوا خلفه طمعا منهم حتى وصل المدافع فرموا بهم واتبعوهم بطلق الرصاص فولوا هاربين وسقط من عرب الجزيرة وغيرها عدة فرسان. وأخذوا منهم خيولا وسلاحا وحضرت نساؤهم ورفعوا القتلى ورجع سالم إلى أبيه وعرفه بما جرى عليهم من حرقهم وقتل فرسانهم فأرسل حبيب إلى قيطاس بك يقول له: انك اغريتنا بابن ايواظ وتولد من ذلك أنه وجه علينا قائمقامه حرقنا بالنار وقتل منا اجاويد. فأرسل إليه مكاتبة خطابا للقصاصين بمعاونته ومساعدته فحضر إليه منهم عدة فرسان ضاربي نار وجمع إليه عربان الجزيرة وخيالة كثيرة من المنوفية وركب حبيب وأولاده وجموعه إلى جسر الناحية ونزل هناك وأرسل أولاده بخيول يطلبون شر أبي دفية. وإذا ركب عليهم انهزموا إمامه حتى يصلوا إلى محل رباطهم بالجسر ففعلوا ذلك إلى أن وصلوا إلى الجسر فضربت القصاصة بنادقهم طلقا واحدا فرموا نحو ثلاثين جنديا من الكبار والذي ما أصيب في بدنه ج / 1 ص -390- اصيب حصانه وردت عليهم الخيول وانهزم الأمير حسن أبو دفية بمن بقي معه إلى دار الأوسية فأخذت العرب الخيول الشاردة وعروا الغز ورموهم في مقطع من الجسر وأرسل العبيد اتوابا لجراريف وجرفوا عليهم التراب من غير غسل ولا تكفين. ورجع إلى بلده وخلص ثأره وزيادة وحضرت الأجناد إلى مصر واخبروا الصنجق بما وقع لهم مع حبيب وأولاده فعزل الأمير حسن أبا دفية من قائمقاميته وولى خلافه وأخذ فرمانا بضرب حبيب وأولاده وركب عليهم من البر والبحر ووصلت النذيرة إلى حبيب فرمى مدافع أبي دفية البحر ووضع النحاس في أشناف والقاها أيضا في البحر. وقيل: إن حبيب قبل هذه الواقعة بأيام أحضر ستة قناديل وعمرها بعدما عاير فتائلها وزنها بالميزان عيارا واحدا وكتب على كل قنديل ورقة باسمه واسم أخيه وأولاده واسم ابن ايواظ واسرجها دفعة واحدة فانطفأ الذي باسمه أولا ثم انطفأ قنديل ابن ايواظ ثم قناديل أخيه وأولاده شيئا بعد شيء. فقال: أنا أموت في دولة ابن ايواظ. ولما وصل إليه الخبر بحركة ابن ايواظ وركوبه عليه فركب باخيه وأولاده وخرجوا هاربين ووصل ابن ايواظ إلى دجوة ورمحوا على دواويرهم ورموا الرصاص وكانت المراكب وصلت إلى البر الغربي تجاه دجوة ورسوا هناك وموعدهم سماع البنادق. فعند ذلك عدوا إلى البر الشرقي وطلعوا إليه. فامر ابن ايواظ بهدم دواوير الحبايبة فهدموها بالقزم والفؤوس وانشأ كفرا بعيدا عن البحر بساقيه وحوض دواب وجامع وميضاة وطاحونين وجمع أهل البلد فعمروا مساكنهم في الكفر وسموه كفر الغلبة. ورجع الأمير إسمعيل بك إلى مصر وأخذ الغز والاجناد ابقارا وعجولا واغناما وجواميس وامتعة وفرشا واخشابا شيئا كثيرا ووسقوه في المراكب وحضروا به من البر أيضا إلى مصر. وكتب مكاتبات إلى سائر القبائل من العربان بتحذيرهم من قبولهم حبيبا ج / 1 ص -391- واولاده وإن لا ينجمع عليه أحد ولا يأويه فلم يسعهم إلا أنهم ذهبوا عند عرب غزة فاكرموهم ولم يزل بها حتى مات وحضر سالم ابنه بعد ذلك إلى قليوب ببيت الشواربي شيخ الناحية سرا واخذله مكاتبة من إبراهيم بك أبي شنب خطابا إلى ابن وافي المغربي بأن يوطن أولاد حبيب عنده حتى يأخذ لهم اجازة من أستاذهم فأرسل أحضر عمه واخاه سويلما وعدوا إلى الجبل الغربي وساروا عند ابن وافي شيخ المغاربة فرحب بهم وضرب لهم بيوت شعر وأقاموا بها إلى سنة 1130 فمات إبراهيم بك أبو شنب وكان يؤاسي أولاد حبيب ويرسل لهم وصولات بغلال يأخذونها من بلاده القبلية. فلما مات في الفصل ضاقت معيشتهم فحضر سالم بن حبيب من عند ابن وافي خفية وذلك قبل طلوع ابن ايواظ بالحج سنة أحدى وثلاثين ودخل بيت السيد محمد دمرداش وسلم عليه وعرفه بنفسه فرحب به وشكا له حال غربته وبات عنده تلك الليلة واخذه في الصباح إلى ابن ايواظ فدخل عليه وقبل يده ووقف فقال السيد محمد للصنجق: عرفت هذا الذي قبل يدك. قال: لا. قال: هذا الذي جم أذناب خيولك. قال: سالم. قال: لبيك. قال: اتيت بيتي ولم تخف قال له: نعم اتيت بكفني اما أن تنتقم وأما أن تعفو فأننا ضقنا من الغربة وها أنا بين يديك. فقال له: مرحبا بك أحضر أهلك وعيالك وعمر في الكفر واتق الله تعالى وعليكم الامان. وامر له بكسوة وشال وكتب له أمانا وأرسل به عبده. وركب سالم وذهب عند إبراهيم الشواربي بقليوب فاقام عنده حتى وصل العبد بالأمان إلى عمه واخيه في بني سويف فحملوا وركبوا وساروا إلى قليوب ونزلوا بدار اوسية الكفر حتى بنوا لهم دواوير واماكن ومساكن واتتهم العرنبية ومشايخ البلاد ومقادمها للسلام والهدايا والتقادم. فأقام على ذلك حتى تولى محمد بك ابن إسمعيل بك أمير الحاج فأخذ منه اجازة بعمار البلد الذي على البحر ج / 1 ص -392- وشرع في تعمير الدور العظيمة والبساتين والسواقي والمعاصر والجوامع وذلك سنة 1134 واستقام حال سالم واشتهر ذكره وعظم صيته واستولى على خفارة البرين ونفذت كلمته بالبلاد البحرية من بولاق إلى البغازين وصارت المراكب والرؤساء تحت حكمة وضرب عليها الضرائب والعوائد الشهرية والسنوية وانشأ الدواوير الواسعة والبستان الكبير بشاطيء النيل وكان عظيما جدا وعليه عدة سواق وغرس به أصناف النخيل والاشجار المتنوعة فكانت ثماره وفاكهته وعنبه تجتني بطول السنة واحضر لها الخولة من الشام ورشيد وغير ذلك. ولما وقعت الوقائع بين ذي الفقار بك ومحمد بك جركس المتقدم ذكرها وحضر جركس بمن معه من اللموم إلى قرب المنشية وخرجت إليه عساكر مصر وأرسلوا إلى سالم بن حبيب فجمع العربان وحضر بفرسانه وعبيده إلى ناحية الشيمي وحارب مع الأجناد المصرية حتى قتل سليمان بك في المعركة وولى جركس ورجعت التجريدة وتبعه سالم بن حبيب والأسباهية وذهبوا خلفه فعدى الشرق فعدوا خلفه وطلعت تجريدة اخرى من مصر فتلاقوا معهم وتحاربوا مع محمد بك جركس فكانت بينهم وقعة عظيمة فكانت الهزيمة على جركس وحصل ما حصل من وقوع جركس في الروبة وموته ودفنوه بناحية شرونه كما تقدم ورجع سالم بن حبيب بما غنمه في تلك الوقائع إلى بلده واشتهر امره واشترى السراري البيض ولم يزل حتى توفي سنة 1151 وخلف ولدا يسمى عليا اشتهر أيضا بالفروسية والنجابة والشجاعة ولما مات سالم ترأس عوضه أخوه سويلم في مشيخة نصف سعد فسار بشهامة واشتهر ذكره وعظم صيته في الاقليم المصري زيادة عن أخيه سالم ووسع الدواوير والمجالس ولما سافر الأمير عثمان بك الفقاري بالحج ورجع سنة أحدى وخمسين المذكورة فأرسل ج / 1 ص -393- هدية إلى سويلم المذكور وأرسل له الآخر التقادم ثم أن الأمير عثمان بك تغير خاطره على سويلم لسبب من الأسباب فركب عليه على حين غفلة ليلا وتع إلى به الدليل ونزل على دجوة طلوع الشمس وكان الجاسوس سبق إليهم وعرفهم بركوب الصنجق عليهم فخرجوا من الدور ووقفوا على ظهور خيولهم بالغيط بعيدا عن البلد فلما حضر الصنجق ورمح على دورهم ورمى الطوائف بالرصاص فلم يجدوا أحدا. فلم يتعرض لنهب شيء ومنع الغز والطوائف عن أخذ شيء وبلغ خبر ركوب الصنجق عمر بك رضوان وإبراهيم بك فركبا خلفه حتى وصلا إليه وسلما عليه فعرفهما أنه لم يجدهم بالبلد فركب عمر بك وأخذ صحبته مملوكين فقط وسار نحو الغيط فرآهم واقفين على ظهور الخيل فلما عاينوه وعرفوه نزلوا عن الخيل وسلموا عليه فقال لهم: لأي شيء تهربون من أستاذكم وعرفهم أنه أتى بقصد النزهة وأحضر صحبته علي بن سالم فقابل به الأمير وقبل يده ورجع إلى دواره وأحضر أشياء كثيرة من أنواع المآكل حتى أكتفى الجميع. وعزموا عليهم تلك الليلة فبات الصنجق وباقي الأمراء وذبح لهم أغناما كثيرة وعجلين جاموس وتعشى الجميع واخرجوا لهم في الصباح شيئا كثيرا من أنواع الفطورات ثم قدم لهم خيولا صافنات وركبوا ورجعوا إلى منازلهم ولما هرب إبراهيم بك قطامش في أيام محمد راغب باشا وكان سويلم مركونا عليه فجمع سويلم عرب بلي وضرب ناحية شبرا المعدية فوصل الخبر إلى إبراهيم جاويش القازدغلي فأخذ فرمانا بضرب ناحية دجوة والخروج من حق أولاد حبيب فعين عليم ثلاثة صناجق وهم عثمان بك أبو يوسف وأحمد بك كشك وآخر ووصلتهم النذيرة بذلك فوزعوا دبشهم وحريمهم في البلاد وركبوا خيولهم ونزلوا في الغيط ونزلت لهم التجريدة ومعهم الجبخانة والمحاربون وهجموا على البلد فوجدوها خالية. ولما رأى الحبايبة كثرة التجريدة فوسعوا وذهبوا إلى ناحية ج / 1 ص -394- الجبل الشرقي وأرسل إبراهيم جاويش إلى عثمان بك أبي سيف أمير التجريدة بانه ينادي في البلاد عليهم ولم يدع أحدا منهم ينزل الريف فركب عثمان بك وطاف بالبلاد يتجسس عليهم وظفر لهم بقومانية وذخيرة ذاهبة إليهم من الريف على الجمال فحجزها واخذها وذلك مرتين ورجع عثمان بك ومن معه إلى مصر وصحبتهم ما وجدوه للحبايبة في البلاد من مواش وسكر وعسل واخشاب وهدموا جانبا من بيوتهم وكان علي بن سالم لم يذهب مع سويلم إلى الجيل بل أخذ عياله وذهب عند أولاد فودة فلما سمع بالتقريظ على أصحاب الدرك فأتى إلى مصر ودخل إلى بيت إبراهيم جاويش وعرفه بنفسه وطلب منه الأمان فعفا عنه بشرط أن لا يقرب دجوة ويسكن في أي بلد شاء يزرع مثل الناس ثم أن سويلما ومن معه أرسلوا إلى حسين بك الخشاب بان يأخذ لهم امانا من إبراهيم جاويش ففعل وقبل شفاعة حسين بك بشرط ابطال حماية المراكب واذية بلاد الناس ويكفيهم الخفارة التي أخذوها بالقوة واستخلص لهم المواشي التي كان جمعها عثمان بك أبو سيف واستقر سويلم كما كان بدجوة وبنى له دورا عظيما ومقاعد مرتفعة شاهقة في العلو يحمل سقوفها عدة اعمدة وعليها بوائك مقوصرة ترى من مسافة بعيدة في البر والبحر وبها عدة مجالس ومخادع ولواوين وفسحات علوية وسفلية وجميعه مفروش بالبلاط الكدان وبنى بداخل ذلك الدوار مسجدا ومصلى وبداخل حوش الدوار مساطب ومنايف لاجناس الناس الآفاقية وغيرهم وبنى تحت ذلك الدوار بشاطيء النيل رصيفا متينا ومساطب يجلس عليها في بعض الأوقات وانشأ عدة مراكب تسمى الخرجات ولها شرفات وقلوع عظيمة وعليها رجال غلاظ شداد فإذا مرت بهم سفينة صاعدة أو حادرة صرخ عليها أولئك الرجال قائلين البرفان امتثلوا وحضروا وأخذوا منهم ما أحبوه من حمل السفينة وبضائع التجار وأن ج / 1 ص -395- تلكأوا في الحضور قاطعوا عليهم بالخرجات في أسرع وقت وأحضروهم صاغرين وأخذوا منهم أضعاف ما كان يؤخذ منهم لو حضروا طائعين من أول الأمر وكان له قواعد واغراض وركائز واناس من الأمراء وأعوانهم بمصر يراسلهم ويهاديهم فيذبون عنه ولا يسمعون فيه شكوى وله عدة من العبيد السود التجارية الفرسان ملازمين له مع كل واحد حرمدان مقلدية ملآن بالدنانير الذهب وكان لا يبيت في داره ويأتي في الغالب بعد الثلث الاخير فيدخل إلى حريمه جصة ثم يخرج بعد الفجر فيعمل ديوانا ويحضر بين يديه عدة من الكتبة ويتقدم إليه أرباب الحاجات ما بين مشايخ بلاد واجناد وملتزمين وعرب وفلاحين وغير ذلك والجميع وقوف بين يديه والكتاب يكتبون الأوراق والمراسلات إلى النواحي وغالب بلاد القليوبية والشرقية تحت حمايته وحماية أقاربه وأولاده ولهم فيها الشركاء والزروع والدواوير الواسعة المعروفة بهم والمميزة عن غيرها بالعظم والضخامة ولا يقدر ملتزم ولا قائمقام على تنفيذ أمر مع فلاحيه إلا باشارته أو باشارة من البلد في حمايته من أقاربه وكذلك مشايخ البلاد مع أستاذيهم وكان لهم طرائق وأوضاع في الملابس والمطاعم فيقول الناس: سرج حبايبي وشال حبايبي ومركوب حبايبي إلى غير ذلك وكان مع شدة مراسه وقوة بأسه يكرم الضيفان ويحب العلماء وأرباب الفضائل ويأنس بهم ويتكلم معهم في المسائل ويؤاسيهم ويهاديهم وخصوصا أرباب المظاهر وكان إنسانا حسنا وجيها محتشما مقتصرا على حاله وشأنه ملازما على قراءة الأوراد والمذاكرة ويحب أهل الفضل والصلاح ويتبرك بهم وبدعائهم وترددنا عليه وتردد الينا بمصر كثيرا وبلونا منه خيرا وحسن عشرة وكان معه أخوه شيخ العرب محمد علي مثل حاله ويزيد عنه الانجماع عن الناس لغير ما يعنيه ويعانيه في خاصة نفسه وكان ابوهما على نزل بقليوب بدار فيحاء وكان حسن الخلق والخلق وله حشم واتباع ج / 1 ص -396- كثيرة وله هيبة عندهم وكان طيب السيرة فصيحا مفوها في حفظه أشعار ونوادر ولديه معرفة وكان يفهم المعنى ويحقق الالفاظ ويطالع الكتب ومقامات الحريري ونحو ذلك. ومات الأمير المبجل علي كتخدا مستحفظان الخربطلي وهو من مماليك أحمد كتخدا الخربطلي الذي جدد جامع الفاكهاني الذي بخط العقادين وصرف عليه من ماله مائة كيس وذلك في سنة 1148 وأصله من بناء الفائز بالله الفاطمي وكان اتمامه في حادي عشر شوال من السنة المذكورة وكان المباشر على عمارته عثمان جلبي شيخ طائفة العقادين الرومي وفي تلك السنة ألبس مملوكه المترجم على أودة باشه الضلمة وجعله ناظرا ووصيا ومات سيده في واقعة محمد بك الدفتردار في جملة الأحد عشر اميرا المتقدم بيانهم وعمل جاويش في الباب ثم عمل كتخدا واشتهر ذكره بعد انقضاء دولة عثمان بك الغفاري واستقلال إبراهيم كتخدا ورضوان كتخدا الجلفي بامارة مصر وزوج ابنته لعلي بك الغزاوي وعمل لها فرحا عظيما ببركة الرطلي عدة أيام كانت من مقترحات مصر وبعد انقضاء أيام الفرح زفت العروس في زفة عظيمة اجتمع العالم من الرجال والنساء والصبيان للفرجة عليها ودخل بها علي بك المذكور وولد له منها حسن جلبي المشهور وانشأ علي كتخدا المترجم داره العظيمة برأس عطفة خشقدم جهة الباطنية وداره المطلة على بركة الرطلي والقصر على الخليج الناصري والقباب المعروفة به وغير ذلك ونفاه علي بك إلى جهة قبلي كما تقدم فلما ذهب علي بك إلى قبلي صالحه وانضوى إليه وكان هو السفير بينه وبين صالح بك في الصلح وبذل جهده في ذلك هو وخليل بك الأسيوطي حتى أتموه على الوجه المتقدم وحضر صحبته علي بك إلى مصر وسكن بداره وأقبلت عليه الناس وقصدوه في الدعاوى والشكاوى وامن جانب علي بك واعتقد صداقته ج / 1 ص -397- وظن أنه قلده منته فلم يلبث إلا أياما وأخرجه منفيا إلى رشيد ثم أرسل من خنقه هناك وكان اميرا جليلا وجيها جميل الصورة واسع العينين أبيض اللحية ضخما مهاب الشكل بهي الطلعة ودفن هناك. ومات الأمير محمد بك أبو شنب وهو من مماليك علي بك وقتل في معركة اسيوط كما تقدم ودفن هناك وكان من الشجعان المعروفين. تاريخ عجائب الآثار في التراجم والأخبار سنة أربع وثمانين ومائة وألف. فيها ورد على علي بك الشريف عبد الله من أشراف مكة وكان من أمره أنه وقع بينه وبين ابن عمه الشريف أحمد أخي الشريف مساعد منازعة في إمارة مكة بعد وفاة الشريف مساعد فتغلب عليه الشريف أحمد واستقل بالامارة وخرج الشريف عبد الله هاربا وذهب إلى ملك الروم واستنجد به فكتب له مكاتبات لعلي بك بالمعونة والوصية والقيام معه وحضر إلى مصر بتلك المكاتبات في السنة الماضية وكان علي بك مشتغلا بتمهيد القطر المصري ووافق ذلك غرضه الباطني وهو طمعه في الأستيلاء على الممالك فانزله في مكان وأكرمه ورتب له كفايته وأقام بمصر حتى تمم اغراضه بالقطر وخلص له قبلي وبحري وقتل من قتله وأخرج من أخرجه فالتفت عند ذلك إلى مقاصده البعيده وأمر بتجهيز الذخائر والاقامات وعمل البقسماط الكثير حتى ملأوا منه المخازن ببولاق ومصر القديمة والقصور البرانية وبيوت الأمراء المنافي الخالية ثم عبوا ذلك وأرسل مع باقي الاحتياجات واللوازم من الدقيق والسمن والزيت والعسل والسكر والاجبان في البر والبحر واستكتب أصناف العساكر اتراكا ومغاربة وشواما ومتاولة ودروزا وحضارمة ويمانية وسودانا وحبوشا ودلاة وغير ذلك وأرسل منهم طوائف في المقدمات. ج / 1 ص -398- والمشاة أنزلوهم من القلزم وصحبتهم الجبخانات والمدافع وآلات الحرب وخرجت التجريدة في شهر صفر بعد دخول الحجاج في تجمل زائد ومهيأ عظيم وساري عسكرها محمد بك أبو الذهب وصحبته حسن بك ومصطفى بك وخلافهم. وفي ثاني عشرين ربيع الأول وردت الأخبار من الاقطار الحجازية بوقوع حرابة عظيمة بين المصريين وعرب الينبع وخلافهم من قبائل العربان والاشراف ووقعت الهزيمة على المذكورين وقتل وزير الينبع المتولي من طرف شريف مكة وقتل معه خلائق كثيرة. وفي تاسع شهر ربيع الاخر وصل نجاب إلى مصر من الديار الحجازية وأخبر بدخول محمد بك ومن معه إلى مكة وانهزام الشريف أحمد وخروجه هاربا ونهب المصريين دار الشريف ومن يلوذ به وأخذوا منها أشياء كثيرة من امتعة وجواهر وأموال لها قدر وجلس الشريف عبد الله في إمارة مكة ونزل حسن بك إلى بندر جدة وتولى إمارتها عوضا عن الباشا الذي تولاها من طرف ملك الروم ولذلك عرف بالجداوي وأقام محمد بك أياما بمكة ثم عزل على المسير والرجوع إلى مصر ووصلت الأخبار والبشائر بذلك وأرسلت إليه الملاقاة بالعقبة وخلافها فلما ورد الخبر بوصوله إلى العقبة وخرجت الأمراء إلى بركة الحاج والدار الحمراء لانتظار قدومه فوصل في أوائل شهر رجب ودخل إلى مصر في ثامنه في موكب عظيم وأتت إليه العلماء والأعيان للسلام وقصدته الشعراء بالقصائد والتهاني. وفي منصف رجب المذكور عزل علي بك عبد الرحمن اغا مستحفظان وقلد عوضه سليم اغا الوالي وقلد عوض الوالي موسى أغا من اتباعه وأمر عبد الرحمن اغا بالسفر إلى ناحية غزة وهي أول حركاته إلى جهة ج / 1 ص -399- الشام وأمره بقتل سليط شيخ عربان غزة فلم يتحيل عليه حتى قتله هو واخوته وأولاده وكان سليط هذا من العصاة العتاة له سير وأخبار. وفيه زاد اهتمام علي بك بالتحرك على جهة الشام واستكثر من جمع طوائف العساكر وعمل البقسماط والبارود والذخائر والمؤن وآلات الحرب وأمر بسفر تجريدة وأميرها إسمعيل بك وصحبته علي بك الطنطاوي وعلي بك الحبشي فبرزوا إلى جهة العادلية وخرجوا بما معهم من طوائف العسكر والمماليك والاحمال والخيام والجبخانات والعربات والضوبة وقرب الماء الكثيرة على الجمال والكرارات والمطابخ والطبول والرمور والنقاقير وغير ذلك فلما تكامل خروجهم أقاموا بالادلية أياما حتى قضوا لوازمهم وارتحلوا وسافروا إلى جهة الشام. وفي حادي عشرينة برزت تجريدة اخرى وعليها سليمان بك وعمر كاشف وحملة كثيرة من العساكر فنزلوا من طريق البحر على دمياط. وفي عاشر شهر القعدة وردت اخبار من جهة الشام واشيع وقوع حرابات بينهم وبين حكام الشام وأولاد العظم. وفي منصفه خرجت تجريدة اخرى وسافرت على طريق البر على النسق. وفي سابع عشره طلب علي بك حسن اغا تابع الوكيل والروزنامجي وباش قلفة وإسمعيل اغا الزعيم وآخرون وصادروهم في نحو أربعمائة كيس بعد ما عوفهم أياما. وفي أواخره عمل علي بك دراهم على القرى وقرر على كل بلد مائة ريال وثلاثمائة ريال حق طريق فضجت الناس من ذلك وطلب من النصارى القبط مائة ألف ريال ومن اليهود أربعين الفا وقبضت جميعها في أسرع وقت. ج / 1 ص -400- من مات في هذه السنة. مات الشيخ العمدة الفاضل الكامل الأديب الماهر الناظم الناثر الشيخ عبد الله بن عبد الله بن سلامة الأدكاوي المصري الشافعي الشهير بالمؤذن ولد بادكو وهي قرية قرب رشيد سنة 1104 كما اخبر من لفظه وبها حفظ القران وورد إلى مصر فحضر دروس علماء عصره وادرك الطبقة الأولى واشتهر بفن الأدب وانضوى إلى فخر الأدباء في عصره السيد على افندي برهان زاده نقيب الساده الأشراف فأنزله عنده في أكرام واحتفل به وكفاه المؤنة من كل وجه وصار يعاطيه كؤوس الآداب ويصافيه بمطارحة أشهى من ارتشاف الرضاب وحج بصحبته بيت الله الحرام وزار قبر نبيه عليه الصلاة والسلام وذلك سنة 1147 وعاد إلى مصر واقبل على تحصيل الفنون الأدبية فنظم ونثر ومهر وبهر ورحل إلى رشيد وفوة والاسكندرية مرارا واجتمع على اعيان كل منها وطارحهم ومدحهم وفي سنة تسع وثمانين من نظمه بيتين بخطه في جدار جامع بن نصر الله بقوة تاريخ كتابتهما سنة خمس وأربعين وبعد وفاة السيد النقيب تزوج وصار صاحب عيال وتنقلت به الأحوال وصار يتأسف على ما سلف من عيشه الماضي في ظل ذلك السيد قدس سره فلجأ إلى أستاذ عصره الشيخ الشبراوي ولازمه واعتنى به وصار لا ينفك عنه ومدحه بغرر قصائده وكان يعترف بفضله ويحترمه ولما توفي انتقل إلى شيخ وقته الشمس الحفني فلازمه سفرا وحضرا ومدحه بغرر قصائده فحصلت له العناية والاعانة وواساه بما به حصلت الكفاية والصيانة وله تصانيف كلها غرر ونظم نظامه عقود الدرر فمنها الدرة الفريدة والمنح الربانية في تفسير آيات الحكم العرفانية والقصيدة للزدية في مدح خير البرية ألفها لعلي باشا الجكيم ومختصر شرح بانت سعاد للسيوطي والفوائح الجنانية في المدائح الرضوانية جمع فيها أشعار ج / 1 ص -401- المادحين للمذكور ثم أورد خاتمتها ماله من الامداح فيه نظما ونثرا وهداية المتهومين في كذب المنجمين والنزهة الزهية بتضمين الرحبية نقلها من الفرائض إلى الغزل وعقود الدرر في أوزان الأبحر الستة عشر التزم في كل بيت منها الاقتباسات الشريفة والدر الثمين في محاسن التضمين وبضاعة الاريب في شعر الغريب وذيلها بذيل يحكي دمية القصر وله المقامة التصحيفية والمقامة القمذية في المجون وله تخميس بانت سعاد صدرها بخطبة بديعة وجعلها تأليفا مستقلا وديوانه المشهور على حروف التهجي وغير ذلك وقد كتب بخطه الفائق كثيرا من الكتب الكبار ودواوين الأشعار وكل عدة أشياء من غرائب الأسفار رأيت من ذلك كثيرا وقاعدة خطه بين أهل مصر مشهورة لا تخفى ورأيت مما كتب كثيرا فمن الدواوين ديوان حسان رضي الله عنه رأيته بخطه وقد أبدع في تنميقه وكتب على حواشيه شرح الالفاظ الغريبة ونزهة الالباب الجامع لفنون الآداب وله مطارحات لطيفة مع شعراء عصره والواردين على مصر ولم يزل على حاله حتى صار أوحد زمانه وفريد عصره وأوانه ولما توفي الأستاذ الحفني اضمحل حاله ولعب بلباله واعترته الأمراض ونصب روض عزه وغاض وتعلل مدة أيام حتى وافاه الحمام في نهار الخميس خامس جمادى الأولى من السنة واخرج بصباحه وصلى عليه بالأزهر ودفن بالمجاورين فسرب تربة الشيخ الحفني وفي سنة ثلاث وسبعين ومائة وألف لما اختلفت خدام المشهد النفيسي وكبيرهم إذ ذاك الشيخ عبد اللطيف في أمر العنز وذلك أنهم أظهروا عنزا صغيرة مدرة زعموا أن جماعة من الأسرى ببلاد الافرنج توسلوا بالسيدة نفيسة واحضروا تلك العنز وعزموا على ذبحها في ليلة يجتمعون فيها يذكرون ويدعون ويتوسلون في خلاصهم ونجاتهم من الأسر فاطلع عليم الكافر فزجوهم وسبهم ومنعهم من ذبح العنز وبات تلك الليلة فرأى رؤيا هالته. ج / 1 ص -402- فلما أصبح اعتقهم واطلقهم واعطاهم دراهم وصرفهم مكرمين ونزلوا في مركب وحضروا إلى مصر وصحبتهم تلك العنز وذهبوا إلى المشهد النفيسي بتلك العنز وذكروا في تلك العنز غير ذلك من اختلاقهم وخورهم كقولهم أنهم يوم كذا أصبحوا فوجدوها عند المقام أو فوق المنارة وسمعوها تتكلم أو أن السيدة تكلمت وأوصت عليها وسمع الشيخ المذكور كلامها من داخل القبر وابرزها للناس واجلسها بجانبه ويقول للناس ما يقوله من الكذب والخرافات التي يستجلب بها الدنيا وتسامع الناس بذلك فأقبل الرجال والنساء من كل فج لزيارة تلك العنزة وأتوا إليها بالندور والهدايا وعرفهم انها لا تأكل إلا قلب اللوز والفستق وتشرب ماء الورد والسكر المكرر ونحو ذلك فأتوه باصناف ذلك بالقناطير وعمل النساء للعنز القلائد الذهب والاطواق والحلي ونحو ذلك وافتتنوا بها وشاع خبرها في بيوت الأمراء وأكابر النساء وأرسلن على قدر مقامهن من النذور والهدايا وذهبن لزيارتها ومشاهدتها وازدحمن عليها فأرسل عبد الرحمن كتخدا إلى الشيخ عبد اللطيف المذكور والتمس منه حضوره إليه بتلك العنز ليتبرك بها هو وحريمه فركب المذكور بغلته وتلك العنز في حجره ومعه طبول وزمور وبيارق ومشايخ وحوله الجسم الغفير من الناس ودخل بها بيت الأمير المذكور على تلك الصورة وصعد بها إلى مجلسه وعنده الكثير من الأمراء والأعيان فزارها وتملس بها ثم أمر بادخالها إلى الحريم ليتبركن بها وقد كان أوصى الكلارجي قبل حضوره بذبحها وطبخها فلما أخذوها ليذهبوا بها إلى جهة الحريم ادخلوها إلى المطبخ وذبحوها وطبخها قيمة وحضر الغداء وتلك العنز في ضمنه فوضعوها بين ايديهم وأكلوا منها والشيخ عبد اللطيف كذلك صار يأكل منها والكتخدا يقول كل يا شيخ عبد اللطيف من هذا للرميس السيمن فيأكل منها ويقول: والله أنه طيب ومستو ونفيس وهو لا يعلم ج / 1 ص -403- أنه عنزه وهم يتغامزون ويضحكون فلما فرغوا من الأكل وشربوا القهوة وطلب الشيخ العنز فعرفه الأمير انها هي التي كانت بين يديه في الصحن وأكلها فبهت فبكته الأمير ووبخه وأمره بالانصراف وإن يوضع جلد العنز على عمامته ويذهب به كما جاء بجمعيته وبين يديه الطبول والاشاير ووكل به من اوصله محله على تلك الصورة ولم يزل المترجم حتى تلعل بالأمراض والاسقام واضمحل منه الجسم والقوى بالآلام حتى وافاه الحمام في يوم الخميس خامس جمادى الأولى من السنة رحمه الله وابنه العلامة السيد أحمد المعروف بكتيكت مفتي الشافعية بثغر سكندرية والسيد هلال الكتبي توفيا بعده بسنين والشيخ صالح الصحاف موجود مع الاحياء أعانه الله على وقته. ومات الإمام الفصيح البارع الفقيه الشيخ جعفر بن حسن بن عبد الكريم ابن محمد بن رسول الحسيني البرزنجي المدني مفتي الشافعية بها ولد بالمدينة وأخذ عن والده والشيخ محمد حيوة السندي وأجازه السيد مصطفى البكري وكان يقرأ دروس الفقه داخل باب السلام وكان عجيبا في حسن الالقاء والتقرير ومعرفة فروع المذهب تولى الافتاء والخطابة مدة تزيد على عشرين سنة كان قوالا بالحق إمارا بالمعروف واجتمع به الشيخ سليمان بن يحيى شيخ المشايخ وذكره في رحلته وأثنى عليه وله مؤلفات منها البر العاجل باجابة الشيخ محمد غافل والقبض اللطيف باجابة نائب الشرع الشريف وفتح الرحمن على أجوبة السيد رمضان توفي في شهور هذه السنة قيل: مسموما والله اعلم. ومات الولي العارف أحد المجاذيب الصادقين الأستاذ الشيخ أحمد ابن حسن النشرتي الشهير بالعريان كان من أرباب الأحوال والكرامات ولد في أول القرن وكان أول امره الصحو ثم غلب عليه السكر فأدركه المحو وكانت له في بدايته أمور غريبة وكان كل من دخل عليه زائرا ج / 1 ص -404- يضربه بالجريد وكان ملازما للحج في كل سنة ويذهب إلى موالد سيدي أحمد البدوي المعتادة وكان اميا لا يقرأ ولا يكتب وإذا قرأ قارىء بين يديه وغلط يقول له: قف فانك غلطت وكان رجلا جلاليا يلبس الثياب الخشنة وهي جبة صوف وعمامة صوف حمراء يعتم بها على لبدة من صوف ويركب بغلة سريعة العدو وملبسه دائما على هذه الصفة شتاء وصيفا وكان شهير الذكر يعتقده الخاصة والعامة وتأتي الأمراء والأعيان لزيارته والتبرك به ويأخذ منهم دراهم كثيرة ينفقها على الفقراء المجتمعين عليه وانشأ مسجده تجاه الزاهد جوار داره وبنى بجواره صهريجا وعمل لنفسه مدفنا وكذلك لأهله وأقاربه واتباعه واتحد به شيخنا السيد أحمد العروسي واختص به اختصاصا زائدا فكان لا يفارقه سفرا ولا حضرا وزوجه أحدى بناته وهي ام أولاده وبشره بمشيخة الجامع الأزهر والرئاسة فعادت عليه بركته وتحققت بشارته وكان مشهورا بالاستشراف على الخواطر توفي رحمه الله في منتصف ربيع الأول وصلى عليه بالأزهر ودفن بقبره الذي اعده لنفسه في مسجده نفعنا الله به وبعباده الصالحين. ومات الفقيه الصالح الشيخ علي بن أحمد بن عبد اللطيف البشبيشي الشافعي روى عن أبيه عن البابلي توفي في غاية ربيع الثاني من السنة. ومات الشيخ المبجل الصالح المفضل الدرويش الشيخ أحمد المولوي شيخ المولوية بتكية المظفر وكان إنسانا حسنا لا باس به مقبلا على شأنه منجمعا عن خلطة كثير من الناس إلا بحسب الدواعي توفي في سابع عشرين ربيع الآخر من السنة ولم يخلف بعده مثله. ومات المقدام الخير الكريم صاحب الهمة العالية والمروءة التامة شمس الدين حمودة شيخ ناحية برمة بالمنوفية أخذ عن الشيخ الحفني وكان كثير الاعتقاد فيه والاكرام له ولاتباعه وله حب في أهل الخير واعتقاد ج / 1 ص -405- في أهل الصلاح ويكرم الوافدين والضيفان. وكان جميل الصورة طويلا مهيبا حسن الملبس والمركب. توفي يوم الخميس حادي عشر رجب من السنة وخلف أولادا منهم محمد الحفني الذي سماه على اسم الشيخ لمحبته فيه وأحمد وشمس الدين. ومات بقية السلف ونتيجة الخلف الشيخ أحمد سبط الأستاذ الشيخ عبد الوهاب الشعراني وشيخ السجادة كان إنسانا حسنا وقورا مالكا منهج الاحتشام والكمال منجما عن خلطة الناس إلا بقدر الحاجة. توفي يوم السبت ثامن صفر من السنة وخلف ولده سيدي عبد الرحمن مراهقا تولى بعده على السجادة مع مشاركة قريبة الشيخ أحمد الذي تزوج بوالدته. ومات الإمام العلامة الفقيه الصالح الناسك صائم الدهر الشيخ محمد الشوبري الحنفي تفقه على الشيخ الأسقاطي والشيخ سعودي وبعد وفاة المذكورين لازم الشيخ الوالد وتلقى عنه كثيرا وكان إنسانا حسنا وجيها لا يتداخل فيما لا يعنيه مقبلا على شأنه صائم الدهر وملازما لداره بعد حضور درسه وكان بيته بقنطرة الأمير حسين مطلا على الخليج. تاريخ عجائب الآثار في التراجم والأخبار سنة خمس وثمانين ومائة وألف. اخرج علي بك تجريدة عظيمة وسر عسكرها واميرها محمد بك أبو الذهب وأيوب بك ورضوان بك وغيرهم كشاف وأرباب مناصب ومماليكهم وطوائفهم واتباعهم وعساكر كثيرة من المغاربة والترك والهنود واليمانية والمتاولة وخرجوا في تجمل زائد واستعداد عظيم ومهيأ كبير ومعهم الطبول والزمور والذخائر والأحمال والخيام والمطابخ والكرارات والمدافع والجيخانات ومدافع الزنبلك على الجمال وأجناس العالم الوفا مؤلفة وكذلك أنزلوا الاحتياجات والاثقال وشحنوا بها السفن ج / 1 ص -406- وسافرت من طريق دمياط في البحر. فلما وصلوا إلى الديار الشامية فحاصروا يافا وضيقوا عليها حتى ملكوها بعد أيام كثيرة ثم توجهوا إلى باقي المدن والقرى وحاربهم النواب والولاة وهزموهم وقتلوهم وفروا من وجوههم واستولوا على المماليك الشامية إلى حد حلب ووردت البشائر بذلك فنودي بالزينة فزينت مصر وبولاق ومصر العتيقة زينة عظيمة ثلاثة أيام بلي إليها وتفاخروا في ذلك إلى الغاية وعملت وقدات واحمال قناديل وشموع بالاسواق وسائر الجهات وعملوا ولائم ومغاني وآلات وطبولا وشنكا وحراقات وغير ذلك وذلك في شهر ربيع أول من السنة. وتعاظم علي بك في نفسه ولم يكتف فأرسل إلى محمد بك يأمره بتقليد الأمراء والمناصب والولايات على البلاد التي افتتحوها وملكوها وإن يستمر في سيره ويتعدى الحدود ويستولي على المماليك إلى حيث شاء وهو يتابع إليه ارسال الامدادات واللوازم والاحتياجات. ولا يثنون عنانهم عما يامرهم به. فعند ذلك جمع محمد بك أمراءه وخشداشينه الكبار في خلوة وعرض عليهم الأوامر فضاقت نفوسهم وسئموا الحرب والقتال والغربة وذلك ما في نفس محمد بك أيضا. ثم قال لهم: ما تقولون قالوا: وما الذي تقوله والرأي لك فانت كبيرنا ونحن تحت أمرك واشارتك ولا نخالفك فيما تأمر به. فقال: ربما يكون رأيي مخالفا لامر أستاذنا. قالوا: ولو مخالفا لأمره فنحن جميعا لا نخرج عن أمرك واشارتك فقال: لا أقول لكم شيئا حتى نتحالف جميعا ونتعاهد على الرأي الذي يكون بيننا. ففعلوا ذلك وتعاهدوا وحلفوا على السيف والكتاب. ثم أنه قال لهم: إن أستاذكم يريد أن تقطعوا اعماركم في الغربة والحرب والاسفار والبعد عن الأوطان وكلما فرغنا من شيء فتح علينا غيره فرأيي أن نكون على قلب رجل واحد ونرجع إلى مصر ولا نذهب إلى جهة من الجهات وقد فرغنا من خدمتنا وإن كان يريد غير ذلك من المماليك يولي ج / 1 ص -407- أمراء غيرنا ويرسلهم إلى ما يريد ونحن يكفينا هذا القدر ونرتاح في بيوتنا وعند عيالنا. فقالوا جميعا ونحن على رايك. وأصبحوا راحلين وطالبين إلى مصر فحضروا في أواخر شهر رجب على خلاف مراد مخدومهم وبقي الأمر على السكوت. ثم أن علي بك قلد أيوب بك إمارة جرجا وقضى اشغاله وسافر إلى الصعيد بطائفته واتباعه. وانقضى شهر شعبان ورمضان وعلي بك مصمم على رجوع محمد بك إلى جهة الشام وذلك مصمم على خلاف ذلك. وبدت بينهما الوحشة الباطنية. فلما كان ليلة رابع شهر شوال بيت علي بك مع علي بك الطنطاوي وخلافه واتفق معهم على غدر محمد بك فركبوا عليه ليلا واحاطوا بداره ووقفت له العساكر بالأسلحة في الطرق فركب في خاصته وخرج من بينهم وذهب إلى ناحية البساتين وارتحل إلى الصعيد. فحضر إليه بعض الأمراء أصحاب المناصب وعلي كاشف تابع سليمان افندي كاشف شرق أولاد يحيى وقدموا له ما معهم من الخيام والمال والاحتياجات. ولم يزل في سيره حتى وصل إلى جرجا واجتمع عليه أيوب بك خشداشه وأظهر به المصافاة والمؤاخاة وقدم له هدايا وخيولا وخياما فلم يلبث إلا وقد أحضر عيون محمد بك الذين أرصدهم بالطريق رجلا ومعه مكاتبة من علي بك خطابا لايوب بك يأمره ويستحثه على عمل الحيلة وقتل محمد بك باي وجه أمكنه ويعده إمارته وبلاده وغير ذلك. فلما قرأ المراسلة وفهم مضمونها أكرم الرجل وقال له: تذهب إليه بالكتاب وأثنى بجوابه ولك مزيد الأكرام فذهب ذلك الساعي وأوصل الكتاب إلى أيوب بك وطلب منه رد الجواب وأعطاه الجواب وذكر فيه أنه مجتهد في تتميم الغرض ومترقب حصول الفرصة. فحضر به إلى محمد بك. فعند ذلك استعد محمد بك وتحقق خيانته ونفاقه فاتفق مع خاصته وأمرائه بالاستعداد والوثوب وانه إذا حضر إليه أيوب بك أخذ أرباب المناصب نظراءهم وتحفظوا عليهم. فلما حضر في ج / 1 ص -408- صبحها أيوب بك جلس معه في خلوة وأخذ كل من الخازندار والكتخدا والجوخدار والسلحدار نظراءهم من جماعة محمد بك ثم قال محمد بك يخاطب أيوب بك: يا هل ترى نحن مستمرون على الاخوة والمصافاة والصداقة والعهد واليمين الذي تعاقدنا عليه بالشام قال: نعم وزيادة. قال: ومن نكث ذلك وخان اليمين ونقض العهد قال: يقطع لسانه الذي حلف به ويده التي وضعها على المصحف. فعند ذلك قال له: بلغني أنه أتاك كتاب من أستاذنا علي بك. فجمد ذلك فقال: لعل ذلك صحيح وكتبت له الجواب أيضا. قال: لم يكن ذلك ابدا ولو اتاني منه جواب لأطلعتك عليه ولا يصح إني أكتمه عنك أو أرد له جوابا. فعند ذلك أخرج له الجواب من جيبه وأحضر إليه ذلك الرسول فسقط في يده وأخذ ينتنصل ببادر العذر. فعند ذلك قال له: حينئذ لا تصح مرافقتك معي وقم فأذهب إلى سيدك وأمر بالقبض عليه وأنزلوه إلى المركب وأحاط بوطاقه وأسبابه وتفرقت عنه جموعه. فلما صار وحيدا في قبضته أحضر عبد الرحمن أغا وكان إذ ذاك بناحية قبلي وانضم إلى محمد بك فقال له: اذهب إلى أيوب بك واقطع يده ولسانه كما حكم على نفسه بذلك. فأخذ معه المشاعلي وحضر إليه في السفينة وقطعوا يمينه ثم شبكوا في لسانه سنارة وجذبوه ليقطعوه فتخلص منهم والقى بنفسه إلى البحر فغرق ومات. وكان قصد محمد بك أن يفعل به ذلك ويرسله على هذه الصورة إلى سيده بمصر. ثم إنهم أخرجوه وغسلوه وكفنوه ودفنوه. فعندما وقع ذلك أقبلت الأمراء والاجناد المتفرقون بالأقاليم على محمد بك وتحققوا عند ذلك الخلاف بينه وبين سيده وقد كانوا متجمعين عن الحضور إليه ويظنون خلاف ذلك. وحضر إليه جميع المنافي وأتباع القاسمية والهوارة الذين شردهم علي بك وسلب نعمتهم فانعم عليهم وأكرمهم وتلقاهم بالبشاشة والمحبة واعتذر لهم وواساهم وقلدهم الخدم ج / 1 ص -409- والمناصب وهم أيضا تقيدوا بخدمته وبذلوا جهدهم في طاعته. ووصلت الأخبار بذلك إلى مصر وحضر إليه كثير من مماليك أيوب بك واتباعه سوى من انضم منهم والتجأ إلى محمد بك واتباعه فعند ذلك نزل بعلي بك من القهر والغيظ المكظوم ما لا يوصف وشرع في تشهيل تجريدة عظيمة وأميرها وسر عسكرها إسمعيل بك واحتفل بها احتفالا كثيرا وأمر بجمع أصناف العساكر واجتهد في تنجيز أمرها في أسرع وقت وسافروا برا وبحرا في أواخر ذي القعدة. فلما التقى الجمعان خامر إسمعيل بك وانضم بمن معه من الجموع إلى محمد بك وصاروا حزبا واحدا ورجع الذين لم يميلوا وهم القليل إلى مصر. فعند ذلك اشتد الأمر بعلي بك ولاحت على دولته لوائح الزوال وكاد يموت من الغيظ والقهر وقلد سبع صناجق والكل مزلقون وسماهم أهل مصر السبع بنات وهم مصطفى بك وحسن بك ومراد بك وحمزة بك ويحيى بك وخليل بك كوسه ومصطفى بك اود باشه وعمل لهم برقا وداقما ولوازم وطبلخانات في يومين وضم إليهم عساكر وطوائف ومماليك وأتباعا وبرز بنفسه إلى جهة البساتين وشرع في تشهيل تجريدة أخرى وأميرها علي بك الطنطاوي وأخرج الجبخانات والمدافع الكثيرة وأمر بعمل متاريش من البحر إلى جهة الجبل وانقضت السنة. من مات في هذه السنة ممن له ذكر. مات الإمام الفقيه الصالح الخير الشيخ علي بن صالح ابن موسى بن أحمد بن عمارة الشاوري المالكي مفتي فرشوط قرأ بالأزهر العلوم ولازم العلامة الشيخ علي العدوي وتفقه عليه وسمع الحديث من الشيخ أحمد ابن مصطفى السكندري وغيره ورجع إلى فرشوط فولي افتاء المالكية بها فسار فيها سيرا مقتصدا ولما ورد عليه الشيخ ابن الطيب راجعا من الروم تلقى عنه شيئا من الكتب وأجازه وكان لشيخ العرب همام بن يوسف في حقه عناية شديدة وصحبة أكيدة وكانت شفاعات العلماء مقبولة ج / 1 ص -410- عنده بعناية ولذلك راج امره واشتهر ذكره وطار صيته. وكان حسن المذاكرة والمحاورة محتشما في نفسه مجملا في ملابسه وجيها معتبرا في الاعين. والف شيخنا السيد محمد مرتضى باسمه نشق الغوالي من المرويات العوالي وذلك أيام رحلته إلى فرشوط ونزوله عنده ورفع من شأنه عند شيخ العرب وأكرمه أكراما كثيرا ولما تغيرت احوال الصعيد قدم إلى مصر مع ابن مخدومه وما زال بها حتى توجه إلى طندتا وكان يعتريه حصر البول فيجلس أياما وهو ملازم للفراش فزار وعاد. توفي يوم دخوله إلى بولاق نهار الثلاثاء ثالث عشر شعبان من السنة وكان يوما مطير إذا رعد وبرق فوصل خبره إلى الجامع الأزهر فخرج إليه الشيخ علي الصعيدي وكثير من العلماء وتخلف من تخلف لذلك العذر فجهزوه هناك وكفنوه وأتوا به إلى الأزهر وأراد الشيخ الصعيدي دفنه في مدفن عبد الرحمن كتخدا لصعوبة الذهاب به إلى القرافة ثم دفنوه بالمجاورين بجانب تربة الشيخ الصعيدي التي دفن فيها. ومات الفقية الفاضل العلامة الشيخ علي بن عبد الرحمن بن سليمان ابن عيسى بن سليمان الخطيب الجديمي العدوي المالكي الأزهري الشهير بالخرائطي ولد في أول القرن الجامع الأزهر فحضر دروس جامعة من فضلاء العصر ولازم بلدية الشيخ علي الصعيدي ملازمة كلية ودرس بالأزهر ونفع الطلبة وكان إنسانا حسنا منور الشيبة ذا خلق حسن وتودد وبشساشة ومروءة كاملة له ميل تام في علم الحديث ويتأسف على فوات اشتغاله به ويحب كلام السلف ويتأمل في معانيه مع سلامة الاعتقاد وكثرة الاخلاص. توفي عشية يوم الأربعاء ثاني المحرم افتتاح سنة 1185. ومات الإمام العلامة الفاضل المحقق الدراك المتفنن الشيخ محمد ابن إسمعيل بن محمد بن إسمعيل بن خضر النقراوي المالكي وكان والده من أهل العلم والصلاح والزهد عن جانب عظيم وعمر كثيرا حتى جاوز المائة ج / 1 ص -411- وانحنى ظهره وتوفي سنة 1178. تربى المترجم في حجر أبيه وحفظ القران والمتون وحضر دروس الشيخ سالم النقراوي والشيخ خليل المالكي وغيرهما وتفقه وحضر المعقول على كثير من الفضلاء ومهر وانجب درس وكان جيد الحافظة قوي الفهم والغوص على عويصات المسائل ودقائق العلوم مستحضرا للمسائل الفقهية والعقلية ولما بلغ المنتهى في العلوم المشهورة تاقت نفسه للعلوم الحكمية والرياضية فاحضره والده للشيخ الوالد سنة 1171 والتمس منه مطالعته عليه فأجابه إلى ذلك ورحب به وكان عمره إذ ذاك نيفا وعشرين سنة. ولما رأى ما فيه من الذكاء والنجابة والقوة الأستعدادية والجد في الطلب اغتبط به كثيرا وصرف إليه همته وأقبل عليه بكليته وأعطاه مفتاح خزانة بالمنزل يضع فيها كتبه ومتاعه واشترى له حمارا ورتب له مصروفا وكسوة ولازمه ليلا ونهارا ذهابا وأيابا حتى اشتهر بنسبته إليه فكان يرسله في مهماته واسراره إلى أكابر مصر واعيانها مثل علي بك وعبد الرحمن كتخدا وغيرهما فيحسن الخطاب والجواب مع الحشمة وحسن المخاطبة مع معرفتهم بفضله وعلمه وكانوا يكرمونه. ومدحهم بقصائد لم أعثر على شيء منها للاهمال وطول العهد فكان لا يذهب إلى داره إلا في النادر بعد حصة من الليل ويرجع في الفجر وينزل إلى الجامع بعد طلوع النهار فيقرأ درسين ثم يعود في الصخوة الكبرى فيقيم إلى العصر فيذهب إلى الجامع فيقرأ درسا في المعقول ثم يعود. وهكذا كان دأبه إلى أن مات. تلقى عنه فن الميقات والهيئة والهندسة وهداية الحكمة وشرحها القاضي زاده والجغميني والمبادي والغابات والمقاصد في أقل زمن مع التحقيق والتدقيق وحضر عليه المطول والمواقف والزيلعي في الفقه برواق الجبرت بالأزهر وغير ذلك كل ذلك بقراءته وعانى علم الأوفاق وتلقاه عن الشيخ المرحوم حتى أدرك أسراره وأقبلت عليه روحانيته. وأجازه الملوي والجوهري. ج / 1 ص -412- والحنفي والعفيفي وغيرهم ولما نفي علي بك إلى النوسات أرسل إلى الشيخ فطلب منه أشياء يرسلها إليه مع المترجم فأرسله إليه وأقام عنده أياما ورجع من غير أن يعلم أحد بذهابه ورجوعه وكان يكتب الخط الجيد وجوده على الشيخ أحمد حجاج المعروف بابي العز. وكتب بخطه كثيرا وألف حاشيه على شرح العصام على السمرقندية وأجوبة عن الأسئلة الخمسة التي أوردها الشيخ أحمد الدمنهوري على علماء العصر وأعطاها إلى علي بك وقال له: أعطها للعلماء الذين يترددون عليك يجيبوني عنها أن كانوا يزعمون أنهم علماء فاعطاها علي بك للشيخ الوالد وأخبره بمقابلة الشيخ الدمنهوري فقال له: هذه وإن كانت من عويصات المسائل يجيب عنها ولدنا الشيخ محمد النقراوي. والخسة الأسئلة المذكورة الأول في ابطال الجزء الذي لا يتجزأ. الثاني في قول ابن سينا ذات الله نفس الوجود المطلق ما معناه. الثالث في قول أبي منصور الماتريدي معرفة الله واجبة بالعقل مع أن المجهول من كل وجه يستحيل طلبه. الرابع في قول البرجلي: إن من مات من المسلمين لسنا نتحقق موته على الأسلام. الخامس في الأستثناء في الكلمة المشرقة هل هو متصل أو منفصل. فأجاب عنها بأجوبة منطوية على مطارح الانظار دلت على رسوخه وسعة اطلاعه وغوصه ومعرفته بدقائق كلام أذكياء الحكماء والمتكلمين وفضلاء الأشعرية والماتريدية. وعانى الرسم فرسم عدة بسائط ومنحرفات وحسب كثيرا من الأصول والدساتير وتصدى لتعليم الطلبة الذين كانوا يردون من الآفاق لطلب العلوم الغريبة وكتب شرحا على متن نور الايضاح في الفقه الحنفي باسم الأمير عبد الرحمن كتخدا وله رسالة سماها الطراز المذهب في بيان معنى المذهب وهي عبارة عن جواب على سؤال ورد من ثغر سكندرية نظما وكان له سليقة جيدة في النثر والنظم ولما ورد إلى مصر محمد أفندي سعيد قاضيا في سنة 1181 امتدحه بقصيدة بليغة لم أعثر ج / 1 ص -413- عليها وكان به حدة طبيعة وهي التي كانت سببا لموته وهو أنه حصل بينه وبين الشيخ البجرمي منافسة فشكاه إلى الشيخ الدمنهوري وهو إذ ذاك الشيخ الجامع فأرسل إليه فلما حضر عنده في مجلسه بالأزهر فتحامل عليه فقام من عنده وقد أثر فيه القهر ومرض أياما وتوفي في شهر جمادى الثانية من السنة. واغتم عليه الشيخ المرحومي غما شديدا وتأثر لفراقه وحزن لموته وتوعك أياما بسبب ذلك. ومات الإمام الفقيه العلامة المفتي الشيخ إبراهيم بن الشيخ عبد الله الشرقاوي الشافعي تفقه على علماء عصره وحضر دروس الأشياخ المتقدمين كالملوي والحفني والبراوي والشيخ أحمد رزة والشيخ عطية الاجهوري وأنجب في الأصول والفروع الفقهية وتصدر ودرس وانقطع والافتاء والقضاء بين المتخاصمين من أهل القرى للافادة وأكثرهم من أهل بلاده وكان لا يفارق محل درسه بالأزهر من الشروق إلى الغروب. وانفرد بالافتاء مدة طويلة على مذهبه وقلما يرى فتوى وليس عليها جوابه. ولم يزل هذا دأبه حتى تعلل أياما وتوفي ثالث ربيع الثاني من السنة. ومات أحد أذكياء العصر ونجباء الدهر من جمع متفرقات الفضائل وحاز أنواع الفواضل الصالح الرحلة الشيخ علي بن محمد الجزائرلي المعروف بابن الترجمان ولد بالجزائر سنة 1100 وكان ينتمي إلى الشرف وزاحم العلماء بمناكبه في تحصيل أنواع العلوم واجازه الشيخ سيدي محمد المنور التلمساني رحمه الله ودخل الروم مرارا وحظي بارباب الدولة وأتى إلى مصر وابتنى بها دارا حسنة قرب الأزهر وكان يخبر عن نفسه أنه لا يستغنى عن الجماع في كل يوم فلذلك ما كان يخلو عن امرأة أو اثنتين حتى في أسفاره. ولما ورد الأمير أحمد اغا امينا على دار الضرب بمصر المحروسة الذي صار فيما بعد ج / 1 ص -414- باشا كان مختصا بصحبته لا يفارقه ليلا ولا نهارا وله عليه اغداقات جميلة وهو حسن العشرة يعرف في لسانهم قليلا وتوجه إلى دار السلطنة وكانت إذ ذاك حركة السفر إلى الجهاد كتب هذا عرضحالا إلى السلطان مصطفى صورته أن من قرأ استغاثة أبي مدين الغوت في صف الجهاد حصلت النصرة. وقدمه إلى السلطان فاستحسن أن يكون صاحب هذا العرض هو الذي يتوجه بنفسه ويقرأ هذه الأستغاثة تبركا ففاجاءه الأمر من حيث لا يحتسب وأخذ في الحال وكتب مع المجاهدين وتوجه رغما عن انفه ووصل إلى معسكر المسلمين وصار يقرأ فقدر الله الهزيمة على المسلمين لسوء تدبير أمراء العسكر فأسر مع من أسر وذهب به إلى بلاد موسقو وبقي أسيرا مده ولم يغثه أحد بخلاصه منهم لاشتغال الناس بما هو اهم حتى توفي هناك شهيدا غريبا في هذه السنة رحمه الله. ومات الشيخ الصالح العلامة علي الفيومي المالكي شيخ رواق أهل بلاده حضر دروس الشيخ إبراهيم الفيومي وشيخنا الشيخ علي الصعيدي ودرس برواقهم وكان سريع الادراك متين الفهم له في على الكلام باع طويل. وتزوج ابنة الشيخ أحمد الحماقي الحنفي وتوفي ثاني شهر رمضان من السنة ودفن بالمجاورين. ومات الشيخ الفاضل الصالح علي الشيبني الشافعي نزيل جرجا قرأ على جماعة من مشايخ عصره وتكمل في العربية والفقه وتوجه إلى الصعيد فخالط أولاد تمام من الهوارة في بيج القرمون فأحبوه وسكن عندهم مدة ثم سكن جرجا. وكان يتردد أحيانا إلى مصر وكان كثير الاجتماع بصهرنا علي أفندي درويش المكتب وكان يحكي لي عنه أشياء كثيرة من مآثره من الصلاح والعلم وحسن المعاشرة ومعرفة التجويد ووجوه القراءات. فلما تغيرت أحوال الصعيد أتى المترجم إلى مصر وكان ج / 1 ص -415- حسن المذاكرة والمرافقة مع مداومة الذكر وتلاوة القرآن غالبا. توفي تاسع عشر رمضان في بيت بعض احبابه بعلة البطن وصلى عليه الشيخ أحمد بن محمد الراشدي ودفن بالمجاورين. ومات العمدة الفاضل اللغوي الماهر المنشىء الأديب الشيخ عبد الله ابن منصور التلباني الشافعي المعروف بكاتب المقاطعة وهو بن أخت الشيخ المعمر أحمد بن شعبان الزعبلي ولد سنة 1098 تقريبا وأدرك الطبقة الأولى من الشيوخ العزيزي والعشماوي والنفراوى. وكانت له معرفة تامة بعلم اللغة والقراءة واقتنى كتبا نفيسة في سائر الفنون وكان سموحا باعارتها لأهلها وكان يعرف مظنات المسائل في الكتب. وكان الأشياخ يجلونه ويعرفونه مقامه ولما دخل الشيخ ابن الطيب أحبه واغتبط به وبصحبته وحصل حاشيته على القاموس في مجلدين حافلين استكتابا وقرظ على شرح البديعية لعلي بن تاج الدين القلعي ذكر فيه من نوع وسع الاطلاع له. ولم يزل حتى فأجاته المنون في ثالث عشرين شعبان من السنة وصلي عليه بالجامع الأزهر ودفن شرقي مقام سيدي عبد الله المتوفي بالمجاورين رحمه الله. ومات الأمير الجليل إبراهيم افندي الهياتم جمليان مطعونا في نهار الأربع ثالث عشرين المحرم من السنة. تاريخ عجائب الآثار في التراجم والأخبار سنة ست وثمانين ومائة وألف. فيها في المحرم خرج علي بك إلى جهة البساتين كما تقدم في أواخر العام الماضي وعمل متاريس ونصب عليها المدافع من البحر إلى الجبل واجتهد في تشهيل تجريدة وأميرها علي بك الطنطاوي وصحبته باقي الأمراء الذين قلدهم والعسكر فعدوا في منتصفه لمحاربة محمد بك أبي الذهب وإسمعيل بك ومن معهما. وكانوا سائرين يريدون مصر فتلاقوا ج / 1 ص -416- معهم عند بياضة ووقعت بينهم معركة قوية ظهر فيها فضل القاسمية وخصوصا أباع صالح بك وعلي أغا المعمار ووقعت الهزيمة على عسكر علي بك وساق خلفهم القبالي مسافة فمانعوا عن أنفسهم وعدوا على دير الطين وكان علي بك مقيما به فلما حصل ما حصل اشتد القهر بالمذكور وتحير في أمره وأظهر التجلد وأمر بالاستعداد وترتيب المدافع وأقام إلى آخر النهار وتفرق عنه غالب عساكره من المغاربة وغيرهم. وحضر محمد بك إلى البر المقابل لعلي بك ونصب صيوانه وخيامه تجاهه فتفكر علي بك في أمره وركب عند الغروب وسار إلى جهة مصر ودخل من باب القرافة وطلع إلى باب العزب فأقام به حصة من الليل. وأشيع بالمدينة أن مراده المحاصرة بالقلعة. ثم أنه ركب إلى داره وحمل حموله وأمواله وخرج من مصر وذهب إلى جهة الشام وذلك ليلة الخامس والعشرين من شهر المحرم وصحبته علي بك الطنطاوي وباقي صناجقه ومماليكه وأتباعه وطوائفه. فلما أصبح يوم الخميس سادس عشرينه عدى محمد بك إلى بر مصر وأوقدوا النار في ذلك اليوم في الدير بعد ما نهبوه ودخل محمد بك إلى مصر وصار أميرها ونادى أصحاب الشرطة على اتباعه بان لا أحد ياؤيهم ولا يتاويهم فكاننت مدة غيبته سبعين يوما. وأرسل عبد الرحمن اغا مستحفظان إلى عبد الله كتخدا الباشا فذهب إليه بداره وقبض عليه وقطع رأسه ونادى بابطال المعاملة التي ضربها المذكور بيد رزق النصراني وهي قروش مفرد ومجوز وقطع صغار تصرف بعشرة أنصاف وخمسة انصاف ونصف قرش. وكان أكثرها نحاسا وعليها علامة علي بك. وأما من مات في هذه السنة من العظماء. فمات السيد الإمام العلامة الفقيه المحدث الفهامة الحسيب النسيب السيد علي بن موسى بن مصطفى بن محمد بن شمس الدين بن ج / 1 ص -417- محب الدين بن كريم الدين بن بهاء الدين داود بن سليمان بن شمس الدين ابن بهاء الدين داود الكبير بن عبد الحفيظ بن أبي الوفاء محمد البدري ابن أبي الحسن علي بن شهاب الدين أحمد بن بهاء الدين داود بن عبد الحافظ ابن محمد بن بدر ساكن وادي النسور بن يوسف بن بدران بن يعقوب بن مطر بن زكي الدين سالم بن محمد بن محمد بن زيد بن حسن بن السيد عريض المرتضى الأكبر ابن الإمام زيد الشهيد ابن الإمام علي زين العابدين ابن السيد الشهيد الإمام الحسين ابن الإمام علي بن أبي طالب الحسيني المقدسي الأزهري المصري ويعرف بابن النقيب لأن جدوده تولوا النقابة ببيت المقدس ولد تقريبا سنة 1125 بيت المقدس وبها نشأ وقرأ القرآن على الشيخ مصطفى الاعرج المصري والشيخ موسى كبيبة علي عود ومحمد بن نسبة الفضلي المكي وأخذ العلم عن عم أمه صاحب الكرامات حسين العلمي نزيل لد وأبي بكر بن أحمد العلمي مفتي القدس والشيخ عبد المعطي الخليلي ووصل إلى الشام فحضر دروس الشيخ أحمد المتيتي والشيخ إسمعيل العجلوني والشيخ عبد الغني النابلسي واجتمع على الشيخ صالح البشيري الآخذ عن الخضر عليه السلام وعامر ابن نعير وأحمد القطناني ومصطفى بن عمر والدمشقي. وكان من الأبدال وأحمد النحلاوي وكان من أرباب الكشف ومحمد بن عميرة الدمشقي وعمران الدمشقي وزيد اليعبداوي وخليفة بن علي اليعبداوي ورضوان الزاوى وأحمد الصفدي المجذوب والشيخ مصطفى بن سوار ودخل حماة فأخذ عن القطب السيد يس القادري وحلب فأخذ بها عن أحمد البني وعبد الرحمن السمان كلاهما من تلاميذ الشيخ أحمد الكتبي وعن الشيخ محمد بن هلال الرامهداني والشيخ عبد الكريم الشرباتي وعاد إلى بيت المقدس فاجتمع بالشيخ عبد الغني النابلسي أيضا وبالسيد مصطفى البكري بحلب حين كان راجعا من بغداد فأخذ عنه الطريقة ورغبه ج / 1 ص -418- في مصر فوردها وحضر على الشمس السجيني ومصطفى العزيزي والسيد علي الضرير الحفني وأحمد بن مصطفى الصباغ والشهابين الملوي والجوهري والشمس الحنفي وأحمد العماوي وشيخ المذهب سليمان المنصوري وأجازه سيدي يوسف بن ناصر الدرعي وأحمد العربي وأحمد بن عبد اللطيف زروق وسيدي محمد العياشي الاطروش والشيخ ابن الطيب في آخرين ورأس في المذهب وتمهر في الفنون ودرس بالمشهد الحسيني في التفسير والفقه والحديث واشتهر أمره وطار صيته. وكان فقيها في المذهب بارعا في معرفة فنونه عارفا بأصوله وفروعه ويستنبط الأحكام بجودة ذهنه وحسن حافظته ويكتب على الفتاوى برائق لفظه. وكانت له في النثر طريقة غريبة لا يتكلف في الأسجاع وإذا سئل عن مسألة كتب عليها الجواب أحسن من الروض جاد به الغمام وأغزر من الوبل ساعده نوء النعام. ويكتب في الترسل على سجية بادرة وفكرة على السرعة صاددة وكان ذا جود وسخاء وكرم ومرؤة ووفاء لا يدخل في يده شىء من متاع الدنيا إلا وبذله لسائليه وأغدق به على معتفيه وكان منزله الذي قرب المشهد الحسيني مورد الآملين ومحطا لرجال الوافدين مع رغبته في الخيل المنسوبة وحسن معرفته لانسابها وعزوه لأربابها وكان اصطبله دائما لا يخلو من اثنين أو ثلاثة يركب عليها في شرائها لمعرفته بالفروسية في رمي السهام واستعمال السلاح واللعب بالرماح وغير ذلك. ولما ضاق عليه منزله لكثرة الوفاد عليه ولكثرة ميله إلى ربط الخيول انتقل إلى منزل واسع بالحسينية في طرف البلد بناء على أن الاطراف مساكن الأشراف فسكنه وعمر فيه وفي الزاوية التي قرب بيته وصرف عليها مالا كثيرا. وفي سنة 1177 استخار الله تعالى في التوجه إلى دار السلطنة لامور اوجبت رحلته إليها منها أنه ركبت عليه الديون وكثر مطالبوها وضاق ج / 1 ص -419- صدره من عدم مساعدة الوقت له وكان إذ ذاك محل تدريسه بالمشهد الحسيني وعزم عبد الرحمن كتخدا على هدمة وانشائه على هذه الصورة ورأي أن هذه البطالة تستمر أشهرا فوجد فرصة وتوجه إليها وقرأ دروسا في الحديث في عدة جوامع واشتهر هناك بالمحدث وأقبلت عليه الناس أفواجا للتلقي واحبته الأمراء وأرباب الدولة وصارت له هناك وجاهة. الا أنه كان في درسه ينتقل تارة إلى الرد العنيف على أرباب الأموال والاكابر وملوك الزمان وينسبهم إلى الجور والعدوان وانحرافهم عن الحق فوشي به الحاسدون فبرز الأمر بخروجه من البلد وكان قد تزوج هناك فعاد إلى مصر. فلما وصل إلى بولاق ذهب إليه جماعة من الفضلاء واستقبلوه. واستقر في منزله وعاد إلى دروسه في المشهد وذلك سنة 1183 ولم يترك عادته المألوفة من أكرام الضيوف وبذل المعروف وكان لا يصبر على الجماع وعنده ثلاث نسوة شامية ومصرية ورومية وإذا خرج إلى الخلاء أو بعض المنتزهات أخذ صحبته من يريدها منهن ونصب لها خيمة وألف الأغتسال مدة اقامته يوما أو يومين أو أكثر. واتفق له في آخر أمره أنه ذهب عند محمد بك أبي الذهب وكان في ضائقة فحادثه الأمير على سبيل المباسطة وقال له: كيف رأيت أهل اسلامبول فقال: لم يبق باسلامبول ولا بمصر خير ولا يكرمون الأشرار الخلق وأما أهل العلم والاشراف فإنهم يموتون جوعا. ففهم الأمير تعريضه وأمر له بمائة ألف نصف فضة من الضربخانة فقضى منها بعض ديونه وأنفق باقيها على الفقراء وعاش بعدها أربعين يوما وتعلل بخراج أياما واحضروا له رجلا يهوديا فقصده بمشتر قيل: إنه مسموم فكان سببا لموته. وتوفي عصر يوم الأحد سادس شهر شعبان من السنة وجهز في صبح يوم الإثنين وصلى عليه بالأزهر في مشهد حافل ودفن بمقبرة باب النصر على أكمة هناك. ولما أحضر له الناس من الأعيان ج / 1 ص -420- عدة أكفان وكل منهم يريد أن لا يوضع إلا في كفنه فأخذوا من كل كفن قطعة وكفنوه في مجموع ذلك جبرا لخواطرهم. وأعطى الأمير محمد بك لأخيه مولانا السيد بدر الدين عندما أخبره بموته خمسمائة ريال لتجهيزه ولوازمه. وجلس مكانه في الدار أخوه السيد بدر المذكور وتصدره مكانه لاملاء درس الحديث النبوي بمسجد المشهد الحسيني وأقبلت عليه الناس والأعيان ومشى على قدم أخيه وسار سيرا حسنا وجرى على نسقه وطبيعته في مكارم الاخلاق واطعام الطعام وأكرام الضيفان والتردد إلى الأعيان والأمراء والسعي في حوائج الناس والتصدي لأهل حارته وخطته في دعاويهم وفصل خصوماتهم وصلحهم والذب عنهم ومدافعة المتعدى عليهم ولو من الأمراء والحكام في شكاويهم وتشاجرهم وقضاياهم حتى صار مرجعا وملجأ لهم في أمورهم ومقاصدهم وصار له وجاهة ومنزلة في قلوبهم ويخشون جانبه وصولته عليهم. ثم أنه هدم الزاوية وما بجانبها وأنشأها مسجدا نفيسا لطيفا وعمل به منبرا وخطبة ورتب به إماما وخطيبا وخادما وجعل بجانبه ميضاه ومصلى لطيفة يسلك اليهما من باب مستقل وبها كراسي راحة وأنشأ بجانب المسجد دارا نفيسة وانتقل إليها بعياله وترك الدار التي كانت سكنه مع أخيه لأنها كانت بالاجرة وبنى لاخيه ضريحا بداخل ذلك المسجد ونقله إليه وذلك سنة 1205. فلما كانت الحوداث في سنة 1213 واستيلاء الفرنسيس على الديار المصرية وقيام سكان الجهة الشرقية من أهلي البلد وهي القومة الأولى التي قتل فيها دبوي قائمقام تحركت في السيد بدر الدين المذكور الحمية وجمع جموعه من أهل الحسينية والجهات البرانية وانتبذ لمحاربة الافرنج ومقاتلتهم وبذل جهده في ذلك. فلما ظهر الافرنج على المسلمين لم يسع المذكور الاقامة وخرج فارا إلى جهة البلاد الشامية وبيت المقدس وفحص عنه الافرنج وبثوا خلفه الجواسيس. ج / 1 ص -421- فلم يدركوه فعند ذلك نهبوا داره ودهموا منها طرفا وكل تخريبها أوباش الناحية وخربوا المسجد وصارت في ضمن الاماكن التي خربها الفرنسيس بهدم ما حول السور من الأبنية ثم في الواقعة الكبيرة الثانية عندما حضر الوزير والعساكر الرومية ورجعوا بعد نقض الصلح بدون طائل كما يأتي تفصيل ذلك. فلما حضروا ثانيا بمعونة الانكليز وتم الأمر وسافر الفرنسيس إلى بلادهم ورجع المذكور إلى مصر وشاهد ما حصل لداره ومسجده من التخريب أخذ في اسباب تعميرهما وتجديدهما حتى أعادهما أحسن مما كانا عليه قبل ذلك وسكن بها وهو الآن بتاريخ كتابة هذا المجموع سنة 1220 قاطن بها ومحله مجمع شمل المحبين ومحط رحال القاصدين بارك الله فيه. ومات الفقيه المفنن العلامة الشيخ علي ين شمس الدين بن محمد بن زهران بن علي الشافعي الرشيدي الشهير بالخضري ولد بالثغر سنة أربع وعشرين وأمه آمنة بنت الحاج عامر بن أحمد العراقي وأمها صالحة بنت الشريف الشريف الحاج علي زعيتر أحد أعيان التجار برشيد حفظ المترجم الزبد والخلاصة وسبيل السعادة والمنهج إلى الديات والجزرية والجوهرة وسمع على الشيخ يوسف القشاشي الجزرية وابن عقيل والقطر وعلى الشيخ عبد الله بن مرعي الشافعي في شوال سنة أحدى وأربعين جمع الجوامع والمنهج وألقى منه دروسا بحضرته ومختصر السعد واللقاني على جوهرته وشرح ابنه عبد السلام والمناوي على الشمائل والبخاري وابن حجر على الأربعين والمواهب وعلى الشمس محمد بن عمر الزهيرى معظم البخارى دراية والمواهب وابن عقيل والاشموني على الخلاصة وجمع الجوامع والمصنف على أم البراهين ونصف النفراوي على الرسالة والبيضاوي إلى قوله تعالى: {وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ} فكلمه بعد موته. وفي سنة ثمان وثلاثين وفد على الثغر الشيخ عطية الاجهوري فقرأ ج / 1 ص -422- عليه العصام في الأستعارات مع الحفيد وعلى الشيخ محمد الادكاوي شرح السيوطي على الخلاصة والشنشوري على الرحبية والتحرير لشيخ الإسلام ثم قدم الجامع الأزهر سنة ثلاث وأربعين فجاور ثلاث سنوات فسمع على الشيخ مصطفى العزيزي شرح المنهج مرتين والخطيب والشمائل واجازه بالافتاء والتدريس في رجب سنة ست وأربعين وكان به بارا رحيما شفوقا بمنزلة الوالد حتى بعد الوفاة وجرت له معه وقائع كثيرة تدل على حسن توجهه له دون غيره من الطلبة. وسمع على السيد علي الحنفي الضرير الأشموني وجمع الجوامع والمغني وبعض المنفرجة والقسطلاني على البخاري وتصريف العزى على الشمس محمد الدلجي المغني كله قراءة بحث والخطيب وجمع الجوامع وعلى الشيخ علي قايتباي الخطيب فقط وعلى الشيخ الحفني الخطيب والمنهج وجمع الجوامع والاشموني ومختصر السعد وألفية المصطلح ومعراج الغيطي وعلى أخيه الشيخ يوسف الأشموني والمختصر ورسالة الوضع وعلى الشيخ عطية الاجهوري المنهج والمختصر والسلم وعلى أحمد الشبراملسي الشافعي المختصر والتجرير وبعض العصام ومنظومة في أقسام الحديث الضعيف وعلى الشيخ محمد السجيني الشمائل وموضع من المنهج وأجازه الشيخ الشبراوي بالكتب الستة بعد أن سمع عليه بعضا منها ورجع عن فتواه مرتين في وقفين وعلى الشيخ أحمد بن سابق الزعبلي المنهج كله مرتين وعلى الشيخ أحمد المكودى كبرى السنوسي وبعض مختصره دراية وعلى الشيخ محمد المنور التلمساني شيخ المكودى المذكور أم البراهين دراية وعلى الشيخ أحمد العماوي المالكي بعض سنن أبي داود وجمع الجوامع والمغني والأزهرية. ولما رجع إلى الثغر لازم الشيخ شمس الدين الغوى خطيب جامع المحلي فسرد عليه معظم متن الزبد والمنهج وشرحه والشنشورى ومتن العباب وهو ج / 1 ص -423- الذي عرفه به وبطريق تركيب الفتاوى أسئلة وأجوبة. وكان يقول: لا بد للمبتلي بالافتاء من العباب لوضوحه واستيعابه. وأجازه الشيخ شلبي البرلسي والشيخ عبد الدائم بن أحمد المالكي وأحمد بن أحمد بن قاسم الوني. وله مؤلفات جليلة منها شرح لقطة العجلان وحاشية على شرح الأربعين النووية للشبشيرى أجاد فيها كل الاجادة وقد رأيت كلا منهما بالثغر عند ولده السيد أحمد توفي في خامس عشرين شعبان من السنة. ومات الشاب الصالح والنجيب الاريب الفالح العلامة المستعد النبيه الذكي الشيخ محمد بن عبد الواحد بن عبد الخالق البناني أبوه وجده وعمه من أعيان التجار والثروة بمصر نشأ في عفة وصلاح وحفظ القرآن والمتون وحبب إليه طلب العلم فتقشف لذلك وتجرد ولازم الحضور والطلب ودأب واجتهد في التحصيل وسهر الليل وكان له حافظة جيدة وفهم حاد وقوة استعدادية وقابلية فأدرك في الزمن اليسير ما لم يدركه غيره في الزمن الكثير ولازم شيخنا الشيخ محمد الجناحي المعروف بالشافعي ملازمة كلية وتلقى عنه غالب تحصيله في الفقه والمعقول والمنطق والاستعارات والمعاني والبيان والفرائض والحساب وشباك ابن الهاثم وغير ذلك وحضر دروس الشيخ الصعيدي والدردير وغيرهم حتى مهر وأنجب ودرس واشتهر بالفضل وعمل الختوم وحضره أشياخ العصر وشهدوا بفضله وغزارة علمه وانتظم في عداد أكابر المحصلين والمفيدين والمستفيدين ولم يزل هذا حاله حتى وافاه الحمام وانمحق بدره عند التمام ومات مطعونا في هذه السنة وهو مقتبل الشبيبة لم يجاوز الثلاثين عوضه الله الجنة وهو ابن عم الإمام العلامة الشيخ مصطفى بن محمد بن عبد الخالق من أعيان العلماء المشاهير بمصر الآن بارك الله فيه. ومات الفقيه الفاضل المحقق الشيخ أحمد بن أحمد الحمامي الشافعي ج / 1 ص -424- الأزهري ولد بمصر واشتغل بالعلم من صغره ومال بكليته إليه وحبب إليه مجالسة أهله فلازم الشيخ عيسى البراوى حتى مهر وتفقه عليه وحضر دروس الشمس الحفني والشيخ علي الصعيدي وغيرهما واجازوه وحج في سنة خمس وثمانين مرافقا لشيخنا الشيخ مصطفى الطائي ورجعا إلى مصر وتصدر للتدريس والافتاء في حياة شيوخه ودرس وأفاد. وكان أكثر ملازمته لزاوية الشيخ الخضرى ويقرأ درسا بالصرغتمشية وانتفع به جماعة وله حاشية على الشيخ عبد السلام مفيدة وأخرى على الجامع الصغير للسيوطي لم تتم وكان ذا صلاح وورع وخشية من الله وسكون ووقار. توفي يوم الأربعاء تاسع ربيع الأول من السنة ودفن ثاني يوم بمشهد عظيم بالقرب من السادة المالكية. ومات الإمام الصوفي العارف المعمر الشيخ علي بن محمد بن محمد بن أحمد بن عبد القدوس ابن القطب شمس الدين محمد الشناوي الروحي الأحمدي المعروف ببندق ولد قبل القرن وأخذ عن عميه محمد العالم وعلي المصرى وهما عن عمهما الشمس محمد بن عبد القدوس الشهير بالدناطي عن ابن عمه الشهاب الخامي ومسكنهم بمحلة روح وهو شيخ مشايخ الأحمدية في عصره. وانتهت إليه الرياسة في زمنه وعاش كثيرا حتى جاوز المائة ممتعا بالحواس وكان له خلوة في سطح منزله ولها كوة مستقبلة طندتا بين يديها فضاء واسع يرى منها آثار طندتا وهو مستقبل القبلة في حال جلوسه ونومه ونظره إلى تلك الكوة. وأخبرني أولاده أنه هكذا هو مستمر على هذه الطريقة من مدة طويلة. توفي في أوائل جمادى الأولى من السنة واجتمع بمشهده غالب أهل البلاد من المشايخ والأعيان والصلحاء من الآفاق والسيد محمد مجاهد الأحمدي والشيخ محمد الموجه والسيد أحمد تقي الدين وغيرهم ودفن عند أسلافه بمحلة روح. ج / 1 ص -425- ومات الأمير خليل بك ابن إبراهيم بك بلفيا تقلد الإمارة والصنجقية بعد موت والده وفتح بيتهم وأحيا ما آثرهم وكان أهلا للإمارة ومحلا للرئاسة وتقلد إمارة الحج في سنة أحدى وثمانين ورجع في أمن وسخاء وطلع أيضا في السنة الثانية ومات بالحجاز ورجع بالحج أخوه عبد الرحمن أغا بلفيا. ومات الأجل المكرم الرئيس محمد تابع المرحوم محمد أوده باشه طبال مستحفظان ميسو الجداوى وهو زوج الجدة أم المرحوم الولد تزوج بها بعد موت الجد في سنة 1114 وقطن بها ببندر جدة وأولدها حسينا ومحمدا وتوفي سنة أربع وخمسين عن ولديه المذكورين وأخيهما محمود من أبيهما وعتقائه ومنهم المترجم قرباه ابن سيدة وهو العم حسين فأنجب وعانى التجارة ورئاسة المراكب الكبار ببحر القلزم حتى صار من أعيان النواخيد الكبار واشتهر صيته وذكره وكثر ماله وبنى دارا بمصر بجوار المدارس الصالحية واشترى المماليك والعبيد والجوارى وصار له داربمصر وبجدة ولم يزل حتى توفي بالشام وهو راجع إلى مصر ووصل نعيه في سابع عشرين ربيع الثاني رحمه الله. ومات الخواجا الصالح المعمر الحاج محمد بن عبد العزيز البندارى وكان إنسانا حسنا وهو الذي عمر العمارة والمساكن بطندتا واشتهرت به. توفي في غرة ربيع أول بعد تعلل رحمه الله تعالى. تاريخ عجائب الآثار في التراجم والأخبار سنة سبع وثمانين ومائة وألف. فيها تواترت الأخبار والارجافات بمجيء علي بك من البلاد الشامية بجنود الشام وأولاد الظاهر عمر فتهيأ محمد بك للقائه وبرز خيامه إلى جهة العادلية ونصب الصيوان الكبير هناك وهو صيوان صالح بك وهو في غاية العظم والاتساع والعلو والارتفاع وجميعه بدوائره من جوخ ج / 1 ص -426- صاية وبطانته بالاطلس الاحمر وطلائعه وعساكره من نحاس أصفر مموه بالذهب. فأقام يومين حتى تكامل خروج العسكر ووصل الخبر بوصول علي بك بجنوده إلى الصالحية فارتحل محمد بك في خامس شهر صفر فالتقيا بالصالحية وتحاربا فكانت الهزيمة على علي بك وأصابته جراحة في وجهه فسقط عن جواده فاحتاطوا به وحملوه إلى مخيم محمد بك وخرج إليه وتلقاه وقبل يده وحمله من تحت ابطه حتى أجلسه بصيوانه. وقتل علي بك الطنطاوي وسليمان كتخدا وعمر جاويش وغيرهم وذلك يوم الجمعة ثامن شهر ضفر ووصل خبر ذلك إلى مصر في صبح يوم السبت وحضروا إلى مصر وأنزل محمد بك أستاذه في منزله الكائن بالازبكية بدرب عبد الحق وأجرى عليه الاطباء لمداواة جراحاته. وفي خامس عشر صفر وصل الحجاج ودخلوا إلى مصر وأمير الحج إبراهيم بك محمد. وفي تلك الليلة توفي الأمير علي بك بعد وصوله بسبعة أيام قيل: إنه سم في جراحاته فغسل وكفن ودفنوه عند اسلافه بالقرافة. وفي سابع عشر ربيع الأول وصل الوزير خليل باشا والي مصر واطلع إلى القلعة في موكب عظيم وذلك يوم الخميس تاسع عشرة وضربوا له مدافع وشنكا من الأبراج. وكان وصوله من طريق دمياط فعمل الديوان وخلع الخلع. ومات في هذه السنة الشيخ الإمام الصالح العلامة المفيد الشيخ أحمد ابن الشيخ شهاب الدين أحمد بن الحسن الجوهرى الخادلى الشافعي ولد بمصر سنة 1132 وبها نشأ وسمع الكثير من والده ومن شيخ الكل الشهاب الملوى وآخرين. وتصدر في حياة أبيه للتدريس وحج معه وجاور سنة وكان انسنا حسنا ذا مودة وبر وشهامة ومروءة تامة واخلاق لطيفة. توفي بعد أن تعلل أياما في حادي عشري ربيع الأول وصلي ج / 1 ص -427- عليه بالجامع الأزهر بمشهد حافل ودفن مع والده بالزاوية القادرية بدرب شمس الدولة. ومات المبجل المفضل الإمام العارف صاحب المعارف علي بن محمد بن القطب الكامل السيد محمد مراد الحسيني البخاري الأصل الدمشقي الحنفي ويعرف بالمرادى نسبة لجده المذكور ولد بدمشق وأخذ عن أبيه وغيره من العلماء كعلي بن صادق الداغستاني وغيره وكان إنسانا عظيم الشأن ساطع البرهان طيب الاعراق كريم الاخلاق منزله مأوى القاصدين ومحط رجال الواردين وهو والد خليل أفندي المفتي بدمشق نزل عنده السيد العيدروس فأكرمه وبره ولم يزل حتى توفي في هذه السنة. وتوفي بعده بشهرين أيضا أخوه حسين أفندي المرادى رحمهما الله. ومات الماهر الأديب الشاعر الكاتب المنشىء الشيخ إبراهيم بن محمد سعيد بن جعفر الحسني الادريسي المنوفي المكي الشافعي ولد في آخر القرن الحادى عشر بمكة وأخذ عن كبار العلماء كالبصرى والنخلي وتاج الدين القلعي والعجمي ثم من الطبقة التي تليه مثل علي السخاوى وابن عقيلة في آخرين من الواردين على الحرمين من آفاق البلاد واعلى ما عنده اجازة الشيخ إبراهيم الكوراني له وله شعر نفيس وقد جمع في ديوان وبينه وبين السيد جعفر البيثي والسيد العيدروس مخاطبات ومحاورات ودخل الهند بسفارة صاحب مكة فأكرم وعاد إلى مكة وولي كتابة السر لملكها وكان يكاتب رجال الدولة على لسانه على إختلاف طبقاتهم وكان قلمه كلسانه سيالا وربما شرع في كتابة سورة من القرآن وهو يتلو سورة أخرى بقدرها فلا يغلط في كتابته ولا في قراءته حتى تتما معا وهذا من أعجب ما سمعت. وكان له مهارة ومعرفة في علم الطب وأما إنشاآته فإليها المنتهي في العذوبة وتناسب القوافي. وأما في نظمه فهو فريد عصره لا يجاريه فيه مجار ولا يطاوله مطاول. ج / 1 ص -428- ومات البارع المقرىء المجود المحدث الشيخ عبد القادر بن خليل بن عبد الله الرومي المدني المعروف بكدك زاده ولد بالمدينة سنة 1140 وبها نشأ وحفظ القرآن وجوده على شيخ القراء شمس الدين محمد السجاعي نزيل المدينة تلميذ البقرى الكبير وحفظ الشاطبية واشتغل بالعلم على علماء بلده والواردين عليه سمع أكثر كتب الحديث على الشيخين ابن الطيب ومحمد حياة بقراءته عليهما في الأكثر ولازم الشيخ ابن الطيب ملازمة كلية حتى صار معيدا لدروسه وكان حسن النغمة طيب الأداء ولي الخطابة وال إمامة بالروضة المطهرة وكان إذا تقدم إلى المحراب في الصلوات الجهرية تزدحم عليه الخلق لسماع القرآن منه ثم ورد إلى مصر فأدرك الشيخ المعمر داود بن سلمان الخربتاى فتلقى منه أشياء واجازه وذلك في سنة 1168 وحضر الشيخ الملوى والجوهرى والحفني والبليدى وحمل عنهم الكثير وتزوج ثم توجه إلى الروم ثم عاد إلى المدينة فلم يقر له بها قرار ثم أتى إلى مصر ودار على الشيوخ البقية ثانيا وأخذ عنهم وأحبه السيد اسمعل بن مصطفى الكماخي وصار يجلس عنده أياما في منزله الملاصق لجامع قوصون فشرع في أخذ خطابته له فاشترى له الوظيفة فخطب به على طريقة المدينة وازدحمت عليه الناس وراج أمره وتزوج ثم توجه إلى الروم وباع الوظيفة وانخلع عما كان عليه وجلس هناك مدة وسمع السلطان قراءته في بعض المواضع في حالة التبديل فأحب أن يكون إماما لديه وكاد أن يتم فاحس إمام السلطان بذلك فدعاه إلى منزله وسقاه شيئا مما يفسد الصوت حسدا عليه فلما أحس بذلك خرج فارا فعاد إلى مصر واشتغل بالحديث وشرع في عمل المعجم لشيوخه الذين أدركهم في بلده وفي رحلاته إلى البلاد. ودخل حلب فاجتمع بالشيخ أبي المواهب القادرى وقرأ عليه شيئا من الصحيح وأجازه وأخذ عن السيد المعمر إبراهيم بن محمد الطرابلسي النقيب ومن ج / 1 ص -429- درويش مصطفى الملقي ودخل طرابلس الشام وأخذ الاجازة من الشيخ عبد القادر الشكعاوي ودخل خادم أحدى قرى الروم فاجتمع بالشيخ المعروف بمفتي خادم ورام أن يسمع منه الأولية فلم يجد عنده اسنادا وإنما هو من أهل المعقول فقط ورجع إلى مصر فاجتمع بشيخنا السيد مرتضى وتلقى عنه الحديث واهتم في جمع رجاله وتمهر في الأسناد وجمع من ذلك شيئا كثيرا في مسودات بخطه ثم عاد إلى الحريمن ومنهما إلى أرض اليمن فاجتمع بمن بقي من الشيوخ وأخذ عنهم ودخل صنعاء ومدح كلا من الوزير والإمام بقصيدة فأكرم بها واجتمع على علمائها وتلقى عنهم وصار بينه وبين الشيخ أحمد قاطن أحد علمائها محاورات ثم دخل كوكيان فاجتمع على فريد عصره السيد عبد القادر بن أحمد الحسني من بيت الأئمة ودخل شبام فأجتمع على السيد إبراهيم بن عيسى الحسني واللحية فأجتمع بها على الشيخ عيسى زريق وذلك في سنة 1185 وعاد إلى مصر بالفوائد الغزار وبما حمل في طول غيبته من النوادر والاسرار وفي هذه الخطرات التي ذكرت دخل الصعيد من طريق القصير واجتمع على مشايخ عربان الهوارة ومدحهم بقصائد طنانة وأكرموه وله ديوان جمع فيه شعره وما مدح به الآكابر والأولياء وكان عنده مسودة بخطه وهذا قبل أن يسافر إلى الشام والروم واليمن والصعيد فقد تحصل له في هذه السفرات كلام كثير مفرق لم يلحقه بالديوان وكان كلما نزل في موضع ينشيء فيه قصيدة غريبة في بابها وكان يغوص على المعاني بفكرة الثاقب فيستخرجها ويكسوها حلة الالفاظ ويبرزها أعجوبة تلعب بالعقول وتعمل عمل الشمول فلله دره من بليغ لم يبلغ معاصروه شأوه ولو أقام في موضع كغيره لاطلع ضياه ولكنه ألف الغربة وهانت عنده الكربة فلم ينال بخشن ولا لين ولم يكترث بصعب ولا هين وأجازه الشيخ محمد السفاريني أجازه طويلة في خمسة ج / 1 ص -430- كراريس فيها فوائد جمة. ولم يزل تتنقل به الأحوال حتى سافر إلى القدس الشريف فمكث هناك قليلا وزار المشاهد الكرام ومراقد الانبياء عليهم الصلاة والسلام ثم ارتحل إلى نابلس فنزل في دار السيد موسى التميمي وهو إذ ذاك قاضي البلد فأكرمه وأواه واحترمه. ومرض أياما وانتقل إلى رحمة الله تعالى في سلخ جمادى الثانية منها ووصل نعيه إلى مصر وكانت معه كتبه وما جمعه في سفره من شعره والعجم الذي جمعه في الشيوخ والاجراء والاماني التي حصلها وضاع ذلك جميعه ولله في خلقه ما أراد. ومات العمدة الشاب الصالح الشيخ محمد بن حسن الجزايرلي ثم المدني الحنفي الأزهري ولد بمكة إذ كان والده يتجر بالحرمين في حدود الستين وقدم به إلى مصر فلازم الشيخ حسن المقدسي مفتي الحنفية ملازمة كلية وانضوى إليه فقرأ عليه المتون الفقهية ودرجه في أدنى زمن إلى معرفة طرق الفتوى حتى كان معيدا لدروسه وكاتبا لسؤالاته وربما كتب على الفتوى بأذن شيخه. وفي أثناء حضر في المعقول على الشيخ الصعيدي والشيخ البيلي والشيخ محمد الأمير وغيرهما من مشايخ الوقت وحصل طرفا من العلوم وصارت له الشهرة في الجملة وأعطاه شيخه تدريس الحديث بالصرغتمشية فكان في كل جمعة يقرأ فيه البخاري وزوجه امرأة موسرة لها بيت بالازبكية. وبعد وفاة شيخه تصدر لللاقراء في محله وصار ممن يشار إليه ولم يزل حتى مات في عنفوان شبابه في هذه السنة ويقال أن زوجته سمته. ومات الأمير الكبير علي بك الشهير صاحب الوقائع المذكورة والحوادث المشهورة وهو مملوك إبراهيم كتخدا تابع سليمان جاويش تابع مصطفى كتخدا القازدغلي تقلد الإمارة والصنجقية بعد موت أستاذه في سنة 1168 وكان قوي المراس شديد الشكيمة عظيم الهمة لا يرضي لنفسه ج / 1 ص -431- بدون السلطنة العظمى والرياسة الكبرى لا يميل لسوى الجد ولا يحب اللهو ولا المزح ولا الهزل ويحب معالي الأمور من صغره. واتفق أن بعض ولاة الأمور تشاوروا في تقليده الإمارة فنقل إليه مجلسهم وذكر له مساعدة فلان وممانعة فلان فقال: أنا لا اتقلد الإمارة إلا بسيفي لا بمعونة أحد. ولم يزل يرقى في مدارج الصعود حتى عظم شأنه وانتشر صيته ونما ذكره وكان يلقب بجن علي ولقب أيضا ببلوط قبان وانضم إلى عبد الرحمن كتخدا واظهر له خلوص المحبة واغثر هو أيضا به وظن صحة خلوصه فركن إليه وعضده وساعده ونوه بشأنه ليقوى به على نظرائه من الاختيارية والمتكلمين. واتفق أنه وقع بين أحمد جاويش المجنون تابعه وبين أهل وجاقة حادثة نقموا عليه فيها وأوجبوا عليه النفي بحسب قوانينهم واصطلاحهم واعرضوا الأمر على عبد الرحمن كتخدا أستاذه فعارض في ذلك ولم يسلم لهم في نفي أحمد جاويش ورأى ذلك نقصا في حقه فتلطف به بعضهم وترجوا في اخراجه ولو إلى ناحية ترسا بالجيزة أياما قليلة مراعاة وحرمة للوجاق فلم يرض وحنق واحتد. فلما كان في اليوم الثاني واجتمع عليه الأمراء والأعيان على عادتهم قال لهم: أيها الأمراء من أنا اجابه الجميع بقولهم أنت أستاذنا وابن أستاذنا وصاحب ولائنا. قال: إذا أمرت فيكم بامر تنفذوه وتطيعوه قالوا: نعم. قال علي بك: هذا يكون أميرنا وشيخ بلدنا ومن بعد هذا اليوم يكون الديوان والجمعية بداره وأنا أول من اطاعه وآخر من عصى عليه. فلم يسعهم إلا قبول ذلك بالسمع والطاعة وأصبح راكبا إلى بيت علي بك وتحول الديوان والجمعية إليه من ذلك اليوم واستفحل أمره ولم يمض على ذلك إلا مدة يسيرة حتى أخرج أحمد جاويش المذكور وحسن كتخدا الشعرواي وسليمان بك الشابوري كما تقدم ثم غدر به أيضا وأخرجه إلى الحجاز من طريق السويس وأرسل معه صالح بك ليوصله إلى ساحل ج / 1 ص -432- القلزم فلما شيعه هناك أرسل بنفي صالح بك إلى غزة ثم رد إلى رشيد ومنها ذهب إلى منية ابن خصيب وتحصن بها وجرد عليه المترجم التجاريد ولم يزل ممتنعا بها حتى تعصب على المترجم خشداشينه واخرجوه منفيا إلى النوسات ثم وجهوه إلى السويس بعد قتل حسن بك الأزبكاوى ثم منها إلى الجهة القبلية بعد قتل عثمان بك الجرجاوى وانضم إلى صالح بك وتعاقد معه وحضر معه إلى مصر وقتل الرؤساء من أقرانه ثم غدر بصالح بك أيضا كما تقدم مجمل ذلك ثم نفى باقي الأعيان وفرق جمعهم في القرى والبلدان وتتبعهم خنقا وقتلا وأبادهم فرعا وأصلا وافنى باقيهم بالتشريد وجلوا عن أوطانهم إلى كل مكان بعيد واستأصل كبار خشداشينة وقبيلته واقصى صغارهم عن ساحته وسدته. واخرب البيوت القديمة واخرم القوانين الجسيمة والعوائد المرتبة والرواتب التي من سالف الدهر كانت منظمة وقتل الرجال واستصفى الأموال وحارب كبار العربان والبوادي وعرب الجزيرة والهنادي واعاظم الشجعان ومقادم البلدان وشتت شملهم وفرق جمعهم واستكثر من شراء المماليك وجمع العسكر من سائر الأجناس واستخلص بلاد الصعيد وقهر رجالها الصناديد ولم يزل يمهد لنفسه حتى خلص له ولأتباعه الأقليم من الأسكندرية إلى أسوان ثم جرد عساكره إلى البلاد الحجازية ونفذ اغراضه بها ثم التفت إلى البلاد الشامية وتابع إرسال البعوث والسرايا والتجاريد إليها وقتل عظماءها وكبراءها وولاتها واستولت اتباعه على البلاد الشامية حتى أنهم أقاموا في حصار يافا أربعة أشهر حتى ملكوها وعمر قلاع الأسكندرية ودمياط وحصنها بعساكره ومنع ورود الولاة العثمانيين وكان يطلع كتب الأخبار والتواريخ وسير الملوك المصرية ويقول لبعض خاصته أن ملوك مصر كانوا مثلنا مماليك الأكراد مثل السلطان بيبرس والسلطان قلاوون وأولادهم وكذلك ملوك الجراكسة وهم مماليك بني ج / 1 ص -433- قلاون إلى آخرهم كانوا كذلك وهؤلاء العثمانية أخذوها بالتغلب ونفاق أهل ها. وينوه ويشير بمثل هذا القول بما في ضميره وسريرته ولو لم يخنه مملوكه محمد بك لرد الأمور إلى أصولها وكان لا يجالس إلا أهل الوقار والحشمة والمسنين مثل محمد افندي كاتب كبير الينكجرية ومصطفى افندي توكلي وعبد الله كتخدا محمد باشا الراقم ومرتضى أغا وأحمد افندي يجالسونه بالنوبة في اوقات مخصوصة مع غاية التحرز في الخطاب والمسامرة بوجيز القول وكاتب انشائه العربي الشيخ محمد الهلباوي الدمنهوري وكاتبه الرومى مصطفى افندي الأشقر ونعمان افندي وهو منجمه أيضا ويجل من العلماء المرحوم الوالد والشيخ أحمد الدمنهوري والشيخ على العدوى والشيخ أحمد الحماقي وكاتبه القبطي المعلم رزق بلغ في أيامه من العظمة ما لم يبلغه قبطي فيما رأينا ومن مسقاته كرع المعلم إبراهيم الجوهرى وأدرك ما أدركه بعده في أيام محمد بك واتباعه من بعده وتتبع المفسدين والذين يتداخلون في القضايا والدعاوى ويتحيلون على ابطال الحقوق بأخذ الرشوات والجعالات وعاقبهم بالضرب الشديد والاهانة والقتل والنفي إلى البلاد البعيدة. ولم يراع في ذلك أحدا سواء كان متعمما أو فقيها أو قاضيا أو كاتبا أو غير ذلك بمصر أو غيرها من البناذر والقرى وكذلك المفسدون وقطاع الطريق من العرب وأهل الحوف والزم أرباب الادراك والمقادم بحفظ نواحيهم وما في حوزهم وحدودهم وعاقب الكبار بجناية الصغار فأمنت السبل وانكفت أولاد الحرام وانكمشوا عن قبائحهم وأيذائهم بحيث أن الشخص كان يسافر بمفرده ليلا راكبا أو ماشيا ومعه حمل الدراهم والدنانير إلى أي جهة ويبيت في الغيط أو البرية آمنا مطمئنا لا يرى مكروها أبدا. وكان عظيم الهيبة اتفق لأناس ماتوا فرقا من هيبته وكثيرا من كان تأخذه الرعدة بمجرد المثول بين يديه فيقول له: هون ج / 1 ص -434- عليك ويلاطفه حتى ترجع له نفسه ثم يخاطبه فيما طلبه بصدده وكان صحيح الفراسة شديد الحذق يفهم ملخص الدعوى الطويلة بين المتخاصمين ولا يحتاج في التفهيم إلى ترجمان أو من يقرأ له الصكوك والوثائق بل يقرأها ويفهم مضمونها ثم يمضيها أو يمزقها. وألبس سراجينه قواويق فتلى بالفاء من جوخ أصفر تمييزا لهم عن غيرهم من سراجين أمرائه ولم يزل منفردا في سلطنة مصر لا يشاركه مشارك في رأيه ولا في احكامه وامرؤها وحكامها مماليكه وأتباعه فلم يقنع بما أعطاه مولاه وخوله من ملك بحريها وقبليها الذي افتخرت به الملوك والفراعنة على غيرها من الملوك وشرهت نفسه وغرته أمانيه وتطلبت نفسه الزيادة وسعة المملكة وكلف أمراءه الأسفار وفتح البلاد حتى ضاقت أنفسهم وشموا الحروب والغربة والبعد عن الوطن فخالف عليه كبير أمرائه محمد بك ورجع بعد فتح البلاد الشامية بدون استئذان منه واستوحش كل من الآخر فوثب عليه وفر منه إلى الصعيد وكان ما كان من رجوعه بمن انضم إليه وخامر معه وكانت وكانت الغلبة له على مخدومه وفر منه إلى الشام وجند الجنود وقصد العود لمملكته ومحل سيادته فوصل إلى الصالحية. وخرج إليه محمد بك وتلاقيا وأصيب المترجم بجراحة في وجهه وأخذ أسيرا وقتل من قتل من أمرائه ورجع محمد بك وصحبته مخدومه المذكور محمولا في تخت فأنزلوه في داره بدرب عبد الحق فأقام سبعة أيام ومات والله أعلم بكيفية موته. وكان ذلك في منتصف شهر صفر من السنة. فغسل وكفن وخرجوا بجنازته وصلى عليه بمصلى المؤمنين في مشهد حافل ودفن بتربة أستاذه إبراهيم كتخدا بالقرافة الصغرى بجوار الإمام الشافعي ومدفنهم مشهور هناك وبواجهته سبيل يعلوه قصر مفتح الجوانب. ومن مآثره العمارة العظيمة بطندتا وهي المسجد الجامع والقبة على مقام سيدي أحمد ج / 1 ص -435- البدوي رضي الله عنه والمكاتب والميضأة الكبيرة والحنفيات وكراسي الراحة المتسعة والمنارتان العظيمتان والسبيل المواجه للقبة والقيسارية العظيمة النافذة من الجهتين وما بها من الحوانيت للتجار وسميت هناك بالغورية لنزول تجار أهل الغورية بمصر في حاونيتها أيام مواسم الموالد المعتادة لبيع الاقمشة والطرابيش والعصائب وكان المشد على تلك العمارة المعلم حسن عبد المعطي وكان من الرجال أصحاب الهمم وولاه سدانة الضريح عوضا عن أولاد سعد الخادم لسوء سيرتهم وظلمهم فنكبهم المترجم وأخذ ما امكنه أخذه من مالهم وهو شيء كثير وأنفقه في هذه العمارة ووقف عليها أوقافا ورتب بالمسجد عدة من الفقهاء والمدرسين والطلبة والمجاورين وجعل لهم خبزا وجرايات وشوربة في كل يوم وجدد أيضا قبة الإمام الشافعي رضي الله عنه وكشف ما عليها من الرصاص القديم من أيام الملك الكامل الايوبي في القرن الخامس وقد تشعت وصدىء لطول الزمان فجدد ما تحته من خشب القبة البالي بغيره من الخشب النقي الحديث ثم جعلوا عليه صفائح الرصاص المسبوك الجديد المثبت بالمسامير العظيمة وهو عمل كثير. وجدد نقوش القبة من داخل بالذهب واللازورد والأصباغ وكتب بافريزها تاريخا منظوما صالح افندى. وهدم أيضا الميضاة التي كانت من عمارة عبد الرحمن كتخدا وكانت صغيرة مثمنة الاركان ووسعها وعمل عوضها هذه الميضأة الكبيرة وهي مربعة مستطيلة متسعة وبجانبها حنفية وبزابيز يصب منها الماء وحول الميضاة كراسي راحة بحيضان متسعة تجري مياهها إلى بعضها وماؤها شديد الملوحة. ومن انشائه أيضا العمارة العظيمة التي أنشأها بشاطىء النيل ببولاق حيث دكك الحطب تحت ربع الخرنوب وهي عبارة عن قيسارية عظمية بباين بين يسلك منها من يجري إلى قبلي وبالعكس وخانا عظيما يعلوه مساكن من الجهتين وبخارجه حوانيت وشونه غلال حيث مجرى النيل ومسجد متوسط. ج / 1 ص -436- فحفروا اساس جميع هذه العمارة حتى بلغوا الماء ثم بنوا لها خنازير مثل المنارات من الاحجار والدبش والمؤن وغاصوا بها في ذلك الخندق حتى استقرت على الأرض الصحيحة ثم ردموا ذلك الخندق المحتوي على تلك الخنازير بالمؤن ولاحجار واستعلوا عليه بعد ذلك بالبناء المحكم بالحجر النحيت وعقدوا العقود والقواصر والاعمدة والاخشاب المتينة. وكان العمل في ذلك سنة خمس وثمانين. ومات المترجم قبل اتمامها وبناء أع إليها. وكانت هذه العمارة من أشام العمائر لأن النيل انحسر بسببها عن ساحل بولاق وبطل تياره واندفع إلى ناحية انبابة ولم تزل الأرض تعلو والاتربة تزيد فيما بين زاوية تلك العمارة إلى شون الغلال ويزيد نموها في كل سنة حتى صار لا يركبها الماء إلا في سنين الغرق. ثم فحش الأمر وبنى الناس دورا وقهاري في بحري العمارة وسبحوا إلى جهة قرب الماء مغربين والقوا أتربة العمائر وما يحفرونه حول ذلك واقتدى بهم الترابة وغيرهم ولم يجدوا مانعا ولا رادعا وكلما فعلوا ذلك هرب الماء وضعف جريانه وربت الأرض وعلت وزادت حتى صارت كيمانا تنقبض النفوس من رؤيتها. وتمتلىء المنافس من عجاجها وخصوصا في وقت الهجير. بعد أن كانت نزهة للناظرين. ولقد ادركنا فيمل قبل ذلك تيارا لنيل يندفع من ناحية بولاق التكرور إلى تلك الجهة ويمر بقوته تحت جدران الدور والوكائل القبلية وساحل الشون ووكالة الأبزار وخضرة البصل وجامع السنانية وربع الخرنوب إلى الجيعانية وينعطف إلى قصر الحلي والشيخ فرج صيفا وشتاء ولا يعوقه عائق ولا يقدر أحد أن يرمي بساحل النيل شيئاا من التراب فإن اطلع الحاكم على ذلك نكل به أو بخفير تلك الناحية وهذا شيء قد تودع منه ومن امثاله وأخر من أدركنا فيه هذا الالتفات والتفقد للامور الجزئية التي يترتب بزيادتها الضرر العام عبد الرحمن أغا مستحفظان فإنه كان يحذو طريق الحكام السالفين إلى ج / 1 ص -437- إن ضعفت شوكته بتآمر الأصاغر وقيد حكمه بعد الاطلاق وترك هذا الأمر ونسي بموته وتقليد الأغاشم وتضاعف الحال حتى أن بعض الطرق الموصلة إلى بولاق سدت بتراكم الاتربة التي يلقيها أهل الاطارف خارج الدروب ولا يجدون من يمنعهم أو يردعهم وقدرت علو الأرض بسبب هذه العمارة زيادة عن أربع قامات فاننا كنا نعد درج وكالة الأبزاريين من ناحية البحر عندما كنا ساكنين بها قبل هذه العمارة نيفا وعشرين درجة وكذلك سلم قيطون بيت الشيخ عبد الله القمري وقد غابت جميعها تحت الأرض وغطتها الاتربة ولله عاقبة الأمور. ومن إنشاء المترجم داره المطلة على بركة الازبكية بدرب عبد الحق التي بها والحوض والساقية والطاحون بجوارها وهي الآن مسكن الست نفيسة. وبالجملة فأخبار المترجم ووقائعه وسيرته لو جمعت من مبدأ أمره إلى اخره لكان مجلدات وقد ذكرنا فيما تقدم لمعا من ذلك بحسب الاقتضاء مما استحضره الذهن القاصر والفكر المشوش الفاتر بتراكم الهموم وكثرة الغموم وتزايد المحن واخطلاط الفتن واختلال الدول وارتفاع السفل ولعل العود يخضر بعد الذبول ويقطع النجم بعد الافول أو يبسم الدهر بعد كشارة أنيابه أو يلحظنا من نظره المتغابي في أيابه: زمن كاحلام تقضى بعده زمن نعلل فيه بالأحلام ولله في خلقه من قديم الزمان عادة وانتظار الفرج عبادة نسأله انقشاع المصائب وحسن العواقب. ومات سلطان الزمان السلطان مصطفى بن أحمد خان تولى السلطنة في سنة 1171 فكانت مدة سلطنته ست عشرة سنة وكانت له عناية ومعرفة بالعلوم الرياضية والنجومية ويكرم أرباب المعارف. وكان يراسل المرحوم الوالد والشيخ أحمد الدمنهوري ويهاديهما ويرسل اليهما الصلات والكتب وأرسل مرة إلى الشيخ الوالد ثلاثة كتب مكلفة من ج / 1 ص -438- خزانته وهي كتاب القهستاني الكبير وفتاوى انقروي ونور العين في اصلاح جامع الفصولين كلاهما في الفقه الحنفي وله مؤلف في الفن دقيق ينسب إليه. وتولى بعده السطان عبد الحميد خان جعل الله أيامه سعيدة. ومات الأمير علي بك الشهير بالطنطاوي وهو من مماليك عي بك المذكور وكان من الشجعان المعروفين والفرسان المشهورين ولم ينافق على سيده مع المنافقين ولم يمرق مع المارقين ولم يزل مع مخدومه فيما وجهه إليه حتى قتل بالصالحية بين يديه. ومات الرئيس المبجل الأمير إسماعيل افندي الروزنامجي رئيس الكتبة بمصر وكان إنسانا حسنا منور الوجه والشيبة ضابطا محررا خيرا أصيب بوجع عينيه فوعده الحاج سليمان الحكاك بشيء من الكحل وأودعه في ورقه وضعها في طي عمامته وكان بها ورقة أخرى فيها شيء من السليماني لم يتذكرها وهو أبيض والكحل أيضا ابيض فلما حضر عندما خرج الورقة التي بها السليماني من عمامته وأعطاها له وأمره أن يكتحل منها وقت النوم يظنها إنها ورقة الكحل ثم انصرف إلى داره. فلما نزع عمامته وقتا النوم رأى ورقة الكحل وتذكر عند ذلك الاخرى فلم يمكنه الذهاب والتدارك ليلا لبعد المكان وفوات الوقت والمسكين صلى العشاء وأكتحل من الورقة فزال بصره في الحال واستمر مكفوفا إلى أن مات سحر ليلة الأحد سادس عشر ذي الحجة من آخر السنة وصلي عليه من الغد بسبيل المؤمنين ودفن بقبره الذي أعده لنفسه بالقرب من بن أبي جمرة عوضه الله الجنة. ومات الرجل الصالح الأمير مراد أغا تابع قيطاس بك القطامشي وكان منجمعا عن الناس راضيا بحاله قانعا بمعيشته ملازما على حضور الجماعة والصلوات في المسجد. توفي يوم الأربعاء سابع عشرين شوال وصلي عليه بمصلى أيوب بك ودفن بالقرافة عند الطحاوي. ج / 1 ص -439- ومات الأمير حسن كتخدا مستحفظان القازدغلي الملقب بقرا وكان من الأمراء الكبار أصحاب الحل والعقد بمصر في الزمن السابق وانقطع في بيته عن المقارشة والتداخل في الأمور وكان مريضا بمرض الأكلة في فمه ولذلك تركه علي بك واهمله حتى مات يوم الثلاثاء ثالث عشر ذي القعدة من السنة عن ذلك المرض وورم في رجليه أيضا ودفن في يومه ذلك بالقرافة. ومات أيضا مصطفى أفندي الأشقر كاتب ديوان علي بك خنقه خليل باشا بالقلعة في سابع عشرين جمادى الأولى بموجب مرسوم من الدولة حضر بطلب رأسه ورأس عبدالله كتخذا ونعمان أفندي ومرتضي أغا فوجد محمد بك امضى الأمر في عبد الله كتخدا وقطع رأسه في منزله بيد عبد الرحمن أغا ونعمان افندي ذهب إلى الحجاز اثر موت علي بك وكذلك مرتضى أغا اختفى وتغيب وذهب من مصر ولم يعلم له مكان واستمر المترجم فطلبه الباشا فلما حضر إليه أمر بخنقه فخنقوه وسلخوا رأسه ودفنوه بالقرافة وأخذ موجوداته الباشا إلى الميرى. ومات الأجل المبجل المجيد الضابط الماهر إسمعيل بن عبد الرحمن الرومي الأصل ثم المصري المكتب الملقب بالوهبي شيخ الخطاطين بمصر كتب الخط وجوده على شيخ عصره السيد محمد النورى وبرع واجتهد واشتغل قليلا بالعلم وكتب بيده المصاحف مرارا. وأما نسخ الدلائل والاحزاب والأوراد السبعة فمما لا يحصى كثرة وكان إنسانا حسنا بشوشا محبا للناس فيه مكارم الأخلاق وطيب النفس كتب عليه غالب من بمصر من أهل الكتابة وكان صاحب نقش وهمة عالية. وكان يلي منصب سيده في الخدمة العسكرية وكتب عدة ألواح كبار وتوجه بها باشارة بعض أمراء مصر إلى المدينة المنورة. فعلقها في المواجهة الشريفة بيده ونال بهذه الزيارة الشريفة والخدمة المنيفة سرورا وشرفا. ولما كانت سنة ج / 1 ص -440- 1181 أتى الأمر من صاحب الدولة بتوجيه بعض عساكر مصرية تقوية للمجهادين فكان هو من جملة المعينين فيهم رئيسا في طائفتهم فتوجه إلى الأسكندرية وركب منها إلى الروم وابلى في تلك السفرة بلاء حسنا. وبعد مدة اذن لهم بالانصراف فعاد إلى مصر وقد وهنت قواه واعترته الأمراض وزاد شكواه وهو مع ذلك يكتب ويفيد ويجيز ويعيد ويحضر مجالس أهل الخط على عادته. وجلس ملازما لفراشه مدة حتى وافاه الحمام ليلة الأحد سادس عشر ذي الحجة فجهز وصلى عليه بمشهد حافل في مصلى المؤمنين ودفن عند ابن أبي جمرة قرب العياشي في قبر كان أعده لنفسه منذ مدة ولم يخلف بعده مثله رحمه الله. تاريخ عجائب الآثار في التراجم والأخبار سنة ثمان وثمانين ومائة وألف. استهلت ووالي مصر خليل باشا محجور عليه ليس له في الولاية إلا الأسم والعلامة على الأوراق والتصرف الكلي للامير الكبير محمد بك أبي الذهب والأمراء واعيان الدولة مماليكه واشرافاته والوقت في هدوء وسكون وامن والاحكام في الجملة مرضية والاسعار رخية وفي الناس بقية وستائر الحياء عليهم مرخية شعر: ماالدهر في حال السكون بساكن ولكنه مستجمـــع لـــــوثوب ومات في هذه السنة الإمام العلامة والتحرير الفهامة حامل لواء العلوم على كأهل فضله ومحرر دقائق المنطوق والمفهوم بتحريره ونقله من تكلحت بحبره عيون الفتوى وتشنفت المسامع بما عنه يروى وارتفع من حضيض التقليد إلى ذرا الفضائل وسابق في حلبة العلوم فحاز قصب الفواضل الروض النضير الذي ليس له في سائر العلوم نظير وهو في فقه النعمان الجامع الكبير عمدة الانام وفيلسوف الإسلام سيدى ووالدي بدر الملة أبي التدائي حسن بن برهان الدين إبراهيم ابن ج / 1 ص -441- الشيخ العلامة حسن ابن الشيخ نور الدين علي بن الوالي الصالح شمس الدين محمد بن الشيخ زين الدين عبد الرحمن الزيلعي الجبرتي العقيلي الحنفي وبلاد الجبرت هي بلاد الزيلع باراضي الحبشة تحت حكم الخطي ملك الحبشة وهم عدة بلاد معروفة تسكنها هذه الطائفة وهم المسلمون بذلك الاقليم ويتمذهبون بمذهب الحنفي والشافعي لا غير وينسبون إلى سيدنا اسلم بن عقيل بن أبي طالب وكان اميرهم في عهد النبي صلى الله عليه وسلم النجاشي المشهور الذي أمن به ولم يره وصلى عليه النبي صلى الله عليه وسلم صلاة الغيبة كما هو مشهور في كتب الأحاديث وهم قوم يغلب عليهم التقشف والصلاح ويأتون من بلادهم بقصد الحج والمجاورة في طلب العلم ويحجون مشاة ولهم رواق بالمدينة المنورة ورواق بمكة المشرفة ورواق بالجامع الأزهر بمصر وللحافظ المقريزي مؤلف في أخبار بلادهم وتفصيل احوالهم ونسبهم. ومنهم القطب الكبير والمعتقد الشهير الشيخ إسمعيل بن سودكين الجبرتي تلميذ الشيخ ابن العربي ويسمى قطب اليمن والشيخ عبد الله الذي ترجمه الحافظ السيوطي في حسن المحاضرة وهو الذي كان يعتقده الملك الظاهر برقوق وأوصى عند موته بأن يدفن تحت قدمه بالصحراء ومنهم الولي العارف الشيخ علي الجبرتي الذي كان يعتقده السلطان الأشرف قايتباي وارتحل إلى بحيرة ادكو فيما بين رشيد والاسكندرية وبنى هناك مسجدا عظيما ووقف عليه عدة أماكن وقيعان وأنوال حياكة وبساتين ونخيل كثيرة وهو موجود إلى الآن عامر بذكر الله والصلاة وهو تحت نظر الفقير إلا أن غالب اماكنه زحفت عليها الرمال وطمستها وغابت تحتها وفيه إلى الآن بقية صالحة. وبنى أيضا مسجدا شرقي عمارة السلطان قايتباي ودفن به وقد خرب وانطمست معالمه ولم يبق إلا مدفنه وحوله حائط منهدم من غير باب ولا سقف وقبره ظاهر مكشوف يزار وللناس فيه اعتقاد عظيم. ج / 1 ص -442- ومن كراماته التي أكرمه الله بها أنه يرى على قبره في بعض الليالي المظلمة نور مثل القنديل المستنير يري ذلك سكان العمارة وغيرهم وهو أمر مشهور ومنها أن السفار وقوافل الاعراب ينزلون بأحمالهم حول قبره في الحوطة ويتركونها من غير حارس ليالي وأياما آمنين فلا يتعدى عليها سارق البتة ويعتقدون العطب للجاني في بدنه أو ماله وهو أمر مشهور أيضا مقرر في اذهانهم إلى الآن. ومنهم الإمام الحجة المجتهد الفقيه الأصولي الجدلي صاحب التصحيح والترجيح فخر الدين أبي عمر وعثمان الحنفي الزيلعي شارح الكنز المسمى بتبيين الحقائق شرح كنز الدقائق المدفون بحوطة سيدي عقبة بن عامر الجهني والشيخ الزيلعي الشافعي المدفون بالقرافة الكبرى وغير هؤلاء كثير ببلادهم وبأرض الحجاز ومصر والقصد بذلك التعريف بالنسبة قال تعالى: {وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} والنجاشي أول من أمن بالنبي صلى الله عليه وسلم من الملوك ولم يره وأسلم على يد ابن عمه جعفر بن أبي طالب وزوجه أم حبيبة رضي الله عنها وجهزها من عنده وأرسلها للنبي صلى الله عليه وسلم من الحبشة إلى المدينة ومن أراد الاطلاع على أخبار النجاشي رضي الله عنه مع النبي صلى الله عليه وسلم وهداياه إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهدايا النبي إليه وبعض أخبار الحبشة وما رد فيهم من الآيات الأحاديث والأثار فلينظر في كتاب الطراز المنقوش في محاسن الحبوش للإمام العلامة علاء الدين محمد بن عبد الله البخاري خطيب المدينة المنورة ورفع شأن الحبشان للعلامة جلال الدين السيوطي وتنوير الغبش في فضائلي السودان والحبش لابن الجوزي وفي تفسير البغوى اخرج أبو داود عن عائشة رضي الله عنها قالت لما مات النجاشي كنا نحدث أنه لا يزال يرى على قبره نور وفي أزهار العروش في من عرف اسمه من الصحابة الحبوش ومن عبيدة صلى الله عليه وسلم. ج / 1 ص -443- ومنهم أحد كبار المجاهدين والمهاجرين بلال بن رباح مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم ومولى أبي بكر الصديق وهو أول من اذن في الإسلام وأول من ثوب في الفجر كما في الأوائل للسيوطي وكان خازن رسول الله صلى الله عليه وسلم على بيت المال كما في تهذيب الأسماء واللغات وكان يبدل الشين بالسين فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم في شأنه: "شين بلال سين عندي وعند الله". وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول: كان أبو بكر سيدنا واعتق سيدنا يعنى بلالا. وروى عنه كثير من كبار الصحابة ومنهم أبو بكر وعمر وعلي وابن مسعود وابن عمر واسامة بن زيد وجابر وأبو سعيد الخدري وكعب بن عرفجة والبراء ابن عازب وغيرهم وجماعة من التابعين رضي الله عنهم اجمعين. ومنهم شقران بضم الشين المعجمة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأما خدامه من الحبشة الاحرار فكثيرون وكذلك الصحابيات من امائه وأهل بيته. ومنهم ام ايمن ذات الهجرتين وهي مرضعته وحاضنته وحليمة السعدية وثويبة وبركة جارية ام حبيبة وبريرة مولاة عائشة رصى الله عنها وتبعة جارية ام هانىء بنت أبي طالب وغفرة وسعيرة كذلك عبيد الصحابة. ومنهم مهجع بكسر الميم وفتح الجيم مولى عمر بن الخطاب وهو أول من استشهد ببدر وكان من المهاجرين الأولين وعده النبي صلى الله عليه وسلم من سادات أهل الجنة وقال في شأنه يوم قتل سيد الشهداء مهجع وهو أول من يدعى إلى باب الجنة من هذه الأمة. ومنهم أسلم مولى عمر بن الخطاب وأيمن الحبشي المكي والد عبد الواحد ابن ايمن وبسار مولى المغيرة بن شعبة اخرج الحسن بن محمد الخلال في كرامات الأولياء عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم فقال لي: "يا أبا هريرة يدخل علي الساعة ج / 1 ص -444- من هذا الباب رجل من أجل السبعة الذين يدفع الله عز وجل عن أهل الأرض بهم الاذى". فإذا حبشى قد طلع من ذلك الباب أقرع أجدع على رأسه جرة فيها ماء. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا أبا هريرة هو هذا". ثم قال: "مرحبا بيسار" ثلاث مرات وكان يرش المسجد ويكنسه ومات في عهده صلى الله عليه وسلم. واما الصحابة الاحرار من الجيوش الاخيار الذين كانوا يخدمون الرسول وأصحابه وأهل بيته فكثيرون جدا لا يمكن استيعابهم في هذا الأستطراد ضبطا وعددا وكذلك ابناء الحبشات من قريش من الصحابة والتابعين وأهل البيت الطاهرين والخلفاء العباسيين ومن ولد بأرض الحبشة من الصحابة من الحبشان مثل صفوان ابن امية بن خلف الجمحي وعمرو ابن العاص وغيرهما مثل عبد الله بن جعفر بن أبي طالب وهو أول مولود في الإسلام بأرض الحبشة بالاتفاق وكان يسمى بحر الجود وأخباره في السخاء والكرم مشهورة والحرث بن حاطب الصحابي ومحمد بن حاطب وعمرو بن أبي سلمة وفي الجيوش أخلاق لطيفة وشمائل ظريفة وفيهم الحذق والفطانة ولطافة الطباع وصفاء القلوب لكونهم من جنس لقمان الحكيم وهم أجناس منهم السحرتي والامحرى وهم أحسن أجناس الحبوش الموصوفين بالصباحة والملاحة والفصاحة والسماحة والنعومة في الخد والرشاقة في القد ولله در الشيخ العلامة القاضي عبد البر ابن الشحنة الحنفي حيث يقول: حبشية سألتها عن جنسها فتبسمت عن در ثغر جوهري فطفقت أسأل عن نعومة ما خفى قالت فما تبغيه جنسى أمحرى والامحرية تفوق على السحرتية باللطف والظرف والسحرتية تفوق على الامحرية بالشدة والعنف فبينهما عموم وخصوص مطلق وقيل: إن النجاشي منهم رضي الله عنه ويقال أن بني أرفدة الذين لعبوا بحرابهم ج / 1 ص -445- بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم وفازوا بخطابه أعني قوله لهم دونكم يا بني ارفدة منهم ويقرب من هذين النوعين نوعان آخران نوع الدموات وبلين ونوعان آخران وهما قمو وقتر ونوع آخر يسمى ازاره. عود وانعطاف. ان الشيخ عبد الرحمن وهو الجد السابع لجامعه وإليه ينتهي علمنا بالاجداد هو الذي ارتحل من بلاده ووصل الينا خبره سلفا عن خلف فقدم من طريق البحر إلى جدة وانتقل إلى مكة فجاور بها. وحج مرارا وذهب أيضا إلى المدينة المنورة فجاور بها سنتين ولقي من لقي بالحرمين من الأشياخ وتلقى عنهم ثم رجع إلى جدة وحضر إلى مصر من طريق القلزم فدخل إلى الجامع الأزهر في أوائل العاشر وجاور بالرواق ولازم حضور الأشياخ واجتهد في التحصيل وتولى شيخا على الرواق والتكلم على طائفته وتزوج وولد له. فلما مات خلف ولده الشيخ شمس الدين محمد ونشأ على قدم الصلاح والاشتغال بطلب العلم وتولى مشيخة الرواق كوالده وانجب وقرأ دروسا في الفقه والمعقول بالرواق وكان على غاية من الصلاح وملازمة الجماعة والسنن ولا يبيت عند عياله ليلة أو ليلتين في الجمعة وغالب لياليه يبيتها بالرواق لاجل الأشتغال بالمطالعة أول الليل على السهارة والتهجد آخره. ومما اتفق له وعد من كراماته أن السراج انطفأ في بعض الليالي الشتوية فايقظ النقيب ليسرج له سراجا فقام من نومه متكرها وأخذ قنديلا وذهب ليسرجه فلما عاد به وقرب من الرواق رأى نورا فستر ذلك القنديل ونظر إليه من بعد لينظر من أين أتاه الأسراج فوجده يطالع في الكراس وهو في يده اليسار وسبابة يده اليمنى رافعها وهي تضىء مثل الشمعة المستنيرة ويطالع في نورها. ثم دخل النقيب بالقنديل فاختفى ذلك الضوء وعلم الشيخ ذلك من النقيب فعاتبه على التجسس وأشار إليه بكتمان سره ولم يعش الشيخ بعد ذلك إلا قليلا. ج / 1 ص -446- وتوفي إلى رحمة الله تعالى. وخلف ابنه الشيخ علي فنشأ أيضا على قدم اسلافه في ملازمة العلم والعمل وصار له شهرة وتزوج بزينب بنت الإمام العلامة القاضي عبد الرحمن الجويني ولم يزل مواظبا على شأنه وطريقة اسلافه حتى توفي وخلف ولديه الإمام العلامة الشيخ حسن الذي تقدم ذكر تجرمته المتوفي سنة 1097 وأخاه الشبخ عبد الرحمن ومات في حياة أخيه سنة 1086 وكان لزينب الجوينية اماكن جارية في ملكها وقفتها على ولدي زوجها المذكورين. ولما توفي الشيخ حسن أعقب الجد إبراهيم وضيعا فكفلته والدته الحاجة مريم بنت الشيخ العمدة الضابط محمد بن عمر المنزلي الأنصاري فنشأ أيضا نشوءا صالحا حتى بلغ الحلم فزوجوه بستيتة بنت عبد الوهاب أفندي الدلجي في سنة 1108 وبنى بها في تلك السنة وحملت بالمترجم وولدته في سنة عشر ومائة وألف ومات والده وعمره شهر واحد وسن والده إذ ذاك ست عشرة سنة فربته والدته بكفالة جدته أم أبيه المذكورة وصاية الإمام العلامة الشيخ محمد النشرتي وقرروه في مشيخة الرواق كأسلافه والمتكلم عند الوصي المذكور فتربى في حجورهم حتى ترعرع وحفظ القرآن وعمره عشر سنين واشتغل بحفظ المتون فحفظ الألفية والجوهرة ومتن كنز الدقائق في الفقه ومتن السلم والرحبية ومنظومة ابن الشحنة في الفرائض وغير ذلك. واتفق له في أثناء ذلك وهو ابن ثلاث عشرة سنة أنه مر مع خادمه بطريق الأزهر فنظر شيخ مقبل منور الوجه والشيبة وعليه جلالة ووقار طاعن في السن والناس يزدحمون على تقبيل يده ويتبركون به فسأل عنه وعرف أنه ابن الشيخ الشرنبلالي فتقدم إليه ليقبل يده كغيره فنظر إليه الشيخ وتوسمه وقبض على يده وقال من يكون هذا الغلام ومن أبوه فعرفوه عنه فتبسم وقال عرفته بالشبه. ثم وقف وقال: اسمع يا ولدي أنا قرأت على جدك وهو قرأ على والدي وأحب أن تقرأ علي شيئا وأجيزك وتتصل بيننا سلسلة ج / 1 ص -447- الاسناد وتلحق الاحفاد بالاجداد. فامتثل اشارته ولازم الحضور عنده في كل يوم وقرأ عليه متن نور الايضاح تأليف والده في العبادات وكتب له الاجازة ونصها الحمد لله الذي أنعم على عبده بتوفيقه وأرشده إلى سواء طريقه وإذاقه حلاوة التفقه في دينه وتمام تحقيقه وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا سريك له المنعم بلطائف الانعام وعظيمه ودقيقه وأشهد أن سيدنا وسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله الهادي إلى الخير الكامل والجبر الشامل فأصبح كل أحد مغمورا في بحر فضله وجوده محفوظا من كيد الشيطان وجنوده وتعويقه وعلى آله الأطهار وصحابته الاخيار. وبعد فقد حضر لدى الولد النجيب الموفق اللبيب الفطن الماهر الذكي الباهر سليل العلماء الأعلام نتيجة الفضلاء العظام نور الدين حسن بن برهان الدين إبراهيم بن العلامة مفتي المسلمين وإمام المحققين الشيخ حسن الجبرتي الحنفي رحم الله اسلافه وبارك فيه وقرأ على متن نور الإيضاح من أوله إلى آخره تأليف والدي المندرج إلى رحمة الله تعالى سيدي وسندى الإمام العلامة الشيخ حسن ابن عمار الشرنبلالي وأجزته أن يروى ذلك عني وجميع ما يجوز لي روايته اجازة عامة كما أجازني به وتفقه أبي حنيفة النعمان رضي الله عنه كما تلقى ذلك هو عن الشيخ علي المقدسي شارح نظم الكنز عن العلامة الشلبي شارح الكنز عن القاضي عبد البر بن الشحنة عن المحقق الكمال بن الهمام عن سراج الدين قارىء الهداية عن علاء الدين السيرامي عن السيد جلال الدين شارح الهداية عن علاء الدين بن عبد العزيز البخاري عن حافظ الدين صاحب الكنز عن شمس الأئمة الكردري عن برهان الدين صاحب الهداية عن فخر الإسلام البزدوى عن شمس الأئمة السرخسي عن شمس الأئمة الحلواني عن القاضي ابن علي النسفي عن الإمام محمد بن الفضل البخاري عن عبد الله السند موني عن الأمير عبد الله بن أبي حفص ج / 1 ص -448- البخاري عن أبيه المذكور عن الإمام محمد بن الحسن الشيباني عن الإمام أبي يوسف عن الإمام الاعظم أبي حنيفة النعمان بن ثابت رضي الله عنه عن الإمام حماد بن سليمان عن إبراهيم النخعي عن الإمام علقمة عن عبد الله بن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم عن أمين الوحي جبريل عليه السلام عن الله عز وجل. وأوصى الولد الاعز بالتقوى ومراقبة الله في السر والنجوى والله تعالى يوقفه وينفع به وبعلومه ويهدينا وأياه لما كان عليه السلف الصالح في اسساس الدين ورسومه. قال ذلك الفقير إلى الله تعالى: حسن بن حسن الشرنبلالي الحنفي في ثالث ربيع الأول من سنة 1123 وتوفي الشيخ في آخر تلك السنة وقد جاوز التسعين. واشتغل المترجم واجتهد في طلب العلوم وحضر اشياخ العصر وتفقه على الإمام العلامة السيد علي السيواسي الضرير وحضر عليه شرح الكنز للعيني والدر المختار وكتاب الأشباه والنظائر لابن نجيم وشرح المنار لابن نجيم وشرح المنار لابن فرشتة وشرح التحرير للكمال بن الهمام وشرح جمع الجوامع ومختصر السعد وعلى العلامة الشيخ أحمد التونسي المعروف بالدقدوسي الحنفي شرح الكنز للعلامة الزيلعي والدرر لملاخسرو والسيد علي السراجية في الفرائض وشرح منظومة بن الشحنة في الفرائض والشنشورى على الرحبية والتلخيص ومتن الحكم وشرح التحفة وعلى الشيخ علي العقدي الحنفي ملا مسكين على الكنز ومتن الهداية والسراجية والمنار والنزهة في علم الغبار والقلصادى ومنظومة ابن الهائم وعلى الفقيه محمد بن عبد العزيز الزيادى الحنفي ملتقى الأبحر وفتح القدير والحكم لابن عطاء والقدورى وعقود الجمان في المعاني والبيان وأيساغوجي وعلى الشيخ الفقيد المحدث الشهاب أحمد بن مصطفى الأسكندري الشهير بالصياغ شرح الكبرى وام البراهين وشرح العقائد والمواقف وشرح المقاصد للسعد والكشاف والبيضاوى والشمائل والصحيحين رواية ودراية والأربعين ج / 1 ص -449- النووية والمشارق والقطب على الشمسية والمواهب اللدنية وشرح النخبة وعلى الشيخ منصور المنوفي شرح ابن عقيل على الالفية والشيخ خالد على الآجرومية والأزهرية والتوضيح وشرح تصريف العزى وشرح التلمسانية والخبيصي على التهذيب وشيخ الإسلام على الخزرجية وعلى الشيخ عيد النمرسي شرح الورقات والسمرقندية وآداب البحث والعضدية والعصام على السمرقندية وعلم الجبر والمقابلة والعروض واعمال المناسخات والكسورات والأعداد الصم والغربال والمساحة والحساب وعلى الشيخ شلبي البرانسي تلخيص المفتاح والمطول والتجريد وعلى الشيخ محمد السجيني الضرير المكودى على الالفية والفاكهي وشرح الشذور وملاجامي وشرح مختصر ابن الحاجب والمطول وعلى الشيخ أحمد العمادى شرح الجوهرة لعبد السلام والسكتاني على الصغرى وشرح مختصر السنوسي والكافي ونوادر الأصول والجامع الصغير وشرح المقاصد وعلى الشيخ حسن المدابغي الأشموني على الالفية وشرح المراح وقواعد الاعراب والمغنى وعلى الشيخ الملوى شرحه على السلم وشرح معراج الغيظي وأوضح المسالك وأوائل الكتب الستة والمسلسلات والمسندات وحضر أيضا دروس الشيخ عبد الرؤف البشبيشي وأبو العز العجمي وغيرهما وجد في التحصيل حتى فاق أهل عصره وباحث وناضل ودرس بالرواق في الفقه والمعقول وبالسنانية ببولاق. وكان لجدته أم أبيه مكان مشرف على النيل بربع الخرنوب عندما كان النيل ملاصقا لسدته فساكنها مدة فكان يغدو إلى الجامع ثم يعود إلى بولاق وله حاصل بربع الخرنوب يجلس فيه حصة ثم يعود إلى السنانية فيملي هناك درسا ثم احترق ذلك المنزل بما فيه وتلف فيه اشياء كثيرة من المتاع والصيني القديم فانتقلت إلى مصر وكانوا يذهبون إلى مكان لها بمصر العتيقة في أيام النيل بقصد النزهة وهي التي أعانته على تحصيل العلوم اشتغاله بالعلم كان يعاني التجارة ج / 1 ص -450- والبيع والشراء والمشاركة والمضاربة والمقايضة وكانت جدته ذات غنية وثروة ولها أملاك وعقارات ووقفت عليه أماكن ومنها الوكالة بالصنادقية والحوانيت بجوارها وبالغورية ومرجوش ومنزل بجوار المدرسة الاقبغاوية ورتبت في وقفها عدة خيرات ومكتب لاقراء أيتام المسلمين بالحانوت المواجه للوكالة المذكورة وربعة تقرأ في كل يوم وختمات في ليالي المواسم وقصعتي تريد في كل ليلة من ليالي رمضان وثلاث جواميس تفرق على الفقهاء والايتام والفقراء في عيد الأضحية. وتزوج بجدته المذكورة بعد موت جده الأمير علي أغا باش اخيتار متفرقة المعروف بالطورى وتزوج المترجم بابنته وله حكم قلاع الطور والسويس والمويلح وكانت إذ ذاك عامرة وبها المرابطون ويصرف عليهم العلوفات والاحتياجات. ولما مات علي أغا المذكور سنة سبع وثلاثين تقلد ذلك بعده المترجم مدة مع كونه في عداد العلماء وربي معتوقية عثمان وعليا ولم يزالا في كنفه حتى مات بعد مدة طويلة وأرسل خادما له يسعى سليمان الحصافي جربجيا على قلعة المويلح فقتلوه هناك فتكدر لذلك وترك هذا الأمر وأعرض عنه وأقبل على شأنه من الأشتغال وماتت زوجته بنت الأمير علي أغا المذكور في حياة ابيها فتزوج ببنت رمضان جلبي بن يوسف المعروف بالخشاب تابع كور محمد وهم بيت مجد وثروة ببولاق ولهم املاك وعقارات وأوقاف ومن ذلك وكالة الكتان وربع وحوانيت تجاه جامع الزردكاش وبيت كبير بساحل النيل وآخره تجاه جامع مزره جربجي وهو سكن رمضان جلبي المذكور وكان إنسانا حسنا رقيق الحاشية وفيه فضيلة وسليفة جيدة. ومات رمضان جلبي المذكور سنة 1139 واستمرت ابنته في عصمة المترجم حتى ماتت في المحرم سنة 1182 وعمرها ستون سنة. وكانت من الصالحات الخيرات المصونات وحجت صحبته في سنة أحدى وخمسين وكانت به بارة وله مطيعة. ومن جملة برهالة وطاعتها أنها كانت تشتري له من ج / 1 ص -451- السراري الحسان من مالها وتنظمهن بالحلي والملابس وتقدمهن إليه وتعتقد حصول الأجر والثواب لها بذلك وكان يتزوج عليها كثيرا من الحرائر ويشتري الجوارى فلا تتأثر من ذلك ولا يحصل عندها ما يحصل في النساء من الغيرة. ومن الوقائع الغريبة أنه لما حج المترجم في سنة ست وخمسين واجتمع به الشيخ عمر الحلبي بمكة الوصي بان يشترى جارية بيضاء تكون بكرا دون البلوغ وصفتها كذا وكذا فلما عاد من الحج طلب من اليسرجية الجوارى لينقى منهن المطلوب فلم يزل حتى وقع على الغرض فاشتراها وأدخلها عند زوجته المذكورة حتى يرسلها مع من أوصاه بارسالها صحبته. فلما حضر وقت السفر أخبرها بذلك لتعمل لهم ما يجب من الزوادة ونحو ذلك فقالت له إني أحببت هذه الوصية حبا شديدا ولا أقدر على فراقها وليس لي أولاد وقد جعلتها مثل ابنتي والجارية بكت أيضا وقالت لا أفارق سيدتي ولا اذهب من عندها أبدا. فقال: وكيف يكون العمل قالت ادفع ثمنها من عندى واشتر أنت غيرها ففعل. ثم انها اعتقتها وعقدت له عليها وجهزتها وفرشت لها مكانا على حدتها وبنى بها في سنة خمس وستين وكانت لا تقدر على فراقها ساعة مع كونها صارت ضرتها وولدت له أولادا. فلما كان في سنة اثنين وثمانين المذكورة مرضت الجارية فمرضت فقامت الجارية في ضحوة النهار فنظرت إلى مولاتها وكانت في حالة غطوسها فبكت وزاد بها الحال وماتت تلك الليلة فأضجعوها بجانبها فاستيقظت مولاتها آخر الليل وحبستها بيدها وصارت تقول أن قلبي يحدثني انها ماتت ورأيت في منامي ما يدل على ذلك فلما تحققت ذلك قامت وجلست وهي تقول لا حياة لي بعدها وصارت تبكي وتنتحب حتى طلع النهار وشرعوا في تشهيلها وتجهيزها وغسلوها بين يديها وشالوا جنازتها ورجعت إلى فراشها ودخلت في سكرات الموت وماتت آخر النهار وخرجوا بجنازتها أيضا في اليوم الثاني. وهذا من أعجب ما شاهدته ج / 1 ص -452- ورأيته ووعيته وكان سني إذ ذاك أربع عشرة سنة. واشتغل المترجم في أيام اشتغاله بتجويد الخط فكتب على عبد الله أفندي الانيس وحسن أفندي الضيائي طريقة الثلث والنسخ حتى أحكم ذلك وأجازه الكتبة وأذنوه أن يكتب الاذن على اصطلاحهم ثم جود في التعليق على أحمد أفندي الهندى النقاش لفصوص الخواتم حتى أحكم ذلك وغلب على خطه طريقته ومشى عليها وكتب الديواني والقرمة وحفظ الشاهدى واللسان الفارسى والتركي حتى أن كثيرا من الاعاجم والأتراك يعتقدون أن أصله من بلادهم لفصاحته في التكلم بلسانهم ولغتهم. وفي سنة أربع وأربعين اشتغل بالرياضيات فقرأ على الشيخ محمد النجاحي رقائق الحقائق للسبط المارديني والمجيب والمقنطر ونتيجة اللادقي والرضوانية والدرلابن المجدى ومنحرفات السبط وإلى هنا انتهت معرفة الشيخ النجاحي. وعند ذلك انفتح له الباب وانكشف عنه الحجاب وعرف السمت والأرتفاع والتقاسم والأرباع والميل الثاني والأول والأصل الحقيقي والمعدل وخالط أرباب المعارف وكل من كان من بحر الفن غارف وحل الرموز وفتح الكنوز واستخرج نتائج الدر اليتيم والتعديل والتقويم وحقق اشكال الوسايط في المنحرفات والبسائط والزيج والمحلولات وحركات التداوير والنطاقات والتسهيل والتقريب والحل والتركيب والسهام والظلال ودقائق الأعمال وانتهت إليه الرياسة في الصناعة واذعنت له أهل المعرفة بالطاعة وسلم له عطارد وجمشيد الراصد وناظره المشترى وشهد له الطوسي والأبهري وتبوأ من ذلك العلم مكانا عليا وزاحم بمنكبه العيوق والثريا وقدم القدوة العلامة والحكيم الفهامة الشيخ حسام الدين الهندي وكان متضلعا من العلوم الرياضية والمعارف الحكمية والفلسفية فنزل بمسجد في مصر القديمة واجتمع عليه بعض الطلبة مثل الشيخ الوسمي والشيخ أحمد الدمنهوري وتلقوا عنه أشياء في الهيئة فبلغ خبره المترجم ج / 1 ص -453- فذهب إليه للاخذ عنه فاغتبط به الشيخ وأحبه وأقبل بكليته عليه فلم يزل به حتى نقله إلى داره وافرد له مكانا وأكرم نزله وقام باوده وطالع عليه الجغميني وقاضي زاده عليه والتبصرة والتذكرة وهداية الحكمة لأثير الدين الأبهري وما عليها من المواد والشروح مثل السيد والمبيدي قراءة بحث وتحقيق وأشكال التأسيس في الهندسة وتحرير اقليدس والمتوسطات والمبادي والغايات والأكر وعلم الأرتماطيقي وجغرافيا وعلم المساحة وغير ذلك. ثم أراد أن يلقنه على الصنعة الألهية وكان من الواصلين فيها فغالطه عن ذلك وأبت نفسه الأشتغال بسوى العلوم المهذبة للنفس وكان يحكي عنه أمورا وعبارات واشارات تشعر بأنه كان من الكمل الواصلي في كل شيء ولم يزل عنده حتى عزم على الرحلة وسافر إلى بلاده. وقدم إلى مصر الإمام العلامة الشيخ محمد الغلاني الكشناوى وسكن بدرب الأتراك فأجتمع عليه المترجم وتلقى عنه علم الأوفاق وقرأ عليه شرح منظومة الجزنائية للقوصاني والدر والترياق والمرجانية في خصوص المخمس الخالي الوسط والأصول والضوابط والوفق المئيني وعلم التكسير للحروف وغير ذلك وسافر الشيخ إلى الحج وجاور هناك فلما رجع أنزله عنده وصحبته زوجته وجواره وعبيده وكمل عنده غالب مؤلفاته ولم يزل حتى مات كما تقدم ذكر ذلك في ترجمته ولقي المترجم في حجاته الشيخ النخلي وعبدالله بن سالم البصري وعمر بن أحمد ابن عقيل المكي والشيخ محمد حياة السندي الكوراني وأبو الحسن السندى والسيد محمد السقاف وغيرهم وتلقى عنهم واجازوه وتلقوا هم أيضا عنه ولقنه الشيخ أبو الحسن السندى طريق السادة النقشبندية والأسماء الأدريسية. وهذه صورة اجازة الشيخ عمر ابن أحمد بن عقيل ومن خطه نقلت بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله وكفى وسلام على عباده الذين ج / 1 ص -454- اصطفى خصوصا أفضل أنبيائه وعترته الطاهرين وصحابته أجمعين وبعد فإن مما تطابقت عليه النصوص وتوافقت عليه ألسنة العموم والخصوص أن الباحث عن ألسنة الغراء لأتباع هدى سيد الأنبياء الموجب لمحبة ذي الآلاء والنعماء هو الفائز بالقدح المعلى والمرفوع إلى المقام الأعلى ومن المعلوم أنه لم يبق في زماننا ما يتداول منها إلا التعلل برسوم الأسناد بعد انتقال أهل المنزل والناد فذو الهمة هو الذي يثابر على تحصيل أعلاه وينافس في فهم متنه ويفحص عن معناه ويناقش في رجاله الذين عليهم مغناه إلا وهو الشيخ الأجل الراقي بعزمه المتين من العلم والعمل إلى أعلى محل سيدنا وأستاذنا الشيخ حسن المرحوم إبراهيم بن الشيخ حسن الجبرتي أمده الله بالمدد الألهي فطلب من هذا الفقير أن أجيزه فلما لم أجد بدا من الأمتثال قلت سائلا التوفيق في الأول والفعال أجزت مولانا الشيخ حسن المذكور المنوه بذكره أعلى السطور أجزل الله تعالى له الأجور ما يجوز لي وعني روايته من مقروء ومسموع وأصول وفروع بشرطه المعتبر من تقوى الله والصيانة وضبط الألفاظ وسير الرجال والديانة حسبما أجازني بذلك شيوخ أكابر عدة هم في الشدائد عدة ومنهم بل من أجلهم سيدي وجدي لأمي بعد أن قرأت عليه جانبا كبيرا من كتب الحديث وغيره قراءة تحقيق وتدقيق وغيره من الشيوخ أهل التوفيق وقد سمع مولانا الشيخ حسن منى أوائل البخارى ومسلم وأبي داود والنسائي والترمذى وابن ماجه والموطأ فليروعني المجاز المذكور متى شاء مما اتصلت بي روايته متى أراد رفع سند أو كتاب لمن هو من أهل الدراية وهو دام أنسه وزكا قدسه في غنية عن ذلك ولكن جرت العادة بأخذ الأكابر عن الأصاغر تكثيرا لسوادنا فهي سنة الأوائل والأواخر. وكذلك اجرت له بالصلاة المشهورة النفع بهذه الصيغة اللهم صل على سيدنا محمد وآله كما لا نهاية لكمالك وعد كماله حسبما أجازني بها ملانا الشيخ طاهر ج / 1 ص -455- ابن الملا إبراهيم الكوراني عن شيخه الشيخ حسن المنوفي مفتي الحنفية بالمدينة سابقا عن شيخه مولانا الشيخ علي الشبراملسي عن بعض اجلاء شيوخه وأمره أن يصلي بها بين المغرب والعشاء بلا عدد معين وبالمواظبة عليها يظهر نتائج فتحها خصوصا لمبتغى هذا العلم المجد في طلبه من ذويه نفعه الله تعالى بالعلم وجعله من أهل يه وقد أجزت الشيخ المذكور ضاعف الله تعالى له الأجور بالاسماء الأربعينية الادريسية السهروردية بقراءتها واقرائها لخل صادق أن وجد كما أجازني بذلك جملة من الشيوخ وقد اتصل سندي بها أيضا عن مولانا وسيدنا الامجد مولانا الشيخ أحمد بن محمد النخلي أنزل عليه شآبيب الرحمة والغفران الواحد العلي وهو يرويها عن الشيخ حجازي الديربي عن الشيخ شهاب الدين أحمد بن علي الخامي الشناوي وأجازه شيخه أيضا بشرحها للشيخ عثمان النحراوى قال الشيخ عثمان: أجازني بالاسماء الادريسية العظام الشيخ كمال الدين السوداني وهو يرويها عن شيخه أبي المواهب أحمد الشناوى عن السيد صبغة الله أحمد عن السيد وجيه الدين العلوى عن الحاج حميد الشهير بالشيخ محمد الغوث عن الحاج حصور عن أبي الفتح هدية الله سيرمست عن الشيخ قاضن الستارى عن الشيخ ركن الدين صينوورى عن الشيخ يابوتاج الدين عن السيد جلال الدين البخارى عن الشيخ ركن الدين أبي الفتح عن الشيخ صدر الدين أبي الفضل عن الشيخ أبي البركات بهاء الدين زكريا عن شيخ الشيوخ شهاب الدين السهروردى عن سيدي وجيه الدين المعروف بعمويه عن الشيخ أحمد اسود الدينوري عن الشيخ ممشاد الدينوري عن الشيخ أبي القاسم الجنيد البغدادى عن خاله سرى السقطى عن الشيخ معروف الكرخي عن الشيخ داود الطائي عن الشيخ حبيب العجمي عن سيد التابعين حسن البصري عن إمام المشارق والمغارب سيدنا علي بن أبي طالب عن ج / 1 ص -456- سيدنا ومولانا سيد الخلق حبيب الحق عبده ورسوله وحبيبه وصفيه وخليله النبي الرسول الحاوى لجميع الكمالات الأصلية والفرعية الجامع لكل الصفات السنية والمراتب العلية المبعوث لكل الخلق المتخصص بالقرب من العالم الحق سيد الكونين والثقلين والفريقين من عرب ومن عجم محمد صلى الله عليه وسلم قال ذلك بفمه وكتبه بقلمه أسير ذنبه عمر بن أحمد بن عقيل السقاف باعلوى حفيد مولانا الشيخ عبد الله ابن سالم البصري عفا الله تعالى عنهم أجمعين سائلا من الشيخ المذكور أن لا ينساني وأصولي ومشايخي في الدين وجميع أقاربي من صالح الدعوات في خلواته وجلواته وحركاته وسكناته وأوصيه بما أوصي به نفسي وسائر المسلمين من ملازمة التقوى وكمال الأستعداد واتباع سبيل الهدى والرشاد واسأل الله تعالى الكريم المنان أن يوفقني وأياه والمسلمين لصالح القول والعمل ويجنبنا الخطأ والزلل ويجعلنا من العلماء العاملين والهداة الراشدين وإن يميتنا على سنة سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحابته أجمعين في كل وقت وحين. وللمترجم أشياخ غير هؤلاء كثيرون اجتمع بهم وتلقى عنهم وشاركهم وشاركوه مثل علي أفندي الداغستاني والشيخ عبد ربه سليمان بن أحمد الفشتالي الفاسي والشيخ عبد اللطيف الشامي والجمال يوسف الكلارجي والشيخ رمضان الخوانكي والشيخ محمد النشيلي والشيخ عمر الحلبي والشيخ حسين عبد الشكور المكي والشيخ إبراهيم الزمزمي وحسن أفندي قطعة مسكين وأحمد افندي الكرتلي والأستاذ عبد الخالق بن وفي وكان خصيصا به وأجازه بالأحزاب وهو الذي كناه بأبي التداني وألبسه التاج الوفائي والسيد مصطفى العيدروس وولده السيد عبد الرحمن والسيد عبد الله العيدروسي والشيخ علي بندق الشناوى الأحمدى وكثير من المشايخ الأزهرية مثل السيد محمد البنوفرى والشيخ عمر الأسقاطي والشيخ أحمد الجوهرى والشيخ أحمد ج / 1 ص -457- الدلجي بن خال المترجم والشيخ أحمد الراشدى والشيخ إبراهيم الحلبي صاحب حاشية الدر والسيد سعودى محشي ملا مسكين وغيرهم من الآكابر والاخيار وأهل الأسرار والانوار حتى كمل في المعارف والفنون ورمقته بالاجلال العيون وعلا شأنه على علماء الزمان وتميز بين الاقران واذعنت له أهل الاذواق وشاع ذكره في الآفاق ووفدت عليه الطلاب البلدانية والواردون من النواحي الآفاقية وأتوا إليه من كل فج يسعون لميقاته ولزموا الطواف بكعبة فضله والوقوف بعرفاته فمنهم من ينفر بعد اتمام نسكه وبلوغ امنيته ومنهم من يواظب على الاعتكاف بساحته وكان رحمه الله عذب المورد للطالبين طلق المحيا للورادين يكرم كل من أم حماه ويبلغ الراجي مناه والمقتفى جدواه والراغب أقصى مرماه مع البشاشة والطلاقة وسعة الصدر والرياقة وعدم رؤية المنة على المحتدى ومسامحة الجاهل والمعتدى مع حسن الاخلاق والصفات التي سجدت لها الخناصر كأنها آيات سجدات وكانت ذاته جامعة للفضائل والفواضل منزهة عن النقائص والرذائل وقورا محتشما مهيبا في الاعين معظما في النفوس محبوبا للقلوب لا يعادى أحدا ولا يخاصم على الدنيا فلذلك لا تجد من يكرهه ولا من ينقم عليه في شيء من الأشياء وأما مكارم الاخلاق والحلم والصفح والتواضع والقناعة وشرف النفس وكظم الغيظ والأنبساط إلى الجليل والحقير كل ذلك سجيته وطبعه من غير تكلف لذلك ولا يرى لنفسه مقاما أصلا ولا يعرف التصنع في الأمور ولا دعوى علم ولا معرفة ولا مشيخة على التلاميذ والطلبة ولا يرضي التعاظم ولا تقبيل اليد وله منزلة عظيمة في قلوب الآكابر والأمراء والوزراء والأعيان ويسعون إليه ويذهب إليهم لبعض المقتضيات والشفاعات ويرسل إليهم فلا يردون شفاعته ولا يتوانون في حاجة يتكلم فيها وله عندهم محبة ومنزلة في قلوبهم زيادة عن نظرائه من الأشياخ لمعرفته ج / 1 ص -458- بلسانهم ولغتهم واصطلاحهم ورغبتهم فيما يعلمونه فيه من المزايا والاسرار والمعارف المختص بها دون غيره وخصوصا أكابر العثمانيين والوزراء وأهل العلوم والفضلاء منهم مثل علي باشا ابن الحكيم وراغب باشا وأحمد باشا الكور وغيرهم ويأتون إليه أحيانا في التبديل. وأكرموه وهادوه كل ذلك مع العفة والعزة وعدم التطلع لشيء من أسباب الدنيا بوظيفة أو مرتب أو فائظ أو نحو ذلك. وكان بينه وبين الأمير عثمان بك ذي الفقار صحبة ومحبة وحج في أيام إمارته على الحج مرافقا له ثلاث مرات من ماله وصلب حاله ولم يصله منه سوى ما كان يرسله إليه على سبيل الهدية وكان منزل سكنه الذي بالصنادقية ضيقا من أسفل وكثير الدرج فعالجه إبراهيم كتخدا على أن يشترى له أو يبني له دارا واسعة فلم يقبل وكذلك عبد الرحمن كتخدا وكان له ثلاثة مساكن أحدها هذا المنزل بالقرب من الأزهر وآخر بالابزارية بشاطىء النيل ومنزل زوجته القديمة تجاه جامع مرزه. وفي كل منزل زوجة وسرار وخدم فكان ينتقل فيها مع أصحابه وتلامذته وكان يقتني المماليك والعبيد والجوارى البيض والحبوش والسود ومات له من الأولاد نيف وأربعون ولدا ذكورا واناثا كلهم دون البلوغ ولم يعش له من الأولاد سوى الحقير وكان يرى الأشتغال بغير العلم من العبثيات وإذا أتاه طالب فرح به وأقبل عليه ورغبه وأكرمه وخصوصا إذا كان غريبا وربما دعاه للمحاورة عنده وصار من جملة عياله ومنهم من أقام عشرين عاما قياما ونياما لا يتكلف إلى شىء من أمر معاشه حتى غسل ثيابه من غير ملل ولا ضجر. وانجب عليه كثير من علماء وقته المحققين طبقة بعد طبقة مثل الشيخ أحمد الراشدى والشيخ إبراهيم الحلبي والشيخ مصطفى أبي الاتقان الخياط والسيد قاسم التونسي والشيخ العلامة أحمد العروسي والشيخ إبراهيم الصيحاني المغربي والطبقة الاخيرة التي ادركناها مثل الشيخ أبي الحسن ج / 1 ص -459- القلعي والشيخ عبد الرحمن البناني. وأما الملازمون له فهم الشيخ محمد ابن إسمعيل النفراوي والشيخ محمد الصبان والشيخ محمد عرفة الدسوقي والشيخ محمد الأمير والشيخ محمد الشافعي الجناجي المالكي والشيخ مصطفى الريس البولاقي والشيخ محمد الشوبري والشيخ عبد الرحمن العريشي والشيخ محمد الفرماوى وهؤلاء كانوا المختصين به الملازمين عنده ليلا ونهارا وخصوصا الشيخ محمد النفراوى والصبان ومحمود أفندي النيشي والفرماوى والشيخ محمد الأمير والشيخ محمد عرفة فإنهم كانوا بمنزلة أولاده خصوصا الأولين فانهما كانا لا يقارفانه إلا وقت اقراء دروسهما وكان يباسط اخصاءه منهم ويمازحهم ويروحهم بالمناسبات والأدبيات والنوادر والأبيات الشعرية والمواليات والمجونيات والحكايات اللطيفة والنكات الظريفة وينتقلون صحبته في منازل بولاق ومواطن النزهة فيقطعون الأوقات ويشغلونها حصة في مدارسة العلم وأخرى في مطارحات المسائل وأخرى للمفاكهة والمباسطة والنوادر الأدبية. ومن الملازمين على الترداد عليه والأخذ عنه الشيخ محمد الجوهرى والشيخ سالم القيرواني ومحمد أفندي مفتي الجزائر والسيد محمد الدمرداش وولداه السيد عثمان والسيد محمد. وممن تلقى عنه شيخ الشيوخ الشيخ علي العدوى تلقى شرح الزيلعي على الكنز في الفقه الحنفي وكثيرا من المسائل الحكمية. ولما قرأ كتاب المواقف فكان يناقشه في بعض المسائل محققو الطلبة فيتوقف في تصويرها لهم فيقوم من حلقته ويقول لهم: اصبروا مكانكم حتى اذهب إلى من هو أعرف مني بذلك وأعود اليكم. ويأتي إلى المترجم فيصورها له بأسهل عبارة ويقوم في الحال فيرجع إلى درسه ويحققها لهم وهذا من أعظم الديانة والانصاف. وقد تكرر منه ذلك غير مرة وكان يقول عنه: لم نر ولم نسمع من توغل في علم الحكمة والفلسفة وزاد إيمانه إلا هو رحم الله الجميع. وممن تلقى عنه من أشياخ ج / 1 ص -460- العصر العلامة الشيخ محمد المصليحي والعلامة الشيخ حسن الجداوي والشيخ محمد المسودى والشيخ أحمد بن يونس والشيخ محمد الهلباوى والشيخ أحمد السجاعي لازمه كثيرا وأخذ عنه في الهيئة والفلكيات والهداية وألف في ذلك متونا وشروحا وحواشي. وأما من تلقى عنه من الآفاقيين وأهالي بلاد الروم والشام وداغستان والمغاربة والحجازيين فلا يحصون واجل الحجازيين الشيخ إبراهيم الزمزمي. وأما ما اجتمع عنده وما اقتناه من الكتب في سائر العلوم فكثير جدا قلما اجتمع ما يقاربها في الكثرة عند غيره من العلماء أو غيرهم. وكان سموحا باعارتها وتغييرها للطلبة وذلك كان السبب في اتلاف أكثرها وتخريمها وضياعها حتى أنه كان أعد محلا في المنزل ووضع فيه نسخا من الكتب المستعملة التي يتداول علماء الأزهر قراءتها للطلبة مثل الأشموني وابن عقيل والشيخ خالد وشروحه والأزهرية وشروحها والشذور وكذلك من كتب التوحيد مثل شروح الجوهرة والهدهدى وشرح السنوسية والكبرى والصغرى وكتب المنطق والاستعارات والمعاني وكذلك كتب الحديث والتفسير والفقه في المذاهب وغير ذلك فكانوا يأتون إلى ذلك المكان ويأخذون ويغيرون وينقلون من غير استئذان فمنهم من يأخذ الكتاب ولا يرده ومنهم من يهمل التغيير فتضيع الكراريس ومنهم من يسافر ويتركها عند غيره ومنهم من يهمل آخر الكتاب ويتفق أن الإثنين والثلاثة يشتركون في الكتاب الواحد والنسخة الواحدة ولا بد من حصول التلف من أحدهم ولا بد من حصول الضياع والتلف في كل سنة وخصوصا في أواخر الكتب عندما تفتر هممهم. وأكثر الناس منحرفو الطباع معوجو الأوضاع. واقتنى أيضا كتبا نفيسة خلاف المتداولة وأرسل إليه السلطان مصطفى نسخا من خزائنه وكذلك أكابر الدولة بالروم ومصر وباشة تونس والجزائر واجتمع لديه من كتب الاعاجم مثل الكلستان وديوان حافظ ج / 1 ص -461- وشاه نامه وتواريخ العجم وكليله ودمنه ويوسف زليخا وغير ذلك وبها من التشاويه والتصاوير البديعة الصنعة الغريبة الشكل وكذلك الآلات الفلكية من الكرات النحاس التي كان اعتنى بوضعها حسن افندي الروزنامجي بيد رضوان افندى الفلكي كما تقدم في ترجمتها. ولما مات حسن أفندي المذكور اشترى جميعها من تركته وكذلك غيرها من الآلات الارتفاعية والميالات وحبق الارصاد والاسطرلابات والأرباع والعدد الهندسية وأدوات غالب الصنائع مثل التجارين والخراطين والحدادين والسمكرية والمجلدين والنقاشين والصواغ وآلات الرسم والتقاسيم ويجتمع به كل متقن وعارف في صناعته مثل حسن أفندي الساعاتي وكان ساكنا عنده وعابدين أفندي الساعاتي وعلي افندي رضوان وكان من أرباب المعارف في كل شيء ومحمد افندى الأسكندراني والشيخ محمد الاقفالي وإبراهيم السكاكيني والشيخ محمد الزبداني وكان فريدا في صناعة التراكيب والتقاطير واستخراج المياه والادهان وغير هؤلاء ممن رأيت ومن لم أر وحضر إليه طلاب من الافرنج وقراوا عليه علم الهندسة وذلك سنة تسع وخمسين وأهدوا له من صنائعهم وآلاتهم اشياء نفيسة وذهبوا إلى بلادهم ونشروا بها ذلك العلم من ذلك الوقت وأخرجوه من القوة إلى الفعل واستخرجوا به الصنائع البديعة مثل طواحين الهواء وجر الاثقال واستنباط المياه وغير ذلك. وفي أيام اشتغاله بالرسم رسم ما لا يحصى من المنحرفات والمزاول على الرخامات والبلاط الكذان ونصبها في اماكن كثيرة ومساجد شهيرة مثل الأزهر والاشرفية وقوصون ومشهد الإمام الشافعي والسادات. وفي الآثار منها ثلاثة واحدة باعلى القصر وأخرى على البوابة وأخرى عظيمة بسطح الجامع بقى منها قطعة وكسر باقيها فراشو الأمراء الذين كانوا ينزلون هناك للنزاهة ليمسحوا بها صواني الأطعمة الصفر وكذلك بورد أن بالتماس مصطفى أغا الورداني ج / 1 ص -462- وكذلك بحوش مدفن الرزازين بالتماس رضوان جرجبي الرزاز رحمه الله ولما تمهر الآخذون عنه والملازمون عنده ترك الأشتغال بذلك واحال الطلاب عليهم فإذا كان الطالب من أبناء العرب تقيد بتلميذه الشيخ محمد ابن إسمعيل النفراوى وإن كان من الاعاجم والاتراك تقيد بمحمود افندي النيشي. واشتغل هو بمدارسة الفقه واقرائه ومراجعة الفتاوى والتحرى في الفروع الفقهية والمسائل الخلاقية وانكب عليه الناس يستفتونه في وقائعهم ودعاويهم. وتقرر في اذهانهم تحرية الحق والنصوص حتى أن القضاة لا يثقون إلا بفتواه دون غيره وتقيد للمراجعة عنده الشيخ عبد الرحمن العريشي فانفتحت قريحته وراج أمره وترشح بعده للافتاء. وكان المترجم لا يعتني بالتأليف إلا في بعض التحقيقات المهمة منها نزهة العينين في زاكاة المعدنين ورفع الأشكال بظهور العشر في العشر في غالب الأشكال والاقوال المعربة عن أحوال الأشربة وكشف اللثام عن وجوه مخدرات النصف الأول من ذوى الارحام والوشي المجمل في النسب المحمل والقول الصائب في الحكم على الغائب وبلوغ الآمال في كيفية الأستقبال والجداول البهية برياض الخزرجية في علم العروض واصلاح الأسفار عن وجوه بعض مخدرات الدر المختار ومآخذ الضبط في اعتراض الشرط على الشرط والنسمات الفيحية على الرسالة الفتحية والعجالة على أعدل آلة وحقائق الدقائق على دقائق الحقائق واخصر المختصرات على ربع المقنطرات والثمرات المجنية من أبواب الفتحية والمفصحة فيما يتعلق بالاسطحة والدر الثمين في علم الموازين وحاشية على شرح فاضي زادة على الجغميني لم تكمل وحاشية على الدر المختار لم تكمل ومناسك الحج وغير ذلك جواش وتقييدات على العصام والحفيد والمطول والمواقف والهداية في الحكمة والبرزنجي على قاضي زاده وأمثلة وبراهين هندسية شتى. وماله من الرسومات المخترعة ج / 1 ص -463- والآلات النافعة المبتدعة ومنها الآلة المربعة لمعرفة الجهات والسمت والانحرافات باسهل ماخذو أقرب طريق والدائرة التاريخية وبركار الدرجة. واتفق أنه في سنة اثنتين وسبعين وقع الخلل في الموازين والقبابين وجهل أمر وضعها ورسمها وبعد تحديدها وريحها ومشيلها واستخراج رمامينها وظهر فيها الخطأ واختلفت مقادير الموزونات وترتب على ذلك ضياع الحقوق وتلاف الأموال وفسد على الصناع تقليدهم الذى درجوا عليه فعند ذلك تحركت همة المترجم لتصحيح ذلك وأحضر الصناع لذلك من الحدادين والسباكين وحرر المثاقيل والصنج الكبار والصغار والقرسطونات ورسمها بطريق الأستخراج على أصل العلم العملي والوضع الهندسي وصرف على ذلك أموالا من عنده ابتغاء لوجه الله ثم أحضر كبار القبانية والوزانين مثل الشيخ علي خليل والسيد منصور والشيخ علي حسن والشيخ حسن ربيع وغيرهم وبين لهم ما هم عليه من الخطأ وعرفهم طريق الصواب في ذلك وأطلعهم على سر الوضع والصنعة ومكنونها واحضروا العدد وأصلحوا منها ما يمكن اصلاحه وابطلوا ما تقدم وضعه وفسدت لقمه ومراكزه وقيدوا بصناعة ذلك الأسطى مراد الحداد ومحمد ابن عثمان حتى تحررت الموازين وانضبط أمرها وانصلح شأنها. وسرت في الناس العدالة الشرعية المأمورين بإقامتها واستمر العمل في ذلك أشهرا وهذا هو السبب الحامل له على تصنيف الكتاب المذكور وهذا هو ثمرة العلم ونتيجة المعرفة والحكمة المشار إليها بقوله تعالى: {يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ}. ولما وصل إلى مصر الشيخ إبراهيم بن أبي البركات العباسي البغدادي الشهير بابن السويدى في سنة 1175 وكان إماما فاضلا فصيحا مفوها ينظم الشعر بالاملاء ارتجالا في أي قافية من أى بحر من غير تكلف فأنزله المترجم وأكرمه واغتبط به وصار يتنقل صحبته مع الجماعة بمنازل بولاق والمنتزهات. واتفق أنه تمرض أياما فأقام بمنزل بولاق ج / 1 ص -464- المشرف على النيل فقيد به من يعوله ويخدمه ويعلل مزاجه فكان كلما اختلى بنفسه وهبت عليه النسمات الشمالية والنفحات البحرية أخذ القلم ببنانه ونقش على أخشابه وحيطانه فكتب نحو العشرين قصيدة على مواقف عديدة كلها مدائح في المذكور والرياض والزهور والكوثر والسلسبيل وجريان النيل وتركت بحالها وذهبت كغيرها. وفي سنة تسع وسبعين توفي ولده أخي لأبي أبو الفلاح علي وقد بلغ من العمر اثنتي عشرة سنة. فحزن عليه وانقبض خاطره وانحرف مزاجه وتوالت عليه النوازل وأوجاع المفاصل وترك الذهاب إلى بولاق وغيرها ونقل العيال من هناك ولازم البيت الذي بالصنادقية واقتصر عليه وفتر عن الحركة إلا في النادر. وصار يملي الدروس بالمنزل ويكتب على الفتاوى ويراجع المسائل الشرعية والقضايا الحكمية مع الديانة والتحرى والمراجعة والإستنباط والقياس الصحيح ومراعاة الأصول والقواعد ومطارحات التحقيقات والفوائد وتلقي الوافدين وأكرام الواردين وإطعام الطعام وتبليغ القاصد المرام ومراعاة الأقارب والأجانب مع البشاشة ولين الجانب وسعة الصدر وحسن الاخلاق مع الخلان وال أصحاب والرفاق ويخدم بنفسه جلاسه ولا يمل معهم ايناسه ولا يبخل بالموجود ولا يتكلف المفقود ولا يتصنع في أحواله ولا يتمشدق في أقواله ويلاحظ السنة في أفعاله. ومن أخلاقه أنه كان يجلس بآخر المجلس على اى هيئة كان بعمامة وبدونها ويلبس أى شيء كان ويتحزم ولو بكنار الجوخ أو قطعة خرقة أو شال كشميرى أو محزم ولا ينام على فراش ممهد بل ينام كيفما اتفق وكان أكثر نومه وهو جالس وله مع الله جانب كبير كثير الذكر دائم المراقبة والفكر ينام أول الليل ويقوم آخره فيصلي ما تيسر من النوافل والوتر ثم يشتغل بالذكر حتى يطلع الفجر فيصلي الصبح ويجلس كذلك إلى طلوع الشمس فيضطجع قليلا أو ينام وهو جالس مستندا وهذا دأبه ج / 1 ص -465- على الدوام. ويحاذر الرياء ما أمكن وكان يصوم رجب وشعبان ورمضان ولا يقول: إني صائم وربما ذهب إلى بعض الأعيان أو دعي إلى وليمة فيأتون إليه بالقهوة والشربات فلا يرد ذلك بل يأخذها ويوهم الشرب وكذلك الأكل ويضايع ذلك بالمؤانسة والمباسطة مع صاحب المكان والجالسين. وكان مع مسايرته للناس وبشاشته ومخاطبته لهم على قدر عقولهم عظيم الهيبة في نفوسهم وقورا محتشما ذا جلال وجمال. وسمعت مرة شيخنا سيدي الشيخ محمودا الكردى يقول: أنا عندما كنت أراه داخلا في دهليز الجامع يداخلني منه هيبة عظيمة وأدخل إلى رواقنا وانظر إليه من داخل وأسأل المجاورين عنه فيقولون لي هذا الشيخ الجبرتي فأتعجب لما يداخلني من هيبته دون غيره من الأشياخ فلما تكرر على ذلك أخبرت الأستاذ الحفني فتبسم وقال لي: نعم أنه صاحب اسرار. وكان مربوع القامة ضخم الكراديس ابيض اللون عظيم اللحية منور الشيبة واسع العينين غزير شعر الحاجبين وجيه الطلعة يهابه كل من يراه ويود أنه لا يصرف نظره عن جميل محياه. ولم يزل على طريقته المفيدة وأفعاله الحميدة إلى أن آذنت شمسه بالزوال وغربت بعد ما طلعت من مشرق الاقبال وتعلل اثني عشر يوما بالهيضة الصفراوية فكان كلما تناول شيئا قذفته معدته عندما يريد الاضطجاع إلى أن اقتصر على المشروبات فقط وهو مع ذلك لا يصلي إلا من قيام. ولم يغب عن حواسه وكان ذكره في هذه المدة يقرأ الصمدية مرة ثم يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم بالصيغة السنوسية كذلك ثم الأسم العشرين من الأسماء الإدريسية وهو يا رحيم كل صريخ ومكروب وغياثه ومعاذه هكذا كان دأبه ليلا ونهارا حتى توفى يوم الثلاثاء قبيل الزوال غرة شهر صفر من السنة وجهز في صبحة يوم الأربعاء وصلي عليه بالأزهر بمشهد حافل جدا ودفن عند اسلافه بتربة الصحراء بجوار الشمس البابلي والخطيب ج / 1 ص -466- الشربيني ومات وله من العمر سبع وسبعون سنة. ومات الإمام العلامة الفقيه المعمر الشيخ أحمد بن محمد الحماقي الحنفي كان أبوه من كبار علماء الشافعية فتحنف هذا بأذن الإمام الشافعي والشيخ أحمد البنوفرى والشيخ سليمان المنصورى وغيرهم وتصدر رضي الله عنه لرؤيا رآها وكان يخبر بها من لفظه وتلقى عن أئمة عصره كالشيخ أحمد الدقدوسي والشيخ علي العقدي ومحمد عبد العزيز الزيادى والشيخ أحمد البنوفرى والشيخ سليمان المنصورى وغيرهم وتصدر للاقراء والتدريس بالجامع الأزهر مدة سنين ثم تولى مشيخة افتاء الحنفية بعد موت الشيخ حسن المقدسي. وكان إنسانا حسنا دمث الاخلاق حسن العشرة صافي الطوية عارفا بفروع المذهب لين الجانب لا يتحاشى الجلوس في الأسواق والقهاوى وكان اخوانه من أهل العلم ينقمون عليه في ذلك فلا يبالي باعتراضهم ولم يزل حتى توفي في سحر ليلة الجمعة خامس عشرى صفر من السنة رحمه الله. ومات الإمام الفقيه العلامة المحدث الفرضي الأصولي الورع الزاهد الصالح الشيخ أحمد بن محمد بن محمد بن شاهين الراشدى الشافعي الأزهري ولد بالراشدية قرية بالغربية سنة 1118 وبها نشأ وحفظ القرآن وجوده وقدم الأزهر فتفقه على الشيخ مصطفى العزيزى والشيخ مصطفى العشماوى وأخذ الحساب والفرائض عن الشيخ محمد الغمرى وسمع الكتب الستة على الشيخ عيد النمرسي بطرفيها وبعضها على الشيخ عبد الوهاب الطندتاوى وسيدى محمد الصغير وله شيوخ كثيرون. ورافق الشيخ الوالد وعاشره مدة طويلة وتلقى عنه وهو أحد أصحابه من الطبقة الأولى ولم يزل محافظا على وده وتردده ومؤانسته ويتذكر الازمان السالفة والأيام الماضية وله شيوخ كثيرون. وكان من جملة محفوظاته البهجة الوردية وقد انفرد في عصره بذلك واعتنى بالكتب الستة كتابة ومقابلة وتصحيحا وكان حسن التلاوة للقرآن حلو الأداء مع معرفته ج / 1 ص -467- بأصول الموسيقي ولذلك ناطت به رغبة الأمراء فصلى إماما بالأمير محمد بك ابن إسمعيل بك مع كمال العفة والوقار والانجماع عن الناس حتى أن كثير منهم يود أن يسمع منه حزبا من القرآن فلا يمكنه ذلك ثم اقلع عن ذلك واقبل على إفادة الناس فقرأ المنهج مرارا وابن حجر على المنهاج مرارا وكان يتقنه ويحل مشكلاته بكمال التؤدة والسكينة فاستمر مدة يقرأ دروسه بمدرسة السنانية قرب الأزهر ثم انتقل إلى زاوية قرب المشهد الحسيني وكان تقرير مثل سلاسل الذهب في حسن السبك وقد انتفع به كثير من الأعلام ولما بنى المرحوم محمد بك أبو الذهب المدرسة تجاه الجامع الأزهر في هذه السنة راوده أن يكون خطيبا بها فامتنع فالح عليه وأرسل له صرة فيها دنانير لها صورة فأبى أن يقبل ذلك ورده فالح عليه فلما أكثر عليه خطب بها أول جمعة وألبسه فروة سمور وأعطاه صرة فيها دنانير فقبلها كرها ورجع إلى منزله محموما يقال فيما بلغني أنه طلب من الله أن لا يخطب بعد ذلك فانقطع في منزله مريضا إلى أن توفي ليلة الثلاثاء ثاني شوال من السنة وجهز ثاني يوم وصلى عليه بالأزهر في مشهد حافل ودفن بالقرافة الصغرى تجاه قبة أبي جعفر الطمحاوى ولم يخلف بعده في جمع الفضائل مثله. وكان صفته نحيف البدن منور الوجه والشيبة ناتىء الجبهة ولا يلبس زى الفقهاء ولا العمامة الكبيرة بل يلبس قاووقا لطيفا فتلي ويركب بغلة وعليها سلخ شاة أزرق. وأخذ كتبه الأمير محمد بك ووقفها في كتبخانته التي جعلها بمدرسته وكان لها جرم وكلها صحيحة مخدومة وسرق غالبها. ومات الشيخ الصالح سعد بن محمد بن عبد الله الشنواني حصل في مباديه شيئا كثيرا من العلوم ومال إلى فن الأدب فمهر فيه وتنزل قاضيا في محكمة باب الشعرية بمصر وكان إنسانا حسنا بينه وبين الفضلاء مخاطبات ومحاورات وشعره حسن مقبول وله قصائد ومدائح في الأولياء وغيرهم ج / 1 ص -468- أحسن فيها ولم أعثر على شيء منها وجدد له شيخنا السيد مرتضى نسبة إلى الشيخ شهاب الدين العراقي دفين شنوان. توفي يوم السبت خامس جمادى الثانية من السنة وقد جاوز السبعين رحمه الله. ومات العلامة الفقيه الصالح الدين الشيخ علي بن حسن المالكي الأزهري قرأ على الشيخ على العدوى وبه تخرج وحضر غيره من الأشياخ ومهر في الفقه والمعقول وألقى دروسا بالأزهر ونفع الطلبة وكان ملازما على قراءة الكتب النافعة للمبتدئين مثل أبي الحسن وابن تركي والعشماوية في الفقه وفي النحو الشيخ خالد والأزهرية والشذور وحلقة درسه عظيمة جدا وكان لسانه أبدا متحركا بذكرى الله. توفي ليلة الخميس منتصف ربيع الأول من السنة ودفن بالمجاورين. ومات الشيخ الإمام المحدث البارع الزاهد الصوفي محمد بن أحمد ابن سالم أبو عبد الله السفاريتي النابلسي الحنبلي ولد كما وجد بخطه سنة 1114 تقريبا بسفارين وقرأ القرآن في سنة أحدى وثلاثين في نابلس واشتغل بالعلم قليلا وارتحل إلى دمشق سنة ثلاث وثلاثين ومكث بها قدر خمس سنوات فقرأ بها على الشيخ عبد القادر التغلبي دليل الطالب للشيخ مرعي الحنبلي من أوله إلى آخره قراءة تحقيق والاقناع للشيخ موسى الحجازي وحضره في الجامع الصغير للسيوطي بين العشائين وغيره مما كان يقرأ عليه في سائر أنواع العلوم وذاكره في عدة مباحث من شرحه على الدليل فمنها ما رجع عنها ومنها ما لم يرجع لوجود الأصول التي نقل منها وكان يكرمه ويقدمه على غيره وأجازه بما في ضمن ثبته الذي خرجه له الشيخ محمد بن عبد الرحمن الغزى في سنة خمس وثلاثين وعلى الشيخ عبد الغني النابلسي الأربعين النووية وثلاثيات البخارى والإمام أحمد وحضر دروسه في تفسير القاضي وتفسيره الذي صنفه في علم التصوف وأجازه عموما بسائر ما يجوز له وبمصنفاته كلها. ج / 1 ص -469- وكتب له اجازة مطولة وذكر فيها مصنفاته وعلى الشيخ عبد الرحمن المجلد ثلاثيات البخارى وحضر دروسه العامة وأجازه وعلى الشيخ عبد السلام ابن محمد الكاملي بعض كتب الحديث وشيئا من رسائل اخوان الصفا وعلى ملا الياس الكوراتي كتب المعقول وعلى الشيخ إسمعيل بن محمد العجلوني الصحيح بطرفيه مع مراجعة شروحه الموجودة في كل رجب وشعبان ورمضان من كل سنة مدة أقامته بدمشق وثلاثيات البخارى وبعض ثلاثيات أحمد وشيئا من الجامع الصغير شرحه للمناوى والعلقمي وشيئا من الجامع الكبير وبعضا من كتاب الاحياء مع مراجعة تخريج أحاديثه للزين العراقي والاندلسية في العروض مع مطالعة بعض شروحها وبعضا من شرح شذور الذهب وشرح رسالة الوضع مع حاشيته التي ألفها وحاشية ملا الياس وأجازه بكل ذلك وبما يجوز له روايته وعلى الشيخ أحمد بن علي المنيني شرح جمع الجوامع للمحلى وشرح الكافية لملا جامي وشرح القطر للفاكهي وحضر دروسه للصحيح وشرحه على منظومة الخصائص الصغرى للسيوطي وقد أجازه بكل ذلك أجازة مطولة كتبها بخطه وعلى الشيخ محمد بن عبد الرحمن الغزى بعضا من شرح ألفية العراقي لزكريا وأول سنن أبي داود وعلى قريبه الشيخ أحمد الغزى غالب الصحيح بالجامع الاموى بحضرة جملة من كبار شيوخ المذاهب الأربعة وعلى الشيخ مصطفى بن سوار أول صحيح مسلم وعلى حامد أفندي مفتي الشام المسلسل بالأولية وثلاثيات البخارى وبعض ثلاثيات أحمد وحج سنة ثمان وأربعين فسمع بالمدينة على الشيخ محمد حياة المسلسل بالأولية وأوائل الكتب الستة وتفقه على شيخ المذهب مصطفى بن عبد الحق اللبدى وطه بن أحمد اللبدى ومصطفى بن يوسف الكرمي وعبد الرحيم الكرمي والشيخ المعمر السيد هاشم الحنبلي والشيخ محمد السلقيني وغيرهم ومن شيوخه الشيخ ج / 1 ص -470- محمد الخليلي سمع عليه اشياء والشيخ عبد الله البصروى سمع عليه ثلاثيات أحمد مع المقابلة بالاصل المصحح والشيخ محمد الدقاق أدركه بالمدينة وقرأ عليه أشياء واجتمع بالسيد مصطفى البكرى فلازمه وقرأ عليه مصنفاته وأجازه بما له وكتب له بذلك وله شيوخ اخر غير من ذكرت وله مؤلفات منها شرح عمدة الاحكام للحافظ عبد الغني في مجلدين وشرح ثلاثيات أحمد في مجلد ضخم وشرح نونية الصرصرى الحنبلي سماه معارج الأنوار في سيرة النبي المختار وبحر الوفا في سيرة النبي المصطفى وغذاء الالباب في شرح منظومة الآداب والبحور الزاخرة في علوم الآخرة وشرح الدرة المضية في اعتقاد الفرقة الاثرية ولوائح الأنوار السنية في شرح منظومة أبي بكر بن أبي داود الحائية وكان المترجم شيخا ذا شيبة منورة مهيبا جميل الشكل ناصرا للسنة قامعا للبدعة قوالا بالحق مقبلا على شأنه مداوما على قيام الليل في المسجد ملازما على نشر علوم الحديث محبا في أهله ولا زال يملي ويفيد ويجيز من سنة ثمان وأربعين إلى أن توفي يوم الإثنين ثامن شوال من هذه السنة بنابلس وجهز وصلي عليه بالجامع الكبير ودفن بالمقبرة الزاركنية وكثر الأسف عليه ولم يخلف بعده مثله رحمه الله رحمة واسعة. ومات العمدة المبجل الفاضل الشيخ أحمد بن محمد بن عبد السلام الشرفي المغربي الأصل المصرى المولد وكان والده شيخا على رواق المغاربة بالجامع الأزهر ومن شيوخ الشيخ أحمد الدمنهوري وولده هذا كان له معرفة بعلم الميقات ومشاركة حسنة وفيه صداقة ود وحسن عشرة مع الاخوان ومكارم اخلاق ويدعو الناس والعلماء في المولد النبوي إلى بيته بالازبكية ويقدم لهم الموائد والحلوى وشراب السكر وكان لديه فوائد ومآثر حسنة توفي سابع ربيع الأول من السنة وقد جاوز السبعين رحمه الله. ج / 1 ص -471- ومات العمدة الفاضل الشيخ زين الدين قاسم العبادي الحنفي تفقه على الشيخ سليمان المنصورى والشيخ أحمد بن عمر الأسقاطي إلى أن صار يقرأ درسا في المذهب ولم يزل ملازما شأنه حتى توفي ثالث عشر الحجة من السنة وقد ناهز الثمانين رحمه الله. ومات العمدة المعمر الشيخ عبد الله الموقت بجامع قوصون وكان يعرف بالطويل وكان إنسانا صالحا ناسكا ورعا توفي فجأة في الحمام ثاني عشر الحجة عن سبع وثمانين سنة. ومات العمدة الفاضل الأديب الماهر الشيخ علي بن أحمد بن عبد الرحمن ابن محمد بن عامر العطشي الفيومي الشافعي وهو أخو الشيخ أحمد العطشي وكان له مذاكرة حسنة وحضر على الشيخ الحفني وغيره وكان نعم الرجل توفي في جمادى الآخرة. ومات السيد الشريف المعمر محمد بن حسن بن محمد الحسني الوفائي باش جاويش السادة الأشراف أخذ عن الشيخ المعمر يوسف الطولوني وكان يحكي عنه حكايات مستحسنة وغرائب وكان متقيدا بالسيد محمد أبي هادى الوفائي في أيام نقابته على الأشراف ولديه فضيلة وفوائد توفي في هذه السنة عن نحو ثمانين سنة. ومات الشيخ الصالح سليمان بن داود بن سليمان بن أحمد الخربتاوي وكان من أهل المروءة والدين توفي ثامن عشرى المحرم من السنة في عشر الثمانين. ومات الجناب المكرم الأمير أحمد أغا البارودي وهو من مماليك إبراهيم كتخدا القازدغلي وتزوج بأبنته التي من بنت البارودي وسكن معها في بيتهم المشهور خارج باب سعادة والخرق وولد له منها أولاد ذكور واناث ومنهم صاحبنا إبراهيم جلبي وعلي ومصطفى وهو أستاذ محمد أغا الآتي ذكره ذكره. تقلد المترجم في أيام علي بك مناصب جليلة مثل ج / 1 ص -472- أغاوية المتفرقة وكتخدا الجاويشية وكان إنسانا حسنا صافي الباطن لا يميل طبعه لسوى عمل الخير ويحب أهل العلم وممارستهم وكان له ميل عظيم واعتقاد حسن في المرحوم الشيخ الوالد ويزوره في كل جمعة مع غاية الأدب والامتثال ومما شاهدته من كمال أدبه وشدة اعتقاده وحبه أنه صادفه مرة بالطريق وهو إذ ذاك كتخدا الجاويشية وهو راكب في أبهته وأتباعه والشيخ راكب على بغلته فعندما رآه ترجل ونزل عن جواده وقبل يده فأنكر عليه فعله واستعظمه واستحى منه والتمس منه أن يقيد به بعض الطلبة ليقرئه شيئا من الفقه والدين فقيد به الشيخ عبد الرحمن العريشي فكان يذهب إليه ويطالع له القدورى وغيره وكان يكرمه ويواسيه ولم يزل على حسن حالته حتى توفي في سابع جمادى الأولى من السنة وكان له في منزله خلوة ينفرد فيها بنفسه ويخلع ثياب الأبهة ويلبس كساء صوف أحمر على بدنه ويأخذ سبحة كبيرة يذكر ربه عليها. ومات الأمير الصالح خليل أغا مملوك الأمير عثمان بك الكبير تابع ذي الفقار وهو أستاذ الأمير علي خليل توفي ببلد له بالفيوم وجيء به ميتا في عشية نهار السبت حادى عشرين جمادى الثانية من السنة فغسل وكفن ودفن بالقرافة وكان إنسانا دينا خيرا محبا للعلماء والصلحاء. ومات الأمير إسمعيل أفندي تابع المرحوم الشريف محمد أغا كاتب البيورلدى وكان إنسانا خيرا صالحا توفي يوم الأحد ثاني عشرين جمادى الثانية. ومات السيد المعمر الشريف عبد اللطيف أفندي نقيب الأشراف بالقدس وابن نقبائها عن تسعين سنة تقريبا وولى بعده أكبر أولاده السيد عبد الله أفندي رحمه الله. ومات الأمير المبجل محمد أفندي جاوجان ميسو وكان حافظ لكتاب الله موفقا وفيه فضيلة وفصاحة ويحب العلماء والاشراف ويحسن إليهم. ج / 1 ص -473- توفي ليلة الإثنين عشرين ربيع الأول وصلى عليه بالأزهر ودفن بالمجاورين. ومات الأمير مصطفى بك الصيداوى تابع الأمير علي بك القازدغلي. وكان سبب موته أنه خرج إلى الخلاء جهة قصر العيني وركض جواده فسقط عنه ومات لوقته وحمل إلى منزله بدرب الحجر وجهز وكفن ودفن بالقرافة وذلك في منتصف ربيع الأول من السنة. ومات الأمير علي أغا أبو قوره من جماعة الوكيل سادس عشر ربيع الأول سنة تاريخه. ومات الأمير محمد أفندي الزاملي كاتب قلم الغربية وكان صاحب بشاشة وتودد وحسن اخلاق. توفي في رابع عشرين صفر من السنة وخلف ولده حسن أفندي قلفة الغربية الآتي ذكره في سنة 1202. ومات الخواجا المكرم الحاج محمد عرفات الغزاوي التاجر وهو والد عبد الله ومصطفى. توفي يوم الثلاثاء ثامن صفر من السنة والله تعالى أعلم. تاريخ عجائب الآثار في التراجم والأخبار سنة تسع وثمانين ومائة وألف. فيها عزم محمد بك أبو الذهب على السفر والتوجه إلى البلاد الشامية بقصد محابة الظاهر عمر واستخلاص ما بيده من البلاد فبرز خيامه إلى العادلية وفرق الأموال والتراحيل على الأمراء والعساكر والمماليك واستعد لذلك استعدادا عظيما في البحر والبر وأنزل بالمراكب الذخيرة والجبخانة والمدافع والقنابل والمدفع الكبير المسمى بأبو مايلة الذى كان سبكه في العام الماضي. وسافر بجموعه وعساكره في أوائل المحرم وأخذ صحبته مراد بك وإبراهيم بك طنان وإسمعيل بك تابع إسمعيل بك الكبير لا غير وترك بمصر إبراهيم بك وجعله عوضا عنه في إمارة مصر وإسمعيل بك وباقي الأمراء والباشا الذي بالقلعة وهو مصطفى باشا ج / 1 ص -474- النابلسي وأرباب العكاكيز والخدم والوجاقلية. ولم يزل في سيره حتى وصل إلى جهة غزة وارتجت البلاد لوروده ولم يقف أحد في وجهه وتحصن أهل يافا بها وكذلك الظاهر عمر تحصن بعكا فلما وصل إلى يافا حاصرها وضيق على أهلها وامتنعوا هم أيضا عليه وحاربوه من داخل وحاربهم من خارج ورمى عليهم بالمدافع والمكاحل والقنابر عدة أيام وليالي فكانوا يصعدون إلى أعلى السور ويسبون المصريين وأميرهم سبا قبيحا. فلم يزالوا بالحرب عليها حتى نقبوا أسوارها وهجموا عليها من كل ناحية وملكوها عنوة ونهبوها وقبضوا على أهلها وربطوهم في الحبال والجنازير وسبوا النساء والصبيان وقتلوا منهم مقتلة عظيمة. ثم جمعوا الأسرى خارج البلد ودوروا فيهم السيف وقتلوهم عن آخرهم ولم يميزوا بين الشريف والنصراني واليهودي والعالم والج أهل والعامي والسوقي ولا بين الظالم والمظلوم وربما عوقب من لا جنى وبنوا من رؤوس القتلى عدة صوامع ووجوهها بارزة تنسف عليها الاتربة والرياح والزوابع ثم ارتحل عنها طالبا عكا فلما بلغ الظاهر عمر ما وقع بيافا اشتد خوفه وخرج من عكا هاربا وتركها وحصونها فوصل إليها محمد بك ودخلها من غير مانع وأذعنت له باقي البلاد ودخلوا تحت طاعته وخافوا سطوته وداخل محمد بك من الغرور والفرح مالا مزيد عليه وما آل به إلى الموت والهلاك. وأرسل بالبشائر إلى مصر والأمراء بالزينة فنودى بذلك وزينت مصر وبولاق والقاهرة وخارجها زينة عظيمة وعمل بها وقدات وشنكات وحراقات وأفراح ثلاثة أيام بلي إليها وذلك في أوائل ربيع الثاني. فعند انقضاء ذلك ورد الخبر بموت محمد بك واستمر في كل يوم يفشو الخبر وينمو ويزيد ويتناقل ويتأكد حتى وردت السعاة بتصحيح ذلك وشاع في الناس وصاروا يتعجبون ويتلون قوله تعالى: {حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ}. ج / 1 ص -475- وذلك أنه لما تم له الأمر وملك البلاد المصرية والشامية واذعن الجميع لطاعته وقد أرسل إسمعيل أغا اخا علي بيك الغزاوى إلى اسلامبول يطلب امرية مصر والشام وأرسل صحبته أموالا وهدايا فأجيب إلى ذلك وأعطوه التقاليد والخلع والبرق والداقم وأرسل له المراسلات والبشائر بتمام الأمر فوافاه ذلك يوم دخوله عكا فامتلأ فرحا وحم بدنه في الحال فأقام محموما ثلاثة أيام ومات ليلة الرابع ثامن ربيع الثاني. ووافى خبر موته إسمعيل آغا عندما تهيأ ونزل في المراكب يريد المسير إلى مخدومه فانتقض الأمر وردت التقاليد وباقي الأشياء. ولما تم له أمر يافا وعكا وباقي البلاد والثغور فرح الأمراء والأجناد الذين بصحبته برجوعهم إلى مصر وصاروا متشوقين للرحيل والرجوع إلى الأوطان. فاجتمعوا إليه في اليوم الذي نزل به ما نزل في ليلته فتبين لهم من كلامه عدم العود وانه يريد تقليدهم المناصب والاحكام بالديار الشامية وبلاد السواحل وأمرهم بارسال المكاتبات إلى بيوتهم وعيالهم بالبشارات بما فتح الله عليهم وما سيفتح لهم ويطمنوهم ويطلبوا احتياجاتهم ولوازمهم المحتاجين إليها من مصر. فعند ذلك اغتموا وعلموا أنهم لا براح لهم وإن أمله غير هذا وذهب كل إلى مخيمه يفكر في أمره قال الناقل: وأقمنا على ذلك الثلاثة أيام التي تمرض فيها وأكثرنا لا يعلم بمرضه ولا يدخل إليه إلا بعض خواصه ولا يذكرون ذلك إلا بقولهم في اليوم الثالث أنه منحرف المزاج. فلما كان في صبح الليلة التي مات بها نظرنا إلى صيوانه وقد انهدم ركنه وأولاد الخزنة في حركة ثم زاد الحال وجردوا على بعضهم السلاح بسبب المال وظهر أمر موته وارتبك العرضي وحضر مراد بيك فصدهم وكفهم عن بعضهم وجمع كبراءهم وتشاوروا في أمرهم وأرضي خواطرهم خوفا من وقوع الفشل فيهم وتشتتهم في بلاد الغربة وطمع الشاميين وشماتتهم فيهم. واتفق رأيهم على الرحيل وأخذوا رمة سيدهم صحبتهم. ج / 1 ص -476- ولما تحقق عندهم أنهم أن دفنوه هناك في بعض المواضع أخرجه أهل البلاد ونبشوه وأحرقوه فغسلوه وكفنوه ولفوه في المشمعات ووضعوه في عربة وارتحلوا به طالبين الديار المصرية. فوصلوا في ستة عشر يوما ليلة الرابع والعشرين من شهر ربيع الثاني أواخر النهار فأرداوا دفنه بالقرافة. وحضر الشيخ الصعيدي فأشار بدفنه في مدرسته تجاه الأزهر فحفروا له قبرا في الليوان الصغير الشرقي وبنوه ليلا ولما أصبح النهار عملوا له مشهدا وخرجوا بجنازته من بيته الذي بقوصون ومشى إمامه المشايخ والعلماء والأمراء وجميع الاحزاب والأوراد وأطفال المكاتب وإمام نعشه مجامر العنبر والعود سترا على رائحته ونتنه حتى وصلوا به إلى مدفنه وعملوا عنده ختمات وقراءات وصدقات عدة ليال وأيام نحو أربعين يوما. واستقرأ تباعه أمراء ورئيسهم إبراهيم بيك ومراد بيك وباقيهم الذين أمرهم في حياته ومات عنهم يوسف بيك وأحمد بيك الكلارجي ومصطفى بيك الكبير وأيوب بيك الكبير وذو الفقار بيك ومحمد بيك طبال ورضوان بيك والذين تأمروا بعده أيوب بك الدفتردار وسليمان بيك الأغا وإبراهيم بيك الوالي وأيوب بيك الصغير وقاسم بيك الموسقو وعثمان بيك الشرقاوى ومراد بيك الصغير وسليم بيك أبو دياب ولاجين بيك وسيأتي ذكر أخبارهم. من مات في هذه السنة من الأعيان. مات الإمام الهمام شيخ مشايخ الإسلام عالم العلماء الأعلام إمام المحققين وعمدة المدققين الشيخ علي بن أحمد بن مكرم الله الصعيدى العدوى المالكي ولد ببني عدى كما أخبر عن نفسه سنة 1112 ويقال له أيضا المنفيسي لأن أصوله منها وقدم إلى مصر وحضر دروس المشايخ كالشيخ عبد الوهاب الملوى والشيخ شلبي البرلسي والشيخ سالم النفراوى. ج / 1 ص -477- والشيخ عبد الله المغربي والسيد محمد السلموني ثلاثتهم عن الخرشي وأقرانه وكسيدي محمد الصغير والشيخ إبراهيم الفيومي ومحمد بن زكريا والشيخ محمد السجبيني والشيخ إبراهيم شعيب المالكي والشيخ أحمد الملوى والشيخ أحمد الديربي والشيخ عيد النمرسي والشيخ مصطفى العزيزى والشيخ محمد العشماوى والشيخ محمد ابن يوسف والشيخ أحمد الأسقاطي والبقرى والعماوى والسيد علي السيواسي والمدابغي والدفرى والبليدى والحفني وآخرين وبآخرة تلقن الطريقة الأحمدية عن الشيخ على بن محمد الشناوى ودرس بالأزهر وغيره. وقد بارك الله في أصحابه طبقة بعد طبقة كما هو مشاهد وكان يحكي عن نفسه أنه طالما كان يبيت بالجوع في مبدأ اشتغاله بالعلم وكان لا يقدر على ثمن الورق ومع ذلك أن وجد شيئا تصدق به. وقد تكررت له بشارات حسنة مناما ويقظة وله مؤلفات دالة على فضله منها حاشية على ابن تركي وأخرى على الزرقاني على العزية وأخرى على شرح أبي الحسن على الرسالة في مجلدين ضخمين وأخرى على الخرشي وأخرى على شرح الزرقاني على المختصر وأخرى على الهدهدى على الصغرى وحاشيتان على عبد السلام على الجوهرة كبرى وصغرى وأخرى على الاخضرى على السلم وأخرى على بن عبد الحق على بسملة شيخ الإسلام وأخرى على شرح شيخ الإسلام على الفية المصطلح للعراقي وغير ذلك. وكان قبل ظهوره لم تكن المالكية تعرف الحواشي على شروح كتبهم الفقهية فهو أول من خدم تلك الكتب بها وله شرح على خطبة كتاب امداد الفتاح على نور الايضاح في مذهب الحنفية للشيخ الشرنبلالي وكان رحمه الله شديد الشكمية في الدين يصدع بالحق ويأمر بالمعروف وأقامة الشريعة ويحب الاجتهاد في طلب العلم ويكره سفاسف الأمور وينهى عن شرب الدخان ويمنع من شربه بحضرته وبحضرة أهل العلم. ج / 1 ص -478- تعظيما لهم. وإذا دخل منزل من منازل الأمراء ورأى من يشرب الدخان شنع عليه وكسر آلته ولو كانت في يد كبير الأمراء. وشاع عنه ذلك وعرف في جميع الخاص والعام وتركوه بحضرته فكانوا عندما يرونه مقبلا منن بعيد نبه بعضهم بعضا ورفعوا شبكاتهم وأقصابهم واخفوها عنه ولإن رأى شيئا منها أنكر عليهم ووبخهم وعنفهم وزجرهم حتى أن علي بك في أيام لإمارته كان إذا دخل عليه في حاجة أو شفاعة أخبروه قبل وصوله إلى مجلسه فيرفع الشبك من يده ويخفوه من وجهه وذلك مع عتوه وتجبره وتكبره. واتفق أنه دخل عليه في بعض الأوقات فتلقاه على عادته وقبل يده وجلس فسكت الأمير مفكرا في أمر من الأمور فظن الشيخ اعراضه عنه فأخذته الحدة وقال مخاطبا له باللغة الصعيدية. يامين يامين هو غضبك ورضاك على حد سواء بل غضبك خير من رضاك. وكرر ذلك وقام قائما وهو يأخذ بخاطره ويقول: أنا لم أغضب من شيء ويستعطفه. فلم يجبه ولم يجلس ثانيا وخرج ذاهبا. ثم سأل علي بك عن القضية التي أتى بسببها فأخبروه فأمر بقضائها. واستمر الشيخ منقطعا عن الدخول إليه مدة حتى ركب في ليلة من ليالي رمضان مع الشيخ الوالد في حاجة عند بعض الأمراء ومرا ببيت علي بك فقال له: ادخل بنا نسلم عليه فقال: يا شيخنا أنا لا ادخل فقال: لا بد من دخولك معي. فلم تسعه مخالفته وانسر بذلك علي بك تلك الليلة سرورا كثيرا. ولما مات علي بك واستقل محمد بك أبو الذهب بامارة مصر كان يجل من شأنه ويحبه ولا يرد شفاعته في شيء أبدا وكل من تعسر عليه قضاء حاجة ذهب إلى الشيخ وأنهى إليه قصته فيكتبها مع غيرها في قائمة حتى تمتلىء الورقة ثم يذهب إلى الأمير بعد يومين أو ثلاثة فعند ما يستقر في الجلوس يخرج القائمة من جيبه ويقص ما فيها من القصص والدعاوى واحدة بعد واحدة ويأمره بقضاء كل منها والأمير لا يخالفه ولا ينقبض ج / 1 ص -479- خاطره في شيء من ذلك. ولما بنى الأمير المذكور مدرسته كان المترجم هو المتعين في التدريس بها داخل القبة على الكرسي وابتدأ بها البخارى وحضره كبار المدرسين فيها وغيرهم ولم يترك درسه بالأزهر ولا بالبرديكية. وكان يقرأ قبل ذلك بمسجد الغريب عند باب البرقية في وظيفة جعلها له الأمير عبد الرحمن كتخدا وكذلك وظيفة بعد الجمعة بجامع مرزه ببولاق. وكان على قدم السلف في الأشتغال والقناعة وشرف النفس وعدم التصنع والتقوى ولا يركب إلا الحمار ويؤاسي أهله وأقاربه ويرسل إلى فقرائهم ببلده الصلات والاكسية والبز والطرح للنساء والعصائب والمداسات وغير ذلك. ولم يزل مواظبا على الأقراء والإفادة حتى تمرض بخراج في ظهره أياما قليلة وتوفي في عاشر رجب من السنة وصلي عليه بالأزهر بمشهد عظيم ودفن بالبستان بالقرافة الكبرى رحمه الله ولم يخلف بعده مثله ولم أعثر على شيء من مراثيه. ومات الإمام العلامة الفقيه الصالح الشيخ أحمد بن عيسى بن أحمد ابن عيسى بن محمد الزبيرى البراوى الشافعي ولد بمصر وبها نشأ وحفظ القرآن والمتون وتفقه على والده وغيره وحضر المعقول وتمهر وأنجب ودرس في حياة والده وبعد وفاته تصدر للتدريس في محله وحضره طلبة أبيه واتسعت حلقة درسه مثل أبيه واشتهر ذكره وانتظم في عداد العلماء. وكان نعم الرجل شهامة وصرامة وفيه صداقة وحب للإخوان. توفي بطندتا ليلة الأربعاء ثالث شهر ربيع الأول فجأة إذ كان ذهب للزيارة المعتادة وجيء به إلى مصر فغسل في بيته وكفن وصلي عليه بالجامع الأزهر ودفن بتربة والده بالمجاورين. ومات الإمام الفاضل المسن الشيخ أحمد بن رجب بن محمد البقرى الشافعي المقرى حضر دروس كل من الشيخ المدابغي والحفني ولازم الأول كثيرا فسمع منه البخاري بطرفيه والسيرة الشامية كلها وكتب. ج / 1 ص -480- بخطه الكثير من الكتب الكبار وكان سريع الفهم وافر العلم كثير التلاوة للقرآن مواظبا على قيام الليل سفرا وحضرا ويحفظ أورادا كثيرة واحزابا ويجيز بها وكان يحفظ غالب السيرة ويسردها من حفظه ونعم الرجل كان متانة ومهابة. توفي وهو متوجه إلى الحج في منزله النخل آخر يوم من شوال من السنة ودفن هناك. ومات عالم المدينة ورئيسها الشيخ محمد بن عبد الكريم السمان ولد بالمدينة ونشأ في حجر والده واشتغل يسيرا بالعلم وأرسله والده إلى مصر في سنة 1174 فتلقته تلامذة أبيه بالاكرام وعقد حلقة الذكر بالمشهد الجسيني وأقبلت عليه الناس ثم توجه إلى المدينة. ولما توفي والده أقيم شيخا في محله ولم يزل على طريقته حتى مات في رابع الحجة من السنة عن ثمانين سنة. ومات العلامة المعمر الصالح الشيخ أحمد الخليلي الشامي أحد المدرسين بالأزهر تلقى عن أشياخ عصره ودرس وأفاد وكان به انتفاع للطلبة تام عام وألف اعراب الآجرومية وغيره. توفي في عاشر صفر من السنة. ومات الأمير الكبير محمد بك أبو الذهب تابع علي بك الشهير اشتراه أستاذه في سنة خمس وسبعين فأقام مع أولاد الخزنة أياما قليلة وكان إذ ذاك إسمعيل بك خازندار فلما أمر إسمعيل بك قلده الخازندارية مكانه وطلع مع مخدومه إلى الحج ورجع أوائل سنة ثمان وسبعين وتامر في تلك السنة وتقلد الصنجقية وعرف بأبي الذهب. وسبب تلقبه بذلك أنه لما لبس الخلعة بالقلعة صار يفرق البقاشيش ذهبا وفي حال ركوبه ومروره جعل ينثر الذهب على الفقراء والجعيدية حتى دخل إلى منزله فعرف بذلك لأنه لم يتقدم نظيره لغيره ممن تقلد الأمريات واشتهر عنه هذا اللقب وشاع وسمع عن نفسه شهرته بذلك فكان لا يضع في جيبه إلا الذهب ولا يعطي إلا الذهب ويقول: أنا أبو الذهب فلا أمسك ج / 1 ص -481- إلا الذهب. وعظم شأنه في زمن قليل ونوه مخدومه بذكره وعينه في المهمات الكبيرة والوقائع الشهيرة وكان سعيد الحركات مؤيد العزمات لم يعهد عليه الخذلان في مصاف قط وقد تقدمت أخباره ووقائعه في أيام أستاذه علي بك وبعده واستكثر من شراء المماليك والعبيد حتى اجتمع عنده في الزمن القليل مالا يتفق لغيره في الزمن الكثير وتقلدوا المناصب والأمريات. فلما تمهدت البلاد بسعده المقرون ببأس أستاذ خالف عليه وضم المشردين وغمرهم بالاحسان واستمال بواقي أركان الدولة واستلين الجميع جانبه وجنحوا إليه وأحبوه وأعانوه وتعصبوا له وقاتلوا بين يديه حتى أراحوا علي بك وخرج هاربا من مصر إلى الشام واستقر المترجم بمصر وساس الأمور وقلد المناصب وجبى الأموال والغلال وراسل الدولة العثمانية واظهر لهم الطاعة وقلد مملوكه إبراهيم بك إمارة الحج تلك السنة وصرف العلائف وعوائد العربان وأرسل الغلال للحرمين والصرر وتحرك علي بك للرجوع إلى مصر وجيش الجيوش فلم يهتم المترجم لذلك وكاد له كيدا بان جمع القرانصة والذين يظن فيهم النفاق وأسر إليهم أن يراسلوا علي بك ويستعجلوه في الحضور ويثقوا مساوىء للمترجم ومنفرات ويعدوه بالمخامرة معه والقيام بنصرته متى حضر وأرسلوها إليه بالشريطة السرية. فراج عليه ذلك واعتقد صحته وأرسل إليهم بالجوابات وأعادوا له الرسالة كذلك باطلاع مخدومهم واشارته فعند ذلك قوى عزم علي بك على الحضور وأقبل بجنوده إلى جهة الديار المصرية فخرج إليه المترجم ولاقاه بالصالحية وأحضره أسيرا كما تقدم. ومات بعد أيام قليلة وانقضى أمره وارتاح المترجم من قبله وجمع باقي الأمراء المطرودين والمشردين وأكرمهم واستخدمهم وواساهم واستوزرهم وقلدهم المناصب ورد إليهم بلادهم وعوائدهم واستعبدهم بالإحسان والعطايا واستبدلهم العز بعد الذل والهوان وراحة الأوطان بعد الغربة والتشريد والهجاج ج / 1 ص -482- في البلدان. فثبتت دولته وارتاحت النواحي من الشرور والتجاريد وهابته العربان وقطاع الطريق وأولاد الحرام وأمنت السبل وسلكت الطرق بالقوافل والبضائع ووصلت المجلوبات من الجهات القبلية والبحرية بالتجارات والمبيعات. وحضر والي مصر خليل باشا وطلع إلى القلعة على العادة القديمة وحضر للمترجم من الدولة المرسومات والخطابات ووصل إليه سيف وخلعة فلبس ذلك في الديوان في أبهة عظيمة وعظم شأنه وانفرد بامارة مصر. واستقام أمره وأهمل أمر اتباع أستاذه علي بك وأقام أكثرهم بمصر بطالا. وحضر إلى مصر مصطفى باشا النابلسي من أولاد العضم والتجأ إليه فأكرم نزله ورتب له الرواتب وكاتب الدولة وصالح عليه وطلب له ولاية مصر فأجيب إلى ذلك ووصلت إليه التقاليد والداقم في ربيع الثاني سنة ثمان وثمانين. ووجه خليل باشا إلى ولاية جدة وسافر من القلزم في جمادى الثانية وتوفي هناك وفي أواخر سنة سبع وثمانين. شرع في بناء مدرسته التي تجاه الجامع الأزهر وكان محلها رباع متخربة فاشتراها من أربابها وهدمها وأمر ببنائها على هذه الصفة وهي على أرنيك جامع السنانية الكائن بشاطىء النيل ببولاق. فرتب لنقل الاتربة وحمل الجير والرماد والطين عدة كبيرة من قطارات البغال وكذلك الجمال لشيل الاحجار العظيمة كل حجر واحد على جمل وطحنوا لها الجبس الحلواني المصيص ورموا أساسها في أوائل شهر الحجة ختام السنة المذكورة ولما تم عقد قبتها العظيمة وما حولها من القباب المعقودة على اللواوين وبيضوها ونقشوا داخل القبة بالألوان والاصباغ وعمل لها شبابيك عظيمة كلها من النحاس الأصفر المصنوع وعمل بظاهرها فسحة مفروشة بالرخام المرمر وبوسطها حنفية وحولها مساكن لمتصوفة الأتراك وبداخلها عدة كراسي راحة وكذلك بدورها العلوى وباسفل من ذلك ميضاة عظيمة تمتلىء بالماء من نوفرة بوسطها تصب في صحن ج / 1 ص -483- كبير من الرخام المصنوع نقلوه إليها من بعض الاماكن القديمة ويفيض منه فيملأ الميضاة وحول الميضاة عدة كراسي راحة وأنشأ ساقية لذلك فحفروها وخرج ماؤها حلوا فعد ذلك أيضا من سعده مع أن جميع الآبار والسواقي التي بتلك الخطة ماؤها في غاية الملوحة وأنشأ سفل ذلك صهريجا عظيما يملأ في كل سنة من ماء النيل وحوضا عظيما لسقي الدواب وعمل بأعلى الميضاة ثلاثة أماكن برسم جلوس المفتين الثلاثة يجلسون بها حصة من النهار لإفادة الناس بعد املاء الدروس وقرر فيها الشيخ أحمد الدردير مفتي المالكية والشيخ عبد الرحمن العريشي مفتي الحنفية والشيخ حسن الكفراوي مفتي الشافعية. ولما تم البناء فرشت جميعها بالحصر ومن فوقها الأبسطة الرومي من داخل وخارج حتى فرجات الشبابيك ومساكن الطباق. ولما استقر جلوس المفتين المذكورين بالثلاثة أماكن التي اعدت لهم أضربهم الرائحة الصاعدة إليهم من المراحيض التي من أسفل واعلموا الأمير بذلك فأمر بابطالها وبنوا خلافها بعيدا عنها وتقرر في خطابتها الشيخ أحمد الراشدى وغالب المدرسين بالأزهر مثل الشيخ علي الصعيدي مدرس البخارى والشيخ أحمد الدردير والشيخ محمد الأمير والشيخ عبد الرحمن العريشي والشيخ حسن الكفراوى والشيخ أحمد يونس والشيخ أحمد السمنودى والشيخ علي الشنويهي والشيخ عبد الله اللبان والشيخ محمد الحفناوى والشيخ محمد الطحلاوى والشيخ حسن الجداوى والشيخ أبي الحسن القلعي والشيخ البيلي والشيخ محمد الحريرى والشيخ منصور المنصورى والشيخ أحمد جاد الله والشيخ محمد المصيلحي ودرسا ليحيى أفندي شيخ الاتراك. وتقرر السيد عباس إماما راتبا بها وفي وظيفة التوقيت الشيخ محمد الصبان وجعل بهاى خزانة كتب محمد أفندى حافظ وينوب عنه الشيخ محمد الشافعي الجناحي ورتب للمدرسين الكبار في كل يوم مائة وخمسين ج / 1 ص -484- نصفا فضة ولمن دونهم خمسون وكذلك للطلبة منهم من له عشرة انصاف في كل يوم ومنهم من له أكثر وأقل ويقدر عدد الدراهم أرداب من البر في كل سنة. ولما انتهى أمرها وصلى بها الجمعة في شهر شعبان سنة ثمان وثمانين حضر الأمير المذكور واجتمع المشايخ والطلبة وأرباب الوظائف وصلوا بها الجمعة وبعد انقضاء الصلاة جلس الشيخ الصعيدي على الكرسي وأملى حديث من بني لله مسجدا ولو كفحص قطاة بنى الله له بيت في الجنة. فلما انقضى ذلك أحضرت الخلع والفراوى فألبس الشيخ الصعيدى والشيخ الراشدى الخطيب والمفتين الثلاثة فراوى سمور وباقي المدرسين فراوى نافا بيضاء وانعم في ذلك اليوم على الخدمة والمؤذنين وفرق عليهم الذهب والبقاشيش وتنافس الفقهاء والاشياخ والطلبة وتحاسدوا وتفاتنوا ووقف على ذلك امانة قويسنا وغيرها والحوانيت التي أسفل المدرسة ولم يصرف ذلك إلا سنة واحدة فإن المترجم سافر في أوائل سنة تسع وثمانين إلى البلاد الشامية كما تقدم ومات هناك ورجعوا برمته وتآمر اتباعه وتقاسموا البلاد فيما بينهم ومن جملتها أمانة قويسنا الموقوفة فبرد أمر المدرسة وعوضوا عن ذلك الوكالة التي أنشأها علي بك ببولاق لمصرف أجرة الخدمة وعليق الاثوار بعد ما أضعفوا المعاليم ونقصوها ووزعوا عليهم ذلك الايراد القليل ولم يزل الحال يتناقص ويضعف حتى بطل منها غالب الوظائف والخدم إلى أن بطل التوقيت وال إذان بل والصلاة في أكثر الأوقات وأخلق فرشها وبسطها وعتقت وبليت وسرق بعضها وأغلق أحد أبوابها المواجه للقبوة الموصل للمشهد الحسيني بل أغلقت جميعها شهورا مع كون الأمراء أصحاب الحل والعقد اتباع الواقف ومماليكه لكن لما فقدت منهم القابلية واستولى عليهم الطمع والتفاخر والتنافس والتغاضي خوف الفشل وتفرق الكلمة من الانحراف عن الأوضاع ظهر الخلل في كل شيء حتى في الأمور ج / 1 ص -485- الموجبة لنظام دولتهم وأقامة ناموسهم كما يتضح ذلك فيما بعد. وبالجملة فإن المترجم كان آخر من أدركنا من الأمراء المصريين شهامة وصرامة وسعدا وخرما وعزما وحكما وسماحة وحلما وكان قريبا للخير يحب العلماء والصلحاء ويميل بطبعه إليهم ويعتقد فيهم ويعظمهم وينصت لكلامهم ويعطيهم العطايا الجزيلة ويكره المخالفين للدين ولم يشتهر عنه شيء من الموبقات والمحرمات ولا ما يشينه في دينه أو يخل بمروءته بهي الطلعة جميل الصورة أبيض اللون معتدل القامة والبدن مسترسل اللحية مهاب الشكل وقورا محتشما قليل الكلام والالتفات ليس بمهدا ولا خوار ولا عجول مبجلا في ركوبه وجلوسه يباشر الأحكام بنفسه ولولا ما فعله آخرا من الأسراف في قتل أهل يافا باشارة وزرائه لكانت حسناته أكثر من سيآته. ولم يتفق لامير مثله في كثرة المماليك وظهور شأنهم في المدة اليسيرة وعظم أمرهم بعده وانحرفت طباعهم عن قبول العدالة ومالوا إلى طرق الجهالة واشتروا المماليك فنشؤا على طرائقهم وزادوا عن سوابقهم وألفوا المظالم وظنوها مغانم وتمادوا على الجور وتلاحقوا في البغي على الفور إلى أن حصل ما حصل ونزل بهم وبالناس ما نزل. وسيتلى عليك من ذلك أنباء وأخبار وما حل بالاقليم بسببهم من الخراب والدمار والله تعالى أعلم. تاريخ عجائب الآثار في التراجم والأخبار سنة تسعين ومائة وألف. كان سلطان العصر فيها السلطان عبد الحميد بن أحمد خان العثماني ووالي مصر الوزير محمد باشا عزت الكبير وأمراؤها إبراهيم بيك ومراد بيك مملوكا محمد بيك أبي الذهب وخشداشينهما أيوب بيك الكبير ويوسف بيك أمير الحاج ومصطفى بيك الكبير وأحمد بيك الكلارجي وأيوب بيك الصغير ومحمد بيك طبل وحسن بيك سوق السلاح وذو الفقار ج / 1 ص -486- بيك ولاجين بيك ومصطفى بيك الصغير وعثمان بيك الشرقاوى وخليل بيك آل إبراهيمي ومن البيوت القديمة حسن بيك قصبة رضوان ورضوان بيك بلفيا وإبراهيم بيك طبان وعبد الرحمن بيك عثمان الجرجاوى وسليمان بيك الشابورى وبقايا اختيارية الوجاقات مثل أحمد باشجاويش اآرنؤد وأحمد جاويش المجنون وإسمعيل أفندى الخلوتي وسليمان البرديسي وحسن أفندى درب الشمسي وعبد الرحمن أغا مجرم ومحمد أغا محرم وأحمد كتخدا المعروف بوزير وأحمد كتخدا الفلاح وباقي جماعة الفلاح وإبراهيم كتخدا مناو وغيرهم والأمرا والنهي للامراء المحمدية المتقدم ذكرهم وكبيرهم وشيخ البلد إبراهيم بيك ولا ينفذ أمر بدون اطلاع قسيمة مراد بيك وإسمعيل بيك الكبير متنزه ومنعكف في بيته وقانع بايراده وبلاده ومنزو عن التداخل فيهم من موت سيدهم وعمر داره التي بالازبكية وأقام بها. وفيها في يوم الخميس سابع شهر صفر وصل الحج إلى مصر ودخل الركب وأمير الحاج يوسف بيك. وفي ليلة الجمعة تاسع صفر وقع حريق بالازبكية وذلك في نصف الليل بخطة الساكت احترق فيها عدة بيوت عظام وكان شيئا مهولا ثم انها عمرت في أقرب وقت والذي لم يقدر على العمارة باع أرضه فاشتراها القادر وعمرها فعمر رضوان بيك بلفيا دارا عظيمة وكذلك الخواجا السيد عمر غراب والسيد أحمد عبد السلام والحاج محمود محرم بحيث أنه لم يأت النيل القابل إلا وهي أحسن وأبهج مما كانت عليه. وفيها سقط ربع بسوق الغورية ومات فيه عدة كثيرة من الناس تحت الردم ثم أن عبد الرحمن أغا مستحفظان أخذ تلك الاماكن من أربابها شراء وأنشأ الحوانيت والربع علوها والوكالة المعروفة الآن بوكالة الزيت ج / 1 ص -487- والبوابة التي يسلك منها من السوق. وفيها حضر جماعة من الهنود ومعهم فيل صغير ذهبوا به إلى قصر العيني وادخلوه بالاسطبل الكبير وهرع الناس للفرجة عليه ووقف الخدم على ابواب القصر يأخذون من المتفرجين دراهم وكذلك سواسة الهنود جمعوا بسببه دراهم كثيرة وصار الناس يأتون إليه بالكعك وقصب السكر ويتفرجون على مصه في القصب وتناوله بخرطومه وكان الهنود بخاطبونه بلسانهم ويفهم كلامهم وإذا أحضروه بين يدي كبير كلموه فيبرك على يديه ويشير بالسلام بخرطومه. وفيها في شهر رمضان تعصب مراد بيك وتغير خاطره على إبراهيم بيك طنان ونفاه إلى المحلة الكبيرة وفرق بلاده على من أحب ولم يبق له إلا القليل. وفيها شرع الأمير إسمعيل بك في عمل مهم لزواج ابنه وهي من زوجته هانم بنت سيدهم إبراهيم كتخدا الذي كان تزوجها في سنة أربع وسبعين بالمهم المذكور في حوادث تلك السنة وكان ذلك المهم في أوائل شهر ذي الحجة وكان قبل هذا المهم حصل بينه وبين مراد بك منازعة ومخاصمة وسببها أن مراد بك أراد أن يأخذ من إسمعيل بك السرور وراس الخليج فوقع بينهما مشاحنة ومخاصمة كاد يتولد منها فتنة فسعى في الصلح بينهما إبراهيم بك فاصطلحا على غل وشرع في اثر ذلك إسمعيل بك في عمل الفرح فاجتمعوا يوم العقد في وليمة عظيمة ووقف مراد بك وفرق المحارم والمناديل على الحاضرين وهو يطوف بنفسه على اقدامه وعمل المهم أياما كثيرة ونزل محمد باشا عزت باستدعاء إلى بيت إسمعيل بك وعندما وصل إلى حارة قوصول نزل الأمراء باسرهم مشاة على اقدامهم لملاقاته فمشوا جميعا إمامه على اقدامهم وبأيديهم المباخر والقماقم ولم ج / 1 ص -488- يزالوا كذلك حتى طلع إلى المجلس ووقفوا في خدمته مثل المماليك حتى انقضى الطعام والشربات وقدموا له الهدايا والتقادم والخيول الكثيرة المسمومة ولما انقضت أيام الولائم زفوا العروس إلى زوجها إبراهيم أغا الذي صنجقه إسمعيل بك وهو خازنداره ومملوكه ويسمونه قشطة وكانت هذه الزفة من المواكب الجليلة ومشى فيها الفيل وعليه خلعة جوخ احمر فكان ذلك من النوادر. ومات في هذه السنة الفقية المتفنن العلامة الشيخ أحمد بن محمد ابن محمد السجاعي الشافعي لازهرى ولد بالسجاعية قرب المحلة وقدم الأزهر صغيرا فحضر دروس الشيخ العزيزي والشيخ محمد السجيني والشيخ عبده الديوى والسيد علي الضرير فقهر ودرس وأفتى وألف وكان ملازما على زيارة قبور الأولياء ويحيي الليالي بقراءة القرآن مع صلاح وديانة وولاية وجذب وله مع الله حال غريب وهو والد الشيخ الأوحد أحمد الآتي ذكره في تاريخ موته. توفي المترجم رحمه الله تعالى في عصر يوم الأربعاء ثامن عشرين ذي القعدة. ومات الشيخ الإمام الفقية العلامة الشيخ عطية بن عطية الاجهورى الشافعي البرهاني الضرير ولد بأجهور الورد أحدى قرى مصر وقدم مصر فحضر دروس الشيخ العشماوى والشيخ مصطفى العزيزى وتفقه عليها وعلى غيرهما واتقن في الأصول وسمع الحديث ومهر في الآلات وأنجب ودرس المنهج والتحرير مرارا وكذا جمع الجوامع بمسجد الشيخ مطهر وله في أسباب النزول مؤلف حسن في بابه جامع لما تشتت من أبوابه وحاشية على الجلالين مفيدة وكذلك حاشية على شرح الزرفاني على البيقونية في مصطلح الحديث وغير ذلك وقد حضر عليه غالب علماء مصر الموجودين واعترفوا بفضله وأنجبوا ببركته وكان يتأنى في تقريره ويكرر الالقاء مرارا مراعاة للمستملين الذين يكتبون ما يقوله ولما بنى ج / 1 ص -489- المرحوم عبد الرحمن كتخدا هذا الجامع المعروف الآن بالشيخ مطهر الذي كان أصله مدرسة للحنفية وكانت تعرف بالسيوفيين بنى للمترجم بيتا بدهليزها وسكن فيه بعياله وأولاده. توفي في أواخر رمضان. ومات الشيخ الفاضل النجيب أحمد بن محمد بن العجمي الشافعي كان شابا فهيما دراكا ذا حفظ جيد حضر على علماء العصر وحصل المعقول والمنقول وأدرك جانبا من العلوم والمعارف ودرس وأملي ولو عاش لانتظم في سلك أعاظم العلماء ولكن اخترمته المنية في يوم الإثنين حادي عشرين جمادى الآخرة. ومات الشيخ الصالح الورع الناسك أحمد بن نور الدين المقدسي الحنفي إمام جامع قجماس وخطيبه بالدرب الاحمر وهو أخو الشيخ حسن المقدسي مفتي السادة الحنفية شارك أخاه الشيخ حسنا المذكور في شيوخه واشتغل بالعلم وكان شيخا وقورا بهى الشكل مقبلا على شأنه منجمعا عن الناس. توفي ليلة الإثنين سادس عشر ربيع الأول. ومات الفقيه الفاضل الشيخ إبراهيم بن خليل الصيحاني الغزى الحنفي ولد بغزة وبها نشأ وقرأ بعض المتون على فضلاء بلده وورد الجامع الأزهر فحضر الدروس ولازم المرحوم الوالد حسنا الجبرتي وتلقى عنه الفقه وبعض العلوم الغريبة ثم عاد إلى غزة وتولى الافتاء بالمذهب وكان يرسل إلى الوالد في كل سنة جانبا من الموز المر في غلق مقدار عشرين رطلا فنخرج دهنه ونرفعه في الزجاج لنفع الناس في الدهن ومعالجات بعض الأمراض والجروحات ولم يزل على ذلك حتى ارتحل إلى دمشق وتولى أمانة الفتوى بعد الشيخ عبد الشافعي فسار أحسن سير. وتوفي بها في هذه السنة في عشر التسعين رحمه الله. ومات الفقيه الفاضل الصالح الشيخ علي بن محمد بن نصر بن هيكل ج / 1 ص -490- ابن جامع الشنويهي تفقه على جماعة من فضلاء العصر وكان يحضر درس الحديث في كل جمعة على السيد البليدى ودرس بالأزهر وانتفع به الطلبة وكان مشهورا بمعرفة الفروع الفقهية وكان درسه حافلا جدا وله حظ في كثرة الطلبة وكان الأشياخ يتضايقون من حلقة درسه فيطردونه من المقصورة فيخرج إلى الصحن فتملأ حلقة درسه صحن الجامع وفي بعض الأحيان ينتقل إلى مدرسة السنانية بجماعته وكان يخطب بجامع الأشرفية بالوراقين وخطبته لطيفة مختصرة وقرأ المنهج مرارا وكان شديد الشكيمة على نهج السلف الأول لا يعرف التصنع وكان يخبر عن نفسه أنه كان كثير الرؤيا للنبي صلى الله عليه وسلم أنه لما تنزل مدرسا في المحمدية من جملة الجماعة انقطع عنه ذلك وكان يبكي ويتأسف لذلك. توفي في ثامن عشر شعبان وأملى نسبه على الدكة إلى سيدنا علي رضي الله عنه. ومات الأمير الكبير الشهير عثمان بك الفقارى باسلامبول في هذه السنة وكان مدة غربته ببرصا واسلامبول نيفا وأربعا وثلاثين سنة وقد تقدم ذكره وذكر مبدأ أمره وظهوره وسبب خروجه من مصر ما يغنى عن اعادة بعضه وهو أمر مشهور وإلى الآن بين الناس مذكور حتى أنهم جعلوا سنة خروجه تاريخا يؤرخون به وفياتهم ومواليدهم فيقولون ولد فلان سنة خروج عثمان بك ومات فلان بعد خروج عثمان بك بسنة أو شهر مثلا. ومات الأمير عبد الرحمن كتخدا وهو بن حسن جاويش القازدغلي أستاذ سليمان جاويش أستاذ إبراهيم كتخدا مولى جميع الأمراء المصريين الموجودين الآن. وخبره ومبدأ اقبال الدنيا عليه أنه لما مات عثمان كتخدا القازدغلي واستولى سليمان جاويش الجوخدار على موجوده ولم يعط المترجم الذي هو ابن سيد أستاذه شيئا ولم يجد من ينصفه في ايصال حقه من طائفة باب الينكجرية حسدا منهم وميلا لاهوائهم واغراضهم فحنق منهم وخرج من بابهم وانتقل إلى وجاق العزب وحلف أنه لا يرجع إلى ج / 1 ص -491- وجاق الينكجرية ما دام سليمان جاويش الجوخدار حيا وبر في قسمه فإنه لما مات سليمان جاويش ببركة الحاج سنة 1152 كما تقدم بادر سليمان كتخدا الجاويشية زوج أم عبد الرحمن كتخدا وأستاذن عثمان بك في تقليد عبد الرحمن جاويش السردارية عوضا عن سليمان جاويش لأنه وارثه ومولاه وأحضروه ليلا وقلدوه ذلك وأحضر الكاتب والدفاتر وتسلم مفاتيح الخشخانات والتركة بأجمعها وكان شيئا يجل عن الوصف وكذلك تقاسيط البلاد ولم تطمع نفس عثمان بك لشيء من ذلك وأخذ المترجم غرضه من باب العزب ورجع إلى باب الينكجرية ونما امره من حينئذ وحج صحبة عثمان بك في سنة خمس وخمسين وأقام هناك إلى سنة أحدى وستين فحضر مع الحجاج وتولى كتخدا الوقت سنتين وشرع في بناء المساجد وعمل الخيرات وابطال المنكرات فأبطل خمامير حارة اليهود فأول عماراته بعد رجوعه السبيل والكتاب الذي يعلوه بين القصرين وجاء في غاية الظرف وأحسن المباني وأنشأ جامع المغاربة وعمل عند بابه سبيلا وكتابا وميضاة تفتح بطول النهار وأنشأ تجاه باب الفتوح مسجدا ظريفا بمنارة وصهريج وكتاب ومدفن السيدة السطوحية وأنشأ بالقرب من تربة لأزبكية سقاية وحوضا لسقي الدواب ويعلوه كتاب وفي الحطابة كذلك وعند جامع الدشطوطي كذلك وأنشأ وزاد في مقصورة الجامع الأزهر مقدار النصف طولا وعرضا يشتمل على خمسين عامودا من الرخام تحمل مثلها من البوائك المقوصرة المرتفعة المتسعة من الحجر المنحوت وسقف اعلاها بالخشب النفي وبنى به محرابا جديدا ومنبرا وأنشأ له بابا عظيما جهة حارة كتامة وبنى باعلاه مكتبا بقناطر معقودة على أعمدة أعمدة من الرخام لتعليم الايتام من أطفال المسلمين القرآن وبداخله رحبة متسعة وصهريج عظيم وسقاية لشرب العطاش المارين وعمل لنفسه مدفنا بتلك الرحبة وعليه قبة معقودة وتركيبة من رخام بديعة الصنعة وبها أيضا ج / 1 ص -492- رواق مخصوص بمجاورى الصعائدة لطلب العلم يسلك إليه من تلك الرحبة بدرج يصعد منه إلى الرواق وبه مرافق ومنافع ومطبخ ومخادع وخزائن كتب وبنى بجانب ذلك الباب منارة وأنشأ بابا آخر جهة مطبخ الجامع وعليه منارة أيضا. وبنى المدرسة الطيبرسية وأنشأها نشوأ جديدا وجعلها مع مدرسة الآقبغاوية المقابلة لها من داخل الباب الكبير الذى أنشأه خارجهما جهة القبو الموصل للمشهد الحسيني وخان الجراكسة وهو عبارة عن بابين عظيمين كل باب بمصراعين وعلى يمينهما منارة وفوقه مكتب أيضا وبداخله على يمين السالك بظاهر الطيبرسية ميضاة وأنشأ لها ساقية لخصوص اجراء الماء إليها وبداخل باب الميضاة درج يصعد منه للمنارة ورواق البغداديين والهنود فجاء هذا الباب وما بداخله من الطيبرسية والآقبغاوية والأورقة من أحسن المباني في العظم والوجاهة والفخامة وعمل عند باب القبة الصهريج والمقصورة الكبيرة التي بها ضريح شيخ الإسلام زكريا الأنصاري فيما بين المسجد ودهليز القبة وفرش طريق القبة بالرخام الملون يسلك إليه الدهليز طويل متسع وعليه بوابة كبيرة من داخل الدهليز البراني وعلى لدهليز البرااني من كلتا الجهتين بوابتان. وعمر أيضا المشهد النفيسي ومسجده وبنى الصهريج على هذه الهيئة الموجودة وجعل لزيارة النساء طريقا بخلاف طريق الرجال. وبنى أيضا مشهد السيدة زينب بقناطر السباع ومشهد السيدة سكينة بخط الخليفة والمشهد المعروف بالسيدة عائشة بالقرب من باب القرافة والسيدة فاطمة والسيدة رقية والجامع والرباط بحارة عابدين وكذلك مشهد أبي السعود الجارحي على الصفة التي هو عليها الآن ومسجد شرف الدين الكردى بالحسينية. ومسجدا بخط الموسكى وبنى للشيخ الحفني دارا بجوار ذلك المسجد وينفذ إليه من داخل. وعمر المدرسة السيوفية المعروفة بالشيخ مطهر بخطبات الزهومة وبنى ج / 1 ص -493- لوالدته بها مدفنا. وأنشأ خارج باب القرافة حوضا وسقاية وصهريجا وجدد المارستان المنصورى وهدم أعلى القبة الكبيرة المنصورية والقبة التي كانت بأعلى الفسحة من خارج ولم يعد عمارتهما بل سقف قبة المدفن فقط وترك الاخرى مكشوفة ورتب له خيرات وأخبازا زيادة على البقايا القديمة ولما عزم على ترميمه وعمارته أراد أن يحتاط بجهات وقفه فلم يجد له كتاب وقف ولا دفترا وكانت كتب أوقافه ودفاتره في داخل خزانة المكتب فاحترقت بما فيها من كتب العلم والمصاحف ونسخ الوقفيات والدفاتر ووقفه يشتمل على وقف الملك المنصور قلاون الكبير الأصلي ووقف ولده الملك الناصر محمد ووقف بن الناصر أبي الفدا إسمعيل بل وغير ذلك من مرتبات الملوك من أولادهم ثم أنه وجد دفترا من دفاتر الشطب المستجدة عند بعض المباشرين وذلك بعد الفحص والتفتيش فاستدل به على بعض الجهات المحتكرة. وللمترجم عمائر كثيرة وقناطر وجسور في بلاد الأرياف وبلاد الحجاز حين كان مجاورا هناك. وبنى القناطر بطندتا في الطريق الموصلة إلى محلة مرحوم والقنطرة الجديدة الموصلة إلى حارة عابدين من ناحية الخلوتي على الخليج وقنطرة بناحية الموسكى ورتب للعميان الفقراء الأكسية الصوف المسماة بالزعابيط فيفرق عليهم جملة كثيرة من ذلك عند دخول الشتاء في كل سنة فيأتون إلى داره أفواجا في أيام معلومة ويعودون مسرورين بتلك الكساوى وكذلك المؤذنون يفرق عليهم جملة من الإجرامات الطولونية يرتدون بها وقت التسبيح في ليالي الشتاء وكذلك يفرق جملة من الحبر المحلاوى والبر الصعيدى والملايات والاخفاف والبوابيج القيصرلي على النساء الفقيرات والأرامل ويخرج عند بيته في ليالي رمضان وقت الأفطار عدة من القصاع الكبار المملوءة بالثريد المسقي بمرق اللحم والسمن للفقراء المجتمعين ويفرق عليهم النقيب هبر اللحم النضيج فيعطى لكل فقير جعله وحصته في يده. ج / 1 ص -494- وعندما يفرغون من الأكل يعطى لكل واحد منهم رغيفين ونصفي فضة برسم سحوره إلى غير ذلك. ومن عمائره القصر الكبير المعروف به بشاطىء النيل فيما بين بولاق ومصر القديمة وكان قصرا عظيما من الأبنية الملوكية وقد هدم في سنة 1205 بيد الشيخ علي بن حسن مباشرا لوقف وبيعت أنقاضه وأخشابه ومات المباشر المذكور بعد ذلك بنحو ثلاثة أشهر. ومن عمائره أيضا دار سكنه بحارة عابدين وكانت من الدور العظيمة المحكمة الوضع والاتقان لا يماثلها دار بمصر في حسنها وزخرفة مجالسها وما بها من النقوش والرخام والقيشاني والذهب المموه واللازورد وأنواع الأصباغ وبديع الصنعة والتأنق والبهجة وغرس بها بستانا بديعا بداخله قاعة متسعة مربعة الاركان بوسطها فسقية مفروشة بالرخام البديع الصنعة وأركانها مركبة على أعمدة من الرخام الأبيض وغير ذلك من العمارات حتى اشتهر ذكره بذلك وسمى بصاحب الخيرات والعمائر في مصر والشام والروم وعدة المساجد التي أنشأها وجددها وأقيمت فيها الخطبة والجمعة والجماعة ثمانية عشر مسجدا وذلك خلاف الزوايا والاسبلة والسقايات والمكاتب والأحواض والقناطر والمربوط للنساء الفقيرات والمنقطعات. وكان له في هندسة الأبنية وحسن وضع العمائر ملكة يقتدر بها على ما يروعه من الوضع من غير مباشرة ولا مشاهدة. ولو لم يكن له من المآثر إلا ما أنشأ بالجامع الأزهر من الزيادة والعمارة التي تقصر عنها همم الملوك لكفاه ذلك وأيضا المشهد الحسيني ومسجده والزيني والنفيسي وضم لوقفه ثلاث قرى من بلاد الأرز بناحية رشيد وهي تفينة وديبي وحصة كتامة وجعل ايرادها وما يتحصل من غلة أرزها لمصارف الخيرات وطعام الفقراء والمنقطعين وزاد في طعام المجاورين بالأزهر ومطبخهم الهريسة في يومي الإثنين والخميس وقد تعطل غالب ذلك في هذا التاريخ الذى نحن فيه لغاية سنة 1220 بسبب استيلاء الخراب وتوالي المحن وتعطل الأسباب. ولم يزل ج / 1 ص -495- هذا شأنه إلى أن استفحل أمر علي بك وأخرجه منفيا إلى الحجاز وذلك في أوائل شهر القعدة 1178 فأقام بالحجاز اثنتي عشرة سنة فلما سافر يوسف بك أميرا بالحاج في السنة الماضية صمم على أحضاره صحبته إلى مصر فأحضره في تختروان وذلك في سابع شهر صفر سنة 1190 وقد استولى عليه العي والهرم وكرب الغربة فدخل إلى بيته مريضا فأقام أحد عشر يوما ومات فغسلوه وكفنوه وخرجوا بجنازته في مشهد حافل حضره العلماء والأمراء والتجار ومؤذنو المساجد وأولاد المكاتب التي أنشأها ورتب لهم فيها الكساوى والمعاليم في كل سنة وصلوا عليه بالأزهر ودفن بمدفنه الذى أعده لنفسه بالأزهر عند الباب القبلي. ولم يخلف بعده مثله رحمه الله. ومن مساويه قبول الرشا والتحيل على مصادرة بعض الأغنياء في أموالهم واقتدى به في ذلك غيره حتى صارت سنة مقررة وطريقة مسلوكة ليست منكرة وكذلك المصالحة على تركات الأغنياء التي لها وارث ومن سيآته العظيمة التي طار شررها وتضاعف ضررها وعم الاقليم خرابها وتعدى إلى جميع الدنيا هبابها معاضدته لعلي بك ليقوى به على أرباب الرئاسة فلم يزل يلقي بينهم الفتن ويغرى بعضهم على بعض ويسلط عليهم علي بك المذكور حتى أضعف شوكات الاقوياء وأكد العداوة بين الأصفياء واشتد ساعد علي بك فعند ذلك التفت إليه وكلب بنابه عليه وأخرجه من مصر وأبعده عن وطنه فلم يجد عند ذلك من يدافع عنه وأقام هذه المدة في مكة غريبا وحيدا وأخرج أيضا في اليوم الذي أخرجه فيه نيفا وعشرين اميرا من الاختيارية كما تقدم. فعند ذلك خلا لعلي بك وخشداشينه الجو فماضوا وأفرخوا وامتد شرهم إلى الآن الذي نحن فيه كما سيتلى عليك بعضه فهو الذي كان السبب بتقدير الله تعالى في ظهور أمرهم فلو لم يكن له من المساوىء إلا هذه لكفاه ولما رجع من الحجاز متمرضا ذهب إليه إبراهيم بك ومراد بك وباقي خشداشينهم ج / 1 ص -496- ليعودوه ولم يكن رآهم قبل ذلك فكان من وصيته لهم كونوا مع بعضكم واضبطوا أمركم ولا تداخلوا الاعادى بينكم. وهذا بدل عن قوله أوصيكم بتقوى الله تعالى وتجنبوا الظلم وافعلوا الخير فإن الدنيا زائلة وانظروا حالي ومالي أو نحو ذلك هكذا أخبرني من كان حاضرا في ذلك الوقت وكان سليط اللسان ويتصنع الحماقة فغفر الله لنا وله رأيته مرة وأنا إذ ذاك في سن التمييز قبل أن ينفي إلى الحجاز وهو ماش في جنازة مربوع القامة أبيض اللون مسترسل اللحية ويغلب عليها البياض مترفها في ملبسه معجبا بنفسه يشار إليه بالبنان. تاريخ عجائب الآثار في التراجم والأخبار سنة أحدى وتسعين ومائة وألف. فيها في أوائل شهر ربيع الأول ورد أغا من الديار الرومية بطلب عساكر لسفر العجم فأجتمع الأمراء وتشاوروا في ذلك فاتفق رأيهم على أحضار إبراهيم بك طنان فأحضروه من المحلة وقلدوه إمارة ذلك. وفيها في أوائل شهر جمادى الأولى وقعت حادثة في طائفة المغاربة المجاورين بالجامع الأزهر وذلك أنه آل إليهم مكان موقوف وحجد واضع اليد ذلك والتجأ إلى بعض الأمراء وكتبوا فتوى في شأن ذلك واختلفوا في ثبوت الوقف بالاشاعة ثم أقاموا الدعاوى في المحكمة وثبت الحق للمغاربة ووقع بينهم منازعات وعزلوا شيخهم وولوا آخر وكان المندفع في الخصومة واللسانة شيخا منهم يسمى الشيخ عباس والأمير الملتجىء إليه الخصم يوسف بك فلما ترافعوا وظهر الحق على خلاف غرض الأمير حنق لذلك ونسبهم إلى ارتكاب الباطل فأرسل من طرفه من يقبض على الشيخ عباس المذكور من بين المجاورين فطردوا المعينين وشتموهم وأخبروا الشيخ أحمد الدردير فكتب مراسلة إلى يوسف بك تتضمن عدم تعرضه لأهل العلم ومعاندة الحكم الشرعي. ج / 1 ص -497- وأرسلها صحبة الشيخ عبد الرحمن الفرنوى وآخرين فعندما وصلوا إليه وأعطوه التذكرة نهرهم وأمر بالقبض عليهم وسجنهم بالحبس. ووصل الخبر إلى الشيخ الدردير وأهل الجامع فأجتمعوا في صبحها وأبطلوا الدروس وال إذان والصلوات وقفلوا أبواب الجامع وجلس المشايخ بالقبلة القديمة وطلع الصغار على المنارات يكثرون الصياح والدعاء على الأمراء. وأغلق أهل الأسواق القريبة الحوانيت وبلغ الأمراء ذلك فأرسلوا إلى يوسف بك فأطلق المسجونين وأرسل إبراهيم بك من طرفه إبراهيم أغابيت المال فلم يأخذ جوابا وحضر الأغا إلى الغورية ونزل هناك ونادى بالامان وأمر بفتح الحوانيت فبلغ مجاورى المغاربة ذلك فذهب إليه طائفة منهم وتبعهم بعض العوام وبأيديهم العصي والمسلوق وضربوا اتباع الأغا ورجموه بالأحجار فركب عليهم وأشهر فيهم السلاح هو ومماليكه فقتل من مجاورى المغاربة ثلاثة انفار وانجرح منهم كذلك ومن العامة. وذهب الأنما ورجع الفريق الآخر وبقي المهرج إلى ثاني يوم فحضر إسمعيل بك والشيخ السادات وعلي أغا كتخدا الجاويشية وحسن أغا اغات المتفرقة والترجمان وحسن أفندي كاتب حوالة وغيرهم فنزلوا الأشرفية وأرسلوا إلى أهل الجامع تذكرة بانفضاض الجمع وتمام المطلوب. وكان ذلك عند الغروب فلم يرضوا بمجرد الوعد وطلبوا الجامكية والجراية فركبوا ورجعوا وأصبح يوم الأربعاء والحال على ما هو عليه وإسمعيل بك مظهر الإهتمام لنصرة أهل الأزهر فحضر مع الشيخ السادات وجلسوا بالجامع المؤيدى وأرسلوا للمشايخ تذكرة صحبة الشيخ إبراهيم السندوبي ملخصها أن إسمعيل بك تكفل بقضاء أشغال المشايخ وقضاء حوايجهم وقبول فتواهم وصرف جماكيهم وجراياتهم وذلك بضمان الشيخ السادات له فلما حضر الشيخ إبراهيم بالتذكرة وقرأها الشيخ عبد الرحمن العريشي جهارا وهو ج / 1 ص -498- قائم على أقدامه. فلما سمعوها أكثروا من الهرج واللغط وترددت الارساليات والذهاب والمجيء بطول النهار ثم اصطلحوا وفتحوا الجامع في آخر النهار وأرسلوا لهم في يوم الخميس جانبا من دراهم الجامكية. ومن جملة ما اشترطوه في الصلح عدم مرور الأغا والوالي والمحتسب من حارة الأزهر وغير ذلك شروط لم ينفذ منها شيء. وعمل إبراهيم بك ناظرا على الجامع عوضا عن الأغا وأرسل من طرفه جنديا للمطبخ وسكن الاضطراب. وبعد مضي أربعة من هذه الحادثة مر الأغا وبعده الوالي كذلك فأرسل المشايخ إلى إبراهيم بك يخبروه فقال: إن الطريق يمر بها البر والفاجر ولا يستغني الحكام عن المرور. وفي أوائله أيضا أحضر مراد بك شخصا يقال له سليمان كاشف من أتباع يوسف بك وضربه علقة بالنبابيت لسبب من الأسباب فحقدها عليه يوسف بك واستوحش من طرفه. وفي ثاني عشر جمادى الثانية قبض الأغا على إنسان شريف من أولاد البلد يسمى حسن المدابغي وضربه حتى مات وسبب ذلك أنه كان في جملة من خرج على الأغا بالغورية يوم فتنة الجامع وكان إنسانا لا بأس به. وفي ليلة الجمعة رابع عشر جامدى الثانية خرج إسمعيل بك جهة العادلية مغضبا وسبب ذلك أن مراد بك زاد في العسف والتعدى خصوصا في طرف إسمعيل بك وإبراهيم بك يسعى بينهما في الصلح واجتمعوا في آخر مجلس عند إبراهيم بك فتكلم إسمعيل بك كلاما مفحما وقال أنا تارك لكم مصر وإمارتها وجاعلكم مثل أولادى ولا أريد إلا المعيشة وراحة السر وأنتم لا تراعون لي حقا وأمثال ذلك من الكلام. فحضر في هذه الأيام إلى إسمعيل بك مركب غلال فأرسل مراد بك وأخذ ما فيها وعلم أن إسمعيل بك يغتاظ لذلك ثم اتفق مع بعض اغراضه أنهم يركبون من الغد إلى إسمعيل بك ويدخلون عليه في بيته ويقتلونه فعلم اسمعيل ج / 1 ص -499- بك بذلك فركب في الصباح وخرج إلى العادلية بعد أن عزل بيته وحريمه ليلا وجلس بالاشبكية وركب مراد بك ذاهبا إلى إسمعيل بك فوجده قد خرج إلى الأشبكية وكان إبراهيم بك طلع إلى قصر العيني فذهب إلى مراد بك ولما أشيع خروج إسمعيل بك ركب يوسف بك وخرج إليه وتبعه محمد بك طبل وحسن بك وإبراهيم بك طنان وذو الفقار بك وغيرهم. ووصل الخبر إلى إبراهيم بك ومراد بك ومن انضم إليهم فركبوا وحضروا إلى القلعة وملكوا الأبواب وامتلأت الرميلة والميدان بعساكرهم وصحبتهم أحمد بك الكلارجي ولاجين بك وأيوب بك ورضوان بك وخليل بك ومصطفى بك واضطربت المدينة وأغلق الناس الدكاكين واستمروا على ذلك يوم السبت ويوم الأحد ويوم الإثنين ويوم الثلاثاء وتسحب من أهل القلعة جماعة خرجوا إلى إسمعيل بك ويوسف بك ومن معهما وهم إسمعيل اغا أخو علي بك الغزاوى وأخوه سليم أغا وعبد الرحمن اغا اغات الينكجرية سابقا فأرسل أهل القلعة إبراهيم أغا الوالي فجلس بباب النصر واغلق الباب ونزل الباشا إلى باب العزب. فحضر قاسم كتخدا عزبان أمين البحرين وعبد الرحمن أغا وصحبتهم جماعة إلى باب النصر وفتحوا الباب وطردوا الوالي وذلك في يوم الإثنين وملكوا باب النصر فأرسلوا إليهم طائفة من عسكر المغاربة فضربوا عليهم بالرصاص وحمل عليهم الآخرون فشتتوهم ورجعوا إلى خلف وقتل من المغاربة انفارا وانجرح منهم كذلك وانتشر البرانيون حوالي جهات مصر وذهب منهم طائفة إلى جهة بولاق وفيهم محمد بك طبل فوجدوا طائفة من الكشاف والاجناد حضروا إلى بولاق لاجل العليق والتبن فوقعت بينهم وقعة فأنهزموا إلى قصر عبد الرحمن كتخدا وأخذ أولئك العليق والتبن وطلع منهم طائفة إلى الجبل واشتد الحال وعظمت الفتنة فأراد الباشا اجراء الصلح فأرسل أيوب أغا ورجع بجواب عدم رضاهم بالصلح ثم أرسل إليهم أحمد ج / 1 ص -500- جاويش المجنون فذهب ولم يرجع والتف عليهم فأرسل الباشا ولده وكتخداه سعيد بك مرارا. ثم دخل في يوم الأربعاء عبد الرحمن أغا من باب النصر وشق من وسط المدينة وإمامه المنادى ينادى على الناس برفع بضائعهم من الحوانيت فرفع الناس بواقي بضائعهم من الدكاكين ولم يزل سائرا حتى وصل إلى باب زويلة ونزل بجامع المؤيد وجلس به مقدار ساعتين ورتب عسكرا هناك على السقائف والاسبلة ثم ركب راجعا وعاد وصحبته إبراهيم بك الطناني ومعهم عدة اجناد وعساكر وخرجوا من باب زويلة إلى الدرب الاحمر إلى جامع المرداني فجلسوا عنده إلى بعد الظهر ثم زحفوا إلى التبانة إلى قرب المحجر وعملوا هناك متاريس ورتبوا بها جماعة وكذلك ناحية سويقة العزى فنزل إليهم جماعة من القلعة وتراموا بالرصاص وقطعوا الطرق على من بالقلعة إلى بعد العصر فنزل إليهم خيالة مدرعين فحمل عليهم عسكر المغاربة فوقع منهم أربعة خيالة وانجرح لاجين بك فحملوه إلى بيته في شنف وقتل أنفار من عسكر المغاربة وولى القلعاوية إلى جهة القلعة وبعد الغروب انفصل عنهم عسكر المغاربة ونكسوا أعلامهم وحضروا عند أجناسهم والتفوا عليهم ولاحت لوائح الخذلان على من بالقلعة ودخل عليهم الليل وانكف الفريقان. وأصبح يوم الخميس فدخل الكثير من البرانيين إلى المدينة شيئا فشيئا وربطوا في جميع الجهات حتى انحصروا بالقلعة وأخذوا ينقبون عليهم فلما شاهدوا الغلب فيهم نزلوا من باب الميدان وذهبوا جهة البساتين إلى الصعيد فتخلف عنهم أحمد بك الكلارجي وأيوب بك وإبراهيم بك أوده باشه ولاجين بك مجروح وخرج المتخلفون إلى إسمعيل بك ويوسف بك وطلبوا منهما الأمان وانضموا اليهم. وعندما أشيع نزول إبراهيم بك ومراد بك من القلعة هجم المرابطون بالمحجر وسوق السلاح على الرميلة ونهبوا خيامهم وعازقهم الذى بها وبالميدان حتى جمال الباشا وخيول الدلاة. ج / 1 ص -501- وذلك يوم الخميس قبل العصر بنصف ساعة فدخل إسمعيل بك ويوسف بك بعد العصر من ذلك اليوم من باب النصر وتوجهوا إلى بيوتهم وأصبح يوم الجمعة فشق عبد الرحمن أغا ونادى بالامان والبيع والشراء وراق الحال. ولما كان يوم الأحد ثاني عشرين جمادى الثانية طلعوا إلى الديوان فخلع الباشا على إسمعيل بك ويوسف بك خلعتي سمور واستقر إسمعيل بك شيخ البلد ومدبر الدولة وقلدوا حسن بك الجداوى صنجقا كما كان وكانت الصنجقية مرفوعة عنه من موت سيده علي بك وكذلك رضوان بك قرابة علي بك قلدوه صنجقية وقلدوا إسمعيل أغا أخا علي بك الغزاوى صنجقية أيضا وسكن ببيت إبراهيم بك الكبير وقلدوا سليمان كاشف من اتباع يوسف بك وهو الذى كان ضربه علقة مراد بك بالنبوت كما تقدم صنجقية ولقبه الناس أبا نبوت وقلدوا أيضا سليم كاشف من اتباع إسمعيل بك صنجقية وقلدوا عبد الرحمن أغا أغاوية مستحفظان كما كان ومحمد كاشف وإلى الشرطة. وفي عشية ذلك اليوم انزلوا سليمان أغا مستحفظان إلى بولاق وانزلوه في مكرب منفيا إلى دمياط بعدما صودر في نحو أربعين ألف ريال. وفي يوم الثلاثاء خامس عشرينه انزلوا أيضا سليمان كتخدا مستحفظان وعثمان كتخدا باش اختيار مستحفظان المعروف يأبي مساوق والأمير عبد الله أغا وانزلوهم إلى المراكب ثم حصل عنهم العفو فردوهم إلى بيوتهم. وفي ذلك اليوم طلعوا إلى الديوان فقلدوا ذا الفقار بك دفتردار عوضا عن رضوان بك بلفيا وذلك باشارة يوسف بك لكونه كان مع مراد بك وإبراهيم بك حتى أنه أراد أن يسلب نعمته فمنعه عنه إسمعيل بك. وفي يوم الأربعاء ثاني شهر رجب حضر عند يوسف بك حسن بك ج / 1 ص -502- الجداوى وصحبته إسمعيل بك الصغير وهو اخو علي بك الغزاوى وسليم بك الأسماعيلي وعبد الرحمن بك العلوى فجلسوا معه ساعة لطيفة بالمقعد المطل على البركة فجلس حسن بك إمامه وكان جالسا على الدكة المرتفعة عن المرتبة وجلس تحت شماله على المرتبة إسمعيل بك الصغير وسليم بك وعبد الرحمن بك استمر واقفا وحادثوه في شىء وتناجوا مع بعضهم وتأخر عنهم الواقفون من المماليك والاجناد فسحب عبد الرحمن بك النمشاة وضرب بها يوسف بك فأراد أن يهم قائما فداس على ملوطة إسمعيل بك فوقع على ظهره فنزلوا عليه بالسيوف وضربوا في وجوه الواقفين طلق بارود فهربوا إلى خلف الضاربون من القيطون وركبوا وذهبوا إلى إسمعيل بك فركب في تلك الساعة وطلع إلى القلعة وأرسل إسمعيل كتخدا عزبان إلى الباشا وكان بقصر العيني بقصد التنزه فركب من هناك وطلع إلى القلعة وجلس بباب العزب صحبة إسمعيل بك فلما بلغ الأمراء الذين هم خشداشين يوسف بك ركبوا وخرجوا من المدينة وذهبوا إلى قبلي وهم أحمد بك الكلارجي وذو الفقار بك ورضوان بك الجرجاوى فركب خلفهم طائفة فلم يدركوهم وأرسلوا إلى محمد بك طبل فكرنك في بيته ونصب له مدافع وابى من الخروج لأنه صار من المذبذبين. فلما وقع منه ذلك ذهب إليه حسن بك سوق السلاح وأخذه بالامان إلى إسمعيل بك بعدما نزل إلى بيته فأمره أن يأخذه عنده في بيته فلما اصبح أستاذنه في زيارة الإمام الشافعي فأذن له فركب إلى جهة القرافة وذهب إلى جهة الصعيد. وانقضت الفتنة ودفن يوسف بك. وفي يوم الخميس طلعوا إلى الديوان فخلع الباشا على إسمعيل بك الكبير فروة سمور وأقره على مشيخة البلد وقلدوا حسن بك قصبة رضوان إمارة الحج عوضا عن يوسف بك وقلدوا عبد الرحمن بك العلوى صنجقا كما كان وقلدوا إبراهيم أغا خازندار وإسمعيل بك الذى زوجه ابنته ج / 1 ص -503- صنجقية وتلقب بإبراهيم بك قشطة وسكن ببيت محمد بك وقلدوا حسين أغا خازندار إسمعيل بك سابقا صنجقية أيضا وسكن ببيت أحمد بك الكلارجي وقلدوا كاشفين أيضا لاسمعيل بك يسمى كل واحد منهما بعثمان صنجقين وسكن أحدهما ببيت مصطفى بك الذى كان سكن محمد بك طبل وهو على بركة الفيل حيث جامع أزبك اليوسفي وهو الذى يسمى بعثمان بك طبل وعثمان الثاني وهو الذي لقب بقفا الثور وسكن ببيت ذى الفقار المقابل لبيت بلفيا وقلدوا علي أغا جوخدار إسمعيل بك صنجقية أيضا وسكن ببيت مراد بك عند الكبش وهو ببيت صالح بك الكبير وكان يسكنه سليمان بك أبو نبوت اليوسفي. وأما بيت يوسف بك فسكن به سليم بك وقلدوا يوسف آغا من اتباع إسمعيل بك واليا ونفوا أيوب بك وسليمان بك إلى المنصورة. وفي صبحها يوم الجمعة رابع شهر رجب الفرد الموافق لرابع مسرى القبطي نودى بوفاء النيل ونزل الباشا صبح يوم السبت وكسر السد على العادة وجرى الماء في الخليج وعاد الباشا إلى القلعة. وفي سابعة اتفقوا على ارسال تجريدة إلى الصعيد وسر عسكرها إسمعيل بك الصغير وعينوا للتوجه صحبته حسن بك الجداوي وإبراهيم بك الطناني وسليم بك الطناني وسليم بك الأسمعيلي وإبراهيم بك أوده باشا وحسن بك الشرقاوى المعروف بسوق السلاح وقاسم كتخدا عزبان وعلي أغا المعمار وكان غائبا بالمنية فلما قبل الجماعة تخلص وترك أحواله وغلامه وحضر إلى مصر وصحبته طائفة من الهوارة والعربان فلما حضر أرادوا أن يقلدوه صنجقية فأمتنع من ذلك وشرعوا في تشهيل التجريدة وطلبوا طلبا عظيما وصرف الباشا ألف كيس من الخزينة لنفقة العسكر وخلعوا على الهوارة ومشايخ العربان ووعدوهم بالخير. وفيه جاءت الأخبار بأن علي بك السروجي ساق خلف محمد بك طبل فلحقه عند مكان تجاه ج / 1 ص -504- البدرشين واحتاط به العربان وقتلوا مماليكه وشرد من نجا منهم وتفرق ونهبوا ما معه وعروه وسلموه لكاشف هناك من اتباع إسمعيل بك فوقع في عرضه وعرض مشايخ البلد فألبسوه حوائج وهربوه وصحبته اثنان من الأجناد فلما حضر علي بك السروجي أخبره العرب بما حصل فأخذ ذلك الكاشف وحضر صحبته إلى إسمعيل بك فضرب الكاشف عقلة ونفاه. وفيه ورد الخبر أيضا عن ذي الفقار بك بان العرب عروه أيضا فهرب فلحقوه وأرادوا قتله فألقى نفسه في البحر بفرسه وغرق ومات. وفي يوم الإثنين رابع عشر رجب برزت عساكر التجريدة إلى جهة البساتين. وفي يوم الخميس خرج أيضا غالب الأمراء وبرزوا خيامهم. وفي يوم الجمعة ثامن عشر رجب سافرت التجريدة برا وبحرا. وفي يوم السبت سادس عشرين رجب وصلت الأخبار بان التجريدة تلاقت مع الأمراء القبالي ووقع بينهم معركة قوية فكانت الهزيمة على التجرية. فلما وصلت هذه الأخبار اضطرب إسمعيل بك وتخبل غزله وكذلك أمراؤه ودخل في يومها الأجناد مشتتين مهزومين وكانت الوقعة يوم الجمعة في بياضة من أعمال الشرق فكبسوهم على حين غفلة وقت الفجر فركب علي أغا المعمار وقاسم كتخدا عزبان وإبراهيم بك طنان فحاربوا جهدهم فأصيب علي اغا وقاسم كتخدا ووقعت خيولهما وذلك بعد أن ساق علي أغا وصحبته رضوان اغا طنان وقصد مراد بك وضربه رضوان في وجهه بالسيف فلمحه خليل بك كوسه الإبراهيمي وضرب علي أغا بالقرابينة فأصابته في عنقه ووقع فرسه وسقط ميتا. فلما قتل هذان الأميران ولي إبراهيم بك طنان فأنهزم بقية الأمراء لأنه لم يكن فيهم أشجع من هؤلاء الثلاثة وباقيهم ليس له دربة في الحرب وسر عسكر مقصوب ج / 1 ص -505- ومريض واحتاط الأمراء القبليون بخيامهم وحملاتهم ومراكبهم بما فيها وكانت نيفا وخمسمائة مركب وكان كبير العسكر في قنجة صغيرة فلما عاين الكسرة أسرع في الانحدار وكذلك بعض الأمراء انحدروا معه وباقيهم وصلوا في البر على هيئة شنيعة وكان إسمعيل بك بمصر القديمة ينتظر أمراء التجريدة. فلما حصل ذلك نزل الباشا في يوم الأحد وخرج إلى الآثار وجلس مع الصنجق ونادوا بالنفير العام فخرج القاضي والمشايخ والتجار وأرباب الصنائع والمغاربة وأهل الحارات والعصب وغلقت الأسواق. وخرج الناس في يوم الإثنين حتى ملأوا الفضاء فلما عاين ذلك إسمعيل بك وعلم أنهم يحتاجون إلى مصروف ومأكل وأكثرهم فقراء وذلك غاية لا تدرك أشار على تجار المغاربة والالضاشات بالمكث ورجع بقية العامة وأرباب الحرف ومشايخ الأشاير والفقراء من أهل الزوايا والبيوت ووصل القبليون إلى حلوان وطمعوا في أخذ مصر بعد الكسرة قبل الأستعداد ثانيا. وفي يوم الإثنين أرسل إسمعيل بك عدة من الأجناد وأصحبهم عسكر المغاربة ومعهم الجبخانة والمدافع فنصبوا المتاريس ما بين التبين وحلوان تجاه الاخصام وركب في ليلتها إسمعيل بك وامراؤه وأجناده وأحضر الباشا قليون رومي من دمياط ورئيسه يسمى حسن الغاوى مشهور بمعرفة الحرب في البحر يشتمل ذلك القليون على خمسة وعشرين مدفعا فأقلع به ليلا تجاه العسكر وارتفع حتى تجاوز مراكبهم وضرب بالمدافع على وطاقهم في البر وعلى مراكبهم في البحر وساق جميع المراكب بما فيها ووقع المصاف واشتد الجلاد بين الفريقين فكان بينهم وقعة قوية وقتل فيها من أولئك رضوان بك الجرجاوى وخليل بك كوسه الإبراهيمي وخازنداره وكشاف وأجناد ووقعت على القبالي الهزيمة ولم يظهر مراد بك في هذه المعركة بسبب جراحته. ثم هجموا على وطاقهم وخيامهم ونهبوها ونزل محمد بك طبل بفرسه إلى البحر وغرق ومات. ورجع إبراهيم بك ومراد ج / 1 ص -506- بك وهو مجروح ومصطفى بك وأحمد بك الكلارجي وأتباعهم وذهبوا إلى قبلى وساقوا خلفهم فلم يدركوهم. ودخل إسمعيل بك والأمراء والاجناد والعسكر إلى مصر منصورين مؤيدين وكانت هذه النصرة بخلاف المظنون وكان رجوعهم يوم الأربعاء غرة شهر شعبان. وفي ليلة السبت رابع شعبان حضر كاشف وصحبته جملة من المماليك وكان هذا الكاشف مأسورا عند القبالي فلما انهزموا أذنوا له بالرجوع إلى بيته وانضم إليه عدة مماليك ماتت أسيادهم فلما حضروا عند إسمعيل بك فرقهم على الأمراء. وفي سابعه أحضروا رمة علي أغا المعمار إلى بيته فغسلوه وكفنوه وصلوا عليه في مشهد حافل ودفنوه بالقرافة. وفيه تقلد حسن بك الجداوى ولاية جرجا وجاءت الأخبار بان القبليين استقروا بشرق أولاد يحيى. وفي آخر شعبان سافر حسن بك الجداوى إلى جرجا وصحبته كشاف الولايات وحكام الأقاليم فضج لنزولهم ساحل البحر بسبب أخذهم المراكب. وفي منتصف شهر رمضان ولدت امرأة مولودا يشبه خلقة الفيل مثل وجهه وإذانه وله نابان خارجان من فمه وأبوه رجل جمال وامرأته لما رأت الفيل وكانت في أشهر وحامها نقلت شبهه في ولدها وأخذه الناس يتفرجون عليه في البيوت والازقة. وفي يوم الجمعة تاسع عشرين شهر رمضان ركب أمراء إسمعيل بك وصناجقه وعساكره في آخر الليل واحتاطوا ببيت إسمعيل بك الصغير أخي علي بك الغزاوى فركب في مماليكه وخاصته وخرج من البيت فوجدوا الطرق كلها مسدودة بالعسكر والاجناد فدخل من عطفة الفرن يريد الفرار وخرج على جهة قنطرة عمر شاه فوجد العسكر والاجناد إمامه وخلفه ج / 1 ص -507- فصار يقاتلهم ويتخلص منهم من عطفة إلى عطفة حتى وصل إلى عطفة البيدق وأصيب بسيف على عاتقه وسقطت عمامته وصار مكشوف الرأس إلى أن وصل إلى تجاه درب عبد الحق بالازبكية فلاقاه عثمان بك أحد صناجق إسمعيل بك فرده وسقط واحتاطوا به فنزل على دكان في أسوأ حال مكشوف الرأس والدم خارج من كركه فعصبوا رأسه بعمامة رجل جمال وأخذه عثمان بك إلى بيته وتركه وذهب إلى سيدة فأخبره فخلع عليه فروة وفرسا مرختا وأرسلوا إليه الوالي فخنقه ووضعوه في تابوت وأرسلوه إلى بيته الصغير فبات به ميتا وأخرجوه في صبحها في مشهد ودفنوه. وكان إسمعيل بك قد استوحش منه وظهر عليه في أحكامه وأوامره وكلما أبرم شيئا عارضه فيه. وازدحم الناس على بيته وأقبلت إليه أرباب الخصومات والدعاوى وصار له عزوة كبيرة وانضم إليه كشاف واختيارية وحدثته نفسه بالانفراد وتخيل منه إسمعيل بك فتركه وما يفعله واظهر أنه مرمود في عينيه وانقطع بالحريم من أول شهر رمضان ثم سافر في أواخره في النيل لزيارة سيدى أحمد البدوى ثم رجع وبيت مع اتباعه ومن يثق به وقاموا عليه وقتلوه كما ذكر. ولما انقضى امره شرع إسمعيل بك في ابعاد ونفي من كان يلوذ به وينتمي إليه فأنزلوا إبراهيم بك بلفيا ومحمد اغا الترجمان وعلي كتخدا الفلاح وبعض كشاف إلى بولاق وأراد قتل أخيه سليم آغا المعروف بتمرلنك فأقتدى نفسه بثلاثين ألف ريال ثم نفوه ثالث شوال ونفى إبراهيم بك بلفيا إلى المحلة. وفي تلك الأيام قرر إسمعيل بك على كل بلد من القرى ثلثمائة ريال وهي أول سيآته. وفي يوم الأحد ثاني عشرين شوال عملوا موكب المحمل وأمير الحاج حسن بك رضوان. ج / 1 ص -508- وفي يوم الخميس رابع ذي القعدة تقلد عبد الرحمن بك عثمان صنجقية وكانت مرفوعة عنه وكذلك علي بك. وفي يوم الإثنين ثامنه سافرت تجريدة لجهة الصعيد للأمراء القبالي لأنهم تقووا واستولوا على البلاد وقبضوا الخراج وملكوا من جرجا إلى فوق وحسن بك أمير الصعيد مقيم وليس فيه قدرة على مقاومتهم ومنعوا ورود الغلال حتى غلا سعرها فعينوا لهم التجريدة وسر عسكرها رضوان بك وعلي الجوخدار وسليم بك وإبراهيم بك طنان وحسن بك سوق السلاح. وفي يوم الأحد حادى عشرين القعدة خرج إسمعيل بك إلى ناحية دير الطين وعزم على التوجه إلى قبلي بنفسه وأرسل الباشا فرماتات لسائر الأمراء والوجاقلية وأمرهم جميعا فخرجوا جمعيا ونصبوا وطاقاتهم عند المعادى ونزل الباشا وجلس بقصر العيني وطلبوا طلبا عظيما. وفي يوم الجمعة عدى إسمعيل بك إلى البر الثاني وترك بمصر عبد الرحمن أغا مستحفظان كتخدا ورضوان بك بلفيا وعثمان بك طبل وإبراهيم بك قشطة صهره وحسين بك ومقادم الأبواب لحفظ البلد فكان المقادم يدورون بالطوف في الجهات ليلا ونهارا مع هدوء سر الناس وسكون الحال في مدة غياب الجميع. وفي سادس شهر الحجة وصلت مكاتبات من إسمعيل بك ومن الأمراء الذين بصحبته بأنهم وصلوا إلى المنية فلم يجدوا بها أحدا من القبليين وإنهم في أسيوط ومعهم إسمعيل أبو علي من كبار الهوارة. وفي سابع عشرة حضر الوجاقلية الذين بالتجريدة وحضر أيضا أيوب اغا وكان عند القبالي فحضر عند إسمعيل بك بأمان وأستاذنه في التوجه إلى بيته ليرى عياله فأذن له وأرسله صحبة الوجاقلية وسبب رجوع الوجاقلية لما رأى إسمعيل بك بعد الأمراء وأراد أن يذهب خلفهم فأمرهم بالرجوع للتخفيف وانقضت هذه السنة. ج / 1 ص -509- من مات في هذه السنة من الأعيان. مات الشريف الصالح المرشد الواصل السيد محمد هاشم الأسيوطي ولد بأسيوط وبيتهم يعرف ببيت فاضل نشأ ببلده على قدم الخير والصلاح وحضر دروس الشيخ حسن الجديرى ثم ورد إلى مصر فحضر دروس كل من الشيخ محمد البليدى والشيخ محمد الشماوى والشيخ عطية الاجهورى وأخذ الطريق على الشيخ عبد الوهاب العفيفي وكان منقطعا للعبادة متقشفا متواضعا وكان غالب جلوسه بالأشرفية ومسجد الشيخ مطهر. وكان لا يزاحم الناس ولا يداخلهم في احوال دنياهم ولهم فيه اعتقاد عظيم ويذهبون لزيارته ويقتبسون من اشارته واستخارته ويتبركون بأجازته في الأوراد والاسماء. ويسافر لزيارة سيدى أحمد البدوى ثم يعود إلى خلوته وربما مكث عند بعض أصدقائه أياما بقصد البعد عن الناس عندما يعلمون استقراره بالخلوة ويزدحمون على زيارته وكان نعم الرجل سمتا وورعا. توفي في سابع شعبان في بيته بالازبكية وصلوا عليه بالأزهر ودفن بالمجاورين رحمه الله. ومات الشيخ الإمام الأديب الفاضل الفقيه أحد العلماء الأعلام الشيخ محمد بن إبراهيم العوفي المالكي لازم الشمس الحفني وأخاه الشيخ يوسف وحضر دروس الشيخ علي العدوى والشيخ عيسى البراوى وأفتى ودرس. وكان شافعي المذهب فسعى فيه جماعة عند الشيخ الحفني فأحضره وأثبت عليه بخطه ما نقل عنه فتوعده فلحق بالشيخ علي العدوى وانتقل لمذهب مالك وكان رحمه الله عالما محصلا بحاثا متفننا غير عسر البديهة شاعرا ماجنا خليعا ومع ذلك كانت حلقة درسه تزيد على الثلثمائة في الأزهر. مات رحمه الله مفلوجا وحين أصابه المرض رجع إلى مذهب الشافعي وقرأ ابن قاسم بمسجد قريب من منزله ويحمله الطلبة إلى المسجد فيقرأ وهو ج / 1 ص -510- يتلعثم لتعقد لسانه بالفالج مع ما كان فيه من الفصاحة أولا ثم برىء يسيرا ولم يلبث أن عاوده المرض وتوفي إلى رحمة الله تعالى. ومات الأديب الماهر الشيخ رمضان بن محمد المنصورى الأحمدى الشهير بالحمامي سبط آل الباز ولد بالمنصورة وقرأ المتون على مشايخ بلده وانزوى إلى شيخ الأدب محمد المنصورى الشاعر فرقاه في الشعر وهذبه وبه تخرج وورد إلى مصر مرارا وسمعنا من قصائده وكلامه الكثير وله قصائد سنية في المدائح الأحمدية تنشد في الجموع. وبينه وبين الأديب قاسم وعبد القادر المدني محاورات ومداعبات واخبر أنه ورد الحرمين من مدة ومدح كلا من الشريف والوزير وأكابر الأعيان بقصائد طنانة كان ينشد منها جملة مستكثرة مما يدل على سعة باعه في الفصاحة. ولم يزل فقيرا مملقا يشكو الزمان وأهل يه ويذم جني بنيه وبآخرة تزوج امرأة موسرة بمصر وتوجه بها إلى مكة فأتاه الحمام وهو في ثغر جدة في سنة تاريخه. ومات الأمير يوسف بك الكبير وهو من أمراء محمد بك الذهب أقره في سنة ست وثمانين وزوجه باخته وشرع في بناء ولده على بركة الفيل داخل درب الحمام تجاه جامع الماس وكان يسلك إليها من هذا الدرب ومن طرق الشيخ الظلام وكان هذا الدرب كثير العطف ضيق المسالك فأخذ بيوته بعضها شراء وبعضها غصبا وجعلها طريقا واسعة وعليها بوابة عظيمة. واراد أن يجعل إمام باب داره رحبة متسعة فعارضه جامع خير بك حديد فعزم على هدمه ونقله إلى آخر الرحبة واستمر يعمر في تلك الدار نحو خمس سنوات. واخذ بيت الداودية الذى بجواره وهدمه جميعه وادخله فيها وصرف في تلك الدار أموالا عظيمة فكان يبني الجهة منها حتى يتمها بعد تبليطها وترخيمها بالرخام الدقي الخردة المحكم الصنعة والسقوف والاخشاب والرواشن له شيطانه فيهدمها إلى آخرها ويبنيها ثانيا على وضع آخر. ج / 1 ص -511- وهكذا كان دأبه واتفق أنه ورد إليه من بلاده القبلية ثمانون ألف اردب غلال فوزعها بأسرها على الموانة في ثمن الجبس والجير والاحجار والاخشاب والحديد وغير ذلك. وكان فيه حدة زائدة وتخليط في الأمور والحركات ولا يستقر بالمجلس بل يقوم ويقعد ويصرخ ويروق حاله في بعض الأوقات فيظهر فيه بعض انسانية ثم يتغير ويتعكر من ادنى شيء. ولما مات سيده محمد بك وتولى إمارة الحج ازداد عتوا وعسفا وانحرافا خصوصا مع طائفة الفقهاء والمتعممين لأمور نقمها عليهم منها أن شيخا يسمى الشيخ أحمد صادومة وكان رجلا مسنا ذا شيبة وهيبة وأصله من سمنود وله شهرة عظيمة وباع طويل في الروحانيات وتحريك الجمادات والسميات ويكلم الجن ويخاطبهم مشافهة ويظهرهم للعيان كما أخبرني عنه من شاهده وللناس اختلاف في شأنه وكان للشيخ الكفراوى به التئام وعشرة ومحبة أكيدة واعتقاد عظيم ويخبر عنه أنه من الأولياء وأرباب الأحوال والمكاشفات بل يقول: إنه هو الفرد الجامع ونوه بشأنه عند الأمراء وخصوصا محمد بك أبا الذهب فراج حال كل منهما بالآخر. فاتفق أن الأمير المذكور اختلى بمحظيته فرأى على سوأتها كتابة فسألها عن ذلك وتهددها بالقتل فأخبرته أن المرأة الفلانية ذهبت بها إلى هذا الشيخ وهو الذى كتب لها ذلك ليحببها إلى سيدها فنزل في الحال وأرسل فقبض على الشيخ صادومة المذكور وأمر بقتله والقائه في البحر ففعلوا به ذلك وأرسل إلى داره فاحتاط بما فيها فأخرجوا منها أشياء كثيرة وتماثيل ومنها تمثال من قطيفة على هيئة الذكر فأحضروا له تلك الأشياء فصار يريها للجالسين عنده والمترددين عليه من الأمراء وغيرهم ووضع ذلك التمثال بجانبه على الوسادة فيأخذه بيده ويشير لمن يجلس معه ويتعجبون ويضحكون وعزل الشيخ حسن الكفراوى من افتاء الشافعية ورفع عنه وظيفة المحمدية وأحضر الشيخ أحمد بن يوسف الخليفي وخلع عليه وألبسه فروة وقرره في ذلك عوضا ج / 1 ص -512- عن الشيخ الكفراوى. واتفق أيضا أن الشيخ عبد الباقي ابن الشيخ عبد الوهاب العفيفي طلق على زوج بنت أخيه في غيابه على يد الشيخ حسن الجداوى المالكي على قاعدة مذهبه وزوجها من آخر وحضر زوجها من الفيوم وذهب إلى ذلك الأمير وشكا له الشيخ عبد الباقي في فطلبه فوجده غائبا في منية عفيف فأرسل إليه أعوانا أهانوه وقبضوا عليه ووضعوا الحديد في رقبته ورجليه وأحضروه في صورة منكرة وحبسه في حاصل أرباب الجرائم من الفلاحين. فركب الشيخ علي الصعيدي العدوى والشيخ الجداوى وجماعة كثيرة من المتعممين وذهبوا إليه وخاطبه الشيخ الصعيدي فقال له: هذا قول في مذهب المالكية معمول به فقال: من يقول: إن المرأة تطلق زوجها إذا غاب عنها وعندها ما تنفقه وما تصرفه ووكيله يعطيها ما تطلبه ثم يأتي من غيبته فيجدها مع غيره. فقالوا له: نحن أعلم بالأحكام الشرعية. فقال: لو رأيت الشيخ الذي فسخ النكاح. فقال الشيخ الجداوى: أنا الذي فسخت النكاح على قاعدة مذهبي. فقام على أقدامه وصرخ وقال والله أكسر رأسك. فصرخ عليه الشيخ علي الصعيدي وسبه وقال له: لعنك الله ولعن اليسرجي الذي جاء بك ومن باعك ومن اشتراك ومن جعلك أميرا. فتوسط بينهم الحاضرون من الأمراء يسكنون حدته وحدتهم وأحضروا الشيخ عبد الباقي من الحبس فأخذوه وخرجوا وهم يسبونه وهو يسمعهم. واتفق أيضا أن الشيخ عبد الرحمن العريشي لما توفي صهره الشيخ أحمد المعروف بالسقط وجعله القاضي وصيا على أولاده وتركته وكان عليه ديون كثيرة اثبتها اربابها بالمحكمة واستوفوها وأخذ عليهم صكوكا بذلك ذهبت زوجة المتوفي إلى يوسف بك بعد ذلك بنحو ست سنوات وذكرت له أن الشيخ عبد الرحمن انتهب ميراث زوجها وتواطا مع أرباب الديون وقاسمهم فيما أخذوه فأحضر الشيخ عبد الرحمن وكان إذ ذاك مفتي الحنفية وطالبه بأحضار المخلفات أو قيمتها فعرفه أنه وزعها ج / 1 ص -513- على أرباب الديون وقسم الباقي بين الورثة وانقضى أمرها وابرز له الصكوك والحجج ودفتر القسام فلم يقبل وفاتحه في عدة مجالس وهو مصر على قوله وطلبه للتركة. ثم أحضره يوما وجبسه عند الخازندار فركب شيخ السادات إليه وكلمه في أمره وطلبه من محبسه. فلما علم الشيخ عبد الرحمن حضور شيخ السادات هناك رمى عمامته وفراجته وتطور وصرخ وخرج يعدو مسرعا ونزل إلى الحوش صارخا بأعلى صوته وهو مكشوف الرأس فلما عاينه يوسف بك وهو يفعل ذلك احتد الآخر وكان جالسا مع شيخ السادات في المقعد المطل على الحوش فقام على اقدامه وصار يصرخ على خدمه ويقول: امسكوه اقتلوه ونحو ذلك وشيخ السادات يقول له: أى شيء هذا الفعل اجلس يا مبارك وأرسل إليه تابعه الشيخ إبراهيم السندوبي فنزل إليه والبسه عمامته وفراجته ونزل الشيخ فركب وأخذه صحبته إلى داره وتلافوا القضية وسكتوها ثم حصل منه ما حصل في الدعوى المتقدمة وما ترتب عليها من الفتنة وقفل الجامع وقتل الانفس وثقل أمره على مراد بك واضمر له السوء فلما سافر أميرا بالحج في السنة الماضية قصد مراد بك اغتياله أو نفيه عند رجوعه بالحج واتفق مع أمرائه وضايع القضية وسافر إلى جهة الغريبة والمنوفية وعسف في البلاد ويريد أن يجعل عوده على نصف الشهر في أوان رجوع الحج. ووصل الخبر إلى يوسف بك فأستعجل الحضور فصار يجعل كل مرحلتين في مرحلة حتى وصل محترسا في سابع صفر حضور مراد بك من سرحته وعندما قرب وصول مراد بك إلى دخول مصر ركب يوسف بك في مماليكه وطوائفه وعدده وخرج إلى خارج البلد فسعى إبراهيم بك بينهما وصالحهما واستمرت بينهما المنافرة القلبية من حينئذ إلى أن حصل ما حصل وانضم إلى إسمعيل بك ثم قتله إسمعيل بك بيد حسن بك وإسمعيل بك الصغير كما تقدم. ج / 1 ص -514- ومات الأمير أغا المعمار وهو من مماليك مصطفى بك المعروف بالقرد وخشداش صالح بك الكبير وكان من الأبطال المعروفين والشجعان المعدودين فلما قتل كبيرهم صالح بك استمر في بلاد قبلي على ما يتعلق به من الالتزام ويدفع ما عليه من المال والغلال إلى أن استوحش محمد بك أبو الذهب من سيده علي بك وخرج إلى الصعيد وقتل خشداشه أيوب بك وتحقق الاجانب بذلك صحة العداوة فأقبلوا على محمد بك من كل جانب برجالهم وأموالهم ومنهم علي أغا المذكور وكان ضخما عظيم الخلقة جهورى الصوت شهما يصدع بالكلام فأنس به محمد بك وأكرمه واجتهد هو في نصرته ومناصحته وجمع إليه الأمراء والأجناد المنفيين والمطرودين الذين شتتهم علي بك وقتل أسيادهم وكبار الهوارة الذين قهرهم علي بك أيضا واستولى على بلادهم مثل أولادهم وأولاد نصير وأولاد وافي وإسمعيل أبي علي وابي عبد الله وغيرهم وحضر معه الجميع إلى جهة مصر كما تقدم. ولما وصلوا إلى تجاه التبين وأبرج لهم علي بك التجريدة وأميرها علي بك الطنطاوى خرج علي اغا هذا إلى الحرب هو ومن معه وبأيديهم مساوق غلاظ قصيرة ولها جلب حديد وفي طرفها أزيد من قبضة بها مسامير متينة محددة الرؤوس إلى خارج يضربون بها خوذة الفارس ضربة واحدة فتنخسف في دماغه وكانت هذه من مبتكرات المترجم حتى أنه سمى بأبي الجلب. ولما خلصت إمارة مصر إلى محمد بك جعل كتخداه إسمعيل أغا أخا علي بك الغزاوى المذكور فنقم عليه أمورا فأهمله وأحضر علي أغا هذا وخلع عليه وجعله كتخداه فسار في الناس سيرا حسنا ويقضي حوائج الناس من غير تطلع إلى شيء ويقول: الحق ولو على مخدومه وكان مخدومه أيضا يحبه ويرجع إلى رأيه في الأمور لما تحققه فيه من المناصحة وعدم الميل إلى هوى النفس وعرض الدنيا وكان يجب أهل العلم والفضل والقرآن ويميل بكليته إليهم مع لين الجانب والتواضع وعدم الانفة. ولما ج / 1 ص -515- أنشأ محمد بك مدرسته المحمدية تجاه الأزهر وقرر فيها الدروس كان يحضر معنا المترجم على شيخنا الشيخ علي العدوى في صحيح البخارى مع الملازمة واتخذ لنفسه خلوة بالمدرسة المذكورة يستريح فيها وتأتيه أرباب الحوايج فيقضي لهم أشغالهم وكان يلم بحضرة الشيخ محمد حفيد الأستاذ الحفني ويحبه وأخذ عنه طريق السادة الخلوتية وحضر دروسه مع المودة وحسن العشرة ويحضر ختوم دروس المشايخ ويقرأ عشرا من القرآن بأعلى صوته عند تمام المجلس ومملوكه حسن أغا الذى زوجه ابنته واشتهر بعده وحج المترجم في السنة الماضية في هيئة جليلة وآثار جميلة. وتوفي في وقعة بياضة قتيلا كما تقدم. ومات الأمير إسمعيل بك الصغير وهو اخو علي بك الغزاوى وهم خمسة أخوة علي بك وإسمعيل بك هذا وسليم إنما المعروف بتمرلنك وعثمان وأحمد ولما تأمر علي بك كان اخوته الأربعة باسلامبول مماليك عند بشير أغا القزلار واعتقهم وتسامعوا بامارة أخيهم بمصر فحضر إليه إسمعيل وأحمد وسليم واستمر عثمان باسلامبول وأقام إسمعيل وسليم وأحمد بمصر وعمل إسمعيل كتخدا عند أخيه علي بك وعمل سليم خازندار عند إبراهيم كتخدا أياما ثم قامت عليه مماليكه وعزلوه لكونه أجنبيا منهم وصار لهم امرة وبيوت والتزام. وتزوج إسمعيل بهانم ابنة رضوان كتخدا الجلفي وهي المسماة بفاطمة هانم وذلك أن رضوان كتخدا كان عقد لها على مملوكه علي أغا الذي قلده الصنجقية ولم يدخل بها ولما خرج رضوان كتخدا وخرج معه علي المذكور فيمن خرج كما تقدم وذهب إلى بغداد أرسل يطلبها إليه من مصر وأرسل لها مع وكيله عشرة آلاف دينار واشياء فلم يسلموا في ارسالها وكتبوا فتوى بفسخ النكاح على قاعدة مذهب مالك وتزوجها إسمعيل أغا هذا وظهر ذكره بها وسكن بها في دار أبيها العظيمة بالازبكية وصار من أرباب الوجاهة. فلما استقل محمد بك أبو الذهب بملك مصر ج / 1 ص -516- بعد سيده استوزره وجعله كتخداه مدة وأراد أن يتزوج بالست سلن محظية رضوان كتخدا وكان تزوج بها أخوه علي بك ومات عنها فصرفه مخدومه محمد بك أبو الذهب وعرفه انها ربما امتنعت عليه مراعاة لها ثم ابنة سيدها فركب محمد بك وأتى عند علي أغا كتخدا الجاويشية المجاور لسكنها بدرب السادات وأرسل إليها علي أغا فلم يمكنها الامتناع فعقد عليها وماتت هانم بعد ذلك وباع بيت الازبكية لمخدومه محمد بك وبنى داره المجاورة لبيت الصابونجي وصرف عليها أموالا كثيرة واضاف إليها البيت الذى عند باب الهواء المعروف ببيت المرحوم من الشرايبية. وسكنها مدة وزوجه محمد بك سرية من سراريه أيضا ثم باع تلك الدار لايوب بك الكبير وسكنها. ولما سافر محمد بك إلى الشام ومحاربة الظاهر عمر أرسل المترجم من هناك إلى اسلامبول بهدايا وأموال للدولة ومكاتبات بطلب ولاية مصر والشام وأجيب إلى ذلك. وكتب له التقليد واعطوه رقم الوزارة وتم الأمر وأراد المسير بذلك إلى محمد بك فورد الخبر بموته فبطل ذلك ورجع المترجم إلى مصر وأقام بها في ثروة إلى أن حصلت الوحشة بين إسمعيل بك ويوسف بك والجماعة المحمدية وكانت الغلبة عليهم فقلده إسمعيل بك الصنجقية وقدمه في الأمور ونوه بشأنه وأوهمه أنه يريد تفويض الأمور إليه لما يعلمه فيه من العقل والرئاسة فاغتر بذلك وباشر قتل يوسف بك هو وحسن بك الجداوى كما تقدم وظن أن الوقت صفا له. فأندفع في الرئاسة وازدحمت الرؤوس عليه وأخذ في النقض والابرام فعاجله إسمعيل بك وأحاطوا به وقتلوه كما ذكر وكان ذا دهاء ومعرفة وفيه صلابة وقوة جنان وخرم مع التواضع وتهذيب الاخلاق وكان يحب أهل العلم ويكره النصارى كراهة شديدة وتصدى لاذيتهم أيام كتخدائية لمحمد بك وكتب في حقهم فتاوى بنقضهم العهد وخروجهم عن طرائفهم التي أخذ عليهم بها من أيام سيدنا عمر رضي الله عنه ونادى عليهم ومنعهم ج / 1 ص -517- من ركوب الحمير ولبسهم الملابس الفاخرة وشرائهم الجوارى والعبيد واستخدامهم المسلمين وتقنع نسائهم بالبراقع البيض ونحو ذلك. وكذلك فعل معهم مثل ذلك عندما تلبس بالصنجقية وكان له اعتقاد عظيم في الشيخ محمد الجوهرى ويسعى بكليته في قضاء اشغاله وحوايجه وكان لا بأس به. ومات الأمير قاسم كتخدا عزبان وكان من مماليك محمد بك أبي الذهب وتقلد كتخدائية العزب وأمين البحرين وكان بطلا شجاعا موصوفا ومال عن خشداشيته كراهة منه لأفعالهم حتى خرج إلى محاربتهم وقتل غفر الله له. تاريخ عجائب الآثار في التراجم والأخبار سنة اثنتين وتسعين ومائة وألف. في يوم الخميس سابع المحرم حضر إسمعيل كتخدا عزبان وبعض صناجق إسمعيل بك وفي يوم السبت تاسعه وصل إسمعيل بك وعدى من معادى الخبيرى ودخل إلى مصر وذهب إلى بيته وكثر الهرج في الناس بسبب حضوره ومن وصل قبله على هذه الصورة. ثم تبين الأمر بأن حسن بك الجداوى وخشداشينه وهم رضوان بك وعبد الرحمن بك وسليمان كتخدا وتبعهم حسن بك سوق السلاح وأحمد بك شنن وجماعة الفلاح بأسرهم وكشاف ومماليك واجناد ومغاربة خامر الجميع على إسمعيل بك والتفوا على إبراهيم بك ومراد بك ومن معهم فعند ذلك ركب إسمعيل بك بمن معه وطلب مصر حتى وصلها في أسرع وقت وهو في اشد ما يكون من القهر والغيظ. وأصبح يوم الأربعاء فأرسل إسمعيل بك ومنع المعادى من التعدية. وفي يوم الإثنين طلعوا إلى القلعة وعملوا ديوانا عند الباشا وحضر الموجودون من الأمراء والوجاقلية والمشايخ وتشاوروا في هذا الشأن فلم يستقر الرأى على شيء ونزلوا إلى بيوتهم وشرعوا في توزيع امتعتهم ج / 1 ص -518- وتعزيل بيوتهم واضطربت احوالهم وطلب إسمعيل بك تجار إليها والمباشرين وطلب منهم دراهم سلفة فدخل عليه الخبيرى واخبره بان الجماعة القبليين وصلت أوائلهم إلى البساتين وبعضهم وصل إلى بر الجيزة بالبر الآخر. فلما تحقق ذلك أمر بالتحميل وخرجوا من مصر شيئا فشيئا من بعد العصر إلى رابع ساعة من الليل ونزلوا بالعادلية وذلك ليلة الثلاثاء رابع عشر المحرم وهم إسمعيل بك وصناجقه إبراهيم بك قشطة وحسين بك وعثمان بك طبل وعثمان بك قفا الثور وعلي بك الجوخدار وسليم بك وإبراهيم بك طنان وإبراهيم أوده باشه وعبد الرحمن اغا مستحفظان وإسمعيل كتخدا عزبان ويوسف اغا الوالي وغيرهم وباتت الناس في وجل. واصبح يوم الثلاثاء واشيع خروجهم ووقع النهب في بيوتهم وركبوا في صبح ذلك اليوم وذهبوا إلى جهة الشام فكانت مدة إمارة إسمعيل بك واتباعه على مصر في هذه المرة ستة أشهر وأياما بما فيها من أيام سفره إلى قبلي وجوعه. وعدى مراد بك ومصطفى بك وآخرون في ذلك اليوم وكذلك إبراهيم اغا الوالي الذى كان في أيامهم وشق المدينة ونادى بالامان وأرسل إبراهيم بك يطلب من الباشا فرمانا بالأذن بالدخول فكتب لهم الباشا فرمانا وأرسله صحبة ولده وكتخدائه وهو سعيد بك. فدخل بقية الأمراء يوم الأربعاء ما عدا إبراهيم بك فإنه بات بقصر العيني ودخل يوم الخميس إلى داره وصحبته إسمعيل أبو علي كبير من كبار الهوارة. وفي يوم الأحد ثامن عشرة طلعوا إلى الديوان وقابلوا الباشا وخلع عليهم القدوم ونزلوا إلى بيوتهم. وفي يوم الخميس حادى عشرينه طلعوا أيضا إلى الديوان فخلع الباشا على إبراهيم بك واستقر في مشيخة البلد كما كان واستقر أحمد بك شنن صنجقا كما كان وتقلد عثمان اغا خازندار إبراهيم بك صنجقية وهو الذى عرف بالاشقر وقلدوا مصطفى كاشف المنوفية صنجقية أيضا وعلي كاشف ج / 1 ص -519- أغات مستحفظان وموسى اغا من جماعة علي بك واليا كما كان أيام سيده. وفي أواخره وردت اخبار بأن إسمعيل بك ومن معه وصلوا إلى غزة واستقر المذكورون بمصر علوية ومحمدية والعلوية شامخة على المحمدية ويرون المنة لانفسهم عليهم والفضيلة لهم بمخامرتهم معهم ولولا ذلك ما دخلوا إلى مصر ولا يمكن المحمدية التصرف في شيء إلا بأذنهم ورأيهم بحيث صاروا كالمحجوز عليهم لا يأكلون إلا ما فضل عنهم. وفي يوم الخميس ثامن من جمادى الأولى حضر إلى مصر إبراهيم بك أوده باشه من غزة مفارقا لاسمعيل بك وقد كان أرسل قبل وصوله يستأذن في الحضور فأذنوا له وحضر وجلس في بيته وتخيل منه رضوان بك وقصد نفيه فالتجأ إلى مراد بك وانضم إليه. فلما كان يوم السبت سابع عشر جمادى الأولى ركب مراد بك وخرج إلى مرمى النشاب منتفخا من القهر مفكرا في أمره مع العلوية فحضر إليه عبد الرحمن بك وعلي بك الحبشي من العلوية فعندما أراد عبد الرحمن بك القيام عاجله مراد بك ومن معه وقتلوه وفر علي بك الحبشي وغطى رأسه بفوقانيته وانزوى في شجر الجميز فلم يروه. فلما ذهبوا ركب وسار مسرعا حتى دخل على حسن بك الجداوى في بيته وركب مراد بك وذهب إلى بيته. واجتمع على حسن بك اغراضه وعشيرته وأحمد بك شنن وسليمان كتخدا وموسى اغا الوالي وحسن بك رضوان أمير الحاج وحسن بك سوق السلاح وإبراهيم بك بلفيا وكرنكوا في بيت حسن بك الجداوى بالداودية وعملوا متاريس في ناحية باب زويلة وناحية باب الخرق والسروجية والقنطرة الجديدة. واجتمع على مراد بك خشداشينه وعشيرته وهم مصطفى بك الكبير ومصطفى بك الصغير وأحمد بك الكلارجي وركب إبراهيم بك من قبة العزب وطلع إلى القلعة وملك الأبواب وضرب المدافع على بيت حسن بك الجداوى ووقع الحرب بينهم بطول نهار يوم السبت وغلقت الأسواق والحوانيت ج / 1 ص -520- وباتوا على ذلك ليلة الأحد ويوم الأحد والضرب من الفريقين في الازقة والحارات رصاص ومدافع وقرابين ويزحفون على بعضهم تارة ويتأخرون اخرى وينقبون البيوت على بعضهم. فحصل الضرر للبيوت الواقعة في حيزهم من النهب والحرق والقتل. ثم أن المحمدية تسلق منهم طائفة من الخليج وطلعوا من عند جامع الحين من بين المتاريس وفتحوا بيت عبد الرحمن أغا من ظاهرة وملكوه وركبوا عليه المدافع وضربوا على بيت الجداوى فعند ذلك عاين العلوية الغلب فركبوا وخرجوا من باب زويلة إلى باب النصر والمحمدية خلفهم شاهرين السيوف يخجون بالخيل فلما خرجوا إلى الخلاء التقوا معهم فقتل حسن بك رضوان أمير الحاج وأحمد بك شنن وإبراهيم بك بلفيا المعروف بشلاق وغيرهم اجناد وكشاف ومماليك وفر حسن بك الجداوى ورضوان بك وكان ذلك وقت القائلة من يوم الأحد وكان يوما شديد الحر. ولم يقتل أحد من المحمديين سوى مصطفى بك الكبير اصابته رصاصة في كتفه انقطع بسببها أياما ثم شفى. وأما حسن بك ورضوان بك فهربا في طائفة قليلة وخرج عليهما العربان فقاتلوهما قتالا شديدا وتفرقا من بعضهما وتخلص رضوان بك وذهب في خاصته إلى شيبين الكوم. وأما حسن بك الجداوى فلم تزل العرب تحاوره حتى أضعفوه وتفرق من حوله وشيخ العرب سعد صحصاح يتبعه ثم حلق عليه رتعة شيخ عرب بلي فتقنطر به الحصان في مبلة كتان فقبضوا عليه وأخذوا سلاحه وعروه وكتفوه وصفعه رتيمة على قفاه ووجهه ثم سحبوه بينهم ماشيا على اقدامه وهو حاف وأرسلوا إلى الأمراء بمصر يخبرونهم بالقبض عليه وكان السيد إبراهيم شيخ بلقس لما بلغه ذلك ركب إليه وخلصه من تلك الحالة وفك كتافه وألبسه ثيابا وأعطاه دراهم ودنانير. فلما بلغ الخبر إبراهيم بك ومراد بك أرسلوا له كاشفا فلما حضر إليه وواجهه لأطفه ثم دخل إلى مصر وسار إلى بولاق ودخل إلى بيت الشيخ تاريخ عجائب الآثار في التراجم والأخبار ج / 1 ص -536- سنة ثلاث وتسعين وألف. في يوم السبت خامس المحرم وصل إلى مصر إسمعيل باشا والي مصر وبات ببر انبابة ليلة السبت المذكور وركب الأمراء في صبحها وقابلوه. ج / 1 ص -537- ورجعوا وعدى الآخر وركب إلى العادلية وجلس بالقصر وتولى أمر السماط مصطفى بك الصغير. وفي يوم الثلاثاء من المحرم ركب الباشا بالموكب ودخل من باب النصر وشق القاهرة وطلع إلى القلعة وعملوا له شنكا ومدافع ووصل الخبر بنزول إسمعيل بك إلى البحر وسفره من الشام إلى الروم وغاب أمره. وفي أواخر شهر ربيع الأول وقعت حادثة بالجامع الأزهر بين طائفة الشوام وطائفة الاتراك بين المغرب والعشاء فهجم الشوام على الاتراك وضربوهم فقتلوا منهم شخصا وجرحوا منهم جماعة فلما أصبحوا ذهب الاتراك إلى إبراهيم بك وأخبروه بذلك فطلب الشيخ عبد الرحمن العريشي مفتي الحنفية والمتكلم على طائفة الشوام وسأله عن ذلك فأخبره عن أسماء جماعة وكتبهم في ورقة وعرفه أن القاتلين تغيبوا وهربوا ومتى ظهروا أحضرهم إليه ولما توجه من عنده تفحص إبراهيم بك عن مسميات الأسماء فلم يجد لهم حقيقة فأرسل إلى الشيخ أحمد العروسي شيخ الأزهر وأحضر بقية المشايخ وطلب الشيخ عبد الرحمن فتغيب ولم يجدوه فاغتاظ إبراهيم بك ومراد بك وعزلوه عن الافتاء وأحضروا الشيخ محمد الحريرى وألبسوه خلعة ليكون مفتي الحنفية عوضا عن الشيخ عبد الرحمن وحثوا خلفه بالطلب ليخرجوه من البلدة منفيا فشفع فيه شيخ السادات وهرب طائفة الشوام بأجمعهم وسمر الأغا رواقهم ونادوا عليهم. واستمر الأمر على ذلك أياما ثم منعوا المجادلة والطبرية من دخول الرواق ويقطع من خبزهم مائة رغيف تعطى للاتراك دية المقتول وكتب بذلك محضر باتفاق المشايخ والأمراء وفتحوا الرواق ومرض الشيخ العريشي من قهره وتوفي رابع جمادى الأولى. وفي أواخر شهر جمادى الثانية توفي الشيخ محمد عبادة المالكي. ج / 1 ص -538- وفيهه جاءت الأخبار بان حسن بك ورضوان بك قوى أمرهم وجمعوا جموعا وحضروا إلى دجرجا والتف عليهم أولاد همام والجعافرة وإسمعيل أبو علي فتجهز مراد بك وسافر قبله أيوب بك الصغير ثم سافر هو أيضا فلما قربوا من دجرجا ولى القبالي وصعدوا إلى فوق فأقام مراد بك في دجرجا إلى أوائل رجب وقبض على إسمعيل أبي علي وقتله ونهب ماله وعبيده وفرق بلاده على كشافه وجماعته. وفي منتصف شهر رجب ظهر بمصر وضواحيها مرض سموه بأبي الركب وفشا في الناس قاطبة حتى الأطفال وهو عبارة عن حمى ومقدار شدته ثلاثة أيام وقد يزيد على ذلك وينقص بحسب اختلاف الامزجة ويحدث وجعا في المفاصل والركب والاطراف ويوقف حركة الأصابع وبعض ورم ويبقى أثره أكثر من شهر ويأتي الشخص على غفلة فيسخن البدن ويضرب على الإنسان دماغه وركبه ويذهب بالعرق والحمام وهو من الحوادث الغريبة. وفي عشرين رجب وصل مراد بك من ناحية قبلي وصحبته منهوبات وأبقار وأغنام كثيرة. وفي يوم الجمعة ثاني عشرينه الموافق لثاني شهر مسرى القبطي وفا النيل المبارك ثم زاد في ليلتها زيادة كثيرة حتى علا على السد وجرى الماء في الخليج بنفسه وأصبح الناس فوجدوا الخليج جاريا وفيه المراكب فلم تحصل الجمعية ولم ينزل الباشا على العادة. وفي أواخر شهر شعبان وصل إلى مصر قابجي باشا وبيده أوامر بعزل إسمعيل باشا عن مصر ويتوجه إلى جدة وإن إبراهيم باشا والي جدة يأتي إلى مصر وفرمان آخر بطلب الخزينة. وفي شهر شوال وصلت الأخبار بموت علي بك السروجي وحسن بك سوق السلاح بغزة. ج / 1 ص -539- وفي يوم الخميس ثامن عشر شوال عمل موكب المحمل وخرج الحجاج وأمير الحاج مراد بك وخرج في موكب عظيم وطلب كثير وتفاخر وماجت مصر وهاجت في أيام خروج الحج بسبب الاطلاب وجمع الأموال وطلب الجمال والبغال والحمير وغصبوا بغال الناس ومن وجدوه راكبا على بغلة أنزلوه عنها وأخذوها منه قهرا فإن كان من الناس المعتبرين أعطوه ثمنها وإلا فلا وغلت أسعارها جدا ولم يعهد حج مثل هذه السنة في كل شيء. وسافر فيه خلائق كثيرة من سائر الأجناس وسافر صحبة مراد بك أربع صناجق وهم عبد الرحمن بك عثمان وسليمان بك الشابورى وعلي بك المالطي وذو الفقار بك وأمراء واغوات وغير ذلك أكابر كثيرة وأعيان وتجار. وفيه حضر واحد أغا وعلى يده تقرير لإسمعيل باشا على مصر كما كان وكان لما أتاه العزل نزل من القلعة في غرة رمضان وصام رمضان في مصر العتيقة. ولما انقضى رمضان تحول إلى العادلية ليتوجه إلى السويس ويذهب إلى جدة حسب الأوامر السابقة فقدر الله بموت إبراهيم باشا وحضر التقرير له بالولاية ثانيا فركب في يوم الإثنين سادس القعدة وطلع إلى القلعة من باب الجبل. من مات في هذه السنة من الأعيان. مات الشيخ الفقيه الإمام الفاضل شيخنا الشيخ عبد الرحمن بن عمر العريشي الحنفي الأزهرى ولد بقلعة العريش من اعمال غزة وبها نشأ وحفظ بعض المتون ولما مر عليه الشيخ العرف السيد منصور السرميني في بلده وجده متيقظا نبيها وفيه قوة استعدادية وحافظة جيدة فأخذه صحبته في صورة معين في الخدمة وورد معه مصر فكان ملازما له لا يفارقه وأذن له بالحضور في الأزهر فكان يحضر دروس الشيخ أحمد البيلي وغيره في النحو والمعقول. ولما توجه السيد المشار إليه إلى البلاد تركه. ج / 1 ص -540- ليشتغل بالعلم فلازم الشيخ أحمد السليماني ملازمة جيدة وحضر عليه غالب الكتب المستعملة في المذهب وحضر دروس الشيخ الصعيدى والشيخ الحفني ولقنه الذكر وأجازه والبسه التاج الخلوتي. ثم اجتمع بالمرحوم الوالد حسن الجبرتي ولازمه كلية ودرجة في الفتوى ومراجعة الأصول والفروع وأعانه على ذلك وجد أن الكتب الغريبة عند المرحوم فترونق ونوه بشأنه وعرفه الناس وتولى مشيخة رواق الشوام وبه تخرج الحقير في الفقه. فأول ما حضرت عليه متن نور الايضاح للعلامة الشرنبلالي ثم متن الكنز وشرحه لملا مسكين والدر المختار شرح تنوير الأبصار ومقدار النصف من الدرر وشرح السيد علي السراجية في الفرائض. وكان له قوة حافظة وجودة فهم وحسن ناطقة فيقرر ما يطالعه من المواد عن ظهر قلبه من حفظه بفصاحة من غير تلعثم ولا تركيز. وحج في سنة تسع وسبعين من القلزم منفردا متقشفا وأدرك بالحرمين الاخيار وعاد إلى مصر وحصلت له جذبة في سنة ست وثمانين وترك عياله وانسلخ عن حاله وصار يأوى إلى الزوايا والمساجد ويلقي دروسا من الشفاء وطرق القوم وكلام سيدي محي الدين والغزالي. ثم تراجع قليلا وعاد إلى حالته الأولى ولما توفي مفتي الحنفية الشيخ أحمد الحماقي تعين المترجم في الافتاء وعظم صيته وتميز على أقرانه واشترى دارا حسنة بالقرب من الجامع الأزهر وهي التي كانت سكن الشيخ الحفني في السابق وتعرف بدار القطرسي. وتردد الأكابر والأعيان إليه وانكبت عليه أصحاب الدعاوى والمستفتون وصار له خدم واتباع وفراشون وغير ذلك. وسافر إلى اسلامبول بعد موت الأمير محمد بك لقضاء بعض الأغراض وقرأ هناك كتاب الشفاء ورجع إلى مصر وكان كريم النفس سمحا بما في يده يحب اطعام الطعام ويعمل عزائم للامراء ويخلع عليهم الخلع ولما زاد انحطاط الشيخ أحمد الدمنهورى وتبين قرب وفاته وفراغ اجله تاقت نفس المترجم. ج / 1 ص -541- لمشيخة الأزهر إذ هي أعظم مناصب العلماء فاحب الأستيلاء عليها والتوصل إليها بكيفية وطريقة فحضر مع شيخ البلد إبراهيم بك إلى الجامع الأزهر وجمع الفقهاء والمشايخ وعرفهم أن الشيخ أحمد الدمنهورى اقامه وكيلا عنه وبعد أيام توفي الشيخ الدمنهورى فتعين هو للمشيخة بتلك الطريقة وساعده استمالة الأمراء وكبار الأشياخ والشيخ أبو الأنوار السادات وما مهده معهم في تلك الأيام وكاد يتم الأمر فأنتدب لنقض ذلك بعض الشافعية الخاملين وذهبوا إلى الشيخ محمد الجوهرى وساعدهم وركب معهم إلى بيت الشيخ البكرى وجمعوا عليهم جملة من أكابر الشافعية مثل الشيخ أحمد العروسي والشيخ أحمد السمنودى والشيخ حسن الكفراوى وغيرهم وكتبوا عرضحال إلى الأمراء مضمونه أن مشيخة الأزهر من مناصب الشافعية وليس للحنفية فيها قديم عهد أبدا وخصوصا إذا كان آفاقيا وليس من أهل البلدة. فان الشيخ عبد الرحمن كذلك وموجود في العلماء الشافعية من هو أهل لذلك في العلم والسن وإنهم اتفقوا على أن يكون المتعين لذلك الشيخ أحمد العروسي وختم الحاضرون على ذلك العرضحال وأرسلوه إلى إبراهيم بك ومراد بك فتوقفوا وأبوا وثارت فيهم العصبية وشددوا في عدم النقض ورجع الجواب للمشايخ بذلك فقاموا على ساق وشدد الشيخ محمد الجوهري في ذلك وركبوا بأجمعهم وخرجوا إلى القرافة وجلسوا بجامع الإمام الشافعي وباتوا به. وكان ذلك ليلة الجمعة واجتماع الناس للزيارة فهرعت الناس واجتمع الكثير من العامة ينظرون فيما يؤول إليه هذا الأمر وكان للامراء اعتقاد وميل للشيخ محمد بن الجوهرى وكذلك نساؤهم وأغواتهم بسبب تعففه عنهم وعدم دخول بيوتهم ورد صلاتهم وتميزه بذلك عن جميع المتعممين. فسعى أكثرهم في انفاذ غرضه وراجعوا مراد بك وأوهموه حصول العطب له ولهم أو ثوران فتنة في البلد وحضر إليهم علي. ج / 1 ص -542- أغا كتخدا الجاويشة وحاججهم وحاججوه ثم قام وتوجه وحضر مراد بك أيضا للزيارة فكلمه الشيخ محمد وقال لا بد من فروة تلبسها للشيخ العروسي وهو يكون شيخا على الشافعية وذاك شيخا على الحنفية كما أن الشيخ أحمد الدردير شيخ المالكية والبلد بلد الإمام الشافعي وقد جئنا إليه وهو يأمرك بذلك وإن خالفت يخشى عليك. فما وسعه إلا أنه أحضر فروة وألبسها للشيخ العروسي عند باب المقصورة وركب مراد بك متوجها وركب المشايخ وبينهم الشيخ العروسي وذهبوا إلى إبراهيم بك ولم يكن الأمراء رأوا الشيخ العروسي ولا عرفوه قبل ذلك فجلسوا مقدار مسافة شرب القهوة وقاموا متوجهين ولم يتكلم إبراهيم بك بكلمة. فذهب الشيخ العروسي إلى بيته وهو بيت نسيبه الشيخ أحمد العريان واجتمع عليه الناس وأخذ شأنه في الظهور. واحتد العريشي وذهب إلى الشيخ السادات والأمراء فألبسوه فروة أيضا فتفاقم الأمر وصاروا حزبين وتعصب للمترجم طائفة الشوام للجنسية وطائفة المغاربة لانضمام شيخهم الشيخ أبي الحسن القلعي معه من أول الأمر وتوعدوا من كان مع الفرقة الاخرى وحذروهم ووقفوا لمنعهم من دخول الجامع وابن الجوهرى يسوس القضية ويستميل الأمراء وكبار المشايخ الذين كانوا مع العريشي مثل الشيخ الدردير والشيخ أحمد يونس وغيرهم واستمر الأمر على ذلك نحو سبعة أشهر إلى أن اسعفت العروسي العناية ووقعت الحادثة المذكورة بين الشوام والأتراك واحتد الأمراء الاتراك للجنسية وأكدوا في طلب المحاققة وتصدى العريشي للشوام المذب عنهم وحصل منه ما حصل لأجل خلاصهم. فعند ذلك انطلقت عليه الألسن وأصبح الصديق عدوا وانحرف عنه الأمراء وطلبوه فاختفى وعين لطلبه الوالي واتباع الشرطة وعزلوه من الافتاء أيضا. وحضر الأغا وصحبته الشيخ العروسي إلى الجامع للقبض على الشوام فأختفوا وفروا وغابوا عن الاعين فأغلقوا. ج / 1 ص -543- رواقهم وسمروه أياما ثم اصطلحوا على الكيفية المذكورة آنفا وظهر العروسي من ذلك اليوم وثبتت مشيخته ورياسته وخمل العريشي وأمروه بلزوم بيته ولا يقارش في شيء ولا يتداخل في أمر فعند ذلك اختلى بنفسه وأقبل على العبادة والذكر وقراءة القرآن ونزلت له نزلة في أنثييه من القهر فأشاروا عليه بالفصد وفصدوه فازداد تألمه وتوفي ليلة الخميس سابع جمادى الأولى من السنة وجهز بصباحه وصلي عليه بالأزهر في مشهد حافل وحضره مراد بك وكثير من الأمراء وعلي أغا كتخدا الجاويشية ودفن برحاب السادة الوقائية وذلك بعد الحادثة بتسعة وثلاثين يوما رحمه الله تعالى. ومن آثاره رسالة ألفها في سر الكنى باسم السيد أبي الأنوار بن وفي أجاد فيها ووصلت إلى زبيد وكتب عليها الشيخ عبد الخالق بن الزين حاشية وقرظ عليها الشيخ العروسي والشيخ الصبان وله غير ذلك. ومات الشريف السيد قاسم بن محمد التونسي كان إماما في الفنون وله يد طولى في العلوم الخارجة مثل الطب والحرف وكان معه وظيفة تدريس الطب بالبيمارستان المنصورى وتولى مشيخة رواق المغاربة مرتين والأولى استمر فيها مدة وفي تلك المدة حصلت الفتن ثم عزل عنها وأعاد الدروس في مدرسة السيوفيين المعروفة الآن بالشيخ مطهر وله تقريظ على المدائح الرضوانية جمع الشيخ الاكاوى أحسن فيها وكان ذا شهامة وصرامة في الدين صعبا في خلقه وربما أهان بعض طائفة النصارى عند معارضتهم له في الطريق وأهين بسبب ذلك من طرف بعض الأمراء وتحزبت له العلماء وكادت أن تكون فتنة عظيمة ولكن الله سلم. توفي بعد أن تعلل كثيرا وهو متولي مشيخة رواقهم وهي المرة الثانية وكان له باع في النظم والنثر فممنها مدائحه في الأمير رضوان كتخدا الجلفي له فيه عدة قصائد فرائد مذكورة في الفوائح الجنانية. ج / 1 ص -544- ومات الإمام الفهامة الألمعي الأديب واللوذعي النجيب الشيخ محمد لهباوى الشهير بالدمنهورى اشتغل بالعلم حتى صار إماما يقتدى به ثم اشتغل بالطريق وتلقن الأسماء وأخذت عليه العهود وصار خليفة مجازا بالتلقين والتسليك وحصل به النفع. وكان فقيها دراكا فصيحا مفوها أديبا شاعرا له باع طويل في النظم والنثر والانشاء ولما تملك علي بك بعد موت شيخه الحفني طلبه إليه وجعله كاتب انشائه ومراسلاته وأكرمه أكراما كثيرا ومدحة بقصائد ولم يزل منضويا إليه مدة دولته. ومات السيد قاسم بن محمد بن محمد علي بن أحمد بن عامر بن عبد الله ابن جبريل بن كامل بن حسن بن عبد الرحمن بن عثمان بن رمضان بن شعبان ابن أحمد بن رمضان بن محمد بن القطب أبي الحسن علي بن محمد ابن أبي تراب علي بن أبي عبد الله الحسين بن إبراهيم بن محمد بن أحمد ابن محمد بن محمد بن أبي جعفر محمد بن الحسن بن الحسن بن إسمعيل الديباج بن إبراهيم بن الحسن المثني بن الحسن السبط بن علي بن أبي طالب أحد الأشراف الصحيحي النسب بمصر فجده أبو جعفر يعرف بالثج لثجثجة في لسانه وحفيده الحسين بن إبراهيم يعرف بأبن بنت الروبدى وحفيده علي بن محمد مدفون بالصعيد في بلد يقال له: دمشاو باشم والمترجم هو والد السيدين الجليلين إسمعيل وإبراهيم المتقدم ذكرهما صحح هذا النسب شيخنا السيد محمد مرتضى كما ترى وكان حمام البابا في ملكه مما خلفه له سلقه فكان يجلس فيه وكان شيخا مهيبا معمرا منور الشيبة كريم الاخلاق متعففا مقبلا على شأنه رحمه الله تعالى. ومات الإمام العارف الصوفي الزاهد أحمد بن عبد الله بن محمد بن علي ابن سعيد بن حم الكتاني السوسي ثم التونسي ولد بتونس ونشأ في حجر والده في عفة وصلاح وعفاف وديانة وقرأ عليه وعلى شيخ الجماعة سيدى محمد الغرباوى وعلى آخرين وتكمل في العلوم والمعارف مع صفاء. ج / 1 ص -545- ذهنه وسرعة إدراكه وتوقد خاطره وكمال حافظته وكان والده يحبه ويعتمد على ما يقوله في تحرير نقله ويصرح بذلك في اثناء درسه. وقد بلغ المترجم من الصلاح والتقوى إلى الغاية واشتهر أمره في بلاد افريقية اشتهارا كليا حتى أحبه الصغير والكبير وكان منفردا عن الناس منقبضا عن مجالسهم فلا يخرج عن محله إلا لزيارة ولي أو في العيدين لزيارة والده وكان المرحوم علي باشا والي تونس فيه اعتقاد عظيم وعرض عليه الدنيا مرارا فلم يقبلها وعرضت عليه تولية المدارس التي كانت بيد والده فأعرض عنها وتركها لمن يتولاها وعكف نفسه على مذاكرة العلوم مع خواص أصحابه ومطالعة الكتب الغريبة واجتمع عنده منها شيء كثير وكان يرسل في كل سنة قائمة إلى شيخنا السيد مرتضى فيشتري له مطلوبه وكان يكاتبه ويراسله كثيرا. ومات الفقيه الأديب الماهر أحمد بن عبد الله بن سلامة الادكاوى نزيل الأسكندرية وأمه شريفة من ذرية السيد عيسى بن نجم خفير بحر البرلس كان حسن المحاورة ولديه فضل ويحفظ كثيرا من الأشياء منها المقامات الحريرية وغيرها من دواوين الشعر. وناب عن القضاء في الثغر مدة وكان يتردد إلى مصر احيانا وجمع عدة دواوين شعرية من المتقدمين والمتأخرين نحو المائتين وطالع كثيرا منها مما لم يملكه. ولم يزل على حالة مرضية حتى توفي بالثغر سنة تاريخه. ومات الشيخ الصالح المعمر خالد أفندى بن يوسف الديار بكرلي الواعظ كان يعظ الاتراك بمكة على الكرسي ثم ورد مصر ولازم حضور الأشياخ بمصر والوعظ للاتراك وحضر معنا كثيرا على شيخنا السيد محمد مرتضى في دروس الصحيح بجامع شيجون في سنة 1190 وفي الأمالي والشمائل في جامع أبي محمود الحنفي وأخبر أنه دخل دمشق وحضر دروس الشيخ إسمعيل العجلوني وأجازه وأدرك جلة الأشياخ بديار. ج / 1 ص -546- بكر والرها وازروم. وكان رجلا صالحا منكسرا وله مرأى حسنة ولا زال على طريقته في الحب والملازمة حتى مرض أياما وانقطع في بيته ومات في رابع جمادى الأولى. ومات الشيخ الفقيه الكامل والنجيب الفاضل أحد العلماء الأعلام وأوحد فضلاء الانام الشيخ محمد بن عبادة بن برى العدوى ينتهي نسبه إلى علي علي أبي صالح المدفون بالعلوة في بني عدي قدم إلى مصر سنة 1164 وجاور بالأزهر وحفظ المتون ثم حضر شيوخ الوقت ولازم دروس علماء العصر ومهر في الفنون وتفقه على علماء مذهبه من المالكية مثل الشيخ علي العدوى والشيخ عمر الطحلاوى والشيخ خليل والشيخ الدردير والبيلي وأخذ المعقولات عن شيخه الشيخ علي العدوى الصعيدى وغيره ولازمه ملازمة كلية وانتسب إليه حسا ومعنى وصار من نجباء تلامذته ودرس الكتب الكبار في الفقه والمعقول ونوه الشيخ بفضله وأمر الطلبة بالاخذ عنه وصار له باع طويل وذهن وقاد وقلم سيال وفصاحة في اللسان والتقرير وصواب في التحرير وقوة استعداد واستحضار وسليفة. ومن تآليفه حاشية على شذور الذهب لابن هشام متداولة بأيدى الطلبة نافعة وحاشية على مولد النبي صلى الله عليه وسلم للغيطي وابن حجر والهدهدى وحاشية على شرح بن جماعة في مصطلح الحديث وحاشية عجيبة على جمع الجوامع وعلى السعد والقطب وعلى أبي الحسن وحاشية على شرح الخرشي وعلى فضائل رمضان وكتابة محررة على الورقات والرسالة العضدية وعلى آداب البحث والاستعارات. ولم يزل يملي ويقرىء ويفيد ويحرر ويجيد حتى وافاه الحمام وتوفي في أواخر ششهر جمادى الثانية من السنة بعد أن تعلل بعلة الأستسقاء سنين وكان يقرأ ليالي المواسم مثل نصف شعبان والمعراج وفضائل رمضان وغير ذلك نيابة عن شيخه الشيخ. ج / 1 ص -547- علي الصعيدى العدوى ويجتمع بدرسه الجم الكثير من طلبة العلم والعامة رحمه الله. ومات الأمير علي بك السروجي وهو من مماليك إبراهيم كتخدا واشرافات علي بك أمره وقلده الصنجقية بعد موت سيدهم ولقب بالسروجي لكونه كان ساكنا بخط السروجية. ولما أمره علي بك هو وأيوب بك مملوكه ركب معهما إلى بيت خليل بك بلفيا وخطب لعلي بك هذا اخت خليل بك وهي ابنة إبراهيم بلفيا الكبير وعقد عقده عليها ثم خطب لايوب بك ابنة خليل بك وعقد للاخرى على أيوب بك في ذلك المجلس وشربوا الشربات وفرقوا المحارم والهدايا وانصرفوا وعملوا العرس بعد أن جهزهما بما يليق بأمثالهما وزفوا واحدة بعد أخرى إلى الزوج. ولما حصلت الوحشة بين المحمدية وإسمعيل بك انضم إلى إسمعيل بك لكونه خشداشه وخرج إلى الشام صحبته فلما سافر إسمعيل بك إلى الديار الرومية تخلف المترجم مع من تخلف ومات ببعض ضياع الشام كما ذكر. ومات أيضا الأمير حسن بك المعروف بسوق السلاح لسكنه في تلك الخطة ببيت الست البدوية وأصله مملوك صفية جارية الشيخ أبي المواهب البكرى وكان بن أخيها فأشترته واستمر في خدمة الشيخ أبي المواهب إلى أن مات فسلك في طريق الأجناد وخدم علي بك إلى أن جعله كاشفا في جهة من الجهات القبلية فأقام بها إلى أن خالف محمد بك على سيده علي بك وذهب إلى قبلي واجتمعت عليه الكشاف والاجناد وكان حسن هذا من جملة من حضر إليه بماله ونواله وخيامه وحضر محمد بك إلى مصر وملكها من سيده علي بك. ولم يزل حسن هذا في خدمة محمد بك أبي الذهب فرقاه في الخدم والمناصب وصنجقه ولم يزل في الإمارة مدة محمد بك وأتباعه إلى أن خرج مع من خرج صحبة إسمعيل بك ومات ببعض ضياع الشام والله الموفق. تاريخ عجائب الآثار في التراجم والأخبار ج / 1 ص -548- سنة أربع وتسعين ومائة وألف. فيها في يوم الخميس حادى عشر صفر دخل الحجاج إلى مصر وأمير الحاج مراد بك ووقف لهم االعريان في الصفرة والجديدة وحصروا الحجاج بين الجبال وحاربوهم نحو عشر ساعات ومات كثير من الناس والغزو الأجناد ونهبت بضائع وأحمال كثيرة وكذلك من الجمال والدواب والعرب بأعلى الجبال والحج أسفل كل ذلك والحج سائر. وفي يوم الخميس ثالث شهر رجب اجتمع الأمراء وأرسلوا إلى الباشا أرباب العكاكيز وأمروه بالنزول من القلعة معزولا فركب في الحال ونزل إلى مصر العتيقة ونقلوا عزاله ومتاعه في ذلك اليوم واستلموا منه الضربخانة وعمل إبراهيم بك قائمقام مصر. فكانت مدة ولاية إسمعيل باشا في هذه المرة ثمانية أشهر تنقص ثلاثة أيام وكان أصله رئيس الكتاب باسلامبول من أرباب الأقلام. وكان مراد بك هذا أصله من مماليكه فباعه لبعض التجار في معارضة وحضر إلى مصر ولم يزل حتى صار أميرها. وحضر سيده هذا في أيام إمارته وهو الذي عزله من ولايته ولكن كان يتأدب معه ويهابه كثيرا ويذكر سيادة عليه وكان هذا الباشا أعوج العنق للغاية وكان قد خرج له خراج فعالجه بالقطع فعجزت العروق وقصرت فاعوج عنقه وصارت لحيته عند صدره ولا يقدر على الألتفات إلا بكليته إلا أنه كان رئيسا عاقلا صاحب طبيعة ويحب المؤانسة والمسامرة. ولما حضر إلى مصر وسمع باوصاف شيخنا الشيخ محمود الكردى أحبه واعتقده وأرسل له هدية وأخذ عليه العهد بواسطة صديقنا نعمان افندى وكان به آنسا وقلده أمين الضربخانة. ولما أخذ العهد على الشيخ اقلع عن استعمال البرش والقاه بظروفه وقلل من استعمال الدخان. وكان عنده. ج / 1 ص -549- أصناف الطيور المليحة الأصوات وعمل بستانا لطيفا في الفسحة التي كانت بداخل السراية زرع بها أصناف الزهور والغراس والورود والياسمين والفل وبوسطه قبة على أعمدة لطيفة من الرخام وحولها حاجز من السلك النحاس الرفيع الأصفر وبداخلها كثير من عصافير القنارية وعمل لهم أوكارا يأوون إليها ويطيرون صاعدين هابطين بداخل القبة ويطرب لاصواتهم اللطيفة وانغامهم العذبة وذلك خلاف ما في الاقفاص المعلقة في المجالس وتلك الاقفاص كلها بديعة الشكل والصنعة. ولما أنزلوه على هذه الصورة انتهب الخدم تلك الطيور والاقفاص وصاروا يبيعونها في أسواق المدينة على الناس. وفي يوم الجمعة عاشر شعبان الموافق لسابع مسرى القبطي أوفى النيل المبارك وكسر السد في صبحها يوم السبت بحضرة إبراهيم بك قائمقام مصر والأمراء. وفي أواخر شعبان شرع الأمراء في تجهيز تجريدة وسفرها إلى جهة قبلي لاستفحال أمر حسن بك ورضوان بك فإنه انضم إليهم كثير من الأجناد وغيرهم وذب إليهم جماعة إسمعيل بك وهم إبراهيم بك قشطة وعلي بك الجوخدار وحسين بك وسليم بك من خلف الجبل فعندما تحققوا ذلك أخذوا في تجهيز تجريدة وأميرها مراد بك وصحبته سليمان بك أبو نبوت وعثمان بك الأشقر ولاجين بك ويحيى بك وطلبوا الاحتياجات واللوازم وحصل منهم الضرر وطلب مراد بك الأموال من التجار وغيرهم مصادرة وجمعوا المراكب وعطلوا الأسباب وبرزوا بخيامهم إلى جهة البساتين. وفيه حضر من الديار الرومية أمير اخور وعلى يده تقرير لاسمعيل باشا على السنة الجديدة فوجده معزولا وأنزلوه في بيت بسويقه العزى. وفي يوم الخميس عشرين شوال وكان خروج المحمل والحجاج صحبة أمير الحج مصطفى بك الصغير. ج / 1 ص -550- من مات في هذه السنة. مات السيد الأجل الوجيه الفاضل السيد محمد بن عثمان بن محمد بن عبد الرحيم بن محمد بن عبد الرحيم بن مصطفى بن القطب الكبير سيدى محمد دمرداش الخلوتي ولد بزاوية جدة ونشأ بها ولما توفي والده السيد عثمان جلس مكانه في خلافتهم وسار سيرا حسنا مع الأبهة والوقار وتردد الأفاضل إليه على عادة اسلافه. وكان يعاني طلب العلم مع الرفاهية وبعض الخلاعة ولازم المرحوم الوالد هو وأولاده السيد عثمان والسيد محمد المتولي إلا أن في مطالعة الفقه الحنفي وغيره في كل يوم بالمنزل ويحضرون أيضا بالأزهر وعلى الأشياخ المترددين عليهم بالزاوية مثل الشيخ محمد الأمير والشيخ محمد العروسي والشيخ محمد بن إسمعيل النفراوى والشيخ محمد عرفة الدسوقي وغيرهم وكان إنسانا حسن العشرة والمودة. توفي في رابع عشر رمضان من السنة ودفن بزاويتهم عند اسلافهم. ومات الفقيه النبيه المتقن المتفنن الأصولي النحوى المعقولي الجدلي الشيخ مصطفى المعروف بالريس البولاقي الحنفي كان في الأصل شافعي المذهب ثم تحنف وتفقه على الشيخ الأسقاطي والسيد سعودى والدلجي وحضر المعقولات على الشيخ علي الصعيدي والشيخ علي قايتباى والاسكندراني وكان ملازما للسيد سعودى فلما توفي لازم ولده السيد إبراهيم ولم تطل أيامه فلما مات لازم الشيخ الوالد حسن الجبرتي ملازمة كلية في المدينة وبولاق وكان يحبه لنجابته واستحضاره ونوه بشأنه ولاحظه بأنظاره وأخذ له تدريس الحنفية بجامع السنانية وجامع الواسطي وعاونه في أمور من الأحكام العامة ببولاق حتى اشتهر ذكره بها وعظم شأنه عند أهلها وصار بيته مثل المحكمة في القضايا والدعاوى. ج / 1 ص -551- والمناكحات والخصومات وكان فيه شهامة وقوة جنان وصلابة رحمه الله تعالى وعفا عنه. ومات الوالي الصالح الفاضل الشيخ عبد الله بن محمد بن حسين السندى نزيل المدينة المنورة المشهور بجمعة حضر دروس الشيخ محمد حياة السندى وغيره من الواردين وجاور بالمدينة نحوا من أربعين سنة وانتفع به طلبة المدينة واشتهرت بركنه. فكل من قرأ عليه شيئا فتح الله عليه وصار من العلماء وكان ذا كرم ومروءة وحياء وشفقة توفي في هذه السنة. ومات الشيخ الصالح الوجيه أحمد بن عبد الله الرومي الأصل المصري المكتب الخطاط الملقب بالشكرى جود الخط على جماعة من المشاهير ومهر فيه حتى برع وأجيز وأجاز على طريقتهم ونسخ بيده عدة مصاحف ودلائل الخيرات وغير ذلك وانتفع به الناس انتفاعا عاما واشتهر خطه في الآفاق واجاز لجماعة وكان وجيها منور الشيبة يلوح عليه سيما الصلاح والتقوى نظيف الثياب حسن الأخلاق مهذبا متواضعا. توفي عشية يوم الأربعاء ثالث جمادى الأولى من السنة وصلي عليه بالأزهر ودفن بالقرافة رحمه الله تعالى. تاريخ عجائب الآثار في التراجم والأخبار سنة خمس وتسعين ومائة وألف. في منتصف المحرم قبض إبراهيم بك على إبراهيم أغا ببيت المال المعروف بالمسلماني وضربه بالنبابيت حتى مات وأمر بالقائه في بحر النيل فالقوه وأخرجه عياله بعد أيام من عند شبر افاتوا به إلى بيته وغسلوه وكفنوه ودفنوه ولم يعلم لذلك سبب. وفي يوم السبت سادس عشر صفر نزل الحجاج ودخلوا إلى مصر صحبة المحمل وأمير الحاج مصطفى بك في يوم الثلاثاء تاسع عشرة. وفيه جاءت الأخباريات إسمعيل بك وصل من الديار الرومية إلى ادرنه. ج / 1 ص -552- وطلع من هناك ولم يزل يتحيل حتى خلص إلى الصعيد وانضم إلى حسن بك ورضوان بك وباقي الجماعة. وفي أواخر شهر صفر وصلت الأخبار من ناحية قبلي بان مراد بك خنق إبراهيم بك أوده باشا قيل: إنه اتهمه بمكاتبات إلى إسمعيل بك وحبس جماعة آخرين خلافه. وفيه وصلت الأخبار بورود باشا إلى ثغر سكندرية واليا على مصر وهو محمد باشا ملك. وفي سادس جمادى الأولى وصل مراد بك ومن معه إلى مصر وصحبته إبراهيم بك قشطة صهر إسمعيل بك وسليم بك أحد صناجق إسمعيل بك بعد ما عقد الصلح بينه وبينهم وأحضر هؤلاء صحبته رهائن واعطى لاسمعيل بك اخميم واعمالها وحسن بك قنا وقوص واعمالها ورضوان بك اسنا ولما تم الصلح بينه وبينهم على ذلك أرسل لهم هدايا وتقادم وأحضر صحبته من ذكر فكانت مدة غيابه ثمانية أشهر وأياما ولم يقع بينهم مناوشات ولا حرب بل كانوا يتقدمون بتقدمه ويتأخرون بتأخره حتى تم ما تم. وفي منتصف شهر جمادى الأولى سافر علي أغا كتخدا الجاويشية وأغات المتفرقة والترجمان وباقي أرباب الخدم لملاقاة الباشا. وفي غرة شهر رجب وصل الباشا إلى بر انبابه وبات هناك وعدت الأمراء في صبحها للسلام عليه ثم ركب إلى العادلية. وفي يوم الإثنين ركب الباشا بالموكب من العادلية ودخل باب النصر وشق من وسط المدينة وطلع إلى القلعة وضربوا له المدافع من باب الينكجرية وكان وجيها جليلا منور الوجه والشيبة. وفي يوم الخميس عملوا الديوان وحضر الأمراء والمشايخ وقرىء التقليد بحضرتهم وخلع على الجميع الخلع المعتادة. ج / 1 ص -553- وفي يوم الأحد المبارك ليلة النصف من شعبان الموافق لاول مسرى القبطي كان وفاء النيل المبارك ونزل الباشا وكسروا السد بحضرته على العادة صبح يوم الإثنين. من مات في هذه السنة من الأئمة والأعيان. توفي شيخنا الإمام العارف كعبة كل ناسك عمدة الواصلين وقدوة السالكين صاحب الكرامات الظاهرة والاشارات الباهرة شيخنا وأستاذننا الشيخ محمود الكردي الخلوتي حضر إلى مصر متجردا مجاهدا مجتهدا في الوصول إلى مولاه زاهدا كل ما سوأه فأخذ العهد وتلقن الذكر من الأستاذ شمس الدين الحفني وقطع الأسماء وتنزلت عليه الأسرار وسطعت على غرته الأنوار وأفيض على نفسه القدسية أنواع العلوم المدنية. وله رسالة في الحكم ذكر أن سبب تأليفه لها أنه رأى الشيخ محي الدين العربي رضي الله عنه في المنام أعطاه مفتاحا وقال له: افتح الخزانة. فاستيقظ وهي تدور على لسانه ويرد على قلبه أنه يكتبها. قال: فكنت كلما صرفت الوارد عني عاد الي فعلمت أنه أمر الهي فكتبتها في لمحة يسيرة من غير تكلف كأنما هي تملي على لساني من قلبي وقد شرحها خليفته شيخ الإسلام والمسلمين سيدي الشيخ عبد الله الشرقاوي شيخ الجامع الأزهر شرحا لطيفا جامعا مانعا استخرج به من كنوز معانيها ما اخفاها فلم يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها وشرحها أيضا أحد خلفائه الأستاذ العلامة السيد عبد القادر بن عبد اللطيف الرافعي البيارى العمرى الحنفي الطرابلسي شكر الله صنيعهما ذكر في أولها ترجمة الأستاذ كما سمعه من لفظه أن مولده ببلدة صاقص من بلاد كوران ونشأ في المجاهدة وهو ابن خمسة عشرة سنة صائم الدهر محيي الليل كله في مسجد ببلدته معروف حتى اشتهر أمره وقصده الناس بالزيارة فهجر ذلك المكان وصار. ج / 1 ص -554- يأوى الخراب خارج بلدته بحيث لا يشعر به أحد. وأخبرني غير مرة أنه كان لا يغمه بالليل إلا سماع صوت الديكة لانذارها بطلوع النهار لما يجده في ليله من المواهب والاسرار. وكان جل نومه في النهار وكثيرا ما كان يجتمع بالخضر عليه السلام فيراه بمجرد ما ينام فيذكر الله معه حتى يستيقظ. وكان لا يفتر عن ذكر الله لا نوما ولا يقظة. وقال مرة جميع ما في كتب احياء العلوم للغزالي عملت به قبل أن أطالعه فلما طالعته حمدت الله تعالى على توفيقه اياى وتوليته تعليمي من غير معلم. وكان كثير التقشف من الدنيا يأكل خبز الشعير وفي بيته يصنع خاص دقيق البر وكثيرا ما كان يلومه أخوه على ذلك وكان أخوه الكبير كثير اللوم له على ما يفعله من مجاهداته وتقشفاته. ولما مات والده ترك ما يخصه من ارثه لهم وكان والده كثير المال والخير وعليق دوابه في كل ليلة أكثر من نصف غرارة من الشعير. ولما صار عمره ثمان عشرة سنة رأى في منامه الشيخ محمد الحفناوى فقيل له: هذا شيخك فتعلق قلبه به وقصده بالرحلة حتى قدم مصر واجتمع به وأخذ عنه الطريق الخلوتية وسلك على يديه بعد أن كان على طريقة القصيرى رضي الله عنه. وقال له في مبدأ أمره: يا سيدي إني أسلك على يديك ولكن لا أقدر على ترك أوراد الشيخ علي القصيرى فأقرأ اوراده واسلك طريقتك. فأجابه الشيخ إلى ذلك ولم يشدد عليه في ترك أوراد الشيخ القصيرى لما عرفه من صدقه من المذكور فلازمه مدة طويلة ولقنه اسماء الطريقة السبعة في قطع مقاماتها وكتب له إجازة عظيمة شهد له فيها بالكمال والترقي في مقامات الرجال وأذن له بالارشاد وتربية المريدين. فكان الشيخ في آخر أمره إذا أراد أحد أن يأخذ عنه الطريق يرسله إلى الشيخ محمود ويقول لغالب جماعته عليكم بالشيخ محمود فإني لولا اعلم من نفوسكم ما أعلم لأمرتكم كلكم بالأخذ عنه والانقياد إليه. ولما قدم شيخ شيخه السيد مصطفى البكرى لازمه وأخذ. ج / 1 ص -555- عنه كثيرا من علم الحقائق وكان كثير الحب فيه فلما رآه لا يقرأ أوراد الطريقة الخلوتية ويقتصر على أوراد القصيرى عاتبه في ذلك وقال له أيليق بك: أن تسلك على ايدينا وتقرأ أوراد غيرنا إما أن تقرأ أورادنا وأما أن تتركنا. فقال: يا سيدي أنتم جعلكم الله رحمة للعالمين وأنا اخاف من الشيخ القصيرى أن تركت أوراده وشيء لازمته في صغرى لا أحب أن اتركه في كبرى. فقال له السيد البكرى: استخر الله وانظر ماذا ترى لعل الله يشرح صدرك. قال: فاستخرت الله العظيم ونمت فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم والقصيرى عن يمينه والسيد البكرى عن يساره وأنا تجاههم فقال القصيرى للرسول صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله أليست طريقتي على طريقتك اليست اورادي مقتبسة من أنوارك فلم يأمر السيد البكرى هذا بترك أورادى فقال السيد البكرى يا رسول الله رجل سلك على أيدينا وتولينا تربيته أيحسن منه أن يقرأ أوراد غيرنا ويهجر أورادنا فقال الرسول عليه السلام لهما: "اعملا فيه القرعة" واستيقظ الشيخ من منامه فأخبر السيد البكرى فقال له السيد معنى القرعة: انشراح صدرك انظره واعمل به قال الشيخ رضي الله عنه: ثم بعد ليلة وأكثر رأيت سيدى أبا بكر الصديق رضي الله عنه في المنام وهو يقول لي يا محمود خليك مع ولدى السيد مصطفى ورأى ورد سحر الذى ألفه المذكور مكتوبا بين السماء والأرض بالنور المجسم كل حرف منه مثل الجبل فشرح الله بعد ذلك صدره ولازم أوراد السيد البكرى وأخذ من أوراد القصيرى ما استطاع. وأخبر رضي الله عنه أنه رأى حضرة الرسول صلى الله عليه وسلم في بعض المرائي وكان جمع الفقراء في ليلة مباركة وذكر الله تعالى بهم إلى الفجر وكان معه شىء قليل من الدنيا فورد على قلبه وأراد زهد ففرق ما كان معه على المذكورين وفي أثناء ذلك صرخ من بين الجاعة صارخ يقول الله بحال قوى فلما فرغوا قال للشيخ: يا سيدى سمعت هاتفا. ج / 1 ص -556- يقول يا شيخ محمود ليلتك قبلت عند الله تعالى قال: ثم إني بعدما صليت الفجر نمت فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لي: يا شيخ محمود ليلتك قبلت عند الله تعالى وهات يدك حتى أجازيك فأخذ صلى الله عليه وسلم بيد الشيخ والسيد البكرى حاضر بالمجلس فأخذ يده ووضع يده الشريفة بين يديهما وقال أريد أن أخاوى بينك وبين السيد البكرى وأتخاوى معكما الناجي منا يأخذ بيد أخيه فأستيقظ فرحا بذلك فلم يلبث إلا يسيرا ورسول السيد البكرى يطلبه فتوضأ وذهب إلى زيارته وكان من عادته أنه يزوره كل يوم ولا يدخل عليه إلا على طهارة فلما رآه قال له: ما أبطاك اليوم عن زيارتنا فقال له: يا سيدي سهرنا البارحة الليل كله فنمت فتأخرت عنكم فقال له السيد: هل من بشارة أو إشارة فقلت يا سيدى البشارة عندكم فقال: قل ما رأيت قال: متعجبت من ذلك وقلت يا سيدي رأيت كذا وكذا فقال: يا ملا محمود منامك حق وهذه مبشرة لنا ولك فإنه صلى الله عليه وسلم ناج قطعا ونحن ببركته ناجون ومناقبه رضي الله عنه كثيرة لا تحصر. وكان كثير المرأى لرسول الله صلى الله عليه وسلم قل ما تمر به ليلة إلا ويراه فيها وكثيرا ما يرى رب العزة في المنام ورآه مرة يقول له: يا محمود إني احبك وأحب من يحبك فكان رضي الله عنه يقول من أحبني دخل الجنة. وقد أذن لي أن اتكلم بذلك وأما مجاهداته فالديمة المدرار كما قالت عائشة رضي الله عنها في جنابه صلى الله عليه وسلم كان عمله ديمة وأيكم يستطيع عمل رسول الله صلى الله عليه وسلم. وبلغ من مجاهداته رضي الله عنه أنه لما ضعف عن القيام في الصلاة لعدم تماسكه بنفسه صنع له خشبة قائمة يستند عليها ولم يدع صلاة النقل قائما فضلا عن الفرض ولم يدع صلاة الليل والوظائف التي عليه مرتبة في حال من الأحوال وكان لا ينام من الليل إلا قليلا وكان ربما يمضي عليه الليل وهو يبكي وربما تمر عليه الليلة كلها وهو يردد. ج / 1 ص -557- آية من كتاب الله تعالى. وكثيرا ما كان يقتصر على الخبز والزيت ويؤكل في بيته خواص الأطعمة وكان غالب أكله الرز بالزيت وتارة بالسمن البقرى وقل ما تراه في خلوته أو مع أصحابه إلا وهو مشغول في وظائف أوراد. وقال لي: مرة ربما أكون مع أولادى ألاعبهم وأضاحكهم وقلبي في العالم العلوى في السماء الدنيا أو الثانية أو الثالثة أو العرش وكثيرا ما كان تفيض على قلبه معرفة الحق سبحانه وتع إلى فيجعل يبكي ولا يشعر به جليسه. وقلت يوما للعارف بالله تعالى خليفته سيدى محمد بدير القدسي من كرامات الأستاذ أنه لا يسمع شيئا من العلم إلا حفظه ولا يزول من ذهنه ولو بعد حين فقال لي رضي الله عنه: بل الذي يعد من كرامات الشيخ أنه لا يسمع شيئا من العلم النافع إلا ويعمل به في نفسه ويداوم عليه. فقلت صدقت هذا والله حاله وكنت مرة أسمعته رياض الرياحين لليافعي فلما أكملته قال لي: بمحضر من أصحابه هل يوجد الآن مثل هؤلاء الرجال المذكورين في هذا الكتاب تكون لهم الكرامات فقال له بعض الحاضرين: الخير موجود يا سيدى في أمة الرسول عليه الصلاة والسلام فقال الشيخ: قد وقع لي في الطريق أبلغ من ذلك واحكي لكم عما وقع لي في ليلتي هذه كنت قاعدا أقرأ في أورادي فعطشت وكان الزمن مصيفا والوقت حارا وأم الأولاد نائمة فكرهت أن اوقظها شفقة عليها فما استتم هذا الخاطر حتى رأيت الهواء قد تجسم لي ماء حتى صرت كأني في غدير من الماء وما زال يعلو حتى وصل إلى فمي فشربت ماء لم أشرب مثله ثم أنه هبط حتى لم يبق قطرة ماء ولم يبتل مني شيء. وبردت ليلة في ليالي الشتاء بردا شديدا وأنا قاعد أقرأ في وردى وقد سقط عني حرامي الذي أتغطى به وكان إذا سقط عنه غطاؤه لا يستطيع أن يرفعه بيده لضعف يده قال: فأردت أن أوقظ أم الأولاد فأخذتني الشفقة عليها فما تم هذا الخاطر حتى رأيت كانونا عظيما ملآنا من الجمر وضع بين يدى وبقى. ج / 1 ص -558- عندي حتى دفىء بدني وغلب وهج النار علي فقلت في سرى هذه النار حسية أم هي خيال فقربت أصبعي منها فلذعتني فعلمت أنها كرامة من الله تعالى ثم رفعت. والحاصل أن مناقبه رضي الله عنه لا تكاد تنحصر وكان لكلامه وقع في النفوس عظيم إذا تكلم كأنما كلماته خرزات نظمن في جيد حسناء لا ينطق إلا بحكمة أو موعظة أو مسائل دينية أو حكاية تتضمن جوابا عن سؤال يسأله بعض الحاضرين بقلبه ولا تكاد تسمع في مجلسه ذكر أحد بسوء وكان كثير الشفقة والرحمة على خلق الله لا سيما أرباب الذنوب والمعاصي كثير التواضع كثير الاحسان للفقراء والمساكين لا يمسك من الدنيا شيئا جميع ما يأيتة ينفقة في طاعة الله. ما امسك بيده درهما ولا دينار قط آخذا بالورع في جميع أموره ليس له هم إلا أمور الآخرة لا يهتم لشأن الدنيا أقبلت أو أدبرت كفاه الله مؤنة الدنيا عنده خادم يقبض ما يأتي له من الدنيا ويصرف عليه فلا يزيد ذلك على حاجته ولا ينقص شيئا قال السيد شارح الرسالة: خدمته نحو عشر سنوات ما رأيته ارتكب صغيرة قط وللاستاذ رضي الله عنه رسالة سماها السلوك لابناء الملوك وهي صورة مكتوب من املائه أرسله إلى رجل من أعيان المغرب يقال له ابن الظريف وكان الشيخ رضي الله عنه أرسل له جوابا عن مكاتبة أرسلها فأرسل مراسلة أخرى والتمس الجواب ويكون متضمنا بعض النصائح فأملى تلك المراسلة فبلغت نحو ستة كراريس وصارت كتابا عظيم النفع سارت به الركبان وانتفع به القاصي والداني وكتب عليه كثير من العلماء وكانت وفاة الأستاذ رضي الله عنه ثالث المحرم من هذه السنة وتولى غسله الشيخ سليمان الجمل وصلي عليه بالأزهر ودفن بالصحراء بجوار شيخه السيد مصطفى البكرى رضي الله عنهما. ومات الأديب الماهر واللبيب الشاعر الشيخ علي بن عنتر الرشيدى كان. ج / 1 ص -559- متضلعا فصيحا مفوها له موشحات ومقاطيع كثيرة ونظم البحور الستة عشر كلها بالاقتباس منها قوله في الطويل: أطلت الجفا فأسمح بوصلك يا رشا. ولا تبدلن وعد الكئيب بضده. فعولن مفاعيلن فعولن مفاعلن. ولا تحسبن الله مخلف وعده. وقال في المديد ومنه الاكتفاء: في مديد الهجر قال اللواحي. دع هواه فالغرام جنون. فاعلاتن فاعلن فاعلاتن. واصطبر عن حبه قلت كونوا. وقال في الرجز: كملت محاسن منيتي فهديت في. روض غدا في وجنتيه نضيرا. متفاعلن متفاعلن متفاعلن. وكفى بربك هاديا ونصيرا. وقال في الرجر: ارجزفاني في هوى حلو اللما. مسى الورى أضحيت صبا هائما. مستفعلن مستفعلن مستفعلن. أن قل صبرى قال صبرى وما. وقال في الوافر: بوافر لوعتي صل يا غزالي. فكل متيم فإن وبالي. مفاعلتن مفاعلتن فعولن. ويبقى وجه ربك ذو الجلال. وقال في البسيط: بسطت في شادن حلو اللما غزلى. وقلت جدلي بوصل منك يا أملي. مستفعلن فاعلن مستفعلن فعلن. فقال لي خلق الإنسان من عجل. وقال في الرمل: قد رملت الوصف فيه قائلا. مذبدا الهندى من أهدا به. فاعلاتن فاعلاتن فاعلن. قل هو الرحمن آمنا به. ج / 1 ص -560- وقال في الخفيف: خفف الهجر عن فؤاد كليم. وامل كاس الوصال لي يانديمي. فاعلاتن مستفعلن فاعلاتن وتوكل على العزيز الرحيم. وله ديوان شعر مشهور ولم يزل حتى مات بالثغر في ربيع الأول من السنة. ومات الشيخ الصالح الدين بقية السلف ونتيجة الحلف الشيخ أحمد ابن محمد بن أحمد بن عبد المنعم بن أبي السرور والبكرى الشافعي شيخ سجادة البكرية بمصر كان صاحب همة ومروءة وديانة وعفاف ومحبة وانصاف وتولى بعد موته أبيه فسار سيرا وسطا مع صفاء الباطن وكان الغالب عليه الجذب والصلاح والسلوك على طريق أهل الفلاح مع أوراد وأذكار يشتغل بها توفي يوم السبت ثاني عشر ربيع الثاني من السنة وصلي عليه بالجامع الأزهر بمشهد حافل ودفن اسلافه قرب مقام الإمام الشافعي رضي الله عنه. ومات الإمام الفصيح المعتقد الشهير الذكر الشيخ إبراهيم بن محمد ابن عبد السلام الرئيس الزمزمي المكي الشافعي مؤقت حرم الله الامين ولد بمكة سنة 1110 وسمع من ابن عقيلة وعمر بن أحمد بن عقيل والشيخ سالم البصري والشيخ عطاء الله المصري وابن الطيب وحضر على الشيخ أحمد الأشبولي الجامع الصغير وغيره وأخذ عن السيد عبد الله ميرغني ومن الواردين من أطراف البلاد كالشيخ عبد الله الشبراوى والشيخ عمر الدعوجي والشيخ أحمد الجوهرى واجازه شيخنا السيد عبد الرحمن العيدروس بالذكر على طريقة السادة النقشبندية وألف بأسمه رسالة سماها البيان والتعليم لمتبع ملة إبراهيم ذكر فيها سنده وأجازه السيد مصطفى البكرى في الخلوتية وجعله خليفته في فتح مجالس الذكر وفي. ج / 1 ص -561- ورد سحر ولازم المرحوم الوالد حسن الجبرتي سنة مجاورته بممكة وهي سنة خمس وخمسين ملازمة كلية وأخذ عنه علم الفلك والأوفاق والاستخراجات والرسم وغير ذلك ومهر في ذلك واقتنى كتبا نفيسة في سائر العلوم بددها أولاده من بعده وباعوها بأبخس الاثمان. وكان عنده من جملة كتبه زيج الراصد الغيبك السمرقندى نسخة شريفة بخط العجم في غاية الجودة والصحة والاتقان وعليها تقييدات وتحريرات وفوائد شريفة لا يسمح الدهر بمثل تلك النسخة وكنت كثيرا ما أسمع من المرحوم الوالد ذكرها ومدحتها ونسخة الوالد مكتوب عليها بخط رستم شاه ما نصه قد اشترينا هذا الكتاب في دار سلطنة هراة بأثنى عشر ألف دينار. وتحت ذلك اسمه وختمه. فلما كان في سنة ست وتسعين ورد علينا بعض الحجاج الجزائرية وسألني عن كتب يشتريها من جملتها الزيج المذكور وأرغبني في زيادة الثمن فلم تسمح نفسي بشيء من ذلك ثم سافر إلى الحج ورجع وأتاني ومع خادمه رزمة كبيرة فوضعها بين أيدينا وفتحها وأخرج منها نسخة الزيج المذكورة وفرجني عليها وقال: أيهما أحسن نسختك التي ضننت بها أو هذه. وكنت لم أرها قبل ذلك فرأيتها شقيقتها وتزيد عنها في الحسن بصغر حجمها وكثرة التقييدات بهامشها وطيارات كثيرة بداخلها في المسائل المعضلة مثل التسييرات والانتهاءات والنمودارات وغير ذلك وجميعها بحسن الخط والوضع فرأيتها المخدرة التي كشف عنها القناع وإنما هي المعشوقة بالسماع فقلت له كيف وصلت إلى هذه اليتيمة وما مقدار ما دفعته فيها من المهر والقيمة. فأخبرني أنه اشتراها من ابن الشيخ بعشرين ريالا وكتاب المجسطي وكتاب التبصرة وشرح التذكرة ونسخة البارع في غاية الجودة وزيج ابن الشاطر وغير ذلك من الكتب التي لا توجد في خزائن الملوك وكلها بمثل ذلك الثمن البخس. فقضيت أسفا وأخذ الجميع مع ما أخذ وذهب إلى بلاده. وهكذا حال. ج / 1 ص -562- الدنيا ولم يزل المترجم على حالة حميدة واشتهر أمره في الآفاق وعرف بالصلاح والفضل وأتته الهدايا والمراسلات من جميع الأطراف والجهات حتى لحق بربه عز وجل سابع عشر ربيع الأول من السنة. ومات الشيخ الفاضل الصالح أحمد بن محمد الباقاني الشافعي النابلسي سمع الأولية من محمد بن محمد الخليلي ورافق الشيخ السفاريني في بعض شيوخه من أهل البلد وأجازه السيد مصطفى البكرى في الورد والطريقة ورد مصر أيام تولية المرحوم مصطفى باشا طوقان وكان له مذاكرة حسنة وورع وصلاح وعبادة وانتفع به الطلبة في بلاده ثم عاد إلى بلاده فتوفي في ثالث جمادى الثانية. ومات الأجل المفوه الشريف الفاضل السيد حسين بن شرف الدين ابن زين العابدين بن علاء الدين بن شرف الدين بن موسى بن يعقوب ابن شرف الدين بن يوسف بن شرف الدين بن عبد الله بن أحمد أبي ثور ابن عبد الله بن محمد بن عبد الجبار الثورى المقدسي الحنفي جده الاعلى أحمد بن عبد الله دخل حين فتح بيت المقدس راكبا على ثور فعرف بأبي ثور وأقطعه الملك العزيز عثمان بن يوسف بن أيوب ديرمار يقوص وبه دفن وذلك في سنة خمسمائة وأربعة وتسعين وجده الأدنى زين العابدين أمه الشريفة راضية بنت السيد محب الدين محمد بن كريم الدين عبد الكريم ابن داود بن سليمان بن محمد بن داود بن عبد الحافظ بن أبي الوفاء محمد بن يوسف بن بدران بن يعقوب بن مطر بن السيد زكي الدين سالم الحسيني الوفائي البدرى المقدسي ومن هنا جاء لحفيده المترجم الشرف وهي أخت الجد الرابع للسيد علي المقدسي ويعرف المترجم أيضا بالعسيلي وكأنه من طرف الامهات ولد ببيت المقدس وبها نشأ وقرأ شيئا من المبادىء ثم ارتحل إلى دمشق فحضر دروس الشيخ إسمعيل العجلوني. ج / 1 ص -563- ولازمه وأجازه بمروياته وجود الخط على مستعد زاده فمهر فيه وكتب بخطه اشياء ودخل مصر ونزل في رواق الشوام بالأزهر واقبل على تحصيل العلم والمعارف فحضر دروس مشايخ الوقت كالشبراوى والحفني والجوهرى ولازم السيد البليدى واستكتب حاشية على البيضاوى وسافر إلى الحرمين وجاور بهما وأخذ عن الشيخ محمد حياة والشيخ ابن الطيب ثم قدم مصر وتوجه منها لدار ملك الروم وأدرك بها بعض ما يروم وعاشر الأكابر وعرف اللسان وصار منظورا إليه عند الأعيان ثم قدم مصر مع بعض أمراء الدولة في أثناء سنة 1172 وانضوى إلى الشيخ السيد محمد أبي هادى بن وفا وكان صغير السن فألفه وأحبه وادبه وصار يذاكره بالعلم واتحد معه حتى صار مشارا إليه في الأمور معولا عليه في المهمات. ولما تولى نقابة السادة الأشراف مضافة إلى خلافة الوفائية كان هو كالكتخدا له في أحواله معتمدا عليه في أفعاله وأقواله وداوم على ذلك برهة من الزمان وهو نافذ الكلمة مسموع المقال حسن الحركات والأحوال إلى أن توفي الشيخ المشار إليه فضاقت مصر عليه فتوجه إلى دار السلطة وقطنها واتخذها دارا وسكنها وأقبل على الافادة ونشر العلوم بالاعادة. وبلغني أنه كتب في تلك الأيام شرحا على بعض متون الفقه في مذهب الإمام وصار مرجع الخواص والعوام مقبولا بالشفاعة عند أرباب الدولة حتى وافاه الحمام في هذه السنة رحمه الله وكان اودع جملة من كتبه بمصر فأرسل بوقفها برواق الشوام فوضعوها في خزانة لنفع الطلبة. ومات الفقيه العلامة الصالح المعمر الشيخ عبد الله بن خزام أبو الطوع الفيومي وغيره وقدم الجامع الأزهر فأخذ عن فضلاء عصره وهو أحد من يشار إليه في بلده بالفضل وتولى الافتاء فسار بغاية التحرى وبلغني من تواضعه أنه كان يأتي إليه أحد العوام فيقول له: حاجتي في بلد. ج / 1 ص -564- كذا فقم معي تقضيها. فيطيعه ويذهب معه الميلين والثلاثة ويقضيها وقد تكرر ذلك منه وكان له في كل يوم صدقات الخبز على الفقراء والمساكين يفرقها عليهم بيده ولا يشمئز وكانت له معرفة تامة في علم المذهب وغيره من الفنون الغريبة كالفلك والهيئة والميقات وعند آلات لذلك. وكان إنسانا حسنا جامعا لادوات الفضائل. توفي يوم الجمعة حادى عشر ربيع الثاني من السنة ولم يخلف بعده مثله. ومات الفاضل الصالح الشيخ علي بن محمد الحباك الشافعي الشاذلي تفقه على الشيخ عيسى البراوى وبه تخرج وأخذ الطريقة الشاذلية عن الشيخ محمد كشك وإليه انتسب ولما توفي جعل شيخا على المريدين وسار فيهم سيرا مليحا. وكان يصلي إماما بزاوية بقلعة الجبل وكان شيخا حسن العشرة لطيف المجاورة طارحا للنكات متواضعا وقد صارت له مريديون وأتباع خاصة غير أتباع شيخه توفي في يوم الإثنين ثالث عشرين شعبان من السنة. ومات من الأمراء الأمير إبراهيم بك أوده باشه خنقه مراد بك عفا الله عنه والمسلمين. تاريخ عجائب الآثار في التراجم والأخبار سنة ست وتسعين ومائة وألف. فيها في صفر نزل مراد بك وسرح بالأقاليم البحرية وطاف البلاد بالشرقية وطلب منهم أموالا وفرض عليهم مقادير من المال عظيمة وكلفا وحق طرق معينين وغير ذلك مالا يوصف ثم نزل إلى الغربية وفعل بها كذلك ثم إلى المنوفية. وفي منتصف شعبان ورد اغا بطلب محمد باشا ملك إلى الباب ليتولى الصدارة فنزل من القلعة إلى قصر العيني وأقام بقية شهر شعبان ونزل في غرة رمضان وسافر إلى سكندرية. فكانت مدة ولايته ثلاثة عشر. ج / 1 ص -565- شهرا ونصفا. وهاداه الأمراء ولم يحاسبوه على شيء ونزل في غاية الاعزاز والاكرام وكان من افاضل العلماء متضلعا من سائر الفنون ويحب المذاكرة والمباحثة والمسامرة واخبار التورايخ وحكايات الصالحين وكلام القوم وكان طاعنا في السن منور الشيبة متواضعا وحضر الباشا الجديد في أواسط رمضان ونزل إليه الملاقاة وحضر إلى مصر في عاشر شوال وطلعوه قصر العيني فبات به وركب بالموكب في صبحها ومر من جهة الصليبة وطلع إلى القلعة وذلك على خلاف العادة. وفيه جاءت الأخبار على أيدى السفار الواصلين من اسلامبول بأنه وقع بها حريق عظيم لم يسمع بمثله واحترق منها نحو الثلاثة أرباع واحترق خلق كثير في ضمن الحريق وكان أمرا مهولا وبعد ذلك حصل بها فتنة أيضا ونفوا الوزير عزت محمد باشا وبعض رجال الدولة. وفي ليلة السبت ثامن عشر القعدة هرب سليم بيك وإبراهيم بيك قشطة وتبعهم جماعة كثيرة نحو الثمانين فخرجوا ليلا على الهجن وجرائد الخيل وذهبوا إلى الصعيد وأصبح الخبر شائعا بذلك فأرتبك إبراهيم بيك ومراد بيك ونادى الأغا والوالي بترك الناس المشي من بعد العشاء. من توفي في هذه السنة من الأعيان. توفي الأستاذ الوجيه العظيم السيد محمد افندى البكرى الصديقي نقيب السادة الأشراف بالديار المصرية كان وجيها مبجلا محتشما سار في نقابة الأشراف سيرا حسنا مع الإمارة وسلوك الانصاف وعدم الاعتساف ولما توفي ابن عمه الشيخ أحمد شيخ السجادة البكرية تولاها بعده بأجماع الخاص والعام مضافة لنقابة الأشراف فحاز المنصبين وكمل له الشرفان. ولم يقم في ذلك إلا نحو سنة ونصف. وتوفي يوم السبت عاشر شعبان فحضر مراد بيك إلى منزله وخلع على ولده السيد محمد. ج / 1 ص -566- افندى ما كان على والده من مشيخة السجادة البكرية ونقابة الأشراف وجهز وكفن وخرجوا بجنازته من بيتهم بالازبكية وصلوا عليه بالجامع الأزهر في مشهد حافل ودفن بمشهد اجداده بالقرافة. ومات الشريف العفيف الوفي الصديق محمد بن زين بأحسن جمل الليل الحسيني باعلوى التريمي الأصل نزيل الحرمين سكن بهما مدة واتصل بخدمة الشيخ القطيب السمد الشيخ باعبود فلوحظ بأنظاره وكان يحترمه ويعترف بمقامه ويحكي عن بعض مكاشفاته ووارداته وصحب كلا من القطب السيد عبد الله مدهر وعارفة وقتها الشريفة فاطمة العلوية والشيخ محمد ابن عبد الكريم السمان والشيخ عبد الله ميرغني وجماعة كثيرين من السادة والواردين على الحرمين من الافاضل وله محاورة لطيفة ولديه محفوظة ومعرفة بدقائق علم الطب وسليقة في التصوف. ورد إلى مصر سنة 1181 هو عائد من الروم واجتمع بافاضلها وعاشر شيخنا السيد محمد مرتضى وأفاده وأرشده إلى أمور مهمة وسافر صحبته لزيارة الشهداء بدمياط ولاقاه أهلها بالاحترام. ثم توجه إلى الحرمين الشريفين وأقام هناك واجتمع به الشيخ محمد الجوهرى وآخاه في الصحبة وكان مع ما أعطى من الفضائل يتجر بالبضائع الهندية ويتعلل بما يتحصل منها وبآخرة سافر إلى الديار الهندية وبها توفي في هذه السنة. ومات العمدة الفاضل واللوذعي الكامل الرحلة الدراكة بقية السلف الورع الصالح الزاهد الشيخ موسى بن داود الشيخوني الحنفي إمام جامع شيبون وخطيبه وخازن كتبه وكان إنسانا حسنا عظيم النفس منور الشيبة ضخم البدن فقيها مستحضرا المناسبات مهذب النفس لين الجانب تقيا معتقدا ولما توقف الأمير أحمد باشجاويش كتبه التي جمعها وضعها بخزانة كتب الوقف تحت يد المترجم لاعتقاده فيه الديانة والصيانة رحمهما الله تعالى. تاريخ عجائب الآثار في التراجم والأخبار ج / 1 ص -567- سنة سبع وتسعين ومائة وألف. فيها تسحب أيضا جماعة من الكشاف والمماليك وذهبوا إلى قبلي فشرعوا في تجهيز تجريدة وعزم مراد بك على السفر وأخذ في تجهيز اللوازم فطلب الأموال فقبضوا على كثير من مساتير الناس والتجار والمتسببين وحبسوهم وصادروهم في أموالهم وسلبوا ما بأيديهم. فجمعوا من المال ما جاوز الحد ولا يدخل تحت العد. وفي منتصف ربيع الآخر برز مراد بك للسفر وأخرج خيامه إلى جهة البساتين وخرج صحبته الأمير لاجين بك وعثمان بك الشرقاوى وعثمان بك الأشقر وسليمان بك أبو نبوت وكشافهم ومماليكهم وطوائفهم وسافروا بعد أيام. وفي أواخر جمادى الثانية وردت الأخبار بان رضوان بيك قرابة علي بك حضر إلى مراد بك وانضم إليه فلما فعل ذلك انكسرت قلوب الآخرين وانخذلوا ورجعوا القهقرى ورجع مراد بك أيضا إلى مصر في منتصف شهر رجب وترك هناك مصطفى بك وعثمان بك الشرقاوى وعثمان بك الأشقر. وفي يوم الخميس سادس عشرين رجب اتفق مراد بك وإبراهيم بك على نفي جماعة من خشداشينهم وهم إبراهيم بك الوالي وأيوب بك الصغير وسليمان بك الأغا ورسموا لايوب بك أن يذهب إلى المنصورة فأبى وامتنع من الخروج فذهب إليه حسن كتخدا الجربان كتخدا مراد بك واحتال عليه فركب وخرج إلى غيظ مهمشة ثم سافر إلى المنصورة. وأما إبراهيم بك الوالي فركب بطوائفه ومماليكه وعدى إلى بر الجيزة فركب خلفه علي بك اباظة ولاجين بك وحجزوا هجنه وجماله عند المعادى وعدوا خلفه فأدركوه عند الاهرام فأحتالوا عليه وردوه إلى قصر العيني ثم سفروه إلى ناحية السرو. ج / 1 ص -568- ورأس الخليج. واما سليمان بك فإنه كان غائبا بأقليم الغربية والمنوفية يجمع من الفلاحين فردا وأموالا ومظالم فلما بلغه الخبر رجع إلى منوف فحضر إليه المعينون لنفيه وأمروه بالذهاب إلى المحلة الكبرى فركب بجماعته واتباعه فوصل إلى مسجد الخضر فاجتمع بأخيه إبراهيم بك الوالي هناك فأخذه صحبته وذهبا إلى جهة البحيرة. وفي يوم الأحد غاية شهر رجب طلع الأمراء إلى الديوان وقلدوا خمسة من اغوات الكشاف صناجق وهم عبد الرحمن خازندار إبراهيم بك سابقا وقاسم أغا كاشف المنوفية سابقا وعرف بالموسقو وهو من مماليك محمد بك واشراق إبراهيم بك وحسين كاشف وعرف بالشفت بمعنى اليهودى وعثمان كاشف ومصطفى كاشف السلحدار وهؤلاء الثلاثة من طرف مراد بك. وفي شهر شعبان وردت الأخبار من ثغر سكندرية بوصول باشا إلى الثغر واسمه محمد باشا السلحدار واليا على مصر فنزل الباشا القديم من القلعة إلى القصر بشاطىء النيل. وفي أواخر شعبان وصل سلحدار الباشا الجديد بخلعة قائمقامية لإبراهيم بك. وفيه وصلت الأخبار بأن سليمان بك وإبراهيم بك رجعوا من ناحية البحيرة إلى طندتا وجلسوا هناك وأرسلوا جوابات إلى الأمراء بمصر بذلك وإنهم يطلبون أن يعينوا لهم ما يتعيشون به. وفيه أرسلوا خلعة إلى عثمان بك الشرقاوى بأن يستقر حاكما بجرجا زطلبوا مصطفى بك وسليمان بك أبا نبوت وعثمان بك الأشقر للحضور إلى مصر فحضروا واستقر عثمان بك الشرقاوى بجرجا. وفي غرة رمضان هرب سليمان بك الأغا وإبراهيم بك الوالي من طندتا وعدوا إلى شرقية بلبيس ومروا من خلف الجبل وذهبوا إلى جهة الصعيد. ج / 1 ص -569- رجع علي كتخدا ويحيى كتخدا وسليمان بك إلى مصر بالحملة والجمال وبعض مماليك وأجناد. وفي أواخر رمضان هرب أيضا أيوب بك من المنصورة وذهب إلى الصعيد أيضا وتواترت الأخبار بأنهم اجتمعوا مع بعضهم واتفقوا على العصيان فأرسلوا لهم محمد كتخدا أباظة وأحمد اغا جمليان وطلبوهم إلى الصلح ويعينون لهم أماكن يقيمون بها ويرسلون لهم احتياجاتهم فأتوا ذلك فطلبوا عثمان بك الشرقاوى ومصطفى بك للحضور فامتنعا أيضا وقالا لا نحضر ولا نصلح إلا أن رجع اخواننا رجعنا معهم ويردون لهم امرياتهم وبلادهم وبيوتهم ويعطلوا من صنجوقه وامروه عوضهم. فلما حضر الجواب بذلك شرعوا في تجهيز تجريدة وأخذوا يفتشون أماكن الأمراء المذكورين فأخذوا ما وجدوه بمنزل مصطفى بك واتهموا أناسا بأمانات وودائع لمصطفى بك وعثمان بك الشرقاوى منهم الدالي إبراهيم وغيره فجمعوا بهذه النكتة أموالا كثيرة حقا وباطلا. وفي يوم الخميس عشرين شهر شوال كان خروج المحمل والحجاج وأمير الحاج مصطفى بك الكبير ولما انقضى أمر الحج برزوا للتجريدة وأميرها إبراهيم بك الكبير وجمعوا المراكب وحجزوها من أربابها وعطلوا أسباب التجار والمسافرين وجمعوا الأموال كما تقدم من المصادرات والملتزمين والفلاحين وغير ذلك وكان أمرا مهولا أيضا وبعد أيام وصل الخبر بان إبراهيم بك ضمنهم للصلح واصطلح معهم وأنه وأصل صحبتهم جميعا. وفي سادس عشر ذى القعدة حضر إبراهيم بك ووصل بعده الجماعة ودخلوا إلى مصر وسكنوا في بيوت صغار ما عدا عثمان بك ومصطفى بك فإنهم نزلوا في بيوتهم وحضر صحبتهم أيضا علي بك وحسين بك الأسماعيلية فلم يعجب مراد بك ما فعله إبراهيم بك ولكن اسره في نفسه ولم يظهره. ج / 1 ص -570- وركب للسلام على إبراهيم بك فقط في الخلاء ولم يذهب إلى أحد من القادمين وسكن الحال على ذلك أياما وشرع إبراهيم بك في اجراء الصلح وصفاء الخاطر بينهم وبين مراد بك وأمرهم بالذهاب إليه فذهبوا إليه وسلموا عليه ثم ركب هو الآخر إليهم ما عدا الثلاثة المعزولين وكل ذلك وهو ينقل في متاع بيته وتعزيل ما فيه ثم أنه ركب في يوم الجمعة وعدى إلى جزيرة الذهب وتبعه كشافه وطوائفه وأرسل إلى بولاق وأخذ منها الارز والغلة والشعير والبقسماط وغير ذلك فأرسل له إبراهيم بك لاجين بك وسليمان بك أبا نبوت ليردوه عن ذلك فنهرهم وطردهم فرجعوا ثم أنه عدى إلى ناحية الشرق وذهب إلى قبلي وتبعه اغراضه وأتباعه وحملته من البر والبحر. وفي هذه السنة قصر مد النيل وانهبط قبل الصليبة بسرعة فشرقت الأراضي القبلية والبحرية وعزت الغلال بسبب ذلك وبسبب نهب الأمراء وانقطاع الوارد من الجهة القبلية وشطح سعر القمح إلى عشرة ريالات الأردب واشتد جوع الفقراء. ووصل مراد بك إلى بني سويف وأقام هناك وقطع الطريق على المسافرين ونهبوا كل ما مر بهم في المراكب الصاعدة والهابطة. من مات في هذه السنة من الأعيان. توفي الفقيه النبيه العمدة الفاضل حاوى أنواع الفضائل الشيخ أحمد ابن الشيخ الصالح شهاب الدين أحمد بن محمد السجاعي الشافعي الأزهري ولد بمصر ونشأ بها وقرأ على والده وعلى كثير من مشايخ الوقت وتصدر للتدريس في حياة أبيه وبعد موته في مواضعه وصار من اعيان العلماء وشارك في كل علم وتميز بالعلوم الغربية ولازم الوالد وأخذ عنه علم الحكمة والهداية وشرحها للقاضي زاده قراءة بحث وتحقيق. ج / 1 ص -571- والجغميني ولقط الجواهر والمجيب والمقنطر وشرح اشكال التأسيس وغير ذلك وله في تلك الفنون تعاليق ورسائل مفيدة وله براعة في التأليف ومعرفة باللغة وحافظة في الفقه. ومن تأليفه شرح على دلائل الخيرات كالحاشية مفيد وشرح على اسماء الله الحسنى قرظ عليه الشيخ عبد الله الادكاوى رحمه الله تعالى هذا وكان ممن منحه الله أسرارها وأظهر أنوارها فأوضح من معانيها ما خفي ومنح طلابها كنزا يتنافس في مثله انبل الفضلاء وافضل النبلاء أحمد الأسم محمود الصفات على الفعل حسن القول والذات نجل العلم العلامة العمدة الفهامة كعبة الافضال وقبلة الاجلال من تقصر عن تعداد محاسنه ولو طولت باعي مولانا الشيخ أحمد السجاعي حفظ الله عليه نجله الرشيد واراه منه ما يسر القريب والبعيد وحين لمحت عيني ما كتب مما حقه أن يرقم بدل الحبر بالذهب عوذته بالله من عين كل حسود وعملت أنه أن شاء الله تعالى سيسود وتطأ اخمصه اعناق الأسود. وسمع المترجم معنا كثيرا على شيخنا السيد محمد مرتضى من الامالي وعدة مجالس من البخارى وجزء بن شاهد الجيش والعوالي المروية عن أحمد عن الشافعي عن مالك عن نافع عن ابن عمر المسماة بسلسلة الذهب وغير ذلك. ومن فوائد المترجم أنه رأى في المنام قائلا يقول له: من قال: كل يوم يا الله يا جبار يا قهار يا شديد البطش ثلثمائة وستين مرة أمن من الطاعون. توفي ليلة الإثنين سادس عشر صفر من السنة بعد أن تعلل بالاستسقاء وصلي عليه بالغد بالجامع الأزهر ودفن عند أبيه بالبستان رحمه الله تعالى. ومات الشيخ الصالح الناسك الصوفي الزاهد سيدي أحمد بن علي ابن جميل الجعفرى الجزولي السوسي من ولد جعفر الطيار ولد بالسوس واشتغل بالعلم قليلا على علماء بلاده ثم ورد إلى مصر في 1182 فحج ورجع وقرأ معنا على الشيخ الوالد كثيرا من الرياضيات مع مشاركة. ج / 1 ص -572- سيدى محمد وسيدى أبي بكر ولدى الشيخ التاودى بن سودة حين وردا مع ابيهما في تلك السنة للحج والشيخ سالم القيرواني ثم غلب عليه الجذب فساح وذهب إلى الروم مجاهدا وأصيب بجراحات في بدنه وعولج حتى برأ وتعلم اللغة التركية وعرضت عليه الدنيا فلم يقبلها والغالب عليه اخفاء الحال. وورد إلى مصر في سنة أحدى وتسعين وتزوج بمصر وأقام بها مع كمال العفة والديانة وسلامة الباطن والانجماع عن الناس مع صفاء الخاطر والذوق المتين والميل إلى كتب الشيخ الأكبر والشعراني وزيارة القرافتين في كل جمعة على قدميه. أحببت لقاء الله تعالى توفي في ثالث ربيع الأول من السنة ودفن بالقرافة رحمه الله تعالى. ومات العمدة العلامة والحبر الفهامة قدوة المتصدرين ونخبة المفهمين النبيه المتفنن الشيخ محمد بن إبراهيم بن يوسف الهيتمي السجيني الشافعي الأزهري الشهير بأبي الارشاد ولد سنة 1154 وحفظ القرآن وتفقه على الشيخ المدابغي والبراوى والشيخ عبدالله السجيني وحضر دروس الشيخ الصعيدي وغيره وأجاز أشياخ العصر وافتى ودرس وتولى مشيخة رواق الشراقوة بالأزهر بعد وفاة خاله الشيخ عبدالرؤوف واشتهر ذكره وانتظم في عداد المشايخ المشار إليهم بالأزهر وفي الجمعيات والمجالس عند الأمراء ونظار الأزهر وفي الأخبار وله مؤلفات في الفنون وكتب حاشية على الخطيب على أبي شجاع إلا أنها لم تكمل ورسائل في مستصعبات المسائل بالمنهج وصنف رسالة تتعلق بنداء المؤمنين بعضهم بعضا في الجنة. توفي في أواخر القعدة. ومات الإمام الهمام العلامة المقدام المتقن المتفنن المفيد الشيخ يوسف الشهير برزة الشافعي الأزهرى أحد العلماء المحصلين والأجلاء المفيدين تفقه على الشيخ العلامة الشيخ أحمد رزة وإليه انتسب وبه اشتهر وحضر على كل من الشيخ الحفناوى والشيخ أحمد البجرمي والشيخ عيسى. ج / 1 ص -573- البراوى ودرس الفقه والمعقول بالأزهر وأفاد وأفتى وصار في عداد المتصدرين المشار إليهم مع الانجماع والحشمة والكمال والرئاسة وحسن الحال ولم يتداخل كغيره في الأمور المخلة. ولم يزل مقبلا على شأنه حتى توفي في عاشر جمادى الأولى من السنة. ومات الشيخ الصالح الورع علي بن عبد الله مولى الأمير بشير جلبه مولاه من بلاد الروم وحبب إليه السلوك فلازم الشيخ الحفني ملازمة كلية وأخذ عنه الطريق وحضر دروسه وسمع الصحيح على السيد مرتضى بتمامة في منزله بدرب الميضاة بالصليبة وكذلك مسلم وأبو داود وغير ذلك من الاجزاء الحديثة ومسلسلات بن عقيلة بشروطها وغالبها بقراءة السيد حسين الشيخوني. وكان إنسانا حلو المعاشرة كثير التودد لطيف الصحبة مكرما محسنا خيرا له بر وصدقات خفية توفي في يوم الأحد تاسع عشرين رجب بعد أن تعلل بالفتق عن كبر وصلي عليه بسبيل المؤمنين ودفن بالقرب من شيخنا محمود الكردى بالصحراء. وكان منور الوجه والشيبة وعليه جلالة ووقار وهيبة يلوح عليه سيما الصلاح والتقوى رحمه الله تعالى. ومات الشيخ الصالح عيسى بن أحمد القهاوى الوقاد بالمشهد الحسيني وخادم النعال بالموضع المذكور كان رجلا مسنا سخيا بما يملك مطعاما للواردين من الغرباء المنقطعين وأدرك جماعة من الصالحين وكان يحكي لنا عليهم أمورا غريبة وله مع الله حال وفي فهم كلام القوم وذوق حسن وللناس فيه اعتقاد عظيم. وفي أخرة أعجزة الهرم والقعود فتوجه إلى طندتا في آخر ربيع الثاني ومكث هناك برحاب سيدي أحمد البدوى إلى أن توفي يوم الأربعاء ثاني عشر جمادى الثانية ودفن عند مقام الولي الصالح سيدي عز الدين خارج البلد في موضع كان أعده السيد محمد مجاهد لنفسه فلم يتفق دفنه فيه. ج / 1 ص -574- ومات العلامة الفاضل المحدث الصوفي الشيخ أحمد بن أحمد بن أحمد ابن جمعة البجيرمي الشافعي قرأ على أبيه وحضر درس العشماوى والعزيزى والجوهرى والشيخ أحمد سابق والحفني وآخرون ودرس وأكب على اقراء الحديث وألف في الفن وانتفع به الناس وكان يسكن في خانقاه سعيد السعداء مع سكون الاخلاق والانجماع عن الناس وملازمة محله ولا زال يفيد ويسمع حتى وافاه الحمام في يوم الجمعة ثاني رمضان وكانت جنازته خفيفة لاشتغال الناس بالصيام وكان يخبر عن والده أن جنازته كانت خفيفة رحمه الله. ومات الفاضل المبجل سيدى عيسى جلبي بن محمود بن عثمان ابن مرتضى القفطانجي الحنفي المصرى ولد بمصر ونشأ صالحا في عفاف وصلاح وديانة وملازمة لحضور دروس الأشياخ وتفقه على فضلاء وقته مثل الشيخ الوالد والشيخ حسن المقدسي وأخذ العربية والكلام عن الشيخ محمد الأمير والشيخ أحمد البيلي وغيرهما واقتنى كتبا نفيسة وكان منزله موردا للفضلاء وكان يعزم عليهم ويعمل لهم الضيافات في كل عام ببستان خارج مصر يعرف ببستان القفطانجي ورثه عن آبائه وكان نعم الرجل مودة وصيانة رحمه الله تعالى وسامحه. تاريخ عجائب الآثار في التراجم والأخبار سنة ثمان وتسعين ومائة وألف. فيها في المحرم سافر مراد بك إلى منية بن خصيب مغضبا وجلس هناك. وفيه حضر إلى مصر محمد باشا والي مصر فأنزلوه بقصر عبد الرحمن كتخدا بشاطىء النيل فأقام به يومين ثم عملوا له موكبا وطلع إلى القلعة من تحت الربع على الدرب الأحمر. وفي منتصفه اتفق رأى إبراهيم بك والأمراء الذين معه على إرسال محمد افندى البكرى والشيخ أبي الأنوار شيخ السادات والشيخ أحمد. ج / 1 ص -575- العروسي شيخ الأزهر إلى مراد بك ليأخذوا خاطره ويطلبوه للصلح مع خشداشينه ويرجع إليهم ويقبلوا شروطه ما عدا اخراج أحد من خشداشينهم. فلما سافروا إليه وواجهوه وكلموه في الصلح تعلل باعذار واخبر أنه لم يخرج من مصر إلا هروبا خوفا على نفسه فإنه تحقق عنده توافقهم على غدره فإن ضمنتهم وحلفتم لي بالايمان أنه لا يحصل لي منهم ضرر وافقتكم على الصلح وإلا فدعوني بعيدا عنهم. فقالوا له: لسنا نطلع على القلوب حتى نحلف ونضمن ولكن الذى نظنه ونعتقده عدم وقوع ذلك بينكم لانكم اخوة ومقصودنا الراحة فيكم وبراحتكم ترتاح الناس وتأمن السبل فأظهر الامتثال ووعد بالحضور بعد أيام وقال لهم: إذا وصلتم إلى بني سويف ترسلون لي عثمان بك الشرقاوى وأيوب بك الدفتردار لاشترط عليهم شروطي فإن قبلوها توجهت معهم وإلا عرفت خلاصي معهم. وانفصلوا عنه على ذلك وودعوه وسافروا وحضروا إلى مصر في ليلة الجمعة ثالث عشرين شهر صفر. وفي ذلك اليوم وصل الحجاج إلى مصر ودخل أمير الحج مصطفى بك بالمحمل في يوم الأحد. وفي يوم السبت مستهل ربيع الأول خرج الأمراء إلى ناحية معادي الخبير وحضر مراد بك إلى بر الجيزة وصحبته جمع كبير من الغز والاجناد والعربان والغوغاء من أهل الصعيد والهوارة ونصبوا خيامهم ووطاقهم قبالتهم في البر الآخر فأرسل إليه إبراهيم بك عبد الرحمن بك عثمان وسليمان بك الشابورى وآخرين في مركب فلما عدوا إليه لم يأذن لهم في مقابلته وطردهم ونزل أيضا كتخدا الباشا وصحبته إسمعيل افندى الخلوتي في مراكب أخرى ليتوجهوا إليه أيضا لجريان الصلح فلما توسطوا البحر ووافق رجوع الأولين ضربوا عليهم بالمدافع فكادت تغرق بهم السفن ورجعوا وهم لا يصدقون بالنجاة. فلما رأى ذلك إبراهيم بك ونظر امتناعه. ج / 1 ص -576- عن الصلح وضربه بالمدافع أمر هو الآخر بضرب المدافع عليهم نظير فعالهم. وكثر الرمي بينهم من الجهتين على بعضهم البعض وامتنع كل من الفريقين عن التعدية إلى الجهة الاخرى وحجزوا المعادى من الطرفين. واستمر الحال بينهم على ذلك من أول الشهر إلى عشرين منه واشتد الكرب والضنك على الناس وأهل البلاد وانقطعت الطرق القبلية والبحرية برا وبحرا وكثر تعدى المفسدين وغلت الأسعار وشح وجود الغلال وزادت أسعارها. وفي تلك المدة كثر عبث المفسدين وأفحش جماعة مراد بك في النهب والسلب في بر الجيزة وأكلوا الزروعات ولم يتركوا على وجه الأرض عودا اخضر وعين لقبض الأموال من الجهات وغرامات الفلاحبن وظن الناس حصول الظفر لمراد بك واشتد خوف الأمراء بمصر منه. وتحدث الناس بعزم إبراهيم بك على الهروب فلما كان ليلة الخميس المذكور أرسل إبراهيم بك المذكور خمسة من الصناجق وهم سليمان بك الأغا وسليمان أبو نبوت وعثمان بك الأشقر وإبراهيم بك الو إلى وأيوب بك فعدوا إلى البر الآخر بالقرب من أنبابه ليلا وساروا مشاة فصادفوا طابورا فضربوا عليهم بالبندق فانهزموا منهم وملكوا مكانهم وذلك بالقرب من بولاق التكرور كل ذلك والرمى بالمدافع متصل من عرضي إبراهيم بك ثم عدى خلفهم جماعة اخرى ومعهم مدفعان وتقدموا قليلا من عرضي مراد بك وضربوا على الع رضي بالمدفعين فلم يجبهم أحدا فباتوا على ذلك وهم على غاية من الحذر والخوف. وتتابع بهم طوائفهم وخيولهم فلما ظهر نور النهار نظروا فوجدوا الع رضي خاليا وليس بة أحد وارتحل مراد بك ليلا وترك بعض اثقالة ومدافعة فذهبوا إلى الع رضي وأخذوا ما وجدوه وجلسوا مكانة ونهب اوباشة المراكب التى كانت محجوزة للناس. وعدى إبراهيم بك وتتابعوا في التعدية وركبوا خلفهم إلى الشيمى فلم يجدوا أحدا فأقاموا هناك السبت والاثنين والثلاثاء ورجع إبراهيم بك. ج / 1 ص -577- وبقية الأمراء إلى مصر ودخلوا بيوتهم. وانقضت هذة الفتنة الكذابة على غير طائل ولم يقع بينهم مصاف ولا مقاتلة وهرب مراد بك وذهب بمن معة يهلكون الزرع حصادا ويسعون في الأرض فسادا. وفي أواخر شهر جمادى الأولى اتفق رأى إبراهيم بك على طلب الصلح مع مراد بك فسافر لذلك لاجين بك وعلي أغا كتخدا جاووجان وسبب ذلك أن عثمان بك الشرقاوى وأيوب بك ومصطفى بك وسليمان بك وإبراهيم بك الوالي تحزبوا مع بعضهم وأخذوا ينقضون على إبراهيم بك الكبير واستخفوا بشأنه وقعدوا له كل مرصد وتخيل منهم وتحزر وجرت مشاجرة بين أيوب بك أغا كتخدا جاوجان بحضرة إبراهيم بك وسبه وشتمه وأمسك عمامته وحل قولانه وقال له: ليس هذا المنصب مخلدا عليك فاغتاظ إبراهيم بك لذلك وكتمه في نفسه وعز عليه علي أغا لأنه كان بينه وبينه محبة أكيدة ولا يقدر على فراقه فشرع في اجراء الصلح بينه وبين مراد بك فاجتمع إليه الأمراء وتكلموا معه فقال: نصطلح مع أخينا أولى من التشاحن ونزيل الغل بيننا لاجل راحتنا وراحة الناس ويكون كواحد منا وإن حصل منه خلل أكون أنا وأنتم عليه. وتحالفوا على ذلك وسافر لاجين بك وعلي أغا وبعد أيام حضر حسن كتخدا الجريان كتخدا مراد بك إلى مصر واجتمع بإبراهيم بك ورجع ثانيا وأرسل إبراهيم بك صحبته ولده مرزوق بك طفلا ومعه الدادة والمرضعة فلما وصلوا إلى مراد بك أجاب بالصلح وقدم لمرزوق بك هدية وتقادم ومن جملتها بقرة ولابنتها رأسان. وفي عاشر رجب حضر مرزوق بك وصحبته حسن كتخدا الجريان فأوصله إلى أبيه ورجع ثانيا إلى مراد بك وشاع الخبر بقدوم مراد بك وعمل مصطفى بك وليمة وعزم من بصحبته واحضر لهم آلات الطرب واستمروا على ذلك إلى آخر النهار. ج / 1 ص -578- وفي ثاني يوم اجتمعوا عند إبراهيم بك وقالوا له: كيف يكون قدوم مراد بك ولعله لا يستقيم حاله معنا فقال لهم: حتى يأتي فإن استقام معنا فيها وإلا أكون أنا وأنتم عليه. فتحالفوا وتعاهدوا وأكدوا المواثيق. فلما كان يوم الجمعة وصل مراد بك إلى غمازة فركب إبراهيم بك على حين غفلة وقت القائلة في جماعته وطائفته وخرج إلى ناحية البساتين ورجع من الليل وطلع إلى القلعة وملك الأبواب ومدرسة السلطان حسن والرميلة والصليبة والتبانة وأرسل إلى الأمراء الخمسة يأمرهم بالخروج من مصر وعين لهم اماكن يذهبون إليها فمنهم من يذهب إلى دمياط ومنهم من يذهب إلى المنصورة وفارسكور فامتنعوا من الخروج واتفقوا على الكرنكة والخلاف ثم لم يجدوا لهم خلاصا بسبب أن إبراهيم بك ملك القلعة وجهاتها ومراد بك وأصل يوم تاريخه وصحبته السواد الأعظم من العساكر والعربان ثم إنهم ركبوا وخرجوا بجمعيتهم إلى ناحية القليوبية ووصل مراد بك لزيارة الإمام الشافعي فعندما بلغه خبر خروجهم ذهب من فوره من خلف القلعة ونزل على الصحراء واسرع في السير حتى وصل إلى قناطر أبي المنجا ونزل هناك وأرسل خلفهم جماعة فلحقوهم عند شبرا شهاب وادركهم مراد بك والتطموا معهم فتقنطر مراد بك بفرسه فلحقوه واركبوه غيره فعند ذلك ولى راجعا وانجرح بينهم جماعة قلائل واصيب سليمان بك برصاصة نفذت من كتفه ولم يمت ورجع مراد بك ومن معه إلى مصر على غير طائل وذهب الأمراء الخمسة المذكورون وعدوا على وردان وكان بصحبتهم رجل من كبار العرب يقال له: طرهونة يدلهم على الطريق الموصلة إلى جهة قبلي فسار بهم في طريق مقفرة ليس بها ماء ولا حشيش يوما وليلة حتى كادوا يهلكون من العطش وتأخر عنهم اناس من طوائفهم وانقطعوا عنهم شيئا فشيئا إلى أن وصلوا إلى ناحية سقارة فرأوا أنفسهم بالقرب من الأبرام فضاق خناقهم وظنوا الوقوع. ج / 1 ص -579- فأحضروا الهجن وارادوا الركوب عليها والهروب ويتركوا اثقالهم فقامت عليهم طوائفهم وقالوا لهم كيف تذهبون وتتركونا مشتتين. وصار كل من قدر على خطف شيء أخذه وهرب فسكنوا عن الركوب وانتقلوا من مكانهم إلى مكان آخر. وفي وقت الكبكبة ركب مملوك من مماليكهم وحضر إلى مراد بك وكان بالروضة فاعلمه الخبر فأرسل جماعة إلى الموضع الذى ذكره له فلم يجدوا أحدا فرجعوا واغتم أهل مصر لذهابهم إلى جهة قبلي لما يترتب على ذلك من التعب وقطع الجالب مع وجود القحط والغلاء. وبات الناس في غم شديد. فلما طلع نهار يوم الأربعاء حادى عشرين رجب شاع الخبر بالقبض عليهم وكان من أمرهم أنهم لما وصلوا إلى ناحية الأبرام ووجدوا أنفسهم مقابلين البلد أحضروا الدليل وقالوا له: انظر لنا طريقا تسلك منه فركب لينظر في الطريق وذهب إلى مراد بك وأخبره بمكانهم فأرسل لهم جماعة فلما نظروهم مقبلين عليهم ركبوا الهجن وتركوا اثقالهم وولوا هاربين وكانوا كمنوا لهم كمينا فخرج عليهم ذلك الكمين ومسكوا بزمامهم من غير رفع سلاح ولا قتال وحضروا بهم إلى مراد بك بجزيرة الذهب فباتوا عنده ولما أصبح النهار أحضر لهم مراد بك مراكب وأنزل كل أمير في مركب وصحبته خمسة مماليك وبعض خدام وسافروا إلى جهة بحرى فذهبوا بعثمان بك وأيوب بك إلى المنصورة ومصطفى بك إلى فارسكور وإبراهيم بك الوالي إلى طندتا وأما سليمان بك فاستمر ببولاق التكرور حتى برأ جرحه. وفي منتصف شهر رمضان اتفق الأمراء المنفيون على الرهوب إلى قبلي فأرسلوا إلى إبراهيم بك الوالي ليأتي إليهم من طندتا وكذلك إلى مصطفى بك من فارسكور وتواعدوا على يوم معلوم بينهم فحضر إبراهيم بك إلى عثمان بك وأيوب بك خفية في المنصورة وأما مصطفى بك فإنه نزل في المراكب وعدى إلى البر الشرقي بعد الغروب وركب. ج / 1 ص -580- وسافر فركب خلفه رجل يسمى طه شيخ فارسكور وكان بينه وبين مصطفى بك خرازة وأخذ صحبته رجلا يسمى الأشقر في نحو ثلثمائة فارس وعدوا خلفه فلحقوه آخر الليل والطريق ضيقة بين البحر والارز المزروع فلم يمكنهم الهروب ولا القتال. فأراد الصنجق أن يذهب بمفرده فدخل في الارز بفرسه فانغرز في الطين فقبضوا عليه هو وجماعته فعروهم وأخذوا ما كان معهم وساقوهم مشاة إلى البحر وانزلوهم المراكب وردوهم إلى مكانهم محتفظين عليهم. وأرسلوا الخبر إلى مصر بذلك. واما الجماعة الذين في المنصورة فإنهم انتظروا مصطفى بك في الميعاد فلم يأتهم ووصلهم الخبر بما وقع له فركب عثمان بك وإبراهيم بك وساروا وتخلف أيوب بك المنصورة فلما قربوا من مصر سبقتهم الرسل إلى سليمان بك فركب من الجيزة وذهب اليهما وذهبوا إلى قبلي وأرسل مراد بك محمد كاشف الالفي وأيوب كاشف فأخذا مصطفى بك من فارسكور وتوجها به إلى ثغر سكندرية وسجنوه بالبرج الكبير. وعرف من اجل ذلك بالاسكندراني. واحضروا أيوب بك إلى مصر واسكنوه في بيت صغير وبعد أيام ردوه إلى بيته الكبير وردوا له الصنجقية أيضا في منتصف شوال. وفي يوم الإثنين سادس شهر شوال الموافق التاسع عشر مسرى القبطي كان وفاء النيل المبارك ونزل الباشا يوم الثلاثاء في عربة وكسر السد على العادة. وفي يوم الإثنين حادى عشرين شوال كان خروج المحمل صحبة أمير الحاج مصطفى بك الكبير في موكب حقير جدا بالنسبة للمواكب المتقدمة ثم ذهب إلى البركة في يوم الخميس وقد كان تأخر له مبلغ من مال الصرة وخلافها فطلب ذلك من إبراهيم بك فأحاله على مراد بك من الميرى الذى طرفه وطرف اتباعه واحال عليه أمير الحاج وركب من البركة راجعا إلى مصر وتركه وأياه فلم يسع مراد بك إلا الدفع وتشهيل الحج وعاد إلى مصر. ج / 1 ص -581- وخرج إلى قصره بالروضة وأرسل إلى الجماعة الذين بالوجه القبلي فلما علم إبراهيم بك بذلك أرسل إليه يستعطفه وترددت بينهما الرسل من العصر إلى بعد العشاء ونظر إبراهيم بك فلم يجد عنده أحدا من خشداشينه. واجتمه وأكلهم على مراد بك فضاق صدره وركب إلى الرميلة فوقف بها ساعة حتى أرسل الحملة صحبة عثمان بك الأشقر وعلي بك أباظة وصبر حتى ساروا وتقدموا عليه مسافة ثم سار نحو الجبل وذهب إلى قبلي وصحبته علي اغا كتخدا الجاويشية وعلي أغا مستحفظان والمحتسب وصناجقه الأربعة فلما بلغ مراد بك ركوبه وذهابه ركب خلفهم حصة من الليل ثم رجع إلى مصر وأصبح منفردا بها وقلد قائد اغا اغات مستحفظان وصالح اغا الوالي القديم وجعله كتخدا الجاويشية وحسن اغا كتخدا ومصطفى بك محتسب وأرسل إلى محمد كاشف الالفي ليحضر مصطفى بك من محبسه بثغر اسكندرية ونادى بالامان في البلد وزيادة وزن الخبز وأمر باخراج الغلال المخزونة لتباع على الناس. وفي ليلة الثلاثاء خامس القعدة حضر مصطفى بك ونزل في بيته اميرا وصنجقا على عادته كما كان. وفيه قلد مراد بك مملوكه محمد كاشف الألفي صنجقا مصطفى كاشف وصنجقا الاخميمي صنجقا أيضا. وفي يوم الأحد سابع عشر القعدة حضر عثمان بك الشرقاوى وسليمان بك الأغا وإبراهيم بك الوالي وسليمان بك أبو نبوت وكان مراد بك أرسل يستدعيهم كما تقدم. فلما حضروا إلى مصر سكنوا بيوتهم كما كانوا على إمارتهم. وفي أواخره وصل واحد أغا من الدولة وبيده مقرر للباشا على السنة الجديدة فطلب الباشا الأمراء لقراءاته عليهم فلم يطلع منهم أحد واهمل ذلك مراد بك ولم يلتفت إليه. ج / 1 ص -582- وفي يوم الجمعة رابع عشر الحجة رسم مراد بك بنفي رضوان بك قرابة علي بك الكبير الذى كان خامر على إسمعيل بك وحسن بك الجداوى وحضر مصر صحبة مراد بك كما تقدم وانضم إليه وصار من خاصته فلما خرج إبراهيم بك من مصر اشيع أنه يريد صلحه مع إسمعيل بك وحسن بك بك فصار رضوان بك كالجملة المعترضة فرسم مراد بك بنفيه فسافر من ليلته إلى الأسكندرية. وفي يوم السبت خامس عشرة أرسل مراد بك إلى الباشا وأمره بالنزول فأنزلوه إلى قصر العيني معزولا وتولى مراد بك قائم مقام وعلق الستور على بابه فكانت ولاية هذا الباشا أحد عشر شهرا سوى الخمسة أشهر التي أقامها بثغر سكندرية وكانت أيامه كلها شدائد ومحنا وغلاء. وفي أواخر شهر الحجة شرع مراد بك في اجراء الصلح بينه وبين إبراهيم بك فأرسل له سليمان بك الأغا والشيخ أحمد الدردير ومرزوق بك ولده فتهيأوا وسافروا في يوم السبت ثامن عشرينه. وانقضت هذه السنة كالتي قبلها في الشدة والغلاء وقصور النيل والفتن المستمرة وتواتر المصادرات والمظالم من الأمراء وانتشار أتباعهم في النواحي لجبي الأموال من القرى والبلدان واحداث أنواع المظالم ويسمونها مال الجهات ودفع المظالم والفردة حتى أهل كوا الفلاحين وضاق ذرعهم واشتد كربهم وطفشوا من بلادهم فحولوا الطلب على الملتزمين وبعثوا لهم المعينين في بيوتهم فاحتاج مساتير الناس لبيع أمتعتهم ودورهم ومواشيهم بسبب ذلك مع ما هم فيه من المصادرات الخارجة عن ذلك وتتبع من يشم فيه رائحة الغنى فيؤخذ ويحبس ويكلف بطلب اضعاف ما يقدر عليه وتو إلى طلب السلف من تجار البن والبهار عن المكوسات المستقيلة. ولما تحقق التجار عدم الرد استعوضوا خساراتهم من زيادة الأسعار ثم مدوا أيديهم إلى المواريث فإذا مات الميت أحاطوا بموجوده. ج / 1 ص -583- سواء كان له وارث أولا. وصار بيت المال من جملة المناصب التي يتولاها شرار الناس بجملة من المال يقوم بدفعه في كل شهر ولا يعارض فيما يفعل في الجزئيات وأما الكليات فيختص بها الأمير. فحل بالناس مالا يوصف من أنواع البلاء إلا من تداركه الله برحمته أو اختلس شيئا من حقه فإن اشتهروا عليه عوقب على استخراجه. وفسدت النيات وتغيرت القلوب ونفرت الطباع وكثر الحسد والحقد في الناس لبعضهم البعض فيتتبع الشخص عورات أخيه ويدلي به إلى الظلم حتى خرب الاقليم وانقطعت الطرق وعربدت أولاد الحرام وفقد الأمن ومنعت السبل إلا بالخفارة وركوب الغرر وجلت الفلاحون من بلادهم من الشراقي والظلم وانتشروا في المدينة بنسائهم وأولادهم يصيحون من الجوع ويأكلون ما يتساقط في الطرقات من قشور البطيخ وغيره فلا يجد الزبال شيئا يكنسه من ذلك واشتد بهم الحال حتى أكلوا الميتات من الخيل والحمير والجمال فإذا خرج حمار ميت تزاحموا عليه وقطعوه وأخذوه ومنهم من يأكله نيئا من شدة الجوع ومات الكثير من الفقراء بالجوع. هذا والغلاء مستمر والأسعار في الشدة وعز الدرهم والدينار من أيدى الناس وقل التعامل إلا فيما يؤكل وصار سمر الناس وحديثهم في المجالس ذكر المآكل والقمح والسمن ونحو ذلك لا غير ولولا لطف الله تعالى ومجيء الغلال من نواحي الشام والروم لهلكت أهل مصر من الجوع. وبلغ الأردب من القمح ألفا وثلثمائة نصف فضة والفول والشعير قريبا من ذلك وأما بقية الحبوب والابزار فقل أن توجد. واستمر ساحل الغلة خاليا من الغلال بطول السنة والشون كذلك مقفولة وارزاق الناس وعلائفهم مقطوعة وضاع الناس بين صلحهم وغبنهم وخروج طائفة ورجوع الاخرى ومن خرج إلى جهة قبض أموالها وغلالها. وإذا سئل المستقر في شيء تعلل بما ذكر. ومحصل هذه الافاعيل بحسب الظن الغالب انها حيل على سلب الأموال والبلاد. ج / 1 ص -584- وفخاخ ينصبونها ليصيدوا بها إسمعيل بك. وفي أواخره وصلت مكاتبة من الديار الحجازية عن الشريف سرور ووكلاء التجار خطابا للامراء والعلماء بسبب منع غلال الحرمين وغلال المتجر وحضور المراكب مصبرة بالاتربة والشكوى من زيادة المكوسات عن الحد فلما حضرت قرىء بعضها وتغوفل عنها وبقي الأمر على ذلك. رجع لخبر العجلة التي لها رأسان. وهو أنه لما أرسل إبراهيم بك ولده مرزوق بك غلاما صغيرا لمصالحة الأمير مراد بك واعطاه هدية ومن جملتها بقرة وخلفها عجلة برأسين وحضر بهما إلى مصر وشاع خبرها فذهبت بصحبة أخينا وصديقنا مولانا السيد إسمعيل الوهبي الشهير بالخشاب فوصلنا إلى بيت ام مرزوق بك الذى بحارة عابدين ودخلنا إلى اسطبل مع بعض السواس فرأينا بقرة مصفرة اللون مبياض وابنتها خلفها سوداء ولها رأسان كاملتا الاعضاء وهي تأكل بفم أحدى الرأسين وتشتر بفم الرأس الثانية فتعجبنا من عجيب صنع الله وبديع خلقته فكانت من العجائب الغريبة المؤرخة. من مات في هذه السنة من أعيان الناس. مات الشيخ الفقيه الصالح المشارك الشيخ درويش بن محمد بن محمد ابن عبد السلام البوتيجي الحنفي نزيل مصر حضر دروس كل من الشيخ محمد أبي السعود والشيخ سليمان المنصورى والشيخ محمد الدلجي وغيرهم وتميز في معرفة فروع الفقه وافتى ودرس وكان إنسانا حسنا لا بأس به توفي في هذه السنة. ومات العمدة العلامة والرحلة الفهامة المفوه المتكلم المتفقه النحوى الأصولي الشيخ عبد الله بن أحمد المعروف باللبان الشافعي الأزهرى أحد. ج / 1 ص -585- المتصدرين في العلماء الأزهرية حضر أشياخ الوقت كالملوى والجوهري والحفني والصعيدي والعشماوي والدفرى وتمهر في الفقه والمعقول وقرأ الدروس وختم الختوم وتنزل أياما عند الأمير إبراهيم كتخذا القازدغلي واشتهر ذكره في الناس وعند الأمراء بسبب ذلك وتحمل حاله وكان فصيحا ملسانا مفوها يخشى من سلاطة لسانه في المجالس العلمية والعرفية. وسافر مرة إلى اسلامبول في بعض الارساليات وذلك سنة ست وثمانين عندما خرج علي بك من مصر ودخل محمد بك وكان بصحبة أحمد باشجاويش أرنؤد. ومات الإمام العلامة الشيخ عبد الرحمن جاد الله البناني المغربي وبنانه قرية من قرى منستير بافريقية ورد إلى مصر وجاور بالجامع الأزهر وحضر دروس الشيخ الصعيدي والشيخ يوسف الحفني والسيد محمد البليدى وغيرهم من أشياخ العصر ومهر في المعقول وألف حاشية على جمع الجوامع اختصر فيها سياق بن قاسم وانتفع بها الطلبة ودرس برواق المغاربة وأخذ الحديث عن الشيخ أحمد الأسكندرى وغيره وتولى مشيخة رواقهم مرارا بعد عزل السيد قاسم التونسي وبعد عزل الشيخ أبي الحسن القلعي فسار فيها سيرا حسنا. ولم يتزوج حتى مات. ومن آثاره ما كتبه على المقامة التصحيفية للشيخ عبد الله الادكاوى. ولم يزل مواظبا على التدريس ونفع الطلبة حتى تعلل أياما وتوفي ليلة الثلاثاء ختام شهر صفر. ومات الشيخ الفاضل العلامة عبد الرحمن بن حسن بن عمر الاجهورى المالكي المقرى سبط القطب الخضيرى أخذ علم الأداء عن كل من الشيخ محمد بن علي السراجي اجازة في سنة 1156 وعن الشيخ عبد ربه ابن محمد السجاعي إجازة في سنة أربع وخمسين وعن شمس الدين السجاعي فس سنة ثلاث وخمسين وعن عبد الله بن محمد بن يوسف القسطنطيني جود عليه إلى قوله المفلحون بطريقة الشاطبية والتيسير بقلعة الجبل حين. ج / 1 ص -586- ورد مصر حاجا في سنة ثلاث وخمسين وعلى الشيخ أحمد بن السماح البقرى والشهاب الأسقاطي وآخرين وأخذ العلوم عن الشبراوى والعماوى والسجيني والشهاب النفراوى وعبد الوهاب الطندتاوى والشمس الحفني وأخيه الشيخ يوسف والشيخ الملوى وسمع الحديث من الشيخ محمد الدفرى والشيخ أحمد الأسكندراني ومحمد بن محمد الدقاق واجازه الجوهرى في الاحزاب الشاذلية وكذا يوسف بن ناصر واجازه السيد مصطفى البكرى في الخلوتية والأوراد السرية ودخل الشام فسمع الأولية على الشيخ إسمعيل العجلوني وسمع عليه الحديث وأخذ فن القراءات على الشيخ مصطفى الخليجي ومكث هناك مدة ودخل حلب فسمع من جماعة وعاد إلى مصر فحضر على السيد البليدى في تفسير البيضاوى بالأزهر وبالاشرفية وكان السيد يعتني به ويعرف مقامه. وله سليقة تامة في الشعر وله مؤلفات منها الملتاذ في الأربعة الشواذ ورسالة في وصف أعضاء المحجوب نظما ونثرا وشرح تشنيف السمع ببعض لطائف الوضع للشيخ العيدروس شرحين كاملين قرظ عليهما علماء عصره. ولا زال يملي ويفيد ويدرس ويجيد ودرس بالأزهر مدة في أنواع الفنون واتقن العربية والأصول والقراءات وشارك في غيرها وعين للتدريس في السنانية ببولاق فكان يقرأ فيها الجامع الصغير ويكتب على أطراف النسخة من تقاريره المبتكرة ما لو جمع لكان شرحا حسنا. وتوفي المترجم رحمه الله تعالى في سابع عشرين رجب. ومات الأجل المبجل والعمدة المفضل الحسيب النسيب السيد محمد ابن أحمد بن عبد اللطيف بن محمد بن تاج العارفين بن أحمد بن عمر ابن أبي بكر بن محمد بن أحمد بن علي بن حسين بن محمد بن شرشيق بن محمد ابن عبد العزيز بن عبد القادر الحسيني الجيلي المصرى ويعرف بأبن بنت الجيزى من بيت العز والسيادة والكرامة والمجادة جدهم تاج العارفين. ج / 1 ص -587- تولى الكتابة بباب النقابة ولا زالت في ولده مضافة لمشيخة السادة القادرية ومنزلهم بالسبع قاعات ظاهر الموسكي مشهور بالثروة والعز وكان المترجم اشتغل بالعلم حتى أدرك منه حظا وافرا وصار له ملكة يقتدر بها على استحضار النكات والمسائل والفروع وكان ذا وجاهة وهيبة واحتشام وانجماع عن الناس ولهم منزل ببركة جناق يذهبون إليه في أيام النيل وبعض الأحيان للنزاهة توفي رحمه الله تعالى في هذه السنة وتولى منصبه أخوه السيد عبد الخالق. ومات السيد الفاضل السالك على بن عمر بن محمد بن علي بن أحمد ابن عبد الله بن حسن بن أحمد بن يوسف بن إبراهيم بن أحمد ابن أبي بكر بن سليمان بن يعقوب بن محمد بن القطب سيدى عبد الرحيم القناوى الشريف الحسيني ولد بقنا وقدم مصر وتلقن الطريقة عن الأستاذ الحفني ثم حبب إليه السياحة فورد الحرمين وركب من جدة إلى سورت ومنها إلى البصرة وبغداد وزار من بهما من المشاهد الكرام ثم دخل المشهد فزار أمير المؤنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه ثم دخل جراسان ومنها إلى غزنين وكابل وقندهار واجتمع بالسلطان أحمد شاه فأكرمه واجزل له العطاء ثم عاد إلى الحرمين وركب من هناك إلى بحر سيلان فوصل إلى بنارس واجتمع بسلطانها وذهب إلى بلاد جاوة ثم رجع إلى الحرمين ثم سار إلى اليمن ودخل صنعاء واجتمع بإمامها ودخل زبيد واجتمع بمشايخها وأخذ عنهم واستأنسوا به وصار يعقد لهم حلق الذكر على طريقته وأكرموه ثم عاد إلى الحرمين ثم إلى مصر وذلك سنة اثنتين وثمانين وكانت مدة غيبته نحو عشرين سنة. ثم توجه في آخر هذه السنة إلى الصعيد واجتمع بشيخ العرب همام رحمه الله تعالى فأكرمه أكراما زائدا ودخل قنا فزار جده ووصل رحمة ومكث هناك شهورا ثم رجع إلى مصر وتوجه إلى الحرمين من. ج / 1 ص -588- القلزم وسافر إلى اليمن وطلع إلى صنعاء ثم عاد إلى كوكبان وكان إمامها إذ ذاك العلامة السيد إبراهيم بن أحمد الحسيني وانتظم حاله وراج أمره وشاع ذكره وتلقن منه الطريقة جماعة من أهل زبيد واستمال بحسن مذاكرته ومداراته طائغة من الزيدية ببلدة تسمى زمرمر. وهي بلدة باليمن بالجبال وهم لا يعرفون الذكر ولا يقولون بطرق الصوفية فلم يزل بهم حتى أحبوه وأقام حلقة الذكر عندهم وأكرموه ثم رجع من هناك إلى جدة وركب من القلزم إلى السويس. ووصل مصر سنة أربع وتسعين فنزل بالجمالية فذهبت إليه بصحبته شيخنا السيد مرتضى وسلمنا عليه وكنت أسمع به ولم أره قبل ذلك اليوم فرأيت منه كمال المودة وحسن المعاشرة وتمام المروءة وطيب المفاكهة وسمعت منه أخبار رحلته الاخيرة وترددنا عليه وتردد علينا كثيرا وكان ينزل في بعض الأحيان إلى بولاق ويقيم أياما بزاوية علي بك يصحبة العلامة الشيخ مصطفى الصاوى والشيخ بدوى الهيتمي وحضر إلى منزلي ببولاق مرارا باستدعاء وبدون استدعاء ثم تزوج بمصر وأتى إليه ولده السيد مصطفى من البلاد زائرا وما زال على حاله في عبادة وحسن توجه إلى الله مع طيب معاشرة وملازمة الاذكار صحبة العلماء الاخيار حتى تمرض بعلة الأستسقاء مدة حتى توفي ليلة الثلاثاء غرة جمادى الأولى من السنة وصلي عليه بالأزهر ودفن بالقرافة بين يدى شيخه الحفني. وكان ابنه غائبا فحضر بعد مدة من موته فلم يحصل من ميراثه إلا شيئا نزرا وذهب ما جمعه في سفر الله حيث ذهب. ومات الوجيه النبيل والجيلي الأصيل السيد حسين باشيجاويش الأشراف بن إبراهيم كتخدا تفكجيان بن مصطفى افندى الخطاط كان إنسانا حسنا جامعا للفضائل واللطف والمزايا واقتنى كتبا كثيرة في الفنون وخصوصا في التاريخ وكان مألوف الطباع ودودا شريف النفس. ج / 1 ص -589- مهذب الاخلاق فلم يخلف بعده مثله رحمه الله تعالى. ومات الأمير محمد كتخدا أباظة وأصله من مماليك محمد جربجي الصابونجي ولما مات سيده كما تقدم تركه صغيرا فخدم ببيتهم ثم عند حسين بك المقتول ولم يزل ينمو ويترقى في الخدم حتى تقلد كتخدائية محمد بك أبي الذهب فسار فيها بشهامة وصرامة ولم يزل مبجلا بعده في أيام مماليكه معدودا من الأمراء وله عزوة مماليك واتباع حتى تعلل ومات في هذه السنة. ومات التاجر الخير الصدوق الصالح الحاج عمر بن عبد الوهاب الطرابلسي الأصل الدمياطي سكن دمياط مدة وهو يتجر واختص بالشيخ الحفني فكان يأتي إليه في كل عام يزوره ويراسله بالهدايا ويكرم من يأتي من طرفه وكان منزله مأوى الوافدين من كل جهة ويقوم بواجب أكرامهم وكان من عادته أنه لا يأكل مع الضيوف قط إنما يخدم عليهم ما داموا يأكلون ثم يأكل مع الخدم وهذا من كمال التواضع والمروءة. وإذا قرب شهر رمضان وفد عليه كثير من مجاورى رواق الشوام بالأزهر وغيره فيقيمون عنده حتى ينقضي شهر الصوم في الإكرام ثم يصلهم بعد ذلك بنفقة وكساوى ويعودون من عنده مجبورين. وفي سنة ثلاث وثمانين حصلت له قضية مع بعض أهل الذمة التجار بالثغر فتطاول عليه الذمي وسبه فحضر إلى مصر وأخبر الشيخ الحفني فكتبوا له سؤالا في فتوى وكتب عليه الشيخ جوابا وأرسله إلى الشيخ الوالد فكتب عليه جوابا وأطنب فيه ونقل من الفتاوى الخيرية جوابا عن سؤال رفع للشيخ خير الدين الرملي في مثل هذه الحادثة بحرق الذمي ونحو ذلك وحضر ذلك النصراني في اثر حضور الحاج عمر خوفا على نفسه وكان إذ ذاك شوكة الإسلام قوية فأشتغل مع جماعة الشيخ بمعونة كبار النصارى بمصر بعد أن تحققوا حصول الانتقام وفتنوهم بالمال فأدخلوا على. ج / 1 ص -590- الشيخ شكوكا وسبكوا الدعوى في قالب آخر وذلك أنه لم يسبه بالألفاظ التي ادعاها الحاج عمر وانه بعد التسابب صالحه وسامحه وغيروا صورة السؤال الأول بذلك واحضروه إلى الوالد فامتنع من الكتابة عليه فعاد به الشيخ حسن الكفراوى فحلف لا يكتب عليه ثانيا ابدا وتغير خاطر الحاج عمر من طرف الشيخ واختل اعتقاده فيه وسافر إلى دمياط ولم يبلغ قصده من النصراني ومات الشيخ بعد هذه الحادثة بقليل. وانتهت رياسة مصر إلى علي بك وارتفع شأن النصارى في أيامه بكاتبه المعلم رزق والمعلم إبراهيم الجوهرى فعملوا على نفي المترجم من دمياط فأرسلوا له من قبض عليه في شهر رمضان ونهبوا أمواله من حواصله وداره ووضعوا في رقبته ورجليه القيد وانزلوه مهانا عريانا مع نسائه وأولاده في مركب وأرسلوه إلى طرابلس الشام فاستمر بها إلى أن زالت دولة علي بك واستقل بامارة مصر محمد بك وأظهر الميل إلى نصرة الإسلام فكلم السيد نجم الدين الغزى محمد بك في شأن رجوعه إلى دمياط فكان أن يجيب لذلك وكنت حاضرا في ذلك المجلس والمعلم مخاييل الجمل والمعلم يوسف بيطار وقوف أسفل السدلة يغمزان الأمير بالاشارة في عدم الاجابة لأنه من المفسدين بالثغر ويكون السبب في تعطيل الجمارك فسوف السيد نجم الدين بعد أن كان قرب من الاجابة. فلما تغيرت الدولة وتنوسيت القضية وصار الحاج عمر كأنه لم يكن شيئا مذكورا رجع إلى الثغر وورد علينا مصر وقد تقهقر حاله وذهبت نضارته وصار شيخا هرما ثم رجع إلى الثغر واستمر به حتى توفي في السنة وكان له مع الله حال يداوم على الاذكار ويكثر من صلاة التطوع ولا يشتغل إلا بما يهمه رحمه الله تعالى. ومات الأمير الجليل إبراهيم كتخدا البركاوى وأصله مملوك يوسف كتخدا عزبان البركاوى نشأ في سيادة سيده وتولى في مناصب وجاقهم. ج / 1 ص -591- وقرأ القرآن في صغره وجود الخط وحبب إليه العلم وأهله. ولما مات سيده كان هو المتعين في رئاسة بيتهم دون خشداشينه لرئاسته وشهامته ففتح بيت سيده وانضم إليه خشداشينه واتباعه واشترى المماليك ودربهم في الآداب والقراءة وتجويد الخط وأدرك محاسن الزمن الماضي. وكان بيته مأوى الفضلاء وأهل المعارف والمزايا والخطاطين واقتنى كتبا كثيرة جدا في كل فن وعلم حتى أن الكتاب المعدوم إذا احتيج إليه لا يوجد إلا عنده ويعير للناس ما يرومونه من الكتب للانتفاع في المطالعة والنقل وبآخره اعتكف في بيته ولازم حاله وقطع أوقاته في تلاوة القرآن والمطالعة وصلاة النوافل إلى أن توفي في هذه السنة وتبردت كتبه وذخائره رحمه الله تعالى. تاريخ عجائب الآثار في التراجم والأخبار سنة تسع وتسعين ومائة وألف. استهل العام بيوم الإثنين فكان الفال بالمنطق واخذت الأشياء في الانحلال قليلا. وفي سابعه جاءت الأخبار بان الجماعة المتوجهين لإبراهيم بك في شأن الصلح وهم الشيخ الدردير وسليمان بك الأغا ومرزوق جلبي اجتمعوا بإبراهيم فتكلموا معه في شأن ذلك فأجاب بشروط منها أن يكون هو على عادته أمير البلد وعلى أغا كتخدا الجاويشية على منصبه. فلما وصل الرسول بالمكاتبة جمع مراد بك الأمراء وعرفهم ذلك فأجابوا بالسمع والطاعة وكتبوا جواب الرسالة وأرسلوها صحبه الذى حضر بها. وسافر أيضا أحمد بك الكلارجي وسليم اغا امين البحرين في حادى عشرة. وفي عشرينه وصلت الأخبار بأن إبراهيم بك نقض الصلح الذى حصل وقيل: إن صلحه كان مداهنة لأغراض لا تتم له بدون ذلك فلما تمت احتج باشياء اخر ونقض ذلك. ج / 1 ص -592- وفي سادس صفر حضر الشيخ الدردير واخبر بما ذكر وإن سليمان بك وسليم اغا استمروا معه. وفي منتصفه وصل الحجاج مع أمير الحاج مصطفى بك وحصل للحجاج في هذه السنة مشقة عظيمة من الغلاء وقيام العربان بسبب عوائدهم القديمة والجديدة ولم يزوروا المدينة المنورة على صاحبها افضل الصلاة وازكى السلام لمنع السبل وهلك عالم كثير من الناس والبهائم من الجوع وانقطع منهم جانب عظيم. ومنهم من نزل في المراكب إلى القلزم وحضر من السويس إلى القصير ولم يبق إلا أمير الحج واتباعه ووقفت العربان لحجاج المغاربة في سطح العقبة وحصروهم هناك ونهبوهم وقتلوهم عن آخرهم ولم ينج منهم إلا نحو عشرة انفار. وفي اثناء نزول الحج وخروج الأمراء لملاقاة أمير الحج هرب إبراهيم بك الوالي وهو اخو سليمان بك الأغا وذهب إلى أخيه بالمنية وذهب صحبته من كان بمصر من اتباع أخيه وسكن الحال أياما. وفي أواخر شهر صفر سافر أيوب بك الكبير وأيوب بك الصغير بسبب تجديد الصلح فلما وصلوا إلى بني سويف حضر إليهم سليمان بك الأغا وعثمان بك الأشقر باستدعاء منهم ثم اجاب إبراهيم بك إلى الصلح ورجعوا جميعا إلى المنية. وفي أوائل ربيع الأول حضر حسن اغا بيت المال بمكاتبات بذلك وفي اثر ذلك حضر أيوب بك الصغير وعثمان بك الأشقر فقابلا مراد بك وقدم مراد بك لعثمان بك تقادم ثم رجع أيوب بك إلى المنية ثانيا. وفي يوم الإثنين رابع ربيع الثاني وصل إبراهيم بك الكبير ومن معه من الأمراء إلى معادى الخبيرى بالبر الغربي فعدى إليه مراد بك وباقي الأمراء والوجاقلية والمشايخ وسلموا عليه ورجعوا إلى مصر وعدى في أثرهم إبراهيم بك ثم حضر إبراهيم بك في يوم الثلاثاء إلى مصر. ج / 1 ص -593- ودخل إلى بيته وحضر إليه في عصريتها مراد بك في بيته وجلس معه حصة طويلة. وفي يوم الأحد عاشره عمل الديوان وحضرت لإبراهيم بك الخلع من الباشا فلبسها بحضرة مراد بك والأمراء والمشايخ وعند ذلك قام مراد بك وقبل يده وكذلك بقية الأمراء وتقلد علي أغا كتخدا الجاويشية كما كان وتقلد علي أغا اغات مستحفظان كما كان فاغتاظ لذلك قائد أغا الذي كان ولاه مراد بك وحصل له قلق عظيم وصار يترامى على الأمراء ويقع عليهم في رجوع منصبه وصار يقول أن لم يردوا إلى منصبي وإلا قتلت علي أغا. وصمم إبراهيم بك على عدم عزل علي أغا واستوحش علي أغا وخاف على نفسه من قائد أغا ثم أن إبراهيم بك قال: إن عزل علي أغا لا يتولاها قائد أغا أبدا. ثم إنهم لبسوا سليما أغا امين البحرين وقطع منها امل قائد أغا وما وسعه إلا السكوت. وفي منتصف جمادى الآخرة خرج عثمان بك المذكور بمماليكه وأجناده مسافرا إلى الصعيد بنفسه ولم يسمع لقولهم ولم يلبس تقليدا لذلك على العادة فأرسلوا له جماعة ليردوه فأبى من الرجوع. وفيه كثر الموت بالطاعون وكذلك الحميات ونسي الناس أمر الغلاء. وفي يوم الخميس مات علي بك أباظة الإبراهيمي فأنزعج عليه إبراهيم بك وكان الأمراء خرجوا بأجمعهم إلى ناحية قصر العيني ومصر القديمة خوفا من ذلك. فلما مات علي بك وكثير من مماليكهم داخلهم الرعب ورجعوا إلى بيوتهم. وفي يوم الأحد طلعوا إلى القلعة وخلعوا علي لاجين وجعلوه حاكم جرجا ورجع إبراهيم بك إلى بيته أيضا وكان إبراهيم بك إذ ذاك قائمقام. وفيه مات أيضا سليمان بك أبو نبوت بالطاعون. وفي منتصف رجب خف أمر الطاعون. ج / 1 ص -594- وفي منتصف شعبان ورد الخبر بوصول باش مصر الجديد إلى ثغر سكندرية وكذلك باش جدة ووقع قبل ورودهما بأيام فتنة بالاسكندرية بين أهل البلد وأغات القلعة والسردار بسبب قتيل من أهل البلد قتله بعض أتباع السردار فثار العامة وقبضوا على السردار وأهانوه وجرسوه على حمار وحلقوا نصف لحيته وطافوا به البلد وهو مشكوف الرأس وهم يضربونه ويصعفونه بالنعالات. وفيه أيضا وقعت فتنة بين عربان البحيرة وحضر منهم جماعة إلى إبراهيم بك وطلبوا منه الاعانة على أخصامهم فكلم مراد بك في ذلك فركب مراد بك وأخذهم صحبته ونزل إلى البحيرة فتواطأ معه الاخصام ورشوه سرا فركب ليلا وهجم على المستعينين به وهم في غفلة مطمئنين فقتل منهم جماعة كثيرة ونهب مواشيهم وابلهم واغنامهم ثم رجع إلى مصر بالغنائم. وفي غاية شعبان حضر باشة جدة إلى ساحل بولاق فركب علي أغا كتخدا الجاويشية وأرباب العكاكيز وقابلوه وركبوا صحبته إلى العادلية ليسافر إلى السويس. وفي غرة رمضان ثارت فقراء المجاورين والقاطنين بالأزهر وقفلوا أبواب الجامع ومنعوا منه الصلوات. وكان ذلك يوم الجمعة فلم يصل فيه ذلك اليوم وكذلك أغلقوا مدرسة محمد بك المجاورة له ومسجد المشهد الحسيني وخرج العميان والمجاورون يرمحون بالاسواق ويخطفون ما يجدونه من الخبز وغيره وتبعهم في ذلك الجعيدية وأراذل السوقة. وسبب ذلك قطع رواتبهم واخبازهم المعتادة واستمروا على ذلك إلى بعد العشاء فحضر سليم أغا أغات مستحفظان إلى مدرسة الأشرفية وأرسل إلى مشايخ الاروقة والمشار إليهم في السفاهة وتكلم معهم ووعددهم والتزم لهم باجراء رواتبهم فقبلوا منه ذلك وفتحوا المساجد. ج / 1 ص -595- وفي يوم الأحد ثامن شهر شوال الموافق لتاسع مسرى القبطي كان وفاء النيل المبارك وكانت زيادته كلها في هذه التسعة أيام فقط ولم يزد قبل ذلك واستمر بطول شهر أبيب وماؤه أخضر فلما كان أول شهر مسرى زاد في ليلة واحدة أكثر من ثلاثة أذرع واستمرت دفعات الزيادة حتى اوفى أذرع الوفاء يوم التاسع وفيه وقع جسر بحر أبي المنجا بالقلوبية فعينوا له أميرا فأخذ معه جملة أخشاب ونزل وصحبته ابن أبي الشوارب شيخ قليوب وجمعوا الفلاحين ودقوا له أوتاد عظيمة وغرقوا به نحو خمسة مراكب واستمروا في معالجة سده مدة أيام فلم ينجع من ذلك شيء وكذلك وقع ببحر مويس. وفي يوم الخميس خرج أمين الحاج مصطفى بك بالمحمل والحجاج وذلك ثاني عشر شوال. وفي يوم الإثنين ثامن عشر القعدة سافر كتخدا الجاويشية وصحبته أرباب الخدم إلى الأسكندرية لملاقاة الباشا والله تعالى اعلم. من مات في هذه السنة ممن له ذكر. مات الشيخ الإمام العارف المتفنن المقرىء المجود الضابط الماهر المعمر الشيخ محمد بن حسن بن محمد بن أحمد جمال الدين بن بدر الدين الشافعي الأحمدى ثم الخلوتي السمنودى الأزهرى المعروف بالمنير ولد بسمنود سنة 1099 وحفظ القرآن وبعض المتون وقدم الجامع الأزهر وعمره عشرون سنة فجود القرآن على الإمام المقرىء علي بن محسن الرملي وتفقه على جماعة منهم الشيخ شمس الدين محمد السجيمي والشيخ علي أبي الصفا الشنواني وسمع الحديث على أبي حامد البديرى وابي عبد الله محمد بن محمد الخليلي وأجازه في سنة 1132 وأجازه كذلك الشيخ محمد عقيلة في آخرين وأخذ الطريقة ببلده على سيدى. ج / 1 ص -596- علي زنفل الأحمدى ولما ورد مصر اجتمع بالسيد مصطفى البكرى فلقنه طريقة الخلوتية وانضوى إلى الشيخ شمس الدين محمد الحفني فقصر نظره عليه واستقام به عهده فأحياه ونور قلبه واستفاض منه فلم يكن ينتسب في التصوف إلا إليه. وحصل جملة من الفنون الغريبة كالزايرجة والأوفاق على عدة من الرجال وكان ينزل وفق المائة في المائة وهو المعروف بالمئيني ويتنافس الأمراء والملوك لاخذه منه وأحدث فيه طرقا غريبة غير ما ذكره أهل الفن وقد قرأ القرآن مدة وانتفع به الطلبة وقرأ الحديث. وكان سنده عاليا فتنبه بعض الطلبة في الأواخر فأكثروا الأخذ عنه. وكان صعبا في الاجازة لا يجيز أحدا إلا إذا قرأ عليه الكتاب الذى يطلب الاجازة فيه بثمامه ولا يرى الاجازة المطلقة ولا المراسلة حتى أن جماعة من أهالي البلاد البعيدة أرسلوا يطلبون منه الاجازة فلم يرض بذلك وهذه الطريقة في مثل هذه الأزمان عسرة جدا. وفي أواخره انتهى إليه الشأن وأشير إليه بالبنان وذهبت شهرته في الآفاق وأتته الهدايا من الروم والشام والعراق وكف بصره وانقطع إلى الذكر والتدريس في منزله بالقرب من قننطرة لموسكى داخل العطفة بسويقة الصاحب ولازم الصوم نحو ستين عاما ووفدت عليه الناس من كل جهة وعمر حتى الحق الاحفاد بالاجداد واجاز وخلف وربما كتب الاجازات نظما على هيئة اجازات الصوفية لتلامذتهم في الطريق ولم يزل يبدى ويعيد ويعقد حلق الذكر ويفيد إلى أن وافاه الأجل المحتوم في هذه السنة وجهز وكفن وصلي عليه بالأزهر في مشهد حافل وأعيد إلى الزاوية الملاصقة لمنزله وكثر عليه الأسف. ومات الشيخ الإمام الفاضل الصالح علي بن علي بن علي بن علي ابن مطاوع العزيزى الشافعي الأزهرى أدرك الطبقة الأولى من المشايخ كالشيخ مصطفى العزيزى والشيخ محمد السحيمي والدفرى والملوى. ج / 1 ص -597- واضرابهم وتفقه ودرس بالجامع الأزهر وانتفع به الطلبة وقرأ دروسا بمشهد شمس الدين الحنفي وكان يسكن في بولاق ويأتي كل يوم إلى مصر لإلقاء الدروس. وكان إنسانا حسنا صبورا محتسبا فصيحا مفوها له اعتقاد في أهل الله. توفي تاسع ربيع الثاني سنة تسع وتسعين هذه. ومات الإمام الصالح الناسك المجود السيد علي بن محمد الغوصي البدرى الرفاعي المعروف بالقراء وهو والد صاحبنا العلامة السيد حسن البدرى ولد بمصر وحفظ القرآن وجوده على شيخ القراء شهاب الدين أحمد بن عمر الأسقاطي وبه تخرج واقرأ القرآن بالسبعة كثيرا بالجامع الأزهر وبرواق الأروام وانتفع به الطلبة طبقة بعد طبقة. وكان لع معرفة ببعض الأسرار والروحانيات وغير ذلك. ومات الاختيار المفضل المبجل علي بن عبد الله الرومي الأصل مولى درويش أغا المعروف الآن بمحرم افندى باش اختيار وجاق الجاويشية كان لكونه خدم عنده وهو صغير اشتغل بالخط وجوده على المرحوم حسن الضيائي وعبد الله الانبس وادرك الطبقة منهم ومهر فيه وانجب ولم يكونا اجازاه فعمل له مجلسا في منزل المرحوم علي أغا وكيل دار السعادة واجتمع فيه أرباب الفن من الخطاطين واجازه حسن افندى الرشدى مولى علي أغا المشار إليه وكان يوما مشهودا. ولقب بدرويش وكتب بخطه كثيرا وحج سنة 1171 واجتمع بالحرمين على الأفاضل وتلقى منهم اشياء وعاد إلى مصر واجتمع بأديب عصره محمد بن عمر الخوانكي أحد تلامذة الشهاب الخفاجي فتعلق بعناية بالأدب وصار في محفوظيته جملة من أشعاره وقصائده وجملة من قصائد الارجاني وجملة من المقامات الحريرية وعني بحفظ القرآن فحفظه على كبره وتعب فيه وحفظ أسماء أهل بدر وكان دائما يتلوها. ولاجله ألف شيخنا السيد محمد مرتضى شرح الصدر في شرح أسماء أهل بدر في عشرين كراسا والتفتيش في. ج / 1 ص -598- معنى لفظ درويش كراسا. ولازم المذكور منذ قدم مصر وسمع عليه مجالس من الصحيح والمسلسل بالاسودين وبالعيد والشمائل والامالي وجود عليه شيخنا المذكور في الخط وقد صاهرت المترجم وتزوجت بربيبته في أواخر سنة خمس وتسعين برغبة منه وهي أم الولد خليل فتح الله عليه ولما حصلت النسابة والمصاهرة حولته بعياله إلى منزلي لتعب الوقت وتعطيل أسباب المعايش. ولما عاشرته بلوت منه خيرا ودينا وصلاحا وكان لا ينام من الليل إلا قليلا ويتبتل إلى مولاه تبتيلا فيصلي ما تيسر من النوافل ثم يكمل بتلاوة القرآن المرتلة مع التدبر لمعاني الآيات المنزلة وكان حسن السمت نظيف الثياب عظيم الشيبة منور الوجه وجيه الطلعة مهيب الشكل سليم الطوية مقبول الروحانية ملازما على حضور الجماعة حريصا على إدراك الفضائل. توفي في جمادى الأولى عن نيف وتسعين سنة ولم تهن قواه ولم يسقط له سن ويكسر اللوز باسنانه ودفناه بجوار الإمام أبي جعفر الطحاوى لأنه كان ناظرا عليه رحمه الله. ومات الأستاذ الفاضل والمستعد الكامل ذو النفحات والاشارات السيد علي بن عبد الله بن أحمد العلوى الحنفي سبط آل عمر صاحبنا ومرشدنا ووالده أصله من توقاد وولد. هو في مصر سنة 1173 وعانى الفنون ومهر وانجب في كل شيء عاناه في أقل زمن بحيث أنه إذا توجهت همته لعلم من العلوم الصعبة وطالع فيه أدركه وأظهر مخبئاته وثمراته وألف فيه وأظهر عجائب أسراره ومعانيه في زمن قليل وكان حاد الذهن جدا دراكا قوى الحافظة يحفظ كل شيء سمعه أومر عليه ببصره ولازم في مبتدأ أمره شيخنا السيد محمد مرتضى كثيرا وقرأ عليه الفصيح لثعلب وفقه اللغة للثعالبي وأدب الكاتب لابن قتيبة في مجالس دراية وسمع منه كثيرا من شرحه على القاموس وكتب عنه بيده اجزاء كثيرة وقرأ عليه الصحيح في اثنى عشر مجلسا في رمضان سنة ثمان وثمانين وسمع عليه. ج / 1 ص -599- أيضا الصحيح مرة ثانية مشاركا مع الجماعة مناوبة في القراءة في أربع مجالس ومدة القراءة من طلوع الشمس إلى بعد كل عصر وصحيح مسلم في ستة مجالس مناوبة بمنزل الشيخ بخان الصاغة وكتب الامالي والطباق وضبط الأسماء وقلد خط الصلاح الصفدى في وضعه فأدركه وقرأ عليه أيضا المقامات الحريرية ورسائل في التصريف وغير ذلك مما لا يدخل تحت الضبط لكثرته. وسمع المسلسل بالعيد وبالاسودين التمر والماء. وسمع عليه أوائل الكتب الستة والمعاجم والمسانيد في سنة تسعين بمنهل شيخه مع الجماعة وجزء نبيط بن شريط الأشجعي وبلدانيات السلفي وبلدانيات بن عساكر واحاديث عاشوراء تخريج المنذرى واحاديث يوم عرفة تخريج بن فهد وعوالي بن مالك وثلاثيات البخارى والدارمي وجزأ فيه أخبار الصبيان والخلعيات بتمامها وهي عشرون جزءا وعرف المترجم العالي من النازل واجتمع بشيخنا السيد العيدروس وقربه وادناه ولازمه وقرأ عليه أشياء من كتب الصوفية ومال إليه وصار ينطق بالشعر وأقبل على الأدب والتصوف ولا زال كذلك حتى صار يتكلم بكلام عال. والف كتابا في علم الأوفاق في كراريس لطيفة على نسق عجيب مفيد وامتزج بالروحانية حتى إني رأيته ينزل الوفق في الكاغد ويضعه على راحة كفه فيرتعش ويلتف ببعضه ثم ينبسط بنفسه كما كان وإذا أخذه غيره ووضعه على مثل وضعه لا يتحرك ابدا. ومارس في علم الرمل أياما فأدرك منتهاه واستخرج منه مالا يستخرج الممارس فيه سنين من الضمير والمدة وغير ذلك في أسرع وقت وألف فيه كتابا لخص فيه قواعده من غير مشقة. ومارس في الفلكيات مع سليمان أفندى كنباذ وصنف فيه وفي غيره. وبآخرة انجمع عن خلطة الناس واقبل على ربه وكان قد تزوج بامرأة وكانت تؤذيه وتشتمه وربما كانت تضربه وهو صابر عليها مقبل على شأنه وألف أورادا واحزابا واسماء على طريقة الأسماء. ج / 1 ص -600- السهروردية عجيبة المشرب بنفس عال غريب وصار يتكلم بكلام لا يطرق الأسماع نظيره ولم يزل على ذلك حتى تعلل ولحق بربه وتوفي في سادس ربيع الأول من السنة وأعقب ولدا من تلك المرأة التي كان تزوج بها وبالجملة والانصاف أنه كان من آيات الله الباهرة. ودفن بالقرافة بتربة علي أغا صالح رضي الله عنا وعنه ورحمنا أجمعين. ومات الشيخ الفقيه الدراكة العلامة السيد سليمان بن طه بن أبي العباس الحريثي الشافعي المقرى الشهير بالاكراشي وهي قرية شرقي مصر وحفظ القرآن وقدم الجامع الأزهر وطلب العلم وحضر الأشياخ وجود القرآن على الشيخ مصطفى العزيزى خادم النعال بمشهد الشيدة سكينة واعاده بالعشر على الشيخ عبد الرحمن الاجهوزى المقرى واجازه في محفل عظيم في جامع ألماس وسمع وحضر دروس فضلاء وقته ومهر في فقه المذهب ودرس في جامع الماس وغيره وسمع من شيخنا السيد مرتضى المسلسل وبالأولية بشرطه والمسلسل بالعيد وبالمحبة وبالقسم وبقراءة الفاتحة في نفس واحد وبالالباس والتحكيم وسمع الصيحين بطرفيهما في جماعة بجامع شيخون بالصليبة وسمع اجزاء البلدانيات للحافظ أبي طاهر السلفي وجزء النيل وجزء يوم عرفة ويوم عاشوراء وغير ذلك. وله تآليف وجمعيات ورسائل في علوم شتى. ولما اجتمع بشيخنا المذكور ورأى ملازمة السيد علي المترجم آنفا به في أكثر أوقاته ونظر نجابته وما فيه من قوة الفهم والاستعداد لأمه على ملازمته للسيد وانقطاعه عن بقية العلوم وقال له: هذا شيء سهل يمكن تحصيله في زمن قليل وقد قرأت وحصلت ما فيه الكفاية والأولى أن تشغل بعض الزمن بتحصيل المعقولات وغيرها فإن مثلك لا يقتصر على فن من الفنون والاقتصار ضياع. فقبل منه واشتغل عليه وعلى غيره وانقطع بسبب الأشتغال عن كثرة الترداد على الشيخ كعادته وعلم ذلك فأنحرف على كل منهما. ج / 1 ص -601- وبالخصوص على السيد علي وصعب عليه جدا وأدى ذلك إلى الانقطاع الكلي. ولما مات الشيخ العزيزى تنزل المترجم في مشيخة القراء بمقام السيدة نفيسة رضي الله عنها وكان إنسانا حسنا جامعا للفضائل وحضر معنا الهداية في فقه الحنفية على شيخنا المرحوم العلامة الشيخ مصطفى الطائي الحنفي وكان يناقش في بعض المسائل المخالفة لمذهبه إلى أن وافاه الحمام في هذه السنة رحمه الله. ومات أوحد الفضلاء وأعظم النبلاء العلامة المحقق والفهامة المدقق الفقيه النبيه الأصولي المعقولي المنطقي الشيخ أبو الحسن بن عمر القلعي ابن علي المغربي المالكي قدم إلى مصر في سنة 1154 وكان لديه استعداد وقابلية وحضر اشياخ الوقت مثل البليدى والملوى والجوهرى والحفني والشيخ الصعيدى واتحد بالشيخ الوالد وزوجه زوجة مملوكه مصطفى بعد وفاته وهي خديجة معتوقة المرحوم الخواجا المعروف بمدينة وأقامت معه نحو الأربعين سنة حتى كبر سنها وهرمت وتسرى عليها مرتين ولما حضر المرحوم محمد باشا راغب واليا على مصر اجتمع به ومارسه وأحبه وشرح رسالته التي ألفها في علم العروض والقوافي ولما عزل راغب وذهب إلى دار السلطنة وتولى الصدارة سافر إليه المترجم فأجله وأكرمه ورتب له جامكية بالضربخانة بمصر ورجع إلى مصر وتولى مشيخة رواق المغاربة ثلاث مرات بشهامة وصرامة زائدة. وسبب عزله في المرة الوسطى أن بعض المغاربة تشاجر مع الشيخ علي الشنويهي وانتصر هو للمغاربة لحمية الجنسية ونهر الشيخ علي فذهب الشيخ علي واشتكاه إلى علي بك في أيام إمارته فأحضره علي بك فتطاول على الشيخ علي بحضرة الأمير وادعى الشيخ علي بانه لطمه على وجهه في الجامع فكذبه المترجم فحلف الشيخ علي بالله على ذلك فقال له المترجم: احلف بالطلاق فاغتاظ منه الأمير علي بك وصرفهما وأرسل في الحال واحضر الشيخ عبد الرحمن. ج / 1 ص -602- البناني وولاه مشيخة الرواق وعزل الشيخ أبا الحسن وانكسف باله لذلك ثم اعيد بعد مدة إلى المشيخة وكان وافر الحرمة نافذ الكلمة معدودا من المشايخ الكبار مهاب الشكل منور الشيبة مترفها في ملبسه ومأكله يعلوه حشمة وجلالة ووقار إذا مر راكبا أو ماشيا قام الناس إليه وبادروا إلى تقبيل يده حتى صار ذلك لهم عادة وطبيعة لازمة يرون وجوبها عليهم. وللمترجم تأليفات وتقييدات وحواش نافعة منها حاشية على الاخضرى على سلمه وحاشية على رسالة العلامة محمد أفندى الكرماني في علم الكلام في غاية الدقة تدل على رسوخه في علم المنطق والجدل والمعاني والبيان والمعقولات وشرح على ديباجه شرح العقيدة المسماة بأم البراهين للإمام السنوسي وله كتاب ذيل الفوائد وفرائد الزوائد على كتاب الفوائد والصلاة والعوائد وخواص الآيات والمجريات التي تلقاها من أفواه الأشياخ وكتاب في خواص سورة يس وغير ذلك. وأخذ عن المرحوم الوالد كثيرا من الحكميات والمواقف والهداية للابهرى والهيئة والهندسة. ولم يزل مواظبا على تردده عليه وزيارته في الجمعة مرتين أو ثلاثة ويراعي له حق المشيخة والصحبة في حياته وبعدها وكان سليم الباطن مع ما فيه من الحدة إلى أن توفي في ربيع الأول من هذه السنة رحمه الله. ومات الشيخ المعتقد عبد الله بن إبراهيم بن أخي الشيخ الكبير المعروف بالموافي الشافعي السندوبي الرفاعي نزيل المنصورة ولد ببلدة منية سندوب سنة 1140 وحفظ القرآن وبعض المتون وقدم المنصورة فمكث تحت حيازة عمه في عفة وصلاح وحضر دروس الشيخ أحمد الجالي وأخيه محمد الجالي وانتفع بهما في فقه المذهب فلما توفي عمه في سنة أحدى وستين اجلس مكانه في زاويته التي أنشأها عمه في مؤخر الجامع الكبير بالمنصورة وسلك على نهجه في أحياء الليالي بالذكر وتلاوة القرآن وكان يختم في كل يوم وليلة مرة وربى التلاميذ وصارت. ج / 1 ص -603- له شهرة زائدة مع الانجماع عن الناس لا يقوم لاحد ولا يدخل دار أحد وفيه الأستئناس وعنده فوائد يذاكر بها ويشتغل دائما بالمطالعة والمذاكرة واعتقده الخاص والعام. ولما سافرنا إلى دمياط سنة تسع وثمانين وجزنا بالمنصورة وطلعناها ذهبنا إلى جامعها الكبير ودخلنا إليه في حجرته فوجدته جالسا على فراش عال بمفرده بجانب ضريح عمه وهو رجل نير بشوش فرحب بنا وفرح بقدومنا وأحضر لنا طبقا فيه قراقيش وكعك وشريك وخبز يابس ولبن وبوسطة دقة وجبن فأكلنا ما تيسر وسقانا قهوة في فنجان كبير وتحدث معنا ساعة ودعا لنا بخير وودعناه وسافرنا في الوقت. ولم أره غير هذه المرة. وهو إنسان حسن جامع للفضائل توفي في السنة ولم يخلف بعده مثله. ومات السيد الإمام العلامة الفقيه النبيه السيد مصطفى بن أحمد ابن محمد البنوفرى الحنفي أخذ الفقه عن والده وعن السيد محمد أبي السعود والشيخ محمد الدلجي والشيخ الزيادى وغيرهم وحضر المعقول على علماء العصر كالشيخ عيسى البراوى وغيره ودرس في محل والده بالقرب من رواق الشوام إلا أنه لم يكن له حظ في الطلبة فكان يأتي كل يوم الجامع ويجلس وحده ساعة ثم يقوم ويذهب إلى بيته بسويقة العزى وكان لا يعرف التصنع وفيه جذب ويعود المرضي كثير الأغنياء والفقراء توفي في السنة رحمه الله. ومات العلامة المتقن والفهامة المتفنن أحد الأعلام الرواسخ وشيخ المشايخ الفقيه النحوى الأصولي المعقولي المنطقي ذو المعاني والبيان وحلال المشكلات باتقان الصالح لقانع الورع الزاهد الشيخ محمد ابن محمد بن محمد بن محمد بن مصطفى بن خاطر الفرماوى الأزهرى الشافعي البهوتي نسبة إلى قبيلة البهتة جهة الشرق ولد بمصر رباه والده وحفظ القرآن والمتون وحضر على أشياخ العصر الملوى والجوهرى والطحلاوى. ج / 1 ص -604- والبراوى والبليدى والصعيدى والشيخ علي قايتباى والمدابغي والاجهورى وأنجب في الفقه والمعقول ودرس وأفاد الطلبة واشتهر بالفتوح على كل من أخذ عنه حتى صار له المشيخة على غالب أهل العلم من الطبقة الثانية. وكان مهذب النفس جدا لين الجانب متواضعا منكسر النفس لا يرى لنفسه مقاما يجلس حيث ينتهي به المجلس ولا يتداخل فيما لا يعنيه مقبلا على شأنه ملازما على الأشتغال والافادة والمطالعة. ومما اتفق له أنه قرأ البخارى والمنهج صبيحة النهار والقطب على الشمسية في الضحوة والاشموني وقت الظهر وابن عقيل بعد العصر والشنشورى بعد المغرب كل ذلك في أن واحد ويحضره في ذلك جل الأفاضل وهذا لم يتفق لغيره من أقرانه ولم يزل على حالته حتى توفي في آخر يوم من رجب من السنة وخلف ولده العمدة الفاضل الصالح الشيخ مصطفى على قدم والده واسلافه من الإفادة وملازمة الاقراء أعانه الله على وقته ونفع به. ومات الشيخ الإمام العلامة والنحرير الفهامة محمد بن عبد ربه ابن علي العزيزى الشهير بأبن الست ولد سنة 1118 بمصر وسبب تسميته بأبن الست أن والدته كانت سرية رومية اشتراها أبوه وأولدها اياه وكان قد تزوج بحرائر كثيرة فلم يلدن إلا الإناث حتى قيل: إنه ولد له نحو ثمانين بنتا فأشترى أم ولده هذا فولدته ذكرا ولم تلد غيره ففرح به كثيرا ورباه في عز ورفاهية وقرأ القرآن مع الشيخ علي العدوى في مكتب واحد فلذلك اعتشر بالمالكية وصار مالكي المذهب. ولما ترعرع أراد الانتقال إلى مذهب الإمام الشافعي رضي الله عنه فرأى الشافعي في المنام وأشار عليه بعدم الانتقال فاستمر مالكي المذهب وتفقه على الشيخ سالم النفراوى واللقاني والشبراملسي وسمع على الشيخ عبد ابن علي النمرسي المسلسل بالأولية وأوائل الكتب الستة وسنن النسائي الصغرى المسماة بالمجتبي والمسلسل بالمصافحة والمشابكة والسبحة وغير. ج / 1 ص -605- ذلك وأخذ عليه أيضا ملا عصام على السمرقندية وشرح رسالة الوضع وشرح الجزرية لشيخ الإسلام وأوائل تفسير القاضي البيضاوى مع البحث والتدقيق وأجازه بما يجوز له وعنه روايته بشرطه وأخذ المعقول عن الشيخ أحمد الملوى والشيخ عبده الديوى والشيخ الاطفيحي والخليفي وأخذ طريق الشاذلية عن الشيخ أحمد الجوهرى والشيخ الملوى وهما اخذاها عن سيدى عبد الله بن محمد المغربي القصرى الكنكسي. وكان المترجم على قدم السلف لا يتداخل في أمور الدنيا ولا يتفاخر في ملبس ولا يركب دابة ولا يدخل بيت أمير ولا يشتغل بغير العلم ومدارسته ويشهد له معاصروه بالفضل واتقان العلوم والديانة. وسمعت منه المسلسل بالأولية وأجازني بمسموعاته ومروياته وتلقيت عنه دائرة الشاذلي وأجازني بوضعها ورسمها ونقطة مركزها كل ذلك في مجلس واحد بمنزلي ببولاق بشاطىء النيل سنة 1190. وكان يجيئني ويودني ويقول لي أنت ابن خالتي لكون والدتي ووالدته من السرارى. وصنف حاشية على الزرقاني على العزية وهي مستعملة بأيدى الطلبة وديباجة وخاتمه على أبي الحسن على الرسالة وخاتمة على شرح الخرشي وديباجة على أيساغوجي في المنطق وحاشية علي الحفيد على العصام وتكملة على العشماوية وشرحا على آية الكرسي وشرحا على الحوضية في التوحيد ولم يزل مقبلا على شأنه وحاله حتى توفي في هذه السنة عن أربع وثمانين سنة رحمه الله تعالى. ومات السيد الأجل المبجل السيد أحمد بن عبد الفتاح بن طه ابن عبد الرزاق الحسيني الحموى القادرى ولد أبوه السيد عبد الفتاح بحماه وارتحل بكريميه رقية وفاطمة ابنة السيد طه فزوج الأولى باحد أعيان مصر بن حسين الشمسي وهي أم أولاده حسن وحسين وعثمان ومحمود ورضوان وتزوجت السيدة فاطمة بعلي أفندى البكرى أخي سيدى. ج / 1 ص -606- بكرى الصديقي فأولدها محمد أفندى نقيب السادة الأشراف وهو والد محمد أفندى الاخير وأقام والده السيد عبد الفتاح بمصر مدة وتنزل في بعض المناصب ثم توجه إلى ملك الروم فأكرمه ووجه له بعناية بعض الأعيان نقابة الأشارف بمصر وحضر إلى مصر وقرىء المرسوم الوارد بذلك وكاد أن يتم له الأمر فلم يمكن من ذلك بتقوية بعض الأمراء وحنقوا عليه حيث توجه من مصر إلى الروم خفية ولم يأخذ منهم عرضا وجعل له شيء معلوم من بيت النقابة وبقي ممنوعا عنها. وكان سيدا محتشما فصيح اللسان بهي الشكل وتزوج ببنت سيدى مكي الوارثي وولد له منها السيد أحمد المترجم وتربى في العز والرفاهية ببيتهم المعروف بهم بالازبكية بخط الساكت وكان إنسانا حسنا مترفها في مأكله وملبسه منجمعا عن الناس إلا لمقتضيات لا بد له منها. توفي رحمه الله في هذه السنة ولم يعقب. ومات الشيخ الصالح الماهر الموفق علي بن خليل شيخ القبان بمصر وكان ماهرا في علم الحساب وممعرفة الموازين والقرسطون المعروف بالقبان ودقائقه وصناعته ولما عني المرحوم الوالد أمر الموازين وتصحيحها وتحريرها في سنة اثنتين وسبعين وصنف في ذلك العقد الثمين فيما يتعلق بالموازين طالعه عليه وتلقاه عنه مع مشاركة الشيخ حسن بن ربيع البولاقي واتقنا ذلك وتميزا به دون أهل فنهما. وكان المترجم إنسانا بشوشا منور الشيبة ولديه آداب ونوادر ومناسبات وحج مرارا أو أثرى وتمول ثم تقهقر حاله ولزم بيته إلى أن توفي في هذا العام ولم يخلف بعده مثله. ومات الشريف الحسيب النسيب السيد مصطفى بن السيد عبد الرحمن العيدروس وهو مقتبل الشيبية وصلي عليه بالأزهر ودفن عند والده بمقام العتريس تجاه مشهد السيدة زينب وكانت وفاته رابع عشرين ربيع الأول من السنة رحمه الله. تاريخ عجائب الآثار في التراجم والأخبار ج / 1 ص -607- سنة مائتين وألف. كان أول المحرم يوم الجمعة وفي ذلك اليوم وصل الباشا الجديد إلى برانبابة واسمه محمد باشا يكن فبات ليلة الجمعة هناك وفي الصباح ذهب إليه الأمراء وسلموا عليه على العادة وعدوا به إلى قصر العيني فجلس هناك إلى يوم الإثنين رابعه وركب بالموكب وشق من الصليبة وطلع إلى القلعة واستبشر الناس بقدومه. وفي يوم الخميس ثاني عشر صفر حضر مبشر الحاج بمكاتيب العقبة وأخبر أن الحجاج لم يزوروا المدينة أيضا في هذه السنة مثل العام الماضي بسبب طمع أمير الحاج في عدم دفع العوائد للعربان وصرة المدينة وإن أحمد باشا أمير الحاج الشامي أكد عليه في الذهاب وأنعم عليه بجملة من المال والعليق والذخيرة فاعتل بان الأمراء بمصر لم يوفوا له العوائد ولا الصرة في العام الماضي وهذا العام واستمر على امتناعه. وحضر الشريف سرور شريف مكة وكلمه بحضرة أحمد باشا وقال: إذا كان كذلك فنكتب عرض محضر ونخبر السلطان بتقصير الأمراء وتضع عليه خطك وختمك وللسلطان النظر بعد ذلك. فأجاب إلى ذلك ووضع خطه وختمه وحضر إليهم الجاويش في صبحها فخلعوا عليه كالعادة ورجع بالملاقاة وخرج الأمراء في ثاني يوم إلى خارج باجمعهم ونصبوا خيامهم. وفي يوم الإثنين وصل الحجاج ودخلوا إلى مصر ونزل أمير الحج بالجنبلاطية بباب النصر ولم ينزل بالحصوة أولا على العادة وركب في يوم الثلاثاء ودخل بالمحمل بموكب دون المعتاد وسلم المحمل إلى الباشا. وفي يوم الأربعاء اجتمع الأمراء ببيت إبراهيم بك وأحضروا مصطفى بك أمير الحج وتشاجر معه إبراهيم بك ومراد بك بسبب هذه الفعلة. ج / 1 ص -608- وكتابة العرضحال وادعوا أنه تسلم جميع الحمائل وطلبوا منه حساب ذلك واستمروا على ذلك إلى قرب المساء. ثم أن مراد بك أخذ أمير الحاج إلى بيته فبات عنده وفي صبحها حضر إبراهيم بك عند مراد بك وأخذ أمير الحاج إلى بيته ووضعه في مكان محجورا عليه وأمر الكتاب بحسابه فحاسبوه فاستقر في طرفه مائة ألف ريال وثلاثة آلاف وذلك خلاف ما على طرفه من الميرى. وفي يوم الجمعة طلع إبراهيم بك إلى القلعة واخبر الباشا بما حصل وأنه حبسه حتى توفي ما استقر بذمته فاستمر أياما وصالح وذهب إلى بيته مكرما. وفي ذلك اليوم بعد صلاة الجمعة ضج مجاورو الأزهر بسبب أخبازهم وقفلوا ابواب الجامع فحضر إليهم سليم أغا والتزم لهم باجراء رواتبهم بكرة تاريخه فسكنوا وفتحوا الجامع وانتظروا ثاني يوم فلم يأتهم شيء فأغلقوه ثانيا وصعدوا على المنارات يصيحون فحضر سليم أغا بعد العصر ونجز لهم بعض المطلوبات وأجرى لهم الجراية أناما ثم انقطع ذلك وتكرر الغلق والفتح مرارا. وفي ليلة خروج الأمراء إلى ملاقاة الحجاج ركب مصطفى بك الأسكندرى وأحمد بك الكلارجي وذهبا إلى جهة الصعيد والتفا على عثمان بك الشرقاوى ولاجين بك وتقاسموا الجهات والبلاد وافحشوا في ظلم العباد. وفي منتصف ربيع الأول شرع مراد بك في السفر إلى جهة بحرى بقصد القبض على رسلان والنجار قطاع الطريق فسافر وسمع بحضوره المذكوران فهربا فأحضر بن حبيب وابن حمد وابن فودة وألزمهم بإحضارهما فأعتذروا إليه فحبسهم ثم أطلقهم على مال وذلك بيت القصيد وأخذ منهم رهائن ثم سار إلى طملوها وطالب أهلها برسلان. ج / 1 ص -609- ثم نهب القرية وسلب أموال أهلها وسبى نساءهم وأولادهم ثم أمر بهدمها وحرقها عن آخرها ولم يزل ناصبا وطاقه عليها حتى أتى على آخرها هدما وحرقا وجرفها بالجراريف حتى محوا أثرها وسووها بالأرض وفرق كشافه في مدة اقامته عليها في البلاد والجهات لجبي الأموال وقرر على القرى ما سولته له نفسه ومنع من الشفاعة وبث المعينين لطلب الكلف الخارجة عن المعقول فإذا استوفوها طلبوا حق طرقهم فإذا استوفوها طلبوا المقرر وكل ذلك طلبا حثيثا وإلا أحرقوا البلدة ونهبوها عن آخرها ولم يزل في سيره على هذا النسق حتى وصل إلى رشيد فقرر على أهلها جملة كبيرة من المال وعلى التجار وبياعي الارز فهرب غالب أهلها وعين على اسكندرية صالح أغا كتخدا الجاويشية سابقا وقرر له حق طريقه حمسة آلاف ريال وطلب من أهل البلد مائة ألف ريال وأمر بهدم الكنائس فلما وصل إلى اسكندرية هربت تجارها إلى المراكب وكذلك غالب النصارى فلم يجد إلا قنصل الموسقو فقال: أنا أدفع لكم المطلوب بشرط أن يكون بموجب فرمان من الباشا أحاسب به سلطانكم فانكف عن ذلك وصالحوه على كراء طريقه ورجع وارتحل مراد بك من رشيد. ولما وصل إلى جميجون هدمها عن آخرها وهدم أيضا كفرد سوق واستمر هو ومن معه يعبثون بالأقاليم والبلاد حتى أخربوها واتلفوا الزروعات إلى غرة جمادى الأولى. فوصلت الأخبار بقدومه إلى زنكلون ثم ثنى عنانه وعرج على جهة الشرق يفعل بها فعله بالمنوفية والغربية وأما صناجقه الذين تركهم بمصر فإنهم تسلطوا على مصادرات الناس في أموالهم وخصوصا حسين بك المعروف بشفت بمعنى يهودى فإنه تسلط على هجم البيوت ونهبها بأدنى شبهة. وفي عصرية يوم الخميس المذكور ركب حسين بك المذكور بجنوده وذهب إلى الحسينية وهجم على دار شخص يسمى أحمد سالم الجزار. ج / 1 ص -610- متولي رياسة دراويش الشيخ البيومي ونهبه حتى مصاغ النساء والفراش ورجع والناس تنظر إليه. وفي عصريتها أرسل جماعة من سراجينه بطلب الخواجا محمود ابن حسن محرم فلاطفهم وارضاهم بدراهم وركب إلى إبراهيم بك فأرسل له كتخداه وكتخدا الجاويشية فتلطفوا به وأخذوا خاطره وصرفوه عنه وعبى له الخواجا هدية بعد ذلك وقدمها إليه. وفي صبحها يوم الجمعة ثارت جماعة من اهالي الحسينية بسبب ما حصل في أمسه من حسين بك وحضروا إلى الجامع الأزهر ومعهم طبول والتف عليهم جماعة كثيرة من اوباش العامة والجعيدية وبأيديهم نبابيت ومساوق وذهبوا إلى الشيخ الدردير فوافقهم وساعدهم بالكلام وقال لهم: أنا معكم فخرجوا من نواحي الجامع وقفلوا أبوابه وطلع منهم طائفة على أعلى المنارات يصيحون ويضربون بالطبول وانتشروا بالاسواق في حالة منكرة واغلقوا الحوانيت. وقال لهم الشيخ الدردير: في غد نجمع أهالي الأطراف والحارات وبولاق ومصر القديمة وأركب معكم وننهب بيوتهم كما ينهبون بيوتنا ونموت شهداء أو ينصرنا الله عليهم فلما كان بعد المغرب حضر سليم أغا مستحفظان ومحمد كتخدا ارنؤد الجلفي كتخدا إبراهيم بك وجلسوا في الغورية ثم ذهبوا إلى الشيخ الدردير وتكلموا معه وخافوا من تضاعف الحال وقالوا للشيخ أكتب لنا قائمة بالمنهوبات ونأتي بها من محل ما تكون. واتفقوا على ذلك وقرأوا الفاتحة وانصرفوا وركب الشيخ في صبحها إلى إبراهيم بك وأرسل إلى حسين بك فأحضره بالمجلس وكلمه في ذلك فقال: في الجواب كلنا نهابون أنت تنهب ومراد بك ينهب وأنا أنهب كذلك. وانفض المجلس وبردت القضية. وفي عقبها بأيام قليلة حضر من ناحية قبلي سفينة وبها تمر وسمن. ج / 1 ص -611- وخلافه فأرسل سليمان بك الأغا وأخذ ما فيها جميعه وادعى أن له عند أولاد وافي مالا منكسرا ولم يكن ذلك لاولاد وافي وإنما هو لجماعة يتسببون فيه من مجاورى الصعايدة وغيرهم فتعصب مجاورو الصعايدة وأبطلوا دروس المدرسين وركب الشيخ الدردير والشيخ العروسي والشيخ محمد المصيلحي وآخرون وذهبوا إلى بيت إبراهيم بك وتكلموا معه بحضرة سليمان بك كلاما كثيرا مفحما. فاحتج سليمان بك بأن ذلك متاع أولاد وافي وأنا أخذته بقيمته من أصل مالي عندهم فقالوا هذا لم يكن لهم وإنما هؤلاء ربابه ناس فقراء فإن كان لك عند أولاد وافي شيء فخذه منهم فرد بعضه وذهب بعضه. وفي يوم الجمعة عاشر جمادى الأولى قدم مراد بك من ناحية الشرق ودخل في ليلتها من المنهوبات من الجمال والأغنام والأبقار والجواميس وغير ذلك كثير يجل عن الحصر. وفيه سافر أيوب بك إلى ناحية قبلي لمصالحة الأمراء الغضاب وهم مصطفى بك وأحمد بك الكلارجي وعثمان بك الشرقاوى ولاجين بك لأنهم بلغوا قصدهم من البلاد وظلم العباد. وفي منتصف جمادى الثانية حضر عثمان بك الشرقاوى من ناحية قبلي. وفيه أنعم مراد بك على بعض كشافه بفردة دراهم على بلاد المنوفية كل بلد مائة وخمسون ريالا. وفيه اجتمع الناس بطندتا لعمل مولد سيدى أحمد البدوى المعتاد المعروف بمولد الشرنبابلية وحضر كاشف الغربية والمنوفية على جارى العادة وكاشف الغربية من طرف إبراهيم بك الوالي المولى أمير الحاج فحصل منه عسف وجعل على كل جمل يباع في سوق المولد نصف ريال فرانسة فاغار اعوان الكاشف على بعض الأشراف وأخذوا جمالهم. ج / 1 ص -612- وكان ذلك في آخر أيام المولد فذهبوا إلى الشيخ الدردير وكان هناك بقصد الزيارة وشكوا إليه ما حل بهم فأمر الشيخ بعض اتباعه بالذهاب إليه فامتنع الجماعة من مخاطبة ذلك الكاشف فركب الشيخ بنفسه وتبعه جماعة كثيرة من العامة. فلما وصل إلى خيمة كتخدا الكاشف دعاه فحضر إليه والشيخ راكب على بغلته فكلمه ووبخه وقال له: أنتم ما تخافون من الله. ففي أثناء كلام الشيخ لكتخدا الكاشف هجم على الكتخدا رجل من عامة الناس وضربه بنبوت فلما عاين خدامه ضرب سيدهم هجموا على العامة بنبابيتهم وعصيهم وقبضوا على السيد أحمد الصافي تابع الشيخ وضربوه عدة نبابيت. وهاجت الناس على بعضهم ووقع النهب في الخيم وفي البلد ونهبت عدة دكاكين وأسرع الشيخ في الرجوع إلى محله وراق الحال بعد ذلك وركب كاشف المنوفية وهو من جماعة إبراهيم بك الكبير وحضر إلى كاشف الغربية وأخذه وحضر به إلى الشيخ وأخذوا بخاطره وصالحوه ونادوا بالأمان. وانفض المولد ورجع الناس إلى أوطانهم وكذلك الشيخ الدردير فلما استقر بمنزله حضر إليه إبراهيم بك الوالي وأخذ بخاطره أيضا وكذلك براهيم بك الكبير وكتخدا الجاويشية. وفي سابع عشرة ركب حسين بك الشفت وقت القائلة وحضر إلى بيت صغير بسوق الماطيين وصحبته امرأة فصعد إليه ونقب في حائط وأخرج منه برمة مملوءة ذهبا فأخذها وذهب وخبر ذلك أن هذا البيت كان لرجل زيات في السنين الخالية فاجتمع لديه هذه الدنانير فوضعها في برمة من الفخار وافرج لها نقبا في كتف الحائط ووضعها فيه وبنى عليها وسواها بالجبس. وكانت هذه المرأة ابنة صغيرة تنظر إليه ومات ذلك الرجل وبيعت الدار بعد مدة ووقفها الذى اشتراها وتداولت الاعوام وآل البيت إلى وقف المشهد الحسيني وسكنه الناس بالاجرة ومضى. ج / 1 ص -613- على ذلك نحو الأربعين عاما وتلك المرأة تتخيل ذلك في ذهنها وتكتمه ولا يمكنها الوصول إلى ذلك المكان بنفسها وقلت ذات يدها واحتاجت فذهبت إلى حريم حسين بك المذكور وعرفتهن القضية واخبر الأمير بذلك فقال: لعل بعض الساكنين أخذها فقالت لا يعرفها أحد غيرى. فأرسل إلى ساكن الدار واحضره وقال له: أخل دارك في غد وانتظرني ولا تفزع من شيء ففعل الرجل وحضر الصنجق وصحبته المرأة فارته الموضع فنقبوه وأخرجوا منه تلك البرمة وأعطي صاحب المكان احسانا وركب وصاحب المكان يتعجب وركب أيضا قبل ذلك وذهب إلى بيت رجل يقال له: الشيخ عبد الباقي أبو قليطة ليلا وأخذ منه صندوقا مودعا عنده امانة لنصر ابن شديد البدوى شيخ عرب الحويطات يقال أن فيه شيئا كثيرا من الذهب العين وغيره وهجم أيضا على بيت بالقرب من المشهد الحسيني في وقت القائلة وكان ذلك البيت مقفولا وصاحبه غائب فخلع الباب وطلع إليه وأخذه منه عشرة أكياس مملوءة ذهبا وخرج وأغلق الباب كما كان وركب هو ومماليكه والاكياس في أحضانهم على قرابيس سروج الخيل وهو بجملتهم يحمل كيسا إمامه والناس تنظرهم. وفي هذا الشهر ثقب الشطار حاصلا في وكالة المسايرة التي بباب الشعرية وكان بظاهر الحاصل المذكور قهوة متخربة فتسلق إليها بعض الحرامية ونقبوا الحاصل وأخذوا منه صندوقا في داخله اثنا عشر ألف بندقي عنها ثلاثون ألف ريال في ذلك الوقت وفيه من غير جنس البندقي أيضا ذهب ودراهم وثياب حرير وطرح النساء المحلاوى التي يقال لها الحبر. وبعد أيام قبضوا على رجلين أحدهما فطاطرى والآخر مخللاتي بتعريف الخفراء بعد حبسهم ومعاقبتهم فأخذوا منهما شيئا واستمرا محبوسين. وفي عشرينه حضر أيوب بك ولاجين بك وأحمد بك من ناحية قبلي. ج / 1 ص -614- ودخلوا بيوتهم بالمنهوبات والمواشي وتأخر مصطفى بك. وفي يوم الثلاثاء سابع عشرينه هبت رياح عاصفة جنوبية نسفت رمالا واتربة مع غيم مطبق وأظلم منها الجو واستمرت من الظهر إلى الغروب. وفي يوم الخميس تاسع عشرينه حضر مصطفى بك أيضا. وفي غرة شهر رجب عزم مراد بك على التوجه إلى سد خليج منوف المعروف بالفرعونية وكان منذ سنين لم يحبس واندفع إليه الشرقي حتى تهور وشرق بسببه بحر دمياط وتعطلت مزارع الأرز. وفيه وصلت الأخبار من ثغر الأسكندرية بانه ورد إليها مركب البيليك وذلك على خلاف العادة وذلك أن مراكب البيليكات لا تخرج إلا بعد روز خضر ثم حضره عقيبة أيضا قليون آخر وفيه أحمد باشا والي جدة ثم تعقبهما آخر وفيه غلال كثيرة نقلوها إلى الثغر وشرعوا في عملها بقسهاطا فكثر اللغط بمصر بسبب ذلك. وفي عاشره ورد ططرى من البر وقابجي من البحر ومعهما مكاتبات قرئت بالديوان يوم الخميس ثاني عشرة مضمونها طلب الخزائن المنكسرة وتشهيل مرتبات الحرمين من الغلال والصرر في السنين الماضية واللوم على عدم زيارة المدينة. وفيه الحث والوعد والوعيد والأمر بصرف العلوفات وغلال الانبار. وفيه المهلة ثلاثون يوما. فكثر لغط الناس والقال والقيل واشيع ورود مراكب أخر إلى ثغر سكندرية وإن حسن باشا القبطان وأصل أيضا في أثر ذلك وصحبته عساكر محاربون. وفيه حضر معلم ديوان الأسكندرية قيل: إنه هرب ليلا ثم أن إبراهيم بك أرسل يستحث مراد بك في الحضور من سد الفرعونية ثم بعث إليه علي أغا كتخدا جاووجان والمعلم إبراهيم الجوهرى وسليمان اغا الحنفي وحسن كتخدا الجربان وحسن افندي شقبون كاتب الحوالة سابقا وأفندى الديوان حالا فأحضروه إلى مصر في يوم الثلاثاء ولم يتم سد الترعة. ج / 1 ص -615- بعد أن غرق فيها عدة مراكب ومراسي حديد وأخشاب أخذوها من أربابها من غير ثمن وفرد على البلاد الأموال وقبض أكثرها وذهب ذلك جميعه من غير فائدة. ثم أن الأمراء عملوا جمعيات وديوانا ببيت إبراهيم بك وتشاوروا في تنجيز الأوامر. وفي أثناء ذلك تشحطت الغلال وارتفع القمح من السواحل والعرصات وغلا سعره وقل وجوده حتى امتنع بيع الخبز من الأسواق واغلقت الطواجين. فنزل سليم اغا وهجم المخازن واخرج الغلال وضرب القماحين والمتسببين ومنعهم من زيادة الأسعار فظهر القمح والخبز بالاسواق وراق الحال وسكنت الاقاويل. وفي هذا الشهر أعني شهر رجب حصلت عدة حريقات منها حريقتان في ليلة واحدة. احداهما بالازبكية واخرى بخطتنا بالصنادقية. وظهرت النار من دكان رجل صناديقي وهي مشحونة بالاخشاب والصناديق المدهونة عند خان الجلاية فرعت النار في الاخشاب ووجت في ساعة واحدة وتعلقت بشبابيك الدور وذلك بعد حصة من الليل وهاج الناس والسكان وأسرعوا بالهدم وصب المياه وأحضر الوالي القصارين حتى طفئت. وفيه أيضا من الحوادث المستهجنة أن امرأة تعلقت برجل من المجاذيب يقال له: الشيخ علي البكرى مشهور ومعتقد عند العوام وهو رجل طويل حليق اللحية يمشي عريانا واحيانا يلبس قميصا وطاقية. ويمشي حافيا فصارت هذه المرأة تمشي خلفه أينما توجه وهي بازارها وتخلط في ألفاظها وتدخل معه إلى البيوت وتطلع الحريمات واعتقدها النساء وهادوها بالدراهم والملابس وأشاعوا أن الشيخ لحظها وجذبها وصارت من الأولياء ثم ارتقت في درجات الجذب وثقلت عليها الشربة فكشفت وجهها ولبست ملابس كالرجال ولازمته أينما توجه ويتبعهما الأطفال والصغار وهوام العوام ومنهم من اقتدى بهما أيضا ونزع ثيابه وتخجل في مشيه وقالوا أنه اعترض على الشيخ والمرأة فجذبه الشيخ أيضا. ج / 1 ص -616- وأن الشيخ لمسه فصار من الأولياء. وزاد الحال وكثر خلفهم أوباش الناس والصغار وصاروا يخطفون اشياء من الأسواق ويصير لهم في مرورهم ضجة عظيمة وإذا جلس الشيخ في مكان وقف الجميع وازدحم الناس للفرجة عليه وتصعد المرأة على دكان أو علوة وتتكلم بفاحش القول ساعة بالعربي ومرة بالتركي والناس تنصت لها ويقبلون يدها ويتبركون بها وبعضهم يضحك ومنهم من يقول الله الله وبعضهم يقول دستور يا أسيادى وبعضهم يقول لا تعترض بشيء. فمر الشيخ في بعض الأوقات على مثل هذه الصورة والضجة ودخلوا من باب بيت القاضي الذى من ناحية بين القصرين وبتلك العكفة سكن بعض الاجناد يقال له: جعفر كاشف فقبض على الشيخ وادخله إلى داره ومعه المرأة وباقي المجاذيب فأجلسه وأحضر له شيئا يأكله وطرد الناس عنه وأدخل المرأة والمجاذيب إلى الحبس وأطلق الشيخ لحال سبيله وأخرج المرأة والمجاذيب فضربهم وعزرهم ثم أرسل المرأة إلى المارستان وربطها عند المجانين وأطلق باقي المجاذيب بعد أن استغاثوا وتابوا ولبسوا ثيابهم وطارت الشربة من رؤوسهم وأصبح الناس يتحدثون بقصتهم. واستمرت المرأة محبوسة بالمارستان حتى حدثت الحوادث فخرجت وصارت شيخة على انفرادها ويعتقدها الناس والنساء وجمعت عليها الجمعيات وموالد واشباه ذلك. وفيه ورد الخبر من الديار الشامية بحصول طاعون عظيم في بلادهم حصل عندهم أيضا قحط وغلاء في الأسعار. وفي يوم الثلاثاء ثاني شهر شعبان ركب سليم أغا في عصريته إلى جامع السلطان حسن بن قلاون الذى بسوق السلاح وأحضر معه فعلة وفتح باب المسجد المسدود وهو الباب الكبير الذى من ناحية سوق السلاح فهدموا الدكاكين التي حدثت أسفله والبناء الذى بصدر الباب وكان. ج / 1 ص -617- مدة سده في هذه المرة أحدى وخمسين سنة وكان سببها المقتلة التي قتل فيها الأحد عشر اميرا ببيت محمد بك الدفتردار في سنة تسع وأربعين وتقدم ذكرها في أول التاريخ. وسبب فتحه أن بعض أهل الخطة تذاكر مع الأغا في شأنه واعلمه بحصول المشقة على الناس المصلين في الدخول إليه من باب الرميلة وربما فاتهم حضور الجماعة في مسافة الذهاب وإن الأسباب التي سد الباب من أجلها قد زالت وانقضت ونسيت فاستأذن سليم أغا إبراهيم بك ومراد بك في فتحه فأذنا له ففتحه وصنع له بابا جديدا عظيما وبنى له سلالم ومصاطب واحضر نظاره وأمرهم بالصرف عليه ويأتي هو في كل يوم يباشر العمل بنفسه وعمروا ما تشعث منه ونظفوا حيطانه ورخامه وظهر بعد الخفاء وازدحم الناس للصلاة فيه وأتوا إليه من الاماكن البعيدة. وفي يوم الجمعة خامسة توفي مصطفى بك المرادى المجنون. وفي عشرين شعبان كثر الارجاف بمجيء مراكب الأسكندرية وعساكر وغير ذلك. وفي يوم السبت خامس رمضان حضر واحد أغا من الديار الرومية وعلى يده مكاتبة بالحث على المطلوبات المتقدم ذكرها فطلع الأمراء إلى القلعة ليلا واجتمعوا بالباشا وتكلموا مع بعضهم كلاما كثيرا وقال: مراد بك للباشا ليس لكم عندنا إلا حساب أمهلونا إلى بعد رمضان وحاسبنا على جميع ما هو في طرفنا نورده وأرسل إلى من وصل الأسكندرية يرجعون إلى حيث كانوا وإلا فلا نشهل حجا ولا صرة ولا ندفع شيئا. وهذا آخر الكلام كل ذلك وإبراهيم بك يلاطف كلا منهما ثم اتفقوا على كتابة عرضحال من الوجاقلية والمشايخ ويذكر فيه أنهم أقلعوا وتابوا ورجعوا عن المخالفة والظلم والطريق التي ارتكبوها وعليهم القيام باللوازم وقرروا على أنفسهم مصلحة يقومون بدفعها لقبطان باشا والوزير. ج / 1 ص -618- وباشة جدة وقدرها ثلثمائة وخمسون كيسا وقاموا على ذلك ونزلوا إلى بيوتهم. وفي ليلة الإثنين جمع إبراهيم بك المشايخ وأخبرهم بذلك الاتفاق وشرعوا في كتابة العرضحالات أحدها للدولة وآخر لقبطان باشا بالمهلة حتى يأتي الجواب وآخر لباشة جدة الذى في الأسكندرية. وفي صبحها وردت مكاتبة من أحمد باشا الجزار يخبر فيها بالحركة والتحذير واخبار بورود مراكب أخرى باسكندرية ومراكب وصلت إلى دمياط فزار اللغط والقال والقيل. وفيه ركب سليم أغا مستحفظان ونادى في الأسواق على الأروام والقليونجية والاتراك بانهم يسافرون إلى بلادهم ومن وجد منهم بعد ثلاثة أيام قتل. وفيه اتفق رأى إبراهيم بك ومراد بك أنهم يرسلون لاجين بك ومصطفى بك السلحدار إلى رشيد لاجل المحافظة والاتفاق مع عرب الهنادى ويطلبون أحمد باشا والي جدة ليأتي إلى مصر ويذهب إلى منصبه. فسافر وافي ليلة الخميس عاشر رمضان. وفي تلك الليلة ركب إبراهيم بك بعد الافطار وذهب إلى مراد بك وجلس معه ساعة ثم ركبا جميعا وطلعا إلى القلعة وطلع أيضا المشايخ باستدعاء من الأمراء وهم الشيخ البكرى والشيخ السادات والشيخ العروسي والشيخ الدردير والشيخ الحريرى وقابلوا الباشا وعرضوا عليه العرضحالات. وكان المنشي لبعضها الشيخ مصطفى الصاوى وغيره فأعجبهم انشاء الشيخ مصطفى وامروا بتغيير ما كان من انشاء غيره. وانخضع مراد بك في تلك الليلة للباشا جدا وقبل أتكه وركبتيه ويقول له: يا سلطانم نحن في عرضك في تسكين هذا الأمر ودفعه عنا ونقوم بما علينا ونرتب الأمور وننظم الأحوال على القوانين القديمة. فقال الباشا: ومن يضمنكم ويتكفل. ج / 1 ص -619- بكم قال: أنا الضامن لذلك ثم ضماني على المشايخ والاختيارية. وفي ليلة الأحد ثالث عشرة وصلت الأخبار بوصول حسن باشا القبطان إلى ثغر الأسكندرية وكان وصوله يوم الخميس عاشره قبل العصر وصحبته عدة مراكب فزاد الاضطراب وكثر اللغط. فتمموا أمر العرضحالات وأرسلوها صحبة سلحدار الباشا والططرى وواحد أغا ودفعوا لكل فرد منهم ألف ريال وسافروا من يومهم. وفيه وردت الأخبار بان مشايخ عرب الهنادى والبحيرة ذهبوا إلى الأسكندرية وقابلوا أحمد باشا الجداوى فألبسهم خلعا وأعطاهم دراهم وكذلك أهل دمنهور. وفيه حضر صدقات من مولاى محمد صاحب المغرب ففرقت على فقراء الأزهر وخدمة الاضرحة والمشايخ المفتين والشيخ البكرى والشيخ السادات والعمريين على يد الباشا بموجب قائمة ومكاتبة. وفي يوم الثلاثاء حضر مصطفى جربجي باش سراجين مراد بك سابقا وسردار ثغر رشيد حالا وكان السبب في حضوره أنه حضرت إلى رشيد أحد القباطين وصحبته عدة وافرة من العسكر فطلع إلى بيت السردار المذكور وأعطاه مكاتبة من حسن باشا خطابا للامراء بمصر وأمره بالتوجه بها فحضر بتلك المكاتبة مضمونها التطمين ببعض ألفاظ. وفيه اتفق رأى الأمراء على ارسال جماعة من العلماء والوجاقلية إلى حسن باشا فتعين لذلك الشيخ أحمد العروسي والشيخ محمد الأمير والشيخ محمد الحريري ومن الوجاقلية إسمعيل افندى الخلوتي وإبراهيم أغا الورداني وذهب صحبتهم أيضا سليمان بك الشابورى وأرسلوا صحبتهم مائة فرد بن ومائة قنطار سكر وعشر بقج ثياب هندية وتفاصيل وعودا وعنبرا وغير ذلك فسافروا في يوم الجمعة ثامن عشر رمضان على أنهم يجتمعون به ويكلمونه ويسألونه عن مراده ومقصده ويذكرون. ج / 1 ص -620- له امتثالهم وطاعتهم وعدم مخالفتهم ورجوعهم عما سلف من افاعيلهم ويذكرونه حال الرعية وما توجبه الفتن من الضرر والتلف. وفي يوم السبت حضر تفكجي باشا من طرف حسن باشا وذهب إلى إبراهيم بك وأفطر معه وخلع عليه خلعة سمور وأعطاه مكاتبات وكان صحبته محمد أفندى حافظ من طرف إبراهيم بك أرسله الأمراء قبل بأيام عندما بلغهم خبر القادمين ليستوعب الأحوال ثم أن ذلك التفكجي جلس مع إبراهيم بك حصة من الليل وذهب إلى محله وحضر علي أغا كتخدا الجاويشية فركب مع إبراهيم بك وطلعا إلى الباشا في سادس ساعة من الليل ثم نزلا وسافر التفكجي في صبحها وصحبته الحافظ. وكان فيما جاء به ذلك التفكجي طلب إبراهيم بك أمير الحاج فلم يرض بالذهاب وكان لاجين بك ومصطفى بك لما سافرا للمحافظة بعد التوبة بيومين فعلوا أفاعيلهم بالبلاد وطلبوا الكلف وحرقوا وردان فضجت أهالي البلاد وذهبوا إلى عرضي حسن باشا وشكوا ما نزل بهم فأخذ بخواطرهم وكتب لهم فرمانا برفع الخراج عنهم سنتين وأرسل مع ذلك التفكجي العتاب واللوم في شأن ذلك. وفي تلك الليلة ذهب سليم أغا إلى ناحية باب الشعرية وقبض على الحافظ اسحق وأخذه على صورة أرباب الجرائم من أسافل الناس وذهب به إلى بولاق فلحقه مصطفى بك الأسكندراني ورده. وفي يوم الإثنين وصلت الأخبار بورود حسن باشا إلى ثغر رشيد يوم الأربعاء سادس عشرة وانه كتب عدة فرمانات بالعربي وأرسلها إلى مشايخ البلاد وأكابر العربان والمقادم وحق طريق المعينين بالفرمانات ثلاثون نصفا فضة لا غير وذلك من نوع الخداع والتحيل وجذب القلوب ومثل قولهم أنهم يقرروا مال الفدان سبعة أنصاف ونصف نصف حتى كادت الناس تطير من الفرح وخصوصا الفلاحين لما سمعوا ذلك. وأنه. ج / 1 ص -621- يرفع الظلم ويمشي على قانون دفتر السلطان سليمان وغير ذلك. وكان الناس يجهلون أحكامهم فمالت جميع القلوب إليهم وانحرفت عن الأمراء المصرية وتمنوا سرعة زوالهم. وصورة ذلك الفرمان وهو الذي أرسل إلى أولاد حبيب من جملة ما أرسل صدر هذا الفرمان الشريف الواجب القبول والتشريف من ديوان حضرة الوزير المعظم والدستور المكرم عالي الهمم وناصر المظلوم على من ظلم مولانا العزيز غازى حسن باشا ساري عسكر السفر البحري المنصور حالا ودونانمة همايون أيدت سيادته السنية وزادت رتبته العلية إلى مشايخ العرب أولاد حبيب بناحية دجوة وفقهم الله تعالى نعرفكم أنه بلغ حضرة مولانا السلطان نصره الله ما هو واقع بالقطر المصرى من الجور والظلم للفقراء وكافة الناس وإن سبب هذا خائنون الدين إبراهيم بك ومراد بك واتباعها فتعينا بخط شريف من حضرة مولانا السلطان أيده الله بعساكر منصورة بحرا لدفع الظلم ولايقاع الانتقام من المذكورين وتعين عليهم عساكر منصورة برا يسارى عسكر عليهم من حضرة مولانا السلطان نصره الله وقد وصلنا إلى ثغر اسكندرية ثم إلى رشيد في سادس عشر رمضان فحررنا لكم هذا الفرمان لتحضروا تقابلونا وترجعوا إلى أوطانكم مجبورين مسرورين أن شاء الله تعالى فحين وصوله اليكم تعملوا به وتعتمدوه والحذر ثم الحذر من المخالفة وقد عرفناكم. ثم أن الأمراء زاد قلقهم واجتمعوا في ليلتها ببيت إبراهيم بك وعملوا بينهم مشورة في هذا الأمر الذى دهمهم وتحققوا اتساع الخرق والنيل أخذ في الزيادة فعند ذلك تجاهروا بالمخالفة وعزموا على المحاربة واتفق الرأى على تشهيل تجريدة وأميرها مراد بك فيذهبون إلى جهة فوة ويمنعون الطريق ويرسلون إلى حسن باشا مكاتبات بتحرير الحساب والقيام بغلاق المطلوب ويرجع من حيث أتى. فان امتثل وإلا حاربناه وهذا آخر الكلام. ثم جمعوا المراكب وعبوا ج / 1 ص -622- الذخيرة والبقسماط وذلك كله في يوم الثلاثاء والاربعاء ونقلوا عزالهم ومتاعهم من البيوت الكبار إلى اماكن لهم صغار جهة المشهد الحسيني والشنواني والأزهر وعطلوا القناديل والتعاليق المعدة لمهرجان رمضان وزاد الارجاف وكثر اللغط ولاحت عليهم لوائح الخذلان ورخص أسعار الغلال بسبب بيعهم الغلال المخزونة عندهم. وفي يوم الخميس رابع عشرينه خرج مراد بك والأمراء المسافرون معه إلى ناحية بولاق وبرزوا خيامهم وعدوا في ليلتها إلى برانبابة ونصبوا وطاقهم هناك. وتعين للسفر صحبة مراد بك مصطفى بك الداوودية الذى عرف بالاسكندراني ومحمد بك الالفي وحسين بك الشفت ويحيى بك وسليمان بك الأغا وعثمان بك الشرقاوى وعثمان بك الأشقر وركب إبراهيم بك بعد المغرب وذهب إليهم وأخذ بخاطرهم ورجع فأقاموا في برانبابة يوم الجمعة حتى تكامل خروج العسكر وأخذ مراد بك ما احتاجه من ملائل الحج جمالا وبقسماطا وغيره حتى الذى قبض من مال الصرة وأرسلوا في ليلتها على أغا كتخدا الجاويشية وسليمان أغا الحنفي إلى الباشا وطلبوا منه الدراهم التي كانوا استخلصوها من مصطفى بك أمير الحاج وأودهوها عند الباشا فدفعها لهم بتمامها. وفي يوم السبت سادس عشرينه سافر مراد بك من برانبابة وأصحب ليكون سفيرا بينه وبين قبطان باشا. وفي ليلة الإثنين ثامن عشرينه مسافر مصطفى بك الكبير أيضا ولحق بمراد بك. وفي ليلة الثلاثاء حضر المشايخ ومن معهم من ثغر رشيد فوصلوا إلى بولاق بعد العشاء وباتوا هناك وذهبوا إلى بيوتهم في الصباح. فأخبروا أنهم اجتمعوا على حسن باشا ثلاث مرات الأولى للسلام فقابلهم بالاجلال والتعظيم وأمر لهم بمكان نزلوا فيه ورتب لهم ما يكفيهم من. ج / 1 ص -623- الطعام المهيأ في الافطار والسحور ودعاهم في ثاني يوم وكلمهم كلمات قليلة وقال له الشيخ العروسي: يا مولانا رعية مصر قوم ضعاف وبيوت الأمراء مختلطة ببيوت الناس. فقال: لا تخشوا من شيء فإن أول ما أوصاني مولانا السلطان أوصاني بالرعية وقال: أن الرعية وداعة الله عندى وأنا استودعتك ما أودعنيه الله تعالى. فدعوا له بخير ثم قال: كيف ترضون أن يملككم مملوكان كافران وترضونهم حكاما عليكم يسومونكم العذاب والظلم لم إذا لم تجتمعوا عليهم وتخرجوهم من بينكم. فأجابه إسمعيل أفندى الخلوتي بقوله يا سلطانم هؤلاء عصبة شديد والباس ويد واحدة. فغضب من قوله ونهره وقال: تخوفني ببأسهم فاستدرك وقال: إنما أعني بذلك انفسنا لأنهم بظلم أضعفوا الناس. ثم أمرهم بالانصراف. واجتمعوا عليه مرة ثالثة بعد صلاة الجمعة فأستأذنوه في السفر ثم تركهم يومين وكتب لهم مكاتبات وسلمها ليد سليمان بك الشابورى وأمرهم بالانصراف فودعوه وساروا وأخفيت تلك المكاتبات. وفي غاية رمضان أرسل الباشا عدة أوراق إلى افراد المشايخ وذكر انها وردت من صدر الدولة وأما العرضحالات التي أرسلوها صحبة السلحدار والططرى فانهما لما وصلا إلى اسكندرية واطلع عليها حسن باشا حجزها ومنع المراسلة إلى اسلامبول وقال: أنا دستور مكرم والأمر مفوض الي في أمر مصر. وسأل السلحدار عن الأوراق التي من صدر الدولة هل أرسلها الباشا إلى أربابها فأخبره أنه خاف من اظارها فاشتد غضبه على الباشا وسبه بقوله خائن منافق. فلما رجع السلحدار في تاريخه واخبر الباشا فعند ذلك أرسلها كما تقدم. وفي ثاني شوال اشيع مراد بك ملك مدينة فوة وهرب من بها من العسكر ووقع بينهم مقتلة عظيمة وانه أخذ المراكب التي وجدها على ساحلها ثم ظهر صحة ذلك. ج / 1 ص -624- وفي يوم السبت نزلت الكسوة من القلعة على العادة إلى المشهد الحسيني وركب إبراهيم بك الكبير وإبراهيم بك أمير الحاج إلى قراميدان ونزل الباشا كذلك وأكد على أمير الحاج في التشهيل فأعتذر إليه بتعطيل الأسباب فوعده بالمساعدة. وفي يوم الأحد اشاعوا اشاعة مثل الأولى مصطنعة واظهروا البشر والسرور وركب إبراهيم بك في ذلك اليوم وذهب إلى الشيخ البكرى وعيد عليه ثم إلى الشيخ العروسي والشيخ الدردير وصار يحكي لهم. وتصاغر في نفسه جدا وأوصاهم على المحافظة وكف الرعية عن أمر يحدثوه أو قومة أو حركة في مثل هذا الوقت فإنه كأنه يخاف ذلك جدا وخصوصا لما اشيع أمر الفرمانات التي أرسلها الباشا للمشايخ وتسامع بها الناس وفي وقت ركوب إبراهيم بك من بيت الشيخ البكرى حصلت زعجة عظيمة ببركة الأزبكية وسببها أن مملوكا أسود ضرب رجلا من زراع الملقاتى فجرحه فوقع الصياح من رفقائه واجتمع عليهم خلق كثير من الأوباش وزاد الحال حتى امتلأت البركة من المخلوقات وكل منهم يسأل عن الخبر من الآخر ويختلقون أنواعا من الأكاذيب. فلما رجع إبراهيم بك إلى داره أرسل من طرد الناس وفحصوا عن أصل القضية وفتشوا على الضارب فلم يجدوه فأخذوا المضروب فطيبوا خاطره واعطوه دراهم. وفيه أرسل مراد بك بطلب ذخيرة وبقسماط وركب أيوب بك الصغير وذهب إلى مصر العتيقة وعثمان بك الطنيرجي إلى بولاق ونزلوا جملة مدافع ومنها الغضبان وابو مايلة وكان أيوب هذا متمرضا مدة شهور ومنقطعا في الحريم فغرق وشفي في ساعة واحدة. وفي يوم الإثنين كان مولد السيد أحمد البدوى ببولاق وكراء مشايخ الأشاير المراكب ليسافروا فيها فأخذوها بأجمعها لاجل الذخيرة والمدافع. ج / 1 ص -625- ووسقوها وأرسلوا منها جملة. وفي ليلة الثلاثاء حضرت مراكب من مراكب الغائبين وفيها مماليك ومجاريح واجناد واخبروا بكسرة مراد بك ومن معه وأصبح الخبر شائعا في المدينة وثبت ذلك ورجعت المراكب بما فيها واخبروا عما وقع وهو أنه لما وصل مراد بك إلى الرحمانية عدى سليمان بك الأغا وعثمان بك الشرقاوى والالفي إلى البر الشرقي فحصل بينهم اختلاف وغضب بعضهم ورجع القهقرى فكان ذلك أول الفشل. ثم تقدموا إلى محلة العلويين فأخلوا منها الأورام فدخلوا إليها وملكوها وأرسلوا إلى مراد بك يطلبون منه الامداد فأمر بعض الأمراء بالتعدية إليهم فامتنعوا وقالوا نحن لا نفارقك ونموت تحت اقدامك فحنق منهم وأرسل عوضهم جماعة من العرب ثم ركبوا وقصدوا أن يتقدموا إلى فوة فوجدوا إمامهم طائفة من العسكر ناصبين متاريس فلم يمكنهم التقدم لوعر الطريق وضيق الجسر وكثرة القنى ومزارع الارز فتراموا بالبنادق فرمح سليمان بك فعثر بقناة وسقط فحصلت فيهم ضجة وظنوها كسرة فرجعوا القهقرى ودخل الرعب في قلوبهم ورجعت عليهم العرب ينهبونهم. فعدوا إلى البر الآخر وكان مراد بك مستقرا في مكان توصل إليه من طريق ضيقة لاتسع إلا الفارس بمفرده فاشاروا عليه بالانتقال من ذلك المكان وداخلهم الخوف وتخيلوا تخيلات. وما زالوا في نقض وابرام إلى الليل ثم أمر بالاتحال فحملوا حملاتهم ورجعوا القهقرى وما زالوا في سيرهم وأشيع فيهم الانهزام وتطايرت الأخبار بالكسرة وتيقن الناس أن هذا أمر الهي ليس بفعل فاعل. وفي ذلك اليوم حصلت كرشة من ناحية الصاغة وسببها عبد مملوك أراد الركوب على حمار بعض المكارية فازدحموا عليه الحمارة ورمحوا خلفه فصارت كرشة ورمحت الصغار فاغلقوا الدكاكين بالاشرفية. ج / 1 ص -626- والغورية والعقادين وغير ذلك ثم تبين أن لا شيء ففتح الناس الدكاكين. وفي ذلك اليوم حضر أناس من المماليك مجاريح وزاد الارجاف فنزل الباشا وقت الغروب إلى باب العزب واراد إبراهيم بك أن يملك أبواب القلعة فلم يتمكن من ذلك. وأرسل الباشا فطلب القاضي والمشايخ فطلع البعض وتأخر البعض إلى الصباح وبات السيد عند الباشا ذكرها بعد ذلك الباشا لحسن باشا وشكره عليها واحبه وذهب للسلام عليه عند قدومه دون غيره من بقية المشايخ فلما أصبح نهار الأربعاء طلعوا بأجمعهم وكذلك جماعة الوجاقلية ونصب الباشا البيرق على باب العزب ونزل جاويش مستحفظان وجاويش العزب وإمامهم القابجية والمناداة على الالضاشات وغيرهم وكل من كان طائعا لله وللسلطان يأتي تحت البيرق فطلع عليه جميع الالضاشات والتجار وأهل خان الخليلي وعامة الناس وظهرت الناس المخفيون والمستضعفون والذين أنحلهم الدهر والذى لم يجد ثياب زيه استعار ثيابا وسلاحا حتى امتلأت الرميلة وقراميدان من الخلائق وأرسل محمد باشا يستحث حسن باشا في سرعة القدوم ويخبره بما حصل وكان قصد حسن باشا التأخر حتى يسافر الحاج وتأتي العساكر البرية فاقتضى الحال ولزم الأمر في عدم التأخر. وأما إبراهيم بك فإنه اشتغل في نقل عزاله ومتاعه بطول الليل في بيوته الصغار فلم يترك إلا فرش مجلسه الذى هو جالس فيه ثم أنه جلس ساعة وركب إلى قصر العيني وجلس به. وأما إبراهيم بك أمير الحج فإنه طلع إلى باب العزب وطلب الأمان فأرسل له الباشا فرمانا بالامان واذن له في الدخول وكذلك حضر أيوب بك الكبير وأيوب بك الصغير وكتخدا الجاويشية وسليمان بك الشابورى وعبد الرحمن بك وعثمان وأحمد جاويش المجنون ومحمد كتخدا أزنور ومحمد كتخدا اباظة وجماعة كثيرة من الغز والاجناد وكذلك رضوان بك بلغيا فكان كل من حضر لطلب الأمان فإن كان من الأمراء الكبار فإنه يقف عند الباب ويطرقه ويطلب الأمان ويستمر ج / 1 ص -627- واقفا حتى يأتيه فرمان الأمان ويؤذن له في الدخول من غير سلاح وإن كان من الأصاغر فإنه يستمر بالرميلة أو قراميدان أو يجلس على المساطب. فلما تكامل حضور الجميع أبرز الباشا خطا شريفا وقرأه عليهم وفيه المأمورات المتقدم ذكرها وطلب إبراهيم بك ومراد بك فقط وتأمين كل من يطلب الامان. واستمر أمير الحج على منصبه ثم أنه خلع على حسن كاشف تابع حسن بك قصبة رضوان وقلده أغاة مستحفظان وخلع على محمد كتخدا أزثور وقلده الزعامة وقلد محمد كتخدا اباظة أمين احتساب ونزلوا إلى المدينة ونادوا بالامان والبيع والشراء وكذلك نزل الأمراء إلى دورهم ما عدا إبراهيم بك أمير الحاج فإن الباشا عوقه عنده ذلك اليوم. وكذلك اذنوا للناس بالتوجه إلى اماكنهم بشرط الأستعداد والإجابة وقت الطلب ولم يتأخر إلا المحافظون على الأبواب. واما مراد بك فإنه حضر إلى برانبابة واستمر هناك ذلك اليوم ثم ذهب في الليل إلى جزيرة الذهب وركب إبراهيم بك ليلا وذهب إلى الآثار. وفي عصر ذلك اليوم نزل الأغا ونبه على الناس بالطلوع إلى الأبواب. وفيه حضر سليمان بك الأغا وطلب الأمان فأعطوه فرمان الأمان وذهب إلى بيته وأصبح يوم الخميس فنزلت القابجية ونبهت على الناس بالطلوع فطلعوا واجتمعت الخلائق زيادة على اليوم الأول وحضر أهالي بولاق ونزل الأغا فنادى بالامن والأمان. وفي ذلك اليوم قبل العصر ركب عثمان خازندار مراد بك سابقا وذهب إلى سيده وكان من جملة من أخذ فرمانا بالامان فلما نزل إلى داره أخذ ما يحتاجه وذهب فلما بلغ الباشا هروبه اغتاظ من فعله. ثم أن الباشا تخيل من إبراهيم بك أمير الحاج فأمره بالنزول إلى بيته فنزل إلى جامع السلطان حسن وجلس به فأرسل له الباشا بالذهاب إلى منزله. ج / 1 ص -628- فذهب. وفي صباح ثاني يوم ركب سليمان بك وأيوب بك الكبير والصغير وخرجوا إلى مضرب النشاب وركب إبراهيم بك أمير الحاج وذهب إلى بولاق واحب أن يأخذ الجمال من المناخ فمنعه عسكر المغاربة ثم ذهب عند رفقائه بمضرب النشاب فلما بلغ الباشا ذلك أرسل لهم فرمانا بالعودة فطردوا الرسول ومزقوا الفرمان وأقاموا بالمصاطب حتى اجتمعت عليهم طوائفهم وركبوا ولحقوا بأخوانهم فلما حصل ذلك اضطربت البلد وتوهموا صعودهم على الجبل بالمدافع ويضربوا على القلعة وغير ذلك من التوهمات وركب قائد أغا بعد صلاة الجمعة وعلي أغا خازندار مراد بك سابقا وصحبتهم جملة من المماليك والعسكر وهم بالطرابيش وبيدهم مكاحل البندق والقرابينات وفتائلها موقودة فوصلوا إلى الرميلة فضربوا عليهم مدفعين فرجعوا إلى ناحية الصليبة ونزلوا إلى باب زويلة ومروا على الغورية والاشرفية وبين القصرين وطلعوا من باب النصر وإمامهم المناداة أمان واطمئنان حكم ما رسم إبراهيم بك ومراد بك وحكم الباشا بطال فلما سمع الناس ذلك ورأوه على تلك الصورة انزعجوا واغلقوا الدكاكين المفتوحة وهاجت الناس وحاصوا حيصة عظيمة وكثر فيهم للغط. ولما بلغ الباشا هروب المذكورين حصن القلعة والمحمودية والسلطان حسن وأرسل الأغا فنادى على الالضاشات بالطلوع إلى القلعة. وفي تلك الليلة ضرب المنسر كفر الطماعين ونهبوا منه عدة أماكن وقتل بينهم اشخاص وانقطعت الطرق حتى إلى بولاق ومصر القديمة وصارت التعرية من عند رصيف الخشاب. وفي يوم السبت ركب إبراهيم بك وحسين بك وأتوا إلى المناخ أيضا وأرادوا أخذ الجمال فمنعهم المغاربة وقيل: أخذوا منهم جملة وعربدوا في ذلك اليوم عربدة عظيمة من كل ناحية وأرسل الباشا قبل المغرب فطلب. ج / 1 ص -629- تجار المغاربة فأجتمعوا وطلعوا بعد العشاء وباتوا بالسبيل الذى في رأس الرميلة وشدد الباشا في اجتماع الالضاشات ومن ينتسب للوجاقات فقيل له: إن منهم من لا يملك قوت يومه وسبب تفرقهم الجوع وعدم النفقة فطلب أغات مستحفظان وأعطاه أربعة آلاف ريال لينفقها فيهم. وفيه عدى مراد بك من جزيرة الذهب إلى الآثار وكان إبراهيم بك ركب إلى حلوان وضربها وأحرقها بسبب أن أهل حلوان نهبوا مركبا من مراكبه ولما عدى مراد بك إلى البر الشرقي أرسل إلى إبراهيم بك فحضر إليه واصطلح معه لأن إبراهيم بك كان مغتاظا منه بسبب سفرته وكسرته فإن ذلك كان على غير مراد إبراهيم بك وكان قصده أنهم يستمرون مجتمعين ومنضمين وإذا وصل القبطان اخلوا من وجهه أن لم يقدروا على دفعه أو مصالحته وتركوا له البلد ومصيره الرجوع إلى بلاده فيعودون بعد ذلك باى طريق كان. وكان ذلك هو الرأى فلم يمتثل مراد بك وأخذ في أسباب الخروج والمحاربةة ولم يحصل من ذلك إلا ضياع المال والفشل والانهزام الذى لا حقيقة له وكان الكائن. ولما اصطلحا تفرقت طوائفهما يعبثون في الجهات وبخطفون ما يجدونه في طريقهم من جمال السقائين وحمير الفلاحين وبعضهم جلس في مرمى النشاب وبعضهم جهة بولاق ونهبوا نحو عشرين مركبا كانت راسية عند الشيخ عثمان وأخذوا ما كان فيها من الغلال والسمن والاغنام والتمر والعسل والزيت. وفي يوم الأحد حادى عشرة زاد تنطيطهم وهجومهم على البلد من كل ناحية ويدخلون احزابا ومتفرقين ودخل قائد أغا وأتى إلى بيته الذى كان سكن فيه وسكنه بعده حسن أغا المتولي وهو بيت قصبة رضوان فوجد بابه مغلوقا فأراد كسره بالبلط فأعياه وخاف من طارق فذهب إلى باب آخر من ناحية القربية فضرب عليه الحراس بنادق فرجع بقهره يخطف كل ما صادفه ولم يزالوا على هذه الفعال إلى بعد الظهر من ذلك اليوم. ج / 1 ص -630- واشتد الكرب وضاق خناق الناس وتعطلت أسبابهم ووقع الصياح في أطراف الحارات من الحرامية والسراق والمناسر نهارا والاغا والوألي والمحتسب مقيمون بالقلعة لا يجسرون على النزول منها إلى المدينة وتوقع كل الناس نهب البلد من أوباشها. وكل ذلك والمآكل موجودة والغلال معرمة كثيرة بالرقع ورخصت أسعارها والاخباز كثيرة وكذلك أنواع الكعك والفطير وأشيع وصول مراكب القبطان إلى شلقان ففرح الناس وطلعوا المنارات والاسطحة العالية ينظرون إلى البحر فلم يروا شيئا. فأشتد الانتظار وزاغت الأبصار فلما كان بعد العصر سمع صوت مدافع على بعد ومدافع ضربت من القلعة ففرحوا واستبشروا وحصل بعض الأطمئنان وصعدوا أيضا على المنارات فرأوا عدة مراكب ونقاير وصلت إلى قرب ساحل بولاق ففرح الناس وحصل فيهم ضجيج وكان مراد بك وجماعة من صناجقة وامرائه قد ذهبوا إلى بولاق وشرعوا في عمل متاريس جهة السبتية واحضروا جملة مدافع على عجل وجمعوا الاخشاب وحطب الذرة وافرادا وغيرها فوردت مراكب الأروام قبل اتمامهم ذلك فتركوا العمل وركبوا في الوقت ورجعوا. وضجت الناس وصرخت الصبيان وزغرتت النساء وكسروا عجل المدافع. وفي هذا اليوم أرسل الأمراء مكاتبة إلى المشايخ والوجاقات يتوسلون بهم في الصلح وإنهم يتوبون ويعودون إلى الطاعة فقرئت تلك المكاتبات بحضرة الباشا فقال الباشا: سبحان الله كم يتوبون ويعودون ولكن أكتبوا لهم جوابا معلقا على حضور قبطان باشا. فكتبوه وأرسلوه. وفي وقت العشاء من ليلة الإثنين وصل حسن باشا القبطان إلى ساحل بولاق وضربوا مدافع لقدومه واستبشر الناس وفرحوا وظنوا أنه مهدى الزمان فبات في مراكبه إلى الصباح يوم الإثنين ثاني عشر شوال وطلع. ج / 1 ص -631- بعض اتباعه إلى القلعة وقابلوا الباشا ثم أن حسن باشا ركب من بولاق وحضر إلى مصر من ناحية باب الخرق ودخل إلى بيت إبراهيم بك وجلس فيه وصحبته اتباعه وعسكره وخلفه الشيخ الاترم المغربي ومعه طائفة من المغاربة فدخل بهم إلى بيت يحيى بك. وراق الحال وفتحت أبواب القلعة واطمأن الناس ونزل من بالقلعة إلى دورهم وشاع الخبر بذهاب الأمراء المصرية إلى جهة قبلي من خلف الجبل فسافر خلفهم عدة مراكب وفيها طائفة من العسكر واستولوا على مراكب من مراكبهم وأرسلوها إلى ساحل بولاق وأنقذ حسن باشا رسلا إلى إسمعيل بك وحسن بك الجداوى يطلبهما للحضور إلى مصر. وفيه خرجت جماعة من العسكر ففتحوا عدة بيوت من بيوت الأمراء ونهبوها وتبعهم في ذلك الجعيدية وغيرهم فلما بلغ القبطان ذلك أرسل إلى الوالي والآغا وأمرهم بمنع ذلك وقتل من يفعله ولو من أتباعه. ثم ركب بنفسه وطاف البلد وقتل نحو ستة أشخاص من العسكر وغيرهم وجد معهم منهوبات فأنكفوا عن النهب. ثم نزل على باب زويلة وشق من الغورية ودخل من عطفة الخراطين على باب الأزهر وذهب إلى المشهد الحسيني فزاره ونظر إلى الكسوة ثم ركب وذهب إلى بيت الشيخ البكرى بالازبكية فجلس عنده ساعة وأمر بتسمير بيت إبراهيم بك الذى بالازبكية وبيت أيوب بك الكبير وبيت مراد بك. ثم ذهب إلى بولاق ورجع بعد الغروب إلى المنزل وحضر عنده محمد باشا مخفيا واختلى معه ساعة. وفي يوم الثلاثاء ذهب إليه مشايخ الأزهر وسلموا عليه وكذلك التجار وشكوا إليه ظلم الأمراء فوعدهم بخير واعتذر إليهم باشتغاله بمهمات الحج وضيق الوقت وتعطل أسبابه. وفيه عمل الباشا الديوان وقلد حسن أغا مستحفظان صنجقية وخلع. ج / 1 ص -632- على علي بك جركس الأسماعيلي صنجقية كما كان في أيام سيده إسمعيل بك وخلع على غيطاس كاشف تابع صالح بك صنجقيه وخلع على قاسم كاشف تابع أبي صنجقية أيضا وخلع على مراد كاشف تابع حسن بك الازبكاوى صنجقية وخلع على محمد كاشف تابع حسين بك كشكش صنجقية وقلد محمد أغا ارنؤد الوالي أغات الجمليان وقلد موسى أغا الوالي تابع علي بك اغات تفكجية وخلع على باكير أغا تابع محمود بك وجعله أغات مستحفظان وخلع على عثمان أغا الجلفي وقلده الزعامة عوضا عن محمد آغا ولما تكامل لبسهم التفت إليهم الباشا ونصحهم وحذرهم وقال للوجاقلية: الزموا طرائقكم وقوانينكم القديمة ولا تدخلوا بيوت الأمراء الصناجق إلا لمقتضى وأكتبوا قوائمكم بتعلقاتكم وعوائدكم أمضيها لكم. ثم قاموا وانصرفوا إلى بيوتهم ونزل الأغا وإمامه المناداة بالتركي والعرببي بالأمان على اتباع الأمراء المتوارين والمخفيين وكل ذلك تدبير وترتيب الاختيارية وقلدوا من كل بيت أميرا لئلا يتعصوا لانفسهم ولا تتحد أغراضهم. وفيه أرسل حسن باشا إلى نواب القضاء وأمرهم أن يذهبوا إلى بيوت الأمراء ويكتبوا ما يجدونه من متروكاتهم ويودعوه في مكان من البيت ويختمون عيه ففعلوا ذلك. وفي تلك الليلة وردت خمس مراكب رومية وضربوا مدافع وأجيبوا بمثلها من القلعة. وفي يوم الأربعاء ركب حسن باشا وذهب إلى بولاق وهو بزى الدلاة وعلى رأسه هيئة قلبق من جلد السمور ولابس عباءة بطراز ذهب وكان قبل ذلك يركب بهيئته المعتادة وهي هيئة القباطين وهي فوقانية جوخ صاية بدلاية حرير على صدره وعلى رأسه طربوش كبير يعمم بشال أحمر وفي وسطه سكينة كبيرة وبيده مخصرة لطيفة هيئة حربة بطرفها. ج / 1 ص -633- مشعب حديد على رسم الجلالة. وفيه نادى الأغا على كل من كان سراجا بطالا أو فلاحا أو قواسا بطالا يسافر إلى بلده ومن وجد بعد ثلاثة أيام يستحق العقوبة. وفيه أيضا نودى على طائفة النصارى بان لا يركبوا الدواب ولا يستخدموا المسلمين ولا يشتروا الجوارى والعبيد ومن كان عنده شيء من ذلك باعه أو أعتقه وإن يلزموا زيهم الأصلي من شد الزنار والزنوط. وفيه أرسل حسن باشا إلى القاضي وأمره بالكشف عن جميع ما أوقفه المعلم إبراهيم الجوهرى على الديور والكنائس من أطيان ورزق وأملاك والمقصود من ذلك كله استجلاب الدراهم والمصالح. وفي يوم الخميس نودى على طائفة النصارى بالامان وعدم التعرض لهم بالايذاء وسببه تسلط العامة والصغار عليهم. وفيه كثر تعدى العساكر على أهل الحرف كالقهوجية والحمامية والمزينين والخياطين وغيرهم فيأتي أحدهم إلى الحمامي أو القهوجي أو الخياط ويقلع سلاحه ويعلقه ويرسم ركنه في ورقة أو على باب دكان وكأنه صيره شريكه وفي حمايته ويذهب حيث شاء أو يجلس متى شاء ثم يحاسبه ويقاسمه في المكسب وهذه عادتهم إذا ملكوا بلدة ذهب كل دى حرفة إلى حرفته التي كان يحترفها في بلده ويشارك البلدى فيها فثقل على أهل البلدة هذه الفعلة لتكلفهم مالا ألفوه ولا عرفوه. وفيه أجلسوا عى أبواب المدينة رجلا أوده باشا ومعه طائفة من العسكر نحو الثلاثين أو العشرين. وفيه اعني يوم الخميس الموافق لسادس مسرى القبطي نودى بوفاء النيل فأرسل حسن باشا في صبح يوم الجمعة كتخداه والوالي فكسر السد على حين غفلة وجرى الماء في الخليج ولم يعمل له موسم ولا مهرجان مثل العادة بسبب القلقة وعدم انتظام الأحوال والخوف من هجوم الأمراء. ج / 1 ص -634- المصرية فإنهم مقيمين جهة حلوان. وفيه نودى بتوقير الأشراف واحترامهم ورفع شكواهم إلى نقيب الأشراف وكذلك المنسوبون إلى الأبواب ترفع إلى وجاقة وإن كان من أولاد البلد فإلى الشرع الشريف. وفيه مرت جماعة من العسكر على سوق الغورية فخطفوا من الدكاكين امتعة واقمشة فهاجت أهل الدكاكين والناس المارون وأغلقوا الحوانيت وثارت كرشة إلى باب زويلة وصادف مرور الوالي فقبض على ثلاثة أنفار منهم واستخلص ما بأيديهم وهرب الباقون وكان الوالي والاغا كل منهما صحبته ضابطان من جنس العسكر. وفيه نودى بمنع القواسة وأسافل الناس من لبس الشيلان الكشميرى والتختم أيضا. وفيه وصلت مراكب القباطين الواردين من جهة دمياط إلى ساحل بولاق وفيهم إسمعيل كتخدا حسن باشا فضربت لهم مدافع من القلعة. وفيه قبضوا على ثلاثة من العسكر أفسدوا بالنساء بناحية الرميلة فرفعوا أمرهم وأمر الخطافين إلى القبطان فأمر بقتلهم فضربوا اعناق ثلاثة منهم بالرميلة وثلاثة في جهات متفرقة. وفيه نودى بأبطال شركة العسكر لأهل الحرف ومن أتاه عسكرى يشاركه أو أخذ شيئا بغير حق فليمسك ويضرب وتوثق أكتافه ويؤتى به إلى الحاكم وحضر الوالي وصحبته الجاويش وقبض على من وجده منهم بالحمامات والقهاوى وطردهم وزجرهم وذلك بسبب تشكي الناس فلما حصل ذلك اطمأنوا وارتاحوا منهم. وفيه عدى الأمراء إلى البر الغربي. وفي يوم السبت خلعوا على محمد بك تابع الجرف وجعلوه كاشفا على البحيرة. ج / 1 ص -635- وفيه جاء الخبر عن الأمراء أن جماعة من العرب نحو الالف اتفقوا أنهم يكبسون عليهم ليلا ويقتلونهم وينهبونهم فذهب رجل من العرب وأخبرهم بذلك الاتفاق فأخلوا من خيامهم وركبوا خيولهم وكمنوا بمرآى من وطاقهم فلما جاءت العربان وجدوا الخيام خالية فأشتغلوا بالنهب فكبس عليهم الأمراء من كمينهم فلم ينج من العرب إلا من طال عمره. وفيه نودى على طائفة النساء أن لا يجلسن على حوانيت الصياغ ولا في الأسواق إلا بقدر الحاجة. وفي يوم الأحد عملوا الديوان وقلدوا مراد بك أمير الحاج وسماه حسن باشا محمدا كراهة في اسم مراد بك فصار يكتب في الامضاء محمد بك حسن وكان هذا اليوم هو ثاني يوم ميعاد خروج المحمل من مصر فإن معتادة في هذه العصور سابع عشر شوال. وفي يوم الثلاثاء كتبت فرمانات لشيخ العرب أحمد بن حبيب بخفر البرين والموارد من بولاق إلى حد دمياط ورشيد على عادة اسلافه وكان ذلك مرفوعا عنهم من أيام علي بك ونودى له بذلك على ساحل بولاق. وفيه أخرجت خبايا وودائع للأمراء من بيوتهم الصغار لهم ولاتباعهم وختم أيضا على أماكن وتركت على ما فيها ووقع التفتيش والفحص على غيرها وطلبوا الخفراء فجمعوهم وحبسوهم ليدلوا على الأماكن التي في العطف والحارات وطلبت زوجة إبراهيم بك وحبست في بيت كتخدا الجاويشية هي وضرتها أم مرزوق بك حتى صالحا بجملة من المال والمصاغ خلاف ما أخذ من المستودعات عند الناس وطولبت زليخا زوجة إبراهيم بك بالتاج الجوهر وغيره وطلبت زوجة مراد بك فاختفت وطلب من السيد البكرى ودائع مراد بك فسلمها. وفي يوم الخميس عمل الباشا ديوانا وخلع على علي آغا كتخدا الجاويشية وقلده صنجيقا ودفتردار وشيخ البلد ومشير الدولة فصار. ج / 1 ص -636- صاحب الحل والعقد وإليه المرجع في جميع الأمور الكلية والجزئية وقلد محمد أغا الترجمان وجعله كتخدا الجاويشية عوضا عن المذكور وخلع على سليمان بك الشابورى وقلده صنجقا كما كان أيضا في الدهور السالفة وخلع على محمد كتخدا ابن اباظة المحتسب وجعله ترجمانا عوضا عن محمد أغا الترجمان وخلع على أحمد إنما بن ميلاد وجعله محتسبا عوضا عن بن اباظه. وفي يوم الجمعة ركب المشايخ إلى حسن باشا وتشفعوا عنده في زوجة إبراهيم بك وذلك باشارة علي بك الدفتردار فأجابهم بقوله تدفع ما على زوجها للسلطان وتخلص أزواجهن لهم مدة سنين ينهبون البلاد ويأكلون أموال السلطان والرعية وقد خرجوا من مصر على خيولهم وتركوا الأموال عند النساء فإن دفعن ما على ازواجهن تركت سبيلهن وإلا اذقناهن العذاب. وانفض المجلس وقاموا وذهبوا. وفيه ورد الخبر عن الأمراء أنهم ذهبوا إلى اسيوط وأقاموا بها. وفي يوم السبت حصل التشديد والتفتيش والفحص عن الودائع ونودى في الأسواق بان كل من عنده وديعة أو شيء من متاع الأمراء الخارجين ولا يظهر ولا يقر عليه في مدة ثلاثة أيام قتل من غير معاودة أن ظهر بعد ذلك. وفيه طلب حسن باشا من التجار المسلمين والافرنج والاقباط دراهم سلفة لتشهيل لوازم الحج وكتب لهم وثائق وأجلهم ثلاثين يوما ففردوها على افرادهم بحسب حال كل تاجر وجمعوها. وفيه حصلت كائنة على بن عياد المغربي ببولاق وقتله إسمعيل كتخدا حسن باشا. وفيه نادوا على النساء بالمنع من النزول في مراكب الخليج والازبكية وبركة الرطلي. ج / 1 ص -637- وفيه كتبوا مكاتبات من حسن باشا ومحمد باشا الوالي والمشايخ والوجاقات خطابا لاسمعيل بك وحسن بك الجداوى باستعجالهم للحضور إلى مصر. وفي يوم الأحد خامس عشرينه نودى على النساء أن لا يخرجن إلى الأسواق ومن خرجت بعد اليوم شنقت فلم ينتهين. وفيه أحضر حسن باشا المطربازية واليسرجية واخرج جوارى إبراهيم بك وباقي الأمراء بيضا وسودا وحبوشا ونودى عليهن بالبيع والمزاد في حوش البيت فبيعوا بأبخس الاثمان على العثمانية وعسكرهم وفي ذلك عبرة لمن يعتبر. وفي يوم الإثنين أحضروا أيضا عدة جوار من بيوت الأمراء ومن مستودعات كن مودعات وأخذوا جوارى عثمان بك الشرقاوى من بيته ومحظيته التي في بيته الذى عند جيضان المصلى فأخرجوها بيد القلبونجية وكذلك جوارى أيوب بك الصغير وما في بيوت سليمان اغا الحنفي من جوار وأمتعة وكذلك بيوت غيره من الأمراء واحاطوا بعدة بيوت بدرب الميضاة بالصليبة وطيلون ودرب الحمام وحارا المغاربة وغيرهم في عدة اخطاط فيها ودائع وأغلال فأخذوا بعضها وختموا على باقيها وأحضروا الجوارى بين يدى حسن باشا فأمر ببيعهن وكذلك أمر ببيع أولاد إبراهيم بك مرزوق وعديله والتشديد على زوجاته ثم أن شيخ السادات ركب إلى الشيخ أحمد الدردير وأرسلوا إلى الشيخ أحمد العروسي والشيخ محمد الحريرى فحضروا وتشاوروا في هذا الأمر ثم ركبوا وطلعوا إلى القلعة وكلموا محمد باشا وطلبوا منه أن يتكلم مع قبطان باشا فقال لهم: ليس لي قدرة على منعه ولكن اذهبوا إليه واشفعوا عنده. فالتمسوا منه المساعدة فأجابهم وقال: اسبقوني وأنا أكون في اثركم فلما دخلوا على القبطان وحضر أيضا محمد باشا وخاطبوه في شأن ذلك وكان المخاطب له شيخ السادات فقال له: أنا سررنا بقدومك. ج / 1 ص -638- إلى مصر لما ظنناه فيك من الانصاف والعدل وإن مولانا السلطان أرسلك إلى مصر لاقامة الشريعة ومنع الظلم وهذا الفعل لا يجوز ولا يحل بيع الاحرار وأمهات الأولاد ونحو ذلك من الكلام فاغتاظ وأحضر افندى ديوانه وقال: أكتب أسماء هؤلاء لأرسل إلى السلطان واخبره بمعارضتهم لاوامره ثم التفت إليهم وقال: أنا أسافر من عندكم والسلطان يرسل لكم خلافي فتنظروا فعله أما كفاكم إني في كل يوم أقتل من عساكرى طائفة على أيسر شيء مراعاة وشفقة ولو كان غيري لنظرتم فعل العسكر في البيوت والاسواق والناس. فقالوا له: إنما نحن شافعون والواجب علينا قول الحق. وقاموا من عنده وخرجوا وتغير خاطره من ذلك الوقت على شيخ السادات. وفيه قبض إسمعيل كتخدا حسن باشا على الحاج سليمان بن ساسي التاجر وجماعة من طيلون وألزمه بخمسمائة كيس فولول واعتذر بعجزه عن ذلك فلم يقبل ولطمه على وجهه وشدد عليه فراجعوه وتشفعوا فيه إلى أن قررها مائة كيس فحلف أنه لا يملك إلا ثلثمائة فرق بن وليس له غيرها فأرسل وختم عليها في حواصلها واستمر في الاعتقال حتى غلق المائة كيس على نفسه منها خمسون ومثلها على الطولونية وسبب ذلك حادثة ابن عياد لأنهم أولاد بلاده. وفي يوم الثلاثاء سابع عشرينه كان خروج المحمل صحبة أمير الحاج محمد بك المبدول بالموكب على العادة ما عدا طائفة الينكجرية والعزب خوفا من اختلاط العثمانية بهم وحضر حسن باشا القبطان إلى مدرسة الغورية لأجل الفرجة والمشاهدة ولم يزل جالسا حتى مر الموكب والمحمل. ولما مرت عليه طوائف الأشاير فكانت تقف الطائفة منهم تحت الشباك ويقرأون الفاتحة فيرسل لهم ألف نصف فضة في قرطاس ولما انقضى أمر ذلك ركب بجماعة قليلة وازدحمت الناس للفرجة عليه وكان لابسا على. ج / 1 ص -639- هيئة ملوك العجم وعلى رأسه تاج من ذهب مزرد مخروط الشكل وعليه عصابة لطيفة من حرير مرصعة بالجوهر ولها ذوائب على إذانه وحواجبه وعليه عباءة لطخ قصب أصفر. وفي يوم الأربعاء نودى على النصارى واليهود بان يغيروا أسماءهم التي على أسماء الانبياء كإبراهيم وموسى وعيسى ويوسف واسحق وإن يحضروا جميع ما عندهم من الجوارى والعبيد وإن لم يفعلوا وقع التفتيش على ذلك في دورهم واماكنهم فصالحوا على ذلك بمال فحصل العفو وأذنوا لهم في أن يبيعوا ما عندهم من الجوارى والعبيد ويقبضوا اثمانهم لانفسهم ولا يستخدموا المسلمين فأخرجوا ما عندهم وباعوا بعضه وأودعوه عند معارفهم من المسلمين. وفيه حضر مبشر بتقرير الباشا على السنة الجديدة. وفيه حضر القاضي الجديد إلى بولاق. وفي يوم الخميس أرسل حسن باشا القبطان جملة من العسكر البحرية وصحبتهم إسمعيل كتخدا إلى عرب البحيرة لكونهم خامروا مع المصرلية ووقع الخلف بينهم وبين قبيلتهم ثم حضروا مع أخصامهم بين يدى القبطان واصطلحوا ثم نكثوا وتحاربوا مع بعضهم فحضر الفرقة الأولى واستنجدوا بحسن باشا فأرسل لهم إسمعيل كتخدا بطائفة من العسكر في المراكب فهربوا ورجع إسمعيل كتخدا ومن معه على الفور. وفي يوم الجمعة غاية شوال وصلت العساكر البرية صحبة عابدى باشا ودرويش باشا إلى بركة الحج وكان أمير الحاج مقيما بالحجاج بالعادلية ولم يذهبوا إلى البركة على العادة بسبب قدوم هؤلاء. وفي يوم السبت غرة القعدة ارتحل الحجاج من العادلية وحضر عابدى باشا ودرويش باشا إلى العادلية وخرج حسن باشا إلى ملاقاتهم ودخلت طوائف عساكرهما إلى المدينة وهم بهيئات مختلفة وأشكال منكرة وراكبون. ج / 1 ص -640- خيولا وأكاديش كأمثال دواب الطواحين وعلى ظهورها لبابيد شبه البراذع متصلة بكفل الاكديش وبعضهم بطراطير سود طوال شبه الدلاة والبعض معمم ببوشية ملونة مفشولة على طربوش واسع كبير مخيط عليه قطعة قماش لابسها في دماغه والطربوش مقلوب على قفاء مثل حزمة البراطيش وهم لابسون زنوط وبشوت محزمين عليها وصورهم بشعة وعقائدهم مختلفة وأشكالهم شتى وأجناسهم متفرقة ما بين أكراد ولاوند ودروز وشوام. ولكن لم يحصل منهم ايذاء لاحد وإذا اشتروا شيئا أخذوه بالمصلحة فياتوا بالخيام عند سبيل قيماز تلك الليلة. وفي يوم الأحد ركب عابدى باشا ودرويش باشا وذهبوا إلى البساتين من خارج البلد فمروا بالصحراء وباب الوزير وأجروا عليهم الرواتب من الخبز واللحم والارز والسمن وغيره. وفيه نودى على النصارى بأحضار ما عندهم من الجوارى والعبيد ساعة تاريخه ثم نزلت العساكر وهجمت على بيوت النصارى واستخرجوا ما فيها فكان شيئا كثيرا وأحضروهم إلى القبطان فأخرجوهم إلى المزاد وباعوهم واشترى غالبهم العسكر وصاروا يبيعونهم على الناس بالمرابحة فإذا أراد إنسان أن يشترى جارية ذهب إلى بيت الباشا وطلب مطلوبة فيعرض عليه الجوارى من مكان عند باب الحريم فإذا أعجبته جارية أو أكثر حضر صاحبها الذى اشتراها فيخبره برأس ماله ويقول له: وأنا أخذ مكسي كذا فلا يزيد ولا ينقص فإن أعجبه الثمن دفعه وإلا تركها وذهب. ثم وقع التشديد على ذلك وأحضروا الدلالين والنخاسين القدم والجدد واستدلوا منهم على المبيوعات. وفيه القبطان المهندسين ليستخبر منهم عن الخبايا والدفائن التي صنعوها في البيوت وغيرها. وفيه يوم الإثنين أمر القبطان الأمراء والصناجق والوجاقلية أن يذهبوا للسلام على عابدى باشا ودرويش باشا فذهب الصناجق أولا بسائر. ج / 1 ص -641- أتباعهم وطوائفهم وتلاهم الوجاقلية فسلموا ورجعوا من البساتين وكلاهما في جمع كثير. وفي يوم الثلاثاء رابعه حضر عابدى عند القبطان وسلم عليه ثم طلع إلى القلعة وسلم على محمد باشا المتولي ثم نزل وخرج إلى مخيمه بالبساتين. وفيه قرر على بيوت النصارى الذين خرجوا بصحبة الأمراء المصرية مبلغ دراهم مجموع متفرقها خمسة وسبعون ألف ريال. وفيه أمر أيضا بإحصاء بيوت جميع النصارى ودورهم وما هو في ملكهم وإن يكتب جميع ذلك في قوائم ويقرر عليها أجرة مثلها في العام وإن يكشف في السجل على ما هو جار في املاكهم. ثم قرر عليهم أيضا خمسمائة كيس فوزعوها على أفرادهم فحصل لفقرائهم الضرر الزائد وقيل: إنهم حسبوا لهم الجوارى المأخوذة منهم من أصل ذلك على كل رأس أربعون ريالا. وقرر أيضا على كل شخص دينارا جزية العال كالدون وذلك خارج عن الجزية الديوانية المقررة. وفي يوم الخميس عمل محمد باشا ديوانا وخلع على مصطفى اغا تابع حسن أغا تابع عثمان أغا وكيل دار السعادة سابقا وقلده وكيل دار السعادة كأستاذ أستاذه وكانت شاغرة من أيام علي بك. وفيه أيضا سمحوا في جمرك البهار والسلخانة لباب الينكجرية كما كان قديما وكان ذلك مرفوعا عنهم من أيام ظهور علي بك. وفيه انتقل عابدى باشا ودرويش باشا من ناحية البساتين إلى قصر العيني بشاطىء النيل وجلسوا هناك. وفيه دفع قبطان بعض دراهم السلفة التي كان اقترضها من التجار فدفع ما للافرنج وجانبا لتجار المغاربة ووعدهم بغلاق الباقي. وفيه قبض القبطان على راهب من رهبان النصارى واستخلص منه. ج / 1 ص -642- صندوقا من ودائع النصارى. وفيه أيضا قبض على شخص من الاجناد من بيته بخشقدم واخرجوا من داره زلعتين مسدودتين كل واحدة منهما يرفعها ثمانية من الرجال العتالين بالآلة لا يعلم ما فيها. وفي يوم الجمعة عمل شيخ السادات عزومة لحسن باشا عند تربة أجداده بالقرافة. وفيه حضر قاصد من طرف إسمعيل بك وعلى يده مكاتبات من المذكور يخبر فيها بانه وصل إلى دجرجا وقصده الاقامة هناك لاجل المحافظة في تلك الجهة حتى تسافر العسكر فإذا التقوا مع الأمراء وكسروهم وهزموهم يكون هو ومن معه في أقفيتهم وقت الحرب ومانعا عند الهزيمة. وفي يوم السبت قبض القبطان على المعلم واصف وحبسه وضربه وطالبه بالاموال وواصف هذا أحد الكتاب المباشرين المشهورين ويعرف الايراد والمصاريف وعنده نسخ من دفاتر الروزنامة ويحفظ الكليات والجزئيات ولا يخفى عن ذهنه شيء من ذلك ويعرف التركي. وفي يوم الأحد تاسعه قبض على بعض نساء المعلم إبراهيم الجوهرى من بيت حسن أغا كتخدا علي بك امين احتساب سابقا فأقرت على خبايا اخرجوا منها أمتعة وأواني ذهب وفضة وسروجا وغير ذلك. وفي يوم الإثنين حصلت جمعية بالمحكمة بسبب جمرك البهار وذلك أن إبراهيم بك شيخ البلد أخذ من التجار في العام الماضي مبلغا كبيرا من حساب الباشا وذلك قبل حضوره من ثغر سكندرية فلما حضر دفعوا له البواقي وحاسبهم وطالبهم بذلك المبلغ فماطلوا ووعدوه إلى حضور المراكب فلما حضرت المراكب في أوائل شهر رمضان من هذه السنة أحضرهم وطالبهم فلم يزالوا يستوفونه ويعتذرون له وذلك خوفا من إبراهيم بك ويعيدون القول على إبراهيم بك فيقول لهم: لا تفضحوني. ج / 1 ص -643- ويلاطفهم ويداهنهم كما هي عادته والباشا يطالبهم فلما ضاق خناقهم أخبروه أن إبراهيم بك يطلب ذلك ويقول أنا محتاج لذلك في هذا الوقت ووالدى الباشا يمهل وأنا أحاسبه به بعد ذلك ولم يخبروه أنه أخذه فلم يرض ولم يقبل وصار يرسل إلى إبراهيم بك يشكو له من التجار ومطلهم فيرسل إبراهيم بك مع رسوله معينين من سراجينه يقولون للتجار ادفعوا مطلوبات الباشا فإذا حضر إليه التجار تملق لهم ويقول اشتروا لحيتي واشتروني فلم يزل التجار في حيرة بينهما وقصد إبراهيم بك أن التجار يدفعون ذلك القدر ثانيا إلى الباشا وهم يثاقلونه خوفا من أن يقهرهم في الدفع. ثم حصلت الحركات المذكورة وحضور القبطان وخروج إبراهيم بك واخوانه فبقي الأمر على السكوت. فلما راق الحال واطمأن الباشا أرسل يطالب التجار بالمبلغ وهو أربعة وأربعون ألف ريال فرانسة فعند ذلك أفصحوا له عن حقيقة الأمر وإنهم دفعوا ذلك لإبراهيم بك قبل حضوره إلى مصر فاشتد غيظه وقال: ومن أمركم بذلك ولا يلزموني ولا بد من أخذ عوائدى على الكامل. ثم إنهم ذهبوا إلى حسن باشا واستجاروا به فأمرهم أن يترافعوا إلى الشرع فأجتمعوا يوم الأحد في المحكمة وأقام الباشا من جهته وكيلا وأرسله صحبة أنفار من الوجاقلية واجتمعت التجار حتى ملأوا المحكمة وطلبوا حضور العلماء فلم يحضروا وانفض المجلس بغير تمام ثم حضر التجار في ثاني يوم وحضر العلماء ولم يحضر وكيل الباشا ثم ابرز التجار رجعة بختم إبراهيم بك وتسلمه المبلغ مؤرخة في ثاني عشر شعبان أيام قائمقاميته ووكالته عن الباشا وابرزوا فتاوى أيضا وسئل العلماء فأجابوهم بقولهم حيث أن الباشا أرسل فرمانا لإبراهيم بك أن يكون قائما مقامه ووكيلا عنه إلى حين حضوره فيكون فعل الوكيل كالاصيل وتخلص ذمة التجار وليس للباشا مطالبتهم ومطالبته على إبراهيم بك على أن ذلك ليس حقا شرعيا. وكتب القاضي. ج / 1 ص -644- اعلاما بذلك وأرسله إلى الباشا وانفض المجلس على دماغ الباشا. وفي يوم الخميس تعين للسفر عدة من العساكر البحرية في المراكب ولحقت بالمراكب السابقة. وفي يوم الجمعة حضر أحمد باشا والي جدة الذى كان مقيما بثغر الأسكندرية إلى ثغر بولاق فذهب لملاقاته على بك الدفتردار وكتخدا الجاويشية وأرباب الخدم فركب صحبتهم وتوجه إلى ناحية العادلية وجلس هناك بالقصر. وفي يوم السبت حضر حسن باشا وعابدى باشا ودرويش باشا إلى بيت الشيخ البكرى بالازبكية باستدعاء وجلسوا هناك إلى العصر وقدم لهم تقادم وهدايا وحضروا إليه في مراكب من الخليج. وفي يوم الأحد أحضروا عند حسن باشا رجلا من الاجناد يسمى رشوان كاشف من مماليك محمد بك أبي الذهب فأمر برمي عنقه ففعلوا به ذلك وعلقوا رأسه قبالة باب البيت. قيل: إن سبب ذلك أنه كان بجرجا أيام الحركة فلما خرج رفقاؤه حضر إلى مصر وطلب الأمان فأمنوه ولم يزل بمصر إلى هذا الوقت فحدثته نفسه بالهروب إلى قبلي فركب جواده وخرج فقبض عليه المحافظون وأحضروه إلى حسن باشا فأمر برمي عنقه وقيل: إن السبب غير ذلك. وفيه وصلت مراسلة من كبير العساكر البحرية وأخبروا أنهم وقع بينهم وبين الأمراء القبالي لطمة ورموا على بعضهم مدافع وقنابر من المراكب فانتقل المصريون من مكانهم وترافعوا جهة الجبانة وصار البلد حائلا بين الفريقين وساحل أسيوط طرد لا يحمل المراكب ومن الناحية الأخرى جزيرة تعوقهم عن التقرب إليهم. وصوروا صورة ذلك وهيئته في كاغد لاجل المشاهدة وأرسلوها مع الرسول. وفيه عمل الديوان بالقلعة وتقلد قاسم بك أبو سيف ولاية جرجا وسارى ج / 1 ص -645- عسكر التجريدة المعينة صحبة عابدى باشا ودرويش باشا ومعهم من الصناجق أيضا علي بك جركس الأسمعيلي وغيطاس بك الصالحي ومحمد بك كشكش ومن الوجاقلية خمسمائة نفر وأخذوا في التجهيز والسفر. وفي يوم الإثنين سابع عشر حضر إلى ساحل بولاق آغا من الديار الرومية وهو أمير اخور وعلى يده مثالات وخلع وهو جواب عن الرسالة بالاخبار الحاصلة وخروج الأمراء فركب أغات مستحفظان ومن له عادة بالركوب لملاقاته وطلع حسن باشا وعابدى باشا وأحمد باشا الجداوى ودرويش باشا والأمراء والصناجق والوجاقات والقاضي والمشايخ واجتمعوا بالقلعة وحضر الأغا من بولاق بالموكب والنوبة خلفه وبقية الأغوات وهم يحملون بقجا على أيديهم والمكاتبات في أكياس حرير على صدورهم ولما دخلوا باب الديوان قام الباشوات والأمراء على أقدامهم وتلقوهم ثم بدأوا بقراءة المرسوم المخاطب به حسن باشا فقرأوه ومضمونه التبجيل والتعظيم لحسن باشا وحسن الثناء عليه بما فعله من حسن السياسة والوصية على الرعية وصرف العلائف والغلال. وفيه ذكر إسمعيل بك وحسن بك والتحريض والتأكيد على القتل والانتقام من العصاة ولما فرغوا من قراءة ذلك أخرجوا الخلعة المخصوصة به فلبسها وهي فروة سمور وقفطان أصفر مقصب مفرق الاكمام فلبسه من فوق وسيف مجوهر تقلد به ثم قرأوا المرسوم الثاني وهو خطاب لمحمد باشا يكن المتولي ومعه الخطاب للقاضي والعلماء والأمراء والوجاقلية والثناء على الجميع والنسق المتقدم في المرسوم السابق. ثم لبس الخلعة المخصوصة به وهي فروة وقفطان ثم قرأوا المرسوم الثالث وهو خطاب لأحمد باشا والي جده بمثل ذلك ولبس خلعته أيضا وهي فروة وقفطان. ثم قرىء المرسوم الرابع وفيه الخطاب لعابدى باشا ومضمونه ما تقدم ولبس أيضا خلعته وفروته. ثم قرىء المرسوم الخامس ومضمونه الخطاب ج / 1 ص -646- لدرويش باشا وذكر ما تقدم ولبس خلعته وهي فروة على بنش لأنه بطوخين ثم مرسوم بالخطاب لعلي بك الدفتردار ومضمونه الثناء عليه من عدم التأخر عن الاجابة والنسق. ثم فرمان ثان وهو خطاب لامير الحاج والوصية بتعلقات الحج. فما فرغوا من ذلك إلا بعد الظهر ثم ضربوا مدافع كثيرة ودخلوا إلى داخل وجلسوا مع بعضهم ساعة ثم ركبوا ونزلوا إلى أماكنهم. وكان ديوانا عظيما وجمعية كبيرة لم تعهد قبل ذلك ولم يتفق أنه اجتمع في ديوان خمسة باشوات في أن واحد. وفي يوم الأربعاء تاسع عشره عمل الباشا ديوانا وخلع على باكير آغا مستحفظان وقلده صنجقا وخلع على عثمان أغا الوالي وقلده اغات مستحفظان عوضا عن باكير أغا. وفي يوم الخميس خلع الباشا على إسمعيل كاشف من اتباع كشكش وقلده واليا عوضا عن عثمان أغا المذكور وأقر أحمد افندى الصفائي في وظيفته روزنامجي افندى على عادته وكانوا عزموا على عزله وأرادوا نصب غيره فلم يتهيأ ذلك. وفيه وصل إبراهيم كاشف من طرف إسمعيل بك وحسن بك واخبر بقدومهما وأنهما وصلا إلى شرق أولاد يحيى وأرسلا يستأذنان في المقام هناك بالجمعية حتى تصل العساكر المعينة فيكونوا معهم فلم يجبه حسن باشا إلى ذلك وحثه على الحضور فيقابله ثم يتوجه من مصر ثانيا. ثم أجيب إلى المقام حتى تأتيهم العساكر وأخبر أيضا أن الأمراء القبليين لم يزالوا مقيمين بساحل أسيوط على رأس المجرور وبنوا هناك متاريس ونصبوا مدافع وإن المراكب راسية تجاههم ولا تستطيع السير في ذلك المجرور إلا باللبان لقوة التيار ومواجهة الريح للمراكب. وفيه استعفى علي بك جركس الأسماعيلي من السفر فأعفي وعين عوضه حسن بك رضوان وانفق حسن باشا على العسكر فاعطى لكل أمير خمسة ج / 1 ص -647- عشر ألف ريال وللوجاقلية سبعة عشر ألف ريال وأنفق عابدى باشا في عسكره النفقة أيضا فاعطى لكل عسكرى خمسة عشر قرشا فغضبت طائفة الدلاة واجتمعوا بأسرهم وخرجوا إلى العادلية يريدون الرجوع إلى بلادهم وحصل في وقت خروجهم زعجة في الناس واغلقت الحوانيت ولم يعرفوا ما الخبر. ولما بلغ حسن باشا خبرهم ركب بعسكره وخرج يريد قتلهم وخرج معه المصريون وركب عابدى باشا أيضا ولحق به عند قصر قايماز وكان هناك أحمد باشا الجداوى فنزل إليه أيضا واجتمعوا إليه واستعطفوا خاطره وسكنوا غضبه وأرسلوا إلى جماعة الدلاة فأسترضوهم وزادوا لهم في نفقتهم وجعلوا لكل نفر أربعين قرشا وردوهم إلى الطاعة. ورجع حسن باشا وعابدى باشا إلى اماكنهم قبيل الغروب. وفي صبح ذلك اليوم سافر إسمعيل كتخدا بطائفة من العسكر في البحر إلى جهة قبلي. وفيه اعني يوم الخميس اخرجوا جملة غلال من حواصل بيوت الأمراء الخارجين فأخرجوا من بيت أيوب بك الكبير وبيت أحمد اغا الجملية وسليمان بك الأغا وغيرهم. وفيه أيضا اخذت عدة ودائع من عدة اماكن وتشاجر رجل جندى مع خادمه وضربه وطرده ولم يدفع له اجرته فذهب ذلك الخادم إلى حسن باشا ورفع إليه قصته وذكر له أن عنده صندوقا مملوءا من الذهب من ودائع الغائبين فأرسل صحبته طائفة من العسكر فدلهم على مكانه فأخرجوه وحملوه إلى حسن باشا وامثال ذلك. وفي يوم الجمعة فتحوا بيت المعلم إبراهيم الجوهرى وباعوا ما فيه وكان شيئا كثيرا من فرش ومصاغ وأوان وغير ذلك. وفي يوم السبت برز عابدى باشا ودرويش باشا واخرجوا خيامهما إلى البساتين قاصدين السفر ج / 1 ص -648- وفيه ركب علي بك الدفتردار وذهب إلى بولاق وفتح الحواصل واخرج منها الغلال لاجل البقسماط والعليق. وفي يوم الأحد نودى على الغز والاجناد والاتباع البطالين أن يخدموا عند الأمراء. وفي يوم الإثنين سافر عابدى باشا ودرويش باشا واخرجوا خيامهما إلى البساتين واخرج الأمراء الصناجق خيامهم ونصبوا مكان المرتحلين. وفيه حضر باشا من ناحية الشام وهو أمير كبير من أمراء شين اغلي وصحبته نحو ألف عسكري فنزل بهم بالعادلية يومه ذلك. وفي يوم الثلاثاء دخلت عساكر المذكور إلى القاهرة وأميرهم توجه إلى ناحية البساتين من نواحي باب الوزير. وفي يوم الخميس سافر أمير شين اغلي بعساكره إلى جهة قبلي. وفي يوم السبت ثامن عشرين القعدة نودى بفرمان بمنع زفاف الأطفال للختان في يوم الجمعة بالطبول وسبب ذلك أن حسن باشا صلى بجامع المؤيد الذى بباب زويلة فعند ما شرع الخطيب في الخطبة وإذا بضجة عظيمة وطبول مزعجة فقال الباشا: ما هذا فأخبروه بذلك فأمر بمنع ذلك في مثل هذا الوقت. وفي غرة الحجة اشيعت أخبار وروايات ووقائع بين الفريقين وإن جماعة من القبالي حضروا بأمان عند إسمعيل بك. وفي يوم الثلاثاء ثاني شهر الحجة حضر إلى مصر فيض الله افندى رئيس الكتاب فتوجه إلى حسن باشا فتلقاه بالاجلال والتعظيم وقابله من أول المجلس ثم طلع إلى القلعة وقابل محمد باشا أيضا ثم نزل إلى دار أعدت له ثم انتقل إلى دار بالقلعة عند قصر يوسف. وفي يوم الخميس حضر اغا وعلى يده تقرير لمحمد باشا على السنة الجديدة فركب من بولاق إلى العادلية وخرج إليه أرباب الخدم والدفتردار ج / 1 ص -649- واغات مستحفظات وأغات العزب والوجاقلية ودخل بموكب عظيم من باب النصر وشق القاهرة وطلع إلى القلعة. وفي يوم السبت نودى بان من كانت له دعوة وانقضت حكومتها في الأيام السابقة لاتعاد ولا تسمع ثانيا وسبب ذلك تسلط الناس على بعضهم في التداعي. وفيه ردت السلفة التي كانت أخذت من تجار المغاربة وهي آخر السلف المدفوعة. وفي يوم الأربعاء عاشر الحجة كان عيد النحر وفيه وردت أخبار من الجهة القبلية بوقوع مقتلة عظيمة بين الفريقين وقتل من المصرلية عمر كاشف الشرقية وحسن كاشف وسليمان كاشف ثم انحازت العسكر إلى المراكب ورجع الأمراء إلى وطاقهم فأغنم حسن باشا لتمادى أمرهم وكان يرجو انقضاءه قبل دخول الشتاء ويأخذ رؤسهم ويرجع بهم إلى سلطانه قبل هبوط النيل لسير المراكب الرومية حتى أنه منع من فتح الترع التي من عادتها الفتح بعد الصليب كبحر أبي المنجاومويس والفريقين خوفا من نقض الماء فتتعوق المراكب الكبار. وفيه حضر واحد ططرى وعلى يده مرسوم فطلب حسن باشا محمد باشا المتولي فنزل إليه وجمع الديوان عنده فقرأ عليهم ذلك المرسوم وحاصله الحث والتشديد والاجتهاد في قتل العصاة والفحص عن أموالهم وموجوداتهم والانتقام ممن تكون عنده وديعة ولا يظهرها وعدم التفريط في ذلك وطلب حلوان عن البلاد فائظ ثلاث سنوات. وفي أواخر الحجة أرسل عابدى باشا مكاتبة حضرت له من الأمراء القبالي وهي جواب عن رسالتهم وهي باللغة التركية وحاصل ما فهمته من ذلك انكم تخاطبونا بالكفرة والمشركين والظلمة والعصاة واننا بحمد الله تعالى موحدون واسلامنا صحيح وحججنا ببيت الله الحرام وتكفير ج / 1 ص -650- المؤمن كفر ولسنا عصاة ولا مخالفين وما خرجنا من مصر عجزا ولا جبنا عن الحرب إلا طاعة للسلطان ولنائبه فإنه أمرنا بالخروج حتى تسكن الفتن وحقنا للدماء ووعدنا أنه يسعى لنا في الصلح فخرجنا لاجل ذلك ولم نرض باشهار السلاح في وجوهكم وتركنا بيوتنا وحريمنا في عرض السلطان ففعلتم بهم ما فعلتم ونهبتم أموالنا وبيوتنا وهتكتم اعراضنا وبعتم أولادنا واحرارنا وامهات أولادنا وهذا الفعل ما سمعنا ببه ولا في بلاد الكفر وما كفاكم ذلك حتى أرسلتم خلفنا العساكر يخرجونا عن بلاد الله وتهددونا بكثرتكم وكم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بأذن الله وإن عساكر مصر أمرها في الحرب والشجاعة مشهور في سائر الأقاليم والأيام بيننا. وكان الأولى لكم الاجتهاد والهمة في خلاص البلاد التي غصبها منكم الكفار واستولوا عليها مثل بلاد القرم والودن وإسمعيل بك وغير ذلك. وأمثال هذا القول وتخشين الكلام تارة وتليينه اخرى وفي ضمن ذلك آيات واحاديث وضرب امثال وغير ذلك. فأجابهم عابدى باشا ونقض عليهم ونسب كاتبهم إلى الجهل بصناعة الانشاء وغير ذلك مما يطول شرحه وانقضت هذه السنة وما وقع بها من الحوادث الغريبة. من مات في هذه السنة. توفي الشيخ العلامة المحقق والفهامة المدقق شيخنا الشيخ محمد ابن موسى الجناجي المعروف الشافعي وهو مالكي المذهب أحد العلماء المعدودين والجهابذة المشهورين تلقى عن مشايخ عصره ولازم الشيخ الصعيدى ملازمة كلية وصار مقرئه ومعيدا لدروسه وأخذ عن الشيخ خليل المغربي والسيد البليدى وحضر على الشيخ يوسف الحفني والملوى وتمهر في المعقول والمنقول ودرس الكتب المشهورة الدقيقة مثل المغني لابن هشام والاشموني والفاكهي والسعد وغير ذلك وأخذ علم الصرف عن بعض علماء الأروام وعلم الحساب والجبر والمقابلة وشباك بن الهائم ج / 1 ص -651- عن الشيخ حسين المحلاوى واشتهر فضله في ذلك وألف فيها رسائل وله في تحويل النقود بعضها إلى بعض رسالة نفيسة تدل على براعته وغوصه في علم الحساب وكان له دقائق وجودة استحضار في استخراج المجهولات واعمال الكسورات والقسمة والجذورات وغير ذلك من قسمة المواريث والمناسخات والأعداد الصم والحل والموازين ما انفرد به عن نظائره. وكتب على نسخة الخرشي التي في حوزه حواشي وهوامش مما تلقاه ولخصه من التقارير التي سمعها من افواه اشياخه ما لو جرد لكان حاشية ضخمة في غاية الدقة وكذلك باقي كتبه وله عدة رسائل في فنون شتى وكتب حاشية على شرح العقائد ومات قبل اتمامها كتب منها نيفا وثمانين كراسا. وتلقى عنه كثير من اعيان علماء العصر ولازموا المطالعة عليه مثل العلامة الشيخ محمد الأمير والعلامة الشيخ محمد عرفة الدسوقي والمرحوم الشيخ محمد البناني واجتمع بالمرحوم الوالد سنة ست وسبعين واستمر مواظبا لنا في كل يوم وواظب الفقير في اقرائي القرآن وحفظه فأحفظني من شورى إلى مريم وينسخ للوالد ما يريد من الكتب الصغيرة الحجم. ولم يزل على حاله معنا في الحب والمودة وحسن العشرة إلى آخر يوم من عمره وحضرت عليه في مبادى الحضور الملوى على السلم وشرح السمرقندية في الأستعارات والفاكهي على القطر في دروس حافلة بالأزهر والسخاوية والنزهة في الحساب خاصة بالمنزل وكان مهذب الاخلاق جدا متواضعا لا يعرف الكبر ولا التصنع أصلا ويلبس اى شيء كان من الثياب الناعمة والخشنة ويذهب بحماره إلى جهة بولاق ويشترى البرسيم ويحمله عليه ويركب فوقه ويحمل طبق العجين إلى الفرن على رأسه ويذهب في حوائج إخوانه. ولما بنى محمد بك أبو الذهب مسجده تجاه الأزهر تقرر في وظيفة خزن الكتب نيابة عن محمد افندى حافظ مضافة إلى وظيفة تدريس مع المشايخ المقررين فلازم. ج / 1 ص -652- التقييد بها وينوب عنه اخوه الشيخ حسن في غيابه وكان اخوه هذا ينسخ اجزاء القرآن بخط حسن في غاية السرعة ويتحدث مع الناس وهو يكتب من حفظه ولا يغلط. ولم يزل المترجم يملي ويفيد ويبدى ويعيد مقبلا على شأنه ملحوظا بين أقرانه حتى وافاه الحمام في سابع عشرين جمادى الثانية من السنة مطعونا وصلي عليه بالأزهر في مشهد حافل ودفن بتربة المجاورين. ومات الإمام الفاضل المحدث الفقيه البارع السيد محمد بن أحمد ابن محمد أفضل صفي الدين أبو الفضل الحسيني الشهير بالبخارى ولد تقريبا سنة 1160 وقرأ على فضلاء عصره وتكمل في المعقول والمنقول وورد إلى اليمن حاجا في سنة ثلاث وسبعين فسمع بالنجائي السيد عبد الرحمن ابن أحمد باعيديد وذاكر معه في الفقه والحديث ثم ورد زبيد فأدرك الشيخ المسند محمد بن علاء الدين المزجاجي فسمع منه أشياء وكذلك من السيد سليمان بن يحيى وغيرهما ثم حج وزار واجتمع بالشيخ محمد ابن عبد الكريم السمان فأحب طريقته ولازمه ملازمة كلية واجازه فيها وورد الينبع فجلس فيه مدة وأحبه أهل ه. وورد مصر سنة 1182 واجتمع بعلمائها وذاكر بانصاف وتؤده وكمال معرفة ولم يصف له الوقت فتوجه إلى الصعيد فمكث في نواحي جرجا مدة وقرأ عليه هناك بعض الافراد في أشياء ثم رجع إلى مصر سنة سبع وثمانين وسافر منها إلى بيت المقدس فأكرم بها وزار الخليل وأحبه أهل بلده فزوجوه. ثم أتى إلى مصر سنة ثمان وثمانين واجتمعت حواسه في الجملة ثم ذهب إلى نابلس واجتمع بالشيخ السفاريني فسمع عليه أشياء وأجازه وأحبه وكان المترجم قد اتقن معتقد الحنابلة فكان يلقيه لهم بأحسن تقرير مع التأييد ودفع ما يرد على أقوالهم من الأشكالات بحسن بيان والبلد أكثر أهله حنابلة فرفعوا شأنه وعظم عندهم مقداره. ثم ورده مصر سنة تسعين واجتمع ج / 1 ص -653- بشيخنا السيد مرتضى لمعرفة سابقة بينهما وكان ذلك في مبادى طنطنة شيخنا المذكور فنوه بشأنه وكان يأتي إلى درسه بشيخون فيجلسه بجانبه ويأمر الحاضرين بالاخذ عنه ويجله ويعظمه فراج أمره بذلك فأقام بمصر سنة في وكالة بالجمالية واشتهر ذكره عند كثير من الأعيان بسبب مدح شيخنا المذكور فيه وحثهم على أكرامه فهادوه بالملابس وغيرها ثم عزل على السفر إلى نابلس فهرعوا إليه وزودوه بالدراهم واللوازم وأداوت السفر وشيعوه بالاكرام وسافر إلى نابلس ثم إلى دمشق وأخذ عنه علماؤها واحترموه واعترفوا بفضله. وكان إنسانا مجموع الفضائل رأسا في فن الحديث يعرف فيه معرفة جيدة لا نعلم من يدانيه في هذا العصر يعد شيخنا المذكور واسع الاطلاع على متعلقاته مع ما عنده من جودة الحفظ والفهم السريع وادراك المعاني الغريبة وحسن الايراد للمسائل الفقهية والحديثية. ثم عاد إلى نابلس وسافر بأهله إلى الخليل فأراد أن يسكن بها فلم يصف له الوقت ولم ينتظم له حال لضيق معاش أهل البلد فعاد إلى نابلس في شعبان وبها توفي سحر ليلة اأحد سابع عشرين رمضان من السنة مطعونا بعد أن تعلل يوما وليلة ودفن بالزاركية قرب الشيخ السفاريني وتأسف عليه الناس وحزنوا عليه جدا وانقطع الفن من تلك البلاد بموته رحمه الله وعوض في شبابه الجنة ولم يخلف إلا ابنة صغيرة وله مؤلفات في فن الحديث. ومات العمدة المبجل الفقيه الوجيه والحبر اللوذعي النبيه السيد نجم الدين بن صالح بن أحمد بن محمد بن صالح بن محمد بن عبد الله التمرتاشي الغزى الحنفي قدم إلى مصر في حدود الستين وحضر على مشايخ الوقت وتفقه وقرأ في المعقولات والمنقولات وتضلع ببعض العلوم ثم شغف بأسباب الدنيا وتعاطى بعض التجارات وسافر إلى اسلامبول وتداخل في سلك القضاء ورجع إلى مصر ومعه نيابة قضاء أبيار بالمنوفية ج / 1 ص -654- ومرسومات بنظارات أوقاف فأقام بأبيار قاضيا بضع وعشر سنين وهو يشترى نيابتها كل دور وابتدع فيها الكشف على الأوقاف القديمة والمساجد الخربة التي بالولاية وحساب الواضعين أيديهم على ارزاقها وأطيانها حتى جمع من ذلك أموالا ثم رجع إلى مصر واشترى دارا عظيمة بدرب قرمز بين القصرين واشترى المماليك والعبيد والجوارى وترونق حاله واشتهر أمره وركب الخيول المسومة وصار في عدادا لوجها وكان يحمل معه دائما متن تنوير الأبصار يراجع فيه المسائل ويكتب على هامشه الوقائع والنوادر الفقهية. ثم تولى نيابة القضاء بمصر في سنة ست وثمانين فأزدادت وجاهته وانتشر صيته وابتكر في نيابته أمورا منها تحليف الشهود وغير ذلك ثم سافر إلى اسلامبول في سنة اثنتين وتسعين وعاد. ثم سافر في سنة تسع وتسعين واجتمع هناك بحسن باشا ووشى إليه أمر مصر وسهل له امرها وأمراءها حتى جسره على القدوم إليها وحضر صحبته إلى ثغر اسكندرية وكان بينه وبين نعمان افندى قاضي الثغر كراهة باطنية فوشى به عند حسن باشا حتى عزله من وظيفة القضاء وقلدهم للمترجم وكاد أن يبطش بنعمان افندى فهرب منه إلى رشيد ولم يلبث المترجم أن أصابه الفالج ومات سابع عشرين رمضان عن نيف وتسعين سنة. ونقم عليه بعد ذلك حسن باشا أمورا وعلم براءة نعمان أفندى مما نسبه إليه وأحضر نعمان أفندى وأكرمه ورد له منصبه وأجله وأكرمه وصاحبه مدة إقامته بمصر ورجع معه إلى اسلامبول وجعله منجم باشا. وكانت له يد طولى في علم النجامة ثم نفاه بعد ذلك إلى اماصيه بسبب توسطه مع صالح أغا للامراء المصريين كما ذكر في موضعه. وخلف المترجم ابنه صالح جلبي الموجود الآن ومملوكه علي أفندى الذى كان يتولى نيابات القضاء في المحلة ومنوف وغيرهما. ومات الشيخ الصالح أحمد بن عيسى بن عبد الصمد بن أحمد بن فتيح ج / 1 ص -655- ابن حجازى القطب السيد علي تقي الدين دفين رأس الخليج بن فتح ابن عبد العزيز بن عيسى بن نجم خفير بحر البرلس الحسيني الخليجي الأحمدى البرهاني الشريف الشهير بأبي حامد ولد برأس الخليج وحفظ القرآن وبعض المتون ثم حبب إليه السلوك في طريق الله تعالى فترك العلائق وانجمع عن الناس واختار السياحة مع ملازمته لزيارة المشاهد والأولياء والحضور في موالدهم المعتادة. وكان الأغلب في سياحته سواحل بحر البرلس ما بين رشيد ودمياط على قدم التجريد. ووقعت له في أثناء ذلك اشارات واجتمع فيها باكابر أهل الله تعالى وكان يحكي عنهم أمورا غريبة من خوارق العادات وأقام مدة يطوى الصيام ويلازم القيام واجتمع في سياحته ببلاد الشرق على صلحاء ذلك العصر ورافق السيد محمد ابن مجاهد في غالب حالاته فكانا كالروح في جسد وله مكارم اخلاق ينفق في موالد كل من القطبين السيد البدوى والسيد الدسوقي أموالا هائلة ويفرق في تلك الأيام على الواردين ما يحتاجون إليه من المآكل والمشارب وكان كلما ورد إلى مصر يزور السادة العلماء ويتلقى عنهم وهم يحبونه ويعتقدون فيه منهم الشيخ الدمياطي وشمس الدين الحنفي وغيرهما وكان له شيخنا السيد مرتضى مزيد اختصاص وألف بأسمه رسالة المناشي والصفين وشرح له خطبة الشيخ محمد البحيرى البرهاني على تفسير سورة يونس وبأسمه أيضا كتب له تفسيرا مستقلا على سورة يونس على لسان القوم وصل فيه إلى قوله تعالى: {وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً} وذلك في أيام سياحته معه وكمله بعد ذلك. وفي سنة 1199 ورد إلى مصر لأمر اقتضى فنزل في المشهد الحسيني وفرش له على الدكة وجلس معه مدة وتمرض أشهرا بورم في رجليه حتى كان في أول المحرم من هذه السنة زاد به الحال فعزم على الذهاب إلى فوة. فلما نزل إلى بولاق وركب السفينة وافاه الحمام وأجاب مولاه بسلام وذلك في يوم عاشوراء ج / 1 ص -656- وذهب به اتباعه إلى فوة بوصية منه وغسل هناك ودفن بزاوية قرب بيته وعمل عليه مقام يزار. ومات الشيخ الفاضل النبيه اللوذعي الذكي المفوه الناظم الشاعر اللبيب الشيخ محمد المعروف بشبانه كان من نوادر الوقت اشتغل بالمعقول وحضر على أشياخ العصر فأنجب وعانى علم العروض ونظم الشعر وأجاد القوافي وداعب أهل عصره من الشعراء وغيرهم واشتهر بينهم وأذعنوا لفضله إلا أن سليقته في الهجو أجود من المدح. ومات الأجل المركم أحمد بن عياد المغربي الجربي كان من أعيان أهل تونس وتولى بها الدواوين واثرى فوقع بينه وبين إسمعيل كتخدا حمودة باشة تونس أمور أوجبت جلاءه عنها فنزل في مركب بأهله وأولاده وماله وحضر إلى اسكندرية فلما علم به القبطان أراد القبض عليه وأخذ أمواله فشفع فيه نعمان افندى قاضي الثغر وكان له محبة مع القبطان فأفرج عنه فأهدى بن عياد لنعمان أفندى ألف دينار في نظير شفاعته كما اخبرني بذلك نعمان افندى المذكور. ثم حضر إلى مصر وسكن بولاق بشاطيء النيل بجوار دارنا التي كانت لنا هناك وذلك في سنة اثنتين وتسعين ومعه ابنه صغيرا ونحو اثنتي عشرة سرية من السرارى الحسان طوال الأجسام وهن لابسات ملابس الجزائر بهيئة بديعة تفتن الناسك وكذلك عدة من الغلمان المماليك كأنما أفرغ الجميع في قالب الجمال وهم الجميع بذلك الزى. وصحبته أيضا صناديق كثيرة وتحائف وامتعة فأقام بذلك المكان منجمعا عن الناس لا يخرج من البيت قط ولا يخالط أحدا من أهل البلدة ولا يعاشر إلا بعض افراد من أبناء جنسه يأتونه في النادر فأقام نحو ثمان سنوات ومات أكثر جواريه ومماليكه وعبيده وخرج بعده من تونس إسمعيل كتخدا أيضا فارا من حموده باشا ابن علي باشا وحضر إلى مصر وحج ورجع إلى اسلامبول واتصل بحسن باشا ج / 1 ص -657- ولازمه فاستوزره وجعله كتخدا. فلما حضر حسن باشا إلى مصر أرسل إليه بن عياد تقدمة وهدية فقبلها وحضر أيضا في أثره إسمعيل كتخداه المذكور فأغراه به لما في نفسه منه من سابق العداوة والظلم كمين في النفس القوة نظهره والضعف يخفيه فأرسل حسن باشا يطلب ابن عياد للحضور إليه بامان فاعتذر وامتنع فسكت عنه أياما ثم أرسل يستقرض منه مالا فأبى أن يدفع شيئا ورد الرسل أقبح رد فرجعوا وأخبروا إسمعيل كتخدا وكان بخان الشرايبي بسبب المطلوب من التجار فحنق لذلك وتحرك كامن قلبه من العداوة السابقة وركب في الحال وذهب إلى بولاق ودخل إلى بيته وناداه فأجابه بأحسن الجواب وأبى أن ينزل إليه وامتنع في حريمه وقال له: أما كفاك إني تركت لك تونس حتى أتيتني إلى هنا. وضرب عليه بنادق الرصاص فقتل من أتباعه شخصين فهجم عليه إسمعيل كتخدا وطلعوا إليه وتكاثروا عليه وقتلوه وقطع رأسه وأراد قتل ولده أيضا فوقعت عليه أمه فتركوه وأخرجوا جثته خارج الزقاق فألقوها في طريق المارة واخرجوا نساءه وخدمه واحتاطوا بالبيت وختموا عليه. تاريخ عجائب الآثار في التراجم والأخبار ج / 2 ص -5- سنةإحدى ومائتين وألف. في يوم الإثنين سابع المحرم حضر إسمعيل بك في تجريدة إلى مصر فركب بمفرده وهو ملثم بمنديل وحضر عند حسن باشا وقابله وهو أول اجتماعه به وجلس معه مقدار درجتين لا غير وأستاذ نه في القيام فخلع عليه فروة سمور وقام وذهب إلى بيت مملوكه علي بك جركس وهو بيت أيوب بك الصغير الذي في الحبانية وكان السبب في حضوره على هذه الصورة أنه في يوم الخميس ثالث المحرم التقوا مع الأمراء القبليين واتفقوا معهم عند المنشية فكان بينهم وقعة عظيمة وقتل من الفريقين جملة كبيرة وأبلى فيها المصريون البحرية والقبلية مع بعضهم وتنحت عنهم العساكر العمثانية ناحية وهجمت القبالي وألقوا بأنفسهم في نار الحرب وطلب كل غريم غريمه ثم اندفعت العثمانية مع البحرية وظهر من شجاعة عابدي باشا ما تحدث به الفريقان في شجاعته وأصيب إسمعيل بك برشة رصاص دخلت في فمه وطلعت من خده فولى منهزما وألقى نفسه في البحر وركب في قنجة وحضر إلى مصر على الفور ولم يدر ماذا جرى بعده فلما حضر على هذه الصورة وأشيع وقوع الكسرة والهزيمة على التجريدة اضطربت الأقاويل واختلفت الروايات وكثرت الأكاذيب وارتج العثمانيون. ج / 2 ص -6- وأرسل حسن باشا الرسل لإحضار العساكر التي بالاسكندرية وكذلك أرسل إلى بلاد الروم. وفي يوم السبت ثاني عشرة حضر حسن بك الجداوي وجماعة من الرجاقات والعساكر فذهب حسن بك إلى حسن باشا وقابله وقد أصيب بسيف على يده فخلع عليه فروة ثم ذهب إلى بيته القديم وهو بيت الداودية وكذلك حضر بقية الأمراء الصناجق وأصيب قاسم بك بضربة جرحت أنفه وكذلك حضر عابدي باشا وطلع إلى قصر العيني وأقام به. وفيه حضر ططرى وعلى يده مرسوم بعزل محمد باشا عن ولاية مصر وولاية عابدي باشا مكانه وأن محمد باشا يتوجه إلى ولاية ديار بكر عوضا عن عابدي باشا فشرع عابدي باشا في نقل عزاله إلى بولاق فتحدث الناس أن ذلك من فعل حسن باشا لأن بينهما أمورا باطنية. وفي يوم الإثنين عمل حسن باشا ديوانا في بيته اجتمع فيه جميع الأمراء والصناجق والمشايخ وألبس إسمعيل بك خلعة وجعله شيخ البلد وكبيرها وألبس حسن بك خلعة وقلده أمير الحاج فخرجوا من مجلسه وهم كاظمون لغيظهم هذا وأسمعيل بك متململ من جرحه والسيد عثمان الحمامي يعالجه وأخرج من عنقه ست عشرة زردة من زرد الزرخ فإن الرصاص لما أصابه منعه الزرخ من الغوص في الجسد فغاص نفس الزرد فأخرجه السيد عثمان بالالة واحدة بعد واحدة بغاية المشقة والألم ثم عالجه بالادهان والمراهم حتى برىء في أيام قليلة. وفيه حضر إلى إسمعيل بك رجل بدوي وأخبر أن الجماعة القبليين زحفوا إلى يجري ووصلت أوائلهم إلىبني سويف وأخبر أنه مات منهم مصطفى بك الداودية ومصطفى بك السلحدار وعلي أغا خازندار مراد بك سابقا ونحو خمسة عشر أميرا من الكشاف وأن نفوسهم قويت على الحرب. وفي يوم الثلاثاء حضر إسمعيل أغا كمشيش وكان ممن تخلف في الأسر. ج / 2 ص -7- عند القلبين فأفرجوا عنه وأرسلوا معه مكاتبة يذكرون فيها طلب الصلح وتوبتهم السابقة واستعدادهم للحرب أن لم يجابوا في ذلك. وفي يوم الأربعاء نزل محمد باشا من القلعة وذهب إلى بولاق. وفي يوم الخميس نودي على النفر والالضاشات والأجناد والمماليك بأن يتبع كل شخص متبوعه وبابه ومن وجد بعد ثلاثة أيام بطالا ولم يكن معه ورقة يستحق العقوبة وكذلك حضور الغائبين بالأرياف. وفيه أخذ أحمد القبطان المعروف بحمامجي أوغلي المراكب الرومية التي بقيت في النيل وجملة نقاير وصعد بهم إلى ناحية دير الطين قريبا من التبين وشرعوا في عمل متاريس وحفر خنادق هناك ونقلوا جملة مدافع أيضا وكان أشيع طلوع عابدي باشا إلى القلعة في ذلك اليوم فلم يطلع وحضر عند حسن باشا وتكلم معه كلاما كثيرا وقال كيف أطلع وأتسلطن في هذا الوقت والأعداء زاحفون على البلاد وأولاد أخي قتلوا في حربهم ولا أطلع حتى أخذ بثأرهم أو أموت ثم قام من عنده ورجع إلى قصر العيني. وفيه سافر عمر كاشف الشعراوي لملاقاة الحجاج إلى القلزم وحضرت مكاتيب الجبل على العادة القديمة وأخبروا بالأمن والراحة. وفي يوم الجمعة خرج رضوان بك بلغيا وسليمان الشابوري وعبد الرحمن بك عثمان وبرزوا خيامهم ناحية البساتين. وفيه عمل حسن باشا ديوانا وخلع على ثلاثة أشخاص من أمراء حسن بك الجداوي وقلدهم صناجق وهم شاهين وعلي وعثمان. وفيه حضر إلى مصر ذو الفقار الخشاب كاشف الفيوم المعروف بأبي سعدة. وفي يوم السبت خرج غالب الأمراء إلى ناحية البساتين وورد الخبر عن القبليين أنهم لم يزالوا مقيمين في ناحية بني سويف. وفيه أنفق حسن باشا ثلث النفقة على العسكر فأعطى إسمعيل بك عشرين ألف دينار وحسن بك خمسة عشر ألفا ولكل صنجق عشرة آلاف. ج / 2 ص -8- ولكل طائفة وجاق أربعة آلاف فاستقل الينكجرية حصتهم وكتبوا لهم عرضحال يطلبون الزيادة في نفقتهم. وفيه طلب حسن باشا دراهم سلفة من التجار فوزعوها على أفرادهم فحصل لفقرائهم الضرر وهرب أكثرهم وأغلقوا حوانيتهم وحواصلهم فصاروا يسمرونها وكذلك البيوت وطلبوا أيضا الخيول والبغال والحمير وكبسوا البيوت والأماكن لاستخراجها وعزت الخيول جدا وغلت أثمانها. وفي يوم الإثنين قبض حسن باشا على إسمعيل اغا كمشيش المتقدم ذكره وأمره بقتله وأخرجوه من بين يديه وعلى رأسه دفية فشفع فيه الوجاقلية فعفا عنه من القتل وسجنوه وسبب ذلك أنه أحضر صحبته عدة مكاتيب سرا خطابا لبعض أنفار فظهروا على ذلك فوقع له ما وقع. وفيه عمل حسن باشا ديوانا عظيما جمع فيه الأمراء والأعيان وقرأوا مكاتبات أرسلها القبليون يطلبون الصلح والأمان ويذكرون العابدي باشا ما نهب له في المعركة وأن يرسل قائمة بذلك ويردون له ما ضاع بتمامه فقال عابدي باشا لحسن بك الجداوي: ما تقول في هذا الكلام؟ قال أقول: لا نأخذه إلا بالسيف كما أخذوه منا بالسيف وانفض الديوان ووقع الاتفاق على أن يكتبوا لهم جوابا عن رسالتهم ملخصة أن كان قصدهم الصلح والأمان وقبول التوبة فإنهم يجابون إلى ذلك ويحضر إبراهيم بك ومراد بك ويأخذ لهم حضرة القبطان أمانا شافيا من مولانا السلطان اينما يريدون في غير الإقليم المصري يتعيشون فيها بعيالهم وأولادهم وما شاؤوا من مماليكهم واتباعهم وأما بقية الأمراء فإن شاؤوا حضروا إلى مصر وأقاموا بها وكانوا من جملة عسكر السلطان وأن شاؤوا عينوا لهم أماكن من الجهات القبلية يقيمون بها وأن أبوا ذلك فليستعدوا للحرب والقتال. وفي يوم الثلاثاء قبض حسن باشا على عمر كاشف الذي سكنه بالشيخ الظلام وعلي محمد أغا البارودي وأمر بحبسهما عند إسمعيل بك وسبب. ج / 2 ص -9- ذلك المكاتبات التي تقدم ذكرها مع إسمعيل آغا كمشيش. وفي يوم الأربعاء سافر محمد أفندي مكتوبجي حسن باشا بالمكاتبة إلى القبليين. وفي يوم الخيس نزل الاغا والجاويشية ونادوا على جميع الالضاشات بالذهاب إلى بولاق ليسافروا في المراكب صحبة الوجاقلية وكل من بات في بيته إستحق العقوبة وطاف الاغا عليهم يخرجهم من أماكنهم ويقف على الخانات ويسأل على من بها منهم ويأمرهم بالخروج فأغلق الناس حوانيتهم وبطل سوق خان الخليلي في ذلك اليوم وخرج منهم جماعة ذهبوا إلى بولاق ومنهم من طلع إلى الأبواب حسب الأمر وحصل لفقرائهم كرب شديد لكونهم لم يأخذوا نفقة بل رسموا لهم أنهم يأكلون على سماط بلكهم ويعلقون على دوابهم وطعامهم البقسماط والارز والعدس لا غير وذلك لعزة اللحم وعدم وجوده فإن اللحم الضاني بالمدينة بثلاثة عشر نصف فضة أن وجد والجاموسي بثمانية انصاف وزاد سعر الغلة بعد الانحطاط وكذلك السمن والزيت. وفي يوم الأحد سابع عشرينه حضر محمد أفندي المكتوبجي من عند الجماعة وصحبته علي أغا مستحفظان بجواب الرسالة السابق ذكرها فأخبر أنهم ممتثلون لجميع ما يؤمرون به ما عدا السفر إلى غير مصر فإن فراق الوطن صعب ويذكر عنهم أنه لم يشق عليهم شيء أعظم من تمكن أخصامهم من البلاد أعني إسمعيل بك وحسن بك وذلك هو السبب الحامل لهم على القدوم والمحاربة فإن لم يقبل منهم ذلك فالقصد أن يبرز لحربهم أخصامهم دون العساكر العثمانية فتكون الغلبة لنا أو علينا فإن كانت علينا وظفروا بنا استحقوا الإمارة دوننا وأن كانت لنا وظفرنا بهم فالأمر لكم بعد ذلك أن شئتم قبلتم توبتنا ورددتم لنا مناصبنا وشرطتم علينا شروطكم فقمنا بها قياما لا نتحول عنه أبدا ما بقينا وأن شئتم وجهتمونا. ج / 2 ص -10- إلى أي جهة امتثلنا ذلك فلما ذكرا ذلك لحسن باشا قال لعلي أغا أنا ما جئت إلى مصر لا عمل لهم على قدر عقولهم وإنما السلطان امرني بما أمرت به فإن كانوا مطيعين فليمتثلوا الأمر وإلا فسيلقون وبال عصيانهم وكتب لعلي أغا جوابا بذلك وخلع عليه فروة سمور وسافر من وقته ورجع إلى أصحابه وصحبته شخص من طرف الباشا ولما ذهب إليهم محمد أفندي المكتوبجي انعموا عليه وأكرموه واعطاه مراد بك خاصة ألف ريال فجعل يثني عليهم ويمدح مكارم أخلاقهم. واستهل شهر صفر الخير أوله يوم الخميس فيه حضرت خزينة حسن باشا من ثغر اسكندرية فدفع باقي النفقة للعسكر والأمراء. وفيه وصل الخبر أن الأمراء القبالي زحفوا إلى بحري ووصلت أوائلهم إلى بر الجيزة وآخرهم بالرقق وفردوا الكلف على بلاد الجيزة. وفيه طلب إسماعيل بك دراهم سلفة من التجار فاعتذروا بقلة الموجود بأيديهم وأغنياؤهم جلوا إلى الحجاز ولم يدفعوا له شيئا وادعى على تجار البن بمبلغ دراهم باقي حساب من مدته السابقة فصالحوه عنها بأربعة آلاف دينار. وفي يوم الجمعة نودى على المحمدية المقيمين بمصر أنهم يذهبون إلى إسمعيل بك ويقابلونه سواء كان جنديا أو أميرا أو مملوكا ومن تأخر استحق العقوبة وقبض على أنفار منهم وسجنوا بالقلعة وختم على دورهم من جملتهم جعفر كاشف الساكن عند بيت القاضي من ناحية بين القصرين. وفي تلك الليلة أعني ليلة الأحد وقعت حادثة لشخص من الأجناد يقال له إسمعيل كاشف أبو الشراميط بيته في عطفة بخط الخيمية قتله مماليكه وسبب ذلك على ما سمعنا تقصيره في حقهم وفي تصرفه عدة حصص جارية في التزامه فكتب تقاسيطها بتمامها باسم زوجته ولم يكتب لهم شيئا من ذلك وكان جبارا ظالما معدودا في جملة كشاف مراد بك فلما حصلت المناداة على المحمدية ذهب إلى إسمعيل بك وقابله فطرده وأمره ج / 2 ص -11- بلزوم بيته وأن لا يخرج منه فذهب إلى بتيه وأرسل إلى إسمعيل بك حصانين بعددهما أحدهما مركوبه والثاني لاحد مماليكه وأرسل معهما درعين على سبيل التقدمة والهدية ليستميل خاطره وكان مملوكه صاحب الحصان غائبا في شغل فلما حضر لم يجد الجواد فسأل عنه فأخبره خشداشه بصورة الحال فدخل إلى سيده وسأله فنهره وشتمه فخرج مقهورا وجلس يتحدث مع رفيقه فقالوا لبعضهم هذا الرجل سيدنا لا نرى منه إلا الاذى ولا نرى منه احسانا ولاحلاوة لسان كذلك الحصص كتبها لزوجته ولم يفعل معنا خيرا عاجلا ولا آجلا وحملهم الغيظ على أنهم دخلوا عليه بعد العشاء وقتلوه فصرخت زوجته من أعلى ونزلت إليهم فقتلوها أيضا هي وجاريتها فسمعت الجيران وكثر العائط وحضر الوالي فوقف المملوكان وضربا عليه بنادق الرصاص ونقبا بيوت الجيران ونطا منها فلم يزل حتى قبض عليهما وقتلهما على رأس العطفة وأصبح الخبر شائعا بين الناس بذلك. وفي يوم الأحد المذكور حضر نجاب الحج وأخبر أن العرب وقفت للحجاج في طريق المدينة وحاربوهم سبعة أيام وانجرح أمير الحاج وقتل غالب أتباعه وخازنداره ومن الحجاج نحو الثلث ونهبوا غالب حمولهم بسبب عوائدهم القديمة. وفي يوم الإثنين شق الاغا وإمامه المنادى يقول أن إبراهيم بك ومراد بك مطرودا السلطان ومن كان مختفيا أو غائبا وأراد الظهور أو الحضور فليظهر أو يحضر وعليه الأمان ولا بأس عليه ومن خألف فلا يلومن إلا نفسه. وفيه انتقل عساكر القليونجية وعدوا إلى البر الغربي ونصبوا هناك متاريس وأما الأمراء القبليون فإنهم اخرجوا أثقالهم من المراكب وطلعوها بأجمعها إلى البر وتركوا المراكب ذهبت إلى حال سبيلها وانحازوا جميعا ج / 2 ص -12- عند الأهرام. وفي يوم الثلاثاء نودي على جميع الالضاشات بالخروج إلى الوطاق وكذلك المقيمون بالقلعة فتكدر الناس لذلك واختفوا في الدور ولبس كثير منهم ملابس الفقهاء والمجاورين وسبب ذلك عدم قدرتهم على الخروج من غير مصرف فإذا خرج فقير الحال لا يجد ما يأكله ولا ما ينفقه عياله في غيبته ولا يفيده إلا مقاساة الجوع والبرد والغربة والمشقة. وفي يوم الأحد حادي عشره نزل الحجاج ودخلوا مصر على حين غفلة وهم في أسوأ حال من العري والجوع ونهبت جميع أحمال أمير الحاج وأحمال التجار وجمالهم وأثقالهم وأمتعتهم واسر العرب جميع النساء بالأحمال وكان أمرا شنيعا جدا ثم أن الحجاج استغاثوا بأحمد باشا الجزار أمير الحاج الشامي فتكلم مع العرب في أمر النساء فأحضروهن عرايا ليس عليهن إلا القمصان وأجلسوهن جميعا في مكان وخرجت الناس افواجا فكل من وجد امرأته أو أخته أو أمه أو بنته وعرفها اشتراها ممن هي في اسره وصارت المرأة من نساء العرب تسوق الأربعة من الجمال والخمسة باحمالها فلا تجد مانعا وسبب ذلك كله رعونة أمير الحاج فإنه لما أراد أن يتوجه بالحجاج إلى المدينة أرسل إلى العرب فحضر إليه جماعة من أكابرهم فدفع لهم عوائد سنتين وقسط البواقي على السنين المستقبلة بموجب الفرمان وحجز عنده أربعة أشخاص رهائن فبدا له أن كواهم بالنار في وجوههم فبلغ ذلك أصحابهم فقعدوا للحجاج في الطريق فبلغ أمير الحاج ذلك فذهب من طريق أخرى فوجدهم رابطين فيها أيضا فقاتلوه قتالا هينا ففر هاربا وترك الحجاج والعرب فنهبوا حملته وقتلوا مماليكه ولم يبق معه إلا القليل فهرب بمن بقي معه واختفى عن الحجاج ثلاثة أيام ولم يره أجد وفعلت العرب في الحجاج ما فعلوه وأخذوا ما أخذوه فلم ينج منهم إلا من طال عمره وسلم نفسه أو افتداها ج / 2 ص -13- إلى غير ذلك وأخذوا المحمل أيضا ولم يردوه. وفي يوم الإثنين ثاني عشرة هجمت القبليون على المتاريس وأرادوا أن يملكوها في غفلة آخر الليل لعلمهم أن الأمراء والباشا ذهبوا إلى مصر واشتغلوا بالحجاج وكان حسن باشا ذلك اليوم لما بلغه حضور الحجاج ركب من فوره وذهب إلى العادلية فقابل أمير الحاج ورجع من ليلته إلى الوطاق فلما هجموا على المتاريس كان المتترسون مستيقظين فضربوا عليهم المدافع من البر والبحر من الفجر إلى شروق الشمس فرجعوا إلى مكانهم من غير طائل ثم هجموا أيضا يوم الثلاثاء بعد الظهر فضربوا عليهم ورجعوا. وفي يوم الأربعاء ركب الأمراء القبليون وحملوا أحمالهم وصعدوا إلى دهشور وجلسوا هناك وحضر منهم جماعة من الأجناد بأمان وانضموا إلى البحريين. وفي أواخره أمر حسن باشا بمحاسبة محمد باشا المعزول فذهب إليه أرباب الخدم والعكاكيز واختيارية الوجاقات والافندية وذهبوا إليه ببولاق وتحاسبوا معه ودققوا عليه في الحساب فطلع عليه ألف ومائتان وخمسة وعشرون كيسا فطلب أن يخصم منها باقي عوائده التي بذمم الأمراء وغيرهم فعرفوا حسن باشا عن ذلك فلم يقبل وقال: أن كان له شيء عند أجد يأخذه منه ولا بد من أحضار الدراهم التي طلعت عليه فإني محتاج إلى ذلك في المصاريف اللازمة للعسكر فشددوا عليه في الطلب فضاق خناقه واعتذر وبكي وكتب على نفسه تمسكا بذلك واستوحشا من بعضهما فسعى فيض الله أفندي الرئيس بينهما في إزالة ذلك ثم ذهب محمد باشا إلى حسن باشا واجتمع معه في قصر الآثار. وفيه حضرت مكاتبة من القبالي يطلبون الأمان وأن يعينوا لهم أماكن في الجهة القبلية يقيمون بها ويعيشون هناك فأجيبوا إلى ذلك ويختاروا ج / 2 ص -14- مكانا يريدونه بشرط أن يكونوا جماعة قليلة ويحضر باقي الأمراء والعسكر إلى مصر بالأمان فلم يرضوا بالافتراق ولم يجابوا إلا بمثل الجواب الأول واستقروا ناحية بني سويف ورجعت عنهم عرب الهنادي وفارقوهم. واستهل ربيع الأول بيوم الجمعة فيه حضر ططرى من الدولة وعلى يده مثال لحسن باشا بأن يقيم بمصر ولا يخرج مع العساكر بل يستمر محافظا في المدينة فتحقق الناس إقامته عدم سفره. وفيه شرع حسن باشا في عمل شر كفلك فشرعوا في عمله على ساحل بولاق تجاه الديوان وهو عبارة عن متريز مصنوع من أخشاب ممتدة على مقصات من خشب وهي قطع مفصلات يجمعها أغربة من جديد وعلى تلك المدادات عدة حراب حديد مستمرة عليها محددة الأطراف وبين كل مقصين سفل الأخشاب الممتدة مدفع موضوع على شبه بسطة من الخشب ومساحة ذلك نحو أربعمائة وخمسين ذراعا وهو يوضع على هيئات مختلفة مربعا ومدورا والعسكر من داخله متحصنين به وإذا هجمت عليه الخيول رشقت بها تلك الحرب. وفي يوم الإثنين رابعه ركبت طوائف العسكر والوجاقات ومروا بنظامهم من تحت قصر الآثار وحسن باشا ينظرهم فأعجبه نظامهم وترتيبهم وحسن زيهم ثم تتابعوا في التعدية. وفي ليلة الخميس رابع عشرة كسف جرم القمر جميعه وكان ابتداؤه من رابع ساعة إلى ثامن ساعة من الليل. وفي منتصفة حضرت عساكر من الاضات مثل قبرس وقرمان وغير ذلك وجاء الخبر عن الأمراء القبالي أنهم وصلوا إلى أسيوط وتخلف عنهم جملة من المماليك والاتباع في نواحي المنية وغيرها فمنهم من حضر إلى مصر ومنهم من اختفى في البلاد ج / 2 ص -15- وفيه اشتكت الناس من غلاء الأسعار وتكلم الشيخ العروسي مع حسن باشا بسبب ذلك وقال له في زمن العصاة: كان الأمراء ينهبون ويأخذون الاشياء من غير ثمن والحمد لله هذا الأمر ارتفع من مصر بوجودكم وما عرفنا موجب الغلاء أي شيء فقال: أنا لا أعرف اصطلاح بلادكم وتشاور مع الاختيارية في شأن ذلك فوقع الاتفاق على عمل جميعة في باب الينكجرية وأحضار الاغا والمحتسب والمعلمين ويعملون تسعيرة وينادون بها ومن خألف أو احتكر شيئا قتل فلما كان يوم السبت سادس عشرة اجتمعوا في باب مستحفظان وحضر الشيخ العروسي أيضا واتفقوا على تسعيرة في الخبز واللحم والسمن وغير ذلك وركب الاغا وبجنبه المحتبسب ونادوا في الأسواق فجعلوا اللحم الضاني بثمانية انصاف وكان بعشرة والجاموسي ستة بعد سبعة والسمن المسلي بثمانية عشر والزبد بأربعة عشر والخبز عشر آواق بنصف فضة وهكذا فعزت الاشياء وقل وجود اللحم وإذا وجد كان في غاية الرداء مع ما فيه من العظم والكبد والفشة والكرشة. وفي أواخره وصل الخبر بأن رضوان بك قرابة علي بك الكبير المنافق وعلي بك الملط وعثمان بك وجماعة علوية حضروا إلى عرضي التجريدة وأخذوا الأمان من إسمعيل بك وعابدي باشا وأنهم قادمون إلى مصر وأن القبالي استقروا بوادي طحطأ مكانهم الأول الذي قاتلوا فيه. شهر ربيع الثاني في يوم الخميس خامسه وصل المذكور إلى مصر وقابلوا حسن باشا وتوجهوا إلى بيوتهم. وفي يوم الأحد ثامنه ضربوا مدافع كثيرة وقت الضحى وكان أشيع في أمسه أن التجريدة نصرت وقتل من القبالي أناس كثيرة فلما سمعت الناس تلك المدافع ظنوا تحقيق ذلك وكثرت الأكاذيب والأقاويل ثم تبين أن لا شيء وأنها بسبب رجوع بعض مراكب رومية من ناحية الفشن بسبب. ج / 2 ص -16- قلة ماء النيل ومن عادتهم أنهم إذا وصلوا للمرساة ضربوا مدافع فيجابوا بمثلها. وفي منتصفه حضر محمد كتخدا الاشقر بسبب تجهيز ذخيرة ولوازم ومصاريف فهيئت وأرسلت وكذلك قبل ذلك مرارا كثيرة وأخبر أن التجريدة وصلت إلى دجرجا وأن القبالي ارتحلوا منها وصعدوا إلى قوق وتباعدوا عن البلد نحو ست ساعات ثم انقطعت الأخبار. واستهل شهر جمادى الأولى فيه زاد قلق حسن باشا بسبب تأخر الجوابات وطول المدة. وفيه عين حسن باشا على محمد باشا برشيد وشدد عليه في طلب الدراهم وضايقوه حتى باع امتعته وحوايجه وغلق ما عليه وتوفيت زوجته فحزن عليها حزنا شديدا مع ماهو فيه من الكرب ولم يفده من فعائله وهمته التي فعلها بمصر عند قدوم حسن باشا شيء وجازاه بعد ذلك بأقبح المجازاة فإنه لولا أفاعيله وتمويهاته وأكاذيبه ما تمكن حسن باشا من دخول مصر فإنه كان يعظم الأمر على الأمراء المصريين ويهول تهويلات كثيرة عليهم وعلى المشايخ واختيارية الوجاقات ويقول: إياكم والعناد وإياكم أن توقعوا حربا فانكم تخربون بلادكم وتكونون سببا في هلاك أهلها فإنه بلغني أنه تعين مع حسن باشا كذا كذا الفا من الجنس الفلاني وكذا كذا ألفا من جنس العسكر الفلاني وأنهم متأخرون في الحضور عنه تحت الاحتياج وكذلك في عساكر البر الواصلة من الجهة الشامية ومعهم ثمانون ألف ثور ومائة ألف جاموس برسم جر المدافع وفي المدافع ما يصحبه خمسون ثورا ونحو ذلك حتى ادخل عليهم الوهم وظنوا صدقة وانحلت عرا الناس عنهم وخصوصا بما منا هم به من إقامة العدل ومنع الظلم والجور وغير ذلك حتى جذب قلوب العالم وتحولوا عن الأمراء وتمنوا زوالهم في أسرع وقت وهيج الناس وأثارهم قبل وصول حسن ج / 2 ص -17- باشا وملك القلعة ومهد له الأمور فجزاه بعد تمكنه بالخذلان والعزل والحساب والتدقيق وغير ذلك. وفي يوم الأربعا ثالثه ورد نجاب وصحبته مكتوب من عابدي باشا إلى حسن باشا وأخبر بوقوع الحرب بين الفريقين في يوم الجمعة ثامن عشرين الآخر عند الأمير ضرار وكانت الهزيمة على القبالي ولكن بعد أن كسروا الجردة مرتين وهجموا على شركفلك فضربوا عليهم من داخله بالمدافع والبنادق وقتل لاجين بك عند شركفلك وقتل الكثير من عرب الهنادى وقبض على كبيرهم أسيرا ومات من المصاحبين للعسكر ذو الفقار الخشاب وجماعة من الوجاقلية منهم على جربجي المشهدي وكانت الحرب بينهم نحو ست ساعات وكانت وقعة عظيمة وقتل من الفريقين ما لا يحصى وكان حضور هذا النحاب على الفور من غير تحقيق فلما ورد ذلك سر الباشا سرورا كثيرا وأمر بعمل شنك فضربوا مدافع كثيرة من قصر العيني والقلعة وضربوا النوبة السلطانية في برج القلعة وكذلك نوبة حسن باشا تحت القصر وأرسل المبشرين إلى الأعيان كالشيخ البكري والشيخ السادات وأكابر الوجاقات وحضروا جميعا للتهنئة. وفي سادسة حضرت عدة مكاتبات من أمراء التجريد فأخبروا فيها بتلك الواقعة وأن القبالي صعدوا بعد الهزيمة إلى عقبة الهو على جرائد الخيل فلم يصعدوا خلفهم لصعوبة المسلك على الأجمال والاثقال وأنهم منتظرون حضور مراكبهم وما فيها من الذخيرة فيحملوا لإحمال ويسيرون بأجمعهم خلفهم من الطريق المستقيم التي توصل إلى خلف العقبة واخبروا أيضا أنهم استولوا على حملاتهم ومتاعهم حتى بيع الجمل وعليه النقاقير بخمسة ريال ونحو ذلك ج / 2 ص -18- من الحوادث في هذه الأيام. وقوع الموت الذريع في الأبقار حتى صارت تتساقط في الطرقات ومات لابن بسيوني غازي بناحية سنديون خاصة مائة وستون ثورا وقس على ذلك. وفي عاشره طلب الباشا حوضا ليعمله حنفية فأخبره الحاضرون وعرفوه بالحوض الذي تحت الكبش المعروف بالحوض المرصود فأمر بأحضاره فأرسلوا إليه الرجال والحمالين وأرادوا رفعه من مكانه فأزدحمت عليه الناس من الرجال والنساء لما تسامعوا بذلك لينظروا ما شاع وثبت في أذهانهم من أن تحته كنزا وهو مرصود على شيء من العجائب أو نحو ذلك وأن الباشا يريد الكشف عن أمره فلما حصل ذلك الإزدحام ووجده الحمالون ثقيلا جدا وهم لا يعرفون صناعة جر الاثقال وحركوه عن مكانه يسيرا وبلغ الباشا ما حصل من إزدحام العامة أمر بتركه فتركوه ومضوا فذهب العامة في أكاذيبهم كل مذهب فمنهم من يقول: إنهم لما حركوه وأرادوا جره رجع بنفسه ثانيا ومنهم من يقول غير ذلك من السخافات. وفي يوم الثلاثاء سادس عشرة وصل نيف وثلاثون رأسا من قتلى القبليين فألقوهم عند باب القلعة بالرميلة على سرير من جريد النخل وأبقوهم ثلاثة أيام ثم دفنوهم ووجد فيهم راس عزوز كتخدا عزبان. وفي ذلك اليوم أمر الباشا بشنق رجلين من الغيطانية تشاجرا مع طائفة من العسكر وضرباهم وأخذا سلاحهم ورفعت الشكوى إلى الباشا فأمر بشنق الغيطانية ظلما على الشجرة التي عند القنطرة فيما بين طريق مصر القديمة وطريق الناصرية. وفي يوم الإثنين ثاني عشرينه نظر أصحاب الدرك عدة هجانة مرت من ناحية الجبل معهم أمتعة وثياب مرسلة إلى القبالي من نسائهم فركبوا ج / 2 ص -19- خلفهم فلم يدركوهم واشاعوا أنهم قبضوا عليهم من غير أصل ووصل خبرهم حسن باشا فاغتاظ من الاغا والوالي وأمرهما بالذهاب إلى بيوتهم ويسمرونها عليهن ففعلوا ذلك وقبضوا على الاغوات الطواشية والسقائين وحصلت ضجة في البلد بين الظهر والعصر بسبب ذلك وفرت زوجة إبراهيم بك إلى بيت شيخ السادات ثم أن رضوان بك قرابة علي بك تشفع في تسمير البيوت فقبلت شفاعته وأرسل لمعادي الخبيري والجيزة ومنعهم من التعدية وحجزهم إلى البر الشرقي. وفي يوم الثلاثاء وردت نجابة وعلى أيديهم مكاتبات من عابدي باشا يخبر فيها بأن يحيى بك وحسن كتخدا الجربان حضرا إليه بأمان وخلع عليهم فراوي وصحبتهم عدة من الكشاف والمماليك وذلك بعد أن وصلوا إلى اسنا وأن القبالي ذهبوا إلى ناحية ابريم فتخلف عنهم المذكورون. وفي يوم الخميس سادس عشرينه حضر إسمعيل القبطان وكان بصحبته حمامجي أوغلي وأخبر أن العسكر العثمانية ملكوا أسوان وأن الأمراء القبالي ذهبوا إلى إبريم وأنهم في أسوأ حال من العري والجوع وغالب مماليكهم لابسون الزعابيط مثل الفلاحين وتخلف عنهم كثير من اتباعهم فمنهم من حضر إلى عابدي باشا بأمان ومنهم من تشتت في البلاد ومنهم من قتله الفلاحون وغير ذلك من المبالغات. وفي يوم الإثنين خلع حسن باشا علي رضوان بك العلوي وقلده كشوفية الغربية وقلد علي بك الملط كشوفية المنوفية وقرر لهما على كل بلد أربعة آلاف نصف قضة ونزلا إلى طندتا لأجل خفارة مولد السيد أحمد البدوي. وفي هذا الشهر عمت البلوى بموت الأبقار والثيران في سائر الإقليم البحري ووصل إلى مصر حتى أنها صارت تتساقط في الطرقات وغيطان المرعى وجافت الأرض منه فمنها ما يدركونه بالذبح ومنها ما يموت ج / 2 ص -20- ورخص سعر اللحم البقري جدا لكثرته حتى صار يباع بمصر آخر النهار كل رطلين بنصف فضة مع كونه سمينا غير هزيل وعافته الناس وبعضهم كان يخاف من أكله وأما الأرياف فكان يباع فيها بالأحمال وبيعت البقرة بما خلعها بدينار وكثر عويل الفلاحين وبكاؤهم على البهائم وعرفوا بموتها قدر نعمتها وغلا سعر السمن واللبن والاجبان بسبب ذلك لقلتها. شهر جمادى الآخرة استهل بيوم الأربعاء وكان ذلك يوم النوروز السلطاني وانتقال الشمس لبرج الحمل. وفي يوم الإثنين سافر حمامجي اوغلي بالجوابات إلى الجهة القبلية وفيها الأمر بحضور عابدي باشا وأسمعيل بك وباقي الأمراء إلى مصر وأن حسن بك ومحمد بك المبدول ويحيى بك يقيمون باسنا محافظين. وفي يوم الخميس سادس عشره نودي على النساء أن لا يخرجن إلى موسم الخماسين المعروف عند القبط بشم النسيم وذلك يوم الإثنين صبيحة عيدهم. وفي عشرينه نودي بأبطال المعامله بالذهب الفندقلي الجديد واستمرت المناداة على النساء في عدم خروجهن إلى الأسواق وسبب ذلك وقائعهن مع العسكر منها أنهم وجدوا ببيت يوسف بك سكن حمامجي اوغلي نحو سبعين امرأة مقتولة ومدفونة بالاسطبلات ومن النساء من لعبت على العسكر وأخذت ثيابه وأمثال ذلك فنودي عليهن بسبب ذلك فتضرر المحترفات منهن مثل البلانات والدايات وبياعات الغزل والقطن والكتان ثم حصل الاطلاق وسومحن في الخروج. وفي خامس عشرينه حضرت نجابة من قبلي وحضر أيضا حمامجي اوغلي وأخبروا أن الباشا والأمراء وصلوا إلى دجرجا. شهر رجب الفرد استهل بيوم الخميس فيه قبض حسن باشا على أحمد قبودان المعروف بحمامجي اوغلي وحبسه وحبس أيضا تابعه عثمان. ج / 2 ص -21- التوقتلي كان يسعى معه في الخبائث وكذلك رجل يقال له مصطفى خوجة. وفي يوم الخميس سابعه نودي على النساء انهن إذا خرجن لحاجة يخرجن في كمالهن ولا يلبسن الحبرات الصندل ولا الإفرنجي ولا يربطن على رؤوسهن العمائم المعروفة بالقازدغلية وذلك من مبتدعات نساء القازدغلية وذلك أنهن يربطن الشاشيات الملونة المعروفة بالمدورات ويجعلنها شبه الكعك ويملنها على جباههن معقوصات بطريقة معلومة لهن وصار لهن نساء يتولين صناعة ذلك بأجرة على قدر مقام صاحبتها ومنهن من تعطي الصانعة لذلك دينارا أو أكثر أو أقل وفعل ذلك جميع النساء حتى الجواري السود. وفي يوم الأحد حادي عشرة حضر عابدي باشا وأسمعيل بك وعلي بك الدفتردار ورضوان بك بلفيا وحسن بك رضوان ومحمد بك كشكش وعبد الرحمن بك عثمان وسليمان بك الشابوري وباقي الوجاقلية إلى مصر وذهبوا إلى بيوتهم وبات الباشا في مصر القديمة. وفي صبحها يوم الإثنين ركب عابدي باشا وطلع إلى القلعة من غير موكب وطلع من جهة الصليبة وذلك قبل آذان الظهر بنحو خمس درجات فلما استقر بها ضربوا له مدافع من الأبراج وبعد انقضاء المدافع ارعدت السماء رعودا متتابعة إلى العصر وأمطرت مطرا غزيرا وذلك رابع عشرين برموده القبطي وتاسع عشر نيسان الرومي وأما حسن بك الجداوي فإنه تخلف بقنا هو واتباعه وكذلك عثمان بك وسليم بك الإسماعيلي باسنا وعلي بك جركس بارمنت وعثمان بك وشاهين بك الحسيني ويحيى بك باكير بك ومحمد بك المبذول كذلك تخلفوا متفرقين في البنادر لأجل المحافظة وقاسم بك أبو سيف في منصبه بدجرجا وأراد الباشا وأسمعيل بك أن يبقوا طائفة من الوجاقلية ومعهم طائفة من العسكر فأبوا وقالوا: حتى نذهب إلى مصر ونعدل حالنا وبعد ذلك نأتي ج / 2 ص -22- وفي ذلك اليوم وصل الخبر بأن القبالي رجعوا إلى اسوان وشرعوا في التعدية إلى أسنا فأرسل إسمعيل بك إلى الاختيارية فحضروا عنده بعد العصر وتكلموا في شأن ذلك بحضرة علي بك أيضا وكذلك اجتمعوا في صبحها يوم الثلاثاء وانفصل المجسر كالأول. وفي أواخره وصل الخبر أنهم زحفوا إلى بحرى وأن حسن بك تأخر عنهم. شهر شعبان المكرم في أوائله جاء الخبر أنهم وصلوا إلى دجرجا وأن حسن بك والأمراء وصدوا في التأخر إلى المنية وعملت جمعيات ودواوين بسبب ذلك وشرعوا في طلوع تجريدة ثم وقع الاختلاف بين الباشا والأمراء واستقر الأمر بينهم في الرأي أن يراسلوهم في الصلح وأنهم يقيمون في البلاد التي كانت بيد إسمعيل بك وحسن بك ويرسلوا أيوب بك الكبير والصغير وعثمان بك الاشقر وعثمان بك المرادي يكونوا بمصر رهائن وكتبوا بذلك مكاتبات وأرسلوها صحبة محمد أفندي المكتوبجي وسليمان كاشف قنبور والشيخ سليمان الفيومي. وفيه قررت المظالم على البلاد وهي المعروفة برفع المظالم وكان حسن باشا عندما قدم إلى مصر أبطلها وكتب برفعها فرمانات إلى البلاد فلما حضر إسمعيل بك حسن له اعادتها فأعيدت وسموها التحرير وكتب بها فرمانات وعينت بها المعينون وتفرقوا في الجهات والأقاليم بطلبها مع ما يتبعها من الكلف وحق الطرق وغيرها فدهى الفلاحون وأهل القرى بهذه الداهية ثانيا على ما هم فيه من موت البهائم وهياف الزرع وسلاطة الفيران الكثيرة على غيطان الغلة والمقاثي وغيرها وما هم فيه من تكلف المشاق الطارىء عليهم أيضا بسبب موت البهائم في الدراس وادارة السواقي بأيديهم وعوافيهم أو بالحمير أو الخيل أو الجمال لمن عنده مقدرة على شرائها وغلت أثمانها بسبب ذلك إلى الغاية فتغيرت قلوب الخلق جميعا على حسن باشا وخاب ظنهم فيه وتمنوا زواله وفشا شر جماعته وعساكره ج / 2 ص -23- القليونجية في الناس وزاد فسقهم وشرهم وطمعهم وانتهكوا حرمةالمصر وأهله إلى الغاية. وفي خامسه يوم الأربعاء توفي أحمد كتخدا المجنون وقلدوا مكانه في كتخدائية مستحفظان رضوان جاويش تابعه عوضا عنه. وفيه قتل عثمان التوقتلي بالرميلة رفيق حمامجي اوغلي بعد أن عوقب بانواع العذاب مدة حبسه واستصفيت منه جميع الأموال التي كان يملكها واختلسها ودل على غيرها حمامجي اوغلي واستمر حمامجي اوغلي في الترسيم. وفيه قبض على سراج متوجه إلى قبلي ومعه دراهم وامتعة وغير ذلك فأخذت منه ورمي عنقه ظلما بالرميلة. واستهل شهر رمضان المعظم بيوم الأحد فيه اختصرت الأمراء من وقدة القناديل في البيوت عن العادة وعبى إسمعيل بك هدية جليلة وأرسلها إلى حسن باشا وهي سبع فروق وخمسون تفصيلة هندي عال مختلفة الاجناس وأربعة آلاف تصفية دنانير نقد مطروقة وجملة من بخور العود والعنبر وغير ذلك فأعطى للشيالين على سبيل الانعام أربعة عشر قرشا رومية عنها خمسمائة وستون نصفا فضة. وفي يوم الثلاثاء عاشره حضر المحمل صحبة رجل من الأشراف وذلك أنه لما وقع للحجاج من العربان ما وقع في العام الماضي ونهبوا الحجاج وأخذوا المحمل بقي عندهم إلى أن جيش عليهم الشريف سرور وحاربهم وقاتلهم قتالا شديدا وأفنى منهم خلائق لا تحصى واستخلص منهم المحمل وأرسله إلى مصر صحبة ذلك الشريف وقيل أن الشريف الذي حضر به هو الذي افتداه من العرب بأربعمائة ريال فرانسة فلما حضر خرج إلى ملاقاته الإشاير والمحملدارية وأرباب الوظائف ودخلوا به من باب النصر وإمامه الإشاير والطبول والزمور وذلك الشريف راكب إمامه أيضا ج / 2 ص -24- وفي ذلك اليوم بعد أذان العصر بساعتين وقعت حادثة مهولة مزعجة يخط البندقانيين وذلك أن رجلا عطارا يسمى أحمد ميلاد وحانوته تجاه خان البهار اشترى جانب بارود انكليزي من الفرنج في برميلين وبطة ووضعها في داخل الحانوت فحضر إليه جماعة من أهل الينبع وساوموه على جانب بارود وطلبوا منه شيئا اليروه ويجربوه فأحضر البطة وصب منها شيئا في المنقد الذي يعد فيه الدراهم ووضعوه على قطعة كاغد وأحضروا قطعة يدك وطيروا ذلك البارود عن الكاغد فأعجبهم ومن خصوصية البارود الانكليزي إذا وضع منه شيء على كاغد وطير فالنار لا تؤثر في الكاغد ثم رموا بالقطعة اليدك على مصطبة الحانوت وشرع يزن لهم وهم يضعونه في ظرفهم ويتساقط فيما بين ذلك من حباته وانتشر بعضها إلى ناحية اليدك وهم لا يشعرون فاشتعلت تلك الحبات واتصلت بما في أيديهم وبالبطة ففرقعت مثل المدفع العظيم واتصلت النار بذينك البرميلين كذلك فارتفع عقد الحانوت وما جاوره بما على تلك العقود من الأبنية والبيوت والربع والطباق في الهواء والتهبت بأجمعها نارا وسقطت بمن فيها من السكان على من كان أسفلها من الناس الواقفين والمارين وصارت كوما يظن من لم يكن رآه قبل ذلك أنه له مائة عام وذلك كله في طرفة عين بحيث أن الواقف في ذلك السوق أو المار لم يمكنه الفرار والبعيد أصيب في بعض أعضائه أما من النار أو الردم وكان السوق في ذلك الوقت مزدحما بالناس خصوصا وعصرية رمضان وذلك السوق مشتمل على غالب حوائج الناس وبه حوانيت العطارين والزياتين والقبانية والصيارف وبياعي الكنافة والقطائف والبطيخ والعبدلاوي ودكاكين المزينين والقهاوي وغالب جيران تلك الجهة وسكان السبع قاعات وشمس الدولة يأتون في تلك الحصة ويجلسون على الحوانيت لأجل التسلي والحاصل أن كل من كان حاصلا بتلك البقعة في ذلك الوقت سواء كان عاليا أو متسفلا أو مارا أو واقفا لحاجة أو جالسا أصيب البتة وكان ذلك ج / 2 ص -25- العطار يبيع غالب الأصناف من رصاص وقصدير ونحاس وكحل وكبريت وعنده موازين شبه الجلل فلما اشتعل ذلك البارود صارت تلك الجلل وقطع الرصاص والكحل والمغناطيس تتطاير مثل جلل المدافع حتى أحرقت واجهة الربع المقابل لها وكان خان البهار مقفولا متخربا وبابه كبير مسماري فصدمه بعض الجلل وكسر واشتعل بالنار واتصل بالطباق التي تعلو ذلك الخان ووقعت ضجة عظيمة وكل من كان قريبا وسلم أسرع يطلب الفرار والنجاة وما يدري أي شيء القضية فلما وقعت تلك الضجة وصرخت النساء من كل جهة وانزعجت الناس انزعاجا شديدا وارتجت الأرض واتصلت الرجة إلى نواحي الأزهر والمشهد الحسيني ظنوها زلزلة وشرع تجار خان الحمزاوي في نقل بضائعهم من الحواصل فإن النار تطايرت إليه من ظاهره وحضرالاغا والوالي فتسلم الاغا جهة الحمزاوي وتسلم الوالي جهة شمس الدولة وتتبعوا النار حتى أخمدوها وختموا على دكاكين الناس التي بذلك لخط وأرسلوا ختموا بيت أحمد ميلاد الذي خرجت النار من حانوته بعد أن أخرجوا منه النساء ثم أفرجوا عنهم بأمر اسمعيل بك وأحضروا في صبحها نحو المائتين فاعل وشرعوا في نبش الأتربة وإخراج القتلى وأخذ ما يجدونه من الأسباب والأمتعة وما في داخل الحوانيت من البضائع والنقود وما سقط من الدور من فرش وأوان ومصاغ النساء وغير ذلك شيئا كثيرا حتى الحوانيت التي لم يصبها الهدم فتحوها وأخذوا ما فيها وأصحابها ينظرون ومن طلب شيئا من متاعه يقال له هو عندنا حتى تثبته هذا إذا كان صاحبه ممن يخاطب ويصغى إليه وقيامه قائمة ومن يقرأ ومن يسمع ووقفت اتباعهم بالنبابيت من كل جهة يطرودن الناس ولا يمكنون أحدا من أخذ شيء جملة كافية وأما القتلى فإن من كان في السوق أو قريبا من تلك الحانوت والنار فإنه احترق ومن كان في العلو من الطباق انهرس ومنهم من احترق بعضه وأنهرس باقيه وإذا ظهر وكان عليه شيء أو معه شيء أخذوه وأن كانت امرأة ج / 2 ص -26- جردوها وأخدوا حليها ومصاغها ثم لا يمكنون أقاربهم من أخذهم إلا بدراهم يأخذونها وكأنما فتح لهم باب الغنيمة ولما كشفوا عن أحمد ميلاد وحانوته وجدوه تمزق واحترق وصار قطعا مثل الفحم فجمعوا منه ست قطع وأخذوا شيئا كثيرا من حانوته ودراهم وودائع كانت أسفل الحانوت لم تصبها النار وكتم عليها الردم والتراب وكذلك حانوت رجل زيات انهدم على صاحبه فكشفوا عنه وأخرجوه ميتا وأخذوا من حانوته مبلغ دراهم وكذلك من بيت صباغ الحرير بجوار الحمزاوي انهدمت داره أيضا وأخذوا ما فيها ومن جملتها صندوق ضمنه دراهم لها صورة ونحو ذلك واستمر الحال على ذلك أربعة أيام في حفر ونبش واخراج قتلى وجنائز وبلغت القتلى التي أخرجت نيفا عن مائة نفس وذلك خلاف من بقي تحت الردم منهم إمام الزاوية المجاورة لذلك فإنها انخسفت أيضا على الإمام وبقى تحت الردم ولم يجدوا بقية اعضاء أحمد ميلاد وفقدوا دماغه فجمعوا اعضاءه ووضعوها في كيس قماش ودفنوه وسدوا على تلك الخطة من الجهتين وتركوها كما هي مدة أيام ونظفت وعمرت بعد ذلك فكانت هذه الحادثة من أعظم الحوادث المزعجة. وفي يوم الخميس حضر الرسل من عند القبليين وحضر أيوب بك الكبير رهينة عن المماليك المحمدية وعثمان بك الطنبرجي عن مراد بك وعبد الرحمن بك عن إبراهيم بك فذهبوا إلى حسن باشا وقابلوه وكذلك قابلوا عابدي باشا ثم اجتمع الأمراء عند حسن باشا وتكلموا في شأن هؤلاء الجماعة وقالوا: هؤلاء ليسوا المطلوبين ولم يأت إلا أيوب بك الكبير من المطلوبين ولم يأت عثمان بك الأشقر وأيوب بك الصغير فاتفق الرأي على أعادة الجواب فكتبوا جوابات أخرى وأرسلوها صحبة سلحدار حسن باشا. وفي هذا الشهر اخذت القرصان ثلاثة غلايين وفيها أناس من اتباع ج / 2 ص -27- الدولة وأعيانها ووصل الخبر بوقوع حريق عظيم ببندر جدة وتوفي أحمد باشا وإليها وعبى علي بك الدفتردار كساوى للأمراء فأرسل إلى إسمعيل بك وحسن بك الجداوي ورضوان بك وباقي الصنادق والأمراء حتى لحريمهم وأتباعهم وأرسل أيضا لطائفة الفقهاء وفتح السفر لجهة الموسقو وتقليد باكير قبطان باشا قائمقام عن حسن باشا. وفي منتصفه وقعت حادثة بثغر بولاق بين طائفة الفليونجية والفلاحين باعة البطيخ وذلك أن شخصا قليونجيا ساوم على بطيخة وأعطاه دون ثمنها فامتنع وتشاجر معه فوكزه العسكري بسكين فزعق الفلاح على شيعته وزعق الآخر على رفقائه فاجتمع الفريقان ووقع بينهم مقتله كبيرة قتل فيها من الفلاحين نحو ثلاثين إنسانا ومن القليونجية نحو أربعة. وفي يوم الأحد ثاني عشرينه قررت تفريدة على بلاد الأرياف أعلى وأوسط وأدنى الأعلى خمسة وعشرون ألف نصف فضة والأوسط سبعة عشر ألف والادنى تسعة آلاف وذلك خلاف ما يتبعها من الكلف وحق الطرق. وفيه رفعوا خفارة البحرين عن بن حبيب وكذلك الموارد والتزم بها رضوان بك على خمسين كيسا يقوم بها في كل سنة لطرف الميري وسبب ذلك منافسة وقعت بينه وبين بن حبيب فإنه لما تولى المنوفية ومر على دجوة أرسل له بن حبيب تقدمة فاستقلها ثم أرسل إليه بعد ارتحاله من الناحية يطلب منه جمالا وأشياء فامتنع بن حبيب فأرسل يطلبه ليقابله فلم يذهب إليه واعتذر ولما رجع نزل إليه ابنه علي بالضيافة فعاتبه علىامتناع أبيه من مقابلته وأضمر له في نفسه وتكلم معه حسن باشا في رفع ذلك عنهم والتزم بالقدر المذكور وطريقة العثمانية الميل إلى الدنيا بأي وجه كان فأخرج فرمانا بذلك. وفي ثاني شوال برزت الأمراء المعينون لجمع الفردة وهم سليم بك الإسماعيلي للغربية وشاهين بك الحسيني لأقليم المنصورة علي بك ج / 2 ص -28- الحسيني لإقليم المنوفية ومحمد بك كشكش للشرقية وعثمان بك الحسيني للجيزة وعثمان كاشف الإسماعيلي للفيوم ويوسف كاشف الإسماعيلي للبهنسا وأحمد كاشف للجيزة. وفي ثامنة حضر سلحدار الباشا وسليمان كاشف قنبور المسافران بالجوابات إلى الأمراء القبليين وذلك أنهم أرسلوا بطلب بلاد أخرى زيادة على ما عينوا لهم وقالوا: إن هذه البلاد لا تكفينا فأمر لهم حسن باشا بخمسة بلاد أخرى فقال إسمعيل بك: اطلبوا منهم حلوانها فقال إسمعيل كاشف قنبور اجعلوا ما أخذ من بيوتهم في نظير الحلوان فقال: كذلك. وفي عاشره حضر قاصد من الحجاز بمراسلة من الشريف سرور يخبر فيها بعصيان عرب جرب وغيرهم وقعودهم على الطريق ومنعهم السبيل. ويحتاج أن أمير الحاج يكون في قوة واستعداد وأن الحرب قائمة بينهم وبين الشريف وخرج إليهم في نحو خمسة عشر ألفا وفي منتصفه كمل عمارة التكية المجاورة لقصر العيني المعروفة بتكية البكتاشية وخبرها أن هذه التكية موقوفة على طائفة من الأعجام المعروفين بالبكتاشية وكانت قد تلاشى أمرها وآلت إلى الخراب وصارت في غاية من القذارة ومات شيخها وتنازع مشيختها رجل أصله من سراجين مراد بك وغلام يدعي أنه من ذرية مشايخها المقبورين فغلب على الغلام ذلك الرجل لانتسابه إلى الأمراء وسافر إلى اسكندرية فصادف مجيء حسن باشا واجتمع به وهو بهيئة الدراويش وهم يميلون لذلك النوع وصار من اخصائه لكونه من أهل عقيدته وحضر صحبته إلى مصر وصار له ذكر وشهرة ويقال له الدرويش صالح فشرع في تعمير التكية المذكورة من رشوات مناصب المكوس التي توسط لأربابها مع حسن باشا فعمرها وبنى اسوارها وأسوار الغيطان الموقوفة عليها المحيطة بها وأنشأ بها صهريجا في فسحة القبة ورتب لها تراتيب ومطبخا وأنشأ خارجها مصلى ج / 2 ص -29- باسم حسن باشا فلما تم ذلك عمل وليمة ودعا جميع الأمراء فحصل عندهم وسوسة واعتدوا وركبوا بعد العصر بجميع مماليكهم واتباعهم وهم بالاسلحة متحذرين فمد لهم سماطا وجلسوا عليه واوهموا الأكل لظنهم الطعام مسموما وقاموا وتفرقوا في خارج القصر والمراكب وعمل شنك وحرافة نفوط وبارود ظنوا غرابته ثم ركبوا في حصة من الليل وذهبوا إلى بيوتهم. وفي يوم الخميس رابع عشرينه خرج المحمل وأمير الحجاج غيطاس بك في موكب محتقر بدون الينكجرية والعزب مثل العام الماضي فخرجوا إلى الحصوة وأقاموا هناك ولم يذهبوا إلى البركة. وفي يوم الثلاثاء غايته ارتحل الحجاج من الحصوة إلى البركة بعد العصر وارتحلوا في ضحوة يوم الأربعاء غرة شهر القعدة. شهر القعدة الحرام في ثالثه يوم الجمعة الموافق لثالث عشر مسرى القبطي أو في النيل المبارك أذرعه ونودى بذلك وعمل الشنك وركب حسن باشا في صبحها وكسروا السد بحضرته وجرى الماء في الخليج ولم يحضر عابدي باشا لمرضه. وفي سادسه نودى على المماليك أن لا يركبوا من بيوت أسيادهم منفردين أبدا فترك ذلك في جملة المتروكات وتزوج المماليك وصار لهم بيوت وخدم ويركبون ويغدون ويروحون ويشربون الدخان وهم راكبون في الشارع الأعظم وفي أيديهم شبكات الدخان من غير انكار وهم في الرق ولا يخطر ببالهم خروجهم عن الأدب لعدم انكار أسيادهم وترخيصهم لهم في الأمور فإذا مات بعض الأعيان بادر أجد المماليك إلى سيده الأمير صاحب الشوكة وقبل يده وطلب منه أن ينعم عليه بزوجة الميت فيجيبه إلى ذلك ثم تراه ركب في الوقت والساعة ذهب إلى بيت المتوفي ولو قبل خروج جنازته ونزل في البيت وجلس فيه وتصرف في تعلقاته وحازه وملكه بما فيه وأقام بمجلس الرجال ينتظر انقضاء العدة ويأمر وينهي ج / 2 ص -30- ويطلب الغداء والعشاء والفطور والقهوة والشربات من الحريم ويتصرف تصرف الملاك وربما وافق ذلك غرض المرأة فإذا رأته شابا مليحا قويا وكان زوجهاالمقبور بخلاف ذلك أظهرت له المخبآت والمدخرات فيصبح أميرا من غير تأمر وتتعدد عنده الخيول والخدام والفراشون والأصحاب ويركب ويذهب ويجيء إلى بيت سيده وفي حاجاته وغير ذلك فجرى يوما بمجلس حسن باشا ذكر ركوب المماليك على انفرادهم في الأسواق بحضرة بعض الاختيارية فقالوا أنه قلة أدب وخلاف العادة القديمة التي رأيناها وتربينا عليها فقال الباشا: اكتبوا فرمانا بمنع ذلك ففعلوا ذلك ونادوا به من قبيل الشغل الفارغ. وفي سابعه ثقل عابدي باشا في المرض وأشيع موته. وفي حادي عشره حضر حسين بك المعروف بشفت من قبلي في جملة الرهائن وقابل الباشا وأقام بمصر. وفي منتصفه عوفي عابدي باشا من مرضه وشرعوا في طلب المال الشتوي فضج الملتزمون وتكلم الوجاقلية في الديوان وقالوا: من أين لنا ما ندفعه وما صدقنا بخلاص المظالم والصيفي والفردة ولم يبق عندنا ولا عند الفلاحين شيء أعطونا الجامكية ثم ندفعها لكم في المال الشتوي فانحط الرأي على كتابة رجع الجامكية وفرح الناس بذلك ثم تبين له لا أجد يأخذ رجعة إلا بقدر ما عليه من الميري وأن زاد له شيء يبقى له وديعة بالدفتر وأن لم يكن له جامكية يدفع ما عليه نقدا فصار بعض الملتزمين يأتي بأسماء برانية وينسبها لنفسه لأجل غلاق المطلوب منه فاتضحت تلك النسبة له بمراجعة الدفتر ثم منعوا كتابة الرجع وصار الافندية يكشفون على الدفاتر ويملون ويسددون بأنفسهم فمن زاد له شيء تبقى بالدفتر ومن زاد عليه شيء طلب منه. وفي عشرينه ذهب الأمراء إلى حسن باشا وهم إسمعيل بك وحسن بك وعلي وباقي الأمراء فتكلم معهم بسبب الأموال التي جعلها عليهم ج / 2 ص -31- والميري المطلوب منهم ومن اتباعهم وقال لهم أنا مسافر بعد الأضحى ولا بد من تشهيل المطلوب فاعتذروا وطلبوا المهلة فشنع عليهم ووبخهم بالكلام التركي ومن جملة ما قال لهم: أنتم وجوهكم مثل الحيط وأمثال ذلك فخرجوا من عنده وهم في غاية من القهر وكان ذلك باغراء إسمعيل بك ولما ذهب إسمعيل بك إلى بيته طلب أمراءه وشنع عليهم كما شنع عليه الباشا وحلف أن كل من تبقى عليه شيء ولو ألف درهم سلمه للباشا يقطع رأسه. وفي يوم الخميس غايته طلعوا عند عابدي باشا فطالبهم بالميري أيضا وشنع عليهم وخصوصا قاسم بك أباسيف وحلف أنه يحبسهم حتى يدفعوا ما عليهم. واستهل شهر ذي الحجة الحرام بيوم الجمعة وفيه حضر الاغا وعلى يده مقرر لعابدي باشا على السنة الجديدة. وفيه أيضا قوى عزم حسن باشا على السفر إلى بلاد الروم وأعطى لإسمعيل بك جملة مدافع وقنابر وآلات حرب وصنع له قليونا صغيرا وقرر ألفا وخمسمائة عسكري يقيمون بمصر. وفي يوم الخميس رابع عشرة عمل حسن باشا ديوانا بالقصر وحضر عنده عابدي باشا والمشايخ وسائر الأمراء بسبب قراءة مراسيم حضرت من الدولة فقرأوا منها ثلاثة وفيها طلب حسن باشا إلى الديار الرومية بسبب حركة السفر إلى الجهاد وأن الموسقو زحفوا على البلاد واستولوا على ما بقي من بلاد القرم وغيرهم والثاني فيه ذكر العفو عن إبراهيم بك ومراد بك من القتل وأن يقيم إبراهيم بك بقنا ومراد بك باسنا ولا أذن لهم في دخول مصر جملة كافية. وفيه نودي على صرف الريال الفرانسة بمائة نصف فضة وكان وصل إلى مائة وعشرة فتضرر الناس من ذلك. وفي يوم الجمعة ثاني عشرينه ركب الأمراء باسرهم لوداع حسن باشا ج / 2 ص -32- وكان في عزمه النزول في المراكب بعد صلاة الجمعة فلما تكاملوا عنده قبض على الرهائن وهم عثمان بك المرادي المعروف بالطنبرجي وحسين بك شفت وعبد الرحمن بك الإبراهيمي ثم أمر بالقبض على حسن كتخدا الجربان وسليمان كاشف قنبور فهرب حسن كتخدا وساق جواده فتبعه جماعة من العسكر فلم يزل رامحا وهم خلفه حتى دخل بيت حسن بك الجداوي ودخل إلى باب الحريم وكان حسن بك بالقصر فرجع العسكر واخبروا الباشا بحضرة إسمعيل بك فطلب حسن بك وسأله إسمعيل بك فقال: إن كان في بيتي خذوه فأرسلوا وأحضروه ووضعوه صحبة المقيدين. وفي يوم السبت ثالث عشرينه سافر حسن باشا من مصر وأخذ معه الرهائن وسافر صحبته إبراهيم بك قشطة ليشيعه إلى رشيد وزار في طريقه سيدي أحمد البدوي بطندتا ولم يحصل من مجيئه إلى مصر وذهابه منها إلا الضرر ولم يبطل بدعة ولم يرفع مظلمة بل تقررت به المظالم والحوادث فإنهم كانوا يفعلونها قبل ذلك مثل السرقة ويخافون من إشاعتها وبلوغ خبرها إلى الدولة فينكرون عليهم ذلك وخابت فيه الأمال والظنون وهلك بقدومه إليها ثم التي عليها مدار نظام العالم وزاد في المظالم التحرير لأنه كان عندما قدم أبطل رفع المظالم ثم أعاده بإشارة إسمعيل بك وسماه التحرير فجعله مظلمة زائدة وبقى يقال: رفع المظالم والتحرير فصار يقبض من البلاد خلاف أموال الخراج عدة أقلام منها المضاف والبراني وعوائد الكشوفية والفرد المتعددة ورفع المظالم والتحرير ومال الجهاد وغير ذلك ولو مات حسن باشا بالاسكندرية أو رشيد لهلك عليه أهل الإقليم اسفا وبنوا على قبره مزارا وقبة وضريحا يقصده للزيارة. من مات في هذه السنة من الأعيان. توفي الإمام العالم العلامة أوحد وقته في الفنون العقلية والنقلية شيخ ج / 2 ص -33- أهل الإسلام وبركة الأنام الشيخ أحمد بن محمد بن أحمد بن أبي حامد العدوي المالكي الأزهري الخلوتي الشهير بالدردير ولد ببني عدي كما أخبر عن نفسه سنة 1127 وحفظ القرآن وجوده وحبب إليه طلب العلم فورد الجامع الأزهر وحضر دروس العلماء وسمع الأولي عن الشيخ محمد الدقري بشرطه والحديث على كل من الشيخ أحمد الصباغ وشمس الدين الحفني وبه تخرج في طريق القوم وتفقه على الشيخ علي الصعيدي ولازمه في جل درسه حتى أنجب وتلقن الذكر وطريق الخلوتيه من الشيخ الحفني وصار من أكبر خلفائه كما تقدم وأفتى في حياة شيوخه مع كمال الصيانة والزهد والعفة والديانة وحضر بعض دروس الشيخين الملوي والجوهري وغيرهما ولكن جل اعتماده وانتسابه على الشيخين الحفني والصعيدي وكان سليم الباطن مهذب النفس كريم الاخلاق وذكر لنا عن لقبه أن قبيلة من العرب نزلت ببلده كبيرهم يدعى بهذا اللقب فولد جده عند ذلك فلقب بلقبه تفاؤلا لشهرته وله مؤلفات منها شرح مختصر خليل أورد فيه خلاصة ما ذكره الاجهوري والزرقاني واقتصر فيه على الراجح من الأقوال ومتن في فقه المذهب سماه أقرب المسالك لمذهب مالك ورسالة في متشابهات القرآن ونظم الخريدة السنية في التوحيد وشرحها وتحفة الاخوان في آداب أهل العرفان في التصوف وله شرح على ورد الشيخ كريم الدين الخلوتي وشرح مقدمة نظم التوحيد للسيد محمد كمال الدين البكري ورسالة في المعاني والبيان ورسالة أفرد فيها طريقة حفص ورسالة في المولد الشريف ورسالة في شرح قول الوفائية يا مولاي يا واحد يا مولاي يا دائم يا علي يا حكيم وشرح على مسائل كل صلاة بطلت على الإمام والأصل للشيخ البيلي وشرح على رسالة في التوحيد من كلام دمرداش ورسالة في الأستعارات الثلاث وشرح على آداب البحث ورسالة في شرح صلاة السيد أحمد البدوي وشرح على الشمائل لم يكمل ورسالة في صلوات شريف اسمها المورد البارق في الصلاة على أفضل. ج / 2 ص -34- الخلائق والتوجه الأسني بنظم الأسماء الحسنى ومجموع ذكر فيه أسانيد الشيوخ ورسالة جعلها شرحا على رسالة قاضي مصر عبد الله أفندي المعروف بططر زاده في قوله تعالى: {يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ} الآية وله غير ذلك ولما توفي الشيخ علي الصعيدي تعين المترجم شيخا على المالكية ومفتيا وناظرا على وقف الصعايدة وشيخا على طائفة الرواق بل شيخا على أهل مصر بأسرها في وقته حسا ومعنى فإنه كان رحمه الله يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ويصدع بالحق ولا يأخذه في الله لومة لائم وله في السعي على الخير يد بضياء تعلل أياما ولزم الفراش مدة حتى توفي في سادس شهر ربيع الأول من هذه السنة وصلى عليه بالأزهر بمشهد عظيم حافل ودفن بزاويته التي أنشأها بخط الكعكبيين بجوار ضريح سيدي يحيى بن عقب وعندما أسسها أرسل إلي وطلب مني أن أحرر له حائط المحراب على القبلة فكان كذلك وسبب إنشائه للزاوية أن مولاي محمد سلطان المغرب كان له صلات يرسلها لعلماء الأزهر وخدمة الآضرحة وأهل الحرمين في بعض السنين وتكرر منه ذلك فأرسل على عادته في سنة ثمان وتسعين مبلغا وللشيخ المترجم قدرا معينا له صورة وكان لمولاي محمد ولد تخلف بعد الحج وأقام بمصر مدة حتى نفذ ما عنده من النفقة فلما وصلت تلك الصلة أراد أخذها ممن هي في يده فامتنع عليه وشاع خبر ذلك في الناس وأرباب الصلات وذهبوا إلى الشيخ بحصته فسأل عن قضية بن السلطان فأخبروه عنها وعن قصده وأنه لم يتمكن من ذلك فقال: والله هذا لا يجوز وكيف اننا نتفكه في مال الرجل ونحن أجانب وولده يتلظى من العدم هو أولى مني وأحق أعطوه قسمي فأعطاه ذلك ولما رجع رسول ابيه أخبر السلطان والده بما فعل الشيخ الدردير فشكره على فعله وأثنى عليه واعتقد صلاحه وأرسل له في ثاني عام عشرة امثال الصلة المتقدمة مجازاة للحسنة فقبلها الأستاذ وحج منها ولما رجع من الحج بنى هذه الزاوية مما بقى ودفن بها رحمه ج / 2 ص -35- الله ولم يخلف بعده مثله. ومات الشيخ الإمام العلامة المتفنن المتقن المعمر الضرير الشيخ محمد المصيلحي الشافعي أجد العلماء أدرك الطبقة الأولى وأخذ عن شيوخ الوقت وأدرك الشيخ محمد شنن المالكي وأخذ عنه وأجازه الشيخ مصطفى العزيزي والشيخ عبد ربه الديوي والشيخ أحمد الملوي والحفني والدفري والشيخ علي قايتباي والشيخ حسن المدابغي وناضل ودرس وأفاد وأقر وانتفع عليه الطلبة ولما مات الشيخ أحمد الدمنهوري وانقرض أشياخ الطبقة الأولى نوه بذكره واشتهر صيته وحف به تلامذته وغيرهم ونصبوه شبكة لصيدهم وآلة لاقتناصهم وأخذوه إلى بيوت الأمراء في حاجاتهم وعرضوا به المتصدرين من الاشياخ في الرياسة ويرى أحقيته لها لسنة وأقدميته ولما مات الشيخ أحمد الدمنهوري وتقدم الشيخ أحمد العروسي في مشيخة الأزهر كان المترجم غائبا في الحج فلما رجع وكان الأمر قد تم للعروسي أخذه حمية المعاصرة وأكثرها من اغراء من حوله فيحركونه للمناقضة والمناكدة حتى أنه تعدى على تدريس الصلاحية بجوار مقام الإمام الشافعي المشروطة لشيخ الأزهر بعد صلاة الجمعة فلم ينازعه الشيخ أحمد العروسي وتركها له حسما للشر وخوفا من ثوران الفتن والتزم له الاغضاء والمسامحة في غالب الأطوار ولم يظهر الالتفات لما يعانوه أصلا حتى غلب عليهم بحلمه وحسن مسايرته حتى أنه لما توفي المترجم ورجع إليه تدريس الصلاحية لم يباشر التصدر في الوظيفة بلى قرر فيها تلميده العلامة الشيخ مصطفى الصاوي وأجلسه وحضر افتتاحه فيها وذلك من حسن الرأي وجودة السياسة توفي المترجم ثاني عشر شوال من هذه السنة وصلى عليه بالأزهر في مشهد حافل ودفن بالمجاورين ومات الإمام العلامة واللوذعي الفهامة لسان المتكلمين وأستاذ المحققين الفقيه النبيه المستحضر الأصولي المنطقي الفرضي الحيسوب الشيخ عبد الباسط السنديوني الشافعي تفقه على أشياخ العصر المتقدمين وأجازه. ج / 2 ص -36- أكابر المحدثين ولازم الشيخ محمد الدفري وبه تخرج في الفقه وغيره وأنجب ودرس وأفاد وأفنى في حياة شيوخه وكان حسن الالقاء جيد الحافظة يملي دروسه عن ظهر قلبه وحافظته عجيب الأستحضار للفروع الفقهية والعقلية والنقلية ومما شاهدته من استحضاره أنه وردت فتوى في مسالة مشكلة في المناسخة فتصدى لتحريرها وقسمتها جماعة من الأفاضل ومنهم الشيخ محمد الشافعي الجناجي وناهيك به في هذا الفن وتعبوا فيها يوما وليلة حتى حرروها على الوجه المرضي ثم قالوا: دعنا نكتبها في سؤال على بياض ونرسلها للمتصدرين للأفتاء وننظر ماذا يقولون في الجواب: ولو بالمهلة ففعلوا ذلك وأرسلوها للشيخ المترجم مع بعض الناس وهو لا يعلم بشيء مما عانوه فغاب الرسول مدة لطيفة وحضر بالجواب على الوجه الذي تعب فيه الجماعة يوما وليلة فقضعوا عجبا من جودة استحضاره وحدة ذهنه وقوة فهمه إلا أنه كان قليل الورع عن بعض سفاسف الأمور اتفق أنه تنازع مع عجوز في فدان ونصف طين مدة سنين وأهين بسببها مرارا في أيام مشيخة الشيخ عبد الله الشبراوي والشيخ الحفني ورأيته مرة يتداعى معها عند شيخنا الشيخ أحمد العروسي فنهاه الشيخ العروسي عنها ولامه فلم ينته ولم يزل ينازعها وتنازعه إلى أن مات وغير ذلك أمور يستحي من ذكرها في حق مثله وبذلك قلت وجاهته بين نظرائه توفي في أول جمادى الآخرة من السنة وصلي عليه بالأزهر ودفن بتربة المجاورين رحمه الله وغفر لنا وله. ومات الشيخ الفاضل الصالح المجذوب صاحب الأحوال محمد ابن أبي بكر بن محمد المغربي الطرابلسي الشهير بالاثرم ولد بقربه انكوان من اعمال طرابلس في حدود سنة خمس وأربعين وبها نشأ وتنتسب جدوده إلى خدمة الولي الصالح الشهير سيدي أحمد زروق قدس سره وغلب عليه الجذب في مبادىء أمره وحفظ جملة من كلام الشيخ المشار إليه ومن كلام غيره وكان مبدأ أمره فيما أخبرنا أنه توجه إلى تونس ج / 2 ص -37- رجع وكان وقتا شديد الحر فخلع ثيابه فأخذه البرد والرعدة في الحال ومرض نحو ثمانية أيام حتى توفي نهار الثلاثاء ثالث جمادى الثانية وجهز وكفن وصلي عليه بمشهد حافل بالأزهر ودفن تحت جدار قبة الإمام الشافعي في مدافن الرزازين وحزنت عليه الناس كثيرا وقد رآه اصحابه بعد موته في منامات عدة تدل على حسن حاله في البرزخ رحمه الله. ومات الإمام العلامة والفاضل الفهامة صفوة النبلاء ونتيجة الفضلاء الشيخ أحمد بن أحمد بن محمد السحيمي الحنفي القلعاوي تفقه على والده وعلى الشيخ أحمد الحماقي وحضر معنا على شيخنا الشيخ مصطفى الطائي الهداية وانجب ودرس في فقه المذهب والمعقول مع الحشمة والديانة ومكارم الأخلاق والصيانة توفي سادس عشر شوال ودفن عند والده بباب الوزير. ومات الأجل العمدة الشريف الصالح السيد عبد الخالق بن أحمد ابن عبد اللطيف بن محمد تاج العارفين المنتهي نسبه إلى سيدي عبد القادر الحسني الجيلي المصري ويعرف بابن بنت الجيزي وهو أخو السيد محمد الجيزي المتوفي قبل ذلك من بيت الثروة والعز والسيادة تولى بعد اخيه الكتابة ببيت النقابة ومشيخة القادرية واحسن السير والسلوك مع الوقار والحشمة وكان إنسانا حسنا كثير الحياء متجمعا عن الناس مقبلا عن شأنه وفيه رقة طبع مع الأخلاق المهذبة والتواضع للناس والانكسار رحمه الله. ومات الأمير الصالح المبجل أحمد جاويش أرنؤد باش اختيار وجاق التفكجية وكان من أهل الخير والدين والصلاح عظيم اللحية منور الشيبة مبجلا عند أعاظم الدولة يندفع في نصرة الحق والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ويسمعون لقوله: وينصتون لكلامه ويتقونه ويحترمونه لجلالته ونزهته عن الآغراض وكان يحب أهل الفضائل ويحضر دروس العلماء ويزورهم ويقتبس من أنوار علومهم ويذهب كثيرا إلى سوق ج / 2 ص -38- رجع وكان وقتا شديد الحر فخلع ثيابه فأخذه البرد والرعدة في الحال ومرض نحو ثمانية أيام حتى توفي نهار الثلاثاء ثالث جمادى الثانية وجهز وكفن وصلي عليه بمشهد حافل بالأزهر ودفن تحت جدار قبة الإمام الشافعي في مدافن الرزازين وحزنت عليه الناس كثيرا وقد رآه اصحابه بعد موته في منامات عدة تدل على حسن حاله في البرزخ رحمه الله. ومات الإمام العلامة والفاضل الفهامة صفوة النبلاء ونتيجة الفضلاء الشيخ أحمد بن أحمد بن محمد السحيمي الحنفي القلعاوي تفقه على والده وعلى الشيخ أحمد الحماقي وحضر معنا على شيخنا الشيخ مصطفى الطائي الهداية وانجب ودرس في فقه المذهب والمعقول مع الحشمة والديانة ومكارم الأخلاق والصيانة توفي سادس عشر شوال ودفن عند والده بباب الوزير. ومات الأجل العمدة الشريف الصالح السيد عبد الخالق بن أحمد ابن عبد اللطيف بن محمد تاج العارفين المنتهي نسبه إلى سيدي عبد القادر الحسني الجيلي المصري ويعرف بابن بنت الجيزي وهو أخو السيد محمد الجيزي المتوفي قبل ذلك من بيت الثروة والعز والسيادة تولى بعد اخيه الكتابة ببيت النقابة ومشيخة القادرية واحسن السير والسلوك مع الوقار والحشمة وكان إنسانا حسنا كثير الحياء متجمعا عن الناس مقبلا عن شأنه وفيه رقة طبع مع الأخلاق المهذبة والتواضع للناس والانكسار رحمه الله. ومات الأمير الصالح المبجل أحمد جاويش أرنؤد باش اختيار وجاق التفكجية وكان من أهل الخير والدين والصلاح عظيم اللحية منور الشيبة مبجلا عند أعاظم الدولة يندفع في نصرة الحق والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ويسمعون لقوله: وينصتون لكلامه ويتقونه ويحترمونه لجلالته ونزهته عن الآغراض وكان يحب أهل الفضائل ويحضر دروس العلماء ويزورهم ويقتبس من أنوار علومهم ويذهب كثيرا إلى سوق ج / 2 ص -39- الكتبيين ويشتري الكتب ويوقفها على طلبة العلم واقتنى كتبا نفيسة ووقفها جميعها في حال حياته ووضعها بخزانة الكتب بجامع شيخون العمري بالصليبة تحت يد الشيخ موسى الشيخوني الحنفي وسمع على شيخنا السيد مرتضى صحيح البخاري ومسلم وأشياء كثيرة والشمائل والثلاثيات وغير ذلك وبالجملة فكان من خيار من أدركنا من جنسه ولم يخلف بعده مثله توفي في ثامن شوال من السنة وقد ناهز التسعين. ومات الأمير المبجل أحمد كتخدا المعروف بالمجنون أجد الأمراء المعروفين والقراصنة المشهورين وهو من مماليك سليمان جاويش القازدغلي ثم انضوى إلى عبد الرحمن كتخدا وانتسب إليه وعرف به وأدرك الحوادث والفتن التليدة والطارفة ونفى من نفى في أمارة علي بك الغزاوي في سنة ثلاث وسبعين إلى بحري ثم إلى الحجاز وأقام بالمدينة المنورة نحو اثنتي عشرة سنة وقادا بالحرم المدني ثم رجع إلى الشام وأحضره محمد بك أبو الذهب إلى مصر وأكرمه ورد إليه بلاده وأحبه واختص به وكان يسامره ويأنس بحديثه ونكاته فإنه كان يخلط الهزل بالجد ويأتي بالمضحكات في خلال المقبضات فلذلك سمي بالمجنون وكان بلد ترسا بالجيزة جارية في التزامه وعمر بها قصرا وانشأ بجانبه بستانا عظيما زرع فيه أصناف الأشجار والنخيل والرياحين ويجلب من ثماره إلى مصر للبيع والهدايا ويرغب فيها الناس لجودتها وحسنها عن غيرها وكذلك أنشأ بستانا بجزيرة المقياس في غاية الحسن وبنى بجانبه قصرا يذهب إليه في بعض الاحيان ولما حضر حسن باشا إلى مصر ورأى هذا البستان اعجبه فاخذه لنفسه واضافه إلى أوقافه وبنى المترجم أيضا داره التي بالقرب من الموسكي داخل درب سعادة ودارا على الخليج المرخم اسكن فيه بعض سراريه وكان له عزوة ومماليك ومقدمون واتباع وإبراهيم بك أوده باشه من مماليكه ورضوان كتخدا الذي تولى بعده كتخدا الباب وكان مقدمة في المدد السابقة يقال له: المقدم فوده له شأن وصوله بمصر وشهرة في القضايا والدعاوى ولم يزل طول المدد السابقة جاويشا فلما ج / 2 ص -40- كان آخر مدة حسن باشا قلدوه كتخدا مستحفظان ولم يزل معروفا مشهورا في أعيان مصر إلى أن توفي في خامس شعبان من السنة. ومات الأمير الجليل محمد بك الماوردي وهو مملوك سليمان اغا كتخدا الجاويشية زوج أم عبد الرحمن كتخدا وخشداشينه حسن بك الأزبكاوي الذي قتل بالمساطب كما تقدم وحسن بك المعروف بأبي كرش فكان الثلاثة أمراء يجلسون بديوان الباشا وسيدهم كتخدا الجاويشية واقف في خدمته على أقدامه ومرت له محن في تنقلاته ورحلاته إلى البلاد عندماتملك علي بك وخرج المترجم منفيا وهاربا من مصر مع من خرج وباشر الحروب باسيوط وذهب إلى الشام وغيرها لكن لم اتحقق وقائعه ولم يزل حتى حضر إلى مصر في أيام أبي الذهب وقد صار ذا شيبة وتزوج ببنت الشيخ العناني وأقام ببيتهم بسوق الخشب خاملا حتى مات في هذه السنة وكان لا بأس به وتقلد في المدد السابقة اغاوية مستحفظان ثم الصنجقية ونظارة الجامع الأزهر تاريخ عجائب الآثار في التراجم والأخبار سنة اثنتين ومائتين و ألف. استهل المحرم بيوم السبت فيه عزل المحتسب وتولى آخر يسمى يوسف اغا الخربتاوي وتولى عثمان بك طبل الإسماعيلي على دجرجا وفيها انفرد إسمعيل بك الكبير في إمارة مصر وصار بيده العقد والحل والابرام والنقض واستوزر محمد اغا البارودي وجعله كتخداه واستمر إسمعيل كتخدا حسن باشا بمصر لقبض بواقي المطلوبات وسكن ببيت حسن كتخدا الجربان بباب اللوق. وفيه قبض إسمعيل بك على الحاج سليمان بن ساسي وحبسه ببيت محمد اغا البارودي وصادره في خمسين كيسا. وفي خامسه طلب إسمعيل بك دراهم قرضة مبلغا كبيرا فوزعوا منها ج / 2 ص -41- جانبا على تجار البن والبهار وجانبا على الذين يقرضون البن بالمرابحة للمضطرين وجانبا على نصارى القبط وعلى الأروام والشوام وعلى طوائف المغاربة بطولون والغورية وعلى المتسببين في الغلال بالسواحل والرقع وكذلك بياعو القطن والبطانة والقماش والمنجدون واليهود وغير ذلك فانزعج الناس وأغلقوا وكائل البن والغورية ودكاكين الميدان. وفي يوم السبت خامس عشره اجتمع جملة من الطوائف المذكورة وحضروا إلى الجامع الأزهر وضجوا واستغاثوا من هذا النازل وحضر الشيخ العروسي فقاموا في وجهه وأرادوا قفل أبواب الجامع فمنعهم من ذلك فصاحوا عليه وسبوه وسحبوه بينهم إلى جهة رواق الشوام فمنع عنه المجاورون وأدخلوه إلى الرواق ودافعوا عنه الناس وقفلوا عليه باب الرواق وصحبته طائفة من المتعممين وكتبوا عرضا إلى إسمعيل بك بسبب ذلك وأرسلوه صحبة الشيخ سليمان الفيومي وانتظروه حتى رجع إليهم ومعه تذكرة من إسمعيل بك مضمونها الأمان والعفو عن الطوائف المذكورة. وفيها أن هذا المطلوب إنما هو على سبيل القرض والسلفة من القادر على ذلك فلما قرئت عليهم التذكرة قالوا: هذه مخادعة وعندما ينفض الجمع وتفتح الدكاكين يأخذونا واحدا بعد واحد ثم قام الشيخ وركب وحوله الجم الغفير والغوغاء وبعض المجاورين يدفع الناس عنه بالعصي والعامة يصيحون عليه ويسمعونه الكلام غير اللائق إلى أن وصل إلى باب زويلة فنزل بجامع المؤيد وأرسل إلى إسمعيل بك يخبره بهذا الحال فحنق إسمعيل بك وظن أنها مفتعلة من الشيخ وأنه هو الذي أغراهم على هذه الأفعال فأجابه الرسل وحلفوا له ببراءته من ذلك وليس قصده إلا الخلاص منهم فقال: أنا ارسلت إليهم بالأمان ودعوهم ينفضوا وما أجد يطالبهم بشيء فانفضوا وتفرقوا ومضى على ذلك يوما فأرسلوا إلى أهل الصاغة والجواهرجية والنحاسين وطالبوهم بالمقرر والموزع عليهم فلم يجدوا بدا من الدفع ثم طالبوا وكالة الجلاية وتطرق الحال إلى باقي ج / 2 ص -42- الناس حتى بياعي الفسيخ ومجموع ذلك نحو اثنين وسبعين حرفة. وفي منتصفه حضر علي كاشف من جهة قبلي وقد كان سافر بعد سفر حسن باشا برسالة إلى الأمراء القبالي وأخبر أنهم مستقرون في أماكنهم ولم يتحركوا. وفي يوم الخميس سادس عشرينه سافر أمير القلزم بملاقاة الحاج وكان من عادته السفر في أول الشهر ولم يحضر في هذه السنة نجاب الجبل وأخذوا من بلاد أمير الحج بلدين وأخذوا أيضا بيته الذي كان سكن به فلما استقر يحيى بك بمصر أخذه وسكنه لكونه زوج بنت صالح بك وهو بيت أبيها وهو أحق به. ثم استهل شهر صفر الخير وفيه كملت القيسارية التي عمرها إسمعيل بك بجانب السبيل الذي بسويقة لاجين فأنشأ بها أحدى وعشرين حانوتا وقهوة وجعلها مربعة الأركان وهذا السبيل من انشاء سيده إبراهيم كتخدا ولما أتمها نقل إليها سوق درب الجماميز بعد العصر وانتقل إليه الدلالون والناس والقماشون في عصرية يوم الثلاثاء ثانية ويطل سوق درب الجماميز من ذلك اليوم وليس لإسمعيل بك من المحاسن إلا نقل هذا السوق من تلك الجهة ووضعه في هذه الجهة كما لا يخفى. وفيه اشتد العسف في الرعية بسبب طلب السلفة وتعدى الحال إلى بياع المخلل والصوفان وتضرر الفقراء من ذلك. وفي سابعه سافر محمد باشا وإلى جدة إلى السويس. وفي يوم السبت ثالث عشره طلع إسمعيل بك والأمراء إلى الديوان بالقلعة وأخرج قوائم مزاد البلاد التي تأخر على ملتزميها الميري فتصدر لشرائها كتخدا محمد اغا البارودي فاشترى نحو سبعين بلدا وفي الحقيقة هي راجعة إلى مخدومه يفرقها على من يشاء من أغراضه فشرع أولا في طلب الشتوي وزاد على من أخذ البلاد سنة ونصفا ثم ادعى أن حسن باشا أخذ سنة من الحلوان ودخلت في حسابه وطلب سنة ونصف أخرى وطلب المال الصيفي أيضا فعجزت الملتزمون ففعل هذه الفعلة. ج / 2 ص -43- وأخرج قوائم مزادهم إلى الديوان واستخلصها من ملتزميها. وفي تلك الليلة حضرت جماعة من كشاف النواحي القبلية واخبروا أن الأمراء القبالي حضرو إلى أسيوط وأوائلهم تعدي منفلوط فهرب من كان هناك من الكشاف وغيرهم وحضروا إلى مصر فلما تحققت هذه الأخبار طلع في صبحها إسماعيل بك إلى الديوان واجتمع الأمراء والوجاقلية والمشايخ فتكلم إسمعيل بك وقال يا أسيادنا يا مشايخ يا أمراء يا وجاقلية أن الجماعة القبليين نقضوا عهد السلطان وانتقلوا من أماكنهم وزحفوا على البلاد فهل الواجب قتالهم ودفعهم فقالوا نعم فقال: إن المخالفين إذا نقضوا عهد السلطان ولزم الحال إلى قتالهم يصرف على المقاتلين من العسكر من خزينة السلطان وليس هنا خزينة فكل منكم يقاتل عن نفسه فأجابه إسمعيل أفندي الخلوتي وقال ونحن أي شيء تبقى عندنا حتىنصرفه وقد صرنا كلنا شحاتين لا نملك شيئا فقال له الباشا هذا الكلام لا يناسب ولا ينبغي أنك تكسر قلوب العسكر بمثل هذاالكلام والأولى أن تقول لهم أنا وأنتم شيء واحد أن جعت جوعوا معي وأن شبعت اشبعوا معي ثم انحط الرأي بينهم على أن يكتبوا عرضا للدولة والأخبار عن نقضهم وعرضا لهم بالتحذير ثم كتبوا فرمانات لجميع الغز والأجناد الغائبين بالأرياف بالحضور وبكى إسمعيل بك بالمجلس ونهنه في بكائه ثم كتبوا مكاتبة من الباشا ومن الوجاقلية والمشايخ وأرسلوها صحبة واحد من طرف الباشا وسراج من طرف إسماعيل بك وأرسلوا إلى محمد باشا المسافر إلى جدة بالرجوع من السويس إلى مصر بأمر من الدولة. وفي ذلك اليوم أعني يوم الحد رابع عشرة حضر جاويش الحاج من العقبة. وفي يوم الأربع سابع عشرة نبهوا على مماليك الأمراء القبليين وكشافهم الكائنين بمصر بالاجتماع والحضور فأرسل كل من كان مستخدماص عنده جماعة من الأمراء والصناجق وغيرهم فجمعهم في مكان في بيته ومن كان غائبا في حاجة أرسلوا إليه وأحضروه فلما تكاملوا أخذوا خيولهم وأسلحتهم وأبقوهم في الترسيم وأما علي بك الدفتردار فإنه لم يسلم ج / 2 ص -44- فيمن عنده وكان منقطعا في الحريم لصداع برأسه ووجع في عينيه من مدة شهرين. وفي يوم الجمعة كان نزول الحجاج ودخولهم إلى مصر وكانوا أغلقوا أبواب مصر وأجلسوا عليها حرسجية فلم يدخل الحجاج إلا من باب النصر فقط فتضرر الناس من الإزدحام في ذلك الباب وارتاح الحجاج في هذا العام ولم يحصل لهم تعب وزاروا الدينة الشريفة. وفيه نزل الاغا وصحبته كتخدا الباشا وأمامهما المناداة على كل من كان مختفيا من اتباع الأمراء القبليين ومماليكهم بالظهور ويطلعوا يقابلوا الباشا وكل من ظهر عنده أجد بعد ثلاث أيام فإنه يستأهل الذي يجري عليه. وفي صبحها يوم السبت دخل أمير الحاج غيطاس بك وصحبته المحمل. وفيه شرع إسمعيل بك في طلب تفريدة من البلاد والقرى فجعلوا على كل بلد مائة دينار وعشرة خلاف ما يتبع ذلك من الكلف وحق الطرق وغير ذلك وعين لقبضها خازنداره وغيره. وفي تاسع عشره قبضوا على جماعة من المماليك والأجناد وهم الذين كانوا في الترسيم وأنزلوهم في مراكب وأرسلوهم إلى ثغر اسكندرية وحبسوهم بالبرج ومنهم جماعة بأبي قير وكان علي بك توقف في تسليم المنتسبين إليه فلم يزل به إسمعيل بك حتى سلم فيهم. وفي عشرينه قبضوا على بواقيهم وأنزلوهم المراكب أيضا وبعضهم أنزله عريانا ليس عليه سوى القميص والصديري واللباس وطاقية أو طربوش معمم عليه بمحرمة أو منديل ونحو ذلك ولم تزل الحرسجية مقيمين عل الأبواب وحصل منهم الضرر للناس والرعية والمتسببين والفلاحين الواردين من القرى بالجبن والسمن والتبن ونحو ذلك وكل من أراد العبور من باب منعوه من الدخول حتى يأخذوا منه دراهم ولو كان بنفسه ج / 2 ص -45- وفي يوم الأحد ثامن عشرينه نزل الاغا وإمامه الوالي وأوده باشة البوابة وإمامهم المناداة على جميع الالضاشات المنتسبين إلى الوجاقات بأنهم يأخذوا لهم أوراقا من أبوابهم وكل من وجد وليس معه ورقة بعد ثلاثة أيام يحصل له مزيد من الضرر وبيد المنادي فرمان من الباشا. وفيه ركب إسمعيل بك ونزل إلى بولاق ليتفرج على شركفلك الذي صنعه وتم شغله وقد زاد في صنعته عما فعله حسن باشا بأن ركبه على عجل يجروه وزاد في اتقانه وسبك جللا كثيرة للمدافع فلما رآه أعجبه وشرع أيضا في عمل شركفلكين اثنين وجهز ذخيرة عظيمة من بقسيماط وغيره. وفي يوم الإثنين حضر الرسول الذي كان توجه بالرسالة للأمراء القلبيين وهو الذي من طرف الباشا وصحبته آخر من طرف إسمعيل بك وعلى يدهما جوابان احدهما خطاب للباشا والثاني خطاب للمشايخ فاجتمعوا بالديوان في صبحها يوم الثلاثاء وقرأوا الجوابات وملخصها انكم نسبتونا لنقض العهد والحال أن النقض حصل منكم بتسفير أخواننا الرهائن وذهابهم مع قبطان باشا إلى الروم وما فعلتم في بيوتنا وحريمنا ولما حصل ذلك احتد البعض منا وزحفوا إلى بحري فركبنا خلفهم نردهم فلم يمتثلوا فأقمنا معهم فلما قرأوا ذلك بحضرة الجمع اقتضى الرأي كتابة مراسلة أخرى من الباشا والمشايخ وفيها الملاطفة في الخطاب والأعتذار وأرسلوها وأخذوا في الاهتمام والتشهيل. واستهل شهر ربيع الأول بيوم الأربعاء وفي ثانيه ركب الآغا وشق الأسواق وصار يقف على الوكائل والخانات ويفتش على الالضاشات ودخل سوق خان الخليلي ونبه على إفرادهم وقال لهم: في غد أحضر في التبديل وكل من وجدته من غير ورقة جدك فعلت به وفعلت وقطعت أذنيه أو أنفه. وفيه عزل أحمد أفندي الصفائي الروزنامجي من الروزنامة لمرضه وتقلد أحمد أفندي المعروف بأبي كلية قلفة الانبار روزنامجي عوضا عنه. وفي سادسه ارسلوا بجوابات الرسالة الشيخ أحمد بن يونس وكتبوا ج / 2 ص -46- لهم أيضا سمهود وبرديس وزيادة على ما بأيديهم من البلاد والحال أن الجميع بأيديهم. وفي يوم الثلاثاء حضر عابدي باشا وأسمعيل بك إلى بيت الشيخ البكري باستدعاء بسبب المولد النبوي فلما استقر بهم الجلوس التفت الباشا إلى جهة حارة النصارى وسأل عنها فقيل له أنها بيوت النصارى فأمر بهدمها وبالمناداة عليهم بالمنع من ركوب الحمير فسمعوا في المصالحة وتمت على خمسة وثلاثين ألف ريال منها على الشوام سبعة عشر ألفا وباقيها على الكتبه. واستهل شهر ربيع الثاني بيوم الجمعة فيه كتب الباشا فرمانا على موجب الفتوى ونزل به آغات مستحفظان ونادى به جهارا وكذلك التنبيه على جميع الوجاقلية باتباع أبوابهم وحضور الغائبين منهم والاستعداد للخروج. وفي ثالثه انفق إسمعيل بك على الأمراء الصناجق وأرسل لهم الترحيله فأرسل إلى حسن بك الجداوي ثمانية عشر ألف ريال فغضب عليها وردها ووبخ محمدا كتخدا البارودي وركب مغضبا وخرج إلى نواحي العادلية فركب إليه في صبحها إسمعيل بك وعلي بك الدفتردار وصالحاه وزاد له في الدراهم حتى رضي وتكلم مع إسمعيل بك في تشديده على الرعية والالضاشات. وفي يوم الخميس ثامنه سافر إمام الباشا وعلي كاشف من طرف إسمعيل بك بجوابات للأمراء القبليين حاصلها أما الرجوع إلى أماكنهم على موجب الاتفاق والصلح بشرط أن تدفعوا ميري البلاد التي تعديتم عليها وإلا فنحن أيضا ننقض الصلح بيننا وبينكم ثم وصل الخبر بأن إبراهيم بك ارتحل من طحطا غرة الشهر وحضر إلى المنية عند قسيمة مراد ج / 2 ص -47- بك وأن مراد بك فرق البلاد من بحري المنية على اتباعه واتباع أمراء الذين بصحبته ثم وقع التراخي في أمر التجريدة وحصل التواني والاهمال والترك وخرجت الخيول إلى المرعى. وفي يوم الجمعة سادس عشرة نزل عابدي باشا إلى بولاق وركب إليه إسمعيل بك وبقية الأمراء وإمامه مدافع الزنبلك على الجمال فتفرج على الشركفلكات وسيروا إمامه الثلاث غلايين إلى مصر القديمة وضربوا مدافعها ثم عاد وطلع إلى القلعة. وفي يوم الثلاثاء عزل أحمد أفندي أبو كلبة من الروزنامة وتقلدها عثمان أفندي العباسي على رشوة دفعها وضاع على أحمد أفندي ما دفعه من الرشوة. وفي يوم الأربعاء حادي عشرينه حضر إمام الباشا وعلي كاشف وأخبرا أن إبراهيم بك حضر عند مراد بك بالمنية وأن جماعة من صناجقهم وأمرائهم وصلوا إلى بني سويف وبحريها وأنهم قالوا في الجواب: إننا تركنا لهم الجهة البحرية وأخذنا الجهة القبلية فإن قاتلونا عليها قاتلناهم وأن انكفوا عنا فلسنا واصلين إليهم ولا طالبين منهم مصر ونعقد الصلح على ذلك فيرسلوا لنا بعض المشايخ والأختيارية نتوافق معهم على أمر يحسن السكوت عليه فعملوا ديوانا اجتمع به الجميع وتحالفوا واتفقوا على إرسال جواب صحبه قاصد من طرف الباشا مضمونه أنهم يرسلون من جهتهم أميرين كبيرين فيهما الكفاءة لفصل الخطاب ليحصل معهما التوافق ونرسل صحبتهما ما أشاروا به. وفي يوم الإثنين حضر واحد بشلي وعلى يده مكاتبات من حسن باشاخطابا إلى الباشا وأسمعيل بك وعلي بك وحسن بك ورضوان بك وأسمعيل كتخدا والشيخ البكري وأخبر بوصول عسكر ارنؤدا إلى ثغر الأسكندرية وعليهم كبير ومعه هدية إلى الأمراء. وفي يوم الخميس طلع الأمراء إلى الديوان وتكلموا من جهة النفقة فقال قاسم بك أما أنا فلا يكفيني خمسون ألف ريال فقال له إسمعيل. ج / 2 ص -48- بك: فعلى هذا أمثالك ويحتاج حسن بك ورضوان بك وعلي بك كل واحد مائة ألف فلازم اننا نرسل إلى السلطان يرسل لكم خزائنه حتى تكفيكم فرد عليه علي بك وقال: أنا صرفت على التجريدة الأولى وشهلت أربع باشاوات والأمراء والأجناد وأنت من جملتهم وما صادرت أحدا في نصف فضة فاغتاظ إسمعيل بك وقال: اعمل كبير البلد وافعل مثل ما فعلت وأنا اعطيك المال الذي تحت يدي الذي جمعته من الناس خذه واصرفه بمعرفتك وقام من المجلس منتورا فرده الباشا واختلى به وبعلي بك وحسن بك ورضوان بك ساعة زمانيةوتشاوروا مع بعضهم ثم قاموا ونزلوا. واستهل شهر جمادى الأولى بيوم السبت فيه حضر ططرى وبيده مرسومات فاجتمعوا بالديوان وقرأوها أحدها بطلب مشاق ويدك والثاني بسبب الجماعة القبليين أن كانوا مقيمين بالأماكن التي عينها لهم حسن باشا فلا تتعرضوا لهم وأن كانوا زحفوا وتعدوا ونقضوا فأخرجوا إليهم وقاتلوهم وأن احتجتم عساكر أرسلنا لكم والثالث مقرر لعابدي باشا على السنة الجديدة والرابع بالوصية على الفقراء وغلال الحرمين والانبار والجامكية وأمثال ذلك من الكلام الفارغ. وفيه ورد الخبر بموت محمد باشا يكن المفصل من ولاية مصر. وفي يوم الإثنين ثالثه حضر المرسل من الجهة القبلية وصحبته صالح اغا الوالي بجوابات حاصلها أنهم يطلبون من طحطا إلى قبلي ويطلبون حريمهم وأن يردوا لهن ما أخذوه من بلادهن وكذلك يطلبون أتباعهم ومماليكهم الذين أرسلوهم إلى الأسكندرية فإن أجيبوا إلى ذلك لا يتعدون بعدها على شيء أصلا فلما قرئت المكاتبة بحضرة الجمع في الديوان قال إسمعيل بك للباشا: لا يمكن ذلك ولا يتصور أبدا وإلا افعلوا ما بدالكم ولا علاقة لي ولا أكتب فرمانا فأني أخاف على نفسي أن زدتهم على ما أعطاهم حسن باشا ولا بد من دفعهم الميري ثم كتبوا لهم جوابا وسافر به صالح أغا المذكور وآخرمن طرف إسمعيل بك. وفي يوم السبت ثامنه وقع بين أهل بولاق وبين العسكر معركة بسبب ج / 2 ص -49- إفسادهم وتعديهم وفسقهم مع النساء وأذية السوقة وأصحاب الحوانيت وخطفهم الأشياء بدون ثمن فاجتمع جمع من أهل بولاق وخرجوا إلى خارج البلدة يريدون الذهاب إلى الباشا يشكون ما نزل بهم من البلاء فلما علم عسكر القليونجية ذلك اجتمعوا بأسلحتهم وحضروا إليهم وقاتلوهم وأنهزم القليونجية فنزل الاغا وتلافى الأمر وأخذ بخاطر العامة وسكن الفتنة وخاطب العسكر ووبخهم على أفعالهم. وفي يوم الإثنين سابع عشرة حضر صالح آغا بجواب وأخبر بصلح الأمراء القبليين على أن يكون لهم من اسيوط وما فوقها ويقوموا بدفع ميرى البلاد وغلالها ولا يتعدوا بعد ذلك وأنهم يطلبون اناسا من كبار الوجاقات والعلماء ليقع الصلح بأيديهم فعمل الباشا ديوانا وأحضر الأمراء والمشايخ واتفقوا على إرسال الشيخ محمد الأمير وأسمعيل أفندي الخلوتي وآخرين وسافروا في يوم الأربعاء تاسع عشره. وفي خامس عشرينه هبت رياح عاصفة جنوبية حارة واستمرت اثني عشر يوما. واستهل شهر جمادى الثاني بيوم الأحد فيه ورد الخبر بأن جماعة من الأمراء القبليين حضروا إلى بني سويف. وفي ثالثه وصل الخبر بأن مراد بك حضر أيضا إلى بني سويف في نحو الأربعين فشرع المصريون في التشهيل والاهتمام وأخرجوا خيامهم ووطاقهم إلى ناحية البساتين. وفي يوم الخميس طلع الأمراء إلى الباشا وتكلموا معه واخبروه بما ثبت عندهم من زحف الجماعة إلى بحرى وطلبوه للنزول صحبتهم فقال لهم: حتى ترجع الرسل بالجواب أو نرسل لهم جوابا آخر وننظر جوابهم فامتثلوا إلى رأيه فكتب مكتوبا مضمونه إنكم طلبتم الصلح مرارا واجبناكم بما طلبتم وأعطيناكم ما سألتم ثم بلغنا انكم زحفتم ورجعتم إلى بني سويف فما عرفنا أي شيء هذا الحال والقصد أنكم تعرفون عن قصدكم وكيفية حضوركم أن كنتم نقضتم الصلح والا لا فترجعوا إلى ج / 2 ص -50- ما حددناه لكم وما وقع عليه الاتفاق وأرسله صحبة مرسل من طرفه. وفي يوم الجمعة سحبوا الشركفلكات من بولاق وذهبوا بها إلى الوطاق. وشرع إسمعيل بك في عمل متاريس عند طراو المعصرة وكذلك في بر الجيزة وجمع البنائين والفعلة والرجال وأمر بحفر خندق وبني أبراجا من حجر وحيطانا لنصب المدافع والمتاريس في البرين. وفي يوم الخميس ثاني عشرة حضر الشيخ محمد الأمير ومن بصحبته واخبروا أنهم تركوا إبراهيم بك ومراد بك في بني سويف وأربعة من الأمراء وهم سليمان بك الاغا وإبراهيم بك لوالي وأيوب بك الصغير وعثمان الشرقاوي بزاوية المصلوب وحاصل جوابهم أن يكن صلح فليكن كاملا ونقعد معهم بالبلد عند عيالنا ونصير كلنا اخوة ونقيم ثأرنا في ثأرهم ودمنا في دمهم وعفا الله عما سلف فإن لم يرضوا بذلك فليستعدوا للقاء وهذا آخر الجواب والسلام وأرسلوا جوابات بمعنى ذلك إلى المشايخ وعلى أنهم يسعون في الصلح أو يخرجوا لهم على الخيل كما هي عادة المصريين في الحروب. وفي هذه الأيام حصل وقف حال وضيق في المعايش وانقطاع للطرق وعدم أمن وقوف العربان ومنع السبل وتعطيل أسباب وعسر في الأسفار برا وبحرا فاقتضى رأي الشيخ العروسي أنه يجتمع مع المشايخ ويركبون إلى الباشا ويتكلمون معه في شأن هذا الحال فاستشعر إسمعيل بك بذلك فدبج أمرا وصور حضور ططرى من الدوله وعلى يده مرسوم فأرسل الباشا في عصر يوم الجمعة للمشايخ والوجاقلية وجمعهم وقرأوا عليهم ذلك الفرمان ومضمونه الحث والأمر والتشديد على محاربة الأمراء القبالي وطردهم وابعادهم فلما فرغوا من ذلك تكلم الشيخ العروسي قال: خبرونا عن حاصل هذا الكلام فإننا لا نعرف بالتركي فأخبروه فقال: ومن المانع لكم من الخروج وقد ضاق الحال بالناس ولا يقدر أجد من الناس أن يصل إلى بحر النيل وقربه الماء بخمسة عشر نصف فضة وحضره إسمعيل بك مشتغل ببناء حيطان ومتاريس وهذه ليست طريقة ج / 2 ص -51- المصريين في الحروب بل طريقتهم المصادمة وانفصال الحرب في ساعة أما غالب أو مغلوب وأما هذا الحال فإنه يستدعي طولا وذلك يقتضي الخراب والتعطيل ووقف الحال فقال الباشا: أنا ما قلت لكم هذا الكلام أولا وثانيا هيا شهلوا أحوالكم ونبهوا على الخروج يوم الإثنين وأنا قبلكم. وفي ليلة الإثنين حضر شخصان من الططر ودخلا من باب النصر وأظهرا انهما وصلا من الديار الرومية على طريق الشام وعلى يدهما مرسومات حاصلهما الأخبار بحضور عساكر برية وعليهم باشا كبير وذلك أيضا لا أصل ونودى في ذلك اليوم بالخروج إلى المتاريس وكل من خرج يطلع أولا إلى القلعة ويأخذ نفقة من باب مستحفظان وقدرها خمسة عشر ريالا فطلع منهم حملة وأخذوا نفقاتهم وخرجوا إلى المتاريس بالجيزة. وفي يوم الأربعاء خامس عشرينه وردت مكاتبات من الديار الحجازية واخبروا فيها بوفا الشريف سرور شريف مكة وولاية أخيه الشريف غالب. وفي ليلة الأحد تاسع عشرينه مات إبراهيم بك قشطة صهر إسمعيل بك مطعونا. وفيه عزل إسمعيل بك المعلم يوسف كساب الجمركي بديوان بولاق ونفاه إلى بلاد الافرنج وقيل: إنه غرقه ببحر النيل وقلد مكانه مخاييل كحيل على عشرين ألف ريال دفعها. واستهل شهر رجب بيوم الثلاثاء وفي كل يوم ينادي المنادى بالخروج ويهدد من تخلف واستمروا متترسين بالبرين وبعض الأمراء ناحية طرا وبعضهم بمصر القديمة في خلاعاتهم وبعضهم بالجيزة كذلك إلى أن ضاق الحال بالناس وتعطلت الأسفار وانقطع الجالب من قبلي وبحري وأرسل إسمعيل بك إلى عرب البحيرة والهنادي فحضروا بجمعهم واخلاطهم وانتشروا في الجهة الغربية من رشيد إلى الجيزة ينهبون البلاد ويأكلون الزروعات ويضربون المراكب ج / 2 ص -52- في البحر ويقتلون الناس حتى قتلوا في يوم واحد من بلد النجيلة نيفا وثلثمائة إنسان وكذلك فعل عرب الشرق والجزيرة بالبر الشرقي وكذلك رسلان وباشا النجار بالمنوفية فتعطل السير برا وبحرا ولو بالخفارة حتى أن الإنسان يخاف أن يذهب من المدينة إلى بولاق أو خارج باب النصر. وفي يوم السبت خامسه نهب سوق انبابة وفيه قتل حمزة كاشف المعروف بالدويدار رجلا نصرانيا روميا صائغا اتهمه مع حريمه فقبض عليه وعذبه أياما وقلع عينيه واسنانه وقطع انفه وشفتيه واطرافه حتى مات بعد أن استاذن فيه حسن بك الجداوي وعندما قبض عليه أرسل حسن بك ونهب باقي حانوته من جوهر ومصاغ الناس وغير ذلك وطلق الزوجة بعد أن أراد قتلها فهربت عند الست نفيسة زوجة مراد بك. وفي يوم الأحد أخذ إسمعيل بك فرمانا من الباشا بفردة على البلاد لسليم بك أمير الحاج ليستعين بها على الحج وقرر على كل بلدة مائة ريال وجملا. وفي يوم الثلاثاء اجتمع الأمراء والوجاقلية والمشايخ بقصر العيني فأظهر لهم إسمعيل بك الفرمان وعرفهم احتياج الحال لذلك فقام الاختيارية وأغلظوا عليه ومانعوا في ذلك. وفي يوم الخميس سابع عشرة وصل نحو الألف من عسكر الارنؤد إلى ساحل بولاق وعليهم كبير يسمى إسمعيل باشا فخرج إسمعيل بك وحسن بك وعلي بك ورضوان بك لملاقاته ومدوا له سماطا عند مكان الحلي القديم. وفي يوم الجمعة ثامن عشرة امطرت السماء من بعد الفجر إلى العشاء واطبق الغيم قبل الغروب وأرعد رعدا قويا وابرق برقا ساطعا ثم خرجت فرتونة نكباء شرقية شمالية واستمر البرق والمطر يتسلسل غالب الليل وكان ذلك سابع عشر برمودة وخامس عشر نيسان وخامس درجة من برج الثور فسبحان الفعال لما يريد ج / 2 ص -53- وفي يوم الأحد عشرينه كان عيد النصارى وفيه تقررت الفرد المذكورة وسافر لقبضها سليم بك امين الحج ولم يفد من قيام الوجاقلية وسعيهم في أبطالها شيء فإنهم لما عارضوا في ذلك فتح عليهم طلب المساعدة وليس بأيدي الملتزمين شيء يدفعونه فقال: إذا كان كذلك فاننا نقبضها من البلاد فلم يسعهم إلا الاجابة. وفي يوم الإثنين حضر إلى ثغر بولاق اغا اسود وعلى يده مقرر لعابدي باشا وخلعه لشريف مكة فطلع عابدي باشا إلى القلعة وعمل ديوانا في يوم الثلاثاء واجتمع الأمراء والمشايخ والقاضي وقرأوا المقرر ووصل صحبة الاغا المذكور ألف قرش رومي أرسلها حضرة السلطان تفرق على طلبه العلم بالأزهر ويقرأون له صحيح البخاري ويدعون له بالنصر. وفي يوم الأربعاء قتل إسمعيل باشا كبير الارنؤد رئيس عسكره وكان يخشاه ويخاف من سطوته قيل أنه أراد أن يأخذ العسكر ويذهب بهم إلى الأمراء القبليين رغبة في كثرة عطائهم فطالبه بنفقة وألح عليه وقال له: إن لم تعطهم هربوا حيث شاؤوا فحضر عنده وفاوضه في ذلك فلاطفه وأكرمه واختلى به وأغتاله وقطع رأسه وألقاها من الشباك لجماعته. وفي يوم الجمعة كتبوا قائمة أسماء المجاورين والطلبة وأخبروا الباشا أن الألف قرش لا تكفي طائفة من المجاورين فزادها ثلاثة آلاف قرش من عنده فوزعوها بحسب الحال أعلى وأوسط وآدنى فخص الأعلى عشرون قرشا والأوسط عشرة والادنى أربعة وكذلك طوائف الاروقة بحسب الكثرة والقلة ثم أحضروا اجزاء البخاري وقرأوا وصادف ذلك زيادة أمر الطاعون والكروب المختلفة. وفي يوم الإثنين ثامن عشرينه توفي صاحبنا حسن أفندي قلفة الغربية وتقلد عوضه صهره مصطفى أفندي ميسو كاتب اليومية. وفيه توفي أيضا خليل أفندي البغدادي الشطرنجي. واستهل شهر شعبان بيوم الأربعاء فيه عدى بعض الأمراء بخيامهم إلى البر الغربي ثم رجعوا في ثانيه ثم عدى البعض ورجع البعض وكل ج / 2 ص -54- ذلك أيهامات بالسفر وتمويهات من إسمعيل بك وفي الحقيقة قصده عدم الحركة وضاقت أنفس المقيمين بالمتاريس وقلقوا من طول المدة وتفرق غالبهم ودخلوا المدينة. وفي خامسه حضر إلى مصر رجل هندي قيل أنه وزير سلطان الهند حيدر بك وكان قد ذهب إلى اسلامبول بهدية إلى السلطان عبد الحميد ومن جملتها منبر وقبلة مصنوعان من العود الفاقلي صنعة بديعة وهما قطع مفصلات يجمعها شناكل وأغربة من فضة وذهب وسرير يسع ستة انفار وطائران يتكلمان باللغة الهندية خلاف الببغا المشهور وأنه طلب منه امداد يستعين على حرب أعدائه الانكليز المجاورين لبلاده فأعطاه مرسومات إلى الجهات بالأذن لمن يسير معه فسار إلى الأسكندرية ثم حضر إلى مصر وسكن ببولاق وهو رجل كالمقعد يجلس على كرسي من فضة ويحمل على الأعناق وقد مات العساكر التي كانت معه ويريد اتخاذ غيرها من أي جنس كان وكل من دخل فيهم برسم الخدمة وسموه بعلامة في جبهته لا تزول فنفرت الناس من ذلك وملابسهم مثل ملابس الافرنج وأكثرها من شيث هندي مقمطة على أجسامهم وعلى رأسهم شقات افرنجية. وفي ليلة الجمعة سابع عشره خرج الأمراء بعد الغروب وأشيع وصول القبليين وهجومهم على المتاريس. وفي صبحها حصلت زعجة وضجة وهرب الناس من القرافتين ونودى بالخروج فلم يخرج أجد ثم برد هذا الأمر. وفي تلك الليلة ضربوا اعناق خمسة أشخاص من اتباع الشرطة يقال لهم: البصاصون وسبب ذلك أنهم أخذوا عمله واخفوها من حاكمهم واختصوا بها دونه ولم يشركوه معهم. وفي سابع عشرينه مات محمد اغا مستحفظان المعروف بالمتيم. وفي يوم الأربعاء تاسع عشرينه كسفت الشمس وقت الضحوة الكبرى وكان المنكسف منها نحو الثلاثة أرباع وأظلم الجو إلا يسيرا ثم انجلى ذلك عن الزوال ج / 2 ص -55- واستهل شهر رمضان بيوم الجمعة ووافق ذلك أول بؤنة القبطي. وفي ثالثه قلدوا إسمعيل بك خازندار إسمعيل بك الذي كان زوجه باحدى زوجات أحمد كتخدا المجنون أغات مستحفظان وقلدوا خازندار حسن بك الجداوي واليا عوضا عن إسمعيل اغا الجزايرلي لعزله. وفي ثاني عشرة حضر إبراهيم كاشف من اسلامبول وكان إسمعيل بك ارسله بهدية إلى الدولة فأوصلها ورجع إلى مصر بجوابات القبول وأنه لما وصل إلى اسلامبول وجد حسن باشا نزل إلى المراكب مسافرا إلى بلاد الموسقو وبينه وبين اسلامبول نحو أربع ساعات فذهب إليه وقابله ورجع معه في شكتربة إلى اسلامبول وطلع الهدية بحضرته وقد كان أشيع هناك بأن إبراهيم بك ومراد بك دخلا إلى مصر وخرج من فيها وحصل هناك هرج عظيم بسبب ذلك فلما وصل إبراهيم كاشف هذا بالهدية حصل عندهم اطمئنان وتحققوا منه عدم صحة ذلك الخبر. وفي رابع عشرينه نهب العرب قافلة التجار والحجاج الواصلة من السويس وفيها شيء كثير جدا من أموال التجار والحجاج ونهب فيها للتجار خاصة ستة آلاف جمل ما بين قماش وبهار وبن وأقمشة وبضائع وذلك خلاف أمتعة الحجاج وسلبوهم حتى ملابس أبدانهم وأسروا النساء وأخذوا ما عليهن ثم باعوهن لآصحابهن عرايا وحصل لكثير من الناس وغالب التجار الضرر الزائد ومنهم من كان جميع ماله بهذه القافلة فذهب جميعه ورجع عريانا أو قتل وترك مرميا. وفي خامس عشرينه وقع بين طائف المغاربة الحجاج النازلين بشاطىء النيل ببولاق بين عسكر القليونجية مقاتلة وسبب ذلك أن المغاربة نظروا بالقرب منهم جماعة من القليونجية المتقيدين بقليون إسمعيل بك ومعهم نساء يتعاطون المنكرات الشرعية فكلمهم المغاربة ونهوهم عن فعل القبيح وخصوصا في مثل هذا الشهر أو أنهم يتباعدون عنهم فضربوا عليهم طبنجات فثار عليهم المغاربة فهرب الفليونجية إلى مراكبهم فنط المغاربة خلفهم واشتبكوا معهم ومسكوا من مسكوه وذبحوا من ذبحوه ج / 2 ص -56- ورموه إلى البحر وقطعوا حبال المراكب ورموا صواريها وحصلت زعجة في بولاق تلك الليلة وأغلقوا الدكاكين وقتل من القليونجية نحو العشرين ومن المغاربة دون ذلك فلما بلغ إسمعيل بك ذلك اغتاظ وأرسل إلى المغاربة يأمرهم بالانتقال من مكانهم فانتقلوا إلى القاهرة وسكنوا بالخانات فلما كان ثاني يوم نزل الاغا والوالي وناديا في الأسواق على المغاربة الحجاج بالخروج من المدينة إلى ناحية العادلية ولا يقيموا بالبلد وكل من آواهم يستأهل ما يجري عليه فامتنعوا من الخروج وقالوا: كيف نخرج إلى العادلية ونموت فيها عطشا وذهب منهم طائفة إلى إسمعيل كتخدا حسن باشا فأرسل إلى إسمعيل بك بالروضة يترجى عنده فيهم فامتنع ولم يقبل الشفاعة وحلف أن كل من مكث منهم بعد ثلاثة أيام قتله فتجمعوا أحزابا واشتروا أسلحة وذهب منهم طائفة إلى الشيخ العروسي والشيخ محمد بن الجوهري فتكلموا مع إسمعيل بك فنادى عليهم بالأمان. وفي أواخره ورد خبر من دمياط بأن النصارى أخذوا من على ثغر دمياط اثني عشر مركبا. واستهل شهر شوال بيوم السبت في رابعه حضر سليم بك من سرحته وفي خامسه أرسل الآغا بعض اتباعه بطلب شخصين من عسكر القليونجية من ناحية بين السوربن بسبب شكوى رفعت إليه فيهما فضرب احدهما أجد المعينين فقتله فقبضوا عليه ورموا عنقه أيضا بجانبه. وفيه حضر طائفة العربان الذين نهبوا القافلة إلى مصر وهم من العيايدة وقابلوا إسمعيل بك وصالحوه على مال وكذلك الباشا واتفقوا على شيل ذخيرة أمير الحاج وخلع عليهم ولما نهبت القافلة اجتمع الأكابر والتجار وذهبوا إلى إسمعيل بك وشكوا إليه ما نزل بهم فوبخهم وأظهر الشماتة فيهم وصارت يده ترتعش الغيظ وخرجوا من بين يديه آيسين والحاضرون يلطفون له القول ويأخذون بخاطره وهو لا ينجلي عنه الغيظ. وفي يوم السبت ثامنه نزلوا بكسوة الكعبة من القلعة إلى المشهد الحسيني على العادة ج / 2 ص -57- وفي ليلة الثلاثاء حادي عشره في ثالث ساعة من الليل حصلت زعجة عظيمة وركب جميع الأمراء وخرجوا إلى المتاريس وأشيع أن الأمراء القبليين عدوا إلى جهة الشرق وركب الوالي والأغا وساروا يفتحون الدروب بالعتالات ويخرجون الأجناد من بيوتهم إلى العرضي وباتوا بقية الليل في كركبة عظيمة وأصبح الناس هايجين والمناداة متتابعة على الناس والالضاشات والأجناد والعسكر بالخروج وظن الناس هجوم القبليين ودخولهم المدينة فلما كان أواخر النهار حصلت سكتة وأصبحت القضية باردة وظهران بعضهم عدي إلى الشرق وقصدوا الهجوم على المتاريس في غفلة من الليل فسبق العين بالخبر فوقع ما ذكر فلما حصل ذلك رجعوا إلى بياضة وشرعوا في بناء متاريس ثم تركوا ذلك وترفعوا إلى فوق ولم يزل المصريون مقيمين بطرا ما عدا إسمعيل بك فإنه رجع بعد يومين لأجل تشهيل الحاج. ثم استهل شهر القعدة بيوم الإثنين في ذلك اليوم رسموا بنفي سليمان بك الشابوري إلى المنصورة وتقاسموا بلاده. وفيه رجع الأمراء من المتاريس إلى مصر القديمة كما كانوا ولم يبق بها إلا المرابطون قبل ذلك. وفي يوم الثلاثاء ثار جماعة الشرام وبعض المغاربة بالأزهر على الشيخ العروسي بسبب الجراية وقفلوا في وجهه باب الجامع وهو خارج يريد الذهاب بعد كلام وصياح ومنعوه من الخروج فرجع إلى رواق المغاربة وجلس به إلى الغروب ثم تخلص منهم وركب إلى بيته ولم يفتحوا الجامع وأصبحوا فخرجوا إلى السوق وأمروا الناس بغلق الدكاكين وذهب الشيخ إلى إسمعيل بك وتكلم معه فقال له أنت الذي تأمرهم بذلك وتريدون تحريك الفتن علينا ومنكم أناس يذهبون إلى أخصامنا ويعودون فتبرأ من ذلك فلم يقبل وذهب أيضا وصحبته بعض المتعممين إلى الباشا بحضرة إسمعيل بك فقال الباشا مثل ذلك وطلب الذين يثيرون الفتن من المجاورين ليؤد بهم وينفيهم فمانعوا في ذلك ثم ج / 2 ص -58- ذهبوا إلى علي بك الدفتردار وهو الناظر على الجامع فتلا في القضية وصالح إسمعيل بك واجروا لهم الأخبار بعد مشقة وكلام من جنس ماتقدم وامتنع الشيخ العروسي من دخول الجامع أياما وقرأ درسه بالصالحية. وفي يوم الأحد رابع عشره الموافق لثالث عشر مسرى القبطي أوفى النيل أذرعه وركب الباشا في صبحها وكسر سد الخليج. وفي عشرينه انفتح سد ترعة مويس فأحضر إسمعيل بك عمر كاشف الشعراوي وهو الذي كان تكفل بها لأنه كاشف الشرقية ولامه ونسبه للتقصير في تمكينها والزمه بسدها فاعتذر بعدم الأمكان وخصوصا وقد عزل من المنصب وأعوانه صاروا مع الكاشف الجديد فاغتاظ منه وأمر بقتله فاستجار برضوان كتخدا مستحفظان فشفع فيه واخذه عنده وسعى في جريمته وصالح عليه. شهر الحجة في غرته حضر قليونان روميان إلى بحر النيل ببولاق يشتمل أحدهما على أجد وعشرين مدفعا والثاني أقل منه اشتراهما إسمعيل بك. وفيه زاد سعر الغلة ضعف الثمن بسبب انقطاع الجالب. وفي رابع عشرة عمل الباشا ديوانا بقصر العيني وتشاوروا في خروج تجريدة وشاع الخبر بزحف القبليين. وفي يوم الأربعاء سادس عشرة عمل الباشا ديوانا بقصر العيني جمع به سائر الأمراء والوجاقلية والمشايخ بسبب شخص الجي حضر بمكاتبات من قرال الموسقو ولحضوره نبأ ينبغي ذكره كما نقل إلينا وهو أن قرال الموسقو لما بلغه حركة العثمنلي في ابتداء الأمر على مصر أرسل مكاتبة إلى أمراء مصر على يد القنصل المقيم بثغر سكندرية يحذرهم من ذلك ويحضهم على تحصين الثغر ومنع حسن باشا من العبور فحضر القنصل إلى مصر واختلى بهم واطلعهم على ذلك فأهملوه ولم يلتفتوا إليه ورجع من غير رد جواب وورد حسن باشا فعند ذلك انتبهوا وطلبوا القنصل فلم يجدوه وجرى ما جرى وخرجوا إلى قبلي وكاتبوا القنصل فأعاد ج / 2 ص -59- الرسالة إلى قراله وركب هجانا واجتمع بهم ورجع وصادف وقوع الواقعة بالمنشية في السنة الماضية وكانت الهزيمة على المصريين وشاع الخبر في الجهات بعودهم وقد كان أرسل لنجدتهم عسكرا من قبله ومراكب ومكاتبات صحبة هذا الالجي فحضر إلى ثغر دمياط في أواخر رمضان فرأى انعكاس الأمر فعربد بالثغر وأخذ عدة نقاير كما ذكر ورجع إلى مرساه أقام بها وكاتب قراله وعرفه صورة الحال وأن من بمصر الآن من جنسهم أيضا وأن العثمنلي لم يزل مقهورا معهم فأجمع رأيه على مكاتبة المستقرين وإمدادهم فكتب إليهم وأرسلها صحبة هذاالالجي وحضر إلى دمياط وأنقذ الخبر سرا بوصوله وطلب الحضور بنفسه فاعلموا الباشا بذلك سرا وأرسلوا إليه بالحضور فلما وصل إلى شلقان خرج إليه إسمعيل بك في تطريدة كان لم يشعر به أجد وأعد له منزلا ببولاق وحضر به ليلا وأنزله بذلك القناق ثم اجتمع به صحبة علي بك وحسن بك ورضوان بك وقرأوا المكاتبات بينهم فوصل إليهم عند ذلك جماعة من اتباع الباشا وطلبوا ذلك الالجي عند الباشا وذلك باشارة خفية بينهم وبين الباشا فركبوا معه إلى قصر العيني وأرسل الباشا في تلك الليلة التنابيه لحضور الديوان في صبحها فلما تكاملوا أخرج الباشا تلك المراسلات وقرئت في المجلس والترجمان يفسرها بالعربي وملخصها خطاب إلى الأمراء المصرية أنه بلغنا صنع بن عثمان الخائن الغدار معكم ووقوع الفتن فيكم وقصده أن بعضكم يقتل بعضا ثم لا يبقى على من يبقى منكم ويملك بلادكم ويفعل بها عوائده من الظلم والجور والخراب فإنه لا يضع قدمه في قطر إلا ويعمه الدمار الخراب فتيقظوا لأنفسكم واطردوا من حل ببلادكم من العثمانية وارفعوا بنديرتنا واختاروا لكم رؤساء منكم وحصنوا ثغوركم وامنعوا من يصل اليكم منهم إلا من كان بسبب التجارة ولا تخشوه في شيء فنحن نكفيكم مؤنته وانصبوا من طرفكم حكاما بالبلاد الشامية كما كانت في السابق ويكون لنا أمر بلاد الساحل والواصل لكم كذا وكذا مركبا وبها كذا من العسكر والمقاتلين وعندنا من المال والرجال ج / 2 ص -60- ما تطلبون وزيادة على ما تظنون فلما قرىء ذلك اتفقوا على إرسالها إلى الدولة فأرسلت في ذلك اليوم صحبة مكاتبة من الباشا والأمراء وانزلوا ذلك الالبي في مكان بالقلعة مكرما. وفي يوم الإثنين وجهوا خمسة من المراكب الرومية إلى جهة قبلي وابقوا اثنين وأرسلوا بها عثمان بك طبل الإسماعيلي وعساكر رومية والله أعلم وانقضت هذه السنة. من مات في هذه السنة ممن له ذكر. مات الإمام العلامة أجد المتصدرين واوحد العلماء المتبحرين حلال المشكلات وصاحب التحقيقات الشيخ حسن بن غالب الجداوي المالكي الأزهري ولد بالجدية في سنة 1128 وهي قرية قرب رشيد وبها نشأ وقدم الجامع الأزهر فتفقه على بلدية الشيخ شمس الدين محمد الجداوي وعلى افقه المالكية في عصره السيد محمد بن محمد السلموني وحضر على الشيخ علي خضر العمروسي وعلى السيد محمد البليدي والشيخ علي الصعيدي أخذ عنهم الفنون بالاتقان ومهر فيها حتى عد من الأعيان ودرس في حياة شيوخه وأفتى وهو شيخ بهي الصور طاهر السريرة حسن السيرة فصيح اللهجة شديد العارضة يفيد الناس بتقريره الفائق ويحل المشكلات بذهنه الرائق وحلقة درسه عليها الخفر وما يلقيه كأنه نثار جواهر ودرر وله مؤلفات وتقييدات وحواش وكان له وظيفة الخطابة بجامع مرزه جربجي ببولاق ووظيفة تدريس بالسنانية أيضا وينزل إلى بلده الجدية في كل سنة مرة ويقيم بها أياما ويجتمع عليه أهل الناحية ويهادونه ويفصلون على يديه قضاياهم ودعاويهم وأنكحتهم ومواريثهم ويؤخرون وقائعهم الحادثة بطول السنة إلى حضوره ولا يثقون إلا بقوله ثم يرجع إلى مصر بما اجتمع لديه من الارز والسمن والعسل والقمح وغير ذلك ما يكفي عياله إلى قابل مع الحشمة والعفة توفي بعد أن تعلل أشهرا في أواخر شهر ذي الحجة وجهز وصلي عليه بالأزهر بمشهد. ج / 2 ص -61- حافل ودفن عند شيخه الشيخ محمد الجداوي في قبر اعده لنفسه رحمه الله تعالى. ومات الإمام العالم العلامة الفقيه المحدث النحوي الشيخ حسن الكفراوي الشافعي الأزهري ولد ببلده كفر الشيخ حجازي بالقرب من المحلة الكبرى فقرأ القرآن وحفظ المتون بالمحلة ثم حضر إلى مصر وحضر شيوخ الوقت مثل الشيخ أحمد السجاعي والشيخ عمر الطحلاوي والشيخ محمد الحفني والشيخ علي الصعيدي ومهر في الفقه والمعقول وتصدر ودرس وأفتى واشتهر ذكره ولازم الأستاذ الحفني وتداخل في القضايا والدعاوي وفصل الخصومات بين المتنازعين وأقبل عليه الناس بالهدايا والجعالات ونما أمره وراش جناحه وتجمل بالملابس وركوب البغال وأحدق به الاتباع واشترى بيت الشيخ عمر الطحلاوي بحارة الشنواني بعد موت ابنه سيدي علي فزادت شهرته ووفدت عليه الناس وأطعم الطعام واستعمل مكارم الاخلاق ثم تزوج ببنت المعلم درع الجزار بالحسينية وسكن بها فجيش عليه أهل الناحية وأولو النجدة والزعارة والشطارة وصار له بهم نجدة ومنعة على من يخالفه أو يعانده ولو من الحكام وتردد إلى الأمير محمد بك أبي الذهب قبل استقلاله بالامارة وأحبه وحضر مجالس دروسه في شهر رمضان بالمشهد الحسيني فلما استبد بالأمر لم يزل يراعي له حق الصحبة ويقبل شفاعته في المهمات ويدخل عليه من غير استئذان في أي وقت أراد فزادت شهرته ونفذت احكامه وقضاياه واتخذ سكنا على بركة جناق أيضا ولما بنى محمد بك جامعه كان هو المتعين فيه بوظيفة رئاسة التدريس والافتاء ومشيخة الشافعية وثالث ثلاثة المفتين الذين قررهم الأمير المذكور وقصر عليهم الافتاء وهم الشيخ أحمد الدردير المالكي والشيخ عبد الرحمن العريشي الحنفي والمترجم وفرض لهم أمكنة يجلسون فيها أنشأها لهم بظاهر المبيضاة بجوار التكية التي جعلها لطلبة الأتراك بالجامع المذكور حصة من النهار في ضحوة كل يوم للافتاء بعد القائهم دروس الفقه ورتب لهم ما يكفيهم وشرط عليهم ج / 2 ص -62- عدم قبول الرشا والجعالات فاستمروا على ذلك أيام حياة الأمير واجتمع المترجم بالشيخ صادومه المشعوذ الذي تقدم ذكره في ترجمة يوسف بك ونوه بشأنه عند الأمراء والناس وأبرزه لهم في قالب الولاية ويجعل شعوذته وسيمياه من قبيل الخوارق والكرامات إلى أن اتضح أمره ليوسف بك فتحامل عليه وعلى قرينه الشيخ المترجم من أجله ولم يتمكن من أيذائهما في حياة سيده فلما مات سيده قبض على الشيخ صادومة وألقاه في بحر النيل وعزل المترجم من وظيفة المحمدية والافتاء وقلد ذلك الشيخ أحمد بن يونس الخليفي وانكسف باله وخمد مشعال ظهروه بين أقرانه إلا قليلا حتى هلك يوسف بك قبل تمام الحول ونسيت القضية وبطل أمر الوظيفة والتكية وتراجع حاله لا كالأول ووافاه الحمام بعد أن تمرض شهورا وتعلل وذلك في عشرين شعبان من السنة وصلي عليه بالأزهر في مشهد حافل ودفن بتربة المجاورين ومن مؤلفاته اعراب الآجرومية وهو مؤلف نافع مشهور بين الطلبة وكان قوي البأس شديد المراس عظيم الهمة والشكيمة ثابت الجنان عند العظائم يغلب على طبعه حب الرياسة والحكم والسياسة ويحب الحركة بالليل والنهار ويمل السكون والقرار وذلك مما يورث الخلل ويوقع في الزلل فإن العلم إذا لم يقرن بالعمل ويصاحبه الخوف والوجل ويجمل بالتقوى ويزين بالعفاف ويحلى باتباع الحق والانصاف أوقع صاحبه في الخذلان وصيره مثلة بين الأقران. ومات الشيخ العلامة المتفنن البحاث المتقن أبو العباس المغربي اصله من الصحراء من عمالة الجزائر دخل مصر صغيرا فحضر دروس الشيخ علي الصعيدي فتفقه عليه ولازمه ومهر في الآلات والفنون وأذن له في التدريس فصار يقرىء الطلبة في رواقهم وراج أمره لفصاحته وجوده حفظه وتميز في الفضائل وحج سنة 1182 وجاور بالحرمين سنة واجتمع بالشيخ أبي الحسن السندي ولازمه في دروسه وباحثه وعادا إلى مصر وكان يحسن الثناء على المشار إليه واشتهر أمره وصارت له في ج / 2 ص -63- الرواق كلمة واحترمه علماء مذهبه لفضله وسلاطة لسانه وبعد موت شيخه عظم أمره حتى اشير له بالمشيخة في الرواق وتعصب له جماعة فلم يتم له الأمر ونزل له السيد عمر أفندي الأسيوطي عن نظر الجوهرية فقطع معاليم المستحقين وكان محجاجا عظيم المراس يتقي شره توفي ليلة الأربعاء حادي عشرين شعبان غفر الله لنا وله. ومات الإمام الفقيه العلامة النحوي المنطقي الفرضي الحيسوب الشيخ موسى البشبيشي الشافعي الأزهري نشأ بالجامع الأزهر من صغره وحفظ القرآن والمتون وحضر دروس الاشياخ كالصعيدي والدردير والمصيلحي والصبان والشتويهي ومهر وانجب وصار من الفضلاء المعدودين ودرس في الفقه والمعقول واستفاد وافاد ولازم حضور شيخا العروسي في غالب الكتب فيحضر ويملي ويستفيد ويفيد وكان مهذبا في نفسه متواضعا مقتصدا في ملبسه ومأكله عفوفا قانعا خفيف الروح لا يمل من مجالسته ومفاكهته ولم يزل منقطعا للعلم والإفادة ليلا ونهارا مقبلا على شأنه حتى توفي رحمه تعالى حادي عشر شعبان مطعونا. ومات العلامة الأديب واللوذعي اللبيب المتقن المتفنن الشيخ محمد ابن علي بن عبد الله بن أحمد المعروف بالشافعي المغربي التونسي نزيل مصر ولد بتونس سنة 1152 ونشأ في قراءة القرآن وطلب العلم وقدم إلى مصر سنة أحدى وسبعين وجاور بالأزهر برواق المغاربة وحضر علماء العصر في الفقه والمعقولات ولازم دروس الشيخ علي الصعيدي وابي الحسن القلعي التونسي شيخ الرواق وعاشر اللطفاء والنجباء من أهل مصر وتخلق بأخلاقهم وطالع كتب التاريخ والادب وصار له ملكة في استحضار المناسبات الغريبة والنكات وتزوج وتزيا بزي أولاد البلد وتحلى بذوقهم ونظم الشعر الحسن توفي رحمة الله في يوم الجمعة ثالث شعبان من السنة. ومات صاحبنا الشاب الصالح العفيف الموفق الشيخ مصطفى بن جاد ولد بمصر ونشأ بالصحراء بعمارة السلطان قايتباي ورغب في صناعة ج / 2 ص -64- تجليد الكتب وتذهيبها فعانى ذلك ومارسه عند الأسطى أحمد الدقدوسي حتى مهر فيها وفاق أستاذه وادرك دقائق الصنعة والتذهيبات والنقوشات بالذهب المحلول والفضة والأصباغ الملونة والرسم والجداول والاطباع وغير ذلك وانفرد بدقيق الصنعة بعد موت الصناع الكبار مثل الدقدوسي وعثمان أفندي بن عبد الله عتيق المرحوم الوالد والشيخ محمد الشناوي وكان لطيف الذات خفيف الروح محبوب الطباع مألوف الاوضاع ودودا مشفقا عفوفا صالحا ملازما على الاذكار والأوراد مواطبا على استعمال اسم لطيف العدة الكبرى في كل ليلة على الدوام صيفا وشتاء سفرا وحضرا حتى لاحت عليه أنوار الأسم الشريف وظهرت فيه أسراره وروحانيته وصار له ذوق صحيح وكشف صريح ومراء واضحة وأخذ على شيخنا الشيخ محمود الكردي طريق السادة الخلوتية وتلقن عنه الذكر والاسم الأول وواظب على ورد العصر أيام حياة الأستاذ ولم يزل مقبلا على شأنه قانعا بصناعته ويستنسخ بعض الكتب ويبيعها ليربح فيها إلى أن وافاه الحمام وتوفي سابع شهر القعدة من السنة بعد أن تعلل أشهرا رحمه الله وعوضنا فيه خيرا فإنه كان بي رؤوفا وعلي شفوقا ولا يصبر عني يوما كاملا مع حسن العشرة والمودة والمحبة لا لغرض من الاغراض ولم أر بعده مثله وخلف بعده أولاده الثلاثة وهم الشيخ صالح وهو الكبير وأحمد بدوي والشيخ صالح المذكور هو الآن عمدة مباشري الأوقاف بمصر وجابي المحاسبة وله شهرة ووجاهة في الناس وحسن حال عشرة وسير حسن وفقه الله وأعانه على وقته. ومات أيضا الصنو الفريد واللوذعي الوحيد والكاتب المجيد والنادرة المفيد اخونا في الله خليل أفندي البغدادي ولد ببغداد دار السلام وتربى في حجر والده ونشأ بها في نعمة ورفاهية وكان والده من أعيان بغداد وعظمائها مال وثروة عظيمة وبينه وبين حاكمها عثمان باشا معاشرة وخلطة ومعاملة فلما وصل الطاغية طهماز إلى تلك الناحية وحصل منه ما حصل في بغداد وفر منه حاكمها المذكور قبض على والد المترجم واتهمه ج / 2 ص -65- بأموال الباشا وذخائره ونهب داره واستصفى أمواله ونواله وأهلك تحت عقوبته وخرج أهله وعياله وأولاده فارين من بغداد على وجوهم وفيهم المترجم وكان إذ ذاك أصغر اخوته فتفرقوا في البلاد وحضر المترجم بعد مدة من الواقعة مع بعض التجار إلى مصر واستوطنها وعاشر أهلها وأحبه الناس للطفه ومزاياه وجود الخط على الانيس والضيائي والكشري ومهر فيه وكان يجيد لعب الشطرنج ولا يباريه فيه أجد مع الخفة والسرعة وقل من يتناقل معه فيه بالكامل بل كان يناقل غالب الحذاق بدون الفرزان أو أجد الرخين ولم أر من ناقلة بالكامل إلا الشيخ سلامة الكتبي وبذلك رغب في صحبته العيان والأكابر وأكرموه وواسوه مثل عبد الرحمن بك عثمان وسليمان بك الشابوري وسليمان جربجي البرديسي وكان غالب مبيته عنده ولم يزل ينتقل عند الأعيان باستدعاء ورغبة منهم فيه مع الخفة واطراح الكلفة وحسن العشرة ويأوي إلى طبقته ولم يتأهل ويغسل ثيابه عند رفيقه السيد حسن العطار بالاشرفية وبآخرة عاشر الأمير مراد بك واختص به وأحبه فكان يجود له الخط ويناقله في الشطرنج وأغدق عليه ووالاه بالبر فراج حاله واشترى كتبا وواسى اخوانه وكان كريم النفس جدا يجود وما لديه قليل ولا يبقى على درهم ولا دينار ولما خرج مراد بك من مصر حزن لفقده وبعد وباع ما اقتناه من الكتب وغيرها وصرف ثمنها في بره ولوازمه وعبه دائما ملآن بالمآكل الجافة مثل التمر والكعك والفاكهة يأكل منها ويفرق في مروره على الأطفال والفقراء والكلاب وكان بشوشا ضحوك السن دائما منشرحا يسلي المحزون ويضحك المغبون ويحب الجمال ولا يؤخر المكتوبة عن وقتها اينما كان ويزور الصلحاء والعلماء ويحضر في بعض الأحيان دروسهم ويتلقى عنهم المسائل الفقهية ويحب سماع الألحان واجتماع الإخوان ويعرف اللسان التركي ودخل بيت البارودي كعادته فأصيب بالطاعون وتعلل ليلتين وتوفي حادي عشرين رجب سنة تاريخه رحمه الله وسامحه فلقد كانت افاعيله وطباعه تدل على جودة أصله وطيب أعراقه وأصوله ج / 2 ص -66- ومات الجناب الاوحد والنجيب المفرد الفصيح اللبيب والنادرة الاريب السيد إبراهيم بن أحمد بن يوسف بن مصطفى بن محمد امين الدين ابن علي سعد الدين بن محمد امين الدين الحسني الشافعي المعروف بقلفة الشهر تفقه على شيخ والده السيد عبد الرحمن الشيخوني إذ كان إمام والده وتدرج في معرفة الأقلام والكتابة فلما توفي والده تولى مكانه أخوه الأكبر يوسف في كتابة قلم الشهر فلما شاخ وكبر سلمه إلى اخيه المترجم فسار فيه احسن سير واقتنى كتبا نفيسة وتمهر في غرائب الفنون وأخذ طريق الشاذلية والاحزاب والاذكار على الشيخ محمد كشك وكان يبره ويلاحظه بمراعاته وانتسب إليه وحضر الصحيح وغيره على شيخنا السيد مرتضى وسمع عليه كثيرا من الأجزاء الحديثية في منزله بالركبيين وبالازبكية في مواسم النيل وكان مهيبا وجيها ذا شهامة ومروءة وكرم مفرط وتجمل فاخر عمله فوق همته سموحا بالعطاء متوكلا توفي صبح يوم الأربعاء غاية شهر شعبان بعد أن تعلل سبعة أيام وجهز وصلي عليه بمصلى شيخون ودفن على والده قرب السيدة نفيسة وخلف ولديه النجيبين المفردين حسن أفندي وقاسم أفندي ابقاهما الله وأحيا بهما المآثر وحفظ عليهما أولادهما واصلح لنا ولهم الأيام. ومات الإمام العلامة والجهبذ الفهامة الفقيه النبيه الأصولي المعقولي الورع الصالح الشيخ محمد الفيومي الشهير بالعقاد أجد أعيان العلماء النجباء الفضلاء تفقه على أشياخ العصر ولازم الشيخ الصعيدي المالكي ومهر وأنجب ودرس وانتفع به الطلبة في المعقول والمنقول وألف وأفاد وكان إنسانا حسنا جميل الاخلاق مهذب النفس متواضعا مشهورا بالعلم والفضل والصلاح لم يزل مقبلا على شأنه محبوبا للنفوس حتى تعلل بالبرقوقية بالصحراء وتوفي بها ودفن هناك بوصية منه رحمه الله. ومات صاحبنا الجناب المكرم والملاذ المفخم أنيس الجليس والنادرة الرئيس حسن أفندي بن محمد أفندي المعروف بالزامك قلف الغربية ومن له في ابناء جنسه أحسن منقبة ومزية تربى في حجر والده ومهر ج / 2 ص -67- في صناعته ولما توفي والده خلفه من بعده وفاقه في هزله وجده وعاشر أرباب الفضائل واللطفاء وصار منزله منهلا للواردين ومربعا للوافدين فيتلقى من يرد إليه بالبشر والطلاقة ويبذل جهده في قضاء حاجة من له به أدنى علاقة فاشتهر ذكره وعظم أمره وورد إليه الخاص والعام حتى أمراء الالوف العظام فيواسي الجميع ويسكرهم بكأس لطفه المريع مع الحشمة والرياسة وحسن المسامرة والسياسة قطعنا معه أوقاتا كانت في جبهة العمر غرة ولعين الدهر مسرة وقرة وفي هذا العام قصد الحج إلى بيت الله الحرام وقضى بعض اللوازم والاشغال واشترى الخيش وأدوات الأحمال فوافاه الحمام وارتحل إلى دار السلام بسلام وذلك في أواخر رجب بالطاعون رحمه الله. ومات أيضا الجناب العالي واللوذعي الغالي والرياستين والمزيتين والفضيلتين الأمير أحمد أفندي الروزنامجي المعروف بالصفائي تقلد وظيفة الروزنامة بديوان مصر عندما كف بصر إسمعيل أفندي فكان لها أهلا وسار فيها سيرا حسنا بشهامة وصرامة ورياسة وكان يحفظ القرآن حفظا جيدا وحضر في الفقه والمعقول على أشياخ الوقت قبل ذلك وكان يحفظ متن الألفية لابن مالك ويعرف معانيها ويحفظ كثيرا من المتون ويباحث ويناضل من غير ادعاء للمعرفة والعالمية فتراه أميرا مع الأمراء ورئيسا مع الرؤساء وعالما مع العلماء وكاتبا مع الكتاب وولداه سليمان أفندي المتوفي سنة ثمان وتسعين وعثمان أفندي المتوفي بعده في الفصل سنة خمس ومائتين ووالدتهما المصونة خديجة من أقارب المرحوم الوالد وكانا ريحانتين نجيبين ذكيين مفردين اعقب سليمان محمد أفندي وتوفي في سنة ست عشرة وهو مقتبل الشبيبه وحسن أفندي الموجود الآن وأعقب عثمان أحمد وهو موجود أيضا إلا أنه بعيد الشبه من أبيه وعمه وأولاد عمه وجده وجدته وأما ابن عمه حسن أفندي فهو ناجب ذكي بارك الله فيه ولما تعلل المترجم وانقطع عن النزول والركوب وحضور الدواوين قلدوا عوضه أحمد أفندي المعروف بأبي كلبة على مال دفعه فأقام ج / 2 ص -68- في المنصب دون الشهرين ومات أحمد أفندي فسمى عثمان أفندي العباسي على المنصب وتقلده على رشوة لها قدر وذهب على أحمد أفندي أبو كلبة ما دفعه في الهباء وكانت وفاة أحمد أفندي الصفائي المترجم في عشرين خلت من ربيع الثاني من السنة. ومات العمدة المفرد والنجيب الاوحد محمد أفندي كاتب الرزق الأحباسية وهذه الوظيفة تلقاها بالوراثة عن أبيه وجده وعرفوا اصطلاحها واتقنوا أمرها وكان محمد أفندي هذا لا يغرب عن ذهنه شيء يسأل عنه من اراضي الرزق بالبلاد القبلية والبحرية مع اتساع دفاترها وكثرتها ويعرف مظناتها ومن انحلت عنه ومن انتقلت إليه مع الضبط والتحرير والصيانة والرفق بالفقراء في عوائد الكتابة وكان على قدم الخير والصلاح مقتصدا في معيشته قانعا بوظيفته لا يتفاخر في ملبس ولا مركب ويركب دائما الحمار وخلفه خادمه يحمل له كيس الدفتر إذا طلع إلى الديوان مع السكون والحشمة وكان يجيد حفظ القرآن بالقراءات العشر ولم يزل هذا حاله حتى تعلل أياما وتوفي إلى رحمة الله تعالى ثامن ربيع الثاني وتقرر في الوظيفة عوضه ابن ابنه الشاب الصالح حموده أفندي فسار كاسلافه سيرا حسنا وقام بأعباء الوظيفة حسا ومعنى إلا أنه عاجله الحمام وانخسف بدره قبل التمام وتوفي بعد جده بنحو سنتين وشغرت الوظيفة وابتذلت كغيرها وهكذا عادة الدنيا. ومات الجناب السامي والغيث الهاطل الهامي ذو المناقب السنية والأفعال المرضية والسجايا المنيفة والأخلاق الشريفة السيد السند حامي الاقطار الحجازية والبلاد التهامية والنجدية الشريف السيد سرور أمير مكة تولى الأحكام وعمره نحو احدى عشرة سنة وكانت مدة ولايته قريبا من أربع عشرة سنة وساس الأحكام احسن سياسة وسار فيها بعدالة ورآسة وأمن تلك الاقطار أمنا لا مزيد عليه ومات وفي محبسه نيف وأربعمائة من العربان الرهائن وكان لا يغفل لحظة عن النظر والتدبير في مملكته ويباشر الأمور بنفسه ويتنكر ويعس ويتفقد جميع الأمور الكلية ج / 2 ص -69- والجزئية ولا ينام الليل قط فيدور ثلثي الليل ويطوف حول الكعبة الثلث الاخير ولم يزل يتنقل ويطوف حتى يصلي الصبح ثم يتوجه إلى داره فينام إلى الضحوة ثم يجلس للنظر في الأحكام ولا تأخذه في الله لومة لائم ويقيم الحدود ولو على اقرب الناس إليه فعمرت تلك النواحي وأمنت السبل وخافته العربان وأولاد الحرام فكان المسافر يسير بمفرده ليلا في خفارته وبالجملة فكانت أفعاله حميدة وأيامه سعيدة لم يأت قبله مثله فيما نعلم ولم يخلفه إلا مذمم ولما مات تولى بعده أخوه الشريف غالب وفقه الله وأصلح شأنه. تاريخ عجائب الآثار في التراجم والأخبار ثم دخلت سنة ثلاث ومائتين وألف. فكان ابتداؤها المحرم يوم الخميس وفيه زاد اجتهاد إسمعيل بك في البناء عند طرا وأنشأ هناك قلعة بحافة البحر وجعل بها مساكن ومخازن حواصل وأنشأ حيطانا وابراجا وكرانك وابنية ممتدة من القلعة إلى الجبل واخرج إليها الجبخانة والذخيرة وغير ذلك. وفي تاسعه سافر عثمان كتخدا عزبان إلى اسلامبول بعرضحال بطلب عسكر وأذن باقتطاع مصاريف من الخزينة. وفي رابع عشرينه سافر إسمعيل باشا باش الارنؤد بجماعته ولحقوا بالغلايين والجماعة القبليون متترسون بناحية الصول وعاملون سبعة متاريس والمراكب وصلت إلى أول متراس فوجدوهم مالكين مزم الجبل فوقفوا عند أول متراس ومدافعهم تصيب المراكب ومدافع المراكب لا تصيبهم وهم متمنعون بأنفسهم إلى فوق وانخرقت المراكب عدة مرار وطلع مرة من أهل المراكب جماعة أرادوا الكبس على المتراس الأول فخرج عليهم كمين من خلف مزرعة الذرة المزروع فقتل من طائفة المغاربة جماعة وهرب الباقون ونصبت رؤوس القتلى على مزاريق ليراها أهل المراكب ج / 2 ص -70- وفي سادس عشرينه سافر أيضا عثمان بك الحسني وامتنع ذهاب السفار وايابهم إلى الجهة القبلية وانقطع الوارد وشطح سعر الغلة وبلغ النيل غايته في الزيادة واستمر على الاراضي من غير نقص إلى آخر شهر بابه القبطي وروى جميع الأراضي. وفي سابع عشرينه حضر سراج من عند القبليين وعلى يده مكاتبات بطلب صلح وعلى أنهم يرجعون إلى البلاد التي عينها لهم حسن باشا ويقومون بدفع المال والغلال للميري ويطلقون السبل للمسافرين والتجار فإنهم سئموا من طول المدة ولهم مدة شهور منتظرين اللقاء مع اخصامهم فلم يخرجوا إليهم فلا يكونون سببا لقطع ارزاق الفقراء والمساكين فكتبوا لهم أجوبة للاجابة لمطلوبهم بشرط إرسال رهائن وهم عثمان بك الشرقاوي وإبراهيم بك الوالي ومحمد بك الألفي ومصطفى بك الكبير ورجع الرسول بالجواب وصحبته واحد بشلي من طرف الباشا. شهر صفر. في غرته حضر جماعة مجاريح. وفي ثانيه حضر المرسال الذي توجه بالرسالة وصحبته سليمان كاشف من جماعة القبليين والبشلي وآخر من طرف إسمعيل باشا الارنؤدي وأحبروا أن الجماعة لم يرضوا بإرسال رهائن ثم أرسلوا لهم على كاشف الجيزة وصحبته رضوان كتخدا باب التفكجية وتلطفوا معهم على أن يرسلوا عثمان بك الشرقاوي وأيوب بك فامتنعوا من ذلك وقالوا من جملة: كلامهم لعلمكم تظنون أن طلبنا في الصلح عجزا واننا محصورون وتقولون بينكم في مصر أنهم يريدون بطلب الصلح التحليل على التعدية إلى البر الغربي حتى يملكوا الاتساع وإذا قصدنا ذلك أي شيء يمنعنا في أي وقت شئنا وحيث كان الأمر كذلك فنحن لا نرضى إلا من حد أسيوط ولا نرسل رهائن ولا نتجاوز محلنا فلما رجع الجواب بذلك في سابعه أرسل الباشا فرمانا إلى إسمعيل باشا بمحاربتهم فبرزا إليهم بعساكره ج / 2 ص -71- وجميع العسكر التي بالمراكب وحملوا عليهم حملة واحدة وذلك يوم الجمعة ثامنه فاخلوا لهم وملكوا منهم متراسين فخرج عليهم كمين بعد أن أظهروا الهزيمة فقتل من العسكر جملة كبيرة ثم وقع الحرب بينهم يوم السبت ويوم الأحد واستمرت المدافع تضرب بينهم من الجهتين والحرب قائم بينهم سجالا وكل من الفريقين يعمل الحيل وينصب الشباك على الآخر ويكمن ليلا فيجد الرصد ولم ينفصل بينهم الحرب على شيء. وفي منتصفه شرع إسمعيل بك في عمل تفريدة على البلاد فقرروا على الأعلى عشرين ألف فضة والأوسط خمسة عشر والادنى خمسة آلاف وذلك خلاف حق الطرق وما يتبعها من الكلف وعمل ديوان ذلك في بيت علي بك الدفتردار بحضرة الوجاقلية وكتبت دفاترها وأوراقها في مدة ثلاثة أيام. واستهل شهر ربيع الأول والحال على ما هو عليه وحضر مرسوم من القبليين بطلب الصلح ويطلبون من حد اسيوط إلى فوق شرقا وغربا ولا يرسلون رهائن ووصل ساع من ثغر اسكندرية بالبشارة لإسمعيل كتخدا حسن باشا بولاية مصر وأن اليرق والداقم وصل والبقجي والكتخدا وأرباب المناصب وصلوا إلى الثغر فردهم الريح عندما قربوا من المرساة إلى جهة قبرص فشرع عابدي باشا في نقل متاعه من القلعة ولما حضرالمرسول بطلب الصلح رضي المصرلية بذلك واعادوه بالجواب. وفي رابعه حشر أحمد أغا اغات الجملية المعروف بشويكار لتقرير ذلك فعمل عابدي باشا ديوانا اجتمع فيه الأمراء والمشايخ والاختيارية وتكلم أحمد أغا وقال: نأخذ من أسيوط إلى قبلي شرقا وغربا بشرط أن ندفع ميري البلاد من المال والغلال ونطلق سراح المراكب والمسافرين بالغلال والاسباب وكذلك أنتم لا تمنعون عنا الواردين بالاحتياجات إلا ما كان من آلة الحرب فلكم منعه وبعد أن يتقرر بيننا وبينكم الصلح نكتب عرض محضر منا ومنكم إلى الدولة وننظر ما يكون الجواب فإن حضر الجواب بالعفو لنا أو تعيين أماكن لنا لا نخألف ذلك ولا تتعدى الأوامر السلطانية ج / 2 ص -72- بشرط أن ترسلوا لنا الفرمان الذي يأتي بعينه نطلع عليه فأجيبوا إلى ذلك كله ورجع أحمد اغا بالجواب صبيحة ذلك اليوم صحبة عبد الله جاويش وشهر حوالة والشيخ بدوي من طرف المشايخ وحضر في أثر ذلك مراكب غلال وانحلت الأسعار وتواجدت الغلال بالرقع وكثرت بعد انقشاعهم ثم وصلت الأخبار بأن القبليين شرعوا في عمل جسر على البحر من مراكب مرصوصة ممتدة من البر الشرقي إلى البر الغربي وثبتوه وسمروه بمسامير وباطات وثقلوه بمراس واحجار مركوزة بقرار البحر وأظهروا أن ذلك لأجل التعدية ورجعت المراكب وصحبتها العسكر المحاربون وأسمعيل باشا الارنؤدي وعثمان بك الحسني والقليونجية وغيرهم وأشيع تقرير الصلح وصحته. وفي عاشره أخبر بعض الناس قاضي العسكر أن بمدفن السلطان الغوري بداخل خزانة في القبة آثار النبي صلى الله عليه وسلم وهي قطعة من قميصه وقطعةعصا وميل فاحضر مباشر الوقف وطلب منه أحضار تلك الآثار وعمل لها صندوقا ووضعها في داخل بقجة وضمخها بالطيب ووضعها على كرسي ورفعها على رأس بعض الاتباع وركب القاضي والنائب وصحبته بعض المتعممين مشاة بين يديه يجهرون بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم حتى وصلوا بها إلى المدفن ووضعوها في داخل الصندوق ورفعوها في مكانها بالخزانة. وفي يوم الإثنين سابع عشرة حضر شهر حوالة وعبد الله جاويش وأخبروا بأنهم لما وصلوا إلى الجماعة تركوهم ستة أيام حتى تمموا شغل الجسر وعدوا عليه البر الغربي ثم طلبوهم فعدوا إليهم وتكلموا معهم وقالوا لهم أن عابدي باشا قرر معنا الصلح على هذه الصورة وتكفل لنا بكامل الأمور ولكن بلغنا في هذه الأيام أنه معزول من الولاية وكيف يكون معزولا ونعقد معه صلحا هذا لا يكون إلا إذا حضر إليه مقرر أو تولى غيره يكون الكلام معه وكتبوا له جوابات بذلك ورجع به الجماعة المرسلون وأشيع عدم التمام فاضطربت الأمور وارتفعت الغلال ثانية ج / 2 ص -73- وغلا سعرها وشح الخبز من الأسواق. وفي يوم الأربعاء تاسع عشرة عمل الباشا ديوانا جمع فيه الأمراء والمشايخ والاختيارية والقاضي فتكلم الباشا وقال انظروا يا ناس هؤلاء الجماعة ما عرفنا لهم حال ولا دينا ولا قاعدة ولا عهدا ولا عقدا أنا رأينا النصارى إذا تعاقدوا على شيء لا ينقضوه ولا يختلوا عنه بدقيقة وهؤلاء الجماعة كل يوم لهم صلح ونقض وتلاعب واننا اجبناهم إلى ما طلبوا وأعطيناهم هذه المملكة العظيمة وهي من ابتداء اسيوط إلى منتهى النيل شرقا وغربا ثم أنهم نكثوا ذلك وأرسلوا يحتجون بحجة باردة وإذا كنت أنا معزولا فإن الذي يتولى بعدي لا ينقض فعلى ولا يبطله ويقولون في جوابهم: نحن عصاة وقطاع طريق وحيث اقروا على أنفسهم بذلك وجب قتالهم أم لا فقال القاضي والمشايخ: يجب قتالهم بمجرد عصيانهم وخروجهم عن طاعة السلطان فقال: إذا كان الأمر كذلك فإني اكتب لهم مكاتبة وأقول لهم أما أن ترجعوا وتستقروا على ما وقع عليه الصلح وأما أن أجهز لكم عساكر وانفق عليهم من أموالكم ولا أجد يعارضني فيما افعله وإلا تركت لكم بلدتكم وسافرت منها ولو من غير أمر الدولة فقالوا جميعا نحن لا نخألف الأمر فقال: أضع القبض على نسائهم وأولادهم ودورهم وأسكن نساءهم وحريمهم في الوكائل وأبيع تعلقاتهم وبلادهم وما تملكه نساؤهم واجمع ذلك جميعه وأنفقه على العسكر وأن لم يكف ذلك تممته من مالي فقالوا: سمعنا وأطعنا وكتبوا مكاتبة خطابا لهم بذلك وختم عليها الباشا والأمراء وأرسلوها. وفي يوم الأحد ثالث عشرينه نزل الاغا ونادى في الأسواق بأن كل من كان عنده وديعة للامراء القبليين يردها لاربابها فإن ظهر بعد ثلاثة أيام عند أجد شيء استحق العقوبة وكل ذلك تدبير إسمعيل بك. وفي يوم الثلاثاء حضر هجان وباش سراجين إبراهيم بك وأخبر أن الجماعة عزموا على الارتحال والرجوع وفك الجسر فعمل الباشا ديوانا في صبحها وذكروا المراسلة وضمن الباشا غائلتهم وضمن المشايخ غائلة ج / 2 ص -74- اسمعيل بك وكتبوا محضرا بذلك وختموا عليه وأرسلوه صحبة مصطفى كتخدا باش اختيار عزبان وتحقق رفع الجسر وورود بعض المراكب وانحلت الأسعار قليلا. واستهل شهر ربيع الثاني. فيه حضر شيخ السادات إلى بيته الذي عمره بجوار المشهد الحسيني وشرع في عمل المولد واعتنى بذلك ونادوا على الناس بفتح الحوانيت بالليل ووقود القناديل من باب زويلة إلى بين القصرين وأحدثوا سيارات وأشاير ومواكب وأحمال قناديل ومشاعل وطبولا وزمورا واستمر ذلك خمسة عشر يوما وليلة. وفي يوم الجمعة حضر عابدي باشا باستدعاء الشيخ له فتغدى ببيت الشيخ وصلى الجمعة بالمسجد وخلع على الشيخ وعلى الخطيب ثم ركب إلى قصر العيني. وفي ذلك اليوم وصل ططرى من الديار الرومية وعلى يده مرسومات فعملوا في صبحها ديوانا بقصر العيني وقرئت المرسومات فكان مضمون احدها تقرير العابدي باشا على ولاية مصر والثاني الأمر والحث على حرب الأمراء القبليين وإبعادهم من القطر المصري والثالث بطلب الافرنجي المرهون إلى الديار الرومية فلما قرىء ذلك عمل عابدي باشا شنكا ومدافع من القصر والمراكب والقلعة وانكسف بال إسمعيل كتخدا بعد أن حضر إليه المبشر بالمنصب واظهر البشر والعظمة وانفذ المبشرين ليلا إلى الأعيان ولم يصبر إلى طلوع النهار حتى أنه أرسل إلى محمد أفندي البكري المبشر في خامس ساعة من الليل واعطاه مائة دينار وحضر إليه الأمراء والعلماء في صبحها للتهنئة وثبت ذلك عند الخاص والعام ونقل عابدي باشا عزاله وحريمه إلى القلعة. وفي يوم الجمعة ثاني عشرة رجع مصطفى كتخدا من ناحية قبلي وبيده جوابات وأخبر أن إبراهيم بك الكبير ترفع إلى قبلي وصحبته إبراهيم بك ج / 2 ص -75- الوالي وسليمان بك الاغا وأيوب بك وملخص الجوابات أنهم طالبون من حد المنية. وفي يوم الأحد رابع عشره عمل الباشا ديوانا حضره المشايخ والأمراء فلم يحصل سوى سفر الافرنجي. وفي أواخره حضر سراج باشا إبراهيم بك وبيده جوابات يطلبون من حد منفلوط فأجيبوا إلى ذلك وكتبت لهم جوابات بذلك وسافر السراج المذكور. واستهل شهر جمادى الأولى. في غرته قلدوا غيطاس بك إمارة الحج. وفي ثالثه وصل ططريون من البر على طريق دمياط بمكاتبات مضمونها ولاية إسمعيل كتخدا حسن باشا على مصر واخبروا أن حسن باشا دخل إلى اسلامبول في ربيع الأول ونقض ما أبرمه وكيل عابدي باشا والبس قابجي كتخدا إسمعيل المذكور بحكم نيابته عنه قفطان المنصب ثالث ربيع الثاني وتعين قابجي الولاية وخرج من اسلامبول بعد خروج الططر بيومين وحضر الططر في مدة ثلاث وعشرين يوما فلما وصل الططر سر إسمعيل كتخدا سرورا عظيما وانقذ المبشرين إلى بيوت الأعيان. وفيه ورد الخبر بانتقال الأمراء القبليين إلى المنية وسافر رضوان بك إلى الموفية وقاسم بك إلى الشرقية وعلي بك الحسني إلى الغربية. وفي عشرينه جمع إسمعيل بك الأمراء والوجاقلية وقال لهم: أيا إخواننا أن حسن باشا أرسل يطلب مني باقي الحلوان فمن كان عنده بقية فليحضر بها ويدفعها فأحضروا حسن أفندي شقبون أفندي الديوان وحسبوا الذي طرف إسمعيل بك وجماعته فبلغ ثلثمائة وخمسين كيساوطلع على طرف حسن بك واتباعه نحو أربعمائة كيس وعلى طرف علي بك الدفتردار مائة وستون كيسا وكانوا أرسلوا إلى علي بك فلم يأت فقال لهم حسن بك: أي شيء هذا العجب والأغراض بلاد علي بك فارسكور وبأرنبال ج / 2 ص -76- وسرس الليانة حلوانهم قليل وزاد اللغط والكلام فقام من بينهم إسمعيل بك ونزل وركب إلى جزيرة الذهب وكذلك حسن بك خرج إلى قبة العزب وعلي بك ذهب إلى قصر الجلفي بالشيخ قمر وأصبح علي بك وركب إلى الباشا ثم رجع إلى بيته ثم أن علي بك قال لا بد من تحرير حسابي وما تعاطيته وما صرفته من أيام حسن باشا إلى وقتنا وما صرفته على أمير الحج تلك السنة وادعي أمير الحج الذي هو محمد بك المبدول ببواقي ووقع على الجداوي فاجتمعو ببيت رضوان كتخدا تابع المجنون وحضر حسن كتخدا علي بك وكيلا عن مخدومه ومصطفى اغا الوكيل وكيلا عن إسمعيل بك وحرروا الحساب فطلع على طرف علي بك ثلاثة وعشرون كيسا وطلع له بواق في البلاد نيف واربعون كيسا. شهر جمادى الآخرة. فيه حضر فرمان من الدولة بنفي أربع اغوات وهم عريف أغا وعلي اغا وادريس اغا وأسمعيل اغا فحنق لذلك جوهر اغا دار السعادة وشرع في كتابه مرافعة. وفي عاشره وصل فرمان لإسمعيل كتخدا وخوطب فيه بلفظ الوزارة. وفي يوم الأحد عمل إسمعيل باشا المذكور ديوانا في بتيه بالازبكية وحضر الأمراء والمشايخ وقرأوا المكاتبة وفيها الأمر بحساب عابدي باشا وبعد انفضاض الديوان أمر الروزنامجي والافندية بالذهاب إلى عابدي باشا وتحرير حساب الستة اشهر من أول توت إلى برمهات لأنها مدة إسمعيل باشا وما أخذه زيادة عن عوائده وأخذ منه الضربخانة وسلمها إلى خازنداره وقطعوا راتبه من المذبح. وفي عصريتها أرسل إلى الوجاقلية والاختيارية فلما حضروا قال لهم إسمعيل باشا: بلغني أنكم جمعتم ثمانمائة كيس فما صنعتم بها فقالوا: دفعناها إلى عابدي باشا وصرفها على العسكر فقال: لأي شيء قالوا: ج / 2 ص -77- لقتل العدو قال: والعدو قتل قالوا: لا قال حينئذ: إذا احتاج الحال ورجع العدو اطلب منكم كذلك قدرها قالوا: ومن اين لنا ذلك قال: إذا اطلبوها منه واحفظوها عندكم في باب مستحفظان لوقت الاحتياج. وفيه تواترت الأخبار باستقرار إبراهيم بك بمنفلوط وبنى له بها داراوصحبته أيوب بك وأما مراد بك وبقية الصناجق فإنهم ترفعوا إلى فوق. وفي يوم الإثنين حضر حسن كتخدا الجربان من الروم وكان إسمعيل بك أرسل يتشفع في حضوره بسعاية محمد اغا البارودي وعلى أنه لم يكن من هذه القبيلة لأنه مملوك حسن بك أبي كرش وحسن بك مملوك سليمان اغا كتخدا الجاويشية ولما حضر أخبر أن الأمراء الرهائن ارسلوهم إلى شنق قلعة منفيين بسبب مكاتبات وردت من الأمراء القبالى إلى بعض متكلمين الدولة مثل القزلار وخلافه بالسعي لهم في طلب العفو فلما حضر حسن باشا وبلغه ذلك نفاهم وأسقط رواتبهم وكانوا في منزله واعزاز ولهم رواتب وجاميكة لكل شخص خمسمائة قرش في الشهر. وفي عشرينه تحرر حساب عابدي باشا فطلع لإسمعيل باشا نحو ستمائة كيس فتجاوز له عن نصفها ودفع له ثلثمائة كيس وطلع عليه لطرف الميري نحوها أخذوا بها عليه وثيقة وسامحه الأمراء من حسابهم معه وهادوه وأكرموه وقدموا له تقادم وأخذ في أسباب الارتحال والسفر وبرز خيامه إلى بركة الحج. وفي اواخره ورد الخبر مع السعاة بوصول الاطواخ لإسمعيل باشا واليرق والداقم إلى ثغر الأسكندرية. شهر رجب الفرد الحرام استهل بيوم السبت. في ثالثه يوم الإثنين سافر عابدي باشا من البر على طريق الشام إلى ديار بكر ليجمع العساكر إلى قتال الموسقو وذهب من مصر بأموال عظيمة وسافر صحبته إسمعيل باشا الارنؤدي وابقى إسمعيل باشا من عسكر القليونجية والانؤدية من اختارهم لخدمته وأضافهم إليه ج / 2 ص -78- وفي عاشره وصلت الاطواخ والداقم إلى الباشا فابتهج لذلك وأمر بعمل شنك وحراقة ببركة الأزبكية وحضر الأمراء إلى هناك ونصبوا صواري وتعاليق وعملوا حراقة ووقدة ليلتين ثم ركب الباشا في صبح يوم الجمعة وذهب إلى مقام الإمام الشافعي فزاره ورجع إلى قبة العزب خارج باب النصر ونودى في ليلتها على الموكب فلما كان صبح يوم السبت خامس عشره خرج الأمراء والوجاقلية والعساكر الرومية والمصرلية واجتمع الناس للفرجة وانتظم الموكب إمامه وركب بالشعار القديم وعلى رأسه الطلخان والقفطان الاطلس وإمامه السعاة والجاويشية والملازمون وخلفه النوبة التركية وركب إمامه جميع الأمراء بالشعار والبيلشانات بزينتهم ونظامهم القديم المعتاد وشق القاهرة في موكب عظيم ولما طلع إلى القلعة ضرب له المدافع من الأبراج وكان ذلك اليوم متراكم الغيوم وسح المطر من وقت ركوبه إلى وقت جلوسه بالقلعة حتى ابتلت ملابسه وملابس الأمراء والعسكر وحوائجهم وهم مستبشرون بذلك وكان ذلك اليوم خامس برمودة القبطي. وفي يوم الثلاثاء عمل الديوان وطلع الأمراء والمشايخ وطلع الجم الكثير من الفقهاء ظانين وطامعين في الخلع فلما قرىء التقرير في الديوان الداخل خلع على الشيخ العروسي والشيخ البكري والشيخ الحريري والشيخ الأمير والأمراء الكبار فقط ثم أن إسمعيل بك التفت إلى المشايخ الحاضرين وقال: تفضلوا يا أسيادنا حصلت البركة فقاموا وخرجوا. وفي يوم الخميس عشرينه أمر الباشا المحتسب بعمل تسعيرة وتنقيص الأسعار فنقضوا سعر اللحم نصفه فضة وجعلوا الضاني بستة انصاف والجاموسي بخمسة فشح وجوده بالأسواق وصاروا يبيعونه خفية بالزيادة ونزل سعر الاردب الغلة إلى ثلاثة ريال ونصف بعد تسعة ونصف. وفي يوم الخميس ثامن عشرينه ورد مرسوم من الدولة فعمل الباشا الديوان في ذلك وقرأوه وفيه الأمر بقراءة صحيح البخاري بالأزهر ج / 2 ص -79- والدعاء بالنصر للسلطان على الموسقو فإنهم تغلبوا واستولوا على قلاع ومدن عظيمة من مدن المسلمين وكذلك يدعون له بعد الاذان في كل وقت وأمر الباشا بتقرير عشرة من المشايخ من المذاهب الثلاثة يقرأون البخاري في كل يوم ورتب لهم في كل يوم مائتين نصف فضة لكل مدرس عشرون نصفا من الضربخانة ووعدهم بتقريرها لهم على الدوام بفرمان. وفيه شرع الباشا في تبييض حيطان الجامع الأزهر بالنورة والمغرة. وفي يوم الأحد حضر الشيخ العروسي والمشايخ وجلسوا في القبلة القديمة جلوسا عاما وقرأوا اجزاء من البخارى واستداموا على ذلك بقية الجمعة وقرر إسمعيل بك أيضا عشرة من الفقهاء كذلك يقرأون أيضا البخاري نظير لعشرة الأولى وحضر الصناع وشرعوا في البياض والدهان وجلاء الأعمدة وبطل ذلك الترتيب. شهر شعبان المكرم. في ثانيه نودي بأبطال التعامل بالزيوف المغشوشة والذهب الناقص وأن الصيارفة يتخدون لهم مقصات يقطعون بها الدراهم الفضة المنحسة وكذلك الذهب المغشوش الخارج وإذا كان الدينار ينقص ثلاثة قراريط يكون بطالا ولا يتعامل به وإنما يباع لليهود الموردين بسعر المصاغ إلى دار الضرب ليعاد جديدا فلم يمتثل الناس لهذا الأمر ولم يوافقوا عليه واستمروا على التعامل بذلك في المبيعات وغيرها لأن غالب الذهب على هذا النقص وأكثر وإذا بيع على سعر المصاغ خسروا فيه قريبا من النصف فلم يسهل بهم ذلك ومشوا على ما هم عليه مصطلحون فيما بينهم. وفي أوائله أيضا تواترت الأخبار بموت السلطان عبد الحميد حادي عشر رجب وجلوس ابن أخيه السلطان مصطفى مكانه وهو السلطان سليم خان وعمره نحو الثلاثين سنة وورد في أثر الإشاعة صحبة التجار والمسافرين دراهم وعليها اسمه وطرته ودعى له في الخطبة أول جمعة في شعبان المذكور ج / 2 ص -80- وفي يوم الثلاثاء تاسعه حضر علي بك الدفتردار من ناحية دجوة وسبب ذهابه إليها أن أولاد حبيب قتلوا عبد العلي بك بمنية عفيف بسبب حادثة هناك وكان ذلك العبد موصوفا بالشجاعة والفروسية فعز ذلك على علي بك فأخذ فرمانا من الباشا بركوبه على أولاد حبيب وتخريب بلدهم ونزل إليهم وصحبته باكير بك ومحمد بك المبدول وعندما علم الحبايبة بذلك وزعوا متاعهم وارتحلوا من البلد وذهبوا إلى الجزيرة فلما وصل علي بك ومن معه إلى دجوة لم يجدوا أحدا ووجدوا دورهم خالية فأمروا بهدمها فهدموا مجالسهم ومقاعدهم وأوقدوا فيها النار وعملوا فردة على أهل البلد وما حولها من البلاد وطلبوا منهم كلفا وحق طرق وتفحصوا على ودائعهم وأمانتهم وغلالهم في جيرة البلاد مثل طحلة وغيرها فأخذوها وأحاطوا بزرعهم وما وجدوه بالنواحي من بهائمهم ومواشيهم ثم تداركوا أمرهم وصالحوه بسعي الوسائط بدراهم ودفعوها ورجعوا إلى وطنهم ولكن بعد خرابها وهدمها. وفيه أرسل الباشا سلحداره بخطاب للامراء القبالي يطلب منهم الغلال والمال الميري حكم الاتفاق. واستهل شهر رمضان وشوال. في رابعه وصل إلى مصر أغا معين باجراء السكة والخطبة باسم السلطان سليم شاه فعمل الباشا ديوانا وقرأ المرسوم الوارد بذلك بحضرة الجمع والسبب في تأخيره لهذا الوقت الاهتمام بأمر السفر واشتغال رجال الدولة بالعزل والتولية وورد الخبر أيضا بعزل حسن باشامن رياسة البحر إلى رياسة البر وتقلدا الصدارة وتولى عوضه قبطان باشا حسين الجردلي وأخبروا أيضا بقتل بستحي باشا. وفي أوائله أيضا فتحوا ميري سنة خمسة مقدمة بعجلة. وفي أواخره حضر عثمان كتخدا عزبان من الديار الرومية وبيده أوامر وفيها الحث على محاربة الأمراء القبالي والخطاب للوجاقلية وباقي الأمراء ج / 2 ص -81- بأن يكونوا مع إسمعيل بك بالمساعدة والاذن لهم بصرف ما يلزم صرفه من الخزينة مع تشهيل الخزينة للدولة. وفي عاشره وصل ططري وعلى يده اوامر منها حسن عيار المعاملة من الذهب والفضة وأن يكون عيار الذهب المصري تسعة عشر قيراطا ويصرف بمائة وعشرين نصفا بنقص أربعة انصاف عن الواقع في الصرف بين الناس ولاسلامبولي بمائة وأربعين وينقص عشر والفندقلي بمائتين بنقص خمسة والريال الفرانسة بمائة بنقص خمسة أيضا والمغربي بخمسةوتسعين بنقص خمسة أيضا وهو المعروف بأبي مدفع والبندقي بمائتين وعشر بنقص خمسة عشر فنزل الاغا والوالي ونادى بذلك فخسر الناس حصة من أموالهم. وفي غايته خرج أمير الحاج غيطاس بك بالمحمل وركب الحجاج. وفي منتصف شهر القعدة الموافق لعاشر مسرى القبطي أو في النيل المبارك اذرع الوفاء ونزل الباشا إلى فم الخليج وكسر السد بحضرته على العادة وانقضى هذا العام بحوادثه وحصل في هذه السنة الأزدلاف وتداخل العام الهلالي في الخراجي ففتحوا طلب المال الخراجي القابل قبل أوانه لضرورة الاحتياج وضيق الوار بتعطيل الجهة القبلية واستيلاء الأمراء الخارجين عليها ووجه إسمعيل بك الطلب من أول السنة بباقي الحلوان الذي قرره حسن باشا ثم المال الشتوي ثم الصيفي وفي اثناء ذلك المطالبة بالفرد المتوالية المقرر على البلاد من الملتزمين ووجه على الناس قباح الرسل والمعينين من السراجين والدلاة وعسكر القليونجية فيدهمون الإنسان ويدخلون عليه في بيته مثل التجريدة الخمسة والعشرة بأيديهم البنادق والأسلحة بوجوه عابسة فيشاغلهم ويلاطفهم ويلين خواطرهم بالإكرام فلا يزدادون إلا قسوة وفظاظة فيعدهم على وقت آخر فيسمعونه قبيح القول ويشتطون في أجرة طريقهم وربما لم يجدوا صاحب الدار أو يكون مسافرا فيدخلون الدار وليس فيها إلا النساء ويحصل منهم ما لا خير فيه من الهجوم عليهن وربما نططن من الحيطان أو هربن ج / 2 ص -82- إلى بيوت الجيران وسافر رضوان بك قرابة علي بك الكبير إلى المنوفية وأنزل بها كل بلية وعسف بالقرى عسفا عينفا قبيحا بأخذ البلص والتساوين وطلب الكلف الخارجة عن المعقول إلى أن وصل إلى رشيد ثم رجع لاى مولد السيد البدوي بطندتا ثم عاد وفي كل مرة من مروره يستأنف العسف والجور وكذلك قاسم بك بالشرقية وعلي بك الحسني بالغربية وقلد إسمعيل بك مصطفى كاشف المرابط بقلعة طرا فعسف بالمسافرين الذاهبين والايبين إلى جهة قبلي فلا تمر عليه سفينة صاعدة أو منحدرة إلا طلبها إليه وأمر باخراج ما فيها وتفتيشها بحجة أخذهم الاحتياجات للأمراء القبليين من الثياب وغيرها أو إرسالهم أشياء أو دراهم لبيوتهم فإن وجد بالسفينة شيئا من ذلك نهب ما فيها من مال المسافرين والمتسببين وأخذه عن آخره وقبض عليهم وعلى الريس وحبسهم ونكل بهم ولا يطلقهم إلا بمصلحة وأن لم يجد شيئا فيه شبهة أخذ من السفينة ما اختاره وحجزهم فلا يطلقهم إلا بمال يأخذه منهم وتحقق الناس فعله فصانعوه ابتداء تقية لشره وحفظا لمالهم ومتاعهم فكان الذي يريد السفر إلى قبلي بتجارة أو متاع يذهب إليه ببعض الوسائط ويصالحه بما يطيب به خاطره ويمر بسلام فلا يعرض له وكذلك الواصلون من قبلي يأتون طائعين إلى تحت القلعة ويطلع إليه الريس والمسافرون فيصالحونه وعلم الناس هذه القاعدة واتبعوها وارتاحوا عليها في الجملة واستعوضوا الخسارة من غلو الأثمان وكذلك فعل نساء سائر الأمراء القبليين وهادينه وارشونه عن إرسالهن إلى أزواجهن من الملابس والأمتعة سراحتى كانوا في الآخر يرسلن إليه ما يرمن إرساله وهو يرسله بمعرفته وتأتي اجوبتهم على يده إلى بيوتهن خفية واتخذ له يدا وجميلا وطوقهم منته بذلك وشاع في بلاد الارنؤد وجبال الروملي رغبة إسمعيل بك في العساكر فوفدوا عليه باشكالهم المختلفة وطباعهم المنحرفة وعدم أديانهم وانعكاس أوضاعهم فأسكن منهم طائفة بالجيزة وطائفة ببولاق وطائفة بمصر العتيقة ج / 2 ص -83- وأجرى عليهم النفقات والعلوفات وجلب له الياسيرجية المماليك فاشترى منهم عدة وافرة منهم عدة وافرة وأكثرهم عزق ومشنبون واجناس غير معهودة واستعملهم من أول وهلة في الفروسية ولم يدربهم في آداب ولا معرفة دين ولا كتاب كل ذلك حرصا على مقاومة الأعداء وتكثير الجيش وتابع إرسال الهدايا والأموال والتحف إلى الدولة وأحضر السروجية والصواع والعقادين فصنعوا ستة سروج للسلطان وأولاده وذلك قبل موت السلطان عبد الحميد على طريقه وضع سروج المصريين بعبايات مزركشة وهي مع السرج والقصعة والقربوص مرصعة بالجواهر والبروق والذهب والركابات واللجامات والبلامات والشماريخ والسلاسل كلها من الذهب البندقي الكسر والرأس والرشمات كلها من الحرير المصنوع بالمخيش وسلوك الذهب وشماريخ المرجان والزمرد وجميع الشراريب من القصب المخيش وبها تعاليق المرجان والمعادن صناعة بديعة كلفة ثمينة أقاموا في صناعة ذلك عدة أيام ببيت محمد اغا البارودي واشترى كثيرا من الأواني والقدور الصيني الأسكي معدن وملأها بأنواع الشربات المصنوع من السكر المكرر كشراب البنفسج والورد والحماض والصندل المطيب بالمسك والعنبر وماءالورد والمربيات الهندية مثل مربي القرنفل وجوزبوا والبسباسة والزنجبيل والكابلي وأرسل ذلك مع الخزينة بالبحر صحبة عثمان كتخدا عزبان ومعها عدة خيول من الجياد واقمشة هندية وعود وعنبر وظرائف وارزوبن وأفاويه وماء الورد المكرر وغير ذلك ولم يتفق لأحد فيما تقدم من أمراء مصر أرسل مثل ذلك ولم نسمع به ولم نره في تاريخ فإن نهاية ما رأينا أن الأشربة يضعونها في ظروف من الفخار التي قيمة الظرف منها خمسة انصاف أو عشرة حتى الذي يأتي من اسلامبول لخصوص السلطان وأما هذه فأقل ما فيها يساوي مائة دينار وأكثر من ذلك. ومات في هذه السنة العلامة الماهر الحيسوب الفلكي أبو الاتقان الشيخ مصطفى الخياط صناعة ادرك الطبقة الأولى من أرباب الفن مثل ج / 2 ص -84- رضوان أفندي ويوسف الكلارجي والشيخ محمد النشيلي والكرتلي والشيخ رمضان الخوانكي والشيخ محمد الغمري والشيخ الوالد حسن الجبرتي وأخذ عنهم وتلقى منهم ومهر في الحساب والتقويم وحل الأزياج والتحاويل والحل والتركيب وتحاويل السنين وتداخل التواريخ الخمسة واستخراج بعضها من بعض وتواقيعها وكبائسها وبسائطها ومواسمها ودلائل الأحكام والمناظرات ومظنات الكسوف والخسوف واستخراج أوقاتها ودقائقها مع الضبط والتحرير وصحة الحدس وعدم الخطأ واقر له أشياخه ومعاصروه بالاتقان والمعرفة وانفرد بعد أشياخه ووفد عليه طلاب الفن وتلقوا عنه وانجبوا واجلهم عصرينا وشيخنا العلامة المتقن الشيخ عثمان ابن سالم الورداني اطال الله بقاءه ونفع به ولازم المترجم المرحوم الوالد مدة مديدة وتلقى عنه وحج معه في سنة ثلاث وخمسين ومائة وألف وسمعته يقول عنه الشيخ مصطفى: فريد عصره في الحسابيات والشيخ محمد النشيلي في الرسميات وحسن أفندي قطه مسكين في دلائل الأحكام وكان يستخرج في كل عام دستور السنة من مقومات السيارة ومواقع التواريخ وتواقيع القبط والمواسم والأهلة ويعرب السنة الشمسية لنفع العامة وينقل منها نسخا كثيرة يتناولها لخاص والعام يعلمون منها الاهلة وأوائل الشهور العربية والقبطية والرومية والعبرانية والتواقيع والمواسم وتحاويل البروج وغير ذلك والتمس منه الأستاذ سيدي أبو الأمداد أحمد بن وفا تحريك الكواكب الثابته لغاية سنة ثمانين ومائة وألف فأجابه إلى ذلك واشتغل به أشهرا حتى أتم حساب أطولها وعروضها وجهاتها ودرجات ممرها ومطالع غروبها وشروقها وتوسطها وأبعادها ومواضعها بأفق عرض مصر بغاية التحقيق والتدقيق على أصول الرصد الجديد السمرقندي وقام له الأستاذ باوده ومصرفه ولوازم عياله مدة اشتغاله بذلك واجازه على ذلك إجازة سنية ج / 2 ص -85- ومات سلطان الزمان السلطان عبد الحميد بن أحمد خان وتولى بعده ابن أخيه السلطان سليم بن مصطفى وفقه الله تعالى آمين. تاريخ عجائب الآثار في التراجم والأخبار ودخلت سنة أربع ومائتين والف. في المحرم وصلت الأخبار بأن الموسقو أغاروا على عدة قلاع ومسالك اسلامية منها جهات الاوزي وكانت تغل على اسلامبول كالصعيد على مصر وأن اسلامبول واقع بها غلاء عظيم. وفي أواخره حضر واحد أغا وبيده مرسومات بسبب الأمراء القبليين بأنهم أن كانوا تعدوا الجهات التي صالحوا عليها حسن باشا ولم يدفعوا المال ولا الغلال فلازم من محاربتهم ومقاتلتهم وأن لم يمتثلوا يخرجوا إليهم ويقاتلوهم فإن السلطان اقسم بالله أنه يزيل الفريقين ولا يقبل عذرهم في التأخير فقرأوا تلك المرسومات في الديوان ثم أرسلوها مع مكاتبات صحبة واحد مصرلي وآخر من طرف الاغا القادم بها وآخر من طرف الباشا. وفي أوائل ربيع الأول رجع الرسل بجوابات من الأمراء القبليين ملخصها أنهم لم يتعدوا ما حددوه مع حسن باشا إلا بأوامر من عابدي باشا فإنه حدد لنا من منفلوط ثم إسمعيل بك بنى حاجزا وقلاعا وأسوارا بطرا وذلك دليل وقرينة على أن ما وراء ذلك يكون لنا وأنه اختص بالإقاليم البحرية وترك لنا الأقاليم القبلية ولا مزية للامراء الكائنين بمصر علينا فإنه يجمعنا واياهم أصل واحد وجنس واحد وأن كنا ظلمة فهم أظلم منا وأما الغلال والمال فإننا أرسلنا لهم جانب غلال فلم ترجع المراكب التي ارسلناها ثانيا فيرسلوا لنا مراكب ونحن نبيعها ونرسلها وذكروا أيضا أنهم أرسلوا صالح أغا كتخدا الجاويشية سابقا إلى اسلامبول ونحن في انتظار رجوعه بالجواب فعند رجوعه يكون العمل بمقتضى ما يأتي به من المرسومات ولا نخألف أمر السلطان ج / 2 ص -86- وفي شهر جمادى الأولى وردت أخبار بعزل وزير الدولة وشيخ الإسلام وأغات الينكجرية ونفيهم وأن حسن باشا تولى الصدارة وهو بالسفر وأنه محصور بمكان يقال له إسمعيل لأن الموسقو أغاروا على ما وراء إسمعيل وأخذوا ما بعده من البلاد ثم إنه هادن الموسقو وصالحهم على خمسة أشهر إلى خروج الشتاء وأن السلطان أحضر الأمراء المصرلية الرهائن المنفيين بقلعة ليميا وهم عبد الرحمن بك الإبراهيمي وعثمان بك المرادي وسليمان كاشف وأما حسين بك فإنه مات بليميا ولما حضروا أنزلوهم في قناقات وعين لهم رواتب ويحضرهم السلطان في بعض الأحيان إلى الميدان ويعملوا رماحة بالخيول وهو ينظر إليهم ويعجبه ذلك ويعطيهم أنعاما وورد الخبر أيضا أن صالح أغا وصل إلى اسلامبول فصالح على الأمراء القبالي وتم الأمر بواسطة نعمان أفندي منجم باشا ومحمود بك وأرسلوا بالأوراق إلى حسن باشا فحنق لذلك ولم يمضه وانحرف علي نعمان أفندي ومحمود بك وأمر بعزلهما من مناصبهما ونفيهما واخراجهما من دار السلطنة فنفى نعمان أفندي إلى أماسيه ومحمود بك إلى جهة قريبة من اسلامبول وشاط طبيخهم وسافر صالح اغا من اسلامبول. وفي شهر شعبان ورد الخبر بموت حسن باشا وكان موته في منتصف رجب وكأنه مات مقهورا من الموسقو. وفي ثاني عشر رمضان حصل زلزلة لطيفة في ساس ساعة من الليل. وفيه أيضا وصل ثلاثة أشخاص من الديار الرومية فأخذوا ودائع كانت لحسن باشا بمصر فتسلموها ممن كانت تحت أيديهم ورجعوا. وفي ليلة الجمعة ثالث عشر شوال قبل الفجر احترق بيت إسمعيل بك عن آخره. وفي خامس عشرينه عزل حسن كتخدا المحتسب من الحسبة وقلدوها رضوان أغا محرم من وجاق الجاويشية فأنهى حسن أغا أنه كان متكفلا ج / 2 ص -87- بجراية الجامع الأزهر فإن كان المتولي يتكفل بها مثله استمر فيها وإلا ردوا له المنصب وهو يقوم بها للمجاورين كما كان فلما قالوا لرضوان اغا: ذلك فلم يسمعه إلا القيام بذلك وهي دسيسة شيطانية لا أصل فإن أخبار الجامع الأزهر لها جهات بعضها معطل والناظر عليه علي بك الدفتردار وحسن اغا كتخداه يصل ويقطع من أي جهة أراد من الميري أو من خلافه فدس هذه الدسيسة يريد بها تعجيز المتولي ليرجع إليه المنصب ومعلوم أن المتولي لم يتقلد ذلك إلا برشوة دفعها ويلزم من نزوله عنها ضياع غرامته وجرسته بين اقرانه فما وسعه إلا القيام بذلك وفردها على مظالم الحسبة التي يأخذها من السوقة ويدفعها للخباز يصنع بها خبزا للمجاورين والمنقطعين في طلب العلم ليكون قوتهم وطعامهم من الظلم والسحت المكرر وذلك نحو خمسة آلاف نصف فضة في كل يوم واشتهر ذلك وعلمه العلماء والمجاوزون وغيرهم وربما طالبوه بالمنكسر أو اعتذروا بقولهم الضرورات تبيح المحظورات. وفي ليلة السبت ثالث شهر الحجة الموافق لعاشر مسرى القبطي أو في النيل أذرعه وكسر السد بحضرة الباشا والأمراء على العادة وجرى الماء في الخليج. وفيه وقعت واقعة بين عسكر القليونجية والارنؤدية بسوق السلاح وقتل بينهم جماعة من الفريقين ثم تحزبوا احزابا فكان كل من واجه حزبا من الطائفة الأخرى أو انفرد ببعض منها قتلوه ووقع بينهم ما لا خير فيه وداخل الناس الخوف من ذلك فيكون الإنسان مارا بالطريق فلا يشعر إلا وكرشه وطائفة مقبلة وبأيديهم البنادق والرصاص وهم قاصدون طائفة من أخصامهم بلغهم أنهم في طريق من الطرق واستمر هذا الأمر بينهم نحو خمسة أيام ثم ادرك القضية إسمعيل بك وصالحهم. وفي أواخره حضر جماعة من الأرنؤد إلى بيت محمد أغا البارودي وقبضوا منه مبلغ دراهم من علوفتهم ونزلوا عند الخليج المرخم وازدحموا ج / 2 ص -88- في المركب فانقلبت بهم وغرق منهم نحو ستة انفار وقيل تسعة وطلع من طلع في أسوأ حال. ذكر من مات في هذه السنة. ومات في هذه السنة العلامة الرحلة الفهامة الفقيه المحدث المفسر المحقق المتبحر الصوفي الصالح الشيخ سليمان بن عمر بن منصور العجيلي الشافعي الأزهري المعروف بالجمل ويعرف أبوه وجده بشننت ولد بمنية عجيل أحدى قرى الغربية وورد مصر ولازم الشيخ الحفني فشملته بركته وأخذ عنه طريق الخلوتية ولقنه الأسماء وأذن له واستخلفه وتفقه عليه وعلى غيره من فضلاء العصر مثل للشيخ عطية الاجهوري ولازم دروسه كثيرا واشتهر بالصلاح وعفة النفس ونوه الشيخ الحفني بشأنه وجعله اماما وخطيبا بالمسجد الملاصق لمنزله على الخليج ودرس بالاشرفيه والمشهد الحسيني في الفقه والحديث والتفسير وكثرت عليه الطلبة وضبطت من املائه وتقريراته وقرأ المواهب والشمائل وصحيح البخاري وتفسير الجلالين بالمشهد الحسيني بين المغرب والعشاء وحضره أكبر الطلبة ولم يتزوج وفي آخر أمره تقشف في ملبسه ولبس كساء صوف وعمامة صوف وطيلسانا كذلك واشتهر بالزهد والصلاح ويتردد كثيرا لزيارات المشايخ والأولياء ولم يزل على حاله حتى توفي في حادي عشر القعدة من السنة. ومات الإمام الفاضل العلامة الصالح المتجرد القانع الصوفي الشيخ علي ابن عمر بن أحمد بن عمر بن ناجي بن فنيش العوني الميهي الشافعي الضرير نزيل طندتا ولد بالميه إحدى قرى مصر وأول من قدمها جده فنيش وكان مجذوبا من بني العونة العرب المشهورين بالبحيرة فتزوج بها وحفظ المترجم القرآن وقدم الجامع الأزهر وجوده على بعض القراء واشتغل بالعلم على مشايخ عصره ونزل طندتا فتديرها ودرس العلم ج / 2 ص -89- بالمسجد المجاور وللمقام الأحمدي وانتفع به الطلبة وآل به الأمر إلى أن صار شيخ العلماء هناك وتعلم عليه غالب من بالبلد علم التجويد وهو فقيه مجود ماهر حسن التقرير جيد الحافظة يحفظ كثيرا من النقول الغريبة وفيه أنس وتواضع وتقشف وانكسار وورد مصر في المحرم من هذه السنة ثم عاد إلى طندتا وتوفي في ثاني عشر ربيع الأول من السنة ولم يتعلل كثيرا ودفن بجانب قبر سيدي مرزوق من أولاد غازي في مقام مبنى عليه رحمه الله تعالى. ومات الفاضل النحرير الذي وقف الأدب عند بابه ولاذت أربابه باعتابه النبيه النبيل واللوذعي الجليل قاسم بن عطاء الله المصري الأديب ولد بمصر وبها نشأ وقرأ في الفنون على بعض أهل عصره وحفظ الملحة والألفية وغيرهما واشتهر بفن الأدب والتوشيح والزجل وكان يعرف أولا بالزجال أيضا لاتقانه فيه وصار وحيد عصره في هذه الفنون بحيث لا يجاريه أجد مع ما لديه من الارتجال في الشعر مع غاية الحسن وأما في فن التاريخ فإليه المنتهى مع السلاسة والتناسب وعدم التكلف فيه. ومات الخواجا المعظم والناخودة المكرم الحاج أحمد أغا بن ملا مصطفى الملطيلي كان من أعيان التجار المشهورين وأرباب أهل الوجاهة المعتبرين عمدة في بابه عدة لاحبابه ومن يلوز بجنابه وينتمي لسدته وأعتابه محتشما في نفسه مبجلا بين أبناء جنسه توفي يوم الأربعاء ثاني عشرين القعدة ولم يخلف بعده مثله. ومات صاحبنا النبيه المفوه الفصيح المتكلم الكاتب المنشيء حسين ابن محمد المعروف بدرب الشمسي وهو أجد أخوة حسن أفندي من بيت المجد والرياسة والشرف والفضيلة وكان من نوادر العصر في لفصاحة واستحضار المسائل الغربية والنكات والفوائد الفقهية والطبية وعنده حرص على صيد الشوارد وأدرك بمصر أوقاتا ولذات في الأيام السابقة قبل أن يخرجهم علي بك من مصر في سنة اثنتين وثمانين ونفيهم إلى الحجاز ج / 2 ص -90- وبعد رجوعهم في سنة سبع وثمانين ولكن دون ذلك ولم يزل يرفل في حلل السيادة حتى تعلل نحو عشرين يوما وتوفي في شهر رمضان من السنة وصلى عليه بمصلى أيوب بك ودفن عند اسلافه وخلفه من بعده ابنه حسن جربجي الموجود الآن بارك الله فيه ورحم سلفه. ومات العمدة المفضل والملاد المبجل الشيخ عبد الجواد بن محمد ابن عبد الجواد الأنصاري الجرجاوي الخير المكرم الجواد من بيت الثروة والفضل جدوده مالكية فتحنف كان من أهل المآثر في إكرام الضيوف والوافدين وله حسن توجه مع الله تعالى وأوراد وأذكار وقيام الليل يسهر غالب ليله وهو يتلو القرآن والاحزاب ووردة مصر مرارا وفي آخره انتقل إليها بعياله واشترى منزلا واسعا بحارة كتامة المعروفة الآن بالعينية وصار يتردد في دروس العلماء مع إكرامهم له ثم توجه إلى الصعيد ليصلح بين جماعة من عرب العسيرات فقتلوه غيلة في هذه السنة رحمه الله تعالى. ومات الأمير المبجل صالح فندي كاتب وجاق التفجية وهو من مماليك إبراهيم كتخدا القازدغلي نشأ من صغره في صلاح وعفة وحبب إليه القراءة وتجويد الخط فجوده على حسن أفندي الضيائي والأنيس وغيرهما حتى مهر فيه وأجازوه على طريقتهم واصطلاحهم واقتنى كتبا كثيرة وكان منزله مأوى ذوي الفضائل والمعارف وله اعتقاد حسن وحب في المرحوم الوالد ولا ينقطع عن زيارته في كل جمعة مرة أو مرتين وكان مترهفا في مأكله وملبسه معتبرا في ذاته وجيها منور الوجه والشيبة له من اسمه نصيب وعنده حزم ومماليكه أحمد ومصطفى تمرض نحو سنة وعجز عن ركوب الخيل وصار يركب حمارا عاليا ويستند على اتباعه ولم يزل حتى توفي في هذه السنة رحمه الله تعالى وأنقضت هذه السنة تاريخ عجائب الآثار في التراجم والأخبار ج / 2 ص -91- واستهلت سنة خمس ومائتين وألف. في حادي عشر المحرم ورد أغا وعلى يده تقرير لإسمعيل باشا على السنة الجديدة فعملوا له موكبا وطلع إلى القلعة وقرىء المقرر بحضرة الجمع وضربوا له مدافع. وفي ذلك اليوم قبض إسمعيل بك على المعلم يوسف كساب معلم الدواوين وأمر بتغريقه في بحر النيل. وفي صبحها نفوا صالحا أغا أغات الارنؤد قيل أن السبب في ذلك أنه تواطأ مع الأمراء القبالي بواسطة المعلم يوسف المذكور على أنه يملكهم المراكب الرومية والقلاع التي بناحية طرا والجيزة وعملوا له مبلغا من المال التزم به الذمي يوسف وكتب على نفسه تمسكا بذلك. وفيه كثر تعدى أحمد أغا الوالي علىأهل الحسينية وتكرر قبضه وايذاؤه لأناس منهم بالحبس والضرب وأخذ المال بل ونهب بعض البيوت وأرسل في يوم الجمعة ثاني عشرينه أعوانه بطلب أحمد سالم الجزار شيخ طائفة البيومية وله كلمة وصولة بتلك الدائرة وأرادوا القبض عليه فثارت طوائفه على أتباع الوالي ومنعوه منهم وتحركت حميتهم عند ذلك وتجمعوا وانضم إليهم جمع كثير من أهل تلك النواحي وغيرها وأغلقوا الأسواق والدكاكين وحضروا إلى الجامع الأزهر ومعهم طبول وقفلوا أبواب الجامع وصعدوا على المنارات وهم يصرخون ويصيحون ويضربون على الطبول وأبطلوا الدروس فقال لهم الشيخ العروسي أنا أذهب إلى إسمعيل بك في هذا الوقت وأكلمه في عزل الوالي وتخلص منهم بذلك وذهب إلى إسمعيل بك فاعتذر بأن الوالي ليس من جماعته بل هو من جماعة حسن بك الجداوي وأمر بعض اتباعه بالذهاب إليه واخباره بجمع الناس والمشايخ وطلبهم عزل الوالي فلم يرض بذلك ج / 2 ص -92- وقال: إن كان أنا أعزل الوالي تابعي يعزل هو الآخر الاغا تابعه ويعزل رضوان كتخدا المجنون من المقاطعة ويرفع مصطفى كاشف من طرا ويطرد عسكر القليونجية والارنؤد وترددت بينهم الرسل بذلك ثم ركب حسن بك وخرج إلى ناحية العادلية مثل المغضب وصار أحمد أغا الوالي يركب بجماعة كثيرة ويشق من المدينة ليغيظ العامة وكذلك يجمع من العامة خلائق كثيرة ووقع بينه وبينهم بعض مناوشات في مروره وانجرح بينهم جماعة وقتل شخصان ثم ركب المشايخ وذهبوا إلى بيت محمد أفندي البكري وحضر هناك إسمعيل بك وطيب خاطرهم والتزم لهم بعزل الوالي ومر الوالي في ذلك الوقت على بيت الشيخ البكري وكثير من العامة مجتمع هناك ففزع فيهم بالسيف وفرق جمعهم وسار من بينهم وذهب في طريقه ثم زاد الحال وكثرت غوغاء الناس ومشوا طوائف يأمرون بغلق الدكاكين واجتمع بالأزهر الكثير منهم واستمرت هذه القضية إلى يوم الثلاثاء ثالث صفر ثم طلع إسمعيل بك والأمراء إلى القلعة واصطلحوا على عزل الوالي والآغا وجعلوهما صنجقين وقلدوا خلافهما الاغا من طرف إسمعيل بك والوالي من طرف حسن بك ونزل الوالي الجديد من الديوان إلى الأزهر وقابل المشايخ الحاضرين واسترضاهم ثم ركب إلى بيته وانفض الجمع وكأنها طلعت بأيديهم والذي كان راكب حمارا ركب فرسا. وفي ليلة الجمعة خامس شهر صفر غيمت السماء غيما مطبقا وسحت امطار غزيرة كأفواه القرب مع رعد شديد الصوت وبرق متتابع متصل قوي اللمعان يخطف بالابصار مستديم الاشتعال واستمر ذلك بطول ليلة الجمعة ويوم الجمعة والأمطار نازلة حتى سقطت الدور القديمة على الناس ونزلت السيول من الجبل حتى ملأت الصحراء وخارج باب النصر وهدمت التراب وخسف القبور وصادف ذلك اليوم دخول الحجاج إلى المدينة فحصل لهم غاية المشقة وأخذ السيل صيوان أمير الحاج بما فيه وانحدر به من الحصوة ج / 2 ص -93- إلى بركة الحج وكذلك خيام الأمراء وغيرهم وسالت السيول من باب النصر ودخلت البلد وامتلأت الوكائل بالمياه وكذلك جامع الحاكم وقتلت أناس في حواصل الخانات وصار خارج باب النصر بركة عظيمة متلاطمة بالامواج وأنهدم من دور الحسينية أكثر من النصف وكان امرا مهولا جدا. وفيه حصل أيضا كائنة عبد الوهاب أفندي بشناق الواعظ وذلك أنه مات رجل من البشانقة من أهل بلده وكان قد جعله وصيا على تركته فاستولى عليها واستأصلها وكان للرجل المتوفي شركة بناحية الأسكندرية فسافر المذكور إلى الأسكندرية وحاز باقي التركة أيضا ورجع إلى مصر وحضر الوارث وطالبه بتركة مورثه فأظهر له شيئا نزرا فذهب الوارث إلى القاضي فدعاه القاضي وكلمه في ذلك فقال له أنا وصي مختار وأنا مصدق وليس عندي عندي خلاف ما سلمته له فقال له القاضي أنه يدعى عليك بكذا وكذا وعنده اثبات ذلك وطال بينهما الكلام وتطاول على القاضي واستجهله فطلع القاضي إلى الباشا وشكا له فأمر باحضاره فحضر في جمع الديوان وناقشوه فلم يتزلزل عن عناده إلى أن نسب الكل إلى الانحراف عن الحق فحنق الباشا منه وأمر برفعه من المجلس فقبضوا عليه وجروه وضربوه ورموا بتاجه إلى الأرض وحبسوه في مكان وصادف أيضا ورود مكتوب من ناحية المدينة من مفتيها كان أرسله المذكور إليه لسبب من الأسباب وذكر فيه الباشا بقوله التعيس الحربي وكذلك الأمراء بنحو ذلك فأرسله المفتي وأعاده على يد بعض الناس إلى إسمعيل بك حقدا منه عليه لكراهة خفية بينهما سابقة وأوصلة إسمعيل بك أيضا إلى الباشا فازداد غيظا وأرعد وأبرق وأحضر بشناق أفندي من محبسه وقت القائلة وأراه ذلك المكتوب فسقط في يده واعتذر فلطمه على وجهه ونتف لحيته وأراد أن يضربه بخنجره فشفع فيه أكابر أتباعه ثم أخذوه وسجنوه وامر بمحاسبته على ما أخذه من التركة فحوسب وطولب وبقي بالحبس حتى وفي ما طلع عليه وشفع فيه علي بك الدفتردار وخلصه من الترسيم ج / 2 ص -94- وفي أواخر صفر قلدوا أحمد بك الوالي المذكور كشوفية الدقهلية وعثمان بك الحسني الغربية وشاهين بك شرقي بلبيس وعلي بك جركس المنوفية وصار جماعة أحمد بك واتباعه عند سفرهم يخطفون دواب الناس من الأسواق وخيول الطواحين ولما سرحوا في البلاد حصل منهم ما لا خير فيه من ظلم الفلاحين مما هو معلوم من أفعالهم. وفي شهر ربيع الأول كمل بناء بيت إسمعيل بك وبياضه وأتمه على هيئة متقنة وترتيب في الوضع ونقل إليه قطع الأعمدة العظام التي كانت ملقاة في مكان الجامع الناصري الذي عند فم الخليج وجعلها في جدرانه وبنى به مقعدا عظيما متسعا ليس له مثيل في مقاعد بيوت الأمراء في ضخامته وعظمه وهو في جهة البركة وغرس بجانبه بستانا عظيما وظن أن الوقت قد صفا له. وفي اواخر شهر جمادى الأولى أشيع في الناس أن في ليل السابع والعشرين نصف الليل يحصل زلزلة عظيمة وتستمر سبع ساعات ونسوا هذا القول إلى أخبار بعض الفلكيين من غير أصل واعتقده الخاصة فضلا عن العامة وصمموا على حصوله من غير دليل لهم على ذلك فلما كانت تلك الليلة خرج غالب الناس إلى الصحراء وإلى الأماكن المتسعة مثل بركة الازبكية والفيل وخلافهما ونزلوا في المراكب ولم يبق في بيته إلا من ثبته الله وباتوا ينتظرون ذلك إلى الصباح فلم يحصل شيء وأصبحوا يتضاحكون على بعضهم. وفيه ابتدأ أمر الطاعون وداخل الناس منه وهم عظيم. وفيه قلدوا عبد الرحمن بك عثمان وجعلوه صنجق الخزينة وشرعوا في تشهيله واجتهد إسمعيل بك في سفر الخزينة على الهيئة القديمة ولبس المناصب والسدادة وأرباب الخدم وقد بطل هذا الترتيب والنظام من نيف وثلاثين سنة فأراد إسمعيل بك اعادته ليكون له بذلك منقبة ووجاهة عند دولة بني عثمان فلم يرد الله بذل وعاجله الرجز ج / 2 ص -95- وفي شهر رجب زاد أمر الطاعون وقوى عمله بطول شهر رجب وشعبان وخرج عن حد الكثرة ومات به ما لا يحصى من الاطفال والشبان والجواري والعبيد والمماليك والأجناد والكشاف والأمراء ومن أمراء الالوف الصناجق نحو اثنى عشر صنجقا ومنهم إسمعيل بك الكبير المشار إليه وعسكر القليونجية والارنؤد الكائنون ببولاق ومصر القديمة والجيزة حتى كانوا يجفرون حفر المن بالجيزة بالقرب من مسجد أبي هريرة ويلقونهم فيها وكان يخرج من بيت الأمير في المشهد الواحد الخمسة والستة والعشرة وازدحموا على الحوانيت في طلب العدد والمغسلين والحمالين ويقف في انتظار المغسل أو المغسلة الخمسة والعشرة ويتضاربون على ذلك ولم يبق للناس شغل إلا الموت وأسبابه فلا تجد إلا مريضا أو ميتا أو عائدا أو معزيا أو مشيعا أو راجعا من صلاة جنازة أو دفن أو مشغولا في تجهيز ميت أو باكيا على نفسه موهوما ولا تبطل صلاة الجنائز من المساجد والمصليات ولا يصلي إلا على أربعة أو خمسة أو ثلاثة وندر جدا من يشتكي ولا يموت وندر أيضا ظهور الطعن ولم يكن بحمي بل يكون الإنسان جالسا فيرتعش من البرد فيدثر فلا يفيق إلا مخلطا أو يموت من نهاره أو ثاني يوم وربما زاد أو نقص أو كان بخلاف ذلك وكان شبيها بفصل البقر الذي تقدم واستمر عمله إلى أوائل رمضان ثم ارتفع ولم يقع بعد ذلك إلا قليلا نادرا ومات الاغا والوالي في اثناء ذلك فولوا خلافهما فماتا بعد ثلاثة أيام فولوا خلافهما فماتا أيضا واتفق أن الميراث انتقل ثلاث مرات في جمعة واحدة ولما مات إسمعيل بك تنازع الرياسة حسن بك الجداوي وعلي بك الدفتردار ثم اتفقوا على تامير عثمان بك طبل تابع إسمعيل بك على مشيخة البلد وسكن ببيت سيده وقلدوا حسن بك قصبة رضوان أمير حاج ثم أنهم أظهروا الخوف والتوبة والاقلاع وابطإل الحوادث والمظالم وزيادات المكوس ونادوا بذلك وقلدوا أمراء عوضا عن المقبورين من مماليكهم ج / 2 ص -96- وفي غرة رمضان حضر ططرى وعلى يده مرسوم بعزل إسمعيل باشا ولن يتوجه إلى الموره وأن باشة الموره محمد باشا الذي كان بجدة في العام الماضي المعروف بعزت هو وإلى مصر فعملوا الديوان وقرئت المرسومات فقال الأمراء لا نرضى بذهابك من بلدنا وأنت أحسن لنا من الغريب الذي لا نعرفه فقال: وكيف يكون العمل ولا يمكن المخالفة فقالوا: نكتب عرضحال إلى الدولة ونرجو تمام ذلك فقال: لا يتم ذلك فإن المتولي كأنكم به وصل إلى الأسكندرية وعزم على النزول صبح تاريخه ثم أنهم اتفقوا على كتابه عرضحال بسبب تركة إسمعيل بك خوفا من حضور معين بسبب ذلك وعين للسفرية الشيخ محمد الأمير. وفي يوم الخميس خامس عشر رمضان نزل الباشا من القلعة إلى بولاق وقصد السفر على الفور وطلب المراكب وأنزل بها متاعة ويرقه فلما رأوا منه العجلة وعدم التأني وقصدهم تأخيره إلى حضور الباشا الجديد ويحاسب على ما دخل في جهته فاجتمعوا عليه صحبة الاختيارية وكلموه في الثاني فعارضهم وعاندهم وصمم على السفر من الغد فاغلظوا عليه في القول وقالوا له هذا غير مناسب يقال: إن الباشا أخذ مال مصر وهرب فقال وأي شيء أخذته منكم قالوا له لا بد من عمل حساب فإن الحساب لا كلام فيه ولا بد من التاني حتى نعمل الحساب فقال: أنا ابقى عندكم الكتخدا فحاسبوه نيابة عني والذي يطلع لكم في طرفي خذوه منه فلم يرضوا بذلك فقال: أنا لا بد من سفري أما اليوم أو غدا فقاموا من عنده على غير رضا وأرسلوا الوالي والأغا يناديان على ساحل البحر على المراكب بأن كل من سافر بشيء من متاع الباشا أو بأحد من اتباعه يستاهل الذي يجري عليه وطردوا النواتية من المراكب ولم يتركوا في كل مركب إلا شخصا واحدا نوتيا فقط وتركوا عند بيت الباشا جماعة حراسا. وفيه حضر خازندار الباشا الجديد وأخبر بوصول مخدومه إلى ثغر الأسكندرية ومعه خلعة القائمقامية لعثمان بك طبل ومكاتبة إلى الأمراء ج / 2 ص -97- بعدم سفر الملاقة وأربا الخدم على العادة وأخبر أنه واصل إلى رسيد في البحر بالنقاير فنزل لملاقاته اغات المتفرقة فقط. وفيه رفعوا مصطفى كاشف من طرا وعملوه كتخدا عثمان بك شيخ البلده. وفيه أشيع بأن عبد الرحمن بك الإبراهيمي حضر من طريق الشام ومر من خلف الجبل وذهب إلى سيده بالصعيد. وفي غرة شوال يوم الجمعة وليلة السبت حضر الباشا الجديد إلى ساحل بولاق فعملوا له اسقالة وركب الأمراء وعدوا إلى برأنبابة وسلموا عليه وعدي صحبتهم وركب إلى قصر العيني واوكب في يوم الإثنين رابعة في موكب أقل من العادة بكثير إلى القلعة من ناحية الصليبة وضربوا له مدافع من القلعة. وفي ذلك اليوم سافر الشيخ محمد الأمير بالعرضحال وكانوا آخروا سفره إلى أن وصل الباشا الجديد وغيره بعد أن عرضوا عليه الأمر ثم أنهم عملوا حساب الباشا المعزول فطلع عليه للباشا المتولي مائتا كيس من ابتداء منصبه وهو سابع عشر رجب وللامراء مبلغ أيضا فسدد ذلك بعضه أوراق وبعضه نقد وبعضه أمتعة وأذنوا له بالسفر فشرع في نزول متاعه بالمراكب بطول يوم الخميس والجمعة وأراد أن يسافر يوم السبت ففي تلك الليلة وصل بشلي من الروم وبيده مرسوم فعمل الباشا في صبحها ديوانا حضر فيه المشايخ والأمراء وأبرز الباشا المرسوم فكان مضمونه محاسبة الباشا المعزول من ابتداء شهر توت واستخلاص ما تاداه من ابتداء المدة فعند ذلك ارسلوا ثانيا وحجروا عليه ونكتوا عزاله من المراكب وحبسوا النواتية ونادوا عليه ثاني مرة وذلك في سادس عشره. وفيه تواردت الأخبار بأن الأمراء القبالي تحركوا إلى الحضور إلى مصر فإنه لما حصل ما حصل من موت إسمعيل بك والأمراء حضر مراد بك من اسيوط إلى المنية وانتشر باقي الأمراء في المقدمة وعدي بعضهم إلى الشرق ووصلت أوائلهم إلى كفر العياط وأما إبراهيم بك فإنه لم يزل مقيما ج / 2 ص -98- بمنفلوط ومنتظرا ارتحال الحجاج ثم يسير إلى جهة مصر فأرسلوا علي بك الجديد إلى طرا عوضا عن مصطفى كاشف وأرسلوا صالح بك إلى الجيزة وأخذوا في الاهتمام. وفيه حفر خندق من البحر إلى المتاريس وفردوا فلاحين على البلاد للحفر مع اشتغالهم بأمور الحج ودعوا هم نقص مال الصرة وتعطيل الجامكية المضافة لدفتر الحرمين وتوجيه المعينين من القليونجية على الملتزمين. وفي يوم الأحد رابع عشرينه حضر السيد عمر أفندي مكرم الأسيوطي بمكاتبة من الأمراء القبليين خطابا إلى شيخ البلد والمشايخ وللباشا سرا. وفيه سافر إسمعيل باشا المنفصل من بولاق بعد أن ادى ما عليه. وفي يوم الإثنين خامس عشرنيه خرج المحمل صحبة أمير الحاج حسن بك قصبة رضوان. وفي يوم الثلاثاء اجتمعوا بالديوان عند الباشا وقرئت المكاتبات الواصلة عن الأمراء القبليين فكان حاصلها أننا في السابق طلبنا الصلح مع أخواننا والصفح عن الأمور السالفة فأبى المرحوم إسمعيل بك ولم يطمئن لطرفنا وكل شيء نصيب والأمور مرهونة بأوقاتها والآن اشتقنا إلى عيالنا وأوطاننا وقد طالت علينا الغربة وعزمنا على الحضور إلى مصر علىوجه الصلح وبيدنا أيضا مرسوم من مولانا السلطان وصل إلينا صحبة عبد الرحمن بك بالعفو والرضا والماضي لا يعاد ونحن أولاد اليوم وأن أسيادنا المشايخ يضمنون غائلتنا فلما قرئت تلك المكاتبة التفت الباشا إلى المشايخ العروسي أن كان التفاقم بينهم وبين أمرائنا المصرية الموجودين الآن فاننا نترجى عندهم وأن كان ذلك بينهم وبين السلطان فالأمر لنائب مولانا السلطان ثم اتفق الرأي على كتابة جواب حاصله أن الذي يطلب الصلح يقدم الرسالة بذلك قبل قدومه وهو بمكانه وذكرتم أنكم تائبون وقد تقدم منكم هذا القول مرارا ولم نر له أثرا فإن شرط التوبة رد المظالم وأنتم لم تفعلوا ذلك ولم ترسلوا ما عليكم من الميري ج / 2 ص -99- في هذه المدة فإن كان الأمر كذلك فترجعوا إلى أماكنكم وترسلوا المال والغلال ونرسل عرضحال إلى الدولة بالاذن لكم فإن الأمراء الذين بمصر لم يدخلوا بسيفهم ولا بقوتهم وإنما السلطان هو الذي أخرجكم وأدخلهم وإذا حصل الرضا فلا مانع لكم من ذلك فأننا الجميع تحت الأمر وعلم على ذلك الجواب الباشا والمشايخ وسلموه إلى السيد عمر وسافر به في يوم الثلاثاء المذكور ثم اشتغلوا بمهمات الحج وادعوا نقص مال الصرة ستين كيسا ففردوها على التجار ودكاكين الغورية وارتحل الحاج من الحصوة وصحبته الركب الفاسي وذلك يوم السبت غايته وبات بالبركة وارتحل يوم الأحد غرة ذي القعدة. وفي ذلك اليوم عملوا الديوان بالقلعة ورسموا بنفي من كان مقيما بمصر من جماعة القبليين فنفوا أيوب بك الكبير وحسن كتخدا الجربان إلى طندتا وكتبوا فرمانا بخروج الغريب وفرمانا آخر بالأمن والأمان وأخذهما الوالي والأغا ونادوا بذلك في صبحها في شوارع البلد ونبهوا على تعمير الدروب وقفل ابواب الاطراف وأجلسوا عند كل مركز حراسا. وفي يوم الخميس نزل الاغا وإمامه المناداة بفرمان على الأجناد والطوائف والمماليك بالخروج إلى الخلاء. وفيه وصل قاصد من الديار الرومية وهو اغا معين بطلب تركة إسمعيل بك وباقي الأمراء الهالكين بالطاعون فأنزلوه ببيت الزعفراني وكرروا المناداة بالخروج إلى ناحية طراوكل من تاجر بعد الظهر يستحق العقوبة. وفي تلك الليلة وقت المغرب طلع الأمراء إلى الباشا وأشاروا عليه بالنزول والتوجه إلى ناحية طرا فنزل في صبحها وخرج إلى ناحية طرا كما أشاروا عليه وكذلك خرج الأمراء وطاف الاغا والوالي بالشوارع وهما يناديان على الالضاشات المنتسبين إلى الوجاقات بالصعود إلى القلعة والباقي بالخروج إلى متاريس الجيزة وطلع الاوده باشا الاختيارية وجلسوا في الأبواب ج / 2 ص -100- وفي يوم السبت أشيع أن الأمراء القبليين يريدون التخريم من وراء الجبل إلى جهة للعادلية فخرج أحمد بك وصالح بك تابع رضوان بك إلى جهة العادلية وأقاموا هناك للمحافظة بتلك الجهة وأرسلوا أيضا إلى غرب العائذ فحضروا أيضا هناك. وفيه وصل القبليون إلى حلوان ونصبوا وطاقهم هناك وأخذ المصريون حذرهم من خلف متاريس طرا. وفي يوم الثلاثاء توجه المشايخ إلى ناحية طرا وسلموا على الباشا والأمراء ورجعوا وذلك باشارة الأمراء ليشاع عند الاخصام أن الرعية والمشايخ معهم وبقي الأمر على ذلك إلى يوم الثلاثاء التالي. وفي صبح يوم الأربعاء نزل الاغا والوالي وإمامهم المناداة على الرعية والعامة الكافة بالخروج في صبح يوم الخميس صحبة المشايخ ولا يتأخر أجد وحضر الشيخ العروسي إلى بيت الشيخ البكري وعملوا هناك جميعة وخرج الاغا من هناك ينادي في الناس ووقع الهرج والمرج وأصبح يوم الخميس فلم يخرج أجد من الناس ووقع الهرج والمرج وأصبح يوم الخميس فلم يخرج أجد من الناس وأشيع أن الأمراء القبليين نزلوا اثقالهم في المراكب وتمنعوا إلى قبلي ويقولون أن قصدهم الرجوع وبقي الأمر عل السكوت بطول النهار والناس في بهتة والأمراء متخيلون من بعضهم البعض وكل من علي بك الدفتردار وحسن بك الجداوي يسيء الظن بالآخر ولم يخطر بالبال مخامرة عثمان بك طبل ولا الباشا فإن عثمان بك تابع إسمعيل بك الخصم الكبير وقد تعين عوضه في إمارة مصر ومشيختها والباشا لم يكن من الفريقين فلما كان الليل تحول الباشا والأمراء وخرجوا إلى ناحية العادلية وأخرجوا شركفلك صحبتهم وجملة مدافع وعملوا متاريس فما فرغوا من عمل ذلك إلا ضحوة النهار من يوم الجمعة وهم واقفون على الخيول فلم يشعروا إلا والأمراء القبالي نازلون من الجبل بخيولهم ورجالهم لكنهم في غاية من الجهد والمشقة فلما نزلوا وجدوا الجماعة والمتاريس إمامهم فتشاور المصريون مع بعضهم ج / 2 ص -101- في الهجوم عليهم فلم يوافق عثمان بك على ذلك وثبطهم عن الاقدام ورجعوا جميع الحملة إلى مصر ووقفوا على جرائد الخيل فتمنع القبليون وتباعدوا عنهم ونزلوا عند سبيل علام يأخذون لهم راحة حتى يتكاملوا فلما تكاملوا ونصبوا خيامهم واستراحوا إلى العصر ركب مصطفى كاشف صهر حسن كتخدا علي بك وهو من مماليك محمد بك الألفي وصحبته نحو خمسة مماليك وذهب إلى سيده ثم ركب محمد بك المبدول أيضا باتباعه وذهب إلى مراد بك لأنه في الأصل من اتباعه ثم ركب مصطفى كاشف الغزاري وهو أخو عثمان بك طبل شيخ البلد وذهب أيضا إليهم واستوثق لاخيه فكتب له إبراهيم بك بالحضور فلم يتمكن من الحضور إلا بعد العشاء الاخيرة حتى انفرد عن حسن بك وعلي بك فلما فعل ذلك وفارقهما سقط في أيديهما وغشى على علي بك ثم أفاق وركب مع حسن بك وصناجقه وهم عثمان بك وشاهين بك وسليم بك المعروف بالدمرجي الذي تآمر عوضا عن علي بك الحبشي ومحمد بك كشكش وصالح بك الذي تآمر عوضا عن رضوان بك العلوي وعلي بك الذي تآمر عوضا عن سليم بك الإسماعيلي وذهب الجميع من خلف القلعة على طريق طرا وذهبوا إلى قبلي حيث كانت اخصامهم فسبحان مقلب الأحوال ولما حضر عثمان بك وقابل إبراهيم بك ارسله مع ولده مرزوق بك إلى مراد بك فقابله أيضا ثم حضرت إليهم الوجاقلية والاختيارية وقابلوهم وسلموا عليهم وشرع اتباعهم في دخول مصر بطول ليلة السبت حادي عشرين شهر القعدة ولما طلع النهار دخلت أتباعهم بالحملات والجمال شيء كثير جدا ثم دخل إبراهيم وشق المدينة ومعه صناجقة ومماليكه وأكثرهم لابسون الدروع ثم دخل بعده سليمان بك والأغا واخوه إبراهيم بك الوالي ثم عثمان بك الشرقاوي وأحمد بك الكلارجي وأيوب بك الدفتردار ومصطفى بك الكبير وعلي أغا وسليم أغا وقائد أغا وعثمان بك الاشقر الإبراهيمي وعبد الرحمن بك الذي كان باسلامبول وقاسم بك ج / 2 ص -102- الموسقو وكشافهم وأغواتهم وأما مراد بك فإنه دخل من على طريق الصحراء ونزل على الرميلة وصحبته عثمان بك الإسماعيلي شيخ البلد وامراؤه وهم محمد بك الألفي وعثمان بك الطنبرجي الذي كان باسلامبول أيضا وكشافهم وأغواتهم واستمر انجرارهم إلى بعد الظهر خلاف من كان متاخرا أو منقطعا فلم يتم دخولهم إلا في ثاني يوم وأما مصطفى أغا الوكيل فإنه التجأ إلى الباشا وكذلك مصطفى كاشف طرا فأخذهما الباشا صحبته وطلعا إلى القلعة ودخل الأمراء إلى بيوتهم وباتوا بها ونسوا الذي جرى وأكثر البيوت كان بها الأمراء الهالكون بالطاعون وبقي بها نساؤهم ومات غالب نساء الغائبين فلما رجعوا وجدوها عامرة بالحريم والجواري والخدم فتزوجوهن وجددوا فراشهم وعملوا اعراسهم ومن لم يكن له بيت دخل ما أحب من البيوت وأخذه بما فيه من غير مانع وجلس في مجالس الرجال وانتظر تمام العدة أن كان بقي منها شيء واورثهم الله ارضهم وديارهم وأموالهم وأزواجهم. وفي يوم الأحد ركب سليم أغا ونادى على طائفة القليونجية والارنؤذ والشوام بالسفر ولا يتأخر أجد وكل من وجد بعد ثلاثة أيام استحق ما ينزل به ثم أن المماليك صاروا كل من صادفوه منهم أو رأوه أهانوه وأخذوا سلاحه فاجتمع منهم طائفة وذهبوا إلى الباشا فأرسل معهم شخصا من الدلاة أنزلهم إلى بولاق في المراكب وصار أولاد البلد والصغار يسخرون بهم ويصفرون عليهم بطول الطريق وسكن مراد بك ببيت إسمعيل بك وكأنه كان يبنيه من أجله. وفي يوم الإثنين أيضا طاف الأغا وهو ينادي على القليونجية والارنؤد. وفي يوم الخميس سادس عشرينه صعد الأمراء إلى القلعة وقابلوا الباشا وكانوا يروه ولم يرهم قبل ذلك اليوم فخلع عليهم الخلع ونزلوا من عنده وشرعوا في تجهيز تجريدة إلى الهاربين لأنهم حجزوا ما وجدوه من مراكبهم وأمتعتهم وكتب الباشا عرضحال في ليلة دخولهم وأرسله صحبة ج / 2 ص -103- واحد ططرى إلى الدولة بحقيقة الحال وعينوا التجريدة إبراهيم بك الولي وعثمان بك المرادي متقلدا امارة الصعيد وعثمان بك الاشقر وأحضر مراد بك حسن كتخدا علي بك بأمان وقابله وقيده بتشهيل التجريدة وعمل البقسماط ومصروف البيت من اللحم والخبز والسمن وغير ذلك ووجه عليه المطالب حتى صرف ما جمعه وحواه وباع متاعه وأملاكه ورهنها واستدان ولم يزل حتى مات بقهره وقلدوا علي أغا مستحفظان سابقا وجعلوه كتخدا الجاويشية. وفي حادي عشرين شهر الحجة الموافق لسابع عشر مسرى القبطي أوفي النيل أذرعه ونزل الباشا إلى قصر السد وحضر القاضي والأمراء وكسر السد بحضرتهم وعملوا الشنك المعتاد وجرىالماء في الخليج ثم توقفت الزيادة ولم يزد بعد الوفاء إلا شيئا قليلا ثم نقص واستمر يزيد قليلا وينقص إلى الصليب فضجت الناس وتشحطت الغلال وزاد سعرها وانكبوا على الشراء ولاحت الوائح الغلاء. وفيه أيضا شرع الأمراء في التعدي على أخذ البلاد من أربابها من الوجاقلية وغيرهم وأخذوا بلاد أمير الحاج. وفيه صالح الباشا الأمراء على مصطفى أغا الوكيل وأخلوا له داره وقد كان سكن بها عثمان بك الاشقر فاخلاه له إبراهيم بك ونزل من القلعة إليه ولازم إبراهيم بك ملازمة كلية وكذلك مصطفى كاشف الذي كان يطرا لازم مراد بك واختص به وصار جليسه ونديمه. من مات في هذه السنة من الأعيان. ومات شيخنا علم الأعلام والساحر اللاعب بالافهام الذي جاب في اللغة والحديث كل فج وخاض من العلم كل لج المذلل له سبل الكلام الشاهد له الورق والاقلام ذو المعرفة والمعروف وهو العلم الموصوف العمدة الفهامة والرحلة النسابة الفقيه المحدث اللغوي النحوي الأصولي الناظم الناثر ج / 2 ص -104- الشيخ أبو القبض السيد محمد بن محمد بن محمد بن عبد الرزاق الشهير بمرتضى الحسيني الزبيدي الحنفي هكذا ذكر عن نفسه ونسبه ولد سنة خمس واربعين ومائة وألف كما سمعته من لفظه ورايته بخطه ونشأ ببلاده وارتحل في طلب العلم وحج مرارا واجتمع بالشيخ عبد الله السندي والشيخ عمر بن أحمد بن عقيل المكي وعبد الله السقاف والمسند محمد ابن علاء الدين المزجاجي وسليمان بن يحيى وابن الطيب واجتمع بالسيد عبد الرحمن العيدروس بمكة وبالشيخ عبد الله ميرغني الطائفي في سنة ثلاث وستين ونزل بالطائف بعد ذهابه إلى اليمن ورجوعه في سنة ست وستين فقرأ على الشيخ عبد الله في الفقه وكثيرا من مؤلفاته واجازه وقرأ على الشيخ عبد الرحمن العيدروس مختصر السعد ولازمه ملازمة كلية والبسه الخرقة واجازه بمروياته ومسموعاته قال وهوالذي شوقني إلى دخول مصر بما وصفه لي من علمائها وأمرائها وادبائها وما فيها من المشاهد الكرام فاشتاقت نفسي لرؤياها وحضرت مع الركب وكان الذي كان وقرأ عليه طرفا من الاحياء واجازه بمروياته ثم ورد إلى مصر في تاسع سفر سنة سبع وستين ومائة وألف وسكن بخان الصاغة وأول من عشرة وأخذ عنه السيد علي المقدسي الحنفي من علماء مصر وحضر دروس أشياخ الوقت كالشيخ أحمد الملوي والجوهري والحفني والبليدي والصعيدي والمدابغي وغيرهم وتلقي عنهم واجازوه وشهدوا بعلمه وفضله وجودة حفظه واعتنى بشأنه إسمعيل كتخدا عزبان ووالاه بره حتى راج أمره وترونق حاله واشتهر ذكره عند الخاص والعام ولبس الملابس الفاخرة وركب الخيول المسومة وسافر إلى الصعيد ثلاث مرات واجتمع بأكابره وأعيانه وعلمائه وأكرمه شيخ العرب همام وإسمعيل أبو عبد الله وأبو علي وأولاده نصير وأولاد وافي وهادوه وبروه وكذلك ارتحل إلى الجهات البحرية مثل دمياط ورشيد والمنصورة وباقي البنادر العظيمة مرارا حين كانت مزينة بأهلها عامره بأكابرها وأكرمه الجميع واجتمع بأكابر النواحي ج / 2 ص -105- وأرباب العلم والسلوك وتلقى عنهم وأجازوه وأجازهم وصنف عدة رحلات في انتقالاته في البلاد القبلية والبحرية تحتوي على لطائف ومحاورات ومدائح نظما نثرا لو جمعت كانت مجلدا ضخما وكناه سيدنا السيد أبو الأنوار بن وفا بابي الفيض وذلك يوم الثلاثاء سابع عشر شعبان سنة اثنتين وثمانين ومائة وألف وذلك برحاب ساداتنا بني الوفا يوم زيارة المولد المعتاد ثم تزوج وسكن بعطفة الغسال مع بقاء سكنه بوكالة الصاغة وشرع في شرح القاموس حتى أتمه في عدة سنين في نحو أربعة عشر مجلدا وسماه تاج العروس ولما أكمله أولم وليمة حافلة جمع فيها طلاب العلم وأشياخ الوقت بغيط المعدية وذلك في سنة احدى وثمانين ومائة وألف وأطلعهم عليه وأغتبطوا به وشهدوا بفضله وسعة اطلاعه ورسوخه في علم اللغة وكتبوا عليه تقاريظهم نثرا ونظما فمن قرظ عليه شيخ الكل في عصره الشيخ علي الصعيدي والشيخ أحمد الدردير والسيد عبد الرحمن العيدروس والشيخ محمد الأمير والشيخ حسن الجداوي والشيخ أحمد البيلي والشيخ عطية الاجهوري والشيخ عيسى البراوي والشيخ محمد الزيات والشيخ محمد عبادة والشيخ محمد العوفي والشيخ حسن الهواري والشيخ أبو الأنوار السادات والشيخ علي القناوي والشيخ علي خرائط والشيخ عبد القادر بن خليل المدني والشيخ محمد المكي والسيد علي القدسي والشيخ عبد الرحمن مفتي جرجا والشيخ علي الشاوري والشيخ محمد الخربتاوي والشيخ عبد الرحمن المقرى والشيخ محمد سعيد البغدادي الشهير بالسويدي وهو آخر من قرظ عليه وكنت إذ ذاك حاضرا وكتبه نظما ارتجالا وذلك في منتصف جمادى الثانية سنة أربع وتسعين ومائة وألف. ولما أنشأ محمد بك أبو الذهب جامعه المعروف به بالقرب من الأزهر وعمل فيه خزانة للكتب واشترى جملة من الكتب ووضعها بها أنهوا إليه شرح القاموس هذا وعرفوه أنه إذا وضع بالخزانة كمل نظامها وانفردت ج / 2 ص -106- بذلك دون غيرها ورغبوه في ذلك فطلبه وعوضه عنه مائة ألف درهم فضة ووضعه فيها ولم يزل المترجم يخدم العلم ويرقى في درج المعالي ويحرص على جمع الفنون التي أغفلها المتأخرون كعلم الإنسان والأسانيد وتخاريج الأحاديث واتصال طرائق المحدثين المتأخرين بالمتقدمين وألف في ذلك كتبا ورسائل ومنظومات وأراجيز جمة ثم انتقل إلى منزل بسويقة اللالا تجاه جامع محرم أفندي بالقرب من مسجد شمس الدين الحنفي وذلك في أوائل سنة تسع وثمانين ومائة وألف وكانت تلك الخطة إذ ذاك عامرة بالأكابر والأعيان فأحدقوا به وتحبب إليهم واستأنسوا به وواسوه وهادوه وهو يظهر لهم الغنى والتعفف ويعظهم ويفيدهم بفوائد وتمائم ورقي ويجيزهم بقراءة أوراد واحزاب فأقبلوا عليه من كل جهة واتوا إلى زيارته من كل ناحية ورغبوا في معاشرته لكونه غريبا وعلى غير صورة العلماء المصريين وشكلهم ويعرف باللغة التركية والفارسية بل وبعض لسان الكرج فأنجذبت قلوبهم إليه وتناقلوا خبره وحديثه ثم شرع في املاء الحديث على طريق السلف في ذكر الأسانيد والرواة المخرجين من حفظه على طرق مختلفة وكل من قدم عليه يملي عليه الحديث المسلسل بالاولية وهو حديث الرحمة برواته ومخرجيه ويكتب له سندا بذلك وإجازة وسماع الحاضرين فيعجبون من ذلك ثم أن بعض علماء الأزهر ذهبوا إليه وطلبوا منه إجازة فقال لهم: لا بد من قراءة أوائل الكتب واتفقوا على الاجتماع بجامع شيخون بالصليبة الإثنين والخميس تباعدا عن الناس فشرعوا في صحيح البخاري بقراءة السيد حسين الشيخوني واجتمع عليهم بعض أهل الخطة والشيخ موسى الشيخوني إمام المسجد وخازن الكتب وهو رجل كبير معتبر عند أهل الخطة وغيرها وتناقل في الناس سعى علماء الأزهر مثل الشيخ أحمد السجاعي والشيخ مصطفى الطائي والشيخ سليمان الأكراشي وغيرهم للأخذ عنه فازداد شأنه وعظم قدره واجتمع عليه أهل تلك النواحي وغيرها من العامة والاكابر والأعيان ج / 2 ص -107- والتمسوا منه تبيين المعاني فانتقل من الرواية إلى الدراية وصار درسا عظيما فعند ذلك انقطع عن حضوره أكثر الأزهرية وقد استغنى عنهم هو أيضا وصار يملي على الجماعة بعد قراءة شيء من الصحيح حديثا من المسلسلات أو فضائل الأعمال ويسرد رجال سنده ورواته من حفظه ويتبعه بأبيات من الشعر كذلك فيتعجبون من ذلك لكونهم لم يعهدوها فيما سبق في المدرسين المصريين وافتتح درسا آخر في مسجد الحنفي وقرأ الشمائل في غير الأيام المعهودة بعد العصر فازدادت شهرته وأقبلت الناس من كل ناحية لسماعه ومشاهدة ذاته لكونها على خلاف هيئة المصريين وزيهم ودعاه كثير من الأعيان إلى بيوتهم وعملوا من اجله ولائم فاخرة فيذهب إليهم مع خواص الطلبة والمقرىء والمستملي وكاتب الأسماء فيقرأ لهم شيئا من الاجزاء الحديثية كثلاثيات البخاري أو الدارمي أو بعض المسلسلات بحضور الجماعة وصاحب المنزل واصحابه واحبابه وأولاده وبناته ونسائه من خلف الستائر وبين أيديهم مجامر البخور بالعنبر والعود مدة القراءة ثم يختمون ذلك بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم على النسق المعتاد ويكتب الكاتب أسماء الحاضرين والسامعين حتى النساء والصبيان والبنات واليوم والتاريخ ويكتب الشيخ تحت ذلك صحيح ذلك وهذه كانت طريقة المحدثين في الزمن السابق كما رأيناه في الكتب القديمة. يقول الحقيراني كنت مشاهدا وحاضرا في غالب هذه المجالس والدروس ومجالس آخر خاصة بمنزله وبسكنه القديم بخان الصاغة وبمنزلنا بالصنادقية وبولاق وأماكن آخر كنا نذهب إليها للنزاهة مثل غيط المعدية والازبكية وغير ذلك فكنا نشغل غالب الأوقات بسرد الأجزاء الحديثية وغيرها وهو كثير بثبوت المسموعات على النسخ وفي أوراق كثيرة موجودة إلى الآن وانجذب إليه بعض الأمراء الكبار مثل مصطفى بك الأسكندراني وأيوب بك الدفتردار فسعوا إلى منزله وترددوا لحضور مجالس دروسه ج / 2 ص -108- وواصلوه بالهدايا الجزيلة والغلال واشترى الجواري وعمل الاطعمة للضيوف وأكرم الواردين والوافدين من الافاق البعيدة وحضر عبد الرزاق أفندي الرئيس من الديار الرومية إلى مصر وسمع به فحضر إليه والتمس منه الاجازة وقراء مقامات الحريري فكان يذهب إليه بعد فراغه من درس شيخون ويطالع له ما تيسر من المقامات ويفهمه معانيها اللغوية ولما حضر محمد باشا عزت الكبير رفع شأنه عنده واصعده إليه وخلع عليه فروة سمور ورتب له تعيينا من كلاره لكفايته من لحم وسمن وأرز وحطب وخبر ورتب له علوفة جزيلة بدفتر الحرمين والسائرة وغلالا من الانبار وأنهى إلى الدولة شانه فأتاه مرسوم بمرتب جزيل بالضربخانة وقدره مائة وخمسون نصفا فضة في كل يوم وذلك في سنة احدى وتسعين ومائة وألف فعظم أمره وانتشر صيته وطلب إلى الدولة في سنة أربع وتسعين فأجاب ثم امتنع وترادفت عليه المراسلات من أكابر الدولة وواصلوه بالهدايا والتحف والأمتعة الثمينة في صناديق وطار ذكره في الافق وكاتبه ملوك النواحي من الترك والحجاز والهند واليمن والشام والبصرة والعراق وملوك المغرب والسودان وفزان والجزائر والبلاد البعيدة وكثرت عليه الوفود من كل ناحية وترادفت عليه منهم الهدايا والصلات والأشياء الغريبة وأرسلوا إليه من أغنام فزان وهي عجيبة الخلقة عظيمة الجثة يشبه رأسها راس العجل وأرسلها إلى أولاد السلطان عبد الحميد فوقع لهم موقعا وكذلك ارسلوا له من طيور الببغا والجواري والعبيد والطواشية فكان يرسل من طرائف الناحية إلى الناحية المستغرب ذلك عندها ويأتيه في مقابلتها اضعافها وأتاه من طرائف الهند وصنعاء اليمن وبلاد سرت وغيرها أشياء نفيسة وماء الكادي والمربيات والعود والعنبر والعطرشاه بالارطال وصار له عند أهل المغرب شهرة عظيمة ومنزلة كبيرة واعتقاد زائد وربما اعتقدوا فيه القطبانية العظمى حتى أن احدهما إذا ورد إلى مصر حاجا ولم يزره ولم يصله بشيء لا يكون حجه كاملا فإذا ورد عليه احدهم سأله ج / 2 ص -109- عن اسمه ولقبه وبلده وخطته وصناعته وأولاده وحفظ ذلك أو كتبه ويستخبر من هذا عن ذاك بلطف ورقة فإذا ورد عليه قادم من قابل سأله عن اسمه وبلده فيقول له فلان من بلدة كذا فلا يخلو ما أن يكون عرفه من غيره سابقا أو عرف جاره أو قريبه فيقول له فلان طبيب فيقول نعم سيدي ثم يسأله عن اخيه فلان وولده فلان وزوجته وابنته ويشير له باسم حارته وداره وما جاورها فيقوم ذلك المغربي ويقعد ويقبل الأرض تارة ويسجد تارة ويعتقد أن ذلك من باب الكشف الصريح فتراهم في أيام طلوع الحج ونزوله مزدحمين على بابه من الصباح إلى الغروب وكل من دخل منهم قدم بين يدي نجواه شيئا ما فضة أو تمرا أو شمعا على قدر فقره وغناه وبعضهم يأتيه بمراسلات وصلات من أهل بلاده وعلمائها وأعيانها ويلتمسون منه الاجوبة فمن ظفر منم بقطعة ورقة ولو بمقدار الأنملة فكأنما ظفر بحسن الخاتمة وحفظها معه كالتميمة ويرى أنه قد قبل حجه والا فقد باء بالخيبة والندامة وتوجه عليه اللوم من أهل بلاده ودامت حسرته إلى يوم ميعاده وقس على ذلك ما لم يقل وشرع في شرح كتاب إحياء العلوم للغزالي وبيض منه اجزاء وأرسل منها إلى الروم والشام والغرب ليشتهر مثل شرح القاموس ويرغب في طلبه واستنساخه وماتت زوجته في سنة ست وتسعين فحزن عليها حزنا كثيرا ودفنها عند المشهد المعروف بمشهد السيدة رقية وعمل على قبرها مقاما ومقصورا وستورا وفرشا وقناديل ولازم قبرها أياما كثيرة وتجتمع عنده الناس والقراء والمنشدون ويعمل لهم الأطعمة والثريد والكسكسو والقهوة والشربات واشترى مكانا بجوار المقبرة المذكورة وعمره بيتا صغيرا وفرشه واسكن به امها ويبيت به احيانا وقصده الشعراء بالمراثي فيقبل منهم ذلك ويجيزهم عليه. ثم تزوج بعدها بأخرى وهي التي مات عنها واحرزت ما جمعه من مال وغيره ولما بلغ ما لا مزيد عليه من الشهرة وبعد الصيت وعظم القدر والجاه عند الخاص والعام وكثرت عليه الوفود من سائر الاقطار وأقبلت عليه ج / 2 ص -110- الدنيا بحذافيرها من كل ناحية لزم داره واحتجب عن اصحابه الذين كان يلم بهم قبل ذلك إلا في النادر لغرض من الاغراض وترك الدروس والأقراء واعتكف بداخل الحريم وأغلق الباب ورد الهدايا التي تأتيه من أكابر المصريين ظاهره وأرسل إليه مرة أيوب بك الدفتردار مع نجله خمسين أربا من البر وإحمالا من الأرز والسمن والعسل والزيت وخمسمائة ريال نقود وبقج كساوى أقمشة هندية وجوخا وغير ذلك فردها وكان ذلك في رمضان وكذلك مصطفى بك الأسكندراني وغيرهما وحضر إليه فاحتجب عنهما ولم يخرج إليهما ورجعا من غير أن يواجهاه ولما حضر حسن باشاالصور التي حضر فيها إلى مصر لم يذهب إليه بل حضر هو لزيارته وخلع عليه فروة تليق به وقدم له حصانا معدودا مرختا بسرج وعباءة قيمته ألف دينار أعده وهياه قبل ذلك وكانت شفاعته عنده لا ترد وأن أرسل إليه إرسالية في شيء تلقاها بالقبول والاجلال وقبل الورقة قبل أن يقرأها ووضعها على رأسه ونفذ ما فيها في الحال وأرسل مرة إلى أحمد باشا الجزار مكتوبا وذكر له في أنه المهدي المنتظر وسيكون له شأن عظيم فوقع عنده بموقع الصدق لميل النفوس إلى الأماني ووضع ذلك المكتوب في حجابه المقلد به مع الإحراز والتمائم فكان يسر بذلك إلى بعض من يرد عليه ممن يدعى المعارف في الجفور والزايرجات ويعتقد صحته بلا شك ومن قدم عليه من جهة مصر واجمع سأله عن المترجم فإن أخبره وعرفه أنه اجتمع به وأخذ عنه وذكره بالمدح والثناء احبه وأكرمه وأجزل صلته وأن وقع منه خلاف ذلك قطب منه وأقصاه عنه وابعده ومنع عنه بره ولو كان من أهل الفضائل واشتهر ذلك عنه عند من عرف منه ذلك بالفراسة ولم يزل على حسن اعتقاده في المترجم حتى انقضى نحبهما واتفق أن مولاي محمدا سلطان المغرب رحمه الله وصله بصلات قبل انجماعه الأخير وتزهده وهو يقبلها ويقابلها بالحمد والثناء والدعاء فأرسل له في سنة احدى ومائتين صلة لها قدر فردها وتورع عن قبولها وضاعت ج / 2 ص -111- ولم ترجع إلى السلطان وعلم السلطان ذلك من جوابه فأرسل إليه مكتوبا قرأته وكان عندي ثم ضاع في الأوراق ومضمونه العتاب والتوبيخ في رد الصلة ويقول له: إنك رددت الصلة التي ارسلناها اليك من بيت مال المسلمين وليتك حيث تورعت عنها كنت فرقتها على الفقراء والمحتاجين فيكون لنا ولك اجر ذلك إلا انك رددتها وضاعت ويلومه أيضا على شرحه كتاب الإحياء ويقول له: كان ينبغي أن تشغل وقتك بشيء نافع غير ذلك ويذكر وجه لومه له في ذلك وما قاله العلماء وكلاما مفحما مختصرا مفيدا رحمه الله تعالى وللمترجم من المصنفات خلاف شرح القاموس وشرح الاحياء تأليفات كثيرة منها كتاب الجواهر المنيفة في اصول ادلة مذهب الإمام أبي حنيفة رضي الله عنه مما وافق فيه الأئمة الستة وهو كتاب نفيس حافل رتبه ترتيب كتب الحديث من تقديم ما روى عنه في الأعتقاديات ثم في العمليات على ترتيب كتب الفقه والنفحة القدسية بواسطة البضعة العيدروسية جمع فيه أسانيد العيدروس وهي في نحو عشرة كراريس والعقد الثمين في طرق الالباس والتلقين وحكمة الأشراق إلى كتاب الآفاق وشرح الصدر في شرح أسماء أهل بدر في عشرين كراسا ألفها لعلي أفندي درويش وألف بأسمه أيضا التفتيش في معنى لفظ درويش ورسائل كثيرة جدا منها رفع نقاب الخفا عمن انتمى إلى وفا وابى الوفا وبلغة الاريب في مصطلح آثار الحبيب وأعلام الأعلام بمناسك حج بيت الله الحرام وزهر الأكمام المنشق عن جيوب الإلمام بشرح صيغة سيدي عبد السلام ورشفة المدام المختوم البكري من صفوة زلال صيغ القطب البكري ورشف سلاف الرحيق في نسب حضرة الصديق والقول المثبوت في تحقيق لفظ التابوت وتنسيق قلائد المنن في تحقيق كلام الشاذلي أبي الحسن ولقط اللالى من الجوهر الغالي وهي في اسانيد الأستاذ الحفني وكتب له إجازته عليها في سنة سبع وستين وذلك سنة قدومه إلى مصر والنوافح المسكية علىالفوائح الكشكية وجزء في ج / 2 ص -112- حديث نعم الأدام الخل وهدية الاخوان في شجرة الدخان ومنح الفيوضات الوفية فيما في سورة الرحمن من أسرار الصفة الالهية واتحاف سيد الحي بسلاسل بني طي وبذل المجهود في تخريج حديث شيبتي هود والمربى الكابلي فيمن روى عن الشمس البابلي والمقاعد العندية في المشاهد النقشبندية ورسالة في المناشي والصفين وشرح على خطبة الشيخ محمد البحيري البرهاني على تفسير سورة يونس وتفسير على سورة يونس مستقل على لسان القوم وشرح على حزب البر الشاذلي وتكملة على شرح حزب البكري الفاكهي من أوله فكمله للشيخ أحمد البكري ومقامة سماها إسعاف الأشراف وارجوزة في الفقه نظمها باسم الشيخ حسن بن عبد اللطيف الحسني المقدسي وحديقة الصفا في والدي المصطفى وقرظ عليها الشيخ حسن المدابغي ورسالة في طبقات الحفاظ ورسالة في تحقيق قول أبي الحسن الشاذلي وليس من الكرام إلى آخره وعقيلة الأتراب في سند الطريقة والاحزاب صنفها للشيخ عبد الوهاب الشربيني والتعليقة على مسلسلات ابن عقيلة والمنح العلية في الطريقة النقشبندية والانتصار لوالدي النبي المختار وألفية السند ومناقب اصحاب الحديث وكشف اللثام عن آداب الايمان والاسلام ورفع الشكوى لعالم السر والتزجوى وترويح القلوب بذكر ملوك بني أيوب ورفع الكلل عن العلل ورسالة سماها قلنسوة التاج الفها باسم الأستاذ العلامة الصالح الشيخ محمد بن بدير المقدسي وذلك لما اكمل شرح القاموس المسمى بتاج العروس فأرسل إليه كراريس من أوله حين كان بمصر وذلك في سنة اثنتين وثمانين ليطلع عليها شيخه الشيخ عطية الاجهوري ويكتب عليها تقريظا ففعل ذلك وكتب إليه يستجيزه فكتب إليه أسانيده العالية في كراسة وسماها قلنسوة التاج وأصيب بالطاعون في شهر شعبان وذلك أنه صلى الجمعة في مسجد الكردي المواجه لداره فطعن بعد ما فرغ من الصلاة ودخل إلى البيت واعتقل لسانه تلك الليلة وتوفي يوم الأحد فأخفت زوجته وأقاربها موته ج / 2 ص -113- حتى نقلوا الاشياء النفيسة والمال والذخائر والأمتعة والكتب المكلفة ثم اشاعوا موته يوم الإثنين فحضر عثمان بك طبل الإسماعيلي ورضوان كتخدا المجنون وادعى أن المتوفي أقامه وصيا مختارا وعثمان بك ناظرا بسبب أن زوج اخت الزوجة من اتباع المجنون يقال له: حسين أغا فلما حضروا وصحبتهما مصطفى أفندي صادق أخذوا ما أحبوه وانتقوه من المجلس الخارج وخرجوا بجنازته وصلوا عليه ودفن بقبر أعده لنفسه ذلك اليوم لاشتغال الناس بأمر الطاعون وبعد الخطة ومن علم منهم وذهب بجانب زوجته بالمشهد المعروف بالسيدة رقية ولم يعلم بموته أهل الأزهر لم يدرك الجنازة ومات رضوان كتخدا في أثر ذلك واشتغل عثمان بك بالامارة لموت سيده أيضا واهمل أمر تركته فأحرزت زوجته وأقاربها متروكاته ونقلوا الأشياء الثمينة والنفيسة إلى دراهم ونسى أمره شهورا حتى تغيرت الدولة وتملك الأمراء المصريون الذين كانوا بالجهة القبلية وتزوجت زوجته برجل من الأجناد من اتباعهم فعند ذلك فتحوا التركة بوصاية الزوجة من طرف القاضي خوفا من ظهور وارث وأظهروا ما انتفوه مما انتقوه من الثياب وبعض الأمتعة والكتب والدشتات وباعوها بحضره الجمع فبلغت نيفا ومائة ألف نصف فضة فأخذ منها بيت المال شيئا واحرز الباقي مع الأول وكانت مخلفاته شيئا كثيرا جدا أخبرني المرحوم حسن الحريري وكان من خاصته وممن يسعى في خدمته ومهماته أنه حضر إليه في يوم السبت وطلب الدخول لعيادته فأدخلوه إليه فوجده راقدا معتقل اللسان وزوجته واصهاره في كبكبة واجتهاد في إخراج ما في داخل الخبايا والصناديق إلى الليوان ورأيت كوما عظيما من الاقمشة الهندية والمقصبات والكشميري والفراء من غير تفصيل نحو الحملين وأشياء في ظروف وأكياس لا أعلم ما فيها قال: ورأيت عدد كثيرا من ساعات العبب الثمينة مبددا على بساط للقاعة وهي بغلافات بلادها قال: فجلست عند رأسه ج / 2 ص -114- حصة وأمسكت يده ففتح عينيه ونظر إلي وأشار كالمستفهم عما هم فيه ثم غمض عينيه وذهب في غطوسه فقمت عنه قال ورأيت في الفسحة التي إمام القاعة قدرا كثيرا من شمع العسل الكبير والصغير والكافوري المصنوع والخام وغير ذلك مما لم اره ولم التفت إليه ولم يترك ابنا ولا ابنة ولم يرثه أجد من الشعراء. وكان صفته ربعة نحيف البدن ذهبي اللون متناسب الأعضاء معتدل اللحية قد وخطه الشيب في أكثرها مترفها في ملبسه ويعتم مثل أهل مكة عمامة منحرفة بشاش أبيض ولها عذبة مرخية على قفاه وله حبكه وشراريب حرير طولها قريب من فتر وطرفها الآخر داخل طي العمامة وبعض أطرافه ظاهر وكان لطيف الذات حسن الصفات بشوشا بسوماوقورا محتشما مستحضرا للنوادر والمناسبات ذكيا لوذعيا فطنا المعيا روض فضله نضير وماله في سعة الحفظ نظير جعل الله مثواه قصور الجنان وضريحه مطاف وفود الرحمة والغفران. ومات الإمام العلامة والحبر المدفق الفهامة ذو الفضائل الجمة والتحقيقات المهمة الذكي الألمعي النحوي المعقولي الفقيه النبيه الشيخ عمر لبابلي الشافعي الأزهري تفقه على علماء العصر وحضر الشيخ عيسى البراوي والشيخ الصعيدي والشيخ أحمد البيلي والشيخ عبد الباسط السنديوني وتمهر في العلوم وقرأ الدروس وأخذ طريق الخلوتية على شيخنا الشيخ محمود الكردي ولقنه الأسماء ولازمه في مجالسه وأوراده ملازمة كلية ولوحظ بأنظاره وتزوج بزوجة الشيخ أحمد اخي الشيخ حسن المقدسي الحنفي وكانت مثرية فترونق حاله وتجمل بالملابس وعرفته الناس وماتت زوجته المذكورة لا عن عصبة فحاز ميراثها والتزم بحصة كانت لها بقرية يقال لها: دار البقر فعند ذلك اتسعت عليه الدنيا وسكن دارا واسعة واقتنى الجواري والخدم ومواشي وابقارا وأغناما واستأجر أرضا قريبة يزرعها بالبرسيم تغدو إليها المواشي وتروح كل يوم من أيام الربيع ثم ج / 2 ص -115- تزوج ببنت شيخه الشيخ محمود بعد وفاته وأقام منعما معها في رفاهية من العيش مع ملازمته للاقراء والافادة إلى أن ادركه الأجل المحتوم وتوفي في هذه السنة بالطاعون وكان إنسانا حسنا جم الفرائد ولفوائد مهذب الاخلاق لين الطباع حسن المعاشرة جميل الاوصاف رحمه الله تعالى. ومات العمدة الفاضل الواعظ عبد الوهاب بن الحسن البوسنوى السراى المعروف ببشناق أفندي قدم مصر سنة تسع وستين ومائة وألف ووعظ بمساجدها وأكرمه الأمراء للجنسية ثم توجه إلى الحرمين وقطن بمكة ورتب له شيء معلوم على الوعظ والتدريس ومكث مدة ثم حصلت فتنة بين الأشراف والاتراك فنهب بيته وخرج هاربا إلى مصر فالتجأ إلى علمائها فكتبوا له عرضا إلى الدولة بمعرفة ماجرى عليه فعين له شيء في نظير ما ذهب من متاعه وتوجه إلى الحرمين فلم يقر له بمكة قرار ولم يمكنه الاتزاج مع رئيس مكة لسلاقة لسانه واستطالته في كل من دب ودرج فتوجه إلى الروم ومكث بها أياما حتى حصل لنفسه شيئا من معلوم آخر فأتى إلى مكة وصار يطلع على الكرسي ويتكلم على عادته في الحط على اشراف مكة وذمهم والتشنيع عليهم وعلى اتباعهم وذكر مساويهم وظلمهم فأمر شريف مكة بالخروج منها إلى المدينة فخرج إليها وقد حنق غيظا على الشريف فلما استقر بالمدينة لف عليه بعض الاوباش ومن ليس له ميل إلى الشريف فصار يطلع على الكرسي ويستطيل بلسانه عليه ويسبه جهرا وغره مرافقة أولئك معه وأن الشريف لا يقدر أن يأتي لهم بحركة فتعصبوا وزادوا نفورا واخرجوا الوزير الذي هو من طرف الشريف وكاتبوا إلى الدولة برفع يد الشريف عن المدينة مطلقا وأنه لا يحكم فيهم أبدا وإنما يكون الحاكم شيخ الحرم فقط وأرسلوا بالعرض مفتي المدينة فكتب لهم على مقتضى طلبهم خطابا إلى أمير الحاج الشامي وإلى الشريف ولما أحس الشريف بذلك تنبه لهذه الحادثة وعرف أن اصلها من أنفار بالمدينة أحدهم المترجم واستعد للقاء أمير الحاج بعسكر جرار ج / 2 ص -116- على خلاف عادته ورام مناواته أن برز منه شيء خلاف ما عهد منه فلما رأى أمير الحاج ذلك الحال كتم ما عنده وانكر أن يكون عنده شيء من الاوامر في حقه ومضى لنسكه حتى إذا رجع إلى المدينة تنمر وتشمر وكاد أن يأكل على يده من التندم والحسرة وذهب إلى الشام ولما خلت مكة من الحجاج جرد الشريف عسكرا على العرب فقاتلوه وصبر معهم حتى ظفر بهم ودخل المدينة فجأة ولم يكن ذلك يخطر ببالهم قط فما وسعهم إلا أنهم خرجوا للقائه فآنسهم وأخبرهم أنه ما أتى إلا لزيارة جده عليه الصلاة والسلام وليس له غرض سواه فاطمأنوا بقوله وشق سوق المدينة بعسكره وعبيده حتى دخل من باب السلام وتملى من الزيارة وأقبلت عليه أرباب الوظائف مسلمين فأكرمهم وكساهم فلما أنس منهم الغفلة أمر بأمساك جماعة من المفسدين الذين كانوا يحفرون وراءه فاختفى باقيهم وتسللوا وهرب منهم خفية بالليل جماعة وكان المترجم أجد من اختفى في بيته ثلاثة أيام ثم غير هيئه وخرج حتى أتى مصر ومشى على طريقته في الوعظ وعقد له مجلسا بالمشهد الحسيني وخالط الأمراء وحضر درسه الأمير يوسف بك ومال إليه والبسه فروة ودعاه إلى بيته وأكرمه وتردد إليه كثيرا وكان يجله ويرفع منزلته ويسمع كلامه وينصت إلى قوله: ولديه بعض معرفة بالعلم على طريقة بلادهم واستمر بمصر وسكن بحارة الروم ورتب له بالضربخانة مائة ونصف فضة في كل يوم لمصروفه وصار له وجاهة عند ابناء جنسه إلى أن وقع له ما وقع مع إسمعيل باشا بسبب الوصاية على التركة كما مر ذلك آنفا وحط من قدره واهانه وحبسه نحو ثلاثة اشهر ثم افرج عنه بشفاعة علي بك الدفتردار وانزوى خاملا في داره إلى أن مات في أوائل شعبان بالطاعون سامحه الله تعالى. ومات الجناب المكرم المبجل المعظم جامع المعارف وحاوي اللطائف الأمير حسن أفندي بن عبد الله الملقب بالرشيدي الرومي الأصل مولى المرحوم علي اغا بشير دار السعادة المكتب المصري اشتراه سيده صغيرا ج / 2 ص -117- وهذبه ودربه وشغله بالخط فاجتهد فيه وجوده على عبد الله الانيس وكان ليوم إجازته محفل نفيس جمع فيه المرؤس والرئيس ثم زوجه ابنته وجعله خليفته ولم يزل في حال حياة سيده معتكفا على المشق والتسويد معتنيا بالتحرير والتجويد إلى أن فاق أهل عصره في الجودة في الفن وجميع كل مستحسن ولما توفي شيخ المكتبين المرحوم إسمعيل الوهبي جعل المترجم شيخا باتفاق منهم لما اعطى من مكارم الشيم وطيب الاخلاق وتمام المروءة وحسن تلقي الواردين وجميل الثناء عليه من أهل الدين وألف من اجله شيخنا السيد محمد مرتضى كتاب حكمة الأشراق إلى كتاب الافاق جمع فيه ما يتعلق بفنهم مع ذكر أسانيدهم وهو غريب في بابه يستوقف الراتع في مريع هضابه ولم يزل شيخا ومتكلما على جماعة الخطاطين والكتاب وعميدهم الذي يشار إليه عند الأرباب نسخ بيده عدة مصاحف وأحزاب وأما نسخ الدلائل فكثرتها لا تدخل تحت الحساب إلى أن طافت به المنية طواف الوداع ونثرت عقد ذلك الاجتماع وبموته انقرض نظام هذا الفن. ومات صاحبنا الأديب الماهر والنبيه الباهر نادرة العصر وقرة عين الدهر عثمان بن محمد بن حسين الشمسي وهو أجد الاخوة الأربعة أكثرهم معرفة وأغزرهم أدبا وأغوصهم في استخراج الدقائق واستنتاج الرقائق وامهم جميعا الشريفة رقية بنت السيد طه الحموي الحسيني ولد المترجم بمصر وربى في حجر ابويه وتعلق من صغره بمعرفة الفنون الغريبة فنال طرفا منها حسنا يليق عند المذاكرة وعرف الفرائض واستخرج منها طرقا غريبة في استحقاق المواريث في قسم الغرماء في شبابيك وله سليقة شعرية مقبولة وله معرفة باللغة جيدة يطالع كتبها ويحل عقدها ويسأل عن غرائب الفن ويغوص بذهنه على كل مستحسن ولقد نظم فرائض الدين وأسماء أهل بدر وغير ذلك وبالجملة أنه كان من محاسن الزمان توفي رحمة الله في اواخر شعبان مطعونا وخلف ولديه محمد جربجي وحسن جربجي احياهما الله حياة طيبة ج / 2 ص -118- ومات الأجل المبجل بقية السلف ونتيجة الخلف الوجيه الصالح النبيه الشيخ عبد الرحمن بن أحمد شيخ سجادة جده سيدي عبد الوهاب الشعراني مات ابوه أحمد في سنة أربع وثمانين وتركه صغيرا دون البلوغ فكفلته امه فتولى السجادة الشيخ أحمد من اقاربه وتزوج بأمه وسكن بدارهم ولما شب المرتجم وترشد اشترك معه بالمناصفة ثم توفي الشيخ أحمد المذكور فاستقل بذلك ونشأ في عز وعفاف وصلاح وحسن حال ومعاشرة ومودة وعمر البيت حسا ومعنى وأحيا مآثر اجداده واسلافه وكان شديد الحياء والحشمة والتواضع والانكسار والخشية والحلم والتؤدة ومكارم الاخلاق ولما تم كماله بدا زواله واخترمته في شبابه يد الأجل فقطعت شمس عمره منطقة الأمل وخلف ابنا صغيرا يسمى سيدي قاسما بارك الله فيه. ومات أعز الإخوان واخص الأصدقاء والخلان النجيب الصالح والاريب الناجح شقيق النفس والروح وصحبته باب الخير والفتوح المتفنن النبيه سيدي إبراهيم بن محمد الغزالي بن محمد الدادة الشرايبي من اجل أهل بيت الثروة والمجد والعز والكرم وهو كان مسك ختامهم وبموته انقرض بقية نظامهم وقد تقدم استطراد بعض اوصافه في ترجمة المرحوم سيدي أحمد رفيق المرحوم رضوان كتخدا الجلفي ومنها حرصه على فعل الخير ومكارم الاخلاق وتقيد الزاد ليوم المعاد والصدقات الخفية والأفعال المرضية التي منها تفقد طلبة العلم الفقراء والمنقطعين ومواساتهم ومعونتهم وكان يشتري المصاحف والألواح الكثيرة ويفرقها بيد من يثق به على مكاتب أطفال المسلمين الفقراء معونة لهم على حفظ القرآن ويملأ الأسبلة للعطاش ولا يقبل من فلاحينه زيادة على المال المقرر ويعاون فقراءهم ويقرضهم التقاوي واحتياجات الزراعة وغيرها ويحسب لهم هدايا هم من أصل المال وكان يتفقه على العلامة الشيخ محمد العقاد المالكي ويحضر دروسه في كل يوم وبعد وفاته لازم حضور الشيخ عبد العليم الفيومي ج / 2 ص -119- وكان ينفق عليه وعلى عياله ويكسوهم ولم يزل سمح السجية بسام الثنية إلى أن بغته الطاعون حالا وكان موته ارتجالا فنضبت جداوله واستراحت حساده وعواذله وكان الله حسنة في صحائف الأيام والليالي وروضة تنبت الشكر في رياض المعالي. فلو بعت يوما منه بالدهر كله لفكرت دهرا ثانيا في ارتجاعه. ومات أيضا من بيتهم الأجل المكرم أحمد حلبي بن الأمير علي وكان شابا لطيف الذات مليح الصفات مقبول الطباع مهذب الاوضاع. ومات أيضا من بيتهم الأمير عثمان بن عبد الله معتوق المرحوم محمد جربجي وأن من أكابر بيتهم وبقية السلف من طبقتهم ذا وجاهة وعقل وحشمة وجلالة قدر. ومات أيضا من بيتهم الأمير رضوان صهر أحمد جلبي المذكور وكان إنسانا لا بأس به أيضا. ومات من بيتهم عدد كثير من النساء والصبيان والجواري في تلك الأيام المبددة منهم ومن غيرهم عقد النظام. ومات الصنو الفريد والعقد النضيد الذكي النبيه من ليس له في الفضل شبيه صاحبنا الأكرم وعزيزنا الافخم إبراهيم جلبي بن أحمد اغا البارودي نشأ مع اخويه علي ومصطفى في حجر والدهم في رفاهية وعز ولما مات والدهم في سنة اثنتين وثمانين ومائة وألف تزوجت والدتهم وهي ابنة إبراهيم كتخدا القزادغلي بمحمد خازندار زوجها وهو محمد اغا الذي اشتهر ذكره بعد ذلك فكفل أولاد سيده المذكورين وفتح بيتهم وعانى المترجم تحصيل الفضائل وطلب العلم ولازم حضور الدروس بالأزهر في كل يوم وتقيد بحضور الفقه على السيد أحمد الطحطاوي والشيخ أحمد الخانيوشي وفي المعقول على الشيخ محمد الخشني والشيخ علي الطحان حتى ادرك من ذلك الحظ الاوفر وصار له ملكة يقتدر بها على استحضار ما يحتاج إليه من المسائل النقلية والعقلية وترونق بالفضائل وتحلى بالفواضل ج / 2 ص -120- إلى أن اقتنصه في ليل شبابه صياد المنية وضرب سورا بينه وبين الأمنية. ومات أيضا بعده بيومين أخوه سيدي علي وكان جميل الخصائل مليح الشمائل رقيق الطباع يشنف بحسن الفاظه الأسماع اخترمته المنية وحالت بساحة شبابه الرزية. ومات الصاحب الأمثل والاجل الأفضل حاوي المزايا المنزه عن النقائص والرزايا عبد الرحمن أفندي بن أحمد المعروف بالهلواتي كاتب كبير باب تفكشيان من أعيان أرباب الاقلام بديوان مصر كان اشتغل بطلب العلم ولازم حضور الاشياخ وحصل في المعقول والمنقول ما تميز به عن غيره من أهل ضناعته مع حسن الاخلاق وجميل الطباع وحضر علي الشيخ مصطفى الطائي كتاب الهداية في الفقه مشاركا لنا وأخذ أيضا الحديث عن السيد مرتضى وسمع معنا عليه كثيرا من الأجزاء والمسلسلات والصحيحين وغير ذلك وألف حاشية على مراقي الفلاح واقتنى كتبا نفيسة وكان يباحث ويناضل مع عدم الأدعاء وتهذيب النفس والسكون والتؤدة والأمارة والسيادة إلى أن أجاب الداعي ونعته النواعي واضمحل حال أبيه بعده وركبته الديون وجفاه الاخدان والمجنون وصار بحالة يرثى لها الشامت ويبكي حزنا عليه من يسمع ذكره من الناعت إلى أن توفي بعد بنحو سنتين. ومات الأمير المبجل والنبيه المفضل علي بن عبد الله الرومي الأصل مولى الأمير أحمد كتخدا صالح اشتراه سيده صغيرا فتربى في الحريم وأقرأه القرآن وبعض متون الفقه وتعلم الفروسة ورمى السهام وترقى حتى عمل خازندار عنده. وكان بيته موردا للافاضل فكان يكرمهم ويحترمهم ويتعلم منهم العلم ثم أعتقه وأنزله حاكما في بعض ضياعه ثم رقاه إلى أن عمله رئيسا في باب المتفرقة وتوجه أميرا على طائفته صحبة الخزينة إلى الأبواب السلطانية مع شهامة وصرامة ثم عاد إلى مصر وكان ممن يعتقد في شيخنا السيد علي المقدسي ويجتمع به كثيرا وكان له حافظة جيدة في استخراج الفروع ج / 2 ص -121- وأتقن فن رمي النشاب إلى أن صار أستاذا فيه وانفرد في وقته في صنعة القسى والسهام والدهانات فلم يلحقه أهل عصره واضر بعينيه وعالجها كثيرا فلم يفده فصبر واحتسب ومع ذلك فيرد عليه أهل فنه ويسألونه فيه ويعتمدون على قوله ويجيد القسى تركيبا وشدا ولقد اتاه وهو في هذه الضرارة رجل من أهل الروم اسمه حسن فانزله في بيته وعلمه هذه الصنعة حتى فاق في زمن قليل اقرانه وسلم له أهل عصره وسمع المترجم على شيخنا المذكور أكثر الصحيح بقراءة كل من الشريفين الفاضلين سليمان بن طه الأكراشي وعلي بن عبد الله بن أحمد وذلك بمنزله المطل على بركة الفيل وكذلك سمع عليه المسلسل بالعيد بشرطه وحديثين مسلسلين بيوم عاشوراء تخريج السيد المذكور أو أشياء آخر ضبطت عند كاتب الأسماء وأخذ الاجازة من الشيخ إسمعيل بن أبي المواهب الجلبي وكان عنده نفيسة في كل فن رحمه الله. ومات الشاب اللطيف المهذب الظريف الذي يحكي بادبه سنا الملك وابن العفيف محمد بن الحسن بن عبد الله الطيب ابوه مولى للقاسم الشرايبي مات أبوه في حداثته وكان مولد سنة أربع وستين ومائة وألف وكفله صهره سليمان بن محمد الكاتب أجد كتاب المقاطعة بالديوان ونشأ في الرفاهية والنعم وعانى طلب العلم فنال منه ما اخرجه من ربقة الجهل وتعلق بالعروض واخذه عنه الشيخ محمد بن إبراهيم العوفي المالكي فبرع فيه ونظم الشعر إلا أنه كان يعرض شعره للذم بالتزامه فيه ما لا يلزم توفي في غرة شعبان من السنة. ومات الصنو الفريد والنادرة الوحيد النبيه اللبيب والمفرد العجيب الفاضل الناظم الناثر سيدي عثمان بن أحمد الصفائي المصري تقدم ذكره في ترجمة والده أحمد أفندي كاتب الروزنامة بديوان مصر ونشأ هو في ظل النعمة والرفاهية وقرأ النحو المنطق على كل من الشيخ علي الطحان والشيخ مصطفى المرحومي حتى مهر فيهما وكان يباحث ويناضل ج / 2 ص -122- ويناقش أهل العلم في المسائل العقلية والنقلية وقرأ علم العروض وأتقن نظم الشعر وجمع الظروف وكان فيه نوع من الخلاعة واللهو وله وله تخميس على البردة واشعار كثيرة ولم يزل رافلا في حلل السعادة حتى حلت بساحة شبابه الشهادة وتوفي مطعونا بمليج وهو ذاهب لموسم المولد الاحمدي بطندتا في شهر رجب وقد ناهز الأربعين وحضروا به إلى مصر محمولا على بعير فغسل وكفن ودفن عند والده رحمه الله. ومات الخواجا المعظم والتاجر المكرم السيد أحمد ابن السيد عبد السلام المغربي الفاسي نشأ في حجر والده وتربى في العز والرفاهية حتى كبر وترشد وأخذ واعطى وباع واشترى وشارك وعامل واشتهر ذكره وعرف بين التجار ومات أبوه واستقر مكانه في التجارة عرفته الناس زيادة عن أبيه وصار يسافر إلى الحجاز في كل سنة مقوما مثل ابيه وبنى داره ووسعها وأضاف إليها دكة الحسبة التي بجوار الفحامين وانشأ دارا عظيمة أيضا بخط الساكت بالازبكية وانضوى إليه السيد أحمد المحروقي واحبه واتحد به اتحادا كليا وكان له أخ من ابيه بالحجاز يعرف بالعرايشي من أكابر التجار ووكلائهم المشهورين ذو ثروة عظيمة فتوفي وصادف وصول المترجم حينئذ إلى الحجاز فوضع يده على ماله ودفاتره وشركاته وتزوج بزوجته وأخذ جواره وعبيده ورجع إلى مصر واتسع حاله زيادة على ما كان عليه وعظم صيته وصار عظيم التجار وشاه النبدر وسلم قياده وزمامه في الأخذ والعطاء وحساب الشركاء إلى السيد أحمد المحروقي وارتاح إليه لحذقه ونباهته ونجابته وسعادة جده ولم يزل على ذلك حتى اخترمته المنية وحالت بينه وبين الأمنية وتوفي في شعبان مطعونا وغسل وكفن وصلى عليه بالمشهد الحسيني في مشهد حافل بعد العشاء الاخيرة في المشاغل ودفن عند أبيه بزاوية العربي بالقرب من الفحامين والتجأ السيد أحمد المحروقي إلى محمد اغا البارودي كتخدا إسمعيل بك فسعى إليه واقره مكانه وأقامه عوضه في كل شيء وتزوج بزوجاته وسكن داره ج / 2 ص -123- واستولى على حواصله وبضائعه وامواله ونما أمره من حينئذ وأخذ واعطى ووهب وصانع الأمراء واصحاب الحل والعقد حتى وصل إلى ما وصل إليه وادرك ما لم يدركه غيره فيما سمعنا وراينا كما قيل: وإذا السعادة لاحظتك عيونها نم فالمخاوف كلهن أمان ومات الأمير الكبير إسمعيل بك وأصله من مماليك إبراهيم كتخدا وانضوى إلى علي بك بلوط قبان فجعله اشراقه وأقره ونوه بشأنه وقلده الصنجقية بعد موت سيدهم وزوجه بهانم ابنة إبراهيم كتخدا وعمل لهما مهما عظيما ببركة الفيل شهرا كاملا في سنة أربع وسبعين كما تقدم ذكر ذلك وكان من المهمات الجسيمة والمواسم العظيمة التي لم يتفق نظيرها بعده بمصر ولم يزل منظورا إليه في الأمارة مدة علي بك وأرسله في سرياته واعتمده في مهماته وبعثه إلى سويلم بن حبيب بتجريدة فلم يزل يحاربه حتى هزمه وفر إلى البحيرة فلحقه هناك ولم يزل يتبعه ويرصده حتى قتله وحضر برأسه إلى مخدومه وذلك في أواخر سنة اثنتين وثمانين ومائة وألف. وسافر إلى الشام صحبة محمد بك أبي الذهب لمقاتلة عثمان باشا ابن العظم وأغاروا على البلاد الشامية وحاربوا يافا أربعة اشهر حتى ملكوها وسافر قبل ذلك في تجاويد الصعيد وحضر غالب مواقف الحروب مع محمد بك ومستقلا إلى أن بدت الوحشة بين محمد بك وسيده علي بك وخرج مع محمد بك إلى الصعيد وجرى بينهما الدم بقتله أيوب بك فأخرج إليه علي بك جردة عظيمة احتفل بها احتفالا زائدا وأميرها المترجم فلما التقى الجمعان القى عصاه وخامر على مولاه وانضم بمن معه إلى محمد بك فشد عضده وخان مخدومه وحصل ما حصل من تقلبهم واستيلائهم كما ذكر واستمر مع محمد بك يراعي حرمته ويقدمه على نفسه ولا يبرم أمرا إلا بعد مشاورته ومراجعته وتقلد الدفتردارية وأميرا على الحج سنتين بشهامة وسير حسن ولما مات محمد بك لم تطمح نفسه للتصدر ج / 2 ص -124- في الرياسة والأمارة بل تركها لاتباعه وقنع بحاله واقطاعه ولزم داره التي عمرها بالازبكية فناكدوه وطمعوا فيما لديه وقصد مراد بك اغتياله فخرج إلى خارج وتبعه المغرضون له ويوسف بك وغيره وحصل ما هو مسطر ومشروح في محله من تملكه وقتله يوسف بك وأسمعيل بك الصغير بمساعدة العلوية ثم غدروا به حتى آل الأمر به إلى الخروج إلى البلاد الشامية وافتراق جمعه ثم سافر إلى الروم مع بعض أتباعه ومماليكه وذهب منه غالب ما اجتمع لديه من الأموال وذهب إلى اسلامبول فأقام بها مدة ثم نفوه إلى شنق قلعة وخرج منها بحيلة تحيلها على حاكمها ثم ركب البحر إلى درنة ووصل خبر ذلك إلى الأمراء بمصر فخرج مراد بك ليقطع عليه الطريق الموصلة إلى قبلي وأرصد له عيونا ينتظرونه بالطريق وأقام على ذلك شهورا فلم يقفوا له على خبر وهو يتنقل عند العربان حتى أنه اختفى عند بعضهم نيفا وأربعين يوما في مغارة ثم إنه تحيل وأرسل من القى إلى مراد بك أنه مر من الجهة الفلانية بمعرفة الرصد المقيمين فحنق مراد بك وركب في الحال ليقطع عليه الطريق وتفرق الجمع من ذلك المكان فعند ذلك اجتاز إسمعيل بك ذلك الموضع وعداه في زي بعض العربان وخلص إلى القضاء الموصل للبلاد القبلية وذهب مراد بك في نهاية مشواره فلم ير أثرا لذلك الخبر فرجع إلى المكان الذي عرفوه سلوكه فوجد المرابطين على ماهم عليه من التيقظ إلى أن تحقق عنده أنه تحيل بذلك ومر وقت ارتحال مراد بك من ذلك الموضع فرجع بخفي حنين ولم يزل حتى كان ما كان ووصل حسن باشا على الصورة المتقدمة ورجع إلى مصر وتملكها واستقل بإمارتها بعد ثغر به تسع سنين ومقاساته الشدائد وظن أن الوقت قد صفا له واستكثر من شراء المماليك واحترقت داره وبناها احسن مما كانت عليه وحصن المدينة وسورها من عند طرا والجيزة وحصنها تحصينا عظيما من الجبل إلى البحر من الجهتين حتى أنه لما اصيب بالطاعون أحضر أمراءه وقال لعثمان بك: طبل بحضرتهم ج / 2 ص -125- أنت كبير القوم الباقية فافتح عينك وشد حيلك فاني حصنت لكم البلد وصيرتها بحيث لو ملكتها امرأة لم يقدر عليها عدو وتمرض يومين ومات في الثالث سادس عشر شعبان من السنة وكان أميرا جليلا كفؤا للامارة جهوري الصوت عظيم الهمة بعيد الغور كبير التدبير يحب الصلحاء والعلماء ويتادب معهم ويواسيهم ويقبل شفاعتهم ويكرمهم وله فيهم اعتقاد عظيم حسن ولما مات غسل وكفن وصلي عليه في مصلى المؤمنين ودفن بتربة علي بك مع سيدهما إبراهيم كتخدا بالقرب من ضريح الإمام الشافعي بالقرافة ولم يفلح بعده خليفته عثمان بك واضاع مملكته وسلمها لاخصامه وأخصام سيده. ومات الأمير رضوان بك وهو ابن اخت علي بك الكبير أمره وقلده الصنجقية وجعله من الأمراء الكبار فلما مات خاله واستقل بالمملكة محمد بك انزوى وارتفعت عنه الأمرية وأقام بطالا هو وحسن بك الجداوي مدة أيام محمد بك فلما مات محمد بك وظهر بالإمارة إبراهيم بك ومراد بك لم يزل على خموله إلى أن وقع التفاقم بينهم وبين إسمعيل بك فانضم هو وحسن بك إلى إسمعيل بك وساعداه فرد لهما أمرياتهما ونوه بشأنهما ثم نافقا عليه وخذلاه عندما سافر معهما إلى قبلي وكانا هما السبب في غربته المدة الطويلة كما ذكر ثم وقع لهما ما وقع مع المحمدية وذهبا إلى الجهة القبلية وأقاما هناك فلما رجع إسمعيل بك من غيبته انضم إليهما ثانيا ولم يزل معهما وافترق منهما المترجم وحضر إلى مصر وانضم إلى المحمدية ولما حضر حسن باشا وخرج معهم رجع ثانيا بامان واستمر بمصر حتى حضر إسمعيل بك وحسن بك فأقام معهم أميرا ومتكلما وتصادق مع علي بك كتخدا الجاويشية وعقد معه المؤاخاة ونزل مرارا إلى الأقاليم وعسف بالبلاد ولما سافر حسن باشا وخلالهما الجو فجر وتجبر وصار يخطف الناس ويحبسهم ويصادرهم في اموالهم تعدى شره لكثير من الفقراء ولم يزل هذا شأنه حتى أطفأ صرصر الموت شعلته وحل بساحته ج / 2 ص -126- الطاعون ولم يفلته وأراح الله منه العباد وكان أشقر خبيثا. ومات الأمير الأصيل رضوان بك بن خليل بن إبراهيم بك بلفيا من بيت المجد والعز والسيادة والرياسة وبيتهم من البيوت الجلية القديمة الشهيرة بمصر ولم يكن بمصر بيت عريق في الأمارة والسيادة إلا بيتهم وبيت قصبة رضوان وجميع أمراء مصر تنتهي سلسلتهم إليهما وبيت القازغلية أصل منشتهم ومغرس سيادتهم من بيت بلفيا كما تقدم لأن إبراهيم بك بلفيا جد المترجم مملوك مصطفى بك ومصطفى بك مملوك حسن اغا بلغيا وهو سيد مصطفى كتخدا القازدغلي ومصطفى هذا كان سراجا عند حسن اغا ورقاه وأمره حتى جعله كتخدا باب مستحفظان ونما أمره وعظم شأنه وباض وأفرخ فجميع طائفة القازدغلية تنتهي نسبتهم إليه كما ذكر ذلك غير مرة ولما توفي خليل بك والد المترجم في سنة خمس وثمانين بالحجاز في امارته على الحج وترك اخاه عبد الرحمن اغا وولده رضوان هذا ورجع بالحج عبد الرحمن اغا المذكور وبعد استقرارهم اجتمعت أعيان بيتهم وأرادوا تقليد عبد الرحمن أغا صنجقا عوضا عن أخيه فأبى ذلك فاتفقوا على تقليد ابن أخيه رضوان المذكور فكان كذلك وقلدوه الأمارة وفتح بيتهم وأحيا مآثرهم وانضم إليه أتباعهم وسار سيرا حسنا بعقل ورياسة لولا لثغة في لسانه وتقلد أمير الحج سنة 1192 وكان كفؤا لها وطلع ورجع في أمن وراحة ورخاء ولم يزل في سيادته حتى توفي في هذه السنة واضمحل بيتهم بموته وماتت أعيانهم وعظماؤهم وخرب البيت بالكلية وانمحت آثارهم وانطفأت انوارهم وبطلت خيراتهم وخمدت حركاتهم ومن جملة ما رأيته من خيراتهم في أيام رضوان بك هذا مائة قارىء من الحفظة يقرأون القرآن كل يوم في الأوقات الخمسة في كل وقت عشرون قارئا وقس على ذلك. ومات الأمير سليمان بك المعروف بالشابوري وأصله من مماليك سليمان كاويش القازدغلي فهو خشداش حسن كتخدا الشعراوي تقلد ج / 2 ص -127- الإمارة والصنجقية سنة تسع وستين ونفى مع حسن كتخدا المذكور وأحمد جاويش المجنون كما تقدم في سنة ثلاث وسبعين فلما كانات أيام علي بك وورد من الديار الرومية طلب الأمداد من مصر للغز وأرسل علي بك فاحضر المترجم وقلده امارة السفر فخرج بالعسكر في موكب على العادة القديمة وسافر بهم إلى الديار الرومية وذلك سنة ثلاث وثمانين ورجع بعد مدة وأقام بطالا محترما مرعي الجانب ينافق كبار الدولة وانضم إلى مراد بك فكان يجالسه ويسامره ويكرمه المذكور فلما حضر حسن باشا كان هو من جملة المتآمرين فلما استقر إسمعيل بك في إمارة مصر اعتنى به وقدمه ونظمه في عداد الأمراء لكبر سنه واقدميته وكان رجلا سليم الباطن لا بأس به توفي بالطاعون في هذه السنة. ومات الأمير الجليل عبد الرحمن بك عثمان وهو مملوك عثمان بك الجرجاوي الذي قتل في واقعة قراميدان أيام حمزة باشا سنة تسع وسبعين كما تقدم فقلدوا عبد الرحمن هذا عوضه في الصنجقية فكان كفؤا لها وكان متزوجا ببنت الخواجا عثمان حسون التاجر العظيم المشهور المتوفي في أيام الأمير عثمان بك ذي الفقار وخلف منها ولده حسن بك وكان المترجم حسن السيرة سليم الباطن والعقيدة محبوب الطباع جميل الصورة وجيه الطلعة وكان محمد بك أبو الطهب يحبه ويجله ويعظمه ويقبل قوله ولا يرد شفاعته وكان يميل بطبعه إلى المعارف ويحب أهل العلم والفضائل ويجيد لعب الشطرنج ومن مآثره أنه عمر جامع أبي هريرة الذي بالجيزة على الصفة التي هو عليها الآن وبنى بجانبه قصرا وذلك في سنة ثمان وثمانين ولما أتمه وبيضه عمل به وليمة عظيمة وجمع علماء الزهر على كرسي وأملى حديث من بنى لله مسجدا بحضرة الجمع وكان شيخنا السيد محمد مرتضى حاضرا وباقي العلماء والمشايخ والحقير في جملتهم وكنت حررت له المحراب على انحراف القبلة ثم انتقلنا إلى القصر ومدت ج / 2 ص -128- الاسمطة وبعدها الشربات والطيب وكان يوما سلطانيا توفي رحمه الله في شعبان بمنزله الذي بقيسون جوار بيت الشابوري ودفن عند سيده بالقرافة. ومات في أثره ولده حسن بك المذكور وكان فطنا نجيبا ويكتب الخط الجيد ويميل بطبعه إلى الفضائل ودويها منزها عما لا يعنيه من النقائص والرذائل عوض الله شبابه الجنة. ومات الأمير سليم بك الإسماعيلي من مماليك إسمعيل بك قلده الأمارة في سنة احدى وتسعين وخرج مع سيده إلى الشام ثم رجع إلى مصر بعد سفر سيده إلى الروم وأقام بها بطالا في بيته بجوار المشهد الحسيني ببعض خدم قليلة ويذهب إلى المسجد في الأوقات الخمسة فيصلى مع الجماعة ويتنفل كثيرا ولم يزل على ذلك حتى رجع سيده إلى مصر فرد له إمارته ورجع إلى داره الكبيرة وتقلد امارة الحج في سنة اثنتين ونزل إلى إقليم المنوفية وجمع المال والجمال ورجع وطلع بالحج وعاد في أمن وأمان ولم يزل في امارته حتى توفي بالطاعون في هذه السنة وكان طوالا جسيما خيره أقرب من شره. ومات الأمير علي بك المعروف بجركس الإسماعيلي وهو من مماليك إسمعيل بك أيضا وقلده الأمارة في مدته السابقة واسكنه ببيت صالح بك الذي بالكبش ولما تغرب سيده حضر إلى مصر وأقام خاملا وسكن بالكعكين وكان لطيفا مهذبا خفيف الروح ضحوك السن يحب العلماء والصلحاء ويتأدب معهم ويكرمهم ولما مات خشداشة إبراهيم بك قشطة تزوج بعده بزوجته بنت إسمعيل بك ولم يزل حتى توفي بعد سيده بأيام قليلة. ومات الأمير غيطاس بك وهو من بيت صالح بك تابع مصطفى بك القرد وكان يعرف أولا بغيطاس كاشف تقلد الأمارة في سنة مائتين وتولى امارة الحج في سنة 1201 فسار فيها سيرا حسنا وطلع بالحد ورجع مستورا ج / 2 ص -129- واستمر أميرا إلى أن مات على فراشه بالطاعون في بيته بخط باب اللوق فقلدوا بعده مملوكه صالح امارته وهو موجود إلى الآن في الاحياء وكان المترجم أميرا جليلا محتشما قليل التبسم من رآه ظنه متكبر السكون جاشه وكان لا بأس به في الجملة. ومات الأمير علي بك الحسني وهو من مماليك حسن بك الجداوي قلده الأمارة في أيام حسن باشا وتزوج بزوجة مصطفى بك الداودية المعروف بالاسكندراني وكان لطيف الذات جميل الطباع سهل الانقياد قليل العناد توفي في رجب من السنة بالطاعون ودفن بالمشهد الحسيني بمدفن القضاة ووجدت عليه زوجته وجدا كثيرا. ومات الأمير رضوان كتخدا وهو من مماليك أحمد كتخدا المجنون تنقل في المناصب حتى تولي كتخدائية الباب بحشمة وشهامة وعقل وسكون ولما استقل إسمعيل بك في امارة مصر نوه بشأنه واحبه وصار في تلك الأيام أجد المتكلمين المشار إليهم في الأمر والنهي ونفاذ الكلمة والرياسة وكان قريبا إلى الخير واشتهر أكثر من سيده وصار له أولاد وعزوة واتباع ومماليك وبنى لأكبر أولاده دارا بدرب سعادة وسكن هو في بيت أستاذه توفي في اواخر شهر شعبان وكذلك أولاده وجواريه ومماليكه وخربت بيوتهم في أقل من شهر. ومات الأمير عثمان آغا مستحفظان الجلفي وأصله من مماليك رضوان كتخدا الجلفي وتربى عند خليل بك شيخ البلد القازدغلي ولم يزل يتنقل في خدم الأمراء ومعاشرتهم حتى تقلد الاغاوية في أيام إسمعيل بك ثم عزل عنها وتولاها ثانيا أياما قليلة ومات أيضا بالطاعون وخلف شيئا كثيرا من المال والنوال أخذه جميعه حسن بك الجداوي لأنه كان منضوبا إليه وفي طريقتهم أنهم يرثون من يكون منتسبا إليهم أو جارا لهم وكان إنسانا لا بأس به ومحضره خير ويحب اقتناء للكتب والمسامرة في الأخبار والنوادر مع ما فيه من نوع البلادة ج / 2 ص -130- ومات الأمير المبجل حسن أفندي شقبون كاتب الحوالة وأصله مملوك أحمد أفندي مملوك مصطفى أفندي شقبون نشأ في الرياسة وخدمة الوزراء والاكابر وحاز شيئا كثيرا من الكتب النفيسة والتي بخط الأعاجم والفارسية والخطوط التعليق المكلفة والمذهبة والمصورة مثل كليلة ودمنة وشاهنامة وديوان حافظ والتواريخ التي من هذا القبيل المصور بها صور الملوك البديعة الصنعة والاتقان الغالية الثمن النادرة الوجود وكان قريبا إلى الخير محتشما في نفسه توفي أيضا بالطاعون وتبددت كتبه وذخائره. ومات الأمير محمد آغا البارودي وهو مملوك أحمد أغا مملوك إبراهيم كتخدا القازدغلي رباه سيده وجعله خازنداره وعقد له على ابنته فلما توفي سيده في سنة ثمان وثمانين طلقها وتزوج بزوجة سيد هانم بنت إبراهيم كتخدا من الست البارودية وهي أم أولاده إبراهيم وعلي ومصطفى الذين تقدم ذكرهم والتي كان عقد عليها كانت من غيرها فتزوجها حسن كاشف من اتباعهم تنبه المترجم وتداخل في الأمراء والأكابر وانضوى إلى حسن كتخدا الجربان عندما كان كتخدا مراد بك فقلده في الخدم والقضايا وأعجبه سياسته وحسن سعيه فارتاح إليه وكان حسن كتخدا المذكور تعتريه النوازل فينقطع بسببها أياما بمنزله فينوب عنه المترجم في الكتخدائية عند مراد بك فيحسن الخدمة والسياسة وتنميق الأمور ويستجلب له المصالح فأحبه وأعجب به وقلده الأمور الجسيمة وجعله أمين الشون فعند ذلك اشتهر ذكره ونما أمره واتسع حاله وانفتح بيته وقصدته الناس وتردد إليه الأعيان في قضاء الحوائج ووقفت ببابه الحجاب واتخذ له ندماء وجلساء من اللطفاء وأولاد البلد يجلس معهم حصة من الليل ينادمونه ويسامرونه ويضاحكونه ويشرب معهم وماتت زوجته ابنة سيد سيده من بنت البارودي فزوجه مراد بك أكبر محاظية أم ولده أيوب وأتت إلى بيته بجهاز عظيم وصار بذلك صهرا لمراد بك وزادت شهرته ورفعته فلما حصلت الحوادث ووصل حسن باشا وخرج مراد بك من مصر فلم يخرج ج / 2 ص -131- معه واستمر بمصر وقبض عليه إسمعيل بك وحبسه مع عمر كاشف ببيته ثم نقلهما إلى القلعة بباب مستحفظان مدة فلم يزل المترجم حتى صالح عن نفسه وأفرج عنه وتقيد بخدمة إسمعيل بك وتداخل معه حتى نصبه في كتخدائيته واحبه واحتوى على عقله فسلم إليه قياده في جميع اشغاله وارتاح إليه وجعله أمين الشون والضربخانة وغيرهما فعظم شانه وارتفع قدره وطار صيته بالأقاليم المصرية وكثر الإزدحام ببابه وجبيت إليه الأموال وصار الإيراد إليه والمصرف من يده فيصرف جماكي العسكر ولوازم الدولة وهداياها ومصاريف العمائر والتجاريد واحتياجات أمير الحاج وغير ذلك بتؤدة وزياقة وحسن طريقة من غير جلبةولا عسف ولا شعور لأحد من الناس بشيء من ذلك وكل شيء سأل عنه مخدومه أو أشار بطلبه أو فعله وجده حاضرا ولم يشتغل أمراء الحاج في زمن إسمعيل بك بشيء من لوازم الحج بل كان هو يقضي جميع اللوازم من الجمال والارحال والقرب والخيش والعليق والذخيرة التي تسافر في البحر والبر وعوائد العرب وكساويهم والهجن والبغال وأرباب الصيت وغير ذلك ليلاونهارا في أماكن بعيدة عن داره تحت أيدي مباشريه الذين وظفهم وأقامهم في ذلك بحيث إذا اقتضى لأحدهم شيئا أتاه وأسر له في أذنه فيوجهه بطرف كلمة ولا يشعر أجد من الجالسين معه بشيء وإذا كان وقت خروج المحمل فلا يرى أمير الحاج إلا جميع احتياجاته ولوازمه حاضرة مهيأة على أتم ما يكون وأكمله وزوج ابنة سيده لخازنداره علي أغا وعمل لهما مهما عظيما عدة أيام وحضر إسمعيل بك والأمراء والأعيان وأرسلوا إليه الهدايا العظيمة وكذلك جميع التجار والنصارى والكتاب القبط ومشايخ البلدان وبعد تمام أيام العرس ولياليه بالسماعات والآلات والملاعيب والنقوط عملوا للعروس زفة بهيئة لم يسبق نظيرها ومشى جميع أربا الحرف وأرباب الصنائع مع كل طائفة عربة وفيها هيئة صناعتهم ومن يشتغل فيها مثل القهوجي بآلته وكانونه والحلواني والفطاطري والحباك والقزاز ج / 2 ص -132- بنوله حتى مبيض النحاس والحيطان والمعاجيني وبياعين البز وأرباب الملاهي والتماءالمغنيين وغيرهم كل طائفة في عربة وكان مجموعها نيفا وسبعين حرفة وذلك خلاف الملاعيب والبهالوين والرقاصين والجنك ثم الموكب وبعده الاغوات والحريم والملازمون والسعاة والجاويشية وبعدها عربة العروس من صناعة الافرنج بديعة الشكل وبعدها مماليك الخزنة والملبسون الزروخ وبعدهم النوبة التركية والنفيرات وكانت زفة غريبة الوضع لم ينفق مثلها بعدها وبلغ المترجم في هذه الأيام من العظمة ما لم يبلغه أجد من نظرائه وكان إذا توجهت همته إلى أي شيء اتمه على الوجه الذي يريده ويقبل الرشوة وإذا أحب إنسانا قضى له اشغاله كائنة ما كانت من غير شيء فلما مات مخدومه إسمعيل بك وتعين في الأمارة بعده عثمان بك طبل استوزره أيضا وسلمه قيادة في جميع أموره وهو الذي أشار عليه بممالاته الأمراء القبليين عندما تضايق خناقه من حسن بك الجداوي ومناكدته له فكاتبهم سرا بسفارته وأطمعهم في الحضور وتمكينهم من مصر ومات المترجم في اثناء ذلك في غرة رمضان وذلك بعد إسمعيل بك بأربعة عشر يوما. ومات الصنو الوجيه والفريد النبيه محمد أفندي بن سليمان أفندي ابن عبد الرحمن أفندي بن مصطفى أفندي ككليويان ويقال لها: في اللغة العامية جمليان نشأ في عفة وصلاح وخير وطلب العلم وعانى الجزئيات والرياضيات ولازم الشيخ المرحوم الوالد وقرأ عليه كثير من الحسابيات الفلكيات والهيئة والتقويم ومهر في ذلك وانتظم في عدد أرباب المعارف واشترى كتبا كثيرة في الفن واستكتب وكتب بخطه الحسن واقتنى الالات والمستظرقات وحسب وقوم الدساتير السنوية عشرة اعوام مستقبلة بأهلتها وتواريخها وتواقيعها ورسم كثيرا من الآلات الغريبة والمنحرفات وكان شغله وحسابه في غاية الضبط والصحة والحسن وكان لطيف الذات مهذب الاخلاق قليل الأدعاء جميل الصحبة وقورا مات أيضا بالطاعون ج / 2 ص -133- في شعبان وتبددت كتبه وآلاته. ومات أيضا الخدن الشقيق والمحب الشفيق النجيب الاريب الأمير رضوان الطويل وهو من مماليك علي كتخدا الطويل وكان من هذا القبيل متولعا من صغره بهذا الفن وقرأ على الشيخ المتقن الشيخ عثمان الورداني وغيره وأنجب وحسب ورسم واشتغل فكره بذلك ليلا نهارا ورسم الأرباع الصحيحة المتقنة الكبيرة والصغيرة والمزاول والمنحرفات وغير ذلك من الآلات المبتكرة والرسميات الدقيقة واتسع باعه في ذلك واشتهر ذكره إلى أن قطعت يد الأجل نواره واطفأت رياح المنية أنواره. ومات الجناب المكرم والاختيار المعظم الأمير إسمعيل أفندي الخلوتي اختيار جاويشان كان رجلا من أعيان الاختيارية في وقته معروفا صاحب حشمة ووقار ومعرفة بالسياسة وأمور الرياسة ولم يزل حتى توفي في شهر شعبان سنة 1205 بالطاعون. ومات أيضا الجناب المكرم محمد أفندي باشقلفة وهو مملوك يوسف أفندي باشقلفة وخشداش محمد أفندي ثاني قلفة وعبد الرحمن أفندي وكان مليح بالذات جميل الصفات تقلد كتابة هذا القلم عندما تلبس السيد محمد باشقلفة بكتابة الروزنامة فسار فيها سيرا حسنا وحمدت مساعيه إلى أن وافاه الحمام وسارت نواعيه. ومات أيضا النبيه اللطيف والمفرد العفيف أحمد أفندي الوزان بالضربخانة وكان إنسانا حسنا جميل الاوضاع مترهف الطباع محتشما وقورا ودودا محبوبا لجميع الناس من ص 91 الي صفحة 133.ش

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

تابع أخبار مكة وما جاء فيها من الآثار

أخبار مكة وما جاء فيها من الآثار   ج1وج2. ج / 1 ص -3- بسم الله الرحمن الرحيم مقدمة التحقيق: لا نعرف عن بدايات التأليف في...